الكروموسوم ١٩: الوقاية

تسعة وتسعون بالمائة من الناس ليست لديهم أدنى فكرة عن السرعة التي تقترب بها هذه الثورة.

ستيف فودور، رئيس شركة أفيمتريكس
ينطوي تحسين أي تقنية طبية على معضلة أخلاقية تواجه البشرية؛ فإذا كانت هذه التقنية ستنقذ أرواحًا، فمن غير الأخلاقي إذن عدم تطويرها واستخدامها، حتى لو كانت هناك أخطار مصاحبة. في العصر الحجري، لم يكن لدينا خيار سوى رؤية أقربائنا وهم يموتون من الجدري، لكن بعد أن توصل جينر إلى لقاح الجدري، كان سيصبح من الإهمال أن نواصل التصرف على النحو نفسه. وفي القرن التاسع عشر، لم يكن لدينا خيار سوى الاكتفاء بمشاهدة مرضى السل وهم يستسلمون للموت، لكن بعد اكتشاف فليمنج للبنسلين، كنا سندان بالإهمال لو لم نأخذ المريض المحتضر بفعل السل إلى الطبيب. وما ينطبق على المستوى الفردي ينطبق أكثر على الدول والشعوب؛ فالدول الغنية لم يعد بمقدورها تجاهل الأوبئة المسببة للإسهال التي تحصد حياة عدد لا حصر له من الأطفال في الدول الفقيرة، لأنه لم يعد بإمكانها الدفاع بقولها إنه لا يوجد من الناحية الطبية ما يمكن عمله. فإمكانية تعويض السوائل عن طريق الفم ستؤرق ضمائرنا إذا لم نستخدمها. ولأنه صار بالإمكان عمل شيء ما، صار من الحتمي عمل شيء ما.1

يتحدث هذا الفصل عن التشخيص الجيني لاثنين من الأمراض الشائعة، أحدهما قاتل ناعم لا يرحم، والثاني لص ذاكرة بطيء عديم الشفقة: اعتلال الشرايين التاجية، وألزهايمر. أعتقد أننا في خطر محيق بسبب شدة حساسيتنا ومبالغتنا في الحرص تجاه استخدام المعارف التي نملكها عن الجينات المؤثرة على كلا المرضين، ومن ثم نحن على شفا ارتكاب ذلك الخطأ الأخلاقي المتمثل في حرمان المصابين من الاستفادة من نتائج الأبحاث التي قد تنقذ حياتهم.

توجد عائلة من الجينات تسمى جينات صميم البروتين الشحمي المعروفة اختصارًا باسم الجينات APO. وهي تأتي على أربع صور متنوعة تسمى A وB وC، ومما يدعو إلى العجب، E، مع وجود نسخ مختلفة عديدة من كل واحد منها بكل كروموسوم. إلا أن أكثرها جذبًا لاهتمامنا هو الجين APOE، الواقع هنا على الكروموسوم ١٩. لفهم وظيفة هذا الجين علينا التحدث قليلًا عن الكولسترول والدهون الثلاثية. حين تتناول طبقًا من اللحم المقدد والبيض فأنت تمتص الكثير من الدهون المصحوبة بالكولسترول، ذلك الجزيء الذي يذوب في الدهون والذي تتكون منه العديد من الهرمونات (انظر الفصل الخاص بالكروموسوم رقم ١٠). يهضم الكبد هذه المواد ويغذي بها مجرى الدم بغرض توصيلها إلى الأنسجة الأخرى. ولأنها لا تذوب في الماء يجب أن تُحمل الدهون الثلاثية والكولسترول عن طريق الدم بواسطة بروتينات تسمى البروتينات الشحمية. في بداية رحلتها، حين تكون محملة بالكولسترول والدهون الثلاثية، تسمى شاحنة التوصيل هذه بالبروتينات الشحمية ذات الكثافة المنخفضة للغاية. وعندما تضع جزءًا من حمولتها تتحول إلى بروتينات شحمية منخفضة الكثافة («كولسترول ضار»). وفي النهاية، بعد توصيل الكولسترول، تصير بروتينات شحمية مرتفعة الكثافة («كولسترول نافع»)، ثم تعود إلى الكبد من أجل عملية توصيل جديدة.
إن وظيفة البروتين APOE (المسمى «صميم البروتين الشحمي-إي») هي تفعيل التواصل بين البروتين الشحمي ذي الكثافة المنخفضة للغاية وأحد المستقبلات على الخلية التي تحتاج بعض الدهون الثلاثية، في حين وظيفة الجين APOB (المسمى «صميم البروتين الشحمي-بي») هي أن يفعل الشيء نفسه لكن مع الكولسترول. من هنا يصير من السهل رؤية سبب ارتباط الجينين APOE وAPOB بأمراض القلب. فإذا لم يعملا يظل الكولسترول والدهون في مجرى الدم، ومن الممكن أن يتراكموا على جدران الشرايين على صورة تصلب عصيدي. إن الفئران التي لا تملك الجين APOE يمكن أن تصاب الإصابة بهذا النوع من التصلب حتى مع تناولها لغذاء الفئران المعتاد. ويمكن لجينات البروتينات الشحمية نفسها وجينات المستقبلات الموجودة على الخلايا أن تؤثر هي الأخرى في الطريقة التي تتصرف بها الدهون والكولسترول في الدم ومن ثم تسهل حدوث الأزمات القلبية. ينتج الميل الوراثي للإصابة بالأزمات القلبية الذي يطلق عليه اسم «فرط كولسترول الدم العائلي» من «تغير هجائي» نادر في الجين الخاص بمستقبلات الكولسترول.2
إن ما يميز الجين APOE عن غيره هو أنه «متعدد الأشكال» بقدر كبير؛ فبدلًا من أن نملك جميعًا نسخة واحدة من هذا الجين، مع استثناءات نادرة، فإن هذا الجين يشبه لون العينين؛ إذ يأتي في ثلاثة أشكال شائعة تسمى E2 وE3 وE4، وبسبب تفاوت النسخ الثلاث في قدرتها على تخليص الدم من الدهون الثلاثية تتباين أيضًا في قدرتها على التسبب في أمراض القلب. في أوروبا يعد النوع E3 هو «الأفضل» والأكثر شيوعًا؛ إذ يملك ما لا يقل عن ثمانين بالمائة من الأشخاص نسخة واحدة على الأقل من الجين E3، ويملك تسعة وثلاثون بالمائة نسختين. لكن السبعة بالمائة من الأشخاص الذين يملكون نسختين E4 من الجين معرضون بقدر أكبر بكثير للإصابة بأمراض القلب. وهكذا الحال، على نحو يختلف قليلًا، مع الأربعة بالمائة الذين يملكون نسختين E2 من الجين.3
لكن هذه النسب هي المتوسطات الأوروبية وحسب. يتبع هذا التباين نمطًا جغرافيًّا كشأن أي تعدد في الأشكال، فكلما اتجهنا صوب شمال أوروبا، زادت النسخة E4 شيوعًا، على حساب النسخة E3 (تظل نسبة النسخة E2 ثابتة). في السويد وفنلندا، تبلغ نسبة النسخة E4 ثلاثة أضعاف نسبتها في إيطاليا، وهو ما يعكس على نحو تقريبي نسب الإصابة باعتلال الشرايين التاجية.4 وبالنظر إلى أبعد من ذلك نجد تباينًا أكبر. في المتوسط يملك ثلاثون بالمائة من الأوروبيين نسخة واحدة على الأقل من الجين E4، لكن سكان شرق أوروبا لديهم أقل النسب وتبلغ خمسة عشر بالمائة، وتبلغ النسبة لدى الأمريكيين السود والأفارقة وسكان بولينيزيا أكثر من أربعين بالمائة، أما لدى سكان غينيا الجديدة فتبلغ النسبة أكثر من خمسين بالمائة. يعكس هذا في جزء منه على الأرجح مقدار الدهون واللحم الدهني الذي اشتملت عليه نظمهم الغذائية خلال الآلاف الأخيرة من السنين. من المعروف منذ بعض الوقت أن سكان غينيا الجديدة لا يعانون أمراض القلب إلا فيما ندر ويعتمدون في غذائهم التقليدي على قصب السكر والقلقاس وتناول وجبات عرضية من لحوم الأوبوسوم وكنغر الأشجار الخالية من الدهن، لكن فور عملهم في المناجم المفتوحة والبدء في تناول الطعام الغربي مثل الهمبرجر وشرائح البطاطس، ترتفع أخطار الإصابة المبكرة بأمراض القلب إلى عنان السماء، وبقدر أسرع من أغلب سكان أوروبا.5
من الممكن الوقاية من مرض القلب وعلاجه. إن من يملكون النسخة E2 على وجه الخصوص حساسون للغاية للدهون والأطعمة الغنية بالكولسترول، أو لنعبر عن الأمر على نحو مختلف، من السهل علاجهم بتحذيرهم من مثل هذه الأطعمة. هذه معرفة جينية قيمة للغاية. كم حياة يمكن إنقاذها وأزمة قلبية يمكن تجنبها عن طريق تشخيص جيني بسيط يحدد الأشخاص المعرضين للمخاطر ويوجههم صوب العلاج السليم؟

لا يقود الفحص الجيني إلى حلول جذرية مثل الإجهاض أو العلاج الجيني، فبشكل متزايد يمكن أن يؤدي التشخيص الجيني الخاطئ إلى علاجات أقل قسوة؛ مثل تناول السمن النباتي وحضور تدريبات الأيروبكس. وبدلًا من تحذير جميع الناس بالابتعاد عن الأطعمة الدهنية، على الأطباء أن يتعلموا سريعًا كيفية تحديد من يمكنه الاستفادة من مثل هذا التحذير ومن يمكنه الاسترخاء وتناول المثلجات. قد يخالف هذا المبادئ المتشددة لمهنة الطب، لكنه لا يخالف قَسَم أبقراط.

ومع ذلك فأنا لم أعرفك على جين APOE فقط للكتابة عن مرض القلب، مع أنني أخشى أن أكون بهذا قد حنثت بوعدي بعدم الحديث عن مرض آخر. إن السبب وراء كونه أكثر الجينات التي تعرضت للبحث ليس بسبب دوره في مرض القلب، بل بسبب دوره البارز في مرض آخر أكثر شؤمًا وأقل قابلية للعلاج؛ مرض ألزهايمر. أُرجع الفقدان الشديد للذاكرة وللشخصية والمصاحب للشيخوخة لدى كثير من المسنين، والذي قد يحدث أيضًا لقلة من الأشخاص في سن أصغر، إلى شتى أنواع المسببات؛ بيئية ومرضية وعرضية. يتمثل العرض التشخيصي لمرض ألزهايمر في ظهور «اللويحات» في خلايا المخ، التي تتسبب عند نموها في تلف خلايا المخ. اشتُبه من قبل في أن السبب يمكن أن يكون عدوى فيروسية، أو التاريخ المتكرر من إصابات الرأس، إلى جانب أن وجود الألمونيوم في تلك اللويحات وجه الشكوك نحو آنية الطبخ المصنوعة من الألمونيوم فترة من الوقت. ساد الاعتقاد بأن العوامل الوراثية لم يكن لها أي علاقة بهذا المرض، وكما ذكر أحد الكتب الدراسية الطبية ذات مرة فإن «هذا المرض ليس وراثيًّا».
لكن كما قال بول بيرج، المشارك في ابتكار تقنية الهندسة الوراثية، فإن «كل مرض له علاقة بالوراثة»، حتى لو كان ما يسببه شيء آخر. وفي نهاية المطاف اكتُشفت عائلات أمريكية تظهر فيها الإصابة بألزهايمر بتواتر مرتفع من بين المنحدرين من بعض الألمان الذين كانوا يعيشون على ضفاف الفولجا، وبحلول تسعينيات القرن العشرين رُبطت ثلاثة جينات بالبداية المبكرة لألزهايمر، أحدها على الكروموسوم ٢١ واثنان على الكروموسوم ١٤. بيد أن الاكتشاف الأكثر أهمية الذي حدث في عام ١٩٩٣ كان ارتباط أحد الجينات على الكروموسوم ١٩ بظهور المرض في الشيخوخة، وأنه من الممكن عزو ظهور ألزهايمر في الشيخوخة، ولو في جزء منه، إلى أساس جيني. وسرعان ما اكتُشف أن الجين المتهم ما هو إلا الجين APOE نفسه.6
لم يكن من المفترض أن يفاجئنا هذا الارتباط بين الجين الخاص بشحوم الدم ومرض المخ مثلما حدث؛ فعلى أي حال، كان من الملاحظ لبعض الوقت أن المصابين بألزهايمر عادة يعانون مستويات كولسترول مرتفعة. لكن مقدار التأثير هو ما كان صادمًا. ومجددًا نؤكد على أن النسخة «الضارة» من الجين هي النسخة E4. في العائلات الأكثر عرضة للإصابة بألزهايمر، تصل احتمالات الإصابة بالمرض لمن لا يملكون نسخة الجين E4 إلى عشرين بالمائة، ومتوسط العمر وقت ظهور المرض أربعة وثمانون عامًا، في حين ترتفع احتمالات الإصابة لدى من يملكون نسخة واحدة من الجين E4 إلى سبعة وأربعين بالمائة، وينخفض متوسط العمر وقت ظهور المرض إلى خمسة وسبعين عامًا. أما من يملكون نسختين من الجين E4 فترتفع احتمالات إصابتهم بالمرض إلى واحد وتسعين بالمائة، ويكون متوسط العمر وقت ظهور المرض ثمانية وستين عامًا. بعبارة أخرى، إن كنت تحمل نسختين من الجين E4 (وهو الحال مع سبعة بالمائة من سكان أوروبا)، فإن احتمالات إصابتك بمرض ألزهايمر أكبر بكثير من احتمالات إصابة السكان في العموم. سيتمكن البعض بطبيعة الحال من الهرب من هذا المصير المحتوم؛ فقد وجدت دراسة أحد الأشخاص الحاملين للنسختين من الجين E4 وهو يتمتع بكامل قواه العقلية في عمر السادسة والثمانين. ولدى كثير من الناس ممن لا يظهرون أي علامات على فقدان الذاكرة نجد أن اللويحات المميزة لمرض ألزهايمر موجودة، وعادة ما يكون وضعها أسوأ لدى من يحملون النسخة E4 عمن يحملون النسخة E3. ومن يحملون نسخة واحدة على الأقل من الجين E2 أقل عرضة بكثير للإصابة بألزهايمر عمن يحملون النسختين E3، مع أن الفارق بينهما ضئيل. ليس هذا أثرًا جانبيًّا عارضًا أو مصادفة إحصائية؛ بل يبدو أن هذا الأمر يقع في قلب آلية المرض نفسها.7
كما تذكر فإن النسخة E4 نادرة الوجود لدى الشرقيين، وأكثر شيوعًا لدى البيض، بل وأكثر شيوعًا لدى الأفارقة، وتبلغ ذروتها لدى سكان غينيا الجديدة من أهالي منطقة ميلانيسيا. يجب إذن أن يتبع مرض ألزهايمر نفس التوزيع، لكن ليس الأمر بهذه البساطة. إن الخطورة النسبية للإصابة بألزهايمر تكون أعلى بكثير لدى البيض الحاملين للنسختين E4 عن السود أو ذوي الأصول اللاتينية الذين يحملون النسختين نفسيهما، وذلك بالمقارنة بنسبة الخطورة بين حملة النسختين E3 من تلك العرقيات. من المرجح تأثر احتمالية الإصابة بالمرض بجينات أخرى تتباين من عرق لآخر. أيضًا يبدو أن تأثير النسخة E4 من الجين أكثر حدة بكثير عند النساء من الرجال؛ فالنساء لسن أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر وحسب، بل إن المرأة التي تحمل نسخة E4 وأخرى E3 من الجين معرضة بالمقدار نفسه للإصابة بالمرض مثل من يملكون النسختين E4 من الجين. أما في الرجال فنجد أن وجود نسخة E3 من الجين يقلل خطر الإصابة بالمرض بقدر كبير.8
قد تتساءل عن السبب وراء وجود النسخة E4 من الأساس، ناهيك عن وجودها بهذه النسبة الملحوظة. فما دامت هذه النسخة تسبب تفشي مرض القلب وألزهايمر فمن المفترض إذن أن تكون قد انقرضت لمصلحة النسختين E3 وE2 الأقل خطرًا منذ وقت طويل. يغريني بالإجابة عن هذا السؤال القول إن النظم الغذائية ذات المحتوى الدهني المرتفع لم تكن معروفة إلا منذ وقت قصير، وأنها كانت نادرة حتى إن آثارها الجانبية على الشرايين التاجية لم تكن ذات أهمية تذكر، أما مرض ألزهايمر فكان غير ذي صلة من الأساس بالانتخاب الطبيعي لأنه لا يصيب الأفراد الذين انتهوا من تربية أبنائهم حتى سن الاستقلال وحسب، بل إنه أيضًا يضرب في سن كان فيه أسلافنا في العصر الحجري موتى فعلًا. لكني غير واثق من أن تلك الإجابة ستكون وافية؛ لأن الأنظمة الغذائية المعتمدة على اللحوم والألبان موجودة منذ وقت طويل في بعض أجزاء العالم، وقت يكفي الانتخاب الطبيعي للبدء في العمل عليها. لكني أشك أن النسخة E4 من الجين تلعب دورًا آخر في الجسم؛ دورًا لا أعرف عنه الآن شيئًا، وهي تجيده على نحو أفضل من النسخة E3. تذكر: «الجينات ليست موجودة كي تسبب الأمراض.»
إن الفارق بين النسخة E4 ونظيرتها الأكثر شيوعًا E3 هو أن «الحرف» رقم ٣٣٤ في الجين هو G بدلًا من A. والفارق بين النسخة E3 والنسخة E2 هو أن «الحرف» رقم ٤٧٢ هو G بدلًا من A. تكون نتيجة هذا احتواء النسخة E2 على حامضي سيستيين إضافيين في مقابل احتواء النسخة E4 على حامضي أرجينين إضافيين بالمقارنة بينهما، مع وجود النسخة E3 في المنتصف. تلك التغيرات الضئيلة في الجين البالغ طوله ٨٩٧ «حرفًا» كافية لتغيير الطريقة التي يؤدي بها الجين APOE وظيفته. لا تزال ماهية هذه الوظيفة مبهمة، لكن ترى إحدى النظريات أن وظيفة هذا الجين هي تثبيت بروتين آخر يطلق عليه «تاو»، الذي من المفترض به الحفاظ على شكل «الهيكل» الأنبوبي للخلية العصبية. يدمن البروتين تاو الفوسفات، الذي يمنعه من القيام بوظيفته، وهنا تكون وظيفة الجين APOE إبعاد البروتين تاو عن الفوسفات. ترى نظرية أخرى أن وظيفة الجين APOE في المخ تختلف عن وظيفته في الدم، فهو يحمل الكولسترول بين خلايا المخ وداخله بحيث تتمكن من بناء أغشيتها الخلوية المعزولة بالدهون وإصلاحها. في حين ترى نظرية ثالثة أكثر مباشرة أنه بصرف النظر عن وظيفة الجين APOE، فإن النسخة E4 لها ارتباط خاص بمادة يطلق عليها ببتيدات البيتا أميلويد، وهي المادة التي تتراكم داخل الخلايا العصبية عند المصابين بألزهايمر. أي إنها على نحو ما تساعد على نمو هذه اللويحات المدمرة.

قد تهمنا هذه التفاصيل مستقبلًا، لكن ما يهمنا الآن هو حقيقة أننا نملك الآن وسيلة للتنبؤ بهذا المرض، فبمقدورنا فحص جينات الأفراد والتنبؤ جيدًا بشأن احتمال إصابتهم بألزهايمر من عدمه. طرح عالم الوراثة إريك لاندر حديثًا فكرة خطيرة. نحن نعلم الآن أن رونالد ريجان مصاب بألزهايمر، ويبدو من المرجح، حين نسترجع الأمر من منظورنا الحالي، أنه كان في المراحل الأولى من إصابته بالمرض وهو لا يزال بالبيت الأبيض. لنفترض أن صحفيًّا مغامرًا متحيزًا، في محاولة للعثور على ما يزعزع به مصداقية ريجان كمرشح رئاسي عام ١٩٧٩، سرق منديلًا كان ريجان قد مسح به فمه وفحص الحمض النووي الموجود عليه (ولنتجاوز حقيقة أن مثل هذا الفحص لم يكن قد اختُرع وقتها). ولنفترض أنه اكتشف أن ثاني أكبر المرشحين الرئاسيين سنًّا قاطبة كان من المرجح أن يصاب بالمرض وهو في سدة الحكم، ثم نشر هذه النتائج على صفحات الجرائد.

تبرز هذه القصة المخاطر التي يجلبها الفحص الجيني على الحقوق المدنية. حين يُسأل الأطباء هل ينبغي عرض إجراء الفحص الجيني على الأفراد المهتمين بمعرفة إمكانية إصابتهم بألزهايمر، يجيب أغلبهم بالنفي. بعد تدبر الأمر مؤخرًا توصل مجلس نافيلد للأخلاقيات البيولوجية، الذي يضم أبرز مجموعة من الخبراء في هذا المجال، إلى النتيجة نفسها. إن فحص الفرد للكشف عن احتمال إصابته بمرض لا يمكن الشفاء منه هو أمر على أفضل الأوصاف مثير للريبة. قد يجلب هذا الأمر الطمأنينة لمن لا يجدون لديهم أي نسخة E4 من الجين، لكن في مقابل ثمن رهيب، وهو الحكم شبه المؤكد على من يملكون النسختين E4 من الجين بخبل الشيخوخة الذي لا يمكن شفاؤه. وإذا كان التشخيص مؤكدًا بما لا يدع مجالًا للشك (كما رأت نانسي ويكسلر في حالة مرض هنتنجتون؛ راجع الفصل الخاص بالكروموسوم ٤)، فقد يكون لهذا الفحص آثار مدمرة بحق. على الجانب الآخر، لن يكون على الأقل مضللًا. لكن في الحالات التي لا تتمتع بمثل هذا اليقين، مثلما هو الحال مع الجين APOE، سيكون الفحص أقل أهمية، فبإمكانك، لو كنت محظوظًا، أن تملك النسختين E4 وتعيش حتى سن متأخر دون المعاناة من أي أعراض للمرض، تمامًا كما قد يصادف، إن كنت شخصًا غير محظوظ، ألا تملك أي نسخة E4 من الجين ومع ذلك تصاب بمرض ألزهايمر في سن الخامسة والستين. وبما أن امتلاك النسختين E4 ليس كافيًا أو ضروريًّا للتنبؤ بالمرض، وبما أنه لا يوجد له علاج بعد، فلا ينبغي أن يُعرض عليك إجراء مثل هذا الفحص ما لم تظهر فعلًا أعراض هذا المرض عليك.
في البداية وجدت هذه الحجج على درجة من الوجاهة، لكني لست واثقًا من ذلك الآن. فعلى أي حال، كان من الأخلاقي أن يُعرض على الناس فحص أنفسهم لمعرفة إصابتهم بفيروس العوز المناعي البشري HIV، بالرغم من عدم وجود أي علاج (حتى وقت قريب) لمتلازمة العوز المناعي المكتسب الإيدز نفسها. فالإصابة بالإيدز ليست نتيجة حتمية للإصابة بفيروس العوز المناعي البشري، وقد يعيش البعض طوال حياتهم وهم حاملون للفيروس. صحيح أنه في حالة الإيدز هناك اهتمام إضافي من جانب المجتمع بمنع انتشار المرض، وهو ما لا ينطبق على حالة ألزهايمر، لكننا نتحدث هنا عن المخاطر التي يواجهها الأفراد، وليس المجتمع إجمالًا. يواجه مجلس نافيلد للأخلاقيات البيولوجية هذه القضية بالتفرقة المطلقة بين الفحوصات الجينية وغيرها من الفحوصات. إن إرجاع عرضة الشخص للإصابة بالمرض إلى تركيبه الجيني يشوه الآراء والتوجهات، هكذا جادلت كاتبة التقرير ديم فيونا كالديكوت، فهذا يجعل الناس يؤمنون عن خطأ بأن للتأثيرات الجينية اليد العليا، وهو ما يجعلهم يتجاهلون المسببات الاجتماعية وغيرها، وهذا بدوره يزيد من وصمة العار التي يوسم بها المرض العقلي.9
تلك حجة منصفة، لكنها تستخدم في غير موضعها. ومجلس نافيلد يعمل بمعايير مزدوجة، فنحن جاهزون لتقبل التفسيرات «الاجتماعية» للمشكلات العقلية التي يقدمها المحللون النفسيون وعلماء النفس استنادًا إلى أتفه الأدلة، ومع ذلك فهي الأخرى تشوه الناس مثلما هي الحال مع التفسيرات الجينية. وهي تستمر في التزايد في الوقت الذي تجرم فيه الأخلاقيات البيولوجية العظيمة المعنية بخير الناس غيرها من التفسيرات المدعومة بالأدلة، فقط لأنها تفسيرات جينية. وفي سعيه للعثور على أسباب تجرم التفسيرات الجينية مع السماح لتلك الاجتماعية بالازدهار، لجأ مجلس نافيلد إلى وصف القدرة التنبؤية لفحص APOE4 بأنها «منخفضة للغاية»، وهو وصف عجيب لذلك التباين في خطر الإصابة والبالغ أحد عشر ضعفًا بين امتلاك النسختين E4 والنسختين E3.10 وكما علق جون مادوكس11 مستشهدًا بقضية الجين APOE: «هناك أسباب تدعونا إلى الشك في أن الأطباء لا يستغلون فرصًا قيمة بسبب الحياء من الكشف عن معلومات جينية غير مرغوب فيها لمرضاهم … لكن هذا الحياء يصل لدرجات مبالغ فيها.»
إضافة إلى ذلك، مع أن مرض ألزهايمر لا يمكن الشفاء منه، فإن هناك فعلًا عقاقير تخفف بعض أعراضه، وقد تكون هناك تحذيرات مشكوك في صحتها بأن الناس يتناولونها كي يطردوا عن أنفسهم شبح هذا المرض. أليس من الأفضل للمرء أن يعرف هل عليه أن يتخذ كل احتياط ممكن أم لا؟ إن كان لديّ نسختان E4 من الجين، ربما أرغب في معرفة هذا الأمر حتى يمكنني التطوع في التجارب الخاصة بعلاجات تجريبية. وفيما يخص من ينخرطون في أنشطة ترفع خطر الإصابة بألزهايمر، سيكون هذا الفحص الجيني ذا معنى بالتأكيد. على سبيل المثال: من الواضح الآن أن الملاكمين المحترفين الذين يملكون النسختين E4 معرضون للإصابة المبكرة بألزهايمر، وهم يُنصحون بعمل هذا الفحص والتخلي عن الملاكمة لو وجدوا أنهم يملكون نسختين E4. يصاب واحد من بين كل ستة ملاكمين بمرض باركنسون أو ألزهايمر — الأعراض الميكروسكوبية متشابهة مع أن الجينات المتعلقة بكليهما متباينة — بحلول سن الخمسين، وكثيرون منهم، من ضمنهم محمد علي، يعانون هذين المرضين في سن أصغر. ومن ضمن هؤلاء الملاكمين الذين يصابون بألزهايمر نجد أن النسخة E4 شائعة على نحو استثنائي، وهو ما ينطبق أيضًا على من يعانون إصابات بالرأس ثم يتضح لاحقًا تكون اللويحات في خلاياهم العصبية.
وما ينطبق على الملاكمين قد ينطبق على غيرهم من ممارسي الرياضة الذين تتعرض رءوسهم للصدمات. ومدفوعين بتلك الأدلة الفردية على أن العديد من عظماء لاعبي الكرة يعانون خرف الشيخوخة المبكر — ومنهم داني بلانشفلاور وجو ميرسر وبيل بيزلي بوصفهم أمثلة حديثة مؤسفة — بدأ علماء الأعصاب في دراسة مقدار شيوع ألزهايمر لدى أمثال هؤلاء الرياضيين. قدر أحدهم أن لاعب كرة القدم يضرب الكرة برأسه حوالي ثمانمائة مرة في الموسم، وأن الضرر الناجم عن هذا الأمر قد يكون كبيرًا. وقد وجدت دراسة هولندية أن حالات فقدان الذاكرة لدى لاعبي الكرة أسوأ من ممارسي الرياضات الأخرى، كما وجدت دراسة نرويجية أدلة على وجود تلف بالمخ لدى لاعبي كرة القدم. مرة ثانية، من المرجح أن يستفيد من يحوزون على النسختين E4 من معرفة أنهم أكثر عرضة لهذه المخاطر وهم في بداية حياتهم الكروية. وبوصفي شخصًا عادة يرتطم رأسه بأطر الأبواب العلوية لأن المهندسين المعماريين لم يصمموها بالكبر الكافي كي تناسب شخصًا بمثل طولي، أتساءل عن نسختي الجين APOE لدي. ربما ينبغي علي الخضوع للفحص.
يمكن للفحص الجيني أن يكون مفيدًا من مناحٍ أخرى. هناك على الأقل ثلاثة عقاقير لعلاج ألزهايمر تمر بمرحلة التطوير والاختبار، أحدها موجود فعلًا، تاكرين، وهو معروف بأنه يعمل على نحو أفضل مع أصحاب النسخ E3 وE2 منه مع أصحاب النسخ E4. ومرة تلو الأخرى، لا يزال الجينوم يؤكد على تفرد كل إنسان. إن تنوع البشر هو رسالته العظمى. ومع هذا يوجد تردد ملحوظ في عالم الطب حيال علاج الأفراد وليس الجمهور عمومًا، فالعلاج المناسب لشخص قد لا يناسب آخر، والنصيحة الغذائية التي قد تنقذ حياة إنسان قد لا تجدي آخر أي نفع. سوف يأتي اليوم الذي لن يصف لك الطبيب فيه أنواعًا عديدة من الأدوية إلا بعد أن يعرف أي نسخ من الجينات تملك. هناك تقنية محل تطوير الآن على يد عدد من الشركات، من بينها شركة صغيرة في كاليفورنيا تسمى أفيمتريكس، تهدف إلى وضع كافة التتابعات الجينية للجينوم على رقاقة سيليكون واحدة. وذات يوم ربما يحمل كل واحد منا رقاقة مثل هذه يستطيع من خلالها كمبيوتر الطبيب أن يتعرف على جيناتنا بهدف تفصيل الوصفة الطبية بما يلائم كل شخص.12
ربما تكون خمنت فعلًا المشكلة التي سيسببها مثل هذا الأمر، والسبب الحقيقي وراء نفور الخبراء من فحوصات الجين APOE. افترض أنني أمتلك النسختين E4، وأنا ملاكم محترف، من ثم تزداد احتمالات إصابتي بالذبحة الصدرية وألزهايمر المبكر. والآن افترض أنني ذاهب اليوم لا للقاء طبيبي، بل للقاء مندوب التأمين كي أعد وثيقة تأمين جديدة على الحياة تتوافق مع أقساط الرهن التي أدفعها أو للحصول على وثيقة تأمين طبية تغطي إصاباتي المستقبلية بالمرض. أتسلم استمارة ويطلب مني الإجابة عن أسئلة مثل هل أدخن؟ وما مقدار ما أشرب من الخمر؟ وهل كنت مصابًا بالإيدز؟ وما وزني الحالي؟ كل سؤال من هذه مصمم كي يضعني ضمن فئة مخاطر معينة، الأمر الذي يمكن شركة التأمين من تحديد أقساط تأمينية مربحة لها، وفي الوقت ذاته تظل أسعارها تنافسية. من المنطقي إذن أن نجد شركات التأمين في المستقبل القريب وهي تطالب برؤية جيناتي أيضًا، وأن تسألني هل أحمل النسختين E4، أو هل أحمل بدلًا منهما نسختين E3، فشركة التأمين لا تخشى فقط أنني قد أحاول التأمين على حياتي لأنني أعرف عن طريق الفحص الجيني الذي أجريته حديثًا أنني محكوم علي بالهلاك، وبهذا أسعى للتحايل عليها بطريقة لا تختلف عن ذلك الشخص الذي يؤمن على منزله وهو ينوي إحراقه بعد ذلك، بل هي ترى كذلك أنها تستطيع جذب أعمال مربحة بتقديم خصومات للأشخاص الذين تؤكد فحوصاتهم سلامتهم. يعرف هذا باسم العروض الانتقائية، وهذا هو السبب الذي يجعل الشاب النحيف غير المثليّ غير المدخن يدفع تكاليف أقل مقابل التأمين على الحياة من الكهل البدين المثليّ المدخن. إن امتلاك نسختي E4 ليس مختلفًا للغاية عن هذا.

لا عجب إذن أن شركات التأمين الطبي الأمريكية تبدي فعلًا اهتمامها بنتائج فحوصات مرض ألزهايمر، وهو المرض الذي يمكن أن يكلفها الكثير (في بريطانيا، حيث التأمين الصحي مجاني في الأساس، يتركز الخوف في التأمين على الحياة). لكن لخوفها من إثارة الحنق نفسه الذي أثارته عندما بدأت في تحصيل أقساط تأمينية من المثليين أعلى من غير المثليين على نحو يعكس الخطر من الإصابة بالإيدز، تخوض شركات التأمين في الأمر بحذر. فإذا صار الفحص الجيني أمرًا روتينيًّا للعديد من الجينات فإن هذا سيقوض مفهوم المخاطر المجمعة الذي يقوم عليه عمل شركات التأمين. وحالما يُعرف مصيري بالتحديد سيتحدد لي سعر يغطي بالضبط تكلفة حياتي. بخصوص تعيسي الحظ من الناحية الجينية، قد لا يكون بمقدورهم تحمل التكلفة، وسيصيرون فئة مهملة تأمينيًّا. وانطلاقًا من وعيها بمدى حساسية هذه القضايا وافقت، رابطة شركات التأمين في بريطانيا عام ١٩٩٧ على عدم المطالبة بإجراء الفحوصات الجينية كأحد شروط التأمين، وذلك مدة عامين، كما أنها لن تطالب (لأصحاب الرهون التي تقل عن مائة ألف جنيه) بمعرفة نتائج الفحوصات الجينية التي أجريت في الماضي. ذهبت بعض الشركات لما هو أبعد من ذلك قائلة إن الفحوصات الجينية لم تكن جزءًا من خطتها، لكن هذا الحياد قد لا يستمر طويلًا.

لماذا يهتم الناس بشدة بهذه القضية، مع أنها قد تعني من الناحية العملية أقساطًا تأمينية أرخص للبعض؟ في الحقيقة، وعلى عكس أمور كثيرة في الحياة، فإن الحظ الجيني السعيد موزع على نحو منصف بين الأغنياء وغيرهم على حدٍّ سواء، بمعنى أن الأغنياء لا يمكنهم شراء الجينات الجيدة، والأغنياء فعلًا ينفقون أكثر على التأمين على أي حال. إن الإجابة — من وجهة نظري — تأخذنا مباشرة إلى قلب فكرة الحتمية. إن قرار الفرد بالتدخين أو شرب الخمر، وحتى قراره الذي أدى به إلى الإصابة بمرض الإيدز،‏ كان بشكل ما قرارًا إراديًّا، أما امتلاك نسختين E4 من الجين APOE فلم يكن قرارًا على الإطلاق؛ بل كان أمرًا مقدرًا عليه من جانب الطبيعة. والتفرقة على أساس الجين APOE لا تختلف عن التفرقة على أساس لون الجلد أو الجنس. قد يعترض غير المدخن، على نحو مبرر، على وضعه في فئة المخاطر نفسها مع الشخص المدخن، لكن لو اعترض شخص يملك النسختين E3 على وضعه في الشريحة التأمينية نفسها الخاصة بشخص يملك النسختين E4 فهذا يعد تعصبًا وتحاملًا ضد شخص جريرته الوحيدة هي سوء حظه.13
لا يثير شبح استخدام المؤسسات للفحوصات الجينية من أجل ترشيح موظفيها المستقبليين القدر نفسه من المخاوف، فحتى مع وجود المزيد من الفحوصات، ستكون الإغراءات لاستخدامها قليلة. وفي الحقيقة، عند اعتيادنا على فكرة أن الجينات مسئولة عن قابليتنا للتأثر بالمخاطر البيئية، قد تصير بعض الفحوصات مقبولة سواء من جهة المؤسسات أو الموظفين على حدٍّ سواء. ففي الوظيفة التي تتضمن التعرض لبعض مسببات السرطان المعروفة (مثل ضوء الشمس الساطع المباشر كما هو الحال في وظيفة حارس الإنقاذ)، قد يتهم صاحب العمل بالإهمال إذا وظف أشخاصًا ذوي جينات p53 تالفة. ومن ناحية أخرى، ربما يطلب من المتقدمين الخضوع لفحوصات جينية لأغراض أكثر أنانية؛ لكي يختار ذوي الميول المزاجية السليمة أو الشخصيات المتفتحة (وهو الغرض المصممة من أجله المقابلات الشخصية تحديدًا)، لكن القوانين التي تجرم التفرقة قائمة فعلًا.

في الوقت ذاته، هناك خطر أن يتسبب غول الفحوصات الجينية التأمينية والفحوصات الجينية التوظيفية في إخافتنا، ومن ثم إبعادنا عن استخدام مثل هذه الفحوصات من أجل مصلحة الطب. ومع هذا هناك غول آخر يخيفني بقدر أكبر؛ شبح أن تملي علي الحكومة ما أفعله بجيناتي. إنني حريص على عدم إطلاع شركة التأمين التي أتعامل معها على شفرتي الوراثية، وحريص في الوقت ذاته على أن يعرفها طبيبي ويستفيد منها، لكني متمسك إلى حد التعصب بأن هذا قراري وحدي. إن جينومي ملك لي، وليس ملكًا للدولة، وليس من حق الحكومة أن تقرر من ينبغي أن أطلعه على محتوى جيناتي، وليس من حق الحكومة أن تقرر هل ينبغي عليَّ عمل الفحوصات الجينية، فهذا حق خالص لي. هناك نزعة استبدادية أبوية بشعة تتجسد في «أننا» يجب أن نتبع سياسة واحدة في هذا الموضوع، وأن على الحكومة أن تضع القواعد بشأن الكم المسموح لك برؤيته من شفرتك الوراثية، ومن يحق لك أن تطلعه عليها. لكن هذه الشفرة ملك لك أنت، وليس للحكومة، وينبغي أن تتذكر هذا دائمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤