الفصل الحادي والعشرون

هل أستقر في بومباي؟

كان جوخلي يتوق إلى استقراري في بومباي والعمل في المحكمة ومساعدته في العمل العام، وكان العمل العام في تلك الأيام يقصد به تأدية عمل حزب المؤتمر. وقد كان العمل الرئيسي للمؤسسة التي ساعد في إنشائها هو استمرار إدارة حزب المؤتمر.

راقتني نصيحة جوخلي، لكنني لم أكن واثقًا بنجاحي كمحامٍ، فقد كانت ذكريات الفشل السابقة لا تزال تطاردني، وكنت لا أزال أبغض اللجوء إلى التملق من أجل الحصول على قضايا.

وهكذا قررت أن أبدأ العمل في راجكوت أولًا. كان السيد كيفالرام مافجي دافي، الذي طالما تمنى لي الخير، والذي سبق أن حثني على الذهاب إلى إنجلترا، يقيم في راجكوت، وسرعان ما وكلني في ثلاث قضايا: كان اثنتان منها التماسان يُنظران أمام المساعد القضائي للمعتمد البريطاني بكثياوار، أما القضية الثالثة فكانت دعوى أصلية في مدينة جامناجار Jamnagar. وقد كانت هذه القضية الأخيرة أكثرهم أهمية. وعندما أخبرت السيد مافجي دافي بأنني لا أثق بمقدرتي على الفوز بالقضية، هتف قائلًا: «لا تلقِ بالًا للفوز بالقضية أو خسارتها، أريدك فقط أن تبذل قصارى جهدك، وبالطبع سوف أساعدك.»

كان محامي الخصم هو الراحل السيد سامارث. استعددت للقضية جيدًا، وذلك ليس بفضل معرفتي الجيدة بالقانون الهندي، ولكن بفضل توجيهات السيد مافجي الشاملة. كنت قد سمعت أحد الأصدقاء، قبل أن أذهب إلى جنوب أفريقيا، يقول: إن سبب نجاح السيد فيروزشاه ميهتا يرجع إلى تمكنه من قانون الإثبات، وضعت ذلك الكلام نصب عيني، وفي رحلتي البحرية أخذت في دراسة قانون الإثبات الهندي مع تعقيبات عليه بعناية، وذلك بالإضافة إلى خبرتي القانونية التي اكتسبتها في جنوب أفريقيا.

ربحت القضية واكتسبت بعض الثقة بقدراتي كمحامٍ. ولم يراودني أي خوف فيما يتعلق بالالتماسين اللذين نجحت فيهما بالفعل، فبعث كل ذلك في نفسي الأمل في أنه من الممكن أن أنجح حتى في بومباي.

وقبل أن أبين الظروف التي دفعتني إلى الرحيل إلى بومباي، سأقص تجربتي مع رعونة المسئولين الإنجليز وجهلهم. كانت محكمة المساعد القضائي متنقلة، وكان المساعد القضائي دائم التنقل، وكان على المحامين وموكليهم ملاحقته حيثما نقل مخيمه، وكان المحامون يطلبون المزيد من الأتعاب عندما كانوا يضطرون للخروج عن المركز الرئيسي، ومن ثَمَّ كان الموكلون يتكبدون مصروفات مضاعفة، ولم يكن القاضي يكترث بالعبء الملقى على عاتق الموكلين.

كان ذلك الالتماس سينظر في مدينة فيرافال Veraval حيث تفشى الطاعون. أذكر أن معدلات الإصابة بلغت قرابة الخمسين حالة يوميًّا في مكان يبلغ عدد السكان فيه ٥٥٠٠ نسمة. وكانت المدينة شبه مهجورة، فأقمت في معبد مهجور يبعد قليلًا عن المدينة، لكن أين يمكن أن يقيم الموكل؟ فإذا كان الموكلون فقراء، فعليهم أن يعتمدوا على رحمة الإله.

بعث لي أحد الأصدقاء الذي كان لديه قضايا تنظرها المحكمة ببرقية يخبرني فيها بأنه يجب أن أقدم طلبًا إلى المخيم كي أُنْقَل إلى مكان آخر نظرًا لتفشي وباء الطاعون في فيرافال، وعند تقديمي للطلب، سألني المسئول: «هل تشعر بالخوف؟»

فأجبته: «الأمر لا يتعلق بكوني خائفًا، فأنا يمكنني التصرف كما شئت، لكن ما بال الموكلين؟»

قال لي: «لقد تفشى الطاعون في الهند، فلماذا تخشاه؟ إن المناخ في فيرافال لطيف للغاية. (وقد كان المسئول يعيش بعيدًا عن المدينة في خيمة فخمة على شاطئ البحر) بالطبع يجب أن يتعلم الناس أن يعيشوا في الهواء الطلق.»

لم يكن هناك طائل في الجدال في هذه الفلسفة. فقال لمسئول الحسابات: «حرر مذكرة بما يقوله السيد غاندي، وأعلمني إذا ما كان ذلك يضر بالمحامين أو الموكلين.»

لقد قام المسئول بما ظن أنه الصواب، لكن كيف كان للرجل أن يتخيل المآسي التي يعانيها الهنود الفقراء؟ وكيف كان يمكن أن يفهم حاجات الشعب وعاداتهم وطباعهم وأعرافهم؟ كيف يمكن لشخص اعتاد أن يقيس الأمور بالعملة الذهبية أن يبدأ فجأة في حساب قطع النقود النحاسية الصغيرة؟ فلا يستطيع الفيل أن يفكر بشأن النملة، بغض النظر عن توافر حسن النية، وكذلك الإنجليز لا يستطيعون التفكير بشأن الهنود أو أن يسنُّوا لهم التشريعات.

والآن أعود إلى سرد القصة. فمع النجاح الذي حققته، كنت أفكر في المكوث في راجكوت لمدة أطول، لكن جاءني السيد دايف ذات يوم وقال: «غاندي، لن أتركك تعيش حياة خاملة هاهنا. يجب أن تنتقل إلى بومباي.»

فسألته: «ولكن من سيوفر لي العمل هناك؟ هل ستزودني أنت بالنفقات؟»

فأجابني: «نعم، سأفعل. سوف آتي بك إلى هنا من وقت إلى آخر بصفتك محاميًا كبيرًا من بومباي، وسنرسل لك المذكرات لتصيغها. فالأمر يرجع لنا نحن الوكلاء في إذاعة صيت المحامي أو تشويه سمعته. وقد أثبت كفاءتك في جامناجار وفيرفال، لذلك لا أشك مطلقًا في قدراتك. لقد خُلقت للعمل بالخدمة العامة، ولن نتركك تدفن نفسك في كاثياوار. والآن أخبرني متى ستذهب إلى بومباي؟»

فأجبته: «أنا في انتظار وصول حوالة نقدية من ناتال. وسأسافر بمجرد أن أتسلمها.»

وصلت الحوالة بعد مرور أسبوعين، وذهبت إلى بومباي. اتخذت مكتبًا بين مكاتب المحامين ذائعي الصيت باين وجيلبرت وساياني، وبدا كما لو أنني قد استقررت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤