عندما تكون النتيجة ١٠٠٪

عادت «إلهام» في اليوم التالي تحمل رسالة من رقم «صفر» إلى مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» العاملة في دمشق … كان التقرير ينقسم إلى جزأين هامين:

قال رقم «صفر» في الجزء الأول: استمرُّوا في محاولتكم … إذا ثَبَتَ أنكم وضعتم أيديَكم على طرَف الخيط فسيكون هذا من أعظم ما حققتم … لا تتصلوا بي تليفونيًّا ولا لاسلكيًّا … إن عندهم أجهزة لحل الشفرة مهما كانت.

وكان الجزء الثاني عن الرجلين؛ إن الرجلين من إيطاليا، حيث يوجد فرعٌ قويٌّ من عصابة «المافيا» الدولية … ويجب أن تتذكروا أن «المافيا» أصلًا من جزيرة «صقلية».

أحد الرجلين — الطويل ذو الوجه الذي يشبه الغوريلَّا — يُدعى: «كاميني جاتوا»، وشهرته تقوم على قسوته الشديدة في معاملة أعدائه … خرج من السجن بعد أن قضى ١٥ عامًا بتهمة تهريب المخدِّرات، ومن يومها اختفى عن الأعين وهذه أولُ مرةٍ يظهر فيها منذ ١٨ شهرًا … أعتقد أنه دخل سوريا باسم مستعارٍ وبجواز سفر مزيَّف.

الثاني: «يوناسيرا بونانو» ويسمُّونه «ب. ب»، وقد عمل في «شيكاغو» فترة طويلة ضمن فرع عصابة المافيا، الذي يرأسه «كارميني جالينتي»، ولكنه أبعد من أمريكا بعد خلافه مع «كارميني» … وهو داهيةٌ شديد الذكاء يُجيد استخدام الخناجر والمسدسات. يملك محلًّا لبيع أدوات الصيد يستخدمه كستار لنشاطه الإجرامي غير المشروع …

وقال رقم «صفر» في ختام رسالته: قد يكون هذا الصدام مجرد محاولة من العصابات الدولية للقضاء على منظمة الشياطين اﻟ «١٣»، وقد يكون موجَّهًا من القاعدة الأرضية في نفس الوقت. خذوا حذركم؛ فإن المؤشرات الإلكترونية أصبحت تؤكد أن القاعدة الأرضية قريبةٌ من دمشق.

كان الشياطين يستمعون إلى «إلهام» وهي تقرأ التقرير … «أحمد» في الطرَف الآخر لمائدة الاجتماعات. وعلى الجانبين «عثمان» و«زبيدة»، و«فهد» و«ريما» و«باسم» … لم يكن ينقصهم إلَّا «رشيد» الذي كان يقوم بدوره كشخصٍ هامٍ يحصل على الوثائق …

قال «أحمد»: سنقوم بالتجربة الثانية بواسطة التليفونات، بعد أن نستمع إلى تقرير من «رشيد» عما تمَّ له ليلة أمس … وسيذهب إليه «فهد» بنفس الطريقة التي تمَّ بها الاتصال الأول، أمام المسجد الأُموي، ليُسلمه مجموعة جديدة من الوثائق المزوَّرة. ويتسلَّم منه تقريرًا عمَّا حدث أمس …

قالت «إلهام»: إنني أعترض على هذه الفكرة؛ فهؤلاء الرجال من عصابة «المافيا» ليسوا أطفالًا. وإذا أجرينا التجربة الثانية. ونجحوا في الحصول على الوثائق مرة أخرى فسوف يشكُّون في الأمر … خاصة وأن الوثائق التي حصلوا عليها سوف تذهب إلى أجهزةٍ سريةٍ مختصَّة وقد يكتشفون سريعًا تزييفها، ونتعرض لانتقامٍ رهيبٍ دون أن نستفيد شيئًا من خطة «فهد» التي نجحت حتى الآن.

ساد الصمت بعد هذه الجملة … وقال «أحمد» بشجاعة: أوافقكِ على رأيك … المهم، ما هو البديل؟

إلهام: لقد آن الأوان بعد التجربة الأولى أن نضرب ضربتنا قبل أن تختفيَ هذه الآثار المشجعة، ولهذا نريد مناقشةً واسعة …

لم تكد «إلهام» تنتهي من جملتها حتى سمعوا دقًّا خفيفًا على الباب، ثلاث دقات … دقة واحدة … ثلاث دقات، فقالت «ريما» إنه «رشيد».

وفتحوا الباب … كان هو «رشيد» فعلًا في شكله العادي … دخل قائلًا: معذرةً … لقد تضايقتُ من هذا التنكُّر السخيف، وأردتُ أن أزورَكم!

أحمد: هل تأكدتَ أنَّ أحدًا لا يتبعُك؟

رشيد: مطلقًا … وقد ذهبت إلى محطة السكة الحديد حيث غيرَّتُ ثيابي داخل دورة المياه، ووضعت ثياب التنكر في حقيبةٍ سلَّمتُها في الأمانات، والذي كان يتبعني ما زال ينتظر هناك! …

ضحكوا جميعًا ثم قال «فهد»: والآن ماذا حدث لك ليلًا يا حضرةَ الشخص الهام؟!

ابتسم «رشيد» قائلًا: سمحتُ لهم بالطبع أن يسرقوني وقد كانوا كرماء معي. فلم يسرقوا الوثائق! …

التفت إليه الجميع في دهشةٍ … فمضى يقول: لقد اكتفَوْا فقط بتصويرها، وقد قضيتُ وقتًا ممتعًا في الفراش وأنا أعبث بهم … وكلما تحركتُ حركةً توقَّفا عن العمل، ورفع الغوريلَّا مُسدَّسَه وصوَّبه إلى رأسي.

أحمد: إذن قد ابتلعوا الطُّعم؟

رشيد: كاملًا!

أحمد: عظيم … نحن نناقش الآن يا «رشيد» والخُطوة التالية. و«إلهام»، تعتقد أن الأوان قد آن لنضربَ ضربتَنا، فاشترِكْ معنا …

ودارت مناقشةٌ واسعةٌ … وبعد استعراض كل الآراء، اتفقوا على خطة … أعاد «أحمد» عليهم مُلخَّصَها: لقد اتفقنا على وضع هذه الخطة على أساس أن القاعدة الأرضية التي تقوم بتوجيه القمر الصناعي، أو مركبة الفضاء موجودةٌ قرب دمشق. وبالطبع إنها لا يمكن أن تكون داخل سوريا نفسها. فهي إذن على الحدود الجنوبية المتاخمة للحدود اللُّبنانية، وحدود فِلَسطين المحتلَّة، أو الحدود الشمالية بين سوريا، وتركيا. وسنركِّز الآن على أن القاعدة على الحدود الجنوبية لأنها في هذا المكان تكون أقرب إلى المنطقة العربية، هل هذا معقول؟

ردَّ الشياطين: معقول جدًّا!

أحمد: الآن نتحدث عن صُلب الخطة، وهي قائمةٌ على أن نستطيعَ متابعة أحد الرجال الذين يطاردوننا الآن ويحاولون كشْفَ سرِّنا … أو أن يسقط أحدنا عمدًا في أيدي رجال العصابة، بحيث يقودونه إلى القاعدة … وفي الحالة الثانية نحتاج إلى جهاز إرسالٍ دقيقٍ يدخل القاعدة مع من يسقط منا بحيث يستطيع إرشادنا إلى مكان القاعدة. فهل عندنا مثلُ هذا الجهاز هنا يا «فهد»؟

ردَّ «فهد» وهو المسئول عن المقر السري في دمشق: نعم … أرسَل لي المركز الرئيسي منذ ثلاثة أسابيع جهاز إرسال مبتكر يُوضع في كعب الحذاء، بحيث يرسل إشارةً كلما ضغط لابس الحذاء بزاويةٍ معينة.

أحمد: وجهاز الاستقبال؟

فهد: جهاز الاستقبال عبارة عن قلم حبر عاديٍّ عليه علامات تشبه علامات الترمومتر مقسم إلى كيلومترات وأمتار. ويضيء الجهاز عند علامة المسافة ضوءًا أحمرَ دقيقًا.

أحمد: عظيم جدًّا … والآن إليكم التفاصيل مقسَّمة على كل واحد منا، نحن سبعة … ستبقى «ريما» هنا مع الأجهزة للاتصال بنا عند الحاجة. سأقوم أنا و«عثمان» و«باسم» بدَوْر رأس الحربة، إلى الهجوم الأول. ويقوم «فهد» و«إلهام» بحمايتنا. وسيقوم «رشيد» بدور الرجل الهام …

رشيد: يعني سأقوم مرة أخرى بدور «الرجل الهام»؟

أحمد: مرة واحدة أخيرة … سنتحدث إليك تليفونيًّا في الخامسة مساءً على أننا قد حصلنا على أسرار في غاية الخطورة عن قاعدة ما معاديةٍ تعمل على الحدود. ونطلب منك لقاءنا عند سفح جبل «الجولان» عند نقطةٍ سنحددها الآن على الخريطة، بحيث تكون أقرب نقطة إلى الحدود السورية اللبنانية الفِلَسطينية المشتركة … وستعطينا إشارات بالبطارية.

رشيد: الساعة؟

أحمد: الحادية عشرة ليلًا … ونتمنى بالطبع أن يلتقطوا الرسالة؛ ففي هذه الحالة سيقومون بالهجوم علينا هناك. وسيكون هدفهم القضاء على بعضنا، وأسر البعض الآخر لاستجوابه … وهكذا سيحمل كل منَّا جهازًا من الأجهزة الدقيقة في كعب حذائه، فنحن لا نعرف مَن منَّا الذي سيقع في الأسر.

عثمان: هل هناك أجهزةٌ كافية؟

فهد: طبعًا … إن المقر السري يرسل دائمًا «١٣» جهازًا أي بعدد الشياطين اﻟ «١٣»؛ توقعًا لأي احتمالٍ. كما أن هناك عددًا كافيًا من الأسلحة الخفيفة …

أحمد: إذن، سننفذ الخطة … اضبطوا ساعاتكم على الساعة الخامسة مساءً بالضبط. قام «فهد» بالاتصال ﺑ «رشيد»، وتحدث معه عن أسرار قاعدةٍ فضائية في منطقة جبل «الجولان». وطلب منه اللقاء في منطقة معينة حددها. وقال له: وسوف نقودك إلى قرب القاعدة لتراها من بعيد …

كان الشياطين مجتمعين حول «فهد» يستمعون إليه وهو يُملي الرسالة … وعندما انتهى منها ووضع السماعة سأله «أحمد»: هل الرسالة مراقبة؟

فهد: بالتأكيد … فهناك هذه الوشوشة الخافتة، وصوت الصفارة البسيط الذي لا تكاد تسمعه الأذن.

أحمد: إذن كل شيءٍ على ما يرام … هيا نرتاح قليلًا، ثم نتناول وجبةً خفيفةً ونستعدُّ للرحيل.

عثمان: كم تستغرق المسافة يا «فهد»؟

فهد: بسرعة معقولة نصل هناك في نحو ساعتين.

أحمد: إذن نتحرك في الثامنة والنصف …

قضى الشياطين الساعات الباقية في تجهيز مختلف معدات القتال … وقامت «ريما» بتركيب أجهزة الإرسال الدقيقة في كعوب الأحذية … و«إلهام» بالكشف عن قِطَع السلاح المختلفة … واطمأنَّ «أحمد» على بعض الأسلحة الرفيعة الحادة التي يضعُها حول ساقه وتنفعه في حالات الأسر، وعلى الديناميت …

وعندما دقَّت الساعة الثامنة والنصف، كانت سيارتان تغادران قلب دمشق في اتجاه جبال الجولان … السيارة الأولى بها «عثمان»، و«أحمد» و«باسم». والثانية فيها «فهد»، و«رشيد» و«إلهام. وكان «باسم» الفِلَسطيني يقود السيارة الأولى، و«فهد» السوري يقود السيارة الثانية، فهما يعرفان المنطقة، ويعرفان الطريق خيرًا من الآخرين … وبعد نصف ساعة غادرت السيارتان دمشق وأخذنا طريقهما إلى الجبال. وبين فترةٍ وأخرى كانتا تَزيدانِ السرعة؛ ليصل الشياطين مبكِّرين، ويتخذون مواقعهم قبل أن يصل رجال العصابات …

وكان «رشيد» يرتدي ثياب التنكر؛ حتى يظهرَ أمام رجال العصابات، وهو في شخصية «الرجل الهام» الذي حضر لاستلام الوثائق.

في العاشرة وخمس وعشرين دقيقة كانوا قد وصلوا إلى قرب النقطة التي حدَّدوها … ونزل «رشيد» وأعاد ترتيب ثياب التنكر، ثم اتجه مبتعدًا عن السيارتين مشيًا على الأقدام، ووصل إلى نقطة تتكاثف فيها أشجار اللوز والجوز والتفاح … وتوقف لحظات ثم ضغط على كعب حذائه، ونظر الشياطين إلى الأقلام التي معهم، وأوضحت المؤشرات الحمراء أنه على مبعدة ٥٥ مترًا منهم …

وحسب الخطة أخرج «رشيد» بطاريةً أضاء بها ثلاث مرات ثم توقَّف لمدة دقيقة ثم أضاء مرتين. وانتظر دقيقة أخرى. ثم أضاء مرة ثالثة …

وهنا نزل «أحمد» و«عثمان» واتجها إليه … كان «عثمان» يحمل مع مسدَّس سريع الطلقات كرتَه المطاط الجهنمية. وكان يسير على بعد عشرين مترًا من «أحمد».

تقدم «أحمد» حتى أصبح على بعد نحو عشرة أمتار من «رشيد» ثم أطلق بطاريته هو الآخر بنفس الطريقة. وفي هذه اللحظة أُضيء كشافٌ قويٌّ من بين الأشجار كشف «أحمد» و«رشيد» وقال صوتٌ خشن: قفا مكانكما … أية حركةٍ تعني الموت!

وقف «أحمد» مكانه، بينما اختفى «عثمان» سريعًا خلف إحدى الأشجار … وظهر رجلان يتقدمان وكل منهما يحمل مدفعًا رشَّاشًا في الضوء القوي القادم من الكشاف.

اتجه واحدٌ من الرجلين إلى «رشيد»، والثاني إلى «أحمد» وطلبا منهما أن يرفعا أيديهما إلى فوق.

أطاع «أحمد» و«رشيد» الأوامر … وتظاهرا بالدهشة الشديدة لما يحدث … وإن كان «أحمد» سعيدًا بما يحدث رغم خطورة الموقف … لقد نجحت الخطة بنسبة مائة في المائة، ولكن ماذا تكون الخطوات التالية؟

فتَّش الرجلان «أحمد» و«رشيد»، وجرَّداهما من المسدسين اللذين كانا يحملانهما، ثم وضعا على عينَيْ كلِّ واحدٍ منهما عصابة سوداء … وقال أحدهما: ستسيران بضع دقائق فقط. المكان ليس بعيدًا.

وأمسك كل منهما بذراعِ واحدٍ من الشياطين، وسارا … وخلفهما كان «عثمان» وخلف «عثمان» كان «باسم» و«فهد» و«إلهام» … واتجه الرجلان إلى طريق ضيق صاعدٍ سفحَ الجبل إلى فوق. وكان «أحمد» يُحدِّث نفسَه إن كان حقًّا سيدخل القاعدة الأرضية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤