الفصل الخامس

الكويكبات

لا يمكن أن يكتمل كتاب عن الكواكب دون التعرض لموضوع الكويكبات؛ لأنها أكثر الأجرام التي تصطدم بكواكب المجموعة الشمسية الداخلية (حيث تكون اصطدامات الكويكبات أكثر شيوعًا بنحو عشرة أضعاف من اصطدامات المذنبات). وبالإضافة إلى ذلك، يُصنف رسميًّا أكبر كويكب، ويدعى سيريس، بأنه كوكب قزم.

(١) الأشكال والأحجام والتركيب

سيريس هو هدف مركبة الفضاء «دون» التابعة لوكالة ناسا، وسوف تقضي هذه المركبة خمسة أشهر في الدوران حول هذا الكويكب في عام ٢٠١٥، بعد أن قضت بالفعل عامًا بدأ في يوليو ٢٠١١ في الدوران حول فيستا؛ وهو ثاني أكبر كويكب. وقد زارت مركبةُ فضاء بضعةَ كويكبات أصغر حجمًا والتقطت صورًا (انظر الشكل رقم ٥-١) تؤكد على الشكل غير المنتظم لهذه الكويكبات. تخيَّلْ ثمرة من البطاطس بها حفر، ويبلغ حجمها ما بين عشرات الأمتار وبضع مئات الكيلومترات، وسوف تتكون لديك صورة ذهنية عن الشكل المعتاد للكويكب. وتُظهِر التنويعات الدورية في درجة لمعان الكويكبات المرصودة تليسكوبيًّا أنها تستغرق — في الأغلب — بضع ساعات فقط في الدوران حول محورها. وبوجه عام، يدور الكويكب حول محوره على نحو متعامد مع طوله.
fig25
شكل ٥-١: صور لكويكبات بمقاييس رسم مختلفة. الصورة العلوية: كويكب الحزام الرئيسي إيدا الذي يبلغ طوله ٥٤ كيلومترًا مع قمره الصغير داكتيل على يمينه. الصورة اليسرى السفلية: الكويكب القريب من الأرض إيروس الذي يبلغ طوله ٣٣ كيلومترًا. الصورة اليمنى السفلية: إيتوكاوا؛ وهو كويكب عابر للأرض يبلغ طوله ٠٫٥ كيلومتر. وتوجد العديد من الفوهات الصدمية المرئية على كويكبي إيدا وإيروس، لكن إيتوكاوا الأصغر كثيرًا به الكثير من الصخور الجلمودية المبعثرة.

نحو كويكب واحد بين ٥٠ كويكبًا يكون له — على الأرجح — قمر تابع، ومن حسن الحظ أن الكويكب إيدا، وهو ثاني كويكب تزوره مركبة فضاء عندما مرَّت به بعثة «جاليليو» عام ١٩٩٣، تبيَّن أنه واحد من تلك الكويكبات. كان هذا هو الاكتشاف الأول المؤكد لقمر تابع لكويكب، لكن لاحقًا تم العثور على المزيد من الأقمار التابعة باستخدام تقنيات تليسكوبية متطورة، مثل تقنيات التكييف البصري للتعامل مع لمعان الغلاف الجوي لكوكب الأرض. وتتراوح الأقمار التابعة للكويكبات في حجمها بين أقمار صغيرة نسبيًّا وأقمار أشبه بحجم الكويكب الرئيسي الذي تتبعه. في الواقع، يبدو أن الكويكب الذي يحمل اسم أنتيوبي يتكون من جرمين يدور كلٌّ منهما حول الآخر، ويبلغ حجمهما ١١٠ كيلومترات، ولا يفصل بين مركزيهما إلا نحو ١٧٠ كيلومترًا. وإلى الآن، يوجد كويكبان معروف أن كلًّا منهما يتبعه قمران صغيران. وبعض الأقمار التابعة للكويكبات يمكن أن تكون شظايا ناتجة من تصادم، ويمكن أن يكون البعض الآخر أجرامًا مأسورة بفعل جاذبية الكويكب الذي تتبعه. وكلتا الحالتين غير مفهومة؛ لأنه من الصعب أن ينتهي بها الحال بأن تصبح أجرامًا تدور حول كويكبات بدلًا من أن تشرد بعيدًا عنها.

قُدرت كثافة الكويكبات ما بين ١٫٢ و٣جم/سم٣. ومع ذلك، فإن النيازك الحجرية التي من الواضح أنها عبارة عن أجزاء من الكويكبات لها كثافات تبلغ نحو ٣٫٥جم/سم٣، والنيازك الحجرية الحديدية لها كثافات تقترب من ٥جم/سم٣؛ ومن ثم فإنه لا يمكن أن يكون أيٌّ من الكويكبات المقاسة جرمًا صلبًا كاملًا. وعوضًا عن ذلك، لا بد أنها عبارة عن أكوام مسامية من كسارة الحجر. وبعض هذه الكويكبات، مثل إيتوكاوا الذي زاره المسبار الياباني «هايابوسا» في عام ٢٠٠٥ (انظر الشكل رقم ٥-١)، وغيرها من الكويكبات التي حدد معالم شكلها الرادار؛ يبدو أنها عبارة عن «ثنائيات متلامسة» تتكون من كتلتين رئيسيتين متصلتين. ومع ذلك، فإن الصخور الجلمودية العديدة الموجودة على سطح الكويكب إيتوكاوا تشير إلى أن الكتلتين الرئيسيتين نفسيهما تتكونان من العديد من الأجزاء.

والكويكبات ليست ملونة بألوان قوية زاهية، لكن يمكن تصنيفها إلى عدة فئات وفقًا لِطَيفها الانعكاسي، فيوجد ثلاثة أنواع رئيسية: النوع «إس» له خصائص الصخر السليكي، ومن الواضح أنه يتكون من نفس المادة التي تتكون منها النيازك الحجرية، وهذا النوع يشكل أغلب الكويكبات بمدارات تبعد عن الشمس بمسافة تتراوح بين نحو ٢ و٢٫٦ وحدة فلكية. في حين أن النوع «سي»، وهو الأكثر شيوعًا، والذي يبعد عن الشمس مسافة تتراوح بين ٢٫٦ و٣٫٤ وحدات فلكية؛ يتميز بخصائص نيازك الكوندريتات الكربونية. أما النوع «دي»، فيتمثل في الكويكبات التي تبعد عن الشمس مسافة تزيد على ٣٫٤ وحدات فلكية تكون مظلمة في أغلبها، وحمراء اللون بعض الشيء، وقد تكون ملونة ببقايا سطح قطراني تشكل من مادة كربونية خلال التعرُّض الطويل للإشعاع الشمسي (التجوية الفضائية). وهذه المواد القطرانية عادة ما يشار إليها باسم «الثولينات»، وهو مصطلح اشتقَّه عالم الفلك الأمريكي كارل ساجان (١٩٣٤–١٩٩٦) من كلمة إغريقية قديمة تعني بالعربية «الوحل».

أما النوع «إم»، فهو مبعثر في أماكن متفرقة ويكون — على ما يبدو — معدنيًّا في الأساس، ومن الواضح أنه يرتبط بالمذنبات الحديدية. وبالنسبة للكويكبات من النوع «في»، فعددها قليل، ويوجد بازلت على سطحها، ومن أشهرها كويكب فيستا الذي أخذ نوع الكويكبات اسمه من أول حرف فيه. هذه الكويكبات أو جرمها الأصلي المفتت حاليًّا ربما تكون درجة حرارتها قد ارتفعت ذات مرة بما يكفي لحدوث انصهار داخلي أو ثورات بركانية.

(٢) مدارات الكويكبات

تمتلك معظمُ الكويكبات المعروفة (التي تعادل نحو ٤٪ من كتلة القمر الأرضي) مداراتٍ تقع بين مدارَي كوكبَي المريخ والمشتري في النطاق الذي يُعرف باسم «حزام الكويكبات». وقد تم توثيق أكثر من ثلاثة آلاف كويكب من كويكبات الحزام الرئيسي. ويتمثل أكثر من نصف الكتلة الإجمالية لهذه الكويكبات في أربعة كويكبات هي الأضخم، وتشمل سيريس وفيستا وبالاس وهايجيا، التي تبلغ أقطارها على الترتيب ٩٥٠ و٥٣٠ و٥٤٠ و٤٣٠ كيلومترًا (فيستا أعلى كثافة من بالاس؛ ومن ثم فإنه أعلى كتلة بالرغم من أنه أصغر قليلًا). ويتراوح حجم الأجرام غير المكتشفة ما بين كتل متفرقة من الصخر وجسيمات غبارية. ومع ذلك، فحزام الكويكبات في معظمه عبارة عن فضاء فارغ، ويجب ألا تعتَقِد أنه يعجُّ بالصخور المتصادمة. لم تُصَبْ أيٌّ من المسابير الفضائية التي أُرسلت إلى حزام الكويكبات بسوء، بل أيضًا تم توجيهها بحرص لتقترب بالقدر الكافي من أي كويكب من أجل دراسته أثناء مروره.

ولجاذبية كوكب المشتري تأثير كبير على مدارات الكويكبات في الحزام الرئيسي، وأهم جانب من هذا التأثير أنها تمنع الكويكبات من الاستقرار في مدارات تكون فتراتها المدارية في حالة رنين مداري مع الفترة المدارية لكوكب المشتري، فيكاد لا يوجد كويكب تكون النسبة بين فترته المدارية والفترة المدارية لكوكب المشتري هي، ببساطة: ٤ : ١ أو ٣ : ١ أو ٥ : ٢ أو ٢ : ١. هذا يتوافق مع متوسطات المسافة بين الكويكبات والشمس (أنصاف المحاور الرئيسية المدارية) التي تبلغ ٢٫٠٦ و٢٫٥٠ و٢٫٨٢ و٣٫٢٨ وحدات فلكية على الترتيب، وهو ما يُعرف باسم فجوات كيركوود، نسبةً إلى دانيال كيركوود؛ وهو عالم فلك أمريكي اكتشفها وأوضحها في عام ١٨٨٦. وليست جميع حالات الرنين المداري متقلبة فيما يتعلق بمدارات الكويكبات. وفي واقع الأمر، توجد عائلة صغيرة من الكويكبات التي تمثِّل فتراتُها المدارية ثلثَي الفترة المدارية لكوكب المشتري (أيْ بِرَنِينٍ مداريٍّ نسبته ٣ : ٢).

يوجد المزيد من الكويكبات التي لها «نفس» الفترة المدارية لكوكب المشتري، فربما يوجد أكثر من مليون كويكب من هذه النوعية يكون حجمها أكبر من كيلومتر واحد بكتلة مشتركة تبلغ نحو خُمس كتلة الحزام الرئيسي. وهي لا تتواجد إلَّا بالقُرب من مواقع توجد على بعد ٦٠ درجة أمام أو خلف مدار كوكب المشتري. وهذه المواقع تمثِّل أماكن خاصة تسمح فيها قوة الجاذبية المشتركة من الشمس وكوكب المشتري للأجرام الصغيرة بالدوران على نحو مستقر، وتُعرف باسم «نقاط لاجرانج» الأمامية أو الخلفية. وجرى العرف على أن تحمل الكويكبات في مثل هذه المدارات أسماء أبطال من حرب طروادة (أسماء إغريقية لتلك التي أمام مدار المشتري بمقدار ٦٠ درجة، وأسماء طروادية لتلك التي خلْفه بمقدار ٦٠ درجة)، لكن يُطلَق عليها مجتمعةً «كويكبات طروادة».

(٣) الكويكبات والاصطدام بكوكب الأرض

يوجد بضعة كويكبات من نوعية كويكبات طروادة بالقرب من كوكب المريخ، لكن كوكب الأرض ليس له رفاق «طرواديون». ومع ذلك، توجد كويكبات تعبر مداراتُها كوكبَنا وتُعرف باسم الكويكبات العابرة للأرض. إذا كنت ممن تشغلهم التصادمات، فربما يكون هذا الأمر مقلقًا بالنسبة لك، لكن مدارات الكويكبات غالبًا ما تكون مائلة نحو مدار الشمس؛ لذا فإنها تمرُّ على نحو شبه دائم إما من «فوق» وإما من «أسفل» كوكب الأرض عند عبورها مداره. مجموعة فرعية فقط من الكويكبات العابرة للأرض هي ما تُعد «كويكبات كامنة المخاطر»، وهي تلك التي تستطيع العبور في نطاق ٠٫٠٥ وحدة فلكية من كوكب الأرض (وهي مسافة تكون قريبة بما يكفي لأن تؤدي الاضطرابات الحادثة بفعل أجرام أخرى متنوعة إلى حدوث تصادم)، والتي تكون أقطارها أكبر من ١٥٠ مترًا (وهو الحجم الذي يكفي لأن تمرَّ عبر الغلاف الجوي للأرض بسرعة ثابتة). بحلول عام ٢٠٠٩، كان قد تم توثيق نحو ١١٠٠ كويكب من الكويكبات الكامنة المخاطر، إضافة إلى أقل من ١٠٠ مذنب من «المذنبات الكامنة المخاطر».

ووفقًا لتقديرات الفلكيين، فإن أشد اقتراب لكويكب كامن المخاطر من كوكب الأرض سوف يكون من جانب كويكب أبوفيس (الذي يبلغ طوله ٣٥٠ مترًا)، وسيحدث هذا في يوم الجمعة الموافق ١٣ أبريل ٢٠٢٩؛ فبعد اكتشاف هذا الكويكب في عام ٢٠٠٤، لم يكن مداره معروفًا على نحو جيد، وكان هناك احتمال (يقدر بنحو ٢٫٧٪) لحدوث تصادم، لكن أظهرت فيما بعدُ مجموعةٌ من عمليات الرصد، أُجريتْ على مدًى زمني أطول، أن هذا الكويكب سوف يمر بأمان على ارتفاع ٣٠ ألف كيلومتر فوق سطح الأرض. وسوف يعود مرة أخرى في ١٣ أبريل ٢٠٣٦. ونظرًا لأننا لا نعرف «بالضبط» إلى أي مدًى سيكون قريبًا عند عبوره عام ٢٠٢٩، فإننا لا نعرف بالضبط إلى أي مدًى سوف يتأثر جزء كبير من مساره بجاذبية الأرض خلال هذا اللقاء. ومع ذلك، فإن احتمالات حدوث تصادم في عام ٢٠٣٦ ضئيلة للغاية.

والكويكب الذي يخترق الغلاف الجوي لكوكب الأرض بسرعة ثابتة يمثل خطورة كبيرة جدًّا. وعند اصطدام الكويكب بالمحيط يمكن أن يؤدي إلى حدوث تسونامي، وإذا اصطدم بالأرض فسيؤدي إلى تشكيل فوهة حجمها يزيد على حجمه ويدمر المنطقة المحيطة به. لقد اكتُشفت فوهة أُطلق عليها ألتانين قطرها ١٣٠ كيلومترًا، وعمرها ٢٫٢ مليون سنة، وذلك تحت قاع بحر بلنجهاوزن في أقصى جنوب المحيط الهادئ. ومن الواضح أن هذه الفوهة تَشكَّلَت بفعل كويكب يبلغ قطره عدة كيلومترات. هذا الكويكب لم يبطئ من حركته المحيطُ، فضلًا عن الغلاف الجوي قبل أن يضرب قاع البحر. ووفقًا للنماذج الحاسوبية، يمكن أن يكون قد أدى التسونامي الناتج إلى تدمير الساحل بمقدار ٣٠٠ متر فوق مستوى سطح البحر في جنوب تشيلي، و٦٠ مترًا فوق مستوى سطح البحر في نيوزيلندا، بل إن مقدار الماء والغبار اللذين صعدا إلى الغلاف الجوي ربما أدَّيا إلى تغير في المناخ؛ الأمر الذي اضطر أسلافَنا من سلالة الإنسان المنتصب إلى الهجرة خارج قارة أفريقيا في هذا التوقيت تقريبًا. وأحدثُ تصادمٍ بين كوكب الأرض والكويكب «القاتل للديناصورات»، الذي يبلغ قطره ١٠ كيلومترات، حدثَ منذ ٦٥ مليون عام؛ ما أدى إلى تشكيل فوهة «تشيكسولوب» المطمورة الآن تحت الرواسب في شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك. أدى هذا التصادم إلى حدوث اضطراب بيئي عالمي يُعتقد — على نطاق واسع — أنه سبب حدوث «انقراض جماعي»، عندما استأصل نحو ٧٥٪ من أنواع الكائنات على سطح الأرض.

لحسن الحظ أن كوارث ضخمة كهذه نادرة الحدوث، لكن الإحصائيات تشير إلى أن اصطدامات الكويكبات تُعَد جنبًا إلى جنب مع الثورات البركانية، والزلازل، والتطرف الشديد في الطقس، من بين الأسباب المحتملة للوفاة؛ فالكويكب الذي يبلغ قطره كيلومترًا واحدًا، والذي لديه القدرة على تدمير سواحل على بُعد ٣ آلاف كيلومتر من نقطة الاصطدام؛ يضرب المحيط كل نحو ٢٠٠ ألف سنة في المتوسط، في حين يُتوقع اصطدام كويكب قطره ٢٠٠ متر، وبخطرٍ أقلَّ بكثيرٍ، كل نحو ١٠ آلاف سنة.

ولتصنيف الخطر الذي يشكله كل كويكب كامن المخاطر، يستخدم علماء الفلك نظامًا عدديًّا يُطلق عليه «مقياس تورينو» (الذي اتُّفق عليه في اجتماع عُقد في مدينة تورينو، وهذا هو سر إطلاق هذا الاسم عليه). هذا المقياس يجمع بين الطاقة التي من المفترض أنها تَنتج عن التصادم واحتمالات حدوث تصادم، مع تمثيل ذلك برقم واحد يتراوح بين صفر و١٠؛ حيث يمثِّل الصفر احتمالًا يكاد يكون منعدمًا لحدوث تصادم و/أو أنَّ الكويكب صغير جدًّا إلى الحد الذي لا يُمكِّنه من اختراق الغلاف الجوي. أما الرقم ١٠، فيعبِّر عن اصطدام أكيد من قِبَل كويكبٍ بقوةِ الكويكبِ «القاتلِ للديناصورات»؛ ما يتسبب في كارثة عالمية. ومعظم الكويكبات الكامنة المخاطر التي يزيد قطرها على ١٥٠ مترًا تأخذ الترقيم صفرًا أو ١ عند اكتشافها، والكويكبات التي تأخذ الترقيم ١ عادةً ما يتم إنزالها إلى الترتيب صفر عندما يتم تحديد مدارها على نحوٍ أكثر دقة. والكويكب أبوفيس كان له لفترة من الوقت ترقيم مرتفع على مقياس تورينو؛ وهو الرقم ٤ («الاقتراب الشديد» الذي استحوذ على اهتمام علماء الفلك؛ احتمال ١٪ أو أكثر لحدوث تصادم لديه القدرةُ على تدمير منطقة بالكامل)، لكن ترقيمه حسب المقياس تراجع إلى صفر في عام ٢٠٠٦.

اضطلع تجمُّع شبه رسمي يضم عددًا من المراصد ويُطلق عليه «سبيسجارد» بمهمة تحديد مواقع الكويكبات الكامنة المخاطر وتصنيفها. وهذا أمر مهم؛ لأنه على العكس من معظم أنواع الكوارث الطبيعية التي لا نستطيع أن نفعل حيالها شيئًا سوى تخفيف آثارها، قد يكون من الممكن منع حدوث اصطدام لكويكب كامن المخاطر بكوكبنا الأرضي. ولتحقيق هذا، فإنه من الضروري تغيير سرعة الكويكب الكامن المخاطر أو اتجاه سيره. وكلما تم ذلك في وقت أكثر تبكيرًا، كان التغيير المطلوب أصغر. ثمة طرق عديدة للقيام بهذا، وهي تتراوح بين طريقة إجبارية تتمثل في تركيب محرك صاروخي في الكويكب، وحيلة أكثر ذكاءً تتمثل في تغليف جانب من الكويكب بمادة عاكسة؛ ليقوم ضغط الإشعاع الشمسي بالمهمة. استخدام قنبلة نووية لتدمير كويكب كامن المخاطر قبل وصوله إلى كوكب الأرض ليس فكرة ذكية؛ لأنه إذا لم تضمن أن تكون جميع الشظايا صغيرة جدًّا لدرجة تمنعها من اختراق الغلاف الجوي، فإنك قد تجعل المشكلة أكثر سوءًا عن طريق التسبب في اصطدامات متعددة.

(٤) استخراج المعادن من الكويكبات

ثمة جانب إيجابي في الكويكبات يتمثل في أنها يمكن أن تكون مصادر قيِّمة للمواد الخام؛ فكويكب من النوع «إم» — يبلغ قطره كيلومترًا واحدًا — يحتوي على نيكل وحديد يفوق الاستهلاك العالمي السنوي لهذين المعدنين، وأبرز مثال على ذلك: الكويكب «سايك» الضخم الذي يحتوي على كميات من هذين المعدنين يمكن أن يغطي الاستهلاك لملايين السنين. كما تحتوي الكويكبات، لا سيما تلك التي من النوع «إم»، على معادن ثمينة مثل البلاتينيوم.

تكلفة بدء التعدين في أول كويكب يمكن أن تكون باهظة للغاية، لكن العوائد المحتملة ستكون ضخمة أيضًا. ويبقى أن نتأكد مما إذا كانت القيمة الأساسية للكويكبات تتمثل في كونها مصدرًا للمواد الخام لكوكبنا الأرضي أم للصناعات التي تتم في الفضاء؛ فبعض الأجرام الموجودة بالقرب من كوكب الأرض هي — على الأرجح — بقايا مذنبات تحمل بعضًا من الجليد المائي المتبقي أسفل أسطحها الغبارية، الذي قد يمكن استخدامه كمادة دافعة وكمادة واقية من الإشعاع، إضافة إلى إمكانية استخدامه في الشرب.

(٥) الأسماء والأسماء المؤقتة

بحلول عام ١٨٩١، كان قد تم اكتشاف ٣٣٢ كويكبًا عن طريق الرؤية، لكن التصوير الفوتوغرافي زاد هذا العدد إلى ٤٦٤ خلال ١٠ سنوات. يوجد الآن أكثر من ١٠٠ ألف جرم معروف من جميع الأنواع، وكلٌّ منها يحتاج إلى تعريفه بطريقةٍ ما. ويُشْرف الاتحاد الفلكي الدولي على نظام تسمية مؤقت للاكتشافات الجديدة. والاسم وفقًا لهذا النظام يشتمل على سنة الاكتشاف، إضافة إلى رمز مكون من حرفين وأرقام سفلية تشير إلى التاريخ والترتيب المتسلسل للاكتشاف. يحدد الحرف الأول (من A إلى Y باستثناء الحرف I) أيَّ نصفٍ من الشهر تمَّ فيه الاكتشاف (الحرف A يشير إلى ١–١٥ يناير، والحرف B يشير إلى ١٦–٣١ يناير، وهكذا وصولًا إلى الحرف Y الذي يشير إلى ١٦–٣١ ديسمبر)، أما الحرف الثاني (من A إلى Z باستثناء الحرف I؛ ومن ثم يكون هناك ٢٥ خيارًا) فيعطي لكل اكتشاف ترتيبًا متسلسلًا، ويتيح الرقم السفلي تكرار تتابع اﻟ ٢٥ أكبر عدد ممكن من المرات. إذن 2011 BA يعني الجرم الأول المكتشف في الفترة من ١٦–٣١ يناير ٢٠١١؛ و2011 BB يعني الجرم الثاني، و2011 BA1 يعني الجرم السادس والعشرين وهكذا. وعندما يتحدد جيدًا مدار جرم معين (الأمر الذي قد يستغرق سنوات عديدة)، يمكن أن يُعطى اسمًا دائمًا يحل محل الاسم المؤقت. على سبيل المثال، كان الكويكب أبوفيس يحمل في الأصل اسمًا مؤقتًا هو 2004 MN4 (للدلالة على أنه الاكتشاف رقم ١١٣ خلال الفترة من ١٦–٣٠ يونيو ٢٠٠٤).

وميزة اقتراح اسم دائم تكون من نصيب الفريق المكتشِف، بالرغم من أن بعض عمليات المسح المُؤَتْمَتَة تكشف عن الكثير من الأجرام الجديدة التي يقترح أسماءها المسئولون عن تلك العمليات. والاسم الدائم هو اسم مسبوق برقم متسلسل، ويضاف الرقم مع إضافة كل اسم جديد؛ لذا نحن رسميًّا لدينا (١) سيريس و(٤) فيستا و(٩٩٩٤٢) أبوفيس وهكذا. والأسماء المأخوذة من الأساطير القديمة المتاحة قليلة جدًّا بحيث لا تكفي كل هذه الأجرام، وتقريبًا كل شيء متاح في الأسماء بشرط ألَّا يكون الاسم مسيئًا أو مرتبطًا بنشاط سياسي أو عسكري حديث. أعرف العديد من علماء الفلك الذين أُطلقت أسماؤهم على كويكبات (من قِبل زملائهم؛ فليس بمقدورك أن تطلق اسمك من تلقاء نفسك على كويكب)، ويوجد كويكب يُطلق عليه اسم (٥٤٦٠) تسيناتاي، الذي يعني «الصخر الطائر» بلغة النافاهو. والكويكب الوحيد الذي شاركت في تسميته هو (٥٧٤٢٤) كايلونوكتو؛ حيث أُطلق عليه هذا الاسم عام ٢٠٠٧ إحياءً للعيد الخمسين للبرنامج التليفزيوني «ذا سكاي آت نايت»، الذي استمرت إذاعته لوقت طويل على شبكة اﻟ بي بي سي، والذي يسمى هكذا في اللاتينية. اخترنا هذا الاسم من قائمة أسماء مقترحة؛ لأن رقمه يعكس التاريخ الذي بُثَّ فيه البرنامج للمرة الأولى، وكان ذلك في ٢٤ أبريل ١٩٥٧ (٥٧/٤/٢٤).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤