الفصل التاسع والعشرون
العودة فورًا
انطلقت من مدراس إلى كلكتا حيث وجدت الصعاب تحيط بي من كل جانب.
كنت لا أعرف أحدًا هناك، فحجزت غرفة في فندق «جريت إيسترن»، حيث
تعرفت إلى السيد إيلرثورب، وهو مندوب عن جريدة «ذا دايلي
تيليجراف». فدعاني إلى النادي البنجالي حيث يقيم، ولم يكن يدرك
حينها أن الهنود غير مسموح لهم بالدخول إلى قاعة الاستقبال
بالنادي. فاصطحبني إلى غرفته بعد أن اكتشف ذلك الحظر. وقد أبدى لي
أساه على تلك المعاملة السيئة من قبل الإنجليز، واعتذر عن عدم
تمكنه من اصطحابي إلى قاعة الاستقبال.
وكان عليَّ بالطبع أن أقابل السيد سوريندراناث بانيرجي، «معبود
البنجاليين». عندما رأيته، كان محاطًا بعدد من الأصدقاء، فقال لي:
«أخشى أن الناس لن يهتموا بعملك، فكما تعلم لدينا هنا ما يكفي من
الصعاب والمشكلات. يجب أن تكسب تعاطف الأمراء. ويمكنك أن تقابل
ممثلي الجمعية البريطانية الهندية. وينبغي لك مقابلة السادة
بياريموان موكارجي ومهراجا طاغور. فكل منهما يتمتع بعقل متفتح
ويشارك في العمل العام.»
لم يحالفني الحظ مع هذين الشخصين، فقد استقبلوني بفتور وأخبروني
أنه ليس من السهل الدعوة إلى عقد اجتماع شعبي في كلكتا، وأنه في
حالة انعقاد المؤتمر يجب أولًا الرجوع إلى السيد سوريندراناث
بانيرجي.
كانت مهمتي تزداد صعوبة أكثر فأكثر. توجهت إلى مكتب جريدة
«أمريتا بازار
باتريكا» Amrita Bazar Patrika. وظن الرجل الذي قابلته هناك أنني يهودي
متجول. أما في جريدة «ذا
بانجاباسي» The Bangabasi فلم يكن الحال أفضل بكثير. فقد تركني
رئيس التحرير منتظرًا لمدة ساعة. كان من الواضح أن عليه إجراء
الكثير من المقابلات، لدرجة أنه لم يلتفت إليَّ حتى بعد أن انصرف
الآخرون. وعندما تجرأت على فتح الموضوع بعد طول انتظار، قال لي:
«ألا ترى مدى انشغالنا؟ زيارات الأشخاص من أمثالك لا تنقطع. من
الأفضل أن تنصرف، فأنا لست على استعداد للاستماع إليك.» شعرت للحظة
بالإهانة، لكن سرعان ما فهمت موقف رئيس التحرير. فقد سمعت عن مدى
شهرة جريدة «ذا بانجاباسي»، وكنت أرى أن هناك تدفقًا دائمًا
للزوار. وكان جميعهم أشخاصًا تربطهم به علاقة. ولم تكن جريدته في
حاجة إلى موضوعات للمناقشة، وكانت جنوب أفريقيا غير معروفة على
نطاق واسع في ذلك الوقت.
ومهما كان حجم المظلمة في نظر الشخص المظلوم، فلن يكون لرئيس
التحرير أكثر من واحد من عشرات الأشخاص الذين يتوافدون على مكتبه،
كل بمظلمته. كيف يستطيع أن يقابل رئيس التحرير أولئك جميعًا؟ إن
صاحب المظلمة يتصور أن رئيس التحرير صاحب سلطة ونفوذ داخل البلاد.
وهو فقط الذي يعلم أن سلطته لا تتعدى عتبة مكتبه. لكن هذا لم يثبط
من عزيمتي. ظللت أقابل رؤساء تحرير الصحف الأخرى، وكالمعتاد قابلت
رؤساء التحرير الإنجليز المقيمين في الهند أيضًا. أدركت كل من
جريدتي «ذا ستاتسمان» The Statesman و«ذا إنجليش
مان» The
Englishman أهمية القضية. فقدمتُ إليهما حوارات طويلة
للنشر، وقد نشروها بالكامل.
اعتبرني السيد ساوندرس، رئيس تحرير «ذا إنجليش مان»، أحد أفراد
صحيفته. فوضع مكتبه وجريدته تحت تصرفي. حتى إنه منحني حرية إجراء
التغييرات التي أراها لازمة على الافتتاحية التي كتبها عن الوضع،
والتي أرسل لي مسودتها مسبقًا. لن أكون مبالغًا حين أقول إن نوعًا
من الصداقة نمت بيننا. وقد وعدني بأن يقدم لي كل ما يستطيع من
العون، وبالفعل حافظ على وعده حرفيًّا، فظل يراسلني حتى أعياه
المرض الشديد.
لقد حظيت طيلة حياتي بمثل هؤلاء الأصدقاء الذين دخلوا حياتي على
نحو غير متوقع. جعل عدم مبالغتي في الأمور وإخلاصي للحقيقة السيد
ساوندرس يعجب بي. وقد أخضعني لاستجواب دقيق قبل أن يبدأ في التعاطف
مع قضيتي. وقد رأى أنني لم أتوانَ في تقديم عرض محايد للقضية حتى
فيما يتعلق بالرجل الأبيض في جنوب أفريقيا، وتقديرها.
لقد علمتني التجربة أننا نحصل على العدالة بصورة أسرع إذا ما كنا
عادلين مع الطرف الآخر.
وقد وجدت في مساعدة السيد ساوندرس غير المتوقعة بريق أمل في أن
أنجح في عقد اجتماع في كلكتا، لكن حينها تلقيت برقية من دربان
نصها: «يفتتح البرلمان جلساته في يناير/كانون الثاني. برجاء العودة
فورًا!»
وجهت خطابًا إلى الصحافة أشرح لهم فيه سبب اضطراري لمغادرة كلكتا
على ذلك النحو المفاجئ والرحيل إلى بومباي. وقبل أن أشرع في ذلك،
أرسلت إلى وكيل السيد دادا عبد ﷲ وشركائه ليرتب سفري في أول سفينة
متوجهة إلى جنوب أفريقيا. كان السيد دادا عبد ﷲ وقتها قد اشترى
الباخرة كورلاند Courland وأصر
على أن أسافر على متنها ومعي عائلتي مجانًا. فقبلت عرضه بامتنان،
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول أبحرت للمرة الثانية إلى جنوب
أفريقيا، لكن هذه المرة مع زوجتي وأطفالي والابن الوحيد لأختي
الأرملة. وأبحرت السفينة ناديري Naderi في نفس الوقت إلى دربان. كان وكلاء
الشركة هم دادا عبد ﷲ وشركائه. لا بد أن عدد الركاب على متن
السفينتين بلغ ما يقرب من ثمانمائة، يتجه نصفهم إلى
الترانسفال.