مفاجأة جديدة

قضى «تختخ» ذلك المساء وهو يجلس بجوار نافذة غرفته يُفكِّر في عشرات الأسئلة التي تتزاحم على رأسه دون أن يعثر لأي منها على إجابة مناسبة، وعندما أوى إلى فراشه لم يكن قد استطاع أن يُكوِّن فكرةً واحدةً عن اللغز.

عندما استيقظ «تختخ» في اليوم التالي كانت في انتظاره مفاجأة جديدة؛ فقد اتصل به المفتش تليفونيًّا ليُخبره أن الأستاذ «حافظ» مدير مكتب التصميمات، قد عُثر عليه ميتًا في فراشه. وقال المفتش: إن «حافظ» رجل أعزب كما تعرف، وهو يعيش وحيدًا في شقة في «الزمالك»، ويقوم على خدمته رجل عجوز يعمل عنده منذ فترةٍ طويلة، وعندما ذهب هذا الصباح للقيام بواجباته المعتادة فوجئ بالأستاذ «حافظ» ميتًا.

قال «تختخ»: هل ستقومون بتفتيش منزله أو أي شيءٍ من هذا القبيل؟

المفتش: طبعًا.

تختخ: إنني أرجو أن آتي إليك وأن نقوم بزيارة منزل الأستاذ «حافظ» … على الأقل لنتفرَّج على مجموعة التحف التي يحتفظ بها.

وافق المفتش على اقتراح «تختخ» الذي أسرع يرتدي ثيابه، ويتناول الفطور عاجلًا، ثم جرى إلى القطار واستقلَّه إلى القاهرة …

كان المفتش في انتظاره على محطة «باب اللوق» كما اتفقا، فأسرعا بسيارة المفتش إلى منزل الأستاذ «حافظ»، ولم يكن من الصعب الاهتداء إليه؛ فقد كان في أحد شوارع «الزمالك» الرئيسية.

كانت شقة الأستاذ «حافظ» شقةً جميلةً مؤثَّثةً تأثيثًا غاليًا، ولكن المفاجأة التي كانت في انتظار «تختخ» أنه لم يجد في الشقة تحفًا كثيرةً كما كان يتوقَّع؛ فلم يكن هناك سوى عدد قليل منها، نفس العدد الذي يوجد في أي شقة عادية. وبرغم أن «تختخ» كان يشعر بالأسف لوفاة الرجل، فإنه أحس أن من واجبه تفتيش الشقة بطريقته الخاصة.

وكانت الشقة قد امتلأت برجال الشرطة والطبيب، فانتهز «تختخ» فرصة انشغال الجميع بالمتوفى، ثم أسرع إلى غرفة المكتب، حيث قام بتفتيشه بسرعة، فعثر على مجموعة من الإعلانات الصغيرة التي تُنشر في الأهرام، وكانت كلها تطلب الرد على رقم ٣٣٣ في الأهرام. وتذكَّر «تختخ» الإعلان الصغير الذي كان «حافظ» قد وضع عليه إشارةً حمراء في جريدة الأمس، وبدأ ذهنه يعمل بسرعة … إن الأستاذ «حافظ» يتابع إعلانات التحف، وقد قال إنه من هواة التحف، ومع ذلك فليس في منزله تحف كما زعم، فهل في هذا الموضوع سرٌّ ما؟ وإذا كان هناك سر، فهل له صلة بحادث سرقة الوثائق؟ …

اكتفى «تختخ» بما وجده، ولم يستمرَّ في التفتيش حتى لا يراه أحد، وترك كل شيء في مكانه، ثم ذهب إلى المفتش «سامي» واستأذن منه، وغادر المنزل مسرعًا إلى مبنى جريدة الأهرام.

بينما انشغل المفتش في تفتيش منزل «حافظ»، ومحاولة الربط بين موته المفاجئ وسرقة الوثائق السرية. كان «تختخ» يُنفِّذ فكرةً أخرى خطرت بباله، هي سر احتفاظ الأستاذ «حافظ» بالإعلانات الصغيرة التي تُشير إلى التحف برغم أن منزله ليس به تحف، وبرغم قوله إنه من هواة التحف …

إن كذبةً واحدةً صغيرةً قد تكشف سرًّا غامضًا، وقد كذب «حافظ»، ولا بد أنه بهذه الكذبة كان يُحاول إخفاء سر كبير.

اتجه «تختخ» إلى قسم الإعلانات الصغيرة، وطلب من الموظف المختص أن يعرف اسم صاحب الإعلان الذي يُشير باستمرار إلى رقم ٣٣٣، فقال له الموظف إنه لا يعرف اسمه، ولا يُهمُّه أن يعرف؛ فالرجل يأتي ويدفع قيمة الإعلان، ثم يحضر لتسلُّم الردود التي تصل إليه.

قال «تختخ»: معذرة لأنني أضايقك، ولكن ذلك يتعلَّق بموضوعٍ هام، وسوف أسألك سؤالًا واحدًا.

قال الموظف: تفضل.

تختخ: هل تسلَّم رقم ٣٣٣ ردودًا على إعلانه الذي نُشر أمس؟

قال الموظف: دقيقة واحدة …

ثم قام إلى أحد أركان الغرفة، وبحث بين بعض الرسائل فترة، ثم عاد قائلًا: لا، لم يتسلَّم الردود بعد.

شكر «تختخ» الموظف، ثم انصرف مسرعًا، واستقل تاكسيًا إلى منزل الأستاذ «حافظ» لعله يلحق بالمفتش، ولحسن الحظ وجده ما زال هناك.

قال «تختخ»: هل وجدتم شيئًا خاصًّا باختفاء الوثائق؟

قال المفتش في يأس: ليس هناك أي شيء.

تختخ: وهل الوفاة طبيعية؟

المفتش: قال الطبيب الشرعي إنها نتيجة ذبحة صدرية؛ فقد كان «حافظ» عجوزًا ويُعاني من مرضٍ في القلب.

تختخ: هل نستطيع إخفاء خبر موت الأستاذ «حافظ» بضعة أيام؟

المفتش: لماذا؟

تختخ: إن عندي فكرةً ما، ولن أستطيع تنفيذها إذا نُشر خبر موت «حافظ».

المفتش: وما هي هذه الفكرة؟

تختخ: إنني أظن أن الإعلانات الصغيرة التي كانت تُنشر في الأهرام تحت رقم ٣٣٣ ليست بريئةً تمامًا، وربما كان وراءها سر لو اكتشفناه لحللنا لغز السرقة.

المفتش: إنني لا أفهم قصدك.

تختخ: آسف جدًّا لأنني لم أشرح لك المسألة من أولها، لقد لاحظت في أثناء زيارتنا لمكتب الأستاذ «حافظ» أمس أنه يُحيط أحد الإعلانات الصغيرة بدائرة. ولمَّا سألته عنها قال إنه من هواة جمع التحف. وعندما عدت إلى البيت وقرأت الإعلان وجدت المعلن يبحث عن تحف مصرية حديثة، وهو شيء مدهش، فليست هناك تحف حديثة، فالتحف كلها قديمة، لفت نظري هذا، وعندما حضرت اليوم إلى منزل «حافظ» وجدته قد جمع إعلانات صغيرةً كلها تحت رقم ٣٣٣. وبرغم أنه قال لي إنه من هواة التحف فليس في منزله تحف كثيرة؛ إذن فالأستاذ «حافظ» كان يُخفي سرًّا ما، وأريد أن أعرف هذا السر.

المفتش: وما دخل هذا كله في طلبك إخفاء خبر موت «حافظ» بضعة أيام؟

تختخ: إن الرجل الذي يُعلن تحت ٣٣٣ في انتظار ردود على إعلانه الذي نُشر أمس، وقد ذهبت الآن إلى جريدة الأهرام، وعرفت أنه لم يتسلَّم الردود بعد، وأنا أتصوَّر أنه ينتظر رد «حافظ» بالتحديد، فإذا عرف أنه مات، فقد لا يذهب ليتسلَّم الردود، لهذا أريد أن أُخفي الخبر، وأرقب قسم الإعلانات الصغيرة، حتى يأتي الرجل فأتبعه، وأريدك أن تساعدني في هذا.

المفتش: إنها فكرة بارعة حقًّا، وسوف أتفق مع المسئولين في الأهرام على تسهيل مهمتك، وفي نفس الوقت سنخفي خبر موت «حافظ» بعض الوقت كما تطلب، ولحسن الحظ أن الرجل ليس له أقارب، إلَّا شقيقةً تُقيم في الإسكندرية، وسوف نستطيع إقناعها بإخفاء الخبر فترة، وفي نفس الوقت سنبلِّغ مكتب الأستاذ «حافظ» أنه طلب إجازةً لبضعة أيام.

تختخ: إنني أشكرك على كل هذه التسهيلات.

المفتش: إنني المدين لك بالشكر لمحاولتك مساعدتنا على حل هذا اللغز العجيب …

تختخ: وبالمناسبة ما هي أخبار «وفيق»؟ ألم يتنبَّه بعدُ من الإغماء؟

المفتش: للأسف إن حالته تزداد سوءًا.

تختخ: إنه مفتاح اللغز.

المفتش: فعلًا … قد تذكَّرت الآن ما قلته لي من أنه لم يترك آثار دماء في المكان الذي أصيب فيه. إن هذا شيء مدهش للغاية، فهل تقصد أنه أصيب في مكانٍ آخر، ثم نُقل إلى هذا المكان؟

تختخ: بالضبط، هذا ما قصدته.

المفتش: ولكن كيف يمكن نقل شخص في قطار لإلقائه في هذا المكان؟

تختخ: لعلهم نقلوه في سيارة.

المفتش: كيف تدخل السيارة على قضيب القطار، وهو في هذه المنطقة محاطٌ بسور … ولو كانوا نقلوه في سيارة، لكان من الأسهل لهم إلقاؤه في مكانٍ مهجور على شاطئ النيل، وهناك مناطق كثيرة صالحة لهذا على طول الطريق من القاهرة إلى المعادي.

تختخ: هذا صحيح، ولم يبقَ إلَّا أن يكونوا قد نقلوه في طائرة مثلًا.

المفتش ضاحكًا: لقد بدأت تسرح في خيالك.

قال «تختخ» مبتسمًا: فعلًا، ذلك شيء بعيد عن التصديق. على كل حال المهم الآن أن نتتبَّع رقم ٣٣٣ لعلنا نصل إلى شيء.

وأسرع المفتش و«تختخ» يستقلَّان سيارة المفتش إلى جريدة الأهرام، حيث تم الاتفاق على أن يجلس «تختخ» في مكان يُتيح له مشاهدة المتردِّدين على قسم الإعلانات الصغيرة.

قضى «تختخ» بقية اليوم جالسًا في مكانه في انتظار الرجل المجهول الذي يُعلن تحت رقم ٣٣٣. ومضى الوقت و«تختخ» يتفرَّج على زبائن الإعلانات ممن يُعلنون عن بيع السيارات والأثاث، أو يُعلنون عن حاجتهم إلى شقق خالية وغيرها من ألوان الإعلانات الصغيرة المشهورة باسم «الإعلانات المبوَّبة»، ومعناها الإعلانات التي توضع تحت أسماء محدَّدة تُسمَّى «الأبواب»، وهي معلومات جديدة أضافها «تختخ» إلى معلوماته الكثيرة.

انقضى اليوم دون أن يظهر رقم ٣٣٣، وأحسَّ «تختخ» أنه يبحث عن خيال، وأن خطته كلها وأفكاره حول الحادث لا معنى لها. وعندما أغلق مكتب الإعلانات الصغيرة أبوابه كان «تختخ» يشعر بالجوع والتعب، وبحاجته إلى العودة إلى منزله سريعًا … وهكذا استقل الأتوبيس إلى «باب اللوق»، ثم استقل القطار إلى المعادي، ولاحظ أن القطار ما زال يبطئ قرب مصر القديمة، حيث تقترب عرباته كثيرًا من المنازل حتى تكاد تلامسها.

وصل تختخ إلى منزله، فوجد والده ووالدته في انتظاره، وقد أصابهما القلق لغيابه طوال النهار، وعندما سألاه عن سبب غيابه، قال إنه كان في زيارة المفتش «سامي» ولم يُخبرهما بشيءٍ عن الحادث الخطير الذي يشترك في كشف غموضه كما وعد المفتش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤