الفصل الثالث

علِم شاو لماذا كان روبرت ويست سياسيًّا شابًّا واعدًا لمَّا رآه وهو يتعامل مع الصحفيين غير الصبورين. أسقط حدثًا أو حدثَين مُهمَّين في القصة التي رواها، ولكن ما أراده الصحفيون أن يعودوا إلى مكاتبهم وبحوزتهم الوقائع الأساسية. الألغاز والدوافع ستكون لعبة الغد.

قال بوب حين أجاب على آخر سؤال: «سأُضطر أن أمرَّ برواق الأعضاء. أفضِّل أن أتحاشاهم على السُّلَّم الخلفي، لكن الله أعلم بالشائعات التي ستنتشر الآن.»

سار شاو خلف ويست في الطرقة المصطفة بالخزانات إلى الساحة ذات الشكل ثماني الأضلاع حيث يدق جرس البرلمان. سرعان ما انتهت جلسات مجلس العموم بعد التصويت الساعة التاسعة، والساعة الآن العاشرة والنصف ولا تزال مجموعات الأعضاء تقف متحمسة للنقاش فيما جرى اليوم، وحينها تلاشت الأزمة المهددة بعد إعلان أغلبية الحكومة. أُعجب شاو بأسلوب صديقه مرة أخرى.

تدافع الجميع نحو ويست إذ تمكن من إنكار الشائعات، وهدَّأ من رُوع الأعضاء الكبار الغاضبين، وتعامل مع شابة ساخرة أرادت أن تعرف لماذا أطلق الرَّصاص على مليونير واحد نحيل وبائس بدلًا من توجيه المدفع الرشاش إلى كل الجالسين في الصف الأمامي.

وجد دون نفسه أخيرًا يصحب بوب وينزلان إلى الطابق السفلي، علَّق: «شابة صفيقة. أهي سكرتيرة أم ابنة عضو؟»

تعجَّب بوب: «ابنة! إنها العضو جريس ريتشاردز، أحدث الأعضاء المنضمين إلينا. ألم تسمع عن جراسي؟»

«يا ربي، وهل هذا ما يرسله الناخبون البريطانيون كي يحكموا بقايا إمبراطورية كانت عظيمة في يوم من الأيام؟ إذن، لا عجب من تعطُّل سَير العمل.»

استدار بوب ويست غاضبًا ومواجهًا لصديقه: «وما المشكلة مع الفتيات أمثال جراسي؟ إنهن أعقل بكثير من هؤلاء القوم الذين نحاول أن نهدئهم. يأتي القائد العجوز بيلتويسل ومعه أوراقه النقدية ونظارته. تخيل أنك تسمعه يقول إن أمريكا ستعلن الحرب غدًا لأن مليونيرًا كهلًا ذهب وأطلق الرَّصاص على نفسه في مكان ما كان ينبغي له أن ينتحر فيه.»

«لا شك أن الآنسة جراسي ريتشاردز ستتقصى أرضية مجلس العموم المغطاة بأصحاب الملايين الميتين من دون أن تتهيب. لكن اعذرني لأنني نكأت الجرح. أعني هل هو جرح؟ لا أراك مناصرًا نزيهًا للمرأة يا بوب.»

استشاط ويست غضبًا ولكنه لم يتفوَّه بكلمة بينما استعاد معطفه وقبعته. وقف الرجلان لحظات عند مدخل قاعة الأعضاء وحينها دوَّت صيحة من شرطي قوي البنية «تاكسي، تاكسي» في الميدان. ارتفعت أجراس ساعة بيج بن مدوية في سماء نوفمبر المظلمة. خيم الصمت على ساحة القصر. وفي الساحة، تركن بضع سيارات لأعضاء لا يزالون بالأعلى.

وقف رجال الشرطة عند كل مدخل. لما فتح الشرطي المحترم باب سيارة الأجرة التي أوقفها من أجلهما وأركبهما بأمان، قال دون شاو: «يبدو أن الأمور على ما يرام والأمن مستتب.»

«الأمن مستتب؟ ينبغي أن أعتقد ذلك. الشرطة والمحققون ذوو الملابس المدنية في كل ركن. تهتم وزارة الداخلية بشأن أعضاء البرلمان وكأنهم مجوهرات التاج. ولكن، اللعنة، لم تتوقع الشرطة أن تفتش ضيوفنا على العشاء بحثًا عن أسلحة. والأسوأ أن ترتبط المسألة بوزير الداخلية. ألم تسمع بيلتويسل العجوز — النذل — وهو يقول: «إذا لم يتمكن رئيس سياسي في شرطة سكوتلانديارد من الاعتناء بضيوفه …» ستضحك علينا تلك البلدة اللعينة غدًا.»

عاش روبرت ويست في شقة تتوفر بها مقومات الحياة — غرفتين ومعهما غرفة منقسمة إلى حمام ومطبخ صغير فوق بعض المنشآت التجارية في سوهو. لما فتح ويست بوابة الشارع وصعِد السلَّم الضيق المظلم مصطحبًا دون، ضحك دون: «يخيل لي أن مؤامرة تحاك هنا.» رد ويست بنخرة جافة، وفتح باب الشقة عند نهاية السلَّم وأخذ خطابات ملقاة عند عتبة الباب ورماها على طاولة صغيرة لما علق معطفه وقبعته. أشعل نيران المدفأة وأخذ زجاجة ويسكي وجهاز تفريغ من الدولاب وأحضر كوبين زجاجيين ثم رمى نفسه في كرسي من دون أن يتحدث.

قال دون: «لا أريد المزيد من الويسكي. هل لديك غلاية؟ أريد كوب شاي مركَّز، وأريدك أن تشرب كوبًا أنت أيضًا. كلا، لا تقلق» حينها أصدر بوب حركة تنمُّ عن نفاد صبره «سأحضر أنا الشاي.»

لما شغل دون نفسه بتحضير الشاي، ظل بوب يتحرك في الشقة من دون أن يهدأ باله، يأخذ كتابًا ويعيده إلى مكانه، يرفع سماعة الهاتف ويضعها على الخطاف مرة أخرى من دون مكالمة أحد، ينفعل على منفضة سجائر معبَّأة ويقسم بنبرة حادة. لم يلاحظ شاو تململه. كان يتحرك مثل امرأة عجوز إذ كان حريصًا وهو يتحرك في الشقة الصغيرة غير المرتبة والرثة. وضع الأكواب السميكة على صينية الشاي بمنتهى اللطف وحملها إلى غرفة المعيشة. قال بنبرة هادئة: «لا فائدة من إهدار كل تلك الطاقة العصبية وتمزيق نفسك بين أحزانك. سنناقش المسألة كلها بعناية الآن، أو الأفضل أن نناقشها عندما يحين وقت النوم بالليل. لكن على أية حال، لا ذنب لك، وفي الحقيقة، لا ذنب لوزير الداخلية أيضًا في تلك المسألة.»

أدخل ويست يديه في جيبيه. «أنا لست وحشًا مُتبلِّد المشاعر يا دون. لكني لست قلقًا بسبب أويسيل ولا بسبب الطريقة التي أردى بها نفسه قتيلًا. بل أرى أننا — أقصد الحكومة — كنا سنأخذ مسألة موته من منظور فلسفي بحت إذا وقع الحادث في مكان آخر، أو حتى لو كنا نعلم السبب في وقوعه هنا. ولكن تلك الواقعة تنذر بأسوأ فوضى؛ ستنتفض أمريكا، وستتأجج أسعار الأسهم في البورصات، وسيتوقف القرض. ولماذا؟ يا إلهي يا دون، أكثر ما يثير الجنون في السياسة أن تعرف معلومات كثيرة عن بعض الأمور، ومِن ثَم تدرك كم المعلومات التي لا يُسمح لك بمعرفتها.»

رد شاو مهدئًا له: «لا يبدو أن الوزير انزعج على الإطلاق.»

«تقول ذلك لأنك لا تعرفه. لم يبلغ الوزير ذلك المنصب بفضل حنكته والجميع يعلم ذلك. إنه أغبى شخص في بعض المسائل. لكنه يبرع في المواقف التي تستدعي التهرب من اللوم. من يحفظ ماء الوجه هو أنفع عضو في مجلس الوزراء، ولذا يعتمد عليه رئيس الوزراء في تلك المسائل.»

قال دون: «بالتأكيد أنه تمكن من عدم إظهار تعبيرات وجهه في ليلة الخلاص تلك. ولكن القراءة العامة لقوائم ضحاياه هو لا تحسن ذلك الموقف. أين رئيس الوزراء من كل هذا؟»

قبل أن يجيب ويست، قرع جرس الباب بصوتٍ عالٍ. تحرك دون نحو الباب.

«هل هذا سانكروفت؟»

«نعم، لا تنزل السلَّم. ساني معه مفتاح. كثيرًا ما ينام هنا حين يتأخر في الليل في المجلس.»

نادى صوت رنان من الصالة: «هل أحضر شرابًا لكما؟ يا لها من ليلة من ليالي يونيو! يهطل مطر غزير الآن. هل تنتحب على المليونير يا صديقي بوبي أم تراها الفوضى التي ستحل على الحكومة غدًا بسبب هذا الاضطراب الطفيف؟» دخل سانكروفت وبدأ يخلع حذاءه بجانب المدفأة.

«يا للهول! هل هذا كل الويسكي الذي تُرك لثلاثة أفراد؟ جيد أنكما تحتسيان الشاي مكانها. حسنًا، جلبت بعض الأخبار كي تحمس الأجواء إذا لم يحمسها الويسكي. تُرى ما الذي حدث لصديقك أويسيل الآن؟»

سأل ويست: «شيء حدث لأويسيل؟ ألم يمت في النهاية؟»

«مات ولن يعود إلى الحياة، ولكنه تعرض للسرقة.»

«تعرض للسرقة … متى؟ هل بعدما انتحر أم عندما كان يتناول الطعام؟»

ارتدى سانكروفت نعلًا قديمًا من نعال بوب، وملأ غليونه من جرة تبغ كبيرة. «يخيَّل إليَّ أن السرقة وقعت في الوقت نفسه … لا، بل بعده بفترة قصيرة. أُذيعت الأخبار عبر شريط تلغراف وأنا أغادر المكتب بعدما انتهيت من أعمالي.»

«ألم تكن في موقع الحدث حينها؟»

«ليس أنا. رسميًّا، لا يُفترض مني الاهتمام بأي حدث لا يقع في مجلس العموم، وأنا أبذل قُصارى جهدي تشجيعًا لهذا الرأي. وعلى أية حال، يتولى فريق الجرائم لدينا مهمة شبيهة لتلك. لا أريد الشاي عزيزي بوبي. لماذا تسمح لرجالٍ آتين من بلاد غريبة أن يغروك بشرب هذه الأشياء؟ لا عجب من أن تنهض وتقتل ضيوف رئيسك في العمل عند أدنى استفزاز …»

أُلقيت وسادة على فمه. وضع سانكروفت الوسادة خلف رأسه ووضع قدميه على رف الموقد.

«والآن بُنيَّ بوب، كان عليك أن تخبر عمك بالمعلومات الخفية بشأن هذا الحفل البسيط الذي أُقيم في الغرفة جيه. ظللت أبحث عن سجلات السيد جورج أويسيل ويبدو لي أنه كان ضيفًا مهمًّا.»

«ما المعلومات التي توصَّلت إليها عنه؟»

«إنه مدير مؤسسة «أمريكان فورين لونز» ورئيس شركة «إكلير تيكسان أويل». وفي وقت فراغه، يبدو أنه يدير مشروعًا أو مشروعين آخرين مفيدين. والآن، لا أرى وزير الداخلية مهتمًّا بشركة إكلير تيكسان أويل. أظن أنه لا يملك الكثير من المال، وما يملكه مجمَّد في أوراق مالية كاسدة للغاية. لكن مؤسسة «أمريكان فورين لونز» مختلفة نوعًا ما. أكان ظلًّا لرئيس الوزراء الموقر، فأنا أظن أن وزارة الخزانة على علم بتلك الواقعة السعيدة … أم تُراها لا تعلم؟ رئيس الوزراء لدينا وغد لأنه لا يسمح لكل وزارة أن تعمل فيما يخصها إذ جعلها تسعد بالاهتمام باختصاصات أخرى.»

كان ويست يجدل شوكة تحميص سلكية ويحولها إلى أشكال غريبة. وضعها جانبًا وبدأ يغدو ويروح في الغرفة.

«ساني، لديك ما لديَّ من معلومات. أبقى مجلس الوزراء على سرية المفاوضات بشأن القرض. اضطروا لذلك. لا يمكنك تولي عمل كهذا في متحف ألبرت هول وتفرض رسومًا على الدخول. ولكن على حد علمي، كان الطرفان يُتمَّان صفقة مباشرة. كانت الشروط شديدة، ولكن حسبما أتذكر، كان أويسيل ووزير الداخلية يحاولان الوصول إلى تسوية وعمل مفاجأة لرئيس الوزراء.»

سأل شاو: «إذن، لماذا اختار أويسيل تلك اللحظة وأطلق الرَّصاص على نفسه من دون أن يعطي وزير الداخلية ولو تلميحًا؟»

قال سانكروفت: «وهل السرقة محض صدفة؟ كلا يا صديقي، هناك شيء غامض بشأن تلك القضية.»

جلس الرجال الثلاثة يدخنون الغليون بعد تعليقات سانكروفت، ثم استهلوا حديثهم حينما قُرع جرس الباب بصوت عالٍ مرة أخرى.

ذهب شاو إلى النافذة وحاول أن ينظر في الشارع بين زخات المطر الغزيرة، وقال: «من سيأتي في هذه الساعة؟ هل ينبغي أن نفتح الباب؟»

قال سانكروفت: «الأفضل أن نرى من الطارق. قد يكون أحد ما في ورطة الآن. سأنزل، وإذا كان شخصًا لا يحمل معلومات جديدة عن ذلك اللغز، فلن أسمح له بالدخول، ما لم تكن بانتظار ضيف خاص الليلة يا بوب.»

بادله ويست الابتسامة وعاد إلى جدل شوكة التحميص السلكية حتى ناداه سانكروفت من الصالة: «بوب، إنه المفتش بلاكيت.»

خرج ويست كي يرحب بضيفه وسمع شاو صوتًا عميقًا لكنه لطيف يقول: «أنا أعتذر إليك حقًّا على مجيئي في هذا الوقت يا سيد ويست، ولكن تعيَّن عليَّ أن أراك.»

«لا عليك أيها المفتش. لم نشعر بالنعاس حتى الآن. دون، هذا المفتش بلاكيت، واحد من أفضل رجال شرطة سكوتلانديارد.»

ابتسم دون: «سعيد لأنني قابلت واحدًا منهم في الواقع. هلا بكأس أيها المفتش؟»

لما كان شاو يمارس طقوسه في إعداد الويسكي والصودا، أخذ انطباعًا عن الوافد الجديد من أسلوبه الهادئ واللين. المفتش له جسم ضخم ولون بشَرته مثل سكان الدول الاسكندنافية ووجهه مرح ويرتدي بدلة لونها أزرق قاتم ومظهره يدل جزئيًّا على أنه صاحب سلطة، ولكنه يحترم سلطة الآخرين جزئيًّا، وتلك الصفة ملموسة في أصحاب الرتب العليا في الشرطة البريطانية.

سأل المفتش وهو يأخذ الكأس من دون: «أذاك الرجل الذي كان يتناول الطعام معك؟»

«نعم، بالطبع تعرف سانكروفت.»

قال المفتش مبتسمًا: «أعرفه حق المعرفة، ولكنه يخبرني أنه هنا بصفته صديقًا لك وليس بصفته صحفيًّا، لنتحدث عن العمل.»

قال سانكروفت: «بالطبع سمعت عن سرقة شقة أويسيل الليلة»، لكنه تمنَّى لو لم يتفوَّه بكلمة.

«تعالَ إلى هنا. أظن أنك أخذت الخبر من شريط التلغراف. يا له من حزنٍ بالغٍ على جينكس، أليس كذلك؟»

لهث بوب: «جينكس، ماذا حدث له؟»

قال المفتش آسفًا: «مات هو الآخر. ظننت أنكم تعرفون بما أنكم على علم بأمر السرقة. ضربه اللصوص بالرَّصاص.»

قال سانكروفت: «لم يكن هذا الخبر في الرسالة الأولى التي رأيتها. انتقل جينكس إلى الدار الآخرة! جينكس، أفضل حارس لدى وزير الداخلية. ناولني قبعتي، سيظن رئيسك أن اليوم ليس يوم حظه يا بوب.»

سأل شاو: «ولكن من يكون، أو من كان جينكس؟»

«أخبرتك على الغداء. إنه الحارس الخاص لوزير الداخلية. لقد أنقذ حياة الوزير حينما كان في منصب وزير الخارجية في الحكومة السابقة، ولذا اتخذه الوزير حارسًا له ومستودع أسراره، وكان يهتم لأمره كثيرًا. كان أفضل حارس حقًّا ذلك الشاب البائس.»

قال المفتش: «الدافع الأساسي لمجيئي هنا هو التحدث بشأن جينكس. لا بدَّ أنه مات باسلًا وهو يدافع عن ممتلكات أويسيل من اللصوص، ولكني لا أفهم البتة سبب تواجده هناك. لماذا لم تقع حماية أويسيل على عاتق شرطة سكوتلانديارد كما جرت العادة؟»

قال ويست وهو يدفع جرة التبغ إلى بلاكيت: «لأنه ببساطة لن تكون حمايته من مسئوليتكم. مع احترامي لرجالكم أيها المفتش، فإن الحراس الذين توفرونهم للزوار المرموقين قد يكونون مصدر إزعاج كبير لهم. لم يكن لدى أويسيل أي حراسة سوى خادمه، إنه عجوز فَرنسي غريب يُدعى بيير دوبيسك ولا يستطيع أن يبعد صرصورًا. رجل مثل أويسيل له عدد كبير من الأعداء، ولذا اهتمت الحكومة غاية الاهتمام لئلا يصيبه مكروه أثناء وجوده هنا. ولم يكن من الحكمة أن يرد رجالكم، ولذا بعدما فكرنا في كل الحلول الممكنة، توصَّل وزير الداخلية إلى أن يعرض عليه خدمات جينكس. ومِن ثَم تعامل هو وأويسيل العجوز معاملة ممتازة.»

سأل سانكروفت: «ولكن ما الذي حدث في الشقة يا بلاكيت؟ عن أي شيء كان يبحث اللصوص؟»

«لم تتوافر لدينا كل التفاصيل بعد. وليت تلك المهمة لرجل كُفء. وجدنا خادم أويسيل مخدرًا بالكلوروفورم. اشتبه الشيال حينما رأى رجلين صعِدا في المصعد ونزلا مندفعَين على السلَّم، ومِن ثَم اتصل بالشرطة. وجدت الشرطة جينكس البائس ميتًا في الصالة ودوبيسك مخدرًا بالكلوروفورم. وإلى أن يعود إلى وعيه، لن نتمكن من معرفة ما جرى.»

«أليست لديك فكرة عما كانوا يبحثون عنه؟ هل كانت حادثة سرقة عادية؟»

«على قدر ما يستشف المرء، لم تكن حادثة سرقة عادية. فالشقة ممتلئة بالمقتنيات الثمينة التي كانوا سيأخذونها لو كان الدافع هو السرقة. أليست لديك أي فكرة عما كانوا يبحثون عنه يا سيد ويست؟»

«الأحرى أن تطرح هذا السؤال على وزير الداخلية أيها المفتش.»

وضع المفتش كأسه ورفض أن يحتسيَ كأسًا أخرى ومال إلى روبرت.

قال بنبرة جادة: «سيد ويست، حل تلك المسألة أمر مهم بالنسبة إلى الحكومة، أليس كذلك؟»

«أعتقد أنه بالغ الأهمية.»

«لذا أحتاج إلى مساعدتك في الحصول على معلومات مؤكدة، ولا أظن أنه يمكنني فعل الكثير من دون تلك المعلومات.»

في الحقيقة، كانت تلك العبارات مداهنة إذ تورَّد وجه ويست توردًا طفيفًا. لكن الشاب كان سياسيًّا محنكًا، ولا يميل إلى التسرع في منح الثقة.

«يمكنني تقديم المساعدة أيها المفتش، ولكنك تعلم أن السكرتير البرلماني الخاص لا تقال له كل المعلومات مطلقًا، ولا حتى بالقدر الذي يجعله يعلم ما المعلومات التي يجب ألَّا يتفوه بها.»

«لا أريد الحصول على أسرار دولة يا سيد ويست. الرسالة التي تلقيتها من وزير الداخلية تقول إنه يهتم كثيرًا بحل تلك القضية حلًّا ناجزًا ومِن ثَم ينبغي للحكومة أن تعرف ما حدث على الأقل، على الرغم من أن الحكمة تقتضي عدم تسريب قدر كبير عن شئون أويسيل الخاصة إلى العامة. ستكون مهمتي مستحيلة إذا لم أحصل على مساعدتكم الكريمة ولو حتى بإجراء حوارات مع وزير الداخلية حينما أحتاج إليها. وإذا ساعدتني، فأنا أعدك أن أُطلعك على المستجدات من جانبي.»

قال سانكروفت: «يا له من عرض يا بوب! أوكل لي تلك المهمة أيها المفتش، وسأكون عبدك المطيع إلى أن يُعرف قاتل جينكس.»

ابتسم المفتش: «سبق لك أن ساعدتني يا سيد سانكروفت، ولكن الصحفيين ليسوا من المرغوب في وجودهم في تلك القضية. لكن بصفتك صديقًا للسيد ويست، فسنسعد بالحصول على أي مساعدة تقدمها لنا، فأنا لم أجد خيرًا من «أنفك» في التقصي عن الأخبار.»

قال سانكروفت وهو يمسد أنفه: «عضو ضئيل الحجم، لكنه مفيد.»

أضاف شاو بصوته الناعم البطيء: «هل سأبقى خارج تلك المغامرة؟»

قال بوب: «بالأحرى لن تبقى خارجها. لقد سُحبت قدماك إليها بالفعل، ولذا عليك البقاء هنا. حسنًا، نحن طوع أمرك أيها المفتش. مُرنا الآن.»

ابتسم المفتش: «لا أظن أننا سنواجه أي صعوبة الآن أكثر مما يقتضيه شحذ هممنا للعمل، ولكن أخشى أن نواجه صعوبة. على أية حال، لا يوجد شيء آخر نفعله الآن. فقد أعطيتني المعلومات التي أريدها عن جينكس. لديَّ مقابلة مع وزير الداخلية في الساعة الثانية عشرة غدًا في الوزارة — بالطبع إذا لم يُضطر إلى إلغائها كي يحضر اجتماع رئاسة الوزراء أو شيئًا من هذا القبيل. عندئذٍ، سأحتاج إلى مساعدتك يا سيد ويست.»

«اتفقنا. سأكون في مكتبي بوزارة الداخلية غدًا من العاشرة والنصف. لا أعدك بأنك ستتمكن من حضور المقابلة، ولكني سأوصل الرسائل.»

نهض المفتش. «إذن، لا أظن أن قسطًا من النوم سيضرنا، وبالأخص أنت يا سيد ويست.»

قال ويست لما انشغل بإحضار معطف ضيفه وقبعته: «أشعر كأني غريب على الأرض.» لما رأى سانكروفت يرتدي حذاءه مرة أخرى، أردف قائلًا: «لا تقل لي إنك ذاهب، حسنًا؟»

«أوه، سأتمشى مع المفتش وأفكر مليًّا في نظرية أو نظريتين. تبدو لندن مكانًا تقتضي الحكمة ألا يمشي الناس فيه فرادى بعد ليلة كتلك.»

لما غادر بلاكيت وسانكروفت، وقف ويست لبرهة وأخذ ينظر إلى شاو إذ لا يزال مسترخيًا في كرسي بذراعين.

قال: «لن تكون لندن مثيرة لدرجة تجعلك تمكث فيها.»

رد دون وهو يتثاءب: «البداية مثيرة للغاية، وأرى احتمالات المزيد من الأحداث المثيرة حينما تكتمل بقية الصورة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤