الفصل الخامس

قصة الدرويش الثاني

الليلة السادسة عشرة

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً، أختاه، اروي لنا إحدى قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن أكثر إدهاشًا مما سبق.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن قصة الدرويش الأول أدهشت الجميع، وقال الخليفة لجعفر: «لم أسمع في حياتي بأسرها قصة كهذه.» ثم تقدم الدرويش الثاني، وقال: والله، يا سيدتي، ما ولدت أعور. كان والدي ملكًا، وعلمني القراءة والكتابة، وتحولت لدراسة الخط. وأتقنت حرفتي حتى انتشرت الأخبار عن مهارتي في كل مدينة، ووصلت إلى جميع الملوك العظام.

وفي أحد الأيام، أرسل ملك الهند إلى والدي الهدايا وطلب منه أن يرسلني إليه. فأعدني والدي للرحلة ومعي ستة خيول للركوب. وامتطينا هذه الخيول مدة شهر كامل حتى صادفنا في أحد الأيام سحابة من الغبار. وعند انقشاعها، رأينا خمسين فارسًا يتألقون في دروعهم وكأنهم أسود فولاذية.

كانوا قطاع طرق. قلنا لهم: «نحن مبعوثون إلى ملك الهند، وعليكم ألا تمسونا بأذى.» لكنهم هاجمونا مع ذلك، ونجوت بحياتي بأعجوبة، لأهيم على وجهي بعد ذلك دون أن أعلم أين أتجه. لقد كنت غنيًّا وقويًّا، لكنني صرت حينها فقيرًا.

وطوال شهر، كنت أرتحل نهارًا وأنام ليلًا أينما استطعت، وأتناول نباتات الأرض وثمارها لأبقى على قيد الحياة. وأخيرًا وصلت إلى مدينة جميلة، منهك القوى من الإجهاد والجوع. دخلت المدينة وأنا أجهل أين أذهب، وأسعدني الحظ أن أمر بحائك يجلس في متجره. ألقيت عليه التحية، ودعاني إلى الداخل. فأخبرته بكل ما حدث لي، وبدا عليه الانزعاج، وقال لي: «أيها الشاب، لا تخبر أحدًا بسرك، فملك هذه المدينة ألد أعداء والدك.» ثم أحضر لي بعض الطعام وتناولناه معًا. وعند حلول الظلام، سمح لي بالنوم في مكان صغير خلف متجره.

بقيت هناك ثلاثة أسابيع، ثم سألني الحائك: «أليست لديك أي مهارة تجني بها قوت يومك؟» فأجبته بأنني خطاط، وقال لي: «مثل هذه المهارات ليست مطلوبة كثيرًا في هذه المدينة. فلتأخذ فأسًا وحبلًا، وتذهب لقطع الأخشاب في البرية لتكسب رزقك.» ثم أحضر لي فأسًا وحبلًا، ووضعني تحت إمرة بعض قاطعي الأشجار. ذهبت معهم، وقطعت الأشجار طوال اليوم، وعدت حاملًا حزمة الأخشاب التي قطعتها فوق رأسي. وبعت الخشب وجلبت المال للحائك. وقضيت عامًا كاملًا على هذه الحال.

وفي أحد الأيام، ذهبت إلى الغابة ووصلت إلى مجموعة كثيفة من الأشجار. كان هناك جذع ضخم عندما حفرت حوله بفأسي، عثرت على حلقة متصلة بلوح خشبي. سحبت الحلقة لرفع اللوح، ووجدت سلمًا. نزلت على الدرج، وعثرت على قصر عظيم تحت الأرض. وفي الأسفل رأيت فتاة تبدو في جمالها كالشمس الساطعة، وصوتها يمحو كل الأحزان من النفس.

•••

هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

الليلة السابعة عشرة

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «حسنًا، بالتأكيد!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثاني قال: عندما رأتني الفتاة، سألتني: «هل أنت إنس أم جن؟» فأجبتها: «إنس.» وسألت: «ما الذي أتى بك إلى هنا؟ لقد عشت في هذا المكان طيلة خمسة وعشرين عامًا دون أن أرى أحدًا على الإطلاق.»

فأجبتها: «حظي السعيد هو الذي جلبني إلى هنا لأخفف عنك أحزانك.» ثم أخبرتها بقصتي، وأشفقت علي، وأخبرتني بدورها بقصتها. كانت ابنة ملك من جزيرة بعيدة. وفي ليلة عرسها، طار بها جني وأنزلها في هذا المكان. وكان يزورها كل عشرة أيام، وتقضي بقية الوقت وحدها. وعندما تحتاج إلى الجني، لم يكن عليها سوى لمس خطين محفورين على مدخل الباب.

ولم يكن من المنتظر وصول الجني قبل ستة أيام، لذلك بقيت هناك مع الأميرة. وسرعان ما وقعت في حبها، وقلت لها: «يا جميلتي، اسمحي لي أن أحملك وأنقذك من هذا السجن.» فأجابت: «لا، لا تفعل. فالجني مرعب، وأخاف أن أتركه.»

شعرت بغضب شديد، وقلت لها: «في هذه اللحظة، سأسحق النقش المحفور وأجعل الجني يحضر لكي أدمره!» وعندما سمعت ما قلته، شحب وجهها، وقالت: «كلا، بالله عليك، لا تفعل.»

لكنني كنت غاضبًا غضبًا جعلني لا أستمع إليها. وركلت الباب بقدمي.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة رائعة ومدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

الليلة الثامنة عشرة

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثاني قال للمرأة: ما إن ركلت الأرض بقدمي حتى دوى صوت الرعد ولاح ضوء البرق، وبدأت الأرض في الاهتزاز وساد الظلام.

صاحت الأميرة: «انهض وانج بحياتك.» فصعدت السلم هربًا، لكن من شدة فزعي نسيت خُفيّ والفأس. وعندما قاربت على الوصول للقمة، رأيت أرضية القصر تنشق ويظهر منها الجني. ولما وصلت إلى الخارج، أعدت الباب السري إلى ما كان عليه، وغطيته بالتراب. وشعرت بأسف شديد عندما فكرت في الأميرة التي عاشت في هدوء وسكينة مدة خمسة وعشرين عامًا قبل أن أزعجها. ووبخت نفسي على ما فعلت.

واصلت السير حتى وصلت إلى صديقي الحائك. كان قلقًا ومنتظرًا عودتي. وسعد برؤيتي، فشكرته، وذهبت إلى غرفتي الصغيرة خلف المتجر.

وبعد فترة قصيرة، جاء الحائك إلي وقال: «يوجد سيد عجوز بانتظارك في الخارج، ومعه فأسك والخُفان. إنه يبحث عنك.»

عندما سمعت ذلك، بدأت في الارتعاد. وبينما نتحدث معًا، انشق الحائط وظهر السيد العجوز. لقد كان الجني.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا، إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

الليلة التاسعة عشرة

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً، أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثاني قال للمرأة: ظهر الجني، وكان مرعبًا، ويحمل في يديه سيفًا ضخمًا رفعه إلى أعلى ليطرحني أرضًا. توسلت إليه ورجوته أن يعتقني، مخبرًا إياه أنه ما من سبب لديه ليقتلني.

صاح الجني: «أنت الرجل الذي زرت قصري في الغابة، وسلبت مني امرأتي.»

فقلت له إنه مخطئ، وإنني لم أر مطلقًا هذا القصر أو هذه المرأة. وأخذت أتوسل إليه وأرجوه فترة طويلة حتى أنزل سيفه في النهاية.

قال الجني: «لن أقتلك، لكنني لن أتركك تذهب دون عقاب.» ثم أمسك بي، وطار إلى أعلى حتى بدت اليابسة كسحابة بعيدة. أنزلني بعد فترة قصيرة على جبل. أخذ بعض التراب، وتمتم بتعويذة لأتحول في هذه اللحظة إلى قرد، ثم طار الجني مبتعدًا.

وعندما أدركت تحولي إلى قرد، بكيت وشعرت بالأسى لحالي. نزلت عن الجبل، وسرت مدة شهر. عبرت الصحراء حتى وصلت إلى الشاطئ. وقفت هناك، وأنا أنظر إلى المحيط حتى رأيت ما يشبه السفينة. أخذت تقترب أكثر، وبدت أنها ستمر من أمامي. فأخذت ألوح لها، راكضًا جيئة وذهابًا ممسكًا بفرع شجرة في يدي.

عندما رآني البحَّارة، قالوا للقبطان: «لقد غامرت بحياتنا من أجل قرد؟ لنقتله.»

عندما سمعت ما قالوه، جثوت على ركبتي، وتوسلت إليهم ألا يقتلوني. فقال القبطان: «هذا القرد طلب مساعدتي. ولن يؤذيه أحد وهو تحت رعايتي.» وأخذني فوق السفينة، وعاملني بلطف.

أبحرت السفينة خمسين يومًا، تدفعها ريح عليلة حتى وصلنا إلى مدينة كبيرة. وما إن رسونا حتى زارنا رُسُل من ملك المدينة.

قال الرسل: «أيها البحَّارة الصالحون، بعث إليكم ملكنا بهذه الورقة، ويطلب من كلٍّ منكم أن يكتب سطرًا فيها. فقد توفي خطاط حكيم عظيم الشأن، ولن يحل الملك أحدًا محله سوى خطاط على الدرجة نفسها من التميز.»

وأعطوا للبحَّارة لفافة ورق، وأخذ كل بحَّار دوره في كتابة سطر فيها. وعندما وصلوا إليَّ، انتزعت اللفافة من أيديهم، وصاحوا في خوف من أن ألقي بها في البحر أو أمزقها. لكنني أوضحت لهم أن كل ما أريده هو أن أكتب فيها.

أدهشهم ذلك بشدة، لكن القبطان قال لهم: «دعوه يكتب ما يشاء، وإذا كانت كتابته جيدة، فسوف أتبناه. فأنا لم أر قردًا يفوقه في الذكاء أو حسن الخلق أبدًا.»

أمسكت بالقلم، وغمسته في الحبر، وكتبت بعض السطور. وأعطيت اللفافة لهم، فأخذوها في ذهول.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

الليلة العشرون

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الدرويش الثاني.» فأجابت شهرزاد: «حسنًا، بالتأكيد!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الثاني قال للمرأة: أخذ الرسل اللفافة، وعادوا بها إلى الملك. أعجبته كتابتي، وقال: «خذوا رداء الشرف هذا، وامنحوه للشخص الذي كتب هذه السطور.»

ابتسم الرجال، وقالوا: «يا ملك الملوك، إن من كتب هذه السطور قرد.» سأل الملك: «هل هذا صحيح؟» فردوا بالإيجاب، الأمر الذي أدهش الملك كثيرًا، ثم قال: «أرغب في رؤية هذا القرد.» وبعث برسله إلي، وألبسوني رداء الشرف، وأخذوني إليه.

عندما رأيت الملك، انحنيت ثلاث مرات أمامه، ثم قبلت الأرض مرة واحدة. ولاحظ الملك أخلاقي الرفيعة، وقال: «يا له من أمر عجيب!» وأمر بتحضير مائدة طعام أمامه، وطلب مني أن أشاركه تناول الطعام. ولم أتناول سوى كمية قليلة قبل أن أكتب بعض السطور الأخرى له.

قرأ الملك ما كتبته، وقال: «إذا كان هناك رجلٌ يتمتع بهذه المهارة، فسيتفوق على الرجال أجمعين.»

وفي هذه اللحظة، ظهرت ابنة الملك، وكانت ترتدي نقابًا على وجهها. قالت: «أبي، هل أنا حقيرة الشأن في نظرك حتى تعرضني على هذا الرجل؟» تعجب الملك وقال: «بنيتي، ما من أحد هنا سوى هذا القرد. لم تحجبين وجهك؟» فأجابت: «قرد؟ هذا رجل عطوف حكيم، ألقى عليه جني إحدى التعاويذ.»

فاستدار الملك لابنته، وقال: «كيف تعلمين ذلك؟» أجابت: «أبي، لقد نسخت المئات من كتب التعاويذ ودرستها. ويمكنني نقل صخور مدينتك إلى المحيط، أو حتى إلى أقاصي الأرض. ويمكنني إظلام السماء ليتحول النهار إلى ليل لمئات الأيام.»

قال الملك: «يا بنيتي، لتحرري هذا القرد من تعويذته، لأتمكن من تنصيبه وزيرًا لي وأسمح له بالزواج منك.» فأجابت: «كما تشاء.»

بدأت ابنة الملك تهمس بتعويذة، ثم أمرت بإحضار وعاء من الماء. رشتني بالماء، وقالت: «عُدْ كما كنت.»

وفجأة، وقفت أمامها رجلًا. لكن لم يكن هناك متسع من الوقت للابتهاج، ففي لمح البصر ظهر الجني في السماء متخذًا شكل أسد مرعب. فزعنا، وخيم الظلام على كل ما حولنا.

لعن الجني الأميرة لما فعلته. وردَّتْ عليه بأن تحولت إلى أفعى مهيبة، وطارت في الهواء. ونشبت معركة رهيبة هزت القلعة تحت أقدامنا. واستمر القتال بعض الوقت، مع تجسد الفتاة والجني في أشكال حيوانات مختلفة. وفي النهاية، دوى صوت انفجار كبير، وومض ضوء براق في السماء.

كان ذلك الضوء هو السبب في فقداني البصر في إحدى عينيّ. اهتزت الأرض أسفل مني، ورأيت جدران القصر وهي تتهدم. ركضت بأقصى سرعتي لأنجو بأعجوبة قبل انهيار القصر بالكامل.

تركت أطلال القصر، وقلبي يملؤه الحزن. حلقت لحيتي وحاجبَيّ حتى أبدو مثل الدراويش. وسافرت إلى دول كثيرة، والأسى الذي أشعر به يزداد أكثر. تمنيت أن أعثر على الخليفة، حتى أتمكن من قص حكايتي عليه. وصلت إلى هنا الليلة، وقابلت هذين الرجلين عند بوابات المدينة. هذه هي قصتي، والسبب وراء فقداني إحدى عيني وحلاقتي للحيتي.

•••

ردت المرأة قائلةً: «يمكنك الذهاب.» لكنه أجاب قائلًا: «لا والله لأبقيَنَّ حتى أسمع روايات الآخرين.»

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤