أنا …

١

أنت مجرد إناءٍ فارغ، يقوم المجتمع بملئِه بما شاء وكيفما شاء، أما أنا فإنسانٌ حُر، سأجعل من مجتمعك إناء لأملأه بالحرية والإنسانية والكرامة والإبداع، فأنا المجتمع، والمجتمع في نظري مجرد إناء.

٢

فَلْذةٌ من كبد كاتب، ورغوةٌ من ضميره، وبركان قلم، يأبى الصلاة في المحراب، ذلك الحلم الساهد وراء جفوني.

٣

وما عذابي إلا لأنني أكرَعُ النور من ثدي السراج الضَّئيل، بينما يسرق الآخرون الظلام.

٤

مَن قال لك ما قالت الأشجان في قلبي؟

حين تراها تغدرني دموع البلاغة، أو يُغمى على قلمي أمام الكلمات، فقد جفَّ القلب، حيث قطَّر القلم.

٥

يلذ لي أحيانًا أن أمسك بلحَى بعضهم، ثم أضربُ رأس هذا بذاك، فقد كثُرت اللحى وقَل أصحاب النُّهى، وكثرت المدارس وقَل الخالقون.

٦

ويمضي قلمي، يتلمس الحلال والحرام في الكلمات، وينفث شهوته، بينما لساني غريبٌ في فَمي.

٧

أحاول جمع شعاع نفسي، كي أرى الصباح من فوهة عينيَّ الغارقتَيْن في بِركة دمٍ، وفي أنفاسي وهَج الحنين إلى المساء الذي لا أرى فيه سوى نفسي.

٨

وجعي، أراك طاويًا في ظلام هذا النهار، تأكل أشفارك القاسية، وتشرب مآقيك الساخنة، وكأنما أشفق عليك حين أراك يتيمًا تلتصق بزاويتك، تتكوَّم فيها كقصاع أحلامنا المتعثِّرة، وتتهادى على يديك، كلما كلَّت أبصارنا عن رؤيةِ الجادة، أوَتظنُّك خارجًا دوني، وأنت الوفي الذي لا ينسى معروفًا، ولا يُضيع مظلومًا؟ خذني إليك وفي مسارك، طالما سال رضاب فكري، واتَّقدت قريحة ذهني، واستوت مطامحي في سياقها؛ فالفكر وجع، وأنت فكري الذي أوجعني.

٩

كيف لا أستقيم في طريقي، وأنا الذي سقطْت ألف مرة، أثناء بحثي عن الطريق.

١٠

أن أموت ويدي مخضَّبة بدمي، أجلُّ من أن أموتَ أمام بوابات الدنيا المُوصَدة في وجهي.

١١

أحبكَ؛ لأني أحب نفسي فيك.

أكرهك؛ لأني فهمتكَ من خلال رؤيتي وتجربتي.

١٢

كدارس للقانون، أقترح على سوق التأمينات، ابتداع عَقْد يتجدد كل ستة أشهر كحدٍّ أقصى، يضمن عدم انطفاء التالي:
  • (١)

    الوفاء.

  • (٢)

    التضحية.

  • (٣)

    الحب.

١٣

لو تتركني هذه المشاعر الماجنة لوحدي، لتشاغلت بربطِ حذائي عن السير في آلامِ هذه الأمة.

١٤

صحوت أنظر للمرآة، فلم أرَ ملامحي، وإنما رأيت الكثيرَ من الحزن والألم؛ على هيئة عُمَّال البناء، يصنعون ويرممون شخصي.

١٥

أقاوم الصبر بالقليل من الضعف، حتى أتقوَّى بالكثير من التَّجرِبة.

١٦

أبحث عن منفًى خارج الصورة، أرى فيه الحياة التي لم أرَها، بالصورة التي تمَّ كسرها في حياتي.

١٧

كطالب للقانون، أجد أن لا مستقبلَ للقانون، طالما المستقبل مُتعلق بالاستقامة، ولا استقامة طالما أن القانون من وضع الإنسان.

١٨

أشعر بتكسُّرٍ في داخلي، كشققةٍ شيباء، تضرب سكون المحيط.

١٩

لم أزَل معلِّقًا قلبي على أسوار وطني، أنوح على صنعاء.

٢٠

سأنتصر لوحدتي يومًا، وسأشكِّل منها أغلبية الواحد، ففي حروفي نبوءَتي وسلاحي.

٢١

بدأت رحلتي في قلبي، حتى أدركت الغد، الذي طالما حرَمني منه الأمس.

٢٢

تتألب الأسئلة في رأسي، كلما نظرتُ للإنسان، وغفلت عن الرب.

٢٣

أحسست بسياطٍ في فكري، وبوخزةٍ حادَّة في دمي، وأنا أتأمل هذا الكاهن الأحمق، المسمى زورًا «إنسان».

٢٤

لا أستطيع أن أفهم المنطق الاستئصالي من رجلٍ قرأ التاريخ؛ لأن الدماء لم تُوقفِ الدماء، وإنما أوقفها الفكر.

٢٥

لم يعرف التاريخ فاتحًا رحيمًا كقلبي، يذهب إلى الحب فاسقًا، ويئُوب عاشقًا.

٢٦

في اللحظة التي ينفضُّ فيها شغب مشاعري عني، أقف متأملًا وجهَ ذلك البؤس الذي ينهرُني.

٢٧

وإني لأحلم، والحلم حقٌّ، أن تسير الرياح مع سفينتي المعطَّلة في المحيط.

٢٨

نظرت إلى ما وراء البحر يومًا، وإلى ما وراء الجبل، فوقفت طفولتي تسألني عما وراءهم، وحين كَبِرت، أدركت أن طفولتي كانت وراء البحر والجبل معًا، مع العلم بأني الوحيد، الذي كان يجهلُ ذلك.

٢٩

يستثيرني ذلك الأعمه الذي يدعو الله في كل خطبة جمعة، ألا تخرب بلاد المسلمين، في الوقت الذي أصبحت فيه أكبر من عجاجة.

٣٠

أُكحِّل عينيكِ بإثمِد النهار، كي أرى في الليل ما حجَب النهار.

٣١

أنا كالمسيح صُلبت في جذع الألم.

وفيَّ من قول المسيح خطاب.

٣٢

أعيريني قلبكِ حتى تسمعي مشاعري، فتسارعي إلى أعماقي، تسكبين خمر جنَّتِك، بعد صديد جهنمك.

٣٣

من الممكن أن أكونَ أي شيء، إلا أنني لن أقبل أن أكون من علماء الإسلام، حتى أحصل على جواز أهل الكفر.

٣٤

ماتت التي ولدت قلبي، ليتها لم تلِد.

٣٥

زرعتُ حُبي ببذور الوجع، ولست أدري متى لأغصانها أن تبسق.

٣٦

ولقد رأيت حبيبتي بعينِ خيالي، كالأرجوان الدموي، تحت ضوءٍ جديد.

٣٧

ما أصغرني حين كبرت في عينيك، وأنا الصغير الذي لم يكبُر.

٣٨

خلقت الحب يومًا من خيالي، ولكنه لم يكن في حياتي، أكثر من الخيال.

٣٩

في قلة حياء الوجع، شكوت للطريق التي فوق الطريق عيائي، ودمعتي في قلبي، لطالما أبكَتْني.

٤٠

إذا ما غادرتِ صدفة الفؤاد، واستقليتِ سواقي الألم، لن أكتم عنكِ هذا السر أبدًا؛ لقد أدركت أخيرًا، أن إشعاع جمالك أغراني في جميعِ النساء.

٤١

وداعًا يا حبيبة الروح وروح الحبيب، وداعًا يا زهرة الوزَّال اللدنة، ويا نظارتي التي أقرأُ بها الروايات الثرية، ويا سُكَّر قلبي إذا ما أحمضته الحياة، وسَكْرَة الحياة.

٤٢

في شذوذٍ عن قوامك، رأيت جمالك المطهم، وانحسار نقابِك عن وجهك الثاغم، أشبه بأنينِ محبرة تحت أوزار الكتابة.

٤٣

طويت أشرعتي من على مراكب الوهم، وطفِقت مهووسًا إلى مراكب المرأة، فعكَّازة الأعمى لن تصنع نصرًا، ولن تشيد صرحًا، حتى يُبصِر، ولن يبصر ما لم تقدح الخمصانة المِكسال كئُوس خمرها في رأسه.

٤٤

اليوم وفي مثل هذا اليوم، أبحث عن ولادةٍ جديدة دون ولادتي الأولى، ولادة قيصرية تعجِّل بي إلى الدنيا، وفي عقيدتي قُبلة امرأة تعادل حرارة خطوطِ الاستواء.

٤٥

أيها الحب:

فطمت قلبي عن سِواك، وفطرت روحي في هواك، ولم يبقَ منِّي سوى الهيكل، فقدِّسني، يا قدسي المحتل، على سرير آمالي القاسية.

٤٦

إذا كانت السعادة زفرةً باردةً في سكون الوعي، فقد رفضتها واخترت معاناتي؛ ففي معاناتي روافد وعي، وفي سعادتك بذور الانكسار.

٤٧

في رأسي ضباب كثيف، ولم أعد أسمع غير وَجيب قلبي، وحين أحاول الهروب إلى حيث لا أدري، تقف أمامي الجُدر العارية.

٤٨

إذا ما صدَّعت الأنواء مراكب حريتي، ووجدت في مراكب عبوديتي مساحةً للخيار، لاخترت عبودية الجمال، ولما رضيت بعبودية القوة يومًا.

٤٩

أين الخير في تراجيديا الترداد: كل عام وأنتم بخير؟

لا أستطيع اعتقادها؛ لأني لا أراها، وإن قلتها؛ فلأني أقدر على قولها فقط؛ إذ أشعر بأن قول هذه الكلمة، أو عدم قولها، أصبح خادشًا للحياء.

٥٠

إن عقلي ليسألني عن عقلي، وإن نفسي لتسألني عن هدوئها، وإن روحي لتسألني عن راحتها، ولا أجدني جديرًا بالإجابة، حتى أغادر جسدي المشقوق عن جسَدي، أو يغادرني.

٥١

لقد كانت تطوي ضلوعَها على قلبٍ كبير، وتغسل كلماتها في شفاهها، كإبريقٍ مزجَّج، مسَّه النار والمطر معًا.

٥٢

دماء صدري تغرق في عيني كلما رمقت أنيني، حتى إنني لم أعد أسمع سوى ذاك الأنين اليتيم. فهل تراني فقدت بصري، أم أنني لم أبصر بعد؟

٥٣

يا ألله، أنت بداية الطريق، وتضاعيف الطريق، ومحطَّات الطريق كلها، ونهاية الطريق التي لا نهاية لها. فكن لمن غالبته نفسُه، واستبدَّ به هواه.

٥٤

أعيدوني إلى ذلك الأفق الوميض، أو أَوْدِعوني في الأفق، فبغالُنا وحميرُنا، لا يزالون عالِقين في العقبة.

٥٥

ليس معنى أن أكون طيِّبًا وخلوقًا، ألا أكون مجرمًا وسفَّاحًا، تلك المعاني ليست أكثر من جزئيات في شخصيتي، لا شخصيتي كلها.

٥٦

ألا رحمةً يا شجوني! فما في صحائف المُنى غير الدموع السخينة المختلطة بعصير الفكر، وملامح كأس لم يتشكَّلْ بعد في أحداقي.

٥٧

إن الناس لا تمسح تراب أوجاعي، إلا إذا مسحت لها طريق العبور إلى وجَعي، وكم كان حريًّا بي أن أمسحَ ترابي بيدي، دون تلك الطريق.

٥٨

أكاد أعتقد، أنني إذا ما تهت في بحر المعارف، قاصدًا الحقيقة لا سواها، لا بدَّ وأن أجدَني في اللحظة الأخيرة من السُّقوط الأخير، فإن سقطتُ دون أن أتبين وجهها، كان الله لي بفضل نيتي، لا بهوَّةِ سقوطي.

٥٩

أنا لا أحتاج إلا لذلك الشخص الذي احتاج الناس يومًا، فإذا ما احتاج إليه الناس، كان به البأو والكِبر كما يكون الطفل بلُعبته، أما احتياجي إليه، فغالبه الضحك على انتفاخه البارد.

٦٠

لا يد تجسد أنباضي، غير يد قلبُها في يدي، تلك التي ستسمع قلبي حين يقرع أَضْلُعي.

٦١

تلك المآذن الناشِبة في أعماقي، تئنُّ من صوت رياح الفكر، ومن نزيز جراح العقل، وهي بين ذلك ما انفكَّت تبحث عن بلال.

٦٢

ارسمني أيها الأمل، بربك ارسمني، حتى أكون من أوليائك الجامحين، وأربابك الطامحين، فإني أتعثَّر أحيانًا في رسمك.

٦٣

ذلك الوهَج العالق في كبِدي، الهائج في أحداقي، إن لم يكن يقينًا فهو أقرب من اليقين.

٦٤

أبكي الكلمات الدامعة من عيني، وشهيقي يَختنق، ومكبرات الصوت ترجف من خلفي: ابكِ كبكاء النساء أيها المتمرِّد، فأنت في مملكة الرثاء.

٦٥

أوَليست كل معدات دفني جاهزة إذا ما قضيت؟

٦٦

أنا أكره النوم، وأراه غريزة من غرائز السرقة والذل، وكم تمنيت أن أجدَ عقاقير أستعيض بها عنه؛ إذ ستأتينا ساعةٌ ننام فيها عميقًا، فلماذا ننام قبل أن تدق الساعة؟

٦٧

سكبت على منبر أحلامي قنينة خمر، فثمِلت ولم أستيقظ، وشربت من ينبوع صبري عزمًا، فوجدتني كمسحوق ذهب على صفيحٍ من فولاذ.

٦٨

إنني لأحتار مرارًا، في كيفية أن أكون إنسانًا يسعى في تثمير وتخصيب شخصه، بغية إفادة أمته، وفي أن يحافظ على ما يقيم به أوَدَه وأوَد مَن يعول. هل تصدقون يا سادة أن هذين الخطين متجانفان تمامًا؟

٦٩

لن أكون مع وطني، ولن أكون مع محرابي، ولن أكون مع عَشيرتي، في الحالة التي أفقد فيها إيماني بها أو بأحدها، أو أي أمرٍ أو موقفٍ أو شخص لا أجدني مضطرًّا لتقديره، وسأدافع عن رؤيتي حيال ذلك بالصمت، والعزلة، والإبداع.

٧٠

إني لأعشق الحديث للصمت الذي يسمعني ولا أسمعه، لأنين الأقحوان العالق على متن غُصنٍ، لحبات الدموع المكوَّرة على خد عجوز أكلها الكِبَر، لم أعد أجد لكلماتي قلبًا سوى تلكم القلوب اللاهثة، اللاغبة، المتعبة، تلكم القلوب التي استلبها القدر لحافَ اللذَّة، ومكانز الغرور، ووهبها أباريق الوجع الصافي الذي لم يختلط بشائبةٍ، وأكرمها بنعيم الحنان الغامر، حتى اغترَرت بمفاتن الفطرة التي تشوقني إليها، وطلبت المنبر كي أفرط مسبحة الحرف، ثم لُذت بالصمت كطفلٍ رأى معطف أمه في الظلام، فظنه رأس ذئب.

٧١

جالست ذلكم الفقير وهو يبكي من قلبي، وعيناي تنهال بدموعه السخينة، فوضعت كفي باحثًا عن موضع ذلك الملح السائل من جراح الكيان فلم أجده، فتبعثرت أبحث حتى رأيت داخله، فاندفعت متشبِّثًا بألواح روحه الساكنة، أشاهد ملامح الضوء البادي منه، وفي مخيالي عبارة العظيم «اللهم عبدًا رسولًا»، بها اتقدت الرؤيا وبُذرت سنابل البشرى، بذلكم العظيم لاحت المشارق والمغارب مِن على دابته، والحجارة تضغط على بطنه وتشد على مئزره، وبينما أنا مطرق تساءلت عن سرِّ هذا السحر في المترَبين، وعن سحر راحتنا على كفوفهم اللدنة اليابسة، فوجدت أن ذلك هو القرار الذي أتينا منه، وإن شطنَّا فسنظل ميَّالين إلى قرارنا الأول الأصيل، فما أغنى حياة الفقير في البؤس، وما أشد فقرنا في الغناء!

٧٢

هنا وطني … ممسك بأكفانه البيضاء، والدماء تتسرب من بين أصابعه النحيلة، وفي فمه ظمأ الهواجر، وفي عيونه أرَق الأبدية.

٧٣

أريد أن أسأل:

كيف لهذا الجمال الشامخ أن يموت، بينما تقف جميع النساء في الجانب الآخر؟

٧٤

وهي تتموع وتتغنوج على سفح نهر، وخلف ستار المحسوسات، وقف قلبي، كيما يغير ميزان دقاته.

٧٥

أنا … مسكون بالعاصفة، كلما رأيت البرق يمزِّق السماء.

٧٦

ألا ليت وطني تحوَّل في هذا اليوم إلى رماد؛ حتى لا تعيث فيه الزواني خرابًا، وتحدجه عيون الداعرين.

٧٧

في اعتقادي، أن ما مِن وطنٍ ولا أمة، إلا وسيحل بها الدمار والشنار يومًا ما، إن عاجلًا أو آجلًا.

٧٨

أراهم وقد نُسج على أفواههم لجام الإفحام، كما لو خُلِقت شخوصهم على قواعدَ رملية.

٧٩

كطعنة سكينٍ مغموسٍ بالسم، دخلت إلى قلبي الباكي.

٨٠

اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وزدني علمًا ينفعني.

٨١

لا أزال أظن أن المرأة التي لا تفهم معنى أن تكون زوجة، لن تفهم معنى أن تكون مطلقة.

٨٢

وجدتهم يتسرولون بسراويل الموت، بغية ازدراد الإمام عليَّ بجُبَّته وحذائه، فغصوا، وفي غصتهم تلك، كان ينبوع مرارتهم وظلمتهم وعذابهم.

٨٣

ضجيجٌ يستبيح خفَقان قلبي ويقلق نوم روحي، وتخاريف شتى ملء فمي، وضحكة طفلٍ تكاد تتدلى على شفَتي، وتهاويم عُلوية نازحة من السماء، ولغة مغلقة لا تفصح، بعد أن استحالت إلى سؤال، أهان تفكير الباحث، وكرَّس أوهام المتوجس، وغرغرة قلم يكاد يختنق من الكتابة، وفيَّ تتاخم حدود التوهان.

٨٤

في اليوم الذي أُصاب فيه بالجنون، سأعلن بكبرياء عن رَزانة عقلي، أما اليوم فما زلت مهتمًّا بالجنون.

٨٥

أنا لا أثق فيمَن يدعي الإيمان بالله، وهو غير مؤمن بنفسه.

٨٦

لم تقتلني الحقيقة يومًا، إلا أن الوهم قتلني كل يوم.

٨٧

أنا أَسيرُ حريتي يا مجنون، قد حير البلاء بصري، واستنهض القبر جثتي، وهذا حذائي يصرخ في وجهك.

٨٨

أنا أفكر في الوطن العربي، إذن أنا مُتهم.

٨٩

كلما أرى كف امرأة أو قدمها، وما عليها من الأظافر الطويلة، كأنما أرى كفَّ كلب، أو قدم سبع.

٩٠

أبكتني طفلة كنت قد رأيتها ذات مساء، وفي يدها جرة من اللبن، تمشي الهوينا فيسقط منها بعض ما في الجَرَّة، وهي تضحك، إذ تبتهج بتلك الخطوط التي ترسمها على الطريق، حين كانت في طريقها إلى الله، دون أن تعلم بأن الله لم يعد وحده في السماء، حتى طائرات الإف ١٦ كانت في انتظارها.

٩١

أعمل دائمًا على تجاوز نفسي، أن أتخطى قيودها فأكسرها، ولا أفكر في أن أتجاوز الآخر، إذ الآخر بالنسبة لي ليس أكثر من حواجز في أعماقي، أقوم على إزاحتها يومًا بعد آخر، متحديًا أغلالي الداخلية وتحت أقدامي ديناميت لا أعلم متى يستيقظ، إلا أنني وجدت الخوف مَضيعةً لوقتي الثمين، لعمري الذي لا يعود، لجسارتي التي تتحداني.

وجدتني أصارع كي أكون واثبًا، فوجدتني واثبًا بعد كل صراع، ولن يسقط المسار، حتى وإن تعثرت الأقدام في تربة الأقزام يومًا، فالقلم كالمعبد، والمعبد مداد حبر، لا يتهدم وإن تهدمت قوائمه.

٩٢

اصنعيني أيتها العجينة من ذرَّاتك، فأنا السائل الذي يبحث عن الماء والدقيق.

٩٣

في ظني أن السلطة الرابعة في الدول غير الديمقراطية، أقوى من السلطات الثلاث.

٩٤

وفي تراويح روحي ألف ساجدة
قامت بكفِّ الهوى تكتب رواياتي
وفي جروحي من الأقلام معركةٌ
لم يسقط الحبر بل ثبَّت راياتي
وثورة الدم في الأنباض غائرةٌ
كرمحٍ اعوجَّ من أرياش غاراتي
تأبى المروءة يا ولدي تغادرني
ويرفض الناس آمالي وغاياتي
فلا تبين بحق الله في أمرٍ
إلا بقولِ ارتحق من فم جداتي
وفيَّ يا وضح الأنهار معجزةٌ
أرى بعين أحزاني انتصاراتي
فما بقي حال حتى صرت ممتنًّا
من قمة الرأس من إفراط مأساتي
تلك التي أورثتني مبرد ودم
أقطع أحلامي الصغرى بآهاتي
واستوثقتني بأن الحلم في يدها
لن تستبيح الحِمى إن خُنت راحاتي
فاستثمر الصبر في أهداب ملحمتي
معنًى يغرد في صفصاف واحاتي
استنهضوا أيها الأحرار خندقكم
واستذكروا في نهاياتي بداياتي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤