الفصل السادس عشر

الطاعون الأسود (٢)

عبر لي أمين سجلات البلدية عن امتنانه لأنني توليت مسئولية ذلك المنزل الخالي واعتنيت بالمرضى، وقد اعترف لي صراحة أن مجلس المدينة لا يملك الوسائل اللازمة لمواجهة مثل حالات الطوارئ تلك، لكنه وعدني بأن يخصص كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها لمعالجة الأمر. وفور أن استيقظ المسئولون بالبلدية وشعروا بواجبهم، لم تتأخر البلدية في اتخاذ التدابير السريعة لمعالجة الموقف.

وفي اليوم التالي، وضعت البلدية مخزنًا فارغًا تحت تصرفي، واقترحوا نقل المصابين إليه، لكنها لم تأخذ التدابير اللازمة لتنظيف ذلك المخزن الذي كان مهملًا وقذرًا، فقمنا بتنظيفه بأنفسنا وجمعنا بعض الأسرة وغيرها من المستلزمات الضرورية عن طريق جهود الهنود من أهل الخير، ثم أسسنا مستشفى مؤقت، وساعدت البلدية بتوفير ممرضة بالإضافة إلى البراندي وغيره من تجهيزات المستشفى. وظل الطبيب جودفري هو المسئول.

كانت الممرضة سيدة طيبة، وكانت ترعى المرضى بسرور، لكننا كنا نادرًا ما نسمح لها بلمسهم خشية أن تنتقل إليها عدوى المرض.

تلقينا تعليمات من الأطباء بإعطاء جرعات متكررة من البراندي إلى المرضى، حتى إن الممرضة طلبت منا تناول جرعات منه أيضًا على سبيل الوقاية كما تفعل هي، لكن أحدًا منا لم يلمسه، فلم أكن أعتقد أن له فائدة حتى للمرضى. فأخضعت ثلاثة من المرضى من الذين لا يحتاجون لتناول البراندي للمعالجة بالطين بعد أن حصلت على إذن من الطبيب جودفري، فوضعت ضمادة مبللة من الطين على رءوسهم وصدورهم. وقد نجا اثنان فقط من المرضى، في حين توفي العشرون الآخرون في المخزن.

وفي غضون ذلك، كانت البلدية مشغولة باتخاذ التدابير الأخرى، وكان هناك حجر صحي للأمراض المعدية على بعد سبعة أميال من جوهانسبرج، فنقلنا المريضين الناجيين إلى خيام بالقرب من الحجر الصحي، وأخذنا التدابير اللازمة لإرسال أي حالات جديدة إلى هناك. وبذلك، أُعفينا من عملنا هناك.

علمنا بعد بضعة أيام أن الممرضة الطيبة تعرضت لنوبة مرض وماتت من فورها. يصعب على المرء أن يتخيل كيف نجا المصابون، وكيف لم تنتقل إلينا العدوى. على كل حال، زادت التجربة من إيماني بالمعالجة بالطين وتشككي في فعالية البراندي ولو كدواء. أعلم أن إيماني ذلك غير مبني على حقائق ثابتة ولا حتى تشككي، لكنني لا أزال أحتفظ بالانطباع ذاته الذي تولد لديَّ وقتها، ولذلك فكرت أن من الضروري أن أذكره في هذا السياق.

كنت قد أرسلت خطابًا شديد اللهجة إلى الصحافة عند تفشي الطاعون، وأدنت فيه البلدية لإهمالها للحي بعد أن أصبح ملكًا لها، وذكرت أنها هي المسئولة عن تفشي الوباء. جعلني ذلك الخطاب أتعرف إلى السيد هنري بولاك، وكان هو أيضًا المسئول جزئيًّا عن صداقتي بالراحل الكاهن جوزيف دوك.

ذكرت في فصل سابق أنني اعتدت أن أتناول طعامي في مطعم نباتي، وفي ذلك المطعم قابلت السيد ألبرت ويست حيث اعتدنا الالتقاء كل مساء، ثم كنا نذهب للمشي بعد تناولنا للعشاء. كان السيد ويست شريكًا في مؤسسة صغيرة للطباعة. وقد قرأ خطابي حول تفشي وباء الطاعون في الصحف. فشعر بالقلق عندما لم يجدني في المطعم.

كنت وزملائي قد قللنا من كمية طعامنا منذ تفشي الطاعون، وذلك لأنني كنت قد تبنيت مبدأً منذ وقت طويل يقضي بالخضوع لحمية خفيفة في أوقات انتشار الأوبئة. وفي تلك الأيام، كنت أتنازل عن تناول وجبة العشاء، وكنت أنهي غدائي قبل أن يصل باقي مرتادي المطعم. فقد كنت على معرفة وثيقة بصاحب المطعم، وأخبرته بأنني أريد تجنب الاتصال بأصدقائي قدر الإمكان نظرًا لأنني أشارك في تمريض المصابين بالطاعون.

لم يرني السيد ويست ليوم أو اثنين في المطعم، فوجدته في أحد الأيام يطرق بابي في ساعة مبكرة من الصباح، وكنت وقتها أستعد للخروج للمشي، فحدثني فور أن فتحت الباب، قائلًا: «لم أجدك في المطعم، وخشيت أن يكون قد أصابك مكروه، فقررت أن آتي إليك في الصباح حتى أضمن وجودك في المنزل. أنا تحت تصرفك، فأنا أريد المساعدة في تمريض المصابين، وأنت تعرف أنني لا أعول أحدًا.»

عبرت له عن امتناني، ودون أن أفكر لحظة، أجبته قائلًا: «لن أستخدمك في التمريض، فإذا لم ترد حالات جديدة، سننتهي من عملنا في يوم أو اثنين، لكن يبقى أمر واحد.»

– «ما هو؟»

– «هل يمكنك تولي مسئولية جريدة «الرأي الهندي» في دربان؟ فعلى الأرجح سيكون السيد مادانجيت مشغولًا هنا، وسنحتاج إلى شخص يتولى مهام الجريدة في دربان، وستخفف عني حمل هذه المشكلة إذا وافقت على الذهاب.»

– «تعلم أنني شريك في مؤسسة للطباعة. وعلى الأرجح سوف أذهب إلى دربان، لكن هل يمكنني أن أعطيك إجابتي النهائية في المساء؟ فيمكن أن نتحدث أكثر عن الأمر في أثناء المشي المسائي.»

سرتني تلك الكلمات. وفي المساء تكلمنا حول الموضوع، ووافق بالفعل على الذهاب، ولم يعبأ السيد ويست بالراتب، فلم يكن يسعى خلف المال، فخصصنا له راتبًا وصل إلى ١٠ جنيهات إسترلينية شهريًّا، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح، في حالة تحقيق أرباح. سافر السيد ويست في اليوم التالي في قطار البريد المسائي متوجهًا إلى دربان، وقد عهد لي باسترداد مستحقاته. ومنذ ذلك الوقت وحتى الوقت الذي رحلت فيه عن شواطئ جنوب أفريقيا، شاركني السيد ويست في جميع أفراحي ومآسيَّ.

كان السيد ويست ينتمي إلى أسرة من الفلاحين من مدينة لوث بمقاطعة لينكولنشير، وقد تلقى تعليمًا عاديًّا بالمدرسة، لكنه تعلم الكثير في مدرسة الحياة نتيجة لشدة اعتماده على نفسه. كان السيد ويست إنجليزيًّا نقيًّا ووقورًا وتقيًّا وعطوفًا.

وسوف أتحدث عن السيد ويست وعائلته بمزيد من التفصيل في الفصول التالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤