«داندي» يردُّ الدعوة!

عندما وصل «أحمد» إلى منضدة الرجل الصارم الوجه، رسم ابتسامة واسعة وهو يقول: معذرة يا سيدي ومساء الخير!

نظر له الرجل لحظة، ثم قال في هدوء لا يخلو من حدَّة نظراته: مساء الخير!

قال «أحمد» بنفس ابتسامته: لقد وجدتُها فرصة عندما رأيتُك لأعيدَ اعتذاري إليك بسبب اصطدامي بقدمك في الطائرة.

ردَّ الرجل في هدوء: لقد نسيت ذلك.

قال «أحمد»: لكنني لم أنسَ خطئي … ولذلك أعيد اعتذاري.

ردَّ الرجل وهو يضع لقمةً في فمه … حتى إنَّ ردَّه لم يظهر بوضوح، وكان منظرُه مقزِّزًا للغاية ومثيرًا للقرف، لكن «أحمد» فَهِم ما قاله … وكان ما قاله الرجل: لقد قبلتُ الاعتذار.

زالت ابتسامةُ «أحمد» فوق وجهِه، وقال: سأكون سعيدًا إذن لو دعوتكما لشيء …

قال الرجل: لا أظنُّ أنَّ المسألة تستحق ذلك كلَّه … لقد قدمتَ اعتذارك وأنا قبلتُه، وانتهى الأمر.

عاد «أحمد» يقول: لكني ما زلتُ أشعر بالذنب، ويكون فضلًا منك أن تسمح لي بالدعوة!

تنهَّد الرجل وكأنه كاد يفقد هدوءه: دون فضل، انتهت الحكاية.

قال «أحمد» وكأنه يُثيره: هذا يعني أنك ما زلتَ غاضبًا.

توقَّف الرجل عن المضغ، وابتلع ما في فمه، ونظر إلى … «أحمد» في حدة، ثم قال: ماذا تريد أيها الشاب؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: يا سيدي، في بلادنا لا يرفض أحد الدعوة خصوصًا في حالة مثل هذه …

قال الرجل بحدة: وفي بلادنا نرفض هذه الدعوة!

ضحك «أحمد» ضحكة صغيرة، وقال: إذن أعتذر مرة أخرى … لإلحاحي في الدعوة!

كان الرجل الآخر يُراقب الحوار الذي يدور بينهما دون أن يتدخل فيه، لكنه فجأة قال: لقد قبلتُ دعوتك.

ثم نظر إلى زميله وقال: اقبلها يا «داندي».

نظر «داندي» إلى «أحمد»، وقال في غضب مكتوم: قبلتُ، هيا بنا.

ابتسم «أحمد» وقال: إن الدعوة مفتوحة لأي شيء ترغبانه.

قال الرجل الآخر: إذن قبلنا دعوتَك للعشاء، وها نحن نتناول عشاءَنا.

سكت لحظة سريعة ثم أضاف: عليك إذن تسديد ثمن العشاء.

كاد «أحمد» أن يضحك لولا أنه تمالك نفسه، وقال: شكرًا لك يا سيدي على قبولك الدعوة.

ثم أضاف: وتمنياتي لكما بوقت ممتع.

ثم أحنَى رأسَه انحناءة خفيفة، وقال: تحياتي لكما!

ثم انصرف. كان الشياطين يُراقبون الموقف … وقد ملأتهم الدهشة … إنَّ ذلك يعني أنَّ «أحمد» يُريد أن يخلقَ صدامًا ما مع الرجل … أو يجرَّه إلى هذا الصدام … وعندما انضم إليهم كاد أن يغرق في الضحك لكنه تماسك، ثم جلس وبدأ يأكل …

سأل «عثمان»: ماذا حدث؟

علق «فهد»: إن طريقة حديثك معه لا بد أنها أثارَت أعصابه.

وأضاف «رشيد»: أنا لم أفهم ماذا تقصد من ذلك؟

بدأ «أحمد» في تناوُل عشائه، بعد قليل قال: لقد أردتُ أن أُزيلَ شكَّه في علاقتي بالدكتور «جوفير»، أردتُ أن أُفهمَه أنه لم يكن سوى لقاء عابر لاثنين في حالة سفر …

قال رشيد: هل تظن أنه اقتنع؟

«أحمد»: لا أظن؛ فوجهه القاسي يقول أنه يفكر في شيء آخر بجوار أنه رفض دعوتي.

وقبل أن يُكمل كلامَه، ملأت الدَّهشة وجوه الشياطين، وقال «رشيد»: دعوتك.

لم يستطع «أحمد» أن يكتمَ ضحكة، وقال: نعم … دعوتُ «داندي» وصديقه على العشاء.

ثم حكى لهم ما دار بينهم من حوار … ضحك «فهد» وقال: لقد فعلتَ شيئًا غريبًا … وظريفًا في نفس الوقت.

فجأةً وقف «داندي» وزميله … وأخذَا طريقَهما للخروج … تقدَّم منهما الجرسون، فأشار «داندي» إلى الشياطين، نظر الجرسون إلى الشياطين، فهز «أحمد» رأسه بمعنى نعم … في نفس اللحظة رفع زميل «داندي» يدَه، ولوَّح ﻟ «أحمد» الذي ردَّ على تحيَّتِه.

قال «عثمان»: أظن أنهما لن ينصرفَا، وإنما سيكونان في انتظارنا.

قال «أحمد»: إنني أظن ذلك أيضًا.

ثم ابتسم قائلًا: ولذلك لن نغادر الفندق.

انتهى الشياطين من تناوُل عشائهم، ثم أخذوا طريقَهم إلى غُرَفهم التي كانت متجاورة، وتقع في الطابق السابع عشر. عندما وقف المصعد في طابقهم خرج «أحمد» أولًا، لكنه وقف فجأة حتى إنَّ «فهد» اصطدم به … خطَا «أحمد» خطوةً أخرى حَذِرة ثم وقف. همس «رشيد»: ماذا هناك؟

قال «أحمد» بعد لحظة: أظنُّ أنني رأيت شبحًا.

سأل «عثمان» بسرعة: ماذا تعني؟

رَدَّ «أحمد» بهدوء: أعتقد أننا مراقَبون.

مسحَت أعينُ الشياطين المكان، لكن شيئًا ما لم يظهر.

قال «فهد»: ربما يكون اهتمامك ﺑ «داندي» هو الذي خيَّل إليك هذا.

همس «أحمد» قائلًا: لا أظن … أن ما رأيته حقيقة.

سأل «فهد»: هل ما رأيته يمكن أن يكون «داندي»؟

مرَّت لحظة قبل أن يُجيبَ «أحمد»: لستُ متأكدًا.

قال «رشيد»: إذن دعنا ندخل غرفتك أولًا؛ فلا أظن أن وقوفنا هنا يمكن أن يُفيد … في نفس الوقت … فإنه لافتٌ للنظر … خصوصًا إذا ظهر أحد النزلاء.

تقدَّم الشياطين في اتجاه غرفة «أحمد»؛ فقد كانت هي أولَ الغرف، وتقع بالقرب من المصعد … وعندما وصلوا إليها قال «أحمد»: دعونا نذهب إلى غرفة «عثمان».

كانت غرفة «عثمان» هي آخرَ الغرف الأربع، وكانت تقع في نهاية الممر الطويل … دخل «عثمان» وتَبِعه الآخرون … كانت الغرفة مضاءة … التفت «عثمان» ونظر إليهم، ثم همس: لا أظن أنني نسيتُ الغرفة مضاءة.

التقت أعين الشياطين … إن ذلك يعني أن هناك مَن يتبعهم، بل هناك من يعبث بغُرَفهم …

قال «أحمد»: الآن … تأكدت أكثر أنني رأيتُ الشبح!

مَرَّت لحظة … كان «عثمان» قد تقدَّم إلى وسط الغرفة … وهو يمسح بعينَيه المكان؛ فربَّما كان هناك ما يؤكد كلامَ «أحمد» لكن شيئًا في الغرفة لم يتغير، كانت منظمةً تمامًا كما تركها، لكن فجأة وقعَت عيناه على الدولاب، كانت أبوابه غيرَ محكمة الإغلاق، فكر بسرعة: هل استخدم الدولاب قبل أن يغادر الغرفة؟ …

لكنه لم يتذكر شيئًا … نظر إلى «أحمد» وهو يقول لنفسه: هل يوجد أحد داخل الدولاب؟

قال «أحمد» يقطع أفكاره … وكأنه قد قرأ ما فكر فيه: يكون ساذجًا جدًّا … إذا تصرَّف هذا التصرف!

ولم يكد يُنهي كلامَه حتى فُتحت أبواب الدولاب … وقفز من داخلها ثلاثة رجال لم يكن بينهم «داندي».

وفي لمح البصر كانوا يطيرون في الهواء وهم يوجِّهون ضرباتٍ متتاليةً إلى الشياطين. كانت مفاجأة فعلًا … لكن الشياطين كانوا أسرعَ في التصرف … فبينما كان الثلاثة في الهواء كان الشياطين قد فعلوا نفس الشيء … وطاروا في الهواء واصطدمَت الأقدام. فجأة وجد «أحمد» نفسَه ملقًى على الأرض بينما أحدهم يقفز في اتجاهه. تدحرج عن مكانه فسقط الرجل عند قدميه … وفي لمح البصر كانت قدمَا «أحمد» قد التفَّت حول ساقَي الرجل، ثم دارَت بهما، فسقط على الأرض … في نفس اللحظة … كان «فهد» قد اشتبك مع آخر فضربه بسيف يده ضربةً قوية جعلَت الرجل يئنُّ … أمَّا «رشيد» فقد اصطدمَ رأسُه بالحائط وسقط فاقدًا الوعي … بقيَ «عثمان» الذي كان يقفز في رشاقة متناهية أمام الرجل الثالث الذي وقف في انتظار هجوم «عثمان»، ولم يكن «عثمان» يريد الهجوم عليه؛ فقد كان يشغلُه حتى تصلَه ضربةٌ من أحد من الشياطين.

لمح «أحمد» ما يفعله «عثمان»، وبينما كان يسدِّد ضربة للرجل الذي أمامه كانت قدُمه قد خرجَت في ضربة عنيفة للرجل المقابل ﻟ «عثمان» فاندفع بشدة.

تخلَّى «عثمان» عن مكانه فاصطدم الرجل بالحائط … وسقط على الأرض … كانت معركة «أحمد» و«فهد» لا تزال مستمرة. قفز «عثمان» في اتجاه «رشيد» الذي كان قد سقط بجوار باب الغرفة … وما إن انحنى عليه حتى فُتح الباب في عنف، وظهر «داندي». كان ظهورُه مفاجأة، حتى إن الجميع توقَّفوا من شدة الدهشة. كشَّر «داندي» عن أنيابه تحت ملامح وجهه القاسية، وقال: إنني أردُّ لكم الدعوة.

ثم ضرب الباب بقدمه … فانغلق … وقف ينظر إليهم، ثم قال في سخرية: إنكم لن تغادروا «إنتويرب» إلى الأبد.

ثم قفز في الهواء وقد فتح ساقَيه … وبدأت معركة أخرى! …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤