الفصل الحادي عشر

إلغاء الهجرة بعقود لأجل

سنترك الحديث عن الجماعة قليلًا، والتي تعرضت في بداية نشأتها إلى عواصف داخلية وخارجية، وسنتحول للحديث بإيجاز عن أمر كان يشغل بالي.

إن العاملين بعقود لأجل هم أولئك العمال الذين هاجروا من الهند للعمل بمقتضى عقد مدته خمس سنوات أو أقل. أُلغيت الضريبة التي فُرضت على المهاجرين العاملين بعقود لأجل في ناتال والتي كانت تقدر بمبلغ ٣ جنيهات إسترلينية بموجب اتفاقية غاندي — سمطس التي عُقدت في عام ١٩١٤م. لكن الهجرة من الهند بصورة عامة كانت لا تزال في حاجة إلى معالجة.

وفي مارس/آذار من عام ١٩١٦م، تقدم بانديت مدان موهان مالفيا بقرار في المجلس التشريعي الإمبراطوري لإلغاء نظام العمل بعقود لأجل. وقد أعلن اللورد هاردنج، ردًّا على القرار المقترح بقوله: إنه قد حصل على وعد من حكومة جلالة الملك بإلغاء هذا النظام في الوقت المناسب. لكنني شعرت أن الهند لا يمكنها قبول مثل ذلك الرد المبهم، وأن على شعبها أن يثور بغية الإلغاء الفوري لهذا النظام. لقد سمحت الهند بوجود ذلك النظام بتهاونها التام، ورأيت أن الوقت قد حان ليثور الشعب من أجل مثل ذلك الإصلاح. قابلت بعض الزعماء، وكتبت مقالات في الصحف، ووجدت أن الرأي العام يُجمع على الإلغاء الفوري لهذا النظام. تساءلت: هل يمكن أن يكون ذلك الموضوع مناسبًا لقيام الساتياجراها؟ لم يكن لديَّ أدنى شك في أن إجابة ذلك السؤال هي «نعم»، لكنني لم أكن أدري السبيل إلى ذلك.

ولم يخف الحاكم البريطاني، في غضون ذلك، معنى «الإلغاء التدريجي» الذي قال عنه إنه سيحدث «أثناء مدة معقولة تسمح بتقديم ترتيبات بديلة».

وفي فبراير/شباط من عام ١٩١٧م، طلب السيد مالفيا إذنًا ليقدم مشروع قرار بشأن الإلغاء الفوري للنظام، لكن اللورد شيلمسفورد رفض منحه الإذن، وهنا حان الوقت كي أجوب مشارق الهند ومغاربها لاستنفار جميع أبناء الوطن.

فكرت في أنه من اللائق زيارة الحاكم البريطاني قبل أن أبدأ في استثارة أبناء وطني، وطلبت مقابلة الحاكم البريطاني، فوافق على الفور. كان السيد مافي، الذي يحمل الآن لقب السير جون مافي، سكرتير الحاكم البريطاني الشخصي، وقد توطدت علاقتي به كثيرًا. أجريت محادثات مُرضية مع اللورد شيلمسفورد، الذي وعد بمساعدتي لكن بصورة غير واضحة.

بدأت جولتي في البلاد انطلاقًا من بومباي. وتعهد السيد جيهانجير بيتيت بعقد الاجتماع تحت رعاية الجمعية الإمبراطورية للمواطنة Imperial Citizenship Association. اجتمعت اللجنة التنفيذية للجمعية أولًا لصياغة القرارات التي ستُقدم أثناء الاجتماع، وحضر اجتماع اللجنة كل من الدكتور ستانلي ريد، والسيد (يحمل حاليًّا لقب سير) لالوباي، والسيد ناتاراجان، والسيد بيتيت، وقد ركزت المناقشات على تحديد المدة التي سيُطلب من الحكومة إلغاء هذا النظام أثناءها. طُرحت ثلاثة اقتراحات، وهي: الإلغاء «في أسرع وقت ممكن»، والإلغاء «بنهاية شهر يوليو»، و«الإلغاء الفوري». كنت أؤيد تحديد تاريخ محدد للإلغاء، بحيث نستطيع وقتها تقرير رد الفعل الذي علينا القيام به في حالة عدم تلبية الحكومة لطلبنا في المدة المحددة. كان السيد لالوباي يدعم اقتراح «الإلغاء الفوري»، فقال: إن كلمة «فوري» تشير إلى مدة سابقة على نهاية شهر يوليو/تموز. فأوضحت أن الناس لن يفهموا معنى كلمة «فوري». وإن كنا نرغب في أن يقوموا بعمل حقيقي، علينا أن نعطيهم كلمة أكثر وضوحًا. فيمكن أن يفسر كل شخص كلمة «فوري» حسب فهمه الخاص، فتفسرها الحكومة بطريقة، ويفسرها الناس بطريقة أخرى. أما عبارة «نهاية شهر يوليو» فليس بها مجال لأي لبس. وفي حالة عدم قيام الحكومة بأي إجراء حتى ذلك التاريخ، يمكننا أن نلجأ إلى سبل أخرى. اقتنع الدكتور ريد بوجهة نظري، وأخيرًا وافق السيد لالوباي. اخترنا نهاية شهر يوليو/تموز موعدًا نهائيًّا لإعلان إلغاء النظام، وقد مررنا قرارًا يحمل ذلك المعنى في الاجتماع العام. وقد صدرت قرارات مماثلة في الاجتماعات التي عُقدت في جميع أنحاء الهند.

كرست السيدة جايجي بيتيت جهدها ووقتها لتشكيل وفد من السيدات لزيارة الحاكم البريطاني، وأذكر من ضمن السيدات اللاتي اشتركن في الوفد من بومباي، السيدة تاتا والراحلة ديلشاد بيجام. وقد كان لذلك الوفد أثر عظيم، وقد أعطى الحاكم البريطاني الوفد ردًّا مشجعًا.

قمت بزيارة كراتشي وكلكتا وغيرها. وقد عُقدت اجتماعات بناءة في كل مكان، وكانت الحماسة تملأ الجميع. في الحقيقة، لم أكن أتوقع مثل تلك الحماسة عندما بدأت في استثارة الشعب.

كنت أسافر في تلك الفترة وحيدًا، وهو الأمر الذي عرضني للعديد من التجارب العجيبة. كان رجال التحقيقات الجنائية يطاردونني أينما ذهبت، لكنهم لم يضايقونني لأنني لم يكن لديَّ ما أخفيه، ومن جهتي لم أسبب لهم أي مشاكل. ولحسن الحظ، لم أكن وقتها قد حظيت بلقب المهاتما، مع أن الاسم كان شائعًا بين من يعرفونني.

وأذكر موقفًا واحدًا أزعجني فيه المحققون في محطات عدة وسألوني عن تذكرتي، ودونوا رقمها، وبالطبع، أجبت عن جميع أسئلتهم في الحال. وقد اعتقد الركاب أنني «ناسك» أو «متقشف». وقد غضبوا عندما وجدوا المحققين يضايقونني في كل محطة، وانهالوا عليهم بالسباب. فصاحوا قائلين: «لماذا تزعج الناسك المسكين دون سبب؟» ثم توجهوا إليَّ قائلين: «لا تظهر تذكرتك لهؤلاء الأنذال.»

فخاطبتهم برفق، قائلًا: «لا ضرر في أن أظهر لهم تذكرتي؛ إنهم يقومون بواجبهم.» لكن كلامي لم يكن كافيًا لإرضاء الركاب، فأظهروا تعاطفًا أكثر تجاهي، وأخذوا يعترضون بشدة على هذا النوع من الإساءة للأبرياء.

كان إزعاج المحققين هينًا بالنسبة للصعاب الأخرى التي لقيتها، فقد كانت المشكلة الحقيقية في الصعاب التي لاقيتها أثناء السفر في الدرجة الثالثة، وقد خضت أقسى تجربة في الطريق من لاهور إلى دلهي. كنت مسافرًا من كراتشي إلى كلكتا عن طريق لاهور حيث كان عليَّ تغيير القطار، فوجدت استحالة في إيجاد مقعد خالٍ في القطار. كان القطار مكتمل العدد، ولم يستطع الركوب إلا من لجَئوا إلى القوة، وغالبًا ما كانوا يتسللون عبر النوافذ إذا كانت الأبواب مؤصدة. كان عليَّ الوصول إلى كلكتا في الموعد المحدد لانعقاد الاجتماع، ولم أكن لأتمكن من الوصول في الوقت المحدد إذا ما فاتني ذلك القطار. فقدت الأمل تقريبًا في ركوب القطار. لم يكن أحد يريد أن يُجلسني عندما أتاني أحد الحمالين بعد أن رأى المأزق الذي أنا فيه، وقال لي: «أعطني اثنتي عشرة آنة وسأحصل لك على مقعد.» فأجبته: «حسنًا، جد لي مقعدًا وسأعطيك الاثنتي عشرة آنة.» أخذ الشاب ينتقل من عربة إلى أخرى يتوسل إلى الركاب، لكن أحدًا لم يعره انتباهًا. وما إن أوشك القطار على الانطلاق، حتى قال بعض الركاب: «لا يوجد مكان هنا، لكن يمكنك أن تزج به داخل العربة إذا أردت، وسيكون عليه أن يقف.» فسألني الحمال: «ما رأيك؟» فوافقت بكل سرور، وبالفعل دفعني إلى العربة من النافذة. وهكذا وجدت مكانًا في القطار، وفاز الحمال بالاثنتي عشرة آنة.

كان الليل اختبارًا حقيقيًّا. كان الركاب الآخرون جالسين بصورة أو بأخرى. ظللت واقفًا لمدة ساعتين ممسكًا بسلسلة السرير العلوي. في غضون ذلك، أخذ بعض الركاب في مضايقتي باستمرار. سألوني: «لماذا لا تجلس؟» حاولت إقناعهم أن ذلك يرجع لعدم وجود مكان شاغر، لكنهم لم يتحملوا وقوفي مع أنهم كانوا مضجعين كليًّا على الأسرة العلوية. لقد كانوا لا يملون من مضايقتي، ولم أمل أنا من الرد عليهم بلطف، وقد هدأهم ذلك في النهاية. سألني بعضهم عن اسمي، وعندما عرفوا هويتي شعروا بالخزي، فاعتذروا لي وأفسحوا لي مكانًا، وكانت تلك مكافأة صبري. كنت خائر القوى، وشعرت بدوار في رأسي، لقد ساعدني الإله عندما كنت في حاجة ماسة إلى العون.

وصلت بهذه الطريقة إلى دلهي ومنها إلى كلكتا. وقد كان مضيفي أمير مدينة قاسم بازار، رئيس الاجتماع في كلكتا. ولم تكن الحماسة في كلكتا أقل منها في كراتشي. وقد حضر الاجتماع الكثير من الإنجليز.

وقد أعلنت الحكومة وقف الهجرة بعقود لأجل من الهند قبل حلول نهاية شهر يوليو/تموز.

كانت المرة الأولى التي تقدمت فيها بشكوى ضد النظام في عام ١٨٩٤م، وكنت آمل في أن ينتهي ذلك النظام «شبه الاستعبادي»، كما كان يطلق عليه السيد ويليام ويلسون هانتر.

أسهم الكثير من الأشخاص في الثورة التي بدأت في ١٨٩٤م، لكن لا مفر من أن أقول بأن الساتياجراها قد عجلت بالنتيجة.

وأرجو لمن يريد من القراء الاطلاع على المزيد من تفاصيل تلك الثورة ومن شاركوا فيها أن يرجع إلى كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤