الفصل الثامن

التحذير

أخشى أن الحديث إلى الفصل التالي. استمرت تجاربي الغذائية جنبًا إلى جنب مع تجاربي في المعالجة بالطين. وأعتقد أنني لن أخرج عن السياق إذا ما ذكرت هنا بعض الملاحظات التي تتعلق بتلك التجارب الغذائية مع أنني سوف أتطرق إليها مرة أخرى فيما بعد.

لن أتعرض، الآن أو فيما بعد، لتجاربي الغذائية بالتفصيل نظرًا لأنني تناولتها بالتفصيل في سلسلة من المقالات المكتوبة باللغة الجوجراتية التي نُشرت منذ سنوات في جريدة «الرأي الهندي»، والتي نُشرت فيما بعد في كتاب يعرف باسم «مفتاح الصحة».١ وهذا الكتاب هو أكثر كتبي القليلة قراءة في الشرق والغرب على حد سواء، وهو الأمر الذي لا أفهم سببه حتى الآن. لقد كتبت تلك المقالات من أجل قراء «الرأي الهندي»، لكنني أعلم أن الكتيب ترك أثرًا عميقًا في حياة الكثيرين في الشرق والغرب ممن لم يقرءوا جريدة «الرأي الهندي» من قبل. ونظرًا لأن مثل أولئك الأشخاص راسلوني للاستفسار عن ذلك الموضوع، فقد وجب أن أذكر شيئًا هنا عن الكتيب. فمع عدم وجود سبب لتغيير آرائي الواردة في الكتيب، أضفت بعض التغييرات الجذرية في ممارساتي الفعلية التي لا يعلمها كل من قرأ الكتاب وأرى أنه ينبغي أن أطلعهم عليها.

إن الكتيب، كغيره من كتاباتي الأخرى، كُتب لغاية روحانية طالما دفعت الآخرين للاقتداء بي. لذلك أشعر بضيق عميق عندما أجد نفسي اليوم غير قادر على ممارسة بعض النظريات التي قدمتها في الكتاب.

أنا على اقتناع تام بأن الإنسان لا يحتاج لتناول الحليب نهائيًّا، إلا حليب أمه الذي يتناوله وهو رضيع. ويجب أن يقتصر طعامه على الفاكهة التي جففتها حرارة الشمس والمكسرات. فيمكن للإنسان أن يحصل على الغذاء الكافي لكل من الأنسجة والأعصاب من الفواكه مثل العنب والمكسرات مثل اللوز. فمن السهل على من يعيش على ذلك الطعام أن يكبح الرغبة الجنسية وغيرها من العواطف. فلقد وجدت أنا ورفاقي عن طريق التجربة أن القول الهندي المأثور «أنت ما تأكل» يحمل الكثير من الصحة. وقد أوضحت تلك الآراء بمزيد من التفصيل في الكتاب.

لكن لسوء الحظ، وجدت نفسي في الهند مضطرًّا للتخلي عن ممارسة بعض نظرياتي. وفي أثناء وجودي في «خيدا» أثناء حملة حشد المتطوعين، مرضت بسبب مشكلة في الغذاء وكنت على شفا الموت. حاولت عبثًا أن أعيد بناء جسدي خائر القوى دون تناول الحليب. لجأت إلى الأطباء والمتخصصين في علم «الآيورفيدا» والعلماء الذين أعرفهم لمساعدتي في إيجاد بديل للحليب. أشار عليَّ بعضهم بماء المنج، والبعض الآخر بزيت موهرا، وآخرون بحليب اللوز. فأخذت أهلك جسدي أثناء تجربة كل هذه الوصفات، لكن لم يساعدني أي منها على النهوض من فراش المرض. قرأ لي المتخصصون في علم «الآيورفيدا» بعض أسطر تشاراكا٢ حتى يبرهنوا لي أن الشك الديني فيما يتعلق بالغذاء لا مكان له في علاج الأمراض. لذلك لم أتوقع أن يساعدوني في الشفاء دون تناول الحليب. وكيف يمكن لمن أوصاني بتناول مرق اللحم البقري والبراندي دون تردد أن يساعدني في المثابرة على نظام غذائي خالٍ من الحليب؟

لم يكن من الممكن أن أتناول حليب البقر أو الجاموس لالتزامي بالعهد الذي أخذته على نفسي. كان العهد بالطبع يشمل جميع أنواع الحليب، لكن نظرًا لأنني كنت أعني حليب البقر والجاموس فقط عندما أخذت العهد، ونظرًا لرغبتي في النجاة بحياتي، خدعت نفسي مؤكدًا على المعنى الحرفي للعهد، ولذا تناولت حليب الماعز. شعرت بالقلق إزاء فقدان عهدي لروحه عندما بدأت في تناول حليب الماعز.

ومع ذلك، تملكتني فكرة تزعم حملة ضد قانون رولات.٣ وقد نمت مع هذه الفكرة رغبتي في الحياة. وبناء على ذلك، توقفت إحدى أعظم التجارب في حياتي.

أعلم أن هناك من يقول إنه لا علاقة للروح بما يأكله المرء أو يشربه تذرعًا بأن الروح لا تأكل ولا تشرب، فلا يهم الطعام الذي تتناوله لكن المهم ما تعبر عنه من داخلك إلى العالم الخارجي. ولا شك أن ذلك القول يستند إلى بعض المنطق، لكن بدلًا من أن أفند هذا القول سأكتفي بأن أوضح اعتقادي الشخصي الذي يقول: إن من يخشى الإله ويرغب في رؤيته وجهًا لوجه، يؤمن بأن التحكم في شهوة الطعام سواء كمًّا أو كيفًا ضروري مثله مثل التحكم في التفكير والكلام.

مع ذلك، كنت أخبر الآخرين عندما أكتشف فشل إحدى نظرياتي، وأحذر بشدة من تبنيها. لذلك يمكنني أن أحث أولئك الذين امتنعوا عن تناول الحليب بناء على نظريتي على ألا يواصلوا تلك التجربة إلا إذا كانت تعود عليهم بالنفع أو بناء على نصيحة الأطباء من ذوي الخبرة. فقد أثبتت لي خبرتي حتى الآن أنه للذين يعانون ضعف الهضم والذين هم طريحو الفراش، لا يوجد أي غذاء خفيف ومغذٍّ يضاهي الحليب.

سأكون ممتنًا للغاية إذا ما أخبرني أحد ذوي الخبرة في هذا المجال، إذا تصادف وقرأ هذا الفصل، عن بديل نباتي للحليب بنفس مستوى التغذية وسهولة الهضم، على أن يكون توصل لهذه المعلومة عن طريق خبرته العملية وليس من قراءاته.

هوامش

(١) A Guide to Health: نُشر تحت العنوان الجديد «مفتاح الصحة» Key to Health. ونشرته دار نافاجيفان للنشر.
(٢) «تشاركا» Charaka: هو أحد مؤسسي علم الآيورفيدا الهندي. ووفقا لتشاراكا، نجد أن الصحة والمرض غير مقدرين، ويمكن أن تطول حياة الإنسان عن طريق المجهود البشري.
(٣) قانون رولات: أصدرته بريطانيا لتوسيع إجراءات الطوارئ التي شرعتها أثناء الحرب العالمية الأولى للسيطرة على الاضطرابات والقضاء على المؤامرات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤