شيءٌ يحدُث فجأةً

كانت خُطة «تختخ» بسيطة … ولكن خطرة … إنه متأكِّد أن رجال الشرطة قد فحصوا الجانب الأيسر من الطريق المُوازي للبحر … وهو شريط من الأرض يبلُغ عرضه بين ثلاثة كيلومترات وخمسة، شريطٌ واضح مُنبسط، ليس فيه مكانٌ تختفي فيه سيارةٌ ضخمة … إذن فالسيارة قد أُخفيَت في منطقة الألغام، وهي منطقةٌ خطرة؛ لأن هذه الألغام وُضِعت في أثناء الحرب العالمية الثانية بواسطة الألمان والإنجليز والإيطاليين، وضاعت خرائطها، ولم يعُد من الممكن معرفة أماكنها.

ولكن «تختخ» كان يعرف شيئًا مهمًّا … إن بعض أجزاء من هذه الأرض قد طُهِّرت من الألغام … وهي منطقةٌ واسعة لا نهاية لها … يمكن إخفاء السيارة خلف تِلالها الرملية العالية … فهل فكَّر رجال الشرطة فيما فكَّر فيه «تختخ»؟ وهل استدعاء المفتش «سامي» له علاقة باختفاء السيارة؟ وهل ينتظرون حتى يحضر رجال الشرطة؟!

كان «تختخ» يفكِّر في كل هذا، والحمار يمضي به هادئًا، وفجأةً سأل «حماد»: هل تعرف المناطق التي طُهِّرت من الألغام؟

رد «حماد»: طبعًا … أعرف أكثر المناطق … فقد اشتركت مع أبي ومع عددٍ كبير من الرجال في نزع الألغام.

تختخ: أنت تعرف كيف تنزع لغمًا؟

حماد: طبعًا … ولكنه يحتاج إلى حذرٍ شديد … فأي خطأ يمكن أن يؤدِّيَ إلى الموت.

تختخ: إنني لن أطلب منك أكثر من أن تدلَّنا على الأماكن التي انتزعت منها الألغام.

حماد: مسألةٌ بسيطة وسهلة … إننا مُقبِلون على منطقةٍ أُخليَت منها الألغام … وسنجد علاماتٍ تدلُّ على هذه الأماكن!

ومضت القافلة وقد ارتفعت الشمس في السماء، وفجأةً توقَّف «حماد» وأشار إلى منطقةٍ مُستطيلة من الأرض، وقال: هذه المنطقة أُخليَت من الألغام منذ أكثر من سنة!

ورفع «تختخ» يده إلى فوق إشارةً لمن خلفه بالتوقُّف، ثم نزل، ونزل بعده المغامرون، وطلب «تختخ» بعض قِطع الطُّوب، ورصَّها على الأرض على شكل رقم ١، ثم قال: سنعلِّم بقيَّة المناطق بالأرقام لنعرف أين الألغام وأين المناطق الخالية.

ومضت القافلة، وبين مسافة وأخرى كان «حماد» يُشير بيده، وكان «تختخ» يقوم بوضع قِطع الحجارة … وعندما ارتفعت الشمس في وسط السماء واشتدَّت الحرارة … قرَّر «تختخ» أن يعودوا بعد أن قاموا بترقيم خمس مناطق خالية من الألغام.

عندما وصلوا إلى الكشك الخشبي، قال «تختخ» مُوجهًا حديثه إلى «حماد»: هل تأتي غدًا لإكمال العملية؟

رد «حماد»: لا أستطيع الحضور صباحًا … عصرًا ممكن.

وأسرع «حماد» بحميره عائدًا … ودخل المغامرون الكشك … وكان واضحًا أن ركوب الحمير أتعبَهم … وكان أول من اشتكى «تختخ» الذي استلقى على ظهره يتأوَّه قائلًا: لقد أتعبني ركوب الحمار للغاية.

ردَّ «عاطف»: وماذا يقول الحمار إذا سمِعك؟ … إنه بالتأكيد قد تعِب أكثر منك. ضحِك الأصدقاء طويلًا … وهم يتناوبون دخول الحمام يغتسلون، ثم انهمكوا جميعًا في إعداد الطعام؛ فقد فتحت الرحلة شهيَّتهم، وخاصةً أنهم قد عثروا على لغزٍ يحلُّونه، ومغامرةٍ مُثيرة يعيشون أحداثها.

وفي المساء عقَد المغامرون الخمسة أول اجتماع لهم … وجلسوا أمام الكشك يتحدَّثون. قال «محب»: أعتقد أنني فهِمت خُطتك يا «تختخ».

تختخ: وأظنُّ أنها الخُطة الوحيدة المعقولة … برغم خطورتها.

محب: ولكن ألا تظنُّ أن رجال الشرطة قد فكَّروا التفكير نفسه؟

تختخ: من المحتمل جدًّا … ولعل عودة المفتش «سامي» لها علاقة بذلك، وعلى كل حال … سينفِّذون هم خطتهم … وسننفِّذ نحن خطتنا.

قالت «لوزة»: إنني فهِمت خطتك أيضًا يا «تختخ»؛ فأنت تتصور أن الذين خطفوا السيارة قد أدخلوها خلال منطقة خالية من الألغام.

تختخ: بالضبط … فالصحراء بعد ذلك متَّسعة جدًّا، وحافلة بالمُرتفَعات والمخابئ التي تصلُح لإخفاء السيارة.

لوزة: لكن هناك نقطة هامَّة … إننا لم نرَ أثر السيارة في أي مكان منها …

تختخ: معك حق … ولكن من الممكن أن تكون الآثار قد أُزيلت … كما أن هناك مناطق لم نرَها بعد.

نوسة: وهناك نقطةٌ ثانية … كيف يمكن خطفُ سيارة بهذا الحجم؟! إنها عمليةٌ غير عادية.

تختخ: على كل حال سوف نمضي في خطتنا … إما أن نصل … أو يصل رجال الشرطة قبلنا … أو يبقى خطف السيارة لغزًا بلا حل.

وساد الصمت … واقترب المساء سريعًا … وكان تعبُ الرُّكوب قد أنهَك أجسامهم … فتسلَّلوا واحدًا وراء الآخر … واستسلموا للنوم مبكِّرين.

انقضى الصباح بين البحر … والجلوس في شُرفة الكشك، وقُرب العصر كان «حماد» الصغير قد حضر … ولم يكُن معه سوى أربعة حمير فقط … وقال وهو يعتذر: لم أستطع تدبير بقيَّة الحمير.

تختخ: لا بأس … سيذهب ثلاثة منَّا ويبقى اثنان.

لوزة: إنني مع الذاهبين!

نظر المغامرون بعضهم إلى البعض الآخر، وقال «عاطف»: هل هناك رحلةٌ أخرى غدًا؟

رد «حماد»: طبعًا … فلن نستطيع زيارة كل الأماكن التي طُهِّرت منها الألغام في يوم أو في أسبوع.

عاطف: انتظري للغد إذن يا «لوزة» أنت «ونوسة»، وسوف تُتاح لكما فُرصٌ أخرى للاشتراك في البحث.

لوَت «لوزة» وجهها غير راضية … ولكنها في النهاية وافَقَت … وسُرعان ما كانت الحمير الأربعة تنطلق … واستعدَّ «زنجر» للانطلاق خلفها … ولكن «تختخ» صاح به: ابقَ مكانك يا «زنجر»!

ولوى «زنجر» ذيله وبَدا غير سعيد … ولكن التعليمات كانت واضحة … أن يبقى في حراسة «نوسة» و«لوزة». وهكذا قبع بجوار الكشك … وابتعدت القافلة مُسرعةً.

بعد ساعةٍ وصلوا إلى منطقة الألغام مرةً أخرى … وشاهَدوا العلامات التي وضعها «تختخ» وانطلقوا بعدها … وسُرعان ما كانوا يضعون مجموعةً أخرى من الأرقام في الأماكن التي خلَت من الألغام … وشيئًا فشيئًا بَدَت ريحٌ قوية تهبُّ … تحمل معها حبَّات الرمال … وتحوَّلت بعد قليل إلى عاصفةٍ رملية.

وقال «حماد»: لنُسرِع بالعودة.

وأخذَت الحمير تجري على الطريق المرصوف مُسرعةً … ولكن العاصفة كانت أسرع … فسُرعان ما تحوَّل الأفق إلى اللون الأصفر … ثم الأحمر، ثم مال إلى السواد … وتعذَّرَت الرؤية … وأخذ المغامرون يتمايلون فوق الحمير … وقال «تختخ» بأعلى ما يملك من صوت: لنتوقَّفْ في مكاننا بعض الوقت حتى تهدأ العاصفة.

كانوا قد اقتربوا من المنطقة رقم ٥ الخالية من الألغام، وكان هناك بعض المرتفعات الصخرية والأشجار الصحراوية التي يمكن أن يجلسوا بجوارها … فنزلوا وأسرعوا يجرُّون الحمير معهم إلى حيث يُمكِن الاختباء … ووجدوا صخرةً ضخمةً أشار إليها «حماد»، فأسرعوا جميعًا إليها … وكانت العاصفة قد بلَغت ذروة قوَّتها، وأخذت تجذبهم إلى الخلف … وأفلتَ الحمار الذي يُمسِكه «عاطف» وأخذ يبتعد تدريجيًّا، و«عاطف» يريد أن يلحق به … ولكن الحمار اختفى وراء عاصفة الرمال العاتية … ووصلوا إلى الصخرة الضخمة، ولحُسنِ الحظ كان فيها تجويفٌ يسمح لهم بالالتجاء إليه هربًا من عصف الرياح المُخيف.

وفجأةً وهم يجلسون بجوار الصخرة، دوَّى انفجارٌ رهيب، وصاح «حماد»: لغم.

صاح «تختخ» مُستفسرًا: أليست هذه منطقةً خالية من الألغام؟

حماد: طبعًا … إنني متأكِّد.

تختخ: ماذا حدَث إذن؟

محب: لا بد أن حمار «عاطف» وصل إلى منطقة ألغام.

حماد: ولكن منطقة الألغام تبعُد مسافةً طويلة، ولا يمكن أن يكون الحمار قد وصل إليها في هذه الفترة القصيرة!

وفجأةً خطر ﻟ «تختخ» خاطرٌ رهيب … وصاح بالأصدقاء: لا يتحرك أحد من مكانه … نحن مُحاصَرون.

عاطف: مُحاصَرون بأي شيء؟

تختخ: بالألغام.

حماد: لا يمكن!

تختخ: لقد أنقذَتنا العنايةُ الإلهية حتى الآن!

حماد: إنني لا أفهم شيئًا!

تختخ: سأشرح لكم كل شيء بعد أن تسكُن العاصفة!

ولكن العاصفة لم تسكُن … بل مضت الرياح تقصف بشدة … والرمال تدور وتلفُّ في الفضاء … وهبط الظلام سريعًا على المنطقة … وقد اختفى كل شيء، وأحسَّ المغامرون الثلاثة أن الأمور تسير من سيِّئ إلى أسوأ؛ فقد أصبحوا سُجناء العاصفة … والرمال … والألغام!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤