اثنان

وقفتْ مُمسكةً في يدها بالكأس المتألقة كاللؤلؤة. كم كانت حافة هذه الكأس الرقيقة النحيلة تُشبه فمها الرقيق وذقنها الدقيق. كانت قد لمحتْه من بعيدٍ وهو يتحسَّس بحنان رقبة فرسه البني الرشيق، واتَّجهت نحوه بخطى خفيفةٍ واثقةٍ، كأن يدًا خفيةً تشدها إليه فتمشي كالسائر في نومه. مع ذلك لم ترتجف الكأس في يدها، ولا سقطت منها قطرة واحدة على الأرض.

أما الفارس فكانت يدُه خفيفةً وراسخة. وبهذه اليد وضع السرج البهيج الألوان على ظهر فرسه الشاب، ثم قفز عليه قفزةً سريعة لم تكد تستغرق لحظةً واحدة. وباليد نفسها، بإشارة غير ملحوظةٍ وإيماءة غير مقصودةٍ، أمر الفرس أن يقف في مكانه، بينما كان جسده يختلج وساقاه ترتعشان.

لكن هذه اليد تخلَّت عنها خفَّتها، وغادرها رسوخها وثباتها عندما شعرت باليد الأخرى تمتدُّ نحوها. أرادت أن تُمسِك الكأس وفردت أصابعها بقدر ما أمكنها لكي تتلقَّاها منها. كذلك فعلت اليد الأخرى الممدودة بالكأس، وحاولت أن تصل إليها، لكن كليهما أحسَّ بجبل من الرصاص يرزح فوقهما. وتاهَت كل يد عن الأخرى وعجزت عن أن تلقاها، وأخذ الاثنان يرتجفان بفعل زلزال ينفضهما ويهزُّ جذورهما وفروعهما. وتساقطَت الخمر المُعتمة من الكأس، وشربها التراب.١
١  عن قصيدة «الاثنان»، للشاعر والكاتب المسرحي النمسوي هوجو فون هوفمنستال (١٨٧٤–١٩٢٩م).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤