الفصل السادس

الاغتصاب واضطراب توتر ما بعد الصدمة

إن معدل وقوع حوادث الاغتصاب خلف القضبان مرتفع. ولا يتوافر رقم دقيق لهذه الحوادث نظرًا لعدم الإبلاغ عن الكثير منها. ويذكر على الأقل ربع أعداد الرجال في المؤسسات العقابية أنهم تعرضوا لضغوط من أجل ممارسة الجنس.1 وتشير تقديرات المكتب الفيدرالي للسجون إلى أن نسبة تتراوح بين ٩ و٢٠ بالمائة من السجناء الذكور يقعون ضحية للاعتداء الجنسي أثناء مدة عقوبتهم بالسجن. وهذا على الأرجح تقدير مُتحفِّظ للغاية. فمعدل هذه الحوادث سيكون أعلى بكثير إذا أُضيفَت إليه كل الحالات التي «يوافق» فيها السجين على المشاركة في أعمال جنسية؛ لأنه يخاف فقط من أن يؤدي رفضه إلى تعرضه للضرب والاغتصاب. فالكثير من الأفعال الجنسية «الطوعية» في ظاهرها هي في الواقع أفعال قسرية.
بل والأكثر صعوبة أيضًا تقدير معدل حوادث اغتصاب السجينات.2 لكن حاجز الصمت بشأن الاغتصاب في السجون قد كُسِر، وصرنا نعلم ما يمثله الأمر من صدمة فظيعة للسجينات ومدى انتشاره بينهن. وقد حققت منظمة هيومن رايتس ووتش في مسألة الاعتداء الجنسي على النساء في خمسة سجون بالولايات الأمريكية في الفترة ما بين عامي ١٩٩٤ و١٩٩٦، وتوصلت إلى انتشار الاغتصاب والاعتداء الجنسي الذي يرتكبه الموظفون الرجال في جميع هذه السجون الخمسة. ولم تجمع المنظمة أي أرقام تتعلق بهذه الوقائع؛ مفسرةً ذلك بأن الخوف من الانتقام والقصور في إجراءات التظلُّم الجيدة تمنع عددًا كبيرًا من النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب من الإبلاغ عن الاعتداء المستمر الذي يتعرضن له من جانب موظفي السجن.

والشخص الذي ينجو من حادث اغتصاب في السجن يجد نفسه في مأزق. فهل يُبلِّغ عما حدث ويُعرِّض نفسه لخطر الانتقام الذي يتعرض له من يشي بشخص آخر وفقًا للعُرف السائد في السجن؟ هل تُبلِّغ السجينة عن الموظف الذي اعتدى عليها وتُعرِّض نفسها لخطر الوقوع ضحية المزيد من الاعتداءات منه أو من أصدقائه؟ يواجه السجين أسئلة عويصة تتضمن سلامته ونجاته في اللحظة ذاتها التي — بعد تعرضه لصدمة شديدة — يعاني فيها من العجز الكامل عن التعامل مع الحدث والتخطيط بعقلانية لخطوته التالية. وتشمل الآثار الناجمة عن الاغتصاب في السجن اضطراب توتر ما بعد الصدمة، وعدم القدرة على المشاركة بفعالية في الأعمال واستشارات تعاطي المخدرات داخل السجن، بالإضافة إلى الارتفاع الهائل في احتمالية الفشل الاجتماعي والتعرض للاعتقال مرة أخرى بعد إطلاق سراح السجين.

(١) الاغتصاب في سجون الرجال

يتعلق الاغتصاب في السجن بمسألة الهيمنة؛ فالسجين إما «رجل مهيمن» يُخضِع خصمه له ويغتصبه، وإما «شخص خاضع» يمكن اغتصابه. وإبلاغ ضحايا حوادث الاغتصاب موظفي الأمن عما تعرضوا له من اعتداء ليس بالأمر الهين. فسيطلب هؤلاء الموظفون من الضحية تحديد هوية المعتدي قبل أن يتخذوا أي إجراء في الأمر. لكن عُرف السجن يجبر السجين على التزام الصمت. وإذا تعاون السجين، الذي تعرض للاغتصاب، مع موظفي الأمن في الإمساك بالشخص الذي اغتصبه، فسينتقم منه هذا المعتدي على الأرجح بقتله أو بإجراء الترتيبات مع سجين آخر ليقتله، حتى لو طلب الضحية إيداعه «الحبس المشدد» أو نُقِل طوعًا إلى الحبس الوقائي.

ويجب أن يكون السجناء على استعداد للدخول في شجار من أجل حماية شرفهم، وإلا فسيظهرون بمظهر الضعفاء ويتعرضون للاغتصاب. من سبل تجنب الشجار أن يبدو المرء كما لو كان مستعدًا للشجار؛ ولذا، فإن السجناء يُلزِمون أنفسهم برفع الأثقال، وينظرون للآخرين بأسوأ النظرات، ويحرصون على إخفاء مخاوفهم وآلامهم والظهور بمظهر الرجال الأشداء الذين لديهم استعداد لخوض أي معركة. ومن السبل الأخرى أيضًا لتجنب الشجار الانضمام إلى عصابة. ويجد السجناء المصابون بأمراض عقلية صعوبة شديدة في البحث عن هذه العصابات في مثل هذه البيئة المليئة بالخيانة، ولا سيما لو لم يكونوا بالقدر الكافي من القوة. هذا فضلًا عن أن الكثيرين منهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية اللازمة لانضمامهم إلى الآخرين التماسًا للحماية الذاتية. ويجعلهم ذلك عرضة على نحو خاص للاعتداء الجنسي.

(١-١) المُعتدي

إن الشعور بالذعر عند الوصول إلى السجن لا يقتصر على الضحية المحتملة فحسب، فخوف المغتصب في السجن لا يقل عن خوف الضحية. لكن المعتدي يتصرف على نحو مختلف تجاه هذا الخوف؛ وذلك عن طريق التعامل بوحشية مع الآخرين قبل أن يصير هو نفسه الضحية. فالخوف هو الذي يدفع للاستهزاء بالوافدين الجدد إلى السجن وإخضاعهم للاختبار بمجرد دخولهم إلى طابق الزنزانات المُخصَّص لهم. وتدور في الأذهان أسئلة من قبيل «مَن هذا السجين الجديد؟ هل سيؤدي دور المغتصِب أم المغتصَب؟» كما لو كان السجناء المتمرسون يتساءلون إن كان السجين الجديد سيطيح بهم من موقعهم أم أنه سيكون فريسة سهلة يمكنهم اغتصابه؛ ومن ثم تعزيز وضعهم داخل السجن. فربما يكشف شاب صغير الحجم يبدو عليه الهدوء عن شخصية «مجنونة» ويقتل مَن يهاجمه. على سبيل المثال:

أخبرني رجل أمريكي من أصل أفريقي مفتول العضلات، ذو حجم عادي، وينتمي إلى عموم السجناء في أحد السجون ذات الإجراءات الأمنية المشددة، بأنه في وحدة الاحتجاز التي وضِع فيها قبل دخوله السجن تشاجر مع رجل آخر وضربه ورطم رأسه بالجدار الخرساني بضع مرات، ثم اغتصبه. سألته لماذا اغتصبه بعد أن فاز في المشاجرة! فقال لي في البداية وهو يضحك إنه كان يشعر بالإثارة الجنسية. نظرت إليه مستغربًا، فقال لي إن هذا لم يكن السبب الحقيقي، وأضاف موضحًا: «كل ما في الأمر أنه ينبغي عليك فعل ذلك. وإن لم تفعل، فلن تكون قد فزت فوزًا حقيقيًّا بالشجار.»

كانت هذه المرة الأولى التي يودع فيها سجنًا ذا إجراءات أمنية مشددة. وكل العقوبات السابقة له كانت في دور الأحداث أو سجن المقاطعة، وكان يحاول فقط فعل ما هو صواب ليصنع لنفسه مكانةً في السجن. كانت تلك المرة الأولى في حياته التي يغتصب فيها أحدًا؛ رجلًا أو امرأة. وكان يعتقد أنه إن لم يتشاجر ويفز ويغتصب خصمه المغلوب، فإن الآخرين سيعتبرونه ضعيفًا ويعاملونه على النحو الذي عامل به السجين الذي اغتصبه. وبعد بضع جولات أخرى من الأسئلة، اعترف بشعوره بشيء من تأنيب الضمير لضربه خصمه وإذلاله على هذا النحو الوحشي. وأقرَّ بأن إيداعه السجن أثار داخله نوعًا من العصبية والتوتر الشديدين.

إن المظهر الذي يستلزمه عُرف السجن والتصرف بعنف داخله للهيمنة الجنسية على رجل آخر يمنحان المعتدي مظهرًا رجوليًّا إلى حد ما. ومثلما يحظى الشباب في الشوارع باحترام أقرانهم من الشباب عن طريق التعامل بوحشية وإذلال مع ضحايا الجرائم أو اغتصاب النساء، يثبت الرجال الأشداء في السجون رجولتهم ويكسبون احترام أقرانهم باغتصاب السجناء الأضعف منهم وإذلالهم.

في الأغلبية العظمى من حالات الاغتصاب بالسجون، يكون المعتدي سجينًا. لكن تظهر بعض الحالات التي يغتصب فيها أحد الموظفين الرجال بالسجن أحد السجناء. على سبيل المثال، في عام ١٩٩٠، تعرض رجلٌ مِثليٌّ، يبلغ من العمر ثلاثين عامًا ويُدعَى موريس ماثي، للاغتصاب من الرقيب روي فريز في مؤسسة مقاطعة سافوك العقابية في نيويورك.3 أقام ضابط السجن، وهو رجل كبير في السن، صداقةً مع ماثي. لكن بعد أن بدأ السجين في الوثوق به وإخباره بمشكلاته، حاول الرقيب فريز إغراءه جنسيًّا. وعندما قاوم ماثي، صارعه الضابط حتى أخضعه له، وقيَّده بإحدى المواسير الموجودة بالزنزانة، واغتصبه. وقد حصل ماثي، الذي عانى قلقًا وكوابيس وتوارد التجارب القاسية السابقة على ذهنه منذ واقعة الاغتصاب، على ٧٥٠ ألف دولار أخيرًا في دعوى قضائية مدنية رفعها ضد هيئة الإصلاح بنيويورك بسبب «عدم الاكتراث المُتعمَّد».

(١-٢) الضحية

الرجل الذي يتعرض للاغتصاب في السجن، يصارع أصواتًا بداخله تخبره بأنه لم يعد رجلًا وبأنه تحوَّل إلى امرأة. ويقول السجناء الآخرون عنه إنه قد تعرض للاغتصاب الشرجي. والسجين الأقوى يجبر عادةً أحد الوافدين الجدد على أن يكون «امرأته»، ويعلن للسجناء الآخرين أن هذا السجين الجديد شخص خاضع يمكن الاعتداء عليه جنسيًّا.

وهناك ثلاثة جوانب لهذه الدراما السوداء المصغَّرة: المُغتصب أثبت رجولته وأكد من جديد مكانته كرجل غير خاضع في التسلسل الهرمي للهيمنة. والسجين، الذي تعرض للاغتصاب، يُجبَر على الانضمام لفئة السجناء الخاضعين في السجن. والجانب الثالث هو أن هذا المشهد يحدث على مرأًى من الجميع؛ ويمكن وصفه بأنه طقس يتم خلاله التأكيد من جديد على التسلسل الهرمي للهيمنة والاحتفاء به، على حساب شرف الضحية.

يعكس السجن صورة مظلمة، أو بالأحرى يقدم محاكاة للعلاقات بين الجنسين في المجتمع بوجه عام. فخارج السجن، يناضل الرجال من أجل تحقيق الهيمنة ويعتدون على النساء. ومع عدم توافر نساء في السجن، تتجلى نفس المشاعر — لكن بمزيد من القوة بحيث تستشري كل صور الدناءة في السجون المزدحمة — في أعمال العنف الجنسية بين الرجال. لكن السجين ضحية جريمة الاغتصاب — المغتصَب — لم يعد رجلًا في أعين الرجال الأشداء بالسجن؛ لقد تحوَّل إلى امرأة. وصار في أحط منزلة بين السجناء، وهي المنزلة التي يحاول الرجال جاهدين داخل السجن وخارجه عدم السقوط فيها.

في عالم الرجال، يرجع الهوس المستمر مدى الحياة بالتسلسل الهرمي والهيمنة إلى سيناريو الشجار بين التلاميذ في فِناء المدرسة. فهذا الشجار عادة ما كان يتضمن فائزًا يكون في الغالب من المتنمرين، وخاسرًا يكون عادةً شخصًا هزيلًا وضعيفًا وجبانًا. وبعد انتهاء الشجار، يُوصَف المنهزم بالمثلي أو بالفتاة. وفي بعض الحالات التي تتسم بالشر، يُنزع بنطال الخاسر ويُستهزَأ بأعضائه التناسلية. ويكون هناك تهديد ضمني بالعنف، بل والاغتصاب أيضًا. بالنسبة إلى عدد معين من الرجال، ليس الأمر مجرد وهم؛ فلقد بدأنا الآن نكتشف أن عددًا كبيرًا من الرجال تعرضوا للاعتداء الجنسي وهم صبية صغار.

وفي السجن، مَن ينحدرون إلى القاع يتعرضون لاعتداءات قاسية. والحيلة التي يمكن للشخص الضعيف اللجوء إليها هي العثور على «بديل ثالث» بعيدًا عن قمة التسلسل الهرمي وقاعه. على سبيل المثال، بعض السجناء الذين يتمتعون بقدر من الثقافة يجعلون من أنفسهم أشخاصًا ذوي قيمة كبيرة للسجناء الآخرين عن طريق معرفتهم بالقانون وتعلم المزيد عنه. فيتمتعون بحصانة من المعارك بين السجناء؛ لأن لديهم سلعة يمكنهم بيعها — «فمحامو السجون» مطلوبون بشدة في المؤسسات العقابية حيث يرغب السجناء في الفوز بالاستئناف عند صدور أوامر بمثولهم أمام المحكمة للنظر في شرعية حبسهم — ولذا، لا يتعرض لهم الرجال الأقوياء.

والكثير من السجناء ذوي الجسم النحيل والمظهر الوسيم يجدون سبلًا أخرى لتجنب الاغتصاب، كأن يكونوا شركاء جنس طوعيين لمجرمين أقوى منهم. التقيت في إحدى المرات في أثناء تجولي بأحد السجون في وسط غرب الولايات المتحدة بسجين يرتدي ملابس النساء. وأخبرني بأنه قرر أن يصبح امرأة بعد دخوله السجن بفترة قصيرة؛ لأنه كشاب أشقر ضعيف، كان عرضة للاعتداء الجنسي كل يوم، بينما عندما ارتدى ملابس النساء ووافق على أن يكون الشريك الجنسي لسجين قوي، ضَمِن الحماية.

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم التقيت بمجموعة من ضباط الأمن، وطُرِح موضوع ارتداء ذلك السجين لملابس النساء. وقال أحد الضباط إنه لو كان رأى هذا السجين عند دخوله السجن، لكان نصحه على النحو التالي: «ما ينبغي عليك فعله هو أن تكسر عمودًا معدنيًّا من أحد الأسرة عند خروجك لساحة السجن للمرة الأولى، وتخفيه في رجل بنطالك. وعندما يأتي إليك سجين قوي البنية ليتحرش بك أو يصدر تعليقًا فاحشًا، تخرج العمود المعدني وتضربه بأقصى قوتك على وجهه. وبذلك سيدخل كلاكما الحبس الانفرادي عشرة أيام. وعندما تخرج، سيحترمك الجميع باعتبارك «مجنونًا» ولن يتعرض لك أحد كي يمارس الجنس معك بعد ذلك.»

وضحية الاغتصاب، ليس عرضة فقط لأعمال عنف واغتصاب متكررة، وإنما يتحول أيضًا على الأرجح إلى «عبد» لسجين أقوى منه. والعبد لا يقدم فقط متعة جنسية عند الطلب مقابل الحماية، وإنما يلتزم أيضًا بفعل أي شيء يأمره سيده به، سواء أكان غسل الملابس أم تنظيف المراحيض أم ممارسة الجنس مع سجناء آخرين عندما يأمر هذا السيد بذلك. بل إن الأمر يصل إلى حد صناعة منظمة للجنس في الكثير من سجون الرجال شبيهة بصناعة الجنس خارجه فيما عدا أن العاهرات رجال ولسنَ نساءً. ولا شك أن بعض النساء يتعرضن لمعاملة على نفس القدر من القسوة خارج السجن في الزيجات أو العلاقات طويلة المدى مع أشخاص يضربونهن، لكن بما أنهن خارج السجن فيمكنهن اللجوء إلى إحدى الجهات التي توفر الحماية للسيدات اللاتي يتعرضن للضرب؛ بالتأكيد ليس ذلك أمرًا سهلًا، لكن على الأقل لديهن سبيل يمكن أن يسلكنه. أما في السجن، فلا مكان يمكن اللجوء إليه.

لا عجب، إذن، أن ينتهي الحال بالكثير من الرجال الذين يتعرضون للاغتصاب بالانتحار أو المعاناة من صور التدهور النفسي. فالموقف ميئوس منه، والمواقف الميئوس منها تسفر عن تصرفات يائسة. على سبيل المثال:
جيمس دان،4 سجين في سجن أنجولا بولاية لويزيانا، تعرض للاغتصاب عند دخوله السجن وأُجبِر على أن يصبح عبدًا لمغتصبه. وبعد عدة أعوام، أُطلِق سراح ذلك المغتصِب، وقرر دان ألا يصبح خاضعًا لأحد بعد ذلك. لكن ما إن يُغتصب المرء، حتى يظل كذلك دائمًا في عيون السجناء الآخرين؛ لذا، بعد إطلاق سراح سيده، تقرب إليه سجناء أقوياء آخرون لممارسة الجنس معه. وفي كل مرة، يحاول سجين مختلف أن يجعله عبدًا له يمارس معه الجنس، ولزم على دان الشجار دفاعًا عن شرفه وحياته.

وأخيرًا، لكي يضع نهاية للشجارات اليومية والإصابات المتكررة التي كان يتعرض لها، قتل واحدًا ممن كانوا يحاولون إخضاعه لهم. ووضع هذا الأمر نهاية للاعتداءات التي كان يتعرض لها، لكنه حُكِم عليه بثلاثة عشر شهرًا في الحبس الانفرادي وأُضيفت ستة أعوام أخرى إلى الحكم الصادر ضده بسبب جريمة القتل. وبعد خروجه من الحبس الانفرادي، وجَّه طاقته لمساعدة الوافدين الجدد إلى السجن في معرفة كيفية سير الأمور في السجن وتجنب الاعتداءات الجنسية والعبودية.

(١-٣) الشعور بالخزي والعزلة

الرجل الذي يتعرض للاغتصاب يبذل قصارى جهده عادةً لإبقاء الأمر سرًّا. ويلعب الشعور بالخزي دورًا مهمًّا هنا، ليس فقط في عزوف الضحايا عن الإبلاغ عن حوادث الاغتصاب، وإنما أيضًا في استمرارهم في عزلتهم. فعندما يشعر صبي بالخزي من والد مدمن للكحول أو أم تكثر من انتقاده مثلًا، يذهب إلى غرفته ولا يلتمس دعمًا من غيره من أفراد الأسرة. وفي فناء المدرسة، الصبي الذي يخسر العراك أو يجبُن لا يلتمس الدعم أيضًا من أصدقائه للتعافي من جروحه، وإنما يبقى وحده فتتفاقم هذه الجروح. فالشعور بالخزي يؤدي إلى العزلة، وفي العزلة يقل الأمل في تجاوز هذا الشعور بالخزي.

كان ستيفن (دوني) دونالدسون استثناءً للقاعدة المتعلقة بالتزام الرجال الصمت بسبب شعورهم بالخزي. وتوفي دوني، مؤسس ورئيس منظمة «أوقفوا اغتصاب السجناء»،5 إثر إصابته بمرض مرتبط بالإيدز يوم ١٨ يوليو عام ١٩٩٦. وكان قد أُصيب بالإيدز نتيجة لتعرضه للاغتصاب عدة مرات في السجن. كتب دونالدسون بصدق وبلاغة هائلين عن الصدمات التي تعرض لها خلف القضبان. وبدلًا من التزام الصمت بشأن المعاملة المهينة التي تلقاها على أيدي موظفي السجن والسجناء على حدٍّ سواء، أعلن «دوني المغتصَب» عن تجربته في محاولة منه لإيقاف الاعتداءات التي يتعرض لها السجناء. وكتب ملخصًا للمحكمة العليا في قضية فانر ضد برينان، وهي قضية أقيمت عام ١٩٩٤ وحكمت بالتزام موظفي السجون بحماية المجرمين من مخاطر الاعتداءات الجنسية التي يمكن تجنبها. عُقِدت لقاءات عدة مع دونالدسون، وظهر كذلك في حلقة عن الاغتصاب في السجون عام ١٩٩٦ ببرنامج «ستون دقيقة» على شبكة «سي بي إس» الأمريكية.

وقد يكون من الخطورة الشديدة أن يتحدث السجين صراحةً مع غيره من السجناء عما يعانيه من صدمات وآلام. والسبب، مرة أخرى، هو عُرف السجن. ولذلك بعد الانهزام في أي شجار، خاصةً إذا تعرض السجين للاغتصاب، ينطوي عادةً الرجل على نفسه، وقد يظل في زنزانته طوال اليوم في الظلام. لكن هذا هو بالضبط رد الفعل الذي يُعمِّق الشعور بالاكتئاب أو يؤدي إلى تحول اضطرابات توتر ما بعد الصدمة إلى حالات مزمنة.

(٢) الاغتصاب في سجون النساء

هناك حالات من الاغتصاب مثليِّ الجنس في سجون النساء حيث تكون المعتدية سجينة أخرى أو إحدى موظفات السجن، بالإضافة إلى وجود بلاغات عن اغتصاب موظفين لموظفات في السجون. لكن الغالبية العظمى من جرائم الاغتصاب في سجون النساء تتضمن أحد موظفي السجن وإحدى السجينات. والمثال التالي، مع أنه صادم، فهو معتاد إلى حدٍّ بعيد:
تعرضت زيلدا،6 في أثناء حبسها في مركز دوايت العقابي في إلينوي، للاغتصاب عدة مرات على يد أحد ضباط السجن. في المرة الأولى، دخل هذا الضابط إلى زنزانتها ليلًا، وصفعها على وجهها، وكبل يديها في السرير، واغتصبها مهبليًّا وشرجيًّا، ثم نزع القيود وغادر الزنزانة. نُقِلت زيلدا بعد ذلك إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى المحلي حيث كشف الفحص البدني عن أنها تعرضت للاغتصاب. وأُعيدت إلى زنزانتها واغتصبها نفس الحارس مرتين أخريين. ولم يُجرَ أي تحقيق فعلي في الأمر، ولم يُعاقَب هذا الحارس قط.

في كثير من الأحيان، «توافق» السجينات على ممارسة الجنس مع أحد موظفي السجن. لكن هل فعلت هذا حقًّا برضاها؟ مثلما «يوافق» الرجل السجين على ممارسة الجنس ليتجنب فقط مزيدًا من الضرب، فإن السيدات اللاتي يوافقن على إقامة علاقات جنسية مستمرة مع موظفي السجن يفعلن ذلك في الواقع تحت قدر من الإكراه غير المُعلن.

قالت لي سجينة في أحد سجون النساء بكاليفورنيا إن عددًا كبيرًا من السجينات يمارسن الجنس مع الحرَّاس أو غيرهم من موظفي السجن:

تشعر النساء بالعزلة الشديدة في السجن، وبالذنب الشديد أيضًا، فيحاولن بذل كل ما في وسعهن لكي يشعرن بأنهن محبوبات — بعضهن لا يردن سوى أن يحظين برضا الحرَّاس — فيستسلمن للرجال الذين يتقربون منهن، أو يحضرون لهن الورد، أو الحلي الرخيصة. ويمارسن هذه العلاقات في زنزانة فارغة أو حجرة تخزين. وعندما يحْملن، تُفتَح كل طاقات جهنم؛ فيُفصَل الحارس من عمله، وتُلقَى المرأة في الحبس الانفرادي إلى أن تمنح السجنَ موافقتَها على الإجهاض. ويتم التكتم على الأمر برمته، وتُترَك المرأة مع شعورها بالخزي والخوف من أن تخبر أحدًا بما حدث. وتصاب حينئذٍ بالاكتئاب، لكنها لا تتمكن من مقابلة طبيب نفسي؛ لأن هؤلاء الأطباء لا يفعلون أي شيء سوى إعطاء الأدوية.

إن النساء اللاتي يدخلن السجن يكن قد تعرضن على الأرجح للاعتداء البدني والجنسي في طفولتهن، وللاعتداء أو العنف الأسري أو الاغتصاب كبالغات؛ وهذا يجعل الاعتداء الذي يتعرضن له في السجن يبدو أمرًا «مألوفًا للغاية»، باعتباره تكرارًا لصدمات الماضي. وفي الكثير من الحالات، يكون أحد العوامل الرئيسية في تعاطيهن للمخدرات ولجوئهن للأعمال الإجرامية هو رغبتهن في الهروب من بيئة لا تُطاق يُعتدى عليهن فيها. ويودعن بعد ذلك السجون حيث يكون أكثر من نصف الموظفين من الرجال. والكثير من النساء، اللاتي يتعرضن للاغتصاب في السجن، يصبحن معتادات على الاستغلال الجنسي لدرجة تجعلهن غير مدركات لحقوقهن وغير متيقنات على الإطلاق مما يمثل تحرشًا جنسيًّا أو اغتصابًا على وجه التحديد.

وعندما تحمل النساء بعد إقامة علاقات جنسية مع موظفي السجن، يتعرضن عادةً لمعاملة قاسية. وفي الكثير من المؤسسات، يودعن مدة في الحبس الانفرادي كعقوبة على أفعالهن، أو ربما يُقال لهن إن الحبس الانفرادي «يحقق لهن الحماية». لكن حتى في حالة وجود حضانة أطفال داخل السجن، كما هو الحال مثلًا في بيدفورد، عندما تتقدم إحدى السجينات اللاتي حملن من أحد موظفي السجن بطلب لوضع طفلها في الحضانة، يُقابَل طلبها بالرفض وتُجبَر على التخلي عن طفلها.

وعندما ترغب الإدارة في منع مزيد من العلاقات الجنسية بين الموظفين والسجينات، فإنها تضغط على النساء الحوامل لتحديد هوية الأب. وإذا لم ترغب السجينة في تحديد هويته خوفًا من الانتقام؛ تضعها الإدارة في العزل العقابي. وإذا ذهبت المرأة إلى فريق العمل الطبي، فستُجبَر على الأرجح على إجراء عملية إجهاض.

وحتى عند اتباع الشروط القانونية حيث تُخطَر السيدة بالمزايا والمخاطر المتعلقة بعملية الإجهاض، ويُطلَب منها موافقتها المستنيرة، تُمارس عليها تأثيرات قسرية خفية أو واضحة إلى حدٍّ ما. على سبيل المثال، قد تُستدعَى المرأة إلى مكتب مأمور السجن، ويُقال لها إنه من الغباء الحفاظ على الجنين حتى تلده. أو قد يضايقها الحرَّاس والاختصاصيون النفسيون كل يوم بإعطائها محاضرات عن تصرفاتها غير المسئولة.

(٣) تواطؤ موظفي السجن

لا يرجع ارتفاع معدلات الاغتصاب في السجون إلى قسوة المعتدين فحسب. وإنما تلعب كيفية إدارة السجن دورًا كبيرًا في ارتفاع هذه المعدلات أيضًا. فإذا كان مأمور السجن غير مبالٍ بحاجات السجناء، وإذا كان الموظفون لا يتلقون أي عقاب على تصرفهم بسادية مع السجناء، فسيظهر بعض التهاون في حوادث الاغتصاب والتحرش الجنسي. أما إذا تبنى مأمور السجن والموظفون موقفًا غير متساهل على الإطلاق في هذه الأمور، وفرضوا القوانين بحزم على المعتدين المعروفين، فسيُضطر هؤلاء المعتدون إلى التوقف عن إظهار هيمنتهم بهذه الطرق السادية.

لقد سمعت من عدد كبير من السجناء الرجال أنهم عند إبلاغهم ضباط السجن بتعرضهم للاغتصاب، يصر هؤلاء الضباط على أن يُطلعهم هؤلاء السجناء على اسم من اعتدى عليهم. وقد التقيت بشاب نحيل تعرض للاغتصاب — كان يبدو عليه بوضوح أنه يعاني فصامًا حادًّا ويخوض مرحلة نشطة من هلاوس وأوهام الاضطهاد — في وحدة العزل الإداري بأحد السجون. أخبرني هذا الشاب أنه قد تعرض للاغتصاب من قِبل عضو في عصابة داخل السجن. وقال لي إنه كان مشوش الذهن عندما تم اغتصابه. فسألته هل يعني بهذا التشوش أنه كان يعاني نفس الأعراض التي ظهرت عليه يوم لقائي به. فأجاب أن نعم، وأضاف أنه كان يسمع أصواتًا بداخله وقت الاغتصاب. ونظرًا لأنه كان مستجدًّا في السجن وشعر بالذعر، سأل أحد ضباط السجن عما يجب عليه فعله. فأخبره الضابط بأنه لن يستطيع مساعدته إلا إذا أخبره باسم السجين الذي اغتصبه.

وفي تلك اللحظة من روايته لقصته، بكى الشاب وقال لي إنه قد ارتكب خطأ فادحًا. فقد وشى بالسجين، وصارت العصابة ترغب في قتله. فنقله ضباط السجن إلى وحدة العزل الإداري؛ لأنه على الرغم من حالته الذهانية الحادة، قرر فريق التقييم النفسي في السجن أن حالة الذهان التي لديه ليست بالخطورة الكافية التي تستلزم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية الموجود داخل السجن. وعلى الرغم من أن هذا الرجل كان في زنزانة منفردة، فقد كان في نفس الطابق الموجودة فيه العصابة التي اغتصبه أحد أفرادها. لقد كان هذا الرجل يعاني فصامًا سريريًّا، وكان أيضًا معرضًا لخطر هائل.

أما فيما يتعلق بسجون النساء، فإن التواطؤ يحدث عندما يحاول الموظفون والمديرون بالسجن التستر على جريمة الاغتصاب، أو التعرض للنساء اللاتي يشتكين من تعرضهن للاغتصاب. وهناك بعض الحالات أيضًا التي يكون فيها التواطؤ المُسبَق للموظفين هو ما يجعل من الاغتصاب أمرًا ممكنًا.

على سبيل المثال، تم الكشف مؤخرًا عن أن بعض الحراس الرجال في أحد السجون الفيدرالية المختلطة في دبلن بكاليفورنيا7 كانوا يتلقون الأموال من السجناء الرجال لترك أبواب زنزانات النساء مفتوحة؛ حتى يتمكن هؤلاء السجناء من دخولها واغتصاب النساء. وقاضت النساء نظام السجون الفيدرالي، وحُسمت القضية في مطلع عام ١٩٩٨. وقد قالت إحدى السيدات في هذه القضية: «دخل أحد الرجال إلى زنزانتي وحاول ممارسة الجنس معي. وعندما وجد مني إصرارًا على الرفض، نزع بلوزتي … وقفز فوقي.» وأضافت أنه عندما أجرى المحققون الفيدراليون لقاءات معها حول الحادث، «قالوا إن هذا ليس بالأمر الجديد، وما علينا سوى التكتم عليه.»

(٤) الاغتصاب واضطراب توتر ما بعد الصدمة

إن أول خطوة في علاج ضحية الاغتصاب التي تعاني من صدمة هو مساعدتها في تعزيز شعورها الداخلي بالأمان. فيجب أن تتيقن مَن تعرضت للاغتصاب أنها ليست عرضة لمزيد من الاعتداءات من جانب المعتدي. ولا يكون من المفيد أن تبدأ المرأة التي تعرضت لصدمة شديدة في تذكر الحادث الصادم إلا عندما تشعر بالأمان عند قيامها بذلك؛ ويعني ذلك أن تكون لديها شبكة دعم كافية وتشعر بعدم انتهاك حرمتها وبأنها تحظى باحترام تام. ومن هذا المنطلق، هناك احتمال للتعرض لضرر بالغ عندما يصر موظفو السجن على أن تبلغهم ضحية الاغتصاب بهوية المعتدي عليها، أو عندما يستمر الحارس الذي اغتصب السجينة في إحكام سيطرته الكاملة على كل جانب من جوانب حياتها في السجن. وما يسفر عن ذلك من اضطراب توتر ما بعد الصدمة يمكن أن يكون منهكًا تمامًا لقوتها وطويل الأمد في تأثيره عليها.

(٤-١) علاج اضطراب توتر ما بعد الصدمة

تظهر أعراض توتر ما بعد الصدمة بعد التعرض لصدمة حادة تسلب الفرد قدرته على الشعور بأنه مسيطر على حياته وبأنه على اتصال بالآخرين وبأنه مدرك لكل ما حوله. ومثلما ذكرت في الفصل الثاني من هذا الكتاب، تنقسم الأعراض إلى قسمين: تسلطية ومقيدة للسلوك. وتشمل «الأعراض التسلطية» توارد التجارب السابقة القاسية على الذهن والكوابيس وفرط التيقظ والهلع. فتظل الذكريات القوية التي لا تصبح جزءًا من نفسية الفرد تتطفل عليه كما لو كانت تهاجمه من الخارج.

أما «الأعراض المقيدة للسلوك»، فتشمل الجمود العاطفي والعزلة الاجتماعية وتضاؤل الأنشطة والتقيد في الأماكن التي يرغب المرء في الذهاب إليها. تقع ضحية الصدمة في البداية تحت هيمنة صور تسلطية تتعلق بالصدمة؛ فتحاول التعديل من حدة التجربة عن طريق الانغلاق، فتبدأ الأعراض المقيدة للسلوك في الظهور عليها. لكن الصور والمشاعر المرتبطة بالصدمة سرعان ما تظهر مجددًا في صورة توارد للتجارب السابقة القاسية ورؤية الكوابيس، بالرغم من محاولة الضحية التخدر والتقيد. وعندئذٍ، يكون هناك المزيد من المحاولات للانغلاق وتعديل حدة التجربة.

يتعرض أغلب الناس لتذبذبات بين الأعراض التسلطية والأعراض المقيدة للسلوك في أعقاب أية صدمة حادة. والوضع المثالي هو أن تتراجع هذه التذبذبات في حدتها بمرور الوقت، ويحدث الحزن والشفاء، ويصبح الحدث الصادم جزءًا من نفسية المرء، ويعود الفرد إلى نوعية المشاعر والعلاقات والأنشطة وحرية الحركة التي اتسمت بها حياته قبل الصدمة.

لكن بعض الناس يعجزون عن أن يخوضوا تجربة الحزن كاملةً أو أن يجعلوا الحدث الصادم جزءًا من نفسيتهم؛ فتستمر التذبذبات دون توقف. فهم تارة يتعرضون لتوارد التجارب السابقة القاسية على أذهانهم أو للكوابيس أو لنوبات الهلع أو لردود الفعل الإجفالية الحادة، وتارة أخرى «ينغلقون على أنفسهم» أو «يخافون من الذهاب إلى أي مكان» أو رؤية أي شخص أو فعل أي شيء. فيعانون بذلك اضطراب توتر ما بعد الصدمة. وفي بعض الأحيان، يحقق الأفراد الذين يعانون هذا الاضطراب نجاحًا كبيرًا في الحد من الأعراض التسلطية؛ ما يسمح بهيمنة الأعراض المقيدة للسلوك عليهم. ولا شك أنه إذا لم يتحدد السبب المؤدي إلى الحالة السريرية التي هم عليها، فستُشخص حالة هؤلاء الأفراد على أنها اكتئاب.

وإذا استمرت الأعراض وصور العجز الواضحة أكثر من عام واحد بعد الصدمة، عُدَّ اضطراب توتر ما بعد الصدمة مزمنًا. ويرجع السبب الرئيسي لوصول هذا الاضطراب إلى مرحلة مزمنة إلى الافتقار إلى فرصة للتحدث عن الصدمة في إطار بيئة داعمة. فربما لم يتمكن الشخص الذي تعرض للصدمة من اكتساب ما يكفي من الشعور بالأمان والقدرة على حماية خصوصيته وحدوده الشخصية ليواصل التعامل مع الصدمة، أو ربما حال العجز عن التحدث حول الحياة النفسية الداخلية دون تمكن الفرد من رواية قصته. وعلى أية حال، يجب تجنب العزلة التي تلي الصدمة الحادة. فهذه العزلة لا تؤدي إلا إلى تفاقم الذكريات الصادمة؛ ومن ثم إلى تحول اضطراب توتر ما بعد الصدمة إلى حالة مزمنة.

والتذبذب بين الحالتين التسلطية والمقيدة للسلوك يسمح بقدر معين من التعافي الطبيعي من خلال الحزن وجعل الحدث الصادم جزءًا من نفسية المرء. لكن إذا اعترض هذه العملية الطبيعية تكرار لنفس النوع من الصدمة أو لنوع مشابه لها — مثل الضرب في حالة العنف الأسري، أو استمرار التحرش الجنسي والاغتصاب في حالة السجناء — فلن تكون هناك فرصة للشفاء الطبيعي. فالصدمات المتكررة تزيد من حدة الأعراض التسلطية لدى المرء ومن حاجته إلى الانغلاق على نفسه والتقييد من سلوكه.

علاوةً على ذلك، يؤدي الأسْر إلى جعل الضحية على اتصال ممتد مع المعتدي، سواء أكان زوجًا يضرب زوجته، أم معتديًّا على الأطفال، أم حارسًا في السجن يغتصب السجينة مرارًا وتكرارًا. وفي كل هذه الحالات، لا يتعزز الشعور بالأمان أبدًا، ويصبح التذكر والتعامل مع الصدمة أمرًا مستحيلًا، وتصبح الضحية دائمًا في كرب بفعل الصدمات المتكررة.

(٤-٢) حالة اضطراب توتر ما بعد الصدمة أعقبت التعرض للاغتصاب

طُلِب مني تقديم رأيي كخبير بشأن شاب تعرض للاغتصاب على يد اثنين من أفراد إحدى العصابات، وكان موجودًا في وحدة الحبس الوقائي في أحد سجون المقاطعات. رفع ذلك الشاب دعوى على المقاطعة لعدم توفيرها الحماية الملائمة له. فحصت ذلك الرجل وراجعت ملفه الذي تضمن تقارير مدرسية وسجلات نفسية سابقة. وبدا لي أن ثمة نمطًا محددًا من الضعف في شخصيته. على سبيل المثال، كان زملاؤه يخدعونه من وقت لآخر ويطلبون منه فعل أشياء في المدرسة تؤدي إلى العقاب، ثم يسخرون منه لغبائه الذي يؤدي إلى الإيقاع به.

في الواقع، كان قد أُودع الزنزانة انتظارًا لمحاكمته على جريمة سرقة دفعه اثنان من الشباب الأكثر دهاءً منه لارتكابها معهما. وكان هو الوحيد الذي أُلقي القبض عليه، لكنه أعطى اسمي المتورطين معه في الجريمة للشرطة عند إلقاء القبض عليه. وطلب وضعه في الحبس الوقائي لخوفه من أن يقتله السجناء الآخرون إذا علموا بأنه وشى بزميليه. كان من الواضح أن هذا الشاب السيئ الحظ ضحية محتملة.

فحصت ذلك الشاب شهورًا بعد الحادث، وبعد إطلاق سراحه من الحبس أيضًا. وقد شكا من توارد الذكريات القاسية لمشهد الاغتصاب في السجن على ذهنه، ومن كوابيس وأرق وخوف من مغادرة منزله وهلع عند مقابلة رجال غرباء واكتئاب حاد. وبعد فحصه، توصلت إلى نتيجة مفادها أنه كان يعاني اضطرابًا حادًّا لتوتر ما بعد الصدمة، والصدمة المسببة لهذا الاضطراب هي الاغتصاب في الحبس.

كيف يمكن في وحدة حبس وقائي لاثنين من أفراد العصابات، اللذين قضيا سنوات عدة في السجن، اغتصاب شاب ضعيف لم يدخل السجن ولم يرتكب أية جرائم عنف من قبل في حياته؟ لقد كان الرجلان اللذان اغتصباه أكبر حجمًا وأقوى منه بكثير، وتمت إعادتهما من سجن الولاية إلى هذا الحبس؛ لأنه وجب عليهما فقط المثول أمام القضاء في قضية تتعلق بعنف العصابات داخل السجن. لكن كلًّا منهما كان على خلاف مع العصابة التي ينتمي إليها، ربما لاعتبارهما واشيين. ونظرًا لأنهما كانا يواجهان خطرًا كبيرًا في أي مكان بالسجن، تم إيداعهما في وحدة الحبس الوقائي.

وقت وقوع جريمة الاغتصاب، كانت هناك ضابطة واحدة فقط في الخدمة بوحدة الحبس الوقائي الكبيرة. وكانت مسئولة عن «مراقبة» غرفة تجمع ومكان مخصص لتناول الطعام وطابقين من الزنزانات مفتوحة الأبواب. ولم يكن من الممكن في أي وقت لتلك الضابطة مراقبة الوحدة بأكملها، وقد أخبرني الضحية في حقيقة الأمر أن الاغتصاب قد حدث على مدار خمس وأربعين دقيقة في زنزانة بالطابق الثاني، بينما كانت هذه الضابطة جالسة على مكتب في غرفة التجمع وغير قادرة على رؤية ما يحدث داخل الزنزانات الموجودة أعلاها. أغرى المعتديان الشاب بالدخول إلى زنزانة بالطابق الثاني بأن عرضا عليه مشاركتهما في شرب بعض الجعة. وبعد عدة كئوس، أمر الرجلان ضخما البنية الشاب بخلع بنطاله؛ لأنهما أرادا المزاح قليلًا. وعندما رفض وحاول النهوض لمغادرة الزنزانة، ضرباه عدة مرات على وجهه وأجبراه على الاستلقاء على السرير ووجهه لأسفل، ومزقا سرواله وقام كلٌّ منهما باغتصابه عدة مرات، بينما أمسك به الآخر وضغط على فمه بوسادة لإسكاته.

لا شك أنه كان من الواجب عدم إيداع الضحية نفس المكان الذي يوجد فيه الرجلان اللذان اغتصباه. لكن في نظام يعاني الازدحام الشديد، من المستبعد عزل السجناء الذين ينتمون إلى مستويات أمنية مختلفة بعضهم عن بعض أكثر من ذلك بمجرد اتخاذ القرار بأنهم بحاجة إلى حبس وقائي. فموظفو السجون لا يفكرون في مزيد من التصنيف للسجناء الجدد حيث إنهم يعتبرون أن إيداع السجناء في الحبس الوقائي بمنزلة تصنيف كافٍ. وفي هذه الحالة، ينبغي على إدارة الحبس تحديد مستويات أمنية داخل وحدات الحبس الوقائي بحيث لا يوضَع أفراد العصابات الأشداء مع السجناء غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم، أو ينبغي على الموظفين مراقبة السجناء عن كثب؛ الأمر الذي سيتطلب عددًا أكبر من الموظفين.

(٤-٣) خوض الصدمة من جديد

يشكو مناصرو النساء اللائي يتعرضن للاغتصاب من أن الضحايا يتعرضن لصدمة أسوأ على يد ضباط الشرطة متبلدي المشاعر وأطباء غرف الطوارئ المثقلين بالأعباء والمحامين الذين ينتقدونهن في قاعات المحاكم بسبب خبراتهن الجنسية السابقة. فبشكل أساسي، تُعاش صدمة الاغتصاب من جديد في إطار العلاج القاسي لما بعد الاغتصاب.

ثمة مشكلة أخرى تتعلق بخوض الصدمة من جديد. وقياسًا على الاغتصاب الذي يحدث داخل المجتمع العادي، تميل المرأة التي تقع ضحية الاغتصاب وكانت قد تعرضت للتحرش الجنسي وهي فتاة للمعاناة من أعراض نفسية أسوأ بعد الاغتصاب مقارنةً بالمرأة التي لم تعانِ من اعتداء جنسي من قبل. وبالمثل، إذا كان لدى السجين، الذي اغتصبه سجين آخر، تاريخ سابق من المعاملة الوحشية والاغتصاب على يد زوج أُم عنيف ومدمن للكحوليات، فالأرجح أنه لن يكون قادرًا على تحمل صدمة جديدة على نحو جيد.

نحن نعلم أن السجناء عادةً ما يكونون قد تعرضوا لقدر هائل من الاعتداء قبل دخولهم السجن. ومن الواضح أن حياة السجن حافلة بالصدمات الجديدة التي تكون عادةً أشد قسوة بكثير من الصدمات التي عاناها السجين من قبل. ويتعرض السجين على الأرجح للاغتصاب كتكرار الاعتداء الذي عاناه من قبل. وعندما يتعامل موظفو السجن مع ضحايا الاغتصاب أو غيره من صدمات السجن المختلفة على نحو قاسٍ أو وحشي، يتفاقم الضرر النفسي الذي يتعرض له هؤلاء الضحايا.

(٤-٤) فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز8

بلغت نسبة الإصابة بالإيدز في عام ١٩٩٤ في السجون ٥١٨ حالة بين كل ١٠٠ ألف سجين، مقارنةً بمعدل سنوي بين إجمالي عدد السكان يبلغ ٣١ حالة بين كل ١٠٠ ألف نسمة. وهذه النسبة التي تزيد بمقدار خمس عشرة مرة ليست غريبة، مع الوضع في الاعتبار القدر الكبير من الجرائم المرتبطة بالمخدرات، وانتشار الإيدز بين من يتعاطون المخدرات عن طريق الوريد. وفي السجن، ينتقل فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق تعاطي المخدرات والوشوم والجنس. وترفض معظم الولايات تقديم العازل الذكري للسجناء، كما لو أن توفير العوازل للسجناء سيكون بمنزلة دعم للأنشطة الجنسية! والبرامج التوعوية، التي أثبتت فعالية كبيرة في الحد من السلوكيات الجنسية عالية الخطورة خارج السجون، لا تمثل أولوية لدى معظم إدارات المؤسسات العقابية.

وتُعَد اختبارات الكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية وعزل السجناء الذين يتبين من الاختبارات إصابتهم بالمرض مسألة معقدة في السجون. على سبيل المثال، كانت هناك سياسة في سجون كاليفورنيا في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين تقضي بأن طبيب السجن يمكنه إخضاع أي سجين لاختبار الكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية دون الحصول على الموافقة المستنيرة من هذا السجين، ويُنقَل جميع السجناء الذين تكون نتائجهم إيجابية تلقائيًّا إلى مجموعة زنزانات منعزلة للمصابين بالإيدز، سواء أظهرت عليهم أعراض أو كانوا مؤهلين لأن تُشخَّص حالتهم على أنها إيدز أم لا. وفي هذه الحالة، يضطر السجين إلى ترك السجن أو الزنزانة التي كان قد وُضع فيها. وقد يفقد أيضًا وظيفته في السجن. وينتشر خبر إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية بين بقية السجناء. وما إن يوضَع في وحدة الإيدز، حتى لا يُسمَح له بالدخول إلى الساحة الكبيرة للسجن، ويلتزم باستخدام ساحة ملحقة بوحدة إيدز أصغر حجمًا بكثير وتفتقر إلى التجهيزات الجيدة. هذا بالإضافة إلى أنه سيودَع على الأرجح زنزانة ثنائية مع سجين يعاني الإيدز، وسيحيط به سجناء منهكون يحتضرون جراء أمراض مرتبطة بالإيدز.

في عام ١٩٨٩، وفي أثناء شهادتي في قضية جيتس ضد دوكماجين، سُئِلت عن الآثار النفسية لهذه السياسة، فأوضحت أن هناك العديد من المشكلات المرتبطة بهذه السياسة في كل خطوة من خطوات تنفيذها. فالموافقة المستنيرة تُعَد مسألة مهمة في تحديد الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. وعند إجراء فحوصات الدم من دون موافقة السجين، يشعر على الأرجح بالانتهاك وعدم الاحترام. وعندما يسمع السجين أن نتيجة اختبار فيروس نقص المناعة البشرية الخاص به إيجابية، فسيحتاج إلى بعض الوقت لاستيعاب الخبر واكتشاف كيف سيؤثر ذلك على حياته. لكن إذا أُلقي به على الفور في مجموعة زنزانات السجناء المرضى المحتضرين بالفعل، فسيُحرَم من فرصة اتخاذ القرارات بشأن مَن يرغب في إعلامهم بحالته وما سيعدله أو يتخلى عنه من الأنشطة التي يقوم بها في الوقت الراهن. والذعر الناتج عن التشخيص يتفاقم نتيجة للموقف المروع الذي يتعرض له السجين والأنشطة المقيدة التي يقوم بها. وسواء أكان عرضة لنوبات هلع أم اكتئاب، فسيزداد اضطرابه الانفعالي، ومن المرجح أن يصاب بانهيار نفسي. وليس من المستغرب، إذن، أنه تم الإبلاغ عن العديد من حالات الانتحار في زنزانات المصابين بالإيدز.

وقد أمر القاضي الفيدرالي في قضية جيتس ضد دوكماجين بإيقاف اختبارات الدم الإجبارية، وألزم إدارة المؤسسات العقابية بكاليفورنيا بإعطاء السجناء الذين ليس لديهم أعراض للمرض بالرغم من كون نتائج اختباراتهم إيجابية، خيار الإيداع في مجموعة الزنزانات المخصصة للمرضى من عدمه. وقد أمر أيضًا بأن يُسمح للسجناء، الذين تبين إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية، بإمكانية الاشتراك في جميع الأنشطة والبرامج الترفيهية الملائمة، بالإضافة إلى منحهم الرعاية الطبية والنفسية الملائمة. وتتنوع السياسات من ولاية إلى أخرى، لكن بعض الولايات لا تزال تجري فحوصات إجبارية للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية دون الحصول على موافقة مستنيرة من السجناء، وتعزل بعض الولايات أيضًا السجناء الذين تُظهر فحوصاتهم نتائج إيجابية.

في ضوء ذلك كله، لك أن تتخيل المعاناة التي يمر بها السجين الذي تعرض للاغتصاب، واكتشف أن نتيجة فحص فيروس نقص المناعة البشرية الخاص به إيجابية، وأُودع مبنى زنزانات مظلمًا ومزدحمًا تُفرَض فيه قيود هائلة على الأنشطة. فالمعاملة القاسية تُجدد شعور السجين بالصدمة؛ الأمر الذي يزيد على الأرجح من حجم الضرر الناجم عن الاعتداء الجنسي ويُضعف من قدرة السجين على التعامل مع تجربة الاغتصاب واستعادة الأداء الانفعالي الكامل لجهازه النفسي. وعلى أية حال، فإن خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية يزيد كثيرًا من الضرر الناجم عن الاغتصاب، ويضاعف من الرعب المرتبط بالاعتداء الجنسي.

(٤-٥) التأقلم بعد إطلاق السراح

تُدمَّر حياة الكثير من السجناء جراء التعرض للاغتصاب في السجن. ونحن لا نسمع حتى عن الناجين الأقل تأثرًا الذين يعانون إلى الأبد — مهما كانت درجة النجاح التي يحققونها بعد إطلاق سراحهم — من توارد الذكريات المرعبة على أذهانهم والعجز الشديد عن الثقة في الآخرين. ومن المُلهِم السماع بين الحين والآخر عن أحد الناجين من حوادث الاغتصاب، مثل دوني دونالدسون، الذي يتحدى المجتمع الذي يجبر الضحية على المعاناة في صمت. وقد كان لدونالدسون تأثيره؛ إذ لا تزال المنظمة التي أسسها باسم «أوقفوا اغتصاب السجناء» تلفت الانتباه العام إلى الجحيم الذي صارت عليه السجون الأمريكية. وقد ساعدت أيضًا في هذا الأمر التحقيقات التي أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش بشأن الاعتداء الجنسي على السجينات.

وللأسف، يصبح العديد من ضحايا جرائم الاغتصاب من الرجال معتدين بمجرد أن تسنح لهم الفرصة لذلك. وقد شاهدت نموذجًا لهذا «التوحد مع المعتدي» في أثناء عملي كمستشار لأحد المنازل الانتقالية المجتمعية (نُزُل للمرضى الذين يحتاجون عناية طبية من دون ضرورة إبقائهم في المستشفيات) الخاصة بالأفراد الذين يعانون اضطرابات عقلية مزمنة وحادة. وقد كان الموظفون في هذا المنزل قلقين للغاية بشأن سلسلة من الحوادث التي تضمنت رجلًا أمريكيًّا من أصل أفريقي متوسط البنية، يبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا. فقد اكتشِف أنه يضغط على النزيلات الضعيفات ليمارسن الجنس معه، بالإضافة إلى مواجهته الرجال المقيمين والغرباء في الشارع، طالبًا منهم التوقف عن التحديق به وإلا فسيتشاجر معهم. ولا شك أن سلوكه العدائي قد جعل الحياة في المكان صعبة على النساء، بالإضافة إلى خطورته عليه وعلى غيره من الرجال.

سألت الموظفين في المكان إن كان ذلك الشاب قد سُجِن من قبل أم لا، واكتشفت أنه قضى بالفعل وقتًا طويلًا في المحابس والسجون. فاقترحت أن يستفسر منه اختصاصي العلاج المعنِي بحالته بأسلوب بارع إن كان قد تعرض للاغتصاب من قبل أم لا. واكتشفت أنه قد اغتصِب بالفعل أكثر من مرة. كان يخجل للغاية من التحدث في الأمر، لكن من الواضح أنه كان يعوض كونه ضحية بمعاملته المسيئة للآخرين، مع هوسه الدائم بذكورته. ويدفعنا ذلك للتساؤل عن عدد المعتدين الخطرين الذين تفرزهم مؤسساتنا العقابية!

أما النساء، اللاتي تعرضن للاغتصاب والمعاملة الوحشية، فيقل احتمال لجوئهن للعدوانية مع الآخرين مقارنةً بالرجال. فهن يحتفظن بالأمر داخلهن ويُصَبْنَ بالاكتئاب. وتعاني الناجيات من حوادث الاغتصاب في السجن أيضًا من غضب غير معلن، وتراجع في تقدير الذات، وصور متعددة من القلق، ومجموعة متنوعة من الأعراض الانفعالية.

وتستمر الأعراض النفسية التالية للاغتصاب لدى الرجال والنساء على حدٍّ سواء بعد إطلاق سراحهم بفترة طويلة، وتتسبب في إعاقة شديدة لهم. ولقد رأيت عددًا كبيرًا من الحالات التي تعرضت للاغتصاب يعودون للمخدرات أو الجريمة أو الدعارة بعد إطلاق سراحهم؛ وفي كل حالة من هذه الحالات، يربط المريض فشله في الحياة بصدمة الاغتصاب في السجن. ويكتشف آخرون أنهم لا يمكنهم الخروج من حالة الاكتئاب أو نوبات الهلع التي يصابون بها بالقدر الكافي الذي يمكِّنهم من توفير رعاية جيدة لأبنائهم.

إن هذه المأساة الاجتماعية المستمرة تستحق مزيدًا من الاهتمام العام. فنحن نعلم أن الاغتصاب يدمر فرص الضحايا في إصلاح أنفسهم داخل السجون والنجاح بعد إطلاق سراحهم. ونعلم أيضًا نوعية علاج الصحة العقلية الفعال في الوقاية من اضطراب توتر ما بعد الصدمة والحد من العجز طويل المدى الناجم عن الاعتداء الجنسي. وندرك كذلك صور تواطؤ الموظفين التي تسمح بتكرار حالات الاغتصاب، ونعرف ما يمكن لمديري السجون فعله للحد من معدلات وقوع حوادث الاغتصاب في السجون والضرر الانفعالي الطويل المدى الناجم عن ذلك. فما من عذر إذن للتواطؤ والتراخي المستمرين.

•••

يبدو أن المستوى الجيد من الزيارات، وهو ما يمثل موضوع الفصل التالي، يقلل من انتشار الاغتصاب خلف القضبان ويُحسِّن من الصحة العقلية للسجناء. فالسجناء من الرجال والنساء، الذين يبقون على اتصال وثيق بأسرهم، يكونون أقل عرضة لأن يكونوا جزءًا من حوادث الاعتداءات الجنسية وأقل تأثرًا بالتدهور النفسي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤