الفصل السادس عشر

أساليب العمل

كي أتحدث عن التحقيق بالتفصيل، يجب أن أذكر تاريخ مزارعي شامباران في تلك المرحلة، وهو ما لا مجال له في هذه الفصول. كان تحقيق شامباران تجربة جريئة مع الحقيقة والأهيمسا، وسوف أذكر من وقت إلى آخر الأحداث التي تستحق الذكر في هذا السياق. وللاطلاع على المزيد من التفاصيل، أرجو من القارئ قراءة كتاب السيد راجيندرا براساد عن تاريخ الساتياجراها في شامباران باللغة الهندية، الذي يتوافر منه الآن نسخة باللغة الإنجليزية.١

والآن نعود إلى موضوع هذا الفصل. لم يكن من الممكن إجراء التحقيق في منزل السيد جوراخ دون أن أطلب منه إخلاءه تقريبًا. ولم يكن الموتيهاريون قد تخلصوا من خوفهم إلى درجة تأجير منزل خاص لنا. على كل حال، استطاع السيد براجكيشور أن يجد لنا منزلًا تحيط به مساحات مفتوحة، فانتقلنا إليه.

كان من المستحيل تأدية العمل دون توافر الأموال. ولم يكن شائعًا حتى ذلك الوقت طلب الأموال من العامة من أجل القيام بهذا النوع من الأعمال. كان السيد براجكيشور وأصدقاؤه مجموعة من المحامين الذين يسهمون بأموالهم الخاصة أو يحصلون عليها من الأصدقاء متى كانت هناك فرصة لذلك. فكيف كان من الممكن أن يطلبوا المال من العامة في حين يستطيعون هم ونظراؤهم توفيره؟ يبدو أن هذه هي الحجة التي كانوا يستندون إليها. فقررت ألا أقبل أي أموال من مزارعي شامباران، حتى لا يُساء فهم مثل ذلك العمل. وقررت ألا أطلب من الدولة بصورة عامة أي أموال من أجل إجراء التحقيق، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يُفسر على أنه خاص بجميع ولايات الهند وأن يضفي على التحقيق صبغة سياسية. عرض الأصدقاء من بومباي تقديم مبلغ ١٥٠٠٠ روبية، لكنني شكرتهم ورفضت المبلغ. لقد قررت أن أحصل على أكبر حجم ممكن من الأموال من البيهاريين الأغنياء المقيمين في خارج شامباران بمساعدة براجكيشور، وأن ألجأ إلى صديقي الطبيب ميهتا من رانجون إذا ما احتجنا إلى أموال إضافية. وقد وافق الطبيب ميهتا بسرور على توفير أي مبالغ قد نحتاجها. وهكذا تخلصنا من أي قلق بشأن توفير الأموال. كنا لن نحتاج على الأرجح إلى مبالغ ضخمة حيث كنا مقيدين بترشيد النفقات تمشيًّا مع الفقر الذي يسود شامباران. وبالفعل أثبتت التجربة في النهاية أننا لم نكن في حاجة إلى أي مبالغ كبيرة. أعتقد أن إجمالي النفقات لم يتجاوز الثلاث آلاف روبية، وأذكر أننا استطعنا توفير بضع مئات من الروبيات من الأموال التي كنا قد جمعناها.

كانت أساليب معيشة رفقائي محل سخرية دائمة أثناء الأيام الأولى. كان لكل محامٍ خادم وطباخ خاص، ومن ثَمَّ مطبخ خاص به، وكانوا عادة يتناولون عشاءهم عند منتصف الليل. ومع أنهم كانوا يتحملون نفقاتهم الخاصة، كان سلوكهم هذا يقلقني. لكن صداقتي بهم حالت دون وقوع أي سوء فهم بيننا، وبالفعل تقبلوا نقدي بصدر رحب. وأخيرًا اتفقنا على الاستغناء عن الخدم وتوحيد المطابخ والالتزام بساعات محددة لتناول الطعام. وتقرر إنشاء مطعم نباتي مشترك نظرًا لأننا لم نكن جميعًا نباتيين وكانت تكلفة إنشاء مطبخين باهظة. وشعرنا بضرورة الإصرار على تناول الوجبات اليسيرة.

استطعنا عن طريق تلك التدابير خفض النفقات بصورة كبيرة، واستطعنا أن نوفر الكثير من الوقت والطاقة وهما العاملان اللذان كنا في حاجة ماسة إليهما. جاءت حشود من الفلاحين للإدلاء بإفاداتهم، وتبعهم حشد من الرفقاء الذين ملئوا المنزل والحديقة عن آخرها. وكثيرًا ما كانت محاولات رفقائي للحيلولة بيني وبين من يرغبون في رؤيتي تبوء بالفشل، وكان عليَّ أن أظهر للناس في أوقات محددة. كنا في حاجة إلى خمسة أو سبعة متطوعين على الأقل من أجل تدوين إفاداتهم، وحتى مع ذلك العدد كان هناك من الناس من يعودون إلى منازلهم في المساء دون أن يتمكنوا من الإدلاء بإفاداتهم. ولم تكن جميع تلك الإفادات مهمة، فقد كان الكثير منها مكررًا لكننا كنا مضطرين لأخذها حتى نرضي الناس، فقد احترمت شعورهم نحو القضية.

كان على من يدونون الإفادات أن يلتزموا بعدد من القواعد. فقد كانوا يستجوبون كل مزارع بدقة، ويرفضون من يفشل في الإجابة على أسئلتهم. كان ذلك يستغرق وقتًا أطول، لكنه جعل أكثر الإفادات مؤكدة.

وكانت تلك الإفادات دائمًا ما تُسجل في حضور ضابط من إدارة التحقيقات الجنائية. كان يمكننا أن نمنع الضابط من الحضور، لكننا قررنا منذ البداية ألا نمانع في حضور ضباط دائرة التحقيقات الجنائية، ليس ذلك فحسب بل قررنا أن نعاملهم بلياقة وأن نزودهم بجميع المعلومات التي يمكن أن نطلعهم عليها، فلم يكن ذلك ليسبب لنا أي ضرر. وعلى العكس تمامًا، أدى حضور ضباط إدارة التحقيقات إلى شعور الفلاحين بمزيد من الطمأنينة. وفي حين كان حضور الضباط يزيل شعور الفلاحين بالخوف، كان من ناحية أخرى يمثل قيدًا طبيعيًّا على وقوع أي أفعال أو أقوال مبالغ فيها. لقد كانت مهمة أصدقائنا من إدارة التحقيقات الجنائية أن يوقعوا بالناس، الأمر الذي جعل الفلاحين يتوخون الحذر.

ونظرًا لعدم رغبتي في إثارة أصحاب المزارع ورغبتي في الوصول إلى اتفاق معهم عن طريق اللجوء إلى الكياسة، أصررت على أن أكتب رسائل إلى أصحاب المزارع الذين وُجهت ضدهم ادعاءات خطيرة وأن أقابلهم. وقابلت المسئولين بجمعية أصحاب المزارع، وقدمت إليهم شكاوى المزارعين، وتعرفت على وجهة نظرهم. وقد كرهني بعضهم، في حين لم يبال بي البعض الآخر، وتعامل القليل منهم معي بلياقة.

هوامش

(١) «الساتياجراها في شامباران» نشرته دار نافاجيفان للنشر، أحمد آباد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤