الفصل التاسع عشر

مزرعة فونيكس

تناقشت مع السيد ويست حول الأمر كله، ووصفت له كيف أثر كتاب «حتى الرجل الأخير» على أفكاري. واقترحت عليه أن ننقل جريدة «الرأي الهندي» إلى مزرعة يكدح بها الجميع ويحصلون على أجور متساوية ويهتمون بالمطبعة في وقت الفراغ. وافق السيد ويست على اقتراحي وحددنا راتبًا يبلغ ٣ جنيهات إسترلينية شهريًّا لكل فرد بغض النظر عن لونه أو جنسيته.

لكن المشكلة كانت تكمن في موافقة جميع العاملين في المطبعة، الذين يصل عددهم إلى ١٠ أفراد أو يزيد، على الذهاب إلى مزرعة نائية والاستقرار بها والرضا بمجرد بدل الإعالة. فاقترحنا على من لا يستطيع الموافقة على المشروع المقترح أن يستمر في الحصول على راتبه كما هو وأن يحاول تدريجيًّا الالتحاق بالمزرعة.

تحدثت إلى العمال بشأن ذلك الاقتراح. لكنه لم يرق للسيد مادانجيت الذي اعتبره اقتراحًا أحمق وقال إنه قد يعرض المشروع الذي راهن بجميع أمواله عليه للخطر. وقد قال إن العمال قد يفرون، ويتوقف العمل في الجريدة مما سيؤدي لإغلاقها.

كان من بين العاملين في الجريدة أحد أبناء عمومتي، شاجانلال غاندي، وقد عرضت عليه الاقتراح في نفس الوقت الذي عرضته فيه على ويست. كان لدى شاجانلال زوجة وأطفال، لكنه اختار منذ طفولته أن يتدرب ويعمل لديَّ، فقد كان يثق بي تمامًا، ومن ثَمَّ وافق على المشروع دون أي نقاش، وظل بجانبي منذ ذلك الحين. ووافق الميكانيكي جوفينداسوامي على الاقتراح هو الآخر. أما باقي العمال فلم ينضموا إلى المشروع، لكنهم وافقوا على الانتقال حيث أنقل المطبعة.

لا أعتقد أنني أمضيت أكثر من يومين في تنظيم تلك الأمور مع العاملين. وأعلنت بعد ذلك عن حاجتي لقطعة أرض تقع بالقرب من محطة السكة الحديدية بجوار دربان، فتلقيت عرضًا في فونيكس. ذهبت وبصحبتي السيد ويست لمعاينة قطعة الأرض، وفي أسبوع اشترينا عشرين أكرًا١ من الأرض. كانت الأرض تحتوي على ينبوع ماء صغير ورائع، وبعض أشجار البرتقال والمانجو. وكانت هناك قطعة أرض مجاورة تبلغ مساحتها ٨٠ أكرًا، وكانت تحتوي على العديد من أشجار الفاكهة وكوخ متهدم. فاشترينا تلك الأرض أيضًا، وكانت التكلفة الكلية ألف جنيه إسترليني.

كان الراحل السيد روستومجي دائمًا يساندني في مثل تلك المشروعات. وعندما راقه المشروع، وضع تحت تصرفي ألواحًا حديدية مستعملة مأخوذة من مخزن ضخم، وغيرها من مواد البناء التي بدأنا العمل بها، وساعدنا نجارون وعمال بناء هنود ممن ساعدوني في أثناء حرب البوير في تشييد سقيفة للمطبعة، وقد شيد ذلك البناء في أقل من شهر وقد بلغ طوله ٧٠ قدمًا وعرضه ٥٠ قدمًا. مكث السيد ويست وآخرون مع النجارين وعمال البناء، معرضين أنفسهم بذلك لمخاطرة كبيرة، فقد كان المكان غير مأهول بالسكان ومُغطى بالعشب الكثيف، فكان مرتعًا للثعابين وغير آمن للعيش فيه. في بداية الأمر عشنا جميعًا في خيام، ونقلنا أغلب أمتعتنا تقريبًا إلى فونيكس في أسبوع. وكانت فونيكس تبعد أربعة عشر ميلًا عن دربان، وميلين ونصف الميل عن محطة فونيكس.

وكان عدد واحد فقط من «الرأي الهندي» يجب أن يُطبع في الخارج، في دار ميركيري للنشر.

حاولت أن أجتذب الأصدقاء والمعارف — الذين أتوا معي من الهند والذين كانوا يعملون في مجالات شتى — إلى فونيكس ليجربوا حظهم هناك. لقد أتى أولئك الناس بحثًا عن الثروة، لذلك كان من الصعب إقناعهم بالفكرة، ومع ذلك وافق بعضهم بالفعل، ومن بين أولئك أستطيع أن أتذكر اسمًا واحدًا فقط، ماجنلال غاندي، أما البقية فقد عادوا إلى عملهم. ترك ماجنلال عمله ليجرب حظه معي، وقد برز بين رفقائي الأوائل في تجاربي الأخلاقية بقدرته وتضحيته وإخلاصه، وقد كانت مكانته بينهم فريدة لكونه عاملًا حرفيًّا علم نفسه بنفسه.

وهكذا انطلقت مزرعة فونيكس في عام ١٩٠٤م، واستمر نشر «الرأي الهندي» منها وذلك مع العقبات الكثيرة.

لكنني في حاجة إلى فصل مستقل بذاته لأذكر الصعاب الأولية التي واجهناها والتغييرات التي أحدثناها والآمال التي راودتنا والأحداث المخيبة للأمل التي تعرضنا لها.

هوامش

(١) الأكر: مقياس للمساحة يساوى٤٨٤٠ ياردة مربعه أو نحو أربعة آلاف متر مربع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤