الفصل الثالث

هل كان تهديدًا؟

انطلقت من بونا إلى راجكوت وبورباندار، حيث كان عليَّ مقابلة أرملة أخي وغيرها من الأقارب.

كنت قد غيرت من أسلوب ملابسي أثناء فترة الساتياجراها في جنوب أفريقيا ليتماشى مع ثياب العاملين بعقود لأجل، وقد حافظت على ارتداء نفس ذلك الزي في إنجلترا داخل المنزل. وعند وصولي إلى بومباي كنت أرتدي ملابس كاثياوارية تتكون من قميص ودهوتي وعباءة ووشاح أبيض مصنوعة جميعها من القماش الهندي المغزول من القطن المحلوج. لكنني اعتبرت أن الوشاح والعباءة سيمثلان عبئًا حيث إنني كنت مسافرًا من بومباي في الدرجة الثالثة، فتخليت عنهما واشتريت قبعة كشميرية بسعر يتراوح بين ٨ و١٠ آنات. فأي شخص يرتدي ثيابي تلك سوف يُعتبر فقيرًا بلا شك.

نتيجة لتفشي الطاعون في تلك الفترة، كان ركاب الدرجة الثالثة يُفحصون في مدينة فيرامجام أو وادهوان — لا أذكر أيهما بالضبط. كنت مصابًا بحمى خفيفة. وعندما اكتشف المفتش أن حرارتي مرتفعة، طلب مني أن أقدم نفسي إلى المسئول الطبي في راجكوت ودون اسمي لديه.

لا بد أن أحدًا قد أرسل إلى العاملين بالخدمة العامة يخبرهم بأنني سأمر بمدينة وادهوان لأن موتيلال الذي كان يعمل خياطًا، والذي كان شخصًا معروفًا في مجال الخدمة العامة في المدينة، كان ينتظرني في المحطة. وقد حدثني عن سلطات الجمارك بمدينة فيرامجام والصعاب التي يعانيها ركاب الدرجة الثالثة على يديها. لم يكن لديَّ رغبة كبيرة في التحدث؛ بسبب إصابتي بالحمى، فحاولت أن أنهي النقاش بإجابة قصيرة فخرجت في صيغة سؤال: «هل أنت مستعد لدخول السجن؟»

كنت أعتقد أن موتيلال أحد الشباب المندفعين الذين لا يفكرون قبل أن يتحدثوا. لكنه لم يكن كذلك، فقد أجابني بتروٍّ حازم: «بالطبع سندخل السجن، شريطة أن تكون أنت قائدنا. فكوننا من كاثياوار يجعلنا أحق الناس بقيادتك. بالطبع لا أعني أن نبقيك معنا الآن، لكن يجب أن تعدنا بأن تمكث معنا عند عودتك. ستسر كثيرًا عند رؤية عمل رجالنا ونشاطهم، وثق تمامًا أننا سنكون رهن إشارتك حالما تستدعينا.»

لقد أسرني موتيلال بكلامه. وقد مدحه رفيقه قائلًا: «إن صديقنا مجرد خياط، لكنه ناجح في مهنته حتى إنه يستطيع كسب ١٥ روبية شهريًّا بسهولة — وهو كل ما يحتاج. فهو يعمل ساعة يوميًّا، ويكرس بقية وقته للعمل العام. إنه قائدنا هنا، ويتفوق علينا ونحن أصحاب الشهادات.»

أصبحت على علاقة وثيقة بموتيلال بعد ذلك، ورأيت أن رفيقه لم يكن مبالغًا في مدحه إياه. وأصر على تمضية بعض الأيام شهريًّا في مقر الجماعة التي كانت حديثة النشأة وقتها من أجل تعليم الأطفال فن الحياكة، بالإضافة إلى المساعدة في أعمال الحياكة اللازمة للجماعة. كان موتيلال يحدثني بصورة يومية عن فيرامجام والصعاب التي يواجهها الركاب هناك، والتي أصبحت لا تطاق. وقد تُوفي في ريعان شبابه نتيجة لإصابته بمرض مفاجئ، الأمر الذي أدى إلى معاناة الخدمة العامة في وادهوان من دونه.

تقدمت إلى المسئول الطبي في اليوم التالي لوصولي إلى راجكوت، حيث كانت سمعتي تسبقني، وقد شعر الطبيب بالخزي وسخط على المفتش. ولم أرَ أن شعوره ذلك ضروريًّا لأن المفتش لم يقم إلا بواجبه، ولم يكن يعرف هويتي، وحتى إن كان يعرفني كان عليه أن يؤدي واجبه. لم يسمح الطبيب بأن أعود إليه مرة أخرى، وبدلًا من ذلك أصر على إرسال مفتش لي.

إن فحص ركاب الدرجة الثالثة هو أمر ضروري في مثل تلك الظروف. وإذا ما رغب ذوي الشأن، أيًّا كانت مناصبهم، في السفر في الدرجة الثالثة فعليهم الخضوع طواعية إلى كل اللوائح التي يخضع لها الفقراء، وعلى المسئولين أن يكونوا محايدين في تطبيقها. وقد اكتشفت أن المسئولين يعاملون ركاب الدرجة الثالثة كأنهم قطيع من الخراف. فيتحدثون إليهم باحتقار، ولا يتحملون منهم ردًّا أو نقاشًا. وكان على ركاب الدرجة الثالثة الرضوخ لتعليمات المسئول كما لو كانوا خدمه، وكان يمكن للمسئول أن يوسعهم ضربًا ويبتزهم دون أدنى مساءلة، وألا يمنحهم تذاكرهم إلا بعد أن يعرضهم لأكبر قدر ممكن من المضايقة، ولا سيما عدم لحاقهم بالقطار. لقد شاهدت كل تلك الأحداث بأم عيني، ولا يمكن إصلاح تلك الأوضاع إلا إذا تفهم بعض المتعلمين والأثرياء طواعية وضع الفقراء، وسافروا في الدرجة الثالثة، ورفضوا التمتع بالمميزات التي يُحرم منها الفقراء، وناضلوا من أجل التخلص من الصعاب والمضايقات والظلم التي يعانيها الفقراء ويمكن تجنبها بدلًا من اعتبارها أمرًا طبيعيًّا.

وأينما ذهبت في كاثياوار، كنت أستمع إلى شكاوى حول القيود التي تفرضها سلطات الجمارك في فيرامجام. لذلك قررت على الفور الاستفادة من عرض اللورد ويلينجدون. فهممت بجمع كل ما كُتب بشأن ذلك الموضوع، وأقنعت نفسي بأن الشكاوى مبنية على أساس قوي، وبدأت مراسلة حكومة بومباي. قمت بزيارة السكرتير الخاص للورد ويلينجدون، بل وزرت اللورد رسميًّا، وقد عبر اللورد ويلينجدون عن تعاطفه مع القضية، لكنه ألقى اللوم على حكومة دلهي، وقد قال لي: «لو كان الأمر في نطاق سلطتنا، لأزلنا ذلك الحاجز منذ أمد بعيد. يجب أن تخاطب حكومة الهند بهذا الشأن.»

أجريت اتصالات بحكومة الهند، لكنني لم أتسلم سوى إشعار بالاستلام. ولم يكن هناك سبيل لإصلاح الوضع إلا عندما قابلت اللورد شيلمسفورد فيما بعد، وقد عبر اللورد شيلمسفورد عن دهشته عندما أطلعته على الحقائق المتعلقة بالوضع؛ فلم يكن لديه أي معلومات عن ذلك الأمر. أنصت لي اللورد بصدر رحب، وطلب على الفور وثائق حول فيرامجام، وقد وعدني بإزالة الحاجز إذا لم يكن لدى السلطات أي تفسير أو حجة لفرضه. وفي بضعة أيام من تلك المقابلة، قرأت في الصحف عن إزالة الحاجز الجمركي بفيرامجام.

اعتبرت ذلك الحدث إشارة لحلول الساتياجراها في الهند. فقد عبر لي الحاكم البريطاني في مقابلتي مع حكومة بومباي، عن رفضه للإشارة إلى الساتياجراها في كلمة كنت قد ألقيتها في باجاسرا (بكثياوار).

فسألني: «ألا يعتبر ذلك تهديدًا؟ وهل تعتقد أنه يمكن لحكومة قوية أن ترضخ للتهديدات؟»

فأجبته: «لم يكن ذلك تهديدًا، بل كان الغرض منه توعية الشعب. إن من واجبي إطلاع الشعب على جميع الوسائل المشروعة لعرض شكاواهم. فعلى كل أمة ترغب في أن تحصل على الاستقلال أن تعرف جميع سبل الحصول على حريتها، وعادة ما يتحدثون عن العنف كخيار أخير. أما الساتياجراها، فإنها سلاح سلمي ينبذ العنف، وأجد أن من واجبي شرح كيفية ممارستها وحدودها. ولا شك لديَّ في قوة الحكومة البريطانية، لكنني لا يساورني أدنى شك أيضًا في أن الساتياجراها وسيلة فعالة.»

فأومأ الحاكم الفطن برأسه في شك، وقال: «سوف نرى.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤