مفاجأة في المطعم!

كان من الضروري أن يستمرَّ «أحمد» في حديثه مع الدكتور «جوفير» خصوصًا عندما ذكر أنه يعمل في منظمة للأبحاث … سأل «أحمد»: هل هي منظمة عالمية؟

قال «جوفير»: إنها منظمة أوروبية.

سأل «أحمد»: ولكن لماذا تركت أفريقيا إذن؟

مرَّت مسحة حزن على وجه «جوفير» وتنهَّد، ثم قال: هذه مسألة أخرى.

كانت هذه إجابةً كافية ليحول «أحمد» دفة الحديث … فقد تأكد الآن … أنه يمشي في الطريق السليم.

قال «أحمد» ﻟ «جوفير»: هل قرأت يا سيدي شيئًا في الأدب الأفريقي؟

فجأة، وكأن الدماء قد ارتدَّت في عروق «جوفير»، فقال بسعادة: طبعًا، إن الأدب الأفريقي أدبٌ مميز تمامًا … لكنه لم ينَل حظَّه من الشهرة بعد، لكني أظن أنه سوف يفرض وجوده على الآداب الأخرى، وعلى المستوى العالمي.

صمت لحظة ثم أضاف: إنني لا أهتم بالأدب الأفريقي فقط … ولكني أهتم أيضًا بالموسيقى الأفريقية … فهي ذات طعم خاص … ومنذ صغري وأنا أسعد بسماعها، وفي بيتي أحتفظ بعدد من الآلات الموسيقية الأفريقية.

ظل الحديث حارًّا بين «أحمد» و«جوفير» حتى جاء صوت مذيعة الطائرة يُعلن أنهم سوف يهبطون بعد دقائق في مطار «إنتويرب». ألقى «أحمد» نظرة سريعة في اتجاه الرجل الحاد النظرات، فوجده مستغرقًا في التفكير. نظر إلى «فهد»، وأخيرًا نظر إلى «جوفير» وقال مبتسمًا: إنني سعيد يا سيدي بهذا الحوار الرائع الذي أجريناه معًا … ودعني أُبدي إعجابي باهتمامك … بالموسيقى الأفريقية والأدب الأفريقي.

قال «جوفير» مبتسمًا: تمنيتُ أن يكون لي ابنٌ مثلك … لكني مع الأسف لم أتزوج؛ فقد أعطيتُ عمري كلَّه للأبحاث … وعندما فكرتُ في الزواج كان الوقت قد مضى.

ابتسم «أحمد» وقال: سوف يكون لي الشرف … أن أضع نفسي في منزلة ابنك يا سيدي.

ابتسم «جوفير» ابتسامة طيبة، وقال: وأنا يُسعدني ذلك!

ثم أضاف بسرعة: كم ستبقى في «إنتويرب»؟

فكر «أحمد» بسرعة، ثم قال: سوف أبقى بعض الوقت.

سأل «جوفير»: كيف أستطيع رؤياك مرة أخرى؟

وجدها «أحمد» فرصة حتى يَصِل إلى هدفه بسرعة، فقال: أكون سعيدًا لو حصلت على تليفونك لأتحدث إليك يا سيدي!

ظهرَت نفس سحابة الحزن على وجه الدكتور، وهمس: أظن أنَّ ذلك لن يكون سهلًا.

مرَّت لحظة قبل أن يقول: مع ذلك فأنا أنزل المدينة يوم السبت من كلِّ أسبوع.

ثم أضاف: لو تركتَ تليفونك فسوف أكون سعيدًا أن أتحدث إليك وأن ألقاك.

قال «أحمد» بسرعة: إنني لا أعرف المكان الذي سوف أستقر فيه بعد!

ابتسم «جوفير» وقال: هذا حظٌّ سيِّئ، مع ذلك فسوف أكون في الحديقة العامة في الساعة العاشرة صباحًا يوم السبت … إنني أحب الذهاب إلى هناك؛ فالحياة تشتعل بالحركة والنشاط في الحديقة يومَي السبت والأحد.

ثم ضحك قائلًا: الشباب مثلك يجعلون الحياة تتوهج بألعابهم ولهوهم.

كانت عجلات الطائرة قد لامسَت الأرض … فاهتزت قليلًا … وعندما توقَّفَت الطائرة قال «جوفير»: سوف أنتظرك يوم السبت هناك … وأتمنى أن ألقاك!

ودَّعه «أحمد» وداعًا حارًّا … فقد شعر بوحدة الرجل وأبوَّته … وعندما تجاور مع الشياطين عند باب الطائرة همس في أُذُن «فهد»، وقال له: عليك بمتابعة الرجل.

خرج الركاب إلى ساحة المطار الخارجية، كان «أحمد» يمشي وحده … وكان «فهد» يمشي وحده هو الآخر … وهو يتابع عن بُعد خطواتِ «جوفير»، وفي نفس الوقت يُراقب الرجل ذا النظرات الحادة.

أما «عثمان» و«رشيد» فقد كانَا في نهاية المكان، وكانَا يتابعان باهتمام شديد كلَّ حركة يمكن أن تحدث خارج المطار. كانت سيارة خاصة بالشياطين تقف في ساحة الانتظار … اتجه «أحمد» إليها أولًا، ثم تَبِعه «رشيد» و«عثمان». وعندما استقروا فيها أخذ «أحمد» مكانَ القيادة، وانطلق تبعًا للبوصلة التي كانت تُوجِّههم. فجأة دقَّ جرس التليفون، رفع «رشيد» السماعة، جاء صوت عميل رقم «صفر» يُرحب بهم … ويحدِّد لهم مكان الفندق الذي سينزلون فيه … وكان فندق «هيلتون».

تحدَّث «أحمد» إليه يطلب منه تحديدَ مكان الحديقة العامة. ردَّ العميل بأنه سيُرسل إليهم خريطة المكان، خصوصًا وأن هناك عميلًا آخر مهمَّتُه الحديقة، ثم انتهت المكالمة. فجأة، سجل جهاز الاستقبال رسالةً، أخذ «رشيد» يستقبلها، كانت الرسالة شفرية تقول: ««٢ – ٥٠ – ٦ – ٥٢ – ٦»، وقفة «٢ – ٤٦ – ٤٨ – ٥٢ – ٤٨ – ٥٢»، وقفة «٢ – ٥٨ – ٥٠»، وقفة «٢ – ٤٦ – ٤٦ – ٤٢ – ٢ – ٢» انتهى.»

عندما عرَف الشياطين مضمون الرسالة، قال «أحمد»: نرجو أن يكون قد وُفِّق إلى إضافة جديدة.

ثم أضاف: حدِّد له المكان.

أرسل «رشيد» رسالةً شفرية إلى «فهد» يُحدِّد فيها الفندق، وقال «عثمان»: ماذا عن الصديق الباحث؟

ابتسم «أحمد» وردَّ: سوف نتحدث في ذلك طويلًا … فأمامنا وقت.

انتظر لحظة ثم أضاف: أمامنا ثلاثة أيام.

كانت الإجابة غامضة، حتى إنَّ «رشيد» سأله: ولماذا ثلاثة أيام؟

أجاب «أحمد»: لأن عندنا موعدًا السبت.

سأل «عثمان» بسرعة: مع مَن؟

ضحك «أحمد» وهو يردَّ: مع مغامرتنا.

لم يفهم «عثمان» أو «رشيد» ماذا يعني «أحمد» بإجابته، فأضاف: عندما ينضم إلينا «فهد» سوف أقدِّم لكم تقريرًا كاملًا.

كانت المفاجأة عندما وصل الشياطين إلى «الهيلتون»، كان «فهد» يجلس في الصالة الواسعة يرقب الحركة في المكان. اتجه إليه الشياطين مباشرة، وسأله «عثمان»: هل سنبقى هنا؟

قال «أحمد»: ينبغي أن نَعْقد اجتماعًا الآن في غرفتي.

ثم نظر في ساعة يده، وقال: أمامنا ساعة نستطيع أن ننزل بعدها للعشاء.

أخذ الشياطين طريقَهم إلى غرفة «أحمد»، وعندما ضمَّتهم الغرفةُ بدأ «أحمد» يشرح لهم كلَّ ما دار بينه وبين الدكتور «جوفير». كانت الدهشة تملأ وجوهَ الشياطين وهم يستمعون إلى التفاصيل، حتى إنَّ «عثمان» صاح في سعادة: إننا محظوظون بالتأكيد.

عندما انتهى «أحمد» من تقريره جاء الدور على «فهد» ليقول ما عنده، لقد كانت مراقبةُ «فهد» للدكتور «جوفير» والرجل الحاد النظرات في منتهى الأهمية للشياطين؛ فقد اكتشف «فهد» أن الرجل كان يتبع «جوفير» على البعد … ودون أن يعرف «جوفير» ذلك؛ ولذلك قال «أحمد»: لقد فكرتُ في ذلك فعلًا.

مرَّت لحظة قبل أن يُضيف: الآن ينبغي أن نعرف أننا مراقَبون … فالرجل الحاد الملامح ليس وحده بالتأكيد … وما دام «فهد» قد اكتشف أنه حارسٌ خفيٌّ ﻟ «جوفير»، فهذا يعني أننا أيضًا تحت أعينهم … وما دمنا قد اجتمعنا معًا … فقد أصبحنا تحت مراقبتهم فعلًا.

قال «فهد»: لهذا يجبُ أن نتصرف بحذر.

فجأة وقف «أحمد» وقال: لا بأس … هيَّا نتناول العشاء … ثم نرى.

عندما وقف بقية الشياطين قال: إنَّ ملاحظتنا للمطعم سوف تكون مفيدة؛ فالمؤكد أنه سوف يكون هناك مَن يراقبنا.

أخذ الشياطين طريقَهم إلى المطعم، وهناك جلسوا حول إحدى الموائد، وكان على كلٍّ منهم أن يراقبَ المساحة التي أمامه مباشرة؛ ولأنهم كانوا يجلسون متقابلين فقد أصبح المطعمُ كلُّه تحت أعينهم.

فجأة قال «فهد» هامسًا: إنه يجلس هناك مع آخر.

سأل «أحمد»: تقصد الرجل ذا الوجه القاسي؟

أجاب «فهد»: نعم … وهناك آخر يجلس أمامه … وهما يتناولان العشاء.

ابتسم «أحمد» وقال: إذن لقد بدأت المواجهة.

في هدوء قاموا إلى حيث يوجد الطعام، فأخذ كلٌّ منهم ما يريده، ثم عادوا إلى مائدتهم، استطاع «أحمد» أن يُلقيَ نظرةً خاطفة على الرجل الصارم، ويُخفي ابتسامةً كادَت تظهر على وجهه. وعندما جلسوا حول المائدة … قال «رشيد» هامسًا: هل المواجهة ضرورية؟

ردَّ «فهد»: بالتأكيد، وليس أمامنا سوى ذلك.

سأل «رشيد» مرة أخرى: هل تعتقد أنهم سوف يقومون بعمل ما؟

ردَّ «عثمان»: مَن يدري، كل شيء يمكن توقعه.

فجأة وقف «أحمد» وهو يبتسم قائلًا: سوف ترَون ما لم يخطر لكم على بال.

ثم أخذ طريقَه في اتجاه الرجل صاحب الوجه الصارم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤