الفصل الثالث

ما المشكلات التي تحلُّها سلسلة الكتل؟

ظهرت تقنية سلسلة الكتل منذ ما يزيد عن عَقدٍ تقريبًا إلا أن أغلب دول العالم لا تزال تخطو خطواتها الأولى في فهمِ تداعيات المفاهيم المُكتشَفة والفرص التي تقدِّمها والأخطار المترتبة عليها. فبدءًا من الهوية الرقمية وحتى استخدام العملات المشفَّرة، فإن سلسلة الكتل تتوغل إلى صميم دور الحكومات والشركات، وكذلك إلى صميم دورنا في المجتمع البشري والاقتصاد.

من المعروف على نطاقٍ واسع أن شعار بورصة لندن، «كلمتي عهدٌ عليَّ» هو الأساس الأخلاقي الذي تقوم عليه العلاقة بين المصرفي وعملائه — ومن المفترض أن يكون الأمر كذلك. فرضت علينا دائمًا منظومتنا المالية أن «نثق» في مؤسسات طرف ثالث. لكن الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام ٢٠٠٧ أثارت تساؤلًا لدى كثيرين حول إذا ما كانت هذه الثقة مبنية على أساسٍ راسخ.

إن تقنية سلسلة الكتل في جوهرها أداةٌ للتفاعل بين الأفراد والكيانات. وتشكِّل العمليات الرياضية والأكواد الحاسوبية الآلية التي من خلالها يمكن مصادقة المعلومات على نحوٍ مستقل. وتمنح هذه التقنية الأطرافَ المشارِكة الثقةَ في أن المعلومات المستخدمة في إحدى المعاملات بعيدةٌ تمامَ البُعد عن أي تأثير نابع من شخصٍ أو كيانٍ بعينه. وفي حال العبث بها، فإن الاختراق سيُكشَف للجميع. ومع هذا المستوى من الشفافية والقدرة على التعقُّب، لن يوجد أيُّ داعٍ لمعرفة الطرف الآخر، ولا لإشراك أي مؤسسة مؤتمنة مشتركة. فالثقة تكمن في الكود الذي يقوم عليه النظام.

إن القدرة على التحقق من صحة المعلومات هي الأساس الذي تُبنى عليه المعاملات في الاقتصاد المعاصر. يتمثل التوقُّع النمطي في هذا الإطار في أن الأطراف الثلاثة الوسيطة — أي: الوكالات الحكومية، والبنوك، ومؤسسات المراجعة وما شابهها — تتكفَّل بعملية التحقق من صحة المعلومات وضمانها للأطراف المشاركة في المعاملة. وتلك هي النقطة التي تنهار عندها المنظومة، لا سيما في الاقتصادات النامية. وحتى تصبح المعاملات جديرة بالجهد الذي ستبذله الأطراف الخارجية من أجلها، لا بد أن تكون قابلة للتوسع من أجل استخلاص قيمة منها. تصبح تلك المهمة تحديدًا صعبةً عند التعامل مع المجتمعات الريفية الأكثر فقرًا. لكن المنظومة الحالية في الدول المتقدمة جيدة بما يكفي حتى تلك اللحظة. تُظهر سلسلة الكتل أنه ربما توجد آلية أفضل فيما يتعلق بالثقة للدول النامية على الأقل.

تحمُّل المخاطر وثقافة المخاطر: هل نحن مؤهَّلون لاستخدام تقنية سلسلة الكتل؟

في حين أن تقنية سلسلة الكتل ربما تسهم في تقليل مجموعةٍ معينة من المخاطر من خلال إتاحة التحقق من صحة المعاملات بسهولةٍ أكبر، فإن هناك مخاطرَ أخرى جديدة ومختلفة لا بد من فهمها أولًا. لنأخذ في الاعتبار التطبيق الأساسي لسلسلة الكتل: البتكوين. إن مالك المفتاح الخاص لمحفظة بتكوين هو مَن يملك القدرة على التحكم في المحفظة. فلا يتوفَّر خيار «نسيتُ كلمة المرور» أو «أعِد تعيين رقم التعريف الشخصي الخاص بي». إذا فقدتَ قدرتك على التحكم في محفظة البتكوين، فستفقد عملاتك المشفرة.

كانت وول ستريت تعمل بالنهج نفسِه تقريبًا. في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما بدأت أسواق الأوراق المالية في الظهور، كان السبيل إلى إثبات الملكية هي شهادات ملكية أسهم مادية. وكانت تُنفَّذ المعاملات بتبادل الأطراف المشاركة في المعاملة لتلك الشهادات. وسرعان ما صارت هذه الطريقة مرهقة، ولهذا استؤجر سُعاة لنقل الشهادات من طرفٍ إلى الطرف الآخر، في البداية سيرًا على الأقدام، ثم تطوَّر الأمر بعدها إلى استخدام الدرَّاجات. ونظرًا لما يتطلبه النظام من عملية نقل مادية، أصبحت معاملات الأسهم متركزة في بعض المدن — أبرزها، نيويورك. ومع نمو سوق الأوراق المالية، أصبح هذا النظام أيضًا في النهاية مرهقًا بشدة، ومِن ثَمَّ ظهر النظام الأمريكي الذي نستخدمه اليوم، حيث صارت جميع شهادات الأسهم يملكها كيانٌ واحد غير معروف كثيرًا. فمؤسسة «سيدي آند كو» ومؤسستها الأم «ديبوزتوري تراست آند كليرينج كوربوريشن»، هما المنوطتان بالحفاظ على سجل إلكتروني خاص بمليكة الأسهم، مما زاد من كفاءة النظام وألغى الحاجة إلى أي عملية نقل مادية.

يندهش كثير من الأشخاص عندما يدركون أن الأسهم التي يظنون أنها «ملك» لهم هي في الحقيقة غير محفوظة حتى بأسمائهم. وهذا أدَّى إلى وقوع مشكلات حيث توجد مطالبات متعلقة بالأسهم أكثر من الأسهم الفعلية المتداولة.1 فعندما أصبحت دول فودز شركةً خاصة عام ٢٠١٣، فإن المطالبات الصحيحة الخاصة بالأسهم الموجودة تجاوزت الأسهم الفعلية المتوفرة بنسبة ٣٣٪.2

الآن، ومرة أخرى، يستكشف المستثمرون نُظمًا جديدة لإدارة ملكية الأصول. وهذه مهمة غير يسيرة في ضوء القوانين المحلية ومتطلبات الامتثال وتوقُّعات العملاء المتباينة وفهمنا المتطور لكيفية تأمين الأصول.

تسير ملكية أحد الأصول في سلسلة الكتل من خلال نظام سجلات يُتحقَّق من صحته وتخزينه بطريقة مشفَّرة للحد من مخاطرَ بعينها — مثل المصادرة، أو المراقبة، أو التعرض إلى إعسار الأطراف الثالثة. وهي تعطي أيضًا على نحوٍ تام للأطراف المشارِكة في المعامَلة كلًّا من المسئولية القانونية والتحكم. بذلك بات واضحًا التغيير المطلوب في ثقافة المخاطر. فمع تحديد سير المعاملة من خلال كود وخوارزميات إجماع بدلًا من الجهات الوسيطة واللوائح التقليدية، لم تَعُد ترتيبات المسئولية المؤسسية التي كنَّا نعتمد عليها لعقودٍ مقبولة. وهذا بدوره يستلزم تعديلًا كليًّا في فهمنا للمخاطر.

يكون هذا التغيير في موقفنا تجاه المخاطر أسهل على أولئك الذين اعتادوا العملَ في أماكنَ يُنظر إليها عادة على أنها أكثر عرضة للمخاطر بطبيعة حالها، ولأولئك الذين لم ترهقهم كثيرًا بنيةٌ تحتية حالية للتحكم في المخاطر. وفي حين أن القضاء على المخاطر هو أمر مستحيل على نحوٍ واضح، فإنه لا يزال هدفًا تنظيميًّا وقانونيًّا شائعًا في الدول المتقدمة. وعلى النقيض، تقبل ثقافة البلدان النامية حتميةَ وجود درجة محددة من المخاطر.

إلى حدٍّ ما، ساوت جائحة كوفيد-١٩ بين الجميع فيما يتعلق بتقبُّل المخاطر. وثمة محاجَّة مقبولة ترى أنه بدلًا من السعي إلى التقليل من المخاطر إلى أدنى حد، فإن البشر يعدِّلون سلوكهم تلقائيًّا لتحسين النتائج طبقًا لمستوًى معيَّن من المخاطر. هذه هي نظرية توازن المخاطر، وهي نتاج بحثٍ يسعى إلى فهم السبب وراء عدم تراجع معدل وفيات حوادث الطرق رغم أن السيارات أصبحت أكثر أمانًا. اكتشف الباحثون أن السائقين لديهم مستوى معين من المخاطرة هم على استعدادٍ أن يتحملوه وليس نتيجةً معينة يسعون إلى تحقيقها بأدنى درجة مطلوبة من المخاطرة. فعندما تصبح السيارات أكثرَ أمانًا، يعوِّض السائقون هذا الفرق بإقبالهم على مخاطرة أعلى على الطريق، مما يسمح لهم بتحسين نتيجة قيادتهم داخل حيز مخاطراتهم.3 على سبيل المثال، عند قيادة سيارةٍ أكثرَ أمانًا بسرعة أعلى، فإن السائق سيتعرض للقدْر نفسه من المخاطرة عند قيادة سيارة أقلَّ أمانًا بسرعة أبطأ، لكن مع ميزة إضافية تتمثل في الوصول على نحوٍ أسرعَ أو الاستمتاع برحلة أكثرَ إثارة. وعلى الرغم من أن المخاطرة وسبل الحماية منها لها مستوياتٌ أكبرُ كثيرًا في أي تنظيم كبير ومعقَّد، لا يزال السلوك الفردي والإقبال على المخاطرة يلعبان دورًا رئيسيًّا.4 إن ديناميكيات التوازن تظهر بوضوح بين المجازفين المحترفين، مثل المستثمرين أو القائمين على أعمال التأمين.5

هذا النهج في التعامل مع المخاطر له تداعياتٌ مهمة فيما يتعلق باستخدام سلسلة الكتل. فالتقنية الجديدة التي تبسِّط عمليةَ التحقق، وبالتالي تَحُد من المخاطر المحتملة، تزداد احتمالية استخدامها. وبتقليل المخاطر المحتملة لأحد العناصر المكوِّنة للمعاملة (التحقُّق)، تستطيع الأطراف المشارِكة تحمُّل درجة أعلى من المخاطر في جوانبَ أخرى من المعاملة، مثل السيادة الذاتية — مما يزيد من النشاط الاقتصادي.

التحقُّق يتفوق على الثقة

مستعيرًا مقولةً اشتهرت على لسان الرئيس رونالد ريجان في إشارته إلى صفقات الأسلحة النووية في الحرب الباردة، فإن شعار داعمي سلسلة كتل البتكوين وآخرين في مجتمع سلسلة الكتل هو «لا تثق، لكن تحقَّق.»

اعتمادًا على هذا النهج، يستخدم الكثيرُ من المروجين لتلك التقنية مصطلحَ «انعدام الحاجة إلى الثقة» عند الحديث عن النُّظم الناشئة القائمة على سلاسل الكتل. وهذا غير دقيق. إن تقنية سلسلة الكتل لا تلغي الحاجة إلى وسيطٍ مؤتمَن بين الأطراف المشارِكة. بدلًا من ذلك، تصبح سلسلة الكتل نفسها هي الوسيط المؤتمَن، لتحل التقنية محلَّ مؤسسة الطرف الثالث.

في هذا الإطار، لا تُعَد سلسلة الكتل نفسها حلًّا لمشكلة الثقة؛ إنما هي مستوًى جديد يقدِّم نهجًا مختلفًا للأمان. وهي تعود بالنفع على المستخدمين لكونها نموذجًا أكثرَ قابلية للتوسع، وأكثر شفافيةً للمعاملات والسجلات، لديه القدرة على دعم الكثير من التطبيقات المختلفة.

شبَّه البعضُ التقنية الجديدة بظهور شبكة الويب العالمية. لكن بدلًا من تأسيس إنترنت جديد، الأمر أقرب إلى ظهور مجموعة التقنيات الأساسية التي أدَّت إلى ظهور الإنترنت. كان بروتوكولا «إتش تي تي بي» و«تي سي بي/آي بي»، وشبكة الأربانت، هي التي وفَّرت بنيةً تحتية جديدة للاتصالات، مما سمح بظهور مجموعة متنوعة من التطبيقات، من المدوَّنات، والبريد الإلكتروني وحتى تقنية نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت (فويس أوفر آي بي) وبث الفيديوهات، وتطبيقي أوبر ووي تشات. الشيء الذي قدَّمه بروتوكولا «إتش تي تي بي وتي سي بي/آي بي» وشبكة الأربانت للاتصالات هو نفسه ما تقدِّمه سلسلة الكتل من أجل تحقيق الثقة في المعاملات.

يستغرق تطوير التطبيقات الناضجة التي تنتفع من التقنية الجديدة وقتًا طويلًا. تأسَّست الأربانت، وهي الشبكة التي أصبحت فيما بعد الإنترنت، لأول مرة عام ١٩٦٩. وكانت أول رسالة بريد إلكتروني أُرسِلت عبر شبكة الأربانت عام ١٩٧١. واستغرق الأمر ١٨ عامًا آخرَ حتى تظهر شبكة الويب العالمية. وحتى مع ظهور شبكة الويب العالمية عام ١٩٨٩، استغرق الأمر ٢٠ عامًا آخر قبل ظهور التطبيقات المستخدمة على نطاق واسع مثل أوبر ووي تشات.

ما كان لتلك التطبيقات أن ترى النور إلا بسبب طبقة الابتكارات التي أُضيفت إلى التقنيات الموجودة.6 فبالنظر إلى إيقاع الابتكار الرقمي في يومنا هذا، فمن السهل أن نغفل عن أن الإنترنت بالوضع الذي يوجد عليه يقوم على أكتافِ عمالقة — أي، مبتكرين يعودون إلى فتراتٍ بعيدة مثل ستينيات القرن العشرين والذين وضعوا الأساس لما صار نظامًا بيئيًّا مكتملًا.
حتى نفهم ما يعنيه هذا، لنتأمل إنشاء موقع ويب جديد منذ ١٥ عامًا مقارنةً بإنشائه في هذه الأيام. يمكن لمطوري مواقع الويب المعاصرين تنفيذُ عملية بحث، أو خدمة دردشة، أو رسوم مرئية فائقة الجودة ترقى لجودة جوجل ببعض سطورٍ من الكود باستخدام مكتباتٍ وخدمات أخرى مُعدَّة سلفًا. حتى غير المطورين بإمكانهم توفير تجارب رقمية رائعة، وبإمكان المهنيين إنشاءُ خدمات تجارة إلكترونية وأدوات تحليلية وبحثية متقدمة في غضون دقائق. منذ خمسة عشر عامًا، كان أي شيء رقمي يتطلب تقريبًا تطويرًا مؤسسيًّا مع استخدام آلاف السطور من الكود. (لمزيدٍ من التوضيح، في عام ١٩٩٣ عندما عمل بول على تطوير موقع تسوُّق مبكِّر كان مجرد اكتشاف طريقة يتذكَّر بها الموقعُ ما أراد الشخص شراءه من بداية المعاملة حتى نهايتها بمنزلة تحدٍّ.)7

ومِن ثَم، أين نحن فيما يتعلق بتطوُّر سلاسل الكتل؟ متى سنشهد النتائج؟ مقارنةً بتطور الإنترنت، فنحن أقرب إلى عام ٢٠٠٥ عن عام ١٩٦٩. لقد بدأت تظهر حالات استخدام ربما تزعزع العالم بصورة جوهرية، وبدأ ظهور الكثير من تلك التطبيقات في الدول النامية. في الحقيقة، يمكن لسلاسل الكتل التفاعل مع كل التقنيات التي تمكِّنها الإنترنت أو التقنيات الذكية: إنترنت الأشياء، وتعلُّم الآلة، والذكاء الاصطناعي، والاتصال الدائم بالإنترنت. وتتمحور تلك التقنيات فعليًّا حول تصميم نُظم تتولى القيام بمهامَّ على نحوٍ أفضل مما نقوم به نحن البشر — سواء أكان أسرع، أم أكثر أمانًا، أو بتكلفة أقل. يمكن أن تصبح سلاسل الكتل شريان حياة المعاملات الذي يتيح لتلك التقنيات أن تصبح أكثر فعالية.

خلال هذا الكتاب، سنوضح الفرص والتحديات من خلال دراسات حالة واقعية عن سلاسل كتل جارٍ تنفيذُها في البلدان النامية، ومن خلال مقابلاتٍ لاستطلاع الرؤى من القائمين على قيادة تلك المشروعات. وبينما قد تبدو بعض التفاصيل التي ستجري مناقشتُها معقَّدة، فإن المفاهيم، والأفكار، والإمكانات عمومًا تُعد هي المفتاح الرئيسي لفهم الفرص المنتظرة من سلاسل الكتل.

دراسة حالة: سوريا — جرائم الحرب — شركة هالا سيستمز

  • التجربة موضوع الدراسة: أثناء الحرب الأهلية السورية التي دامت عَقدًا وأسفرت عن مقتل ٥٠٠ ألف شخص، كانت شركة هالا سيستمز تُطبِّق نظامَ تحذير مبكِّر لاكتشاف الهجمات والإبلاغ عنها ليس فقط من أجل المساعدة في إنقاذ الأرواح البشرية وإنما كذلك لتجميع أدلةٍ غير قابلة للتلاعب بها بوصفها أداةً لتقديم الأنظمة الحاكمة إلى المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
  • آلية العمل: لكل قصفٍ جوي أو هجوم بري، توجد مجموعة هائلة من البيانات التي ينتجها البشر والآلات — بدءًا من صور الأقمار الصناعية وحتى الدخول إلى المستشفيات — تُثبت وقتَ وقوع الهجوم، ومكانه، وكيفية وقوعه. يأخذ فريق الشركة كلَّ معلومةٍ من تلك المعلومات، ويحوِّلها من خلال خوارزميةٍ ما إلى سلسلة فريدة مكوَّنة من ٦٤ رقمًا وحرفًا، والتي يدخلها بوصفها «كتلة». تحتوي الكتلة التالية ضمن بياناتها على سلسلةٍ تجزئة أو هاش من الكتلة السابقة، وبهذا تنشأ «السلسلة». وفي حالِ محاولةِ شخصٍ من فريق الشركة أو من أي مكان آخرَ تغييرَ كتلة واحدة من الأدلة، فسوف تتغير كل الكتل، وسيصبح التقرير الذي جرى التلاعب فيه مرفوضًا. أما إذا ظل التقرير متطابقًا مع التقرير الأصلي، فسيصبح الدليل مقبولًا.
  • سير العملية: بعد إجراء تجربةٍ حية مع شركة كونسينسيس باستخدام سلسلة كتل الإيثريوم، كانت شركة هالا سيستمز تُجري اختبارات للتعرف على القدرة على تحمُّل الضغوط في سيناريوهاتٍ مثل تلف جهاز في شبكة إنترنت الأشياء، أو اكتشاف أطراف سيئة لهوية الأفراد في شبكة مراسلي شركة هالا. تبحث الشركة الآن عن خيارات وشركاء لدفع المشروع قُدمًا.
  • التقييم: إن حقيقة تسجيل المعلومات على سلسلةِ كتل وصعوبة تغييرها لا يجعل المعلومات حقيقية. تتمثل الخطورة في دخول سجلات محرَّفة أو صورٍ مُعالَجة في سلسلة الكتل. لذلك، فالتحدي هو التأكد من ترابط الآلات والعناصر البشرية التي تجمع الأدلةَ فيما بينهما لاكتشاف التناقضات وحذف المؤشرات الخاطئة. ورغم ذلك، فمن الصعب أن نفكِّر في سببٍ أجدرَ من ذلك لاستخدام سلسلة الكتل. فالرؤساء وقادة الحروب يفلتون باستمرارٍ من الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية بعد سنوات من التحريات المكلِّفة بسبب ترهيب الشهود والتلاعب في الأدلة. لكن جمْع أدلةٍ لا يمكن التلاعب فيها قد يسهم في النهاية في الحد من الصراعات مستقبلًا.

رؤية خبير: اختبار كوفيد

جينفيف ليفيل هي المديرة التنفيذية لشركة «أوه تي تي ٨ جروب»، وهي شركة تستخدم تقنية سلسلة الكتل للتثبُّت من صحة أدوات اختبار فيروس كورونا.

(١) ما الفكرة الرئيسية وراء التحقُّق من صحة أدوات الاختبار؟

إن توفير إمكانية تعقُّب قابلة للتحقق منها في سلسلة التوريد يضفي كثيرًا من الشفافية والاتساق والثقة. فعندما يتمكن مصنِّع أو مشتري أدواتِ اختبار كوفيد-١٩ من تعقُّب منتجَه، فهذا يبني ثقةً عميقة بين طرفي سلسلة التوريد. وتؤدي هذه الشفافية إلى تكوين علاقاتٍ أفضل، وعمليات شراء آمنة، وفي حالة الاختبارات الطبية والأدوية العلاجية، ثقة أكبر في كفاءة المنتج.

(٢) لماذا يُعَد ذلك مهمًّا في سياق الأسواق الناشئة؟

في حالة أدوات اختبار كوفيد، توجد الشركات المصنِّعة الكبرى في الصين؛ هذا في الحقيقة هو الحال فيما يتعلق بالكثير من الاختبارات الطبية والأدوية. وقد أُثيرت في الماضي شكوكٌ حول مسألة مراقبة الجودة في الصين (تذكَّر فضيحة حليب الأطفال عام ٢٠٠٨)، إلى الحد الذي أضرَّ بالشركات المصنِّعة الجيدة. لقد أنشأنا نظامًا بيئيًّا لإدارة سلسلة التوريد يسمَّى «أوه ٨» لتوفير آلية منخفضة التكلفة يمكن للشركات المصنعة من خلالها أن تثبت بطريقةٍ يمكن التحقق منها أن منتجاتها صُنِّعت وقُدِّمت وفقًا لمعاييرَ محددة.

(٣) كيف تسير العملية بأكملها؟

في أعقاب تفشي جائحة كوفيد-١٩، لعِبت «الأدوات» المصمَّمة لاختبار وجود عدوى حالية و/أو أجسام مضادة من عدوى سابقة دورًا مهمًّا في التعرف على الحالات، مما أدى إلى توفير العلاج في مرحلة مبكرة والحد من انتشار الفيروس إلى آخرين، ولذلك كانت عنصرًا مهمًّا في استراتيجية الصحة العامة.

في ضوء أهمية أدوات الاختبار، يجب أن تخضع كفاءة الأدوات للمراقبة، وأن تتحمل الجهات المصنِّعة ومقدمو الخدمات مسئولياتهما في هذا الشأن. في بدايات الجائحة، يبدو أنه وزِّعت في جميع أنحاء العالم أدواتُ اختبار معيبة ولا يعوَّل عليها.

صُمم النظام البيئي «أوه ٨» لتوفير سلسلة توريد يمكن التحقق منها باستخدام أجهزةٍ آمنة لإنترنت الأشياء حتى تجمع بيانات سلاسل التوريد في الوقت الفعلي، وفي ذلك الموقع وظروف البيئة المحيطة؛ وسلسلة كتل مؤسسية (كوردا آر ٣) لتسجيل بيانات سلاسل التوريد والتحقق منها؛ واعتماد الشركات المصنِّعة، يصادق على فاعلية أدوات الاختبار وجودتها؛ وشهادة حصانة من كوفيد-١٩، مع شهادة هوية موثقة تتوافق مع النظام الأوروبي العام لحماية البيانات.

(٤) ما الجهات المؤثِّرة في هذا المجال؟

الجهات الأبرز هي اللجان الرقابية والحكومات التي تسنُّ القواعد والقوانين المنظِّمة الواجب اتباعها على مدار عمليات سلسلة القيمة، إلى جانب نتائج أبحاث منظمة الصحة العالمية وتوصياتها.

(٥) ما الذي أُنجز حتى الآن في هذا المجال؟

كان استخدام تقنية السجل الموزع محدودًا في سلاسل التوريد الخاصة بالرعاية الصحية. ولهذا فالحلول بدائية لدرجةٍ كبيرة حتى الآن. كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تجري عددًا من تجارب إثبات المفهوم من أجل دعم متطلبات قانون أمن سلاسل توريد الأدوية، والتي تستلزم تغييرًا موثوقًا فيه ومتبادلًا في نظام الملكية داخل سلسلة التوريد الدوائية. ولا يوجد حتى الآن حلٌّ يربط بين الأطراف المختلفة في سلسلة القيمة.

(٦) ما الذي لا يزال مطلوبًا إنجازه؟

هناك حاجةٌ واضحة إلى نظامٍ فعَّال لتحديد هوية أطراف سلاسل التوريد والتحقق منها عن طريق توفير إمكانية التتبع، بدءًا من المادة الكاشفة الكيميائية وحتى المريض، وهناك فرصة للوفاء بالمتطلبات التنظيمية بكفاءة، والتحقق من سلامة المنتجات وظروف النقل، وتحديد الموقع الجغرافي والربط بين الأطراف المختلفة في سلسلة التوريد.

قد تسمح أيضًا حلول تقنية السجل الموزع باختفاء دور الوساطة، مما يترتب عليه خفض التكلفة الخاصة بمعاملات سلسلة التوريد.8 سيوفر إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي معلوماتٍ للمستهلكين يمكن الاعتماد عليها عن تاريخ ملكية المنتَج وتاريخ المنتَج الأصلي، وذلك باستخدام رموز الاستجابة السريعة (كيو آر) التي يمكن مسحها أو علامات الاتصال القريب المدى (إن إف سي) على عبوات التغليف.

(٧) في ضوء جسامة التحدي، ما النهج المتبَع في نظام «أوه ٨»؟

بدمج تقنية السجل الموزع والذكاء الاصطناعي وتقنيات جذرية أخرى في نهجٍ متناغم، سوف نحقق دورةً كاملة من الشفافية والثقة على مدى سلسلة القيمة.

(٨) ما التحدي الأكبر أمام القبول العام لتقنية سلسلة الكتل؟

شهدت تقنية سلسلة الكتل نجاحاتٍ كثيرة فيما يتعلق بالعملات المشفرة؛ مع ذلك، فقد تسبَّب الاستخدام الخطأ لطريقة إنشاء رأس المال هذه أيضًا في تكوين فهمٍ غير صحيح عن الفرص التي توفرها التقنية. كما أن عدم كفاية الموارد يجعل من أغلب مشروعات سلاسل الكتل مشروعاتٍ باهظة الثمن. إضافة إلى ذلك، بسبب قلة المعايير، لا أحد يعرف ما هو الجيد، لكننا نرى الكثير مما هو سيئ. يتطلب هذا الافتقار المعرفي نشرَ التوعية والتثقيف على مستوى الأفراد، والأهم من ذلك على مستوى الجهات التنظيمية.

(٩) ما الخطر الأكبر الذي قد يحدث نتيجةً لوقوع أزمةٍ كبيرة في هذا المجال؟

التهديد الأكبر سيكون هو انتشار جائحةٍ غير متوقَّعة على مستوى العالم مقترنة بسيناريو يتوقف فيه كل شيء عن العمل — حيث يحدث انقطاع هائل للكهرباء، على سبيل المثال. ستصبح لديك مراكز معلومات لكن من دون كهرباء؛ وأجهزة كمبيوتر فقدت قدرتها على العمل.

(١٠) أين ترى عمليات التعقُّب في غضون خمس سنوات؟

ستصبح تقنية سلسلة الكتل منتشرةً في كل مكان. وستُستخدم في كل شيء، بدءًا من الرعاية الصحية والزراعة، وحتى التشريعات وإدارة سلاسل التوريد. هناك فرص لاستخدامها في تتبع الأماكن التي تحصل منها الشركات على المواد الخاصة بها وجعلها تسير بما يتوافق مع القوانين والتشريعات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤