الكروموسوم ١١: الشخصية

شخصية المرء هي مصيره.

هيراقليطس
ذلك التوتر بين السمات العامة للجنس البشري وتلك الخاصة بالأفراد هو الأساس الذي يقوم عليه الجينوم. فعلى نحو ما يعد الجينوم مسئولًا عن الأشياء التي نتشاركها مع غيرنا من البشر وأيضًا الأشياء التي نعايشها فرديًّا في أنفسنا. فكلنا يعاني التوتر، وكلنا يعاني ارتفاع مستوى الكورتيزول الذي يلازمه، وكلنا يعاني الآثارَ المثبطة للجهاز المناعي المترتبة عليه. وكلنا يملك جينات تنشط وتُكبح بفعل أحداث خارجية. لكننا متفردون أيضًا؛ فبعض الأفراد هادئون بطبعهم، وآخرون متوترون بشدة. البعض قلق للغاية والبعض الآخر مقبل على المخاطرة. البعض واثق من نفسه، والبعض خجول. البعض صامت، والبعض كثير الكلام. إننا نطلق على هذا اسم الشخصيات المتباينة، وكلمة الشخصية هنا تمتد لتشمل ما هو أكثر من مجرد سمة فردية؛ إنها تعني ذلك العنصر المتأصل المتفرد بداخلنا.1
للعثور على الجينات التي تؤثر في الشخصية، حان الوقت للابتعاد عن الهرمونات الخاصة بالجسد والاتجاه نحو المواد الكيميائية الموجودة في المخ، مع أن الفارق بين المجموعتين ليس بالفارق الصارم. يوجد على الذراع القصيرة للكروموسوم ١١ جين يدعى D4DR. هذا الجين وصفة لبروتين يسمى مستقبل الدوبامين، وهو ينشط في خلايا أجزاء معينة من المخ دون غيرها، ووظيفته هي أن يبرز من غشاء الخلية العصبية عند نقطة التقائها مع خلية أخرى (المعروفة بنقطة التشابك العصبي)، بحيث يكون مستعدًّا للتعلق بمادة كيميائية بسيطة تسمى الدوبامين. والدوبامين هو أحد الناقلات العصبية، وهو يُفرز من أطراف خلايا عصبية أخرى بفعل إشارة كهربية. وعندما يقابل مستقبل الدوبامين الدوبامين، يستخدم الخلية العصبية التي يبرز منها كي يطلق إشارة كهربية خاصة به. هذه هي الطريقة التي يعمل بها المخ: إشارات كهربية تسبب إشارات كيميائية تسبب بدورها إشارات كهربية. وعن طريق استخدام ما لا يقل عن خمسين إشارة كيميائية مختلفة يمكن للمخ أن يُجري عددًا من المحادثات المختلفة في الوقت نفسه، بحيث يحفز كل ناقل عصبي مجموعة مختلفة من الخلايا أو يغير من حساسيتها للرسل الكيميائية المتباينة. من الخطأ التفكير في المخ بوصفه حاسبًا آليًّا لأسباب عديدة؛ أبرزها أن المفتاح الكهربي في الحاسب الآلي مفتاح كهربي ليس إلا، أما التشابكات العصبية في المخ فهي مفاتيح كهربية مدمجة في مفاعلات كيميائية ذات حساسية عالية.
إن وجود الجين D4DR النشط في الخلية العصبية يجعل هذه الخلية على الفور عضوًا في مجموعة الممرات الناقلة للدوبامين بالمخ. ولممرات الدوبامين وظائف كثيرة، من بينها التحكم في تدفق الدم في أرجاء المخ. يتسبب نقص الدوبامين في المخ في شخصية مترددة فاترة، غير قادرة على بدء حركة الجسد ذاته. وفي الحالات الحادة يُعرف هذا باسم مرض باركنسون أو الشلل الرعاش. إن الفئران التي ثُبطت الجينات الخاصة بتصنيع الدوبامين فيها تموت جوعًا بسبب عدم القدرة على الحركة. وإذا حُقنت مادة مشابهة للدوبامين (ناهضة الدوبامين حسب المصطلح التقني) في أمخاخها فإنها تستعيد يقظتها الطبيعية. وعلى النقيض من ذلك، تجعل الزيادة المفرطة في الدوبامين الفئران محبة للاستكشاف والمغامرة. أما لدى البشر فقد يؤدي فرط الدوبامين إلى الإصابة الفورية بالفصام، وبعض عقاقير الهلوسة تعمل عن طريق تحفيز نظام الدوبامين. إن الفأر المدمن للكوكايين بشدة حتى إنه يفضل هذا المخدر على الطعام يحدث لديه إفراز قوي للدوبامين في جزء من المخ يعرف باسم النواة المتكئة. والفأر الذي يستثار «مركز لذته» هذا في كل مرة يضغط فيها على رافعة ما سيتعلم مواصلة الضغط على الرافعة المرة تلو الأخرى. لكن إذا أُدخلت مادة مثبطة للدوبامين إلى مخ الفأر فسرعان ما سيفقد اهتمامه بالرافعة.

بعبارة أخرى، وبقدر كبير من التبسيط، ربما يكون الدوبامين هو مادة التحفيز الكيميائية في المخ؛ فلو كان القَدْر الموجود منه قليلًا للغاية فسيفقد الفرد المبادرة والدافعية، أما لو وُجد بكثرة فسيكون الشخص سريع الشعور بالملل ويميل إلى البحث عن مغامرات جديدة. وربما هنا تكمن جذور تباين الشخصية. وكما عبر دين هامر عن الأمر، حين شرع في البحث عن الجين الخاص بالبحث عن الإثارة في منتصف التسعينيات، كان يبحث عن الاختلاف بين لورانس العرب والملكة فيكتوريا. وبما أن الأمر يتطلب جينات متباينة لتصنيع الدوبامين والتحكم فيه وإفرازه وتلقيه، ناهيك عن بناء المخ في المقام الأول، فإنه لا أحد — حتى هامر نفسه — توقع أن يجد جينًا وحيدًا يكون هو المتحكم الوحيد في هذا الجانب من الشخصية. إنه لم يتوقع أن يجد أن كل هذا التباين في سمة البحث عن المغامرة سببه جيني، وأن الأمر لا يعدو كونه تأثيرات جينية تعمل ضمن تأثيرات أخرى.

كان أول الاختلافات الجينية التي ظهرت في معمل ريتشارد إبشتاين في القدس موجود في الجين D4DR في الكروموسوم ١١. يوجد بهذا الجين عدد من التتابعات متباينة الطول في المنتصف، عبارة لتابع صغير تتألف من ثمانية وأربعين حرفًا في الطول ومكررة ما بين مرتين وإحدى عشرة مرة. أغلب الناس لديهم من أربع إلى سبع نسخ من هذا التسلسل، لكن البعض يملكون نسختين أو ثلاث أو خمس أو ست أو ثماني أو تسع أو عشر أو إحدى عشرة نسخة. وكلما زاد عدد التكرارات قلت كفاءة مستقبل الدوبامين في التقاط الدوبامين. إن جين D4DR «الطويل» يشير إلى استجابة ضعيفة للدوبامين في أجزاء معينة من المخ، والجين D4DR «القصير» يعني وجود استجابة قوية.

أراد هامر وزملاؤه أن يعرفوا هل يملك أصحاب الجين الطويل شخصيات مختلفة عن ذوي الجين القصير. إن هذا أثر معاكس للإجراء الذي اتبعه بلومين في الكروموسوم ٦، حين سعى إلى ربط جين غير معروف باختلاف سلوكي معروف (حاصل الذكاء). اتجه هامر من الجين إلى السمة بدلًا من العكس. وقد عمد إلى قياس سمة البحث عن التجديد في ١٢٤ شخصًا عبر سلسلة من اختبارات الشخصية، ثم فحص جيناتهم.

وفعلًا وجد ضالته. فمن بين أفراد العينة التي اختبرها هامر، والتي يقر بأنها ليست بالعينة الكبيرة، وجد أن الأشخاص الذين يملكون نسخة أو نسختين طويلتين من الجين (تذكر أنه توجد نسختان من كل كروموسوم في كل خلية في جسد الشخص البالغ، كل واحدة آتية من أحد الوالدين) كانوا يميلون بوضوح إلى البحث عن التجديد أكثر من أقرانهم ذوي النسختين القصيرتين من الجين. تُعرف الجينات «الطويلة» بأنها تلك التي تحوي ستة تكرارات أو أكثر من سلاسل التوابع الصغيرة. في البداية، كان هامر قلقًا من احتمال أنه كان ينظر إلى ما أطلق عليه اسم جين «عصا الطعام». يشيع جين العيون الزرقاء لدى الأشخاص الذين يجدون صعوبة في استخدام عصا الطعام، لكن لم يجرؤ أحد على أن يقترح أن مهارة استخدام عصا الطعام كانت محددة جينيًّا من قبل جين العيون الزرقاء. لقد تصادف وحسب وجود علاقة بين العيون الزرقاء وعدم قدرة من هم ليسوا من ذوي الأصول الآسيوية على استخدام عصا الطعام، وذلك بسبب من الواضح أنه غير جيني يدعى الثقافة. يستخدم ريتشارد ليونتين تشبيهًا آخر لوصف هذه المغالطة: إن حقيقة أن من يجيدون حياكة التريكو يميلون لافتقاد الكروموسوم واي (بمعنى أن أغلبهم نساء) لا يعني أن القدرة على حياكة التريكو سببها نقص الكروموسوم واي.

لذا، ولاستبعاد أي علاقة زائفة من هذا النوع، كرر هامر التجربة في الولايات المتحدة على أفراد أسرة واحدة. ومرة أخرى وجد علاقة ارتباط واضحة؛ فالباحثون عن التجديد كانوا على الأرجح هم من يملكون نسخة أو نسختين من الجين الطويل. هذه المرة لم تعد فكرة عصا الطعام ممكنة؛ لأن أي اختلاف ضمن أفراد الأسرة الواحدة من غير المرجح أن يكون اختلافًا ثقافيًّا. وعليه فقد يسهم اختلاف الجينات في واقع الأمر في اختلافات السمات الشخصية.

هذا ما تقوم عليه هذه الفرضية: الأشخاص الذين يملكون جينات D4DR «طويلة» يكونون أقل استجابة للدوبامين، لذا فهم يحتاجون إلى خوض سبل أكثر مغامرة في حياتهم كي يحصلوا على «دفعة» الدوبامين نفسها التي يحصل عليها أصحاب الجينات القصيرة من الأمور البسيطة. وبحثًا عن هذه الدفعات، يطور هؤلاء الأشخاص شخصيات باحثة عن التجديد. وقد قدم هامر مثالًا واضحًا لما يعنيه كون المرء من الباحثين عن التجديد، فمن بين الرجال الطبيعيين غير المثليين، وجد أن من يملكون جينات D4DR الطويلة من المرجح بمقدار ستة أضعاف أنهم مارسوا الجنس مع رجال آخرين عن نظرائهم ذوي النسخ القصيرة من الجين. ومن بين الرجال المثليين وجد أن من يملكون الجينات الطويلة من المرجح بمقدار خمسة أضعاف أن يكونوا قد مارسوا الجنس مع نساء عن نظرائهم ذوي النسخ القصيرة من الجين. وفي كلتا المجموعتين وجد أن الرجال ذوي النسخ الطويلة من الجين يقيمون علاقات جنسية أكثر من ذوي النسخ القصيرة من الجين.2
جميعنا يعلم أشخاصًا على استعداد لتجربة أي شيء. وعلى النقيض هناك أشخاص آخرون لا يميلون إلى التجديد ويترددون حيال خوض أي شيء جديد. ربما يكون الأشخاص من النوع الأول هم من يملكون جينات D4DR الطويلة، ويملك أفراد النوع الثاني جينات قصيرة. غير أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ إذ يرى هامر أن هذا الجين ليس مسئولًا إلا عن أربعة بالمائة من سمة البحث عن التجديد. وهو يقدر أن سمة البحث عن التجديد موروثة بنسبة أربعين بالمائة، وأن هناك عشرة جينات أخرى مساوية في الأهمية تؤثر صورها المتباينة في اختلافات الشخصية. وما هذا إلا عنصر واحد في الشخصية، وهناك عناصر أخرى عديدة قد يزيد عددها على العشرة. وإذا افترضنا جدلًا أنها ترتبط بعدد مماثل من الجينات فسنصل إلى نتيجة مفادها أنه قد يوجد ٥٠٠ جين متنوع يحدد شخصيات البشر. وهذه فقط الجينات التي تتباين في أشكالها. وتوجد جينات أخرى لا تأتي بطبيعتها بأشكال متباينة، لكن إن حدث هذا فستؤثر هي الأخرى في الشخصية بصور مختلفة.

هذه هي حقيقة مسئولية الجينات عن السلوك. هل ترى الآن كيف أنه من الأمان الحديث عن تأثير الجينات في السلوك؟ وكيف أنه من السخف أن ننجرف في حماسنا بسبب «أحد جينات الشخصية» من بين خمسمائة؟ وكيف أنه من العبث أن نفكر، ولو حتى في عالم مستقبلي جديد كلية، أن تعمد إحدى النساء إلى إجهاض جنينها لأن أحد جينات الشخصية لديه ليس على هواها، ومن ثم تخاطر في حملها التالي بأن يحمل الجنين الجديد سمتين أو ثلاث سمات لا ترغبها؟ هل ترى الآن كيف أنه من غير المجدي ممارسة الانتقاء البشري اليوجيني بغرض تحسين النسل بالتركيز على سمات شخصية بعينها، حتى لو امتلك أحدهم القدرة على هذا؟ سيكون عليك أن تفحص كل واحد من الخمسمائة جين، واحدًا تلو الآخر، لكي تحدد في كل واحد منها الجينات «الخاطئة» التي ستتخلص منها. وفي النهاية لن تستقر على أي شيء، حتى لو كنت قد بدأت ولديك مليون مرشح. إننا جميعًا مخلوقات طافرة. والدفاع الوحيد ضد فكرة تفصيل الأطفال حسب الهوى هو العثور على المزيد من الجينات وإغراق الناس بالمزيد من المعارف.

في الوقت ذاته، يمكن لاكتشاف أن الوراثة تلعب دورًا أساسيًّا في الشخصية أن يلعب دورًا في بعض جوانب العلاج غير الجيني. فحين تربت القرود الخجولة بطبعها على يد أمهات واثقات من أنفسهن سرعان ما تتخلص من الخجل. ويحدث الأمر نفسه على نحو مؤكد مع البشر؛ إذ إن التربية السليمة يمكنها تغيير السمات الشخصية الفطرية. ومن المثير للدهشة أن إدراك المرء لكونه يملك سمة فطرية موروثة قد يساعده في علاجها. تحول ثلاثة من المعالجين، بعد قراءتهم للنتائج الجديدة الآتية من علوم الوراثة، عن محاولة علاج سمة الخجل لدى مرضاهم إلى محاولة جعلهم يرتضون بسماتهم الموروثة كما هي. وفعلًا وجدوا أن هذا الأمر حقق نجاحًا. لقد شعر المرضى بالراحة حين أُخبروا أن شخصياتهم كانت جزءًا ملموسًا فطريًّا فيهم وأنها ليست عادات سيئة اكتسبوها. «ومن قبيل المفارقة أن نزع الصفة المرضية عن ميول الناس الأساسية ومنح أفراد الجماعة الإذن بأن يتصرفوا وفق ما تمليه عليهم طبيعتهم بدا وكأنه أفضل ما يضمن تحسين تقديرهم لذواتهم ومهاراتهم التواصلية.» وبعبارة أخرى، إن إخبار الناس بأنهم خجولون بطبيعتهم ساعدهم على التغلب على الخجل. يؤكد استشاريو الزواج أيضًا حدوث نتائج إيجابية لتشجيع الأزواج على تقبل ما لا يمكنهم تغييره من العادات المزعجة لأزواجهم، لأنها على الأرجح فطرية، والبحث عن سبيل للتعايش معها. كما أن آباء المثليين يكونون أكثر تقبلًا في العموم حين يؤمنون بأن المثلية الجنسية هي جزء لا يمكن تغييره من الطبيعة وليس نتاجًا لبعض أوجه تنشئتهم. ذلك الإدراك الخاص بتوارث سمات الشخصية ليس بعقوبة، بل هو مبعث ارتياح.3

افترض أنك ترغب في استيلاد سلالة من الثعالب أو الفئران أكثر ترويضًا وأقل جبنًا بصورة غريزية من المتوسط. أحد سبل تحقيق ذلك هو اختيار الجراء الأدكن لونًا من كل بطن كي تستولد الجيل التالي منها. وخلال بضع سنين ستكون لديك حيوانات أكثر ترويضًا وذات لون داكن أكثر. هذه الحقيقة العجيبة ظلت معروفة في عالم تربية الحيوانات لعدد كبير من السنين، لكن في منتصف ثمانينيات القرن العشرين صار لها مغزى جديد؛ إذ إنها تطابق علاقة أخرى موجودة بين الكيمياء العصبية وشخصية البشر. وجد جيروم كاجان، عالم النفس بجامعة هارفارد الذي يقود فريقًا من الباحثين الذين يدرسون الخجل والثقة بالنفس لدى الأطفال، أن بمقدوره تحديد الشخصيات «المكبوتة» من سن أربعة شهور لا أكثر، بحيث يمكنه التنبؤ بما سيظهره هؤلاء الأطفال من خجل أو ثقة بالنفس بعد أربعة عشر عامًا. تلعب التنشئة دورًا أساسيًّا، لكن الشخصية الفطرية الموروثة تلعب هي الأخرى دورًا لا يقل في الأهمية.

هل لهذا أهمية؟ لا أحد — باستثناء أشد المدافعين عن الحتمية الاجتماعية — سيجد في ذلك المكون الموروث للخجل شيئًا يدعو للدهشة، لكن اتضح أن الخصال الشخصية نفسها ترتبط بملامح بدنية غير متوقعة. فالمراهقون الخجولون كانوا في الغالب ذوي أعين زرقاء (كان جميع أفراد العينة من أصول أوروبية)، وعرضة للحساسية، ويتسمون بطول القامة والنحول، وذوي أوجه مستدقة ولديهم نشاط عقلي مولد للحرارة أسفل القسم الأيمن من الجبهة، ودقات قلب أسرع من أقرانهم الأقل خجلًا. كل هذه الملامح واقعة تحت سيطرة مجموعة معينة من الخلايا في الجنين تسمى العُرف العصبي، الذي منه ينشأ جزء معين من المخ يسمى اللوزة، كما أنها جميعًا تستخدم الناقل العصبي نفسه، المسمى النورإبينيفرين، وهي مادة تشبه الدوبامين كثيرًا. كل هذه الملامح أيضًا تميز سكان شمال أوروبا، خاصة أهل أقصى الشمال. يرى كاجان أن العصر الجليدي انتقى أفضل القادرين على تحمل البرد في هذه المناطق؛ الأشخاص ذوي معدلات الأيض المرتفعة، لكن معدلات الأيض المرتفعة تُنتج بواسطة نظام النورإبينيفرين النشط في اللوزة، الأمر الذي يتسبب في العديد من الآثار المعيقة مثل الشخصية الفاترة الخجولة والمظهر الشاحب. وتمامًا مثل الثعالب والفئران، فإن الشخصيات المتشككة أشحب لونًا من الأنواع الجريئة.4

لو أن كاجان محق فهذا يعني أن البالغين النحيلين ذوي الأعين الزرقاء أكثر عرضة بقليل لأن يصابوا بالقلق في مواقف التواصل الصعبة عن الآخرين. قد يجد أحد أخصائيي التوظيف هذا الأمر مفيدًا في سعيه لتوظيف أفضل العاملين. إن أغلب إعلانات الوظائف تطلب أشخاصًا ذوي «مهارات تواصل جيدة»، وهو أمر فطري على الأرجح. ومع ذلك سيصير الأمر أكثر بغضًا لو اخْتارونا للوظائف بسبب لون أعيننا فقط. لماذا؟ لأن التمييز القائم على سمات بدنية أقل قبولًا بمراحل من التمييز القائم على سمات نفسية. ومع ذلك فهو تمييز ملموس كأي نوع آخر من التمييز.

يطلق على الدوبامين والنورإبينيفرين اسم أحاديات الأمين. وهما ابنا عمومة مقربان، ويوجد في المخ أحادي أمين آخر هو السيروتونين، وهو الآخر يعد تجسيدًا كيميائيًّا للشخصية. لكن السيروتونين أكثر تعقيدًا بكثير من الدوبامين والنورإبينيفرين، ومن الصعب على نحو ملحوظ تحديد سماته. فإذا كنت تملك مستويات مرتفعة من السيروتونين في مخك فستعاني على الأرجح سلوكًا قهريًّا، بحيث تكون معتادًا على النظام الشديد والحذر، لدرجة العصاب أحيانًا. إن من يعانون الحالة المرضية المعروفة باسم الوسواس القهري يمكنهم التخفيف من أعراض المرض بتقليل مستويات السيروتونين. وعلى الجانب الآخر، فإن من يملكون مستويات منخفضة للغاية من السيروتونين في أمخاخهم يميلون إلى التصرف باندفاع وتهور. وفي الغالب يكون من يرتكبون جرائم عنف لحظية أو من يقدمون على الانتحار ممن يملكون مستويات منخفضة من السيروتونين.

يعمل عقار بروزاك عن طريق التأثير في نظام السيروتونين، بالرغم من استمرار الجدل حول كيفية قيامه بذلك. تقوم النظرية التقليدية التي يقترحها العلماء في شركة إيلي ليلي — حيث ابتُكر العقار — على أن بروزاك يعمل على تثبيط إعادة امتصاص السيروتونين في الخلايا العصبية، ومن ثم يزيد من كمية السيروتونين الموجودة في المخ. تعمل زيادة مستويات السيروتونين على التخفيف من القلق والاكتئاب بل يمكنها تحويل الشخص العادي إلى شخص متفائل. لكن من الممكن أن يكون للعقار أثر معاكس تمامًا، وهو التدخل في استجابات الخلايا العصبية للسيروتونين. يوجد جين في الكروموسوم ١٧ يسمى بالجين الناقل للسيروتونين يتباين، ليس في تركيبته ذاتها، بل في طول «تتابع منشط» يوجد بالجزء العلوي منه، ويعد نوعًا من مفاتيح التوصيل، وهو موجود في بداية الجين ومصمم لإبطاء تعبير الجين عن نفسه. وكما هي الحال في كثير من الطفرات، فإن التنوع في الطول يحدث بسبب تباين في عدد تكرارات التتابع نفسه، وهو عبارة مكونة من اثنين وعشرين حرفًا تتكرر إما أربع عشرة أو ست عشرة مرة. يملك واحد من بين كل ثلاثة أشخاص نسختين من التتابع الطويل، وهو تتابع أسوأ قليلًا في كبح عمل الجين. ونتيجة لذلك، يملك هؤلاء الناس عددًا أكبر من ناقلات السيروتونين، وهو ما يعني سريان المزيد من السيروتونين في أرجاء المخ. هؤلاء الناس تقل بشدة احتمالات إصابتهم بالأمراض العصبية، ويكونون ذوي شخصيات لطيفة أكثر من الأشخاص العاديين، وذلك بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو التعليم أو الدخل.

من هذا خلص دين هامر إلى أن السيروتونين هو مادة كيميائية تحث على القلق والاكتئاب، لا تهدئهما. وهو يطلق عليها مادة عقاب المخ. ومع هذا تشير الأدلة كافة إلى الاتجاه المعاكس؛ فنحن نشعر بحال أفضل مع المزيد من السيروتونين، لا مع القليل منه. توجد — على سبيل المثال — علاقة ارتباط غريبة بين الشتاء والرغبة في تناول الوجبات الخفيفة والشعور بالنعاس، فبعض الناس — وهم على الأرجح قلة جينية، على الرغم من عدم العثور على نسخ جينية ترتبط بهذه الحالة — تجعلهم ليالي الشتاء المظلمة يتحرقون إلى تناول وجبات خفيفة من الكربوهيدرات في بداية المساء. ومثل هؤلاء الناس يحتاجون قدرًا أكبر من النوم في الشتاء، ومع ذلك لا يسهم هذا النوم الكثير في تجديد نشاطهم بالقدر المرغوب. يبدو أن تفسير هذا الأمر هو أن المخ يبدأ في تصنيع الميلاتونين — الهرمون المحفز للنوم — استجابة للحلول المبكر للمساء في أيام الشتاء. ويتكون الميلاتونين من السيروتونين، لذا تنخفض مستويات السيروتونين لأنه يُستهلك في عملية تصنيع الميلاتونين. وأسرع وسيلة لرفع مستويات السيروتونين هي إرسال المزيد من حمض التريبتوفان الأميني إلى المخ؛ لأن السيروتونين يُصنع من هذا التريبتوفان. وأسرع وسيلة لإرسال المزيد من التريبتوفان إلى المخ هي إفراز الأنسولين من البنكرياس؛ لأن الأنسولين يجعل الجسم يمتص المواد الكيميائية الأخرى الشبيهة بالتريبتوفان ومن ثم يتخلص من المنافسين الموجودين في القنوات الناقلة للتريبتوفان إلى المخ. وأسرع وسيلة لإفراز الأنسولين هي تناول وجبة خفيفة من الكربوهيدرات.5

ألا زلت معي؟ إنك تتناول الكعك في ليالي الشتاء حتى تسعد نفسك برفع مستويات السيروتونين في مخك. والرسالة التي يراد توصيلها من هذا هي أنك تستطيع تغيير مستويات السيروتونين بتغيير عاداتك الغذائية. وفي حقيقة الأمر، حتى العقاقير والنظم الغذائية المصممة لخفض مستويات الكولسترول في الدم يمكنها التأثير في السيروتونين. إن الحقيقة المثيرة للاهتمام هي أن جميع الدراسات تقريبًا التي تناولت النظم الغذائية والعقاقير المخفضة للكولسترول لدى الأشخاص العاديين تظهر زيادة حالات الموت العنيف مقارنة بالعينات الضابطة، بما يتساوى تقريبًا مع الانخفاض في حالات الوفاة بسبب أمراض القلب. فعند النظر إلى جميع الدراسات، نجد أن علاجات الكولسترول تقلل معدلات الإصابة بالأزمات القلبية بنسبة أربعة عشر بالمائة، بيد أنها تزيد من حالات الموت العنيف بنسبة أكبر بكثير تبلغ ثمانية وسبعين بالمائة. لكن نظرًا لأن حالات الموت العنيف أكثر ندرة بكثير من الأزمات القلبية فإن الأثر العددي يتلاشى، غير أنه من الممكن أن تتسبب حوادث الموت العنيف في وفاة أشخاص أبرياء. وعلى هذا فإن علاج مستويات الكولسترول المرتفعة له مخاطره. ومن المعروف لأكثر من عشرين عامًا أن الأشخاص المتهورين غير الاجتماعيين المكتئبين، ومنهم المساجين والمعتدون ومن يفشلون في الانتحار، لديهم على وجه العموم مستويات منخفضة من الكولسترول عن عامة الناس. لا عجب إذن أن يوليوس قيصر لم يثق في مظهر كاسيوس الهزيل التواق.

عادة ما تقلل المؤسسات الطبية من شأن تلك الحقائق المزعجة، لكنها متكررة على نحو لا يقبل هذا التهوين. ففي تلك التجربة التي يُطلق عليها اسم تجربة الشخص اللائق، التي توبع فيها ٣٥١ ألف شخص من سبع دول على مدار سبع سنين، وُجد أن من يملكون مستويات منخفضة للغاية من الكولسترول ومن يملكون مستويات مرتفعة للغاية منه تتضاعف لديهم احتمالات الوفاة في أي عمر عن الأشخاص ذوي المستوى المتوسط من الكولسترول. عادة تكون أسباب الوفاة لدى ذوي المستويات المنخفضة للغاية من الكولسترول هي الحوادث أو الانتحار أو القتل. ومن المرجح بمعدل أربعة أضعاف أن يُقدم أقل من خمسة وعشرين بالمائة من الرجال ذوي مستويات الكولسترول المنخفضة على الانتحار عن أعلى خمسة وعشرين بالمائة من الرجال ذوي مستويات الكولسترول المرتفعة، مع أن هذا النمط لا يتكرر لدى النساء. بيد أن هذا لا يعني أن علينا العودة جميعًا إلى تناول البيض المقلي. إن امتلاك نسبة منخفضة من الكولسترول أو تخفيض نسبة الكولسترول تخفيضًا حادًّا يعد أمرًا خطيرًا للغاية لقلة من الناس، تمامًا مثلما يعد امتلاك نسبة مرتفعة من الكولسترول أو تناول الأطعمة الغنية بالكولسترول مصدر خطر لقلة بسيطة من الأشخاص. ينبغي أن تقتصر نصائح التغذية الخاصة بتخفيض الكولسترول على من يملكون نسب مرتفعة جدًّا من الكولسترول على نحو وراثي، ولا يجب تقديمها لسواهم.

من المؤكد أن العلاقة بين الكولسترول والعنف تتضمن السيروتونين؛ فالقرود التي تناولت أطعمة ذات مستوى منخفض من الكولسترول أصبحت أكثر عدوانية وعصبية (حتى لو لم تفقد الوزن)، ويبدو أن سبب ذلك هو انخفاض مستويات السيروتونين. في معمل جاي كابلان في كلية طب بومان جراي في نورث كارولينا، أُلزمت ثمانية قرود بنظام غذائي منخفض الكولسترول (لكن مرتفع الدهون)، وسرعان ما بلغت مستويات السيروتونين في المخ نصف مستوياتها في أمخاخ تسعة من القرود التي أُلزمت بنظام غذائي مرتفع الكولسترول، وزادت أفعالهم العدوانية أو المعادية لمجتمع القرود بمعدل أربعين بالمائة. وقد صح هذا في كلا الجنسين. في الحقيقة يعد انخفاض السيروتونين مؤشرًا دقيقًا لأفعال مثل القتل أو الانتحار أو القتال أو حرق الممتلكات لدى البشر. هل يعني هذا أنه لو كان كل رجل ملزمًا بحكم القانون بعرض مستوى السيروتونين لديه على جبهته طوال الوقت أننا سنعرف من ينبغي تجنبه أو احتجازه أو حماية أنفسنا منه؟6
لحسن الحظ، من المرجح أن تفشل مثل هذه السياسة نظرًا لكونها تنتهك حريات الأشخاص، فمستويات السيروتونين ليست موروثة أو غير قابلة للتغيير. وهي ذاتها نتاج للمكانة الاجتماعية؛ فكلما علا تقديرك لذاتك ومرتبتك الاجتماعية مقارنة بمن حولك، ارتفعت مستويات السيروتونين لديك. تكشف لنا التجارب التي أجريت على القرود أن السلوك الاجتماعي يأتي في المقام الأول، فالسيروتونين يتوافر بكثرة لدى القرود المهيمنة في حين تكون مستوياته أقل بكثير لدى القرود التابعة. أهي علاقة السبب والنتيجة؟ لقد افترض الجميع تقريبًا أن التركيب الكيميائي هو في جزء منه على الأقل السبب؛ إذ إنه من المنطقي التفكير في أن السلوك المسيطر ينتج عن التركيب الكيميائي، وليس العكس. بيد أنه اتضح أن العكس هو الصحيح؛ أن مستويات السيروتونين تتغير وفقًا لإدراك القرد لمكانه وسط السلم الاجتماعي وليس العكس.7

على النقيض مما يظنه أغلب الناس فإن الحلول بمرتبة مرتفعة يعني انخفاض العدوانية، حتى لدى القرود الأفريقية الصغيرة. فالأفراد ذوو المكانة العالية ليسوا بالضرورة الأكبر حجمًا أو الأكثر قوة أو عنفًا، بل هم يبرعون في أمور مثل التسوية وعقد التحالفات. إن أكثر ما يميزهم هو هدوء سلوكهم؛ فهم أقل تهورًا، ومن غير المرجح أن يسيئوا فهم اللعب العنيف على أنه عنف مقصود. إن القرود ليسوا بشرًا بالطبع، لكن كما اكتشف مايكل ماكجواير من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، فإن أي مجموعة من الأشخاص، حتى الأطفال، تستطيع على الفور تحديد أي القرود الموجودة في الأسر هي القرود المسيطرة. إن سلوكها وتصرفاتها — ما يطلق عليه شيلي اسم «ابتسامة السيطرة الباردة» — مألوف للغاية لدينا كبشر. وما من شك في أن سلوك القرود يتحدد وفق مستويات السيروتونين لديها. وإن عكست عن قصد هذا الترتيب الهرمي بحيث يصير القرد المسيطر تابعًا، فلن ينخفض مستوى السيروتونين لديه وحسب، بل سيتغير سلوكه أيضًا. علاوة على ذلك، من الجلي أن الشيء نفسه يحدث مع البشر، ففي روابط الطلاب الجامعيين نجد أن القادة يتمتعون بتركيزات أكبر من السيروتونين، لكنها تنخفض حين يُعزلون عن القيادة. إن إخبار الناس بأن لديهم مستويات منخفضة من السيروتونين قد يدفعهم إلى التصرف بطريقة تحقق هذه النبوءة المشئومة.

هذه الصورة معاكسة بطريقة مثيرة للدهشة لتلك الصورة الهزلية التي يملكها أغلب الناس عن علم الأحياء، فنظام السيروتونين بأكمله يقوم على الحتمية البيولوجية. واحتمالات إقدامك على السلوك الإجرامي تتحدد وفق التركيب الكيميائي لمخك. بيد أن هذا لا يعني، كما يُفترض في المعتاد، أن السلوك لا يمكن تعديله مجتمعيًّا. بل على العكس تمامًا، نجد أن كيمياء المخ تتحدد وفق الإشارات الاجتماعية التي تتعرض لها. يحدد التركيب البيولوجي السلوك، لكنه في الوقت ذاته يتحدد من قبل المجتمع. لقد وصفت الظاهرة نفسها في حالة نظام الكولسترول داخل الجسم، وها هي تتكرر مع نظام السيروتونين في المخ. إن الحالة المزاجية والعقل والشخصية والسلوك كلها في حقيقة الأمر تتحدد اجتماعيًّا، لكن هذا لا يعني أنها لا تتحدد من الناحية البيولوجية أيضًا. إن التأثيرات الاجتماعية في السلوك تعمل عن طريق تنشيط الجينات وكبحها.

ومع هذا من الجلي أنه توجد صور فطرية متعددة للشخصية، وأن الناس يستجيبون استجابات متنوعة للمثيرات الاجتماعية المنقولة إليهم عن طريق الناقلات العصبية، فهناك جينات تغير معدلات تصنيع السيروتونين، وجينات تغير استجابة مستقبلات السيروتونين، وجينات تجعل بعض المناطق في المخ تستجيب للسيروتونين استجابة أكبر من مناطق أخرى، وجينات تجعل بعض الناس مكتئبين في الشتاء بسبب الاستجابة المفرطة لنظام الميلاتونين الذي يستهلك السيروتونين. وهكذا يسير الأمر. هناك عائلة هولندية كل رجالها على امتداد ثلاثة أجيال من المجرمين، وسبب هذا الأمر دون شك هو أحد الجينات. لدى هؤلاء الرجال المجرمين نسخة غير عادية من أحد الجينات على الكروموسوم إكس يدعى جين أكسيداز أحادي الأمين أ. هذا الجين مسئول عن تكسير العديد من المواد الكيميائية من بينها السيروتونين. ومن المرجح بشدة أن تكون الكيمياء العصبية غير العادية الخاصة بالسيروتونين هي السبب الذي يدفع أفراد هذه العائلة الهولندية إلى الإجرام. بيد أن هذا لا يجعل من هذا الجين «جين الإجرام»، إلا لو تناولنا الأمر بطريقة مبتذلة. وكبداية، فإن الطفرة المسئولة عن هذا الأمر يُنظر إليها الآن بوصفها طفرة «يتيمة»، وهي نادرة للغاية حتى إن عددًا قليلًا من المجرمين لديه هذه النسخة من الجين. لا يمكن لجين أكسيداز أحادي الأمين أن يفسر لنا سوى القدر اليسير من السلوك الإجرامي.

ومع هذا فهو يؤكد مجددًا على حقيقة أن ما نطلق عليه اسم الشخصية هو إلى حدٍّ بعيد مسألة تتعلق بكيمياء المخ. توجد عشرات السبل التي يمكن بها ربط مادة كيميائية واحدة، السيروتونين، بالاختلافات الموروثة في الشخصية. وهذه السبل كامنة تحت عشرات الطرق التي يستجيب بها نظام السيروتونين في المخ للمؤثرات الخارجية مثل الإشارات الاجتماعية. إن بعض الناس أكثر حساسية لهذه الإشارات من غيرهم. هذه هي حقيقة الجينات والبيئة؛ متاهة من التفاعلات المتداخلة المعقدة، لا حتمية أحادية الاتجاه. ليس السلوك الاجتماعي مجرد سلسلة خارجية من الأحداث التي تقع على نحو يفاجئ عقولنا وأجسادنا، بل هو جزء فطري كامن في تركيبنا، وجيناتنا مبرمجة ليس لإنتاج السلوك الاجتماعي فقط، بل للاستجابة له أيضًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤