كل شيء على ما يرام … تقريبًا

بعد لحظاتٍ دقَّ الرجل جرسًا على المكتب، وعلى الفور فُتح باب في أحد جوانب الغرفة، وظهرَت سيدة يابانية جميلة تمسك بيدها طفلًا … أدركت «إلهام» على الفور أنه «أدهم» … ودون أن تدري قامت مسرعة … واحتضنت الطفل الذي استكان لها … وسألته «إلهام»: أأنت «أدهم»؟

الطفل: نعم … أنا «أدهم» أين بابا وماما؟!

إلهام: ستراهما غدًا.

كانت التعليمات التي أعطاها لها رقم «صفر» والتي أحرقتها في المقر السري تقضي بأن تتسلم الطفل وتسرع بالخروج … إن دقائق قليلةً تقضيها بعد ذلك فيها هلاك الطفل وهلاكها؛ لهذا قالت للرجل: أرجو أن تسمح لي بالانصراف فورًا …

ردَّ الرجل: ألَا تقضين بعض الوقت في هذا المكان الجميل …؟ لم تعد هناك مخاطر على الإطلاق؛ فقد تسلَّمنا الفيلم … وتسلمتِ الطفل …

ردَّت «إلهام»: شكرًا لك … إنني أُفضِّل الانصراف الآن … فقد حجزت على الطائرة التي تغادر «طوكيو» في المساء، وأريد أن أقضي بعض الوقت أتجوَّل في الشوارع …

ابتسم الرجل وقال: مشتريات؟!

ردَّت «إلهام» بابتسامةٍ قائلة: نعم … بعض أصدقائي طلبوا مني بعض المنتجات اليابانية …

أشار الرجل بيده إلى السيدة فانصرفت، ثم تقدَّم من «إلهام» وقال لها: هل هناك أية خدعة؟

إلهام: إنني مكلفةٌ فقط بتسليم الفيلم واستلام الطفل … ولم أشترك في أية خدعة.

أحنى الرجل رأسه موافقًا، وبعد لحظاتٍ كانت «إلهام» تأخذ حقيبة ملابس الطفل، وتركب السيارة وبجوارها «أدهم»، وسرعان ما انطلقت السيارة تنزل الجبل مسرعةً في طريقها إلى محطة «توكايدو».

كانت «إلهام» تعلم أن الدقائق التالية في منتهى الخطورة؛ فإن الفيلم الذي تسلَّمه الرجل صحيح من الوجهة الفنية، وعليه كل التفاصيل المطلوبة، ولكن هناك خدعة فعلًا قام بها رقم «صفر»، فعندما يقوم رجال «المجموعة X» بنقل الفيلم على الورق فسيحترق فورًا … والفكرة أنه لا يمكن الاستفادة من التصميمات المنقولة عليه إلا بعد أن يتم نقله على الورق، فإذا ما تعرضت للضوء فسيحترق فورًا، وهذه هي الخدعة التي قام بها رجال المعمل في المقر السري «ش. ك. س»، فهل تقوم «مجموعة X» بنقل الفيلم الآن؟

كان هذا السؤال هامًّا جدًّا … وكانت الإجابة عليه تعني الكثير … وأخذت الدقائق تبدو كالساعات والسيارة تنطلق في الريف الياباني الجميل حتى أشرفت على محطة «توكايدو» ودارت السيارة ثم توقفت، ونزلت «إلهام»، وأمسكت بيد الطفل الذي كان يبدو سعيدًا رغم الظروف الرهيبة التي مرَّ بها.

جلست في بوفيه المحطة، وأخذت تنظر حولها … أين الشياطين؟ لا أثر ﻟ «أحمد» ولا «عثمان» ولا «قيس» ولا «هدى» … معنى هذا أنها إذا تعرَّضت لأي خطرٍ، فإن أحدًا لن يحميها … وأحست بالغضب والضيق، وأشارت ساعة المحطة إلى موعد وصول القطار بعد خمس دقائق، وبدأت «إلهام» تحسُّ بالارتياح … وأخذت تنظر إلى عقارب الساعة في ترقُّب … وعندما لم تبقَ سوى دقيقتين فقط على وصول القطار، شاهدت رجلَيْن يجريان نحوها وأحسَّت بالكارثة … لقد اكتشفوا حقيقة الفيلم … واقترب الرجلان منها، ووقفا أمامها وهما يلهثان، وقال أحدهما: سوف تعودين معي … إن الزعيم يريد أن يراك.

قالت «إلهام»: لماذا؟!

الرجل: لا أدري … هذه هي التعليمات …

إلهام: لن أعود معكما … وسأطلب رجال الشرطة.

اقترب الرجل من «إلهام» أكثر وهمس: إن زميلي سيُطلق النار على الطفل إذا أتيت بأية حركة … هذه هي أوامر الزعيم …

وأحسَّت «إلهام» بالدنيا تدور بها … ولاحظت أن الرجل الآخر يضع يده في جيب جاكتته، وأن فوهة المسدس مصوبة إلى رأس الطفل البريء.

وقامت واقفة، وفي هذه اللحظة حدثت عدة أشياء … كان هناك شاب ياباني الملامح يقف بالقرب منهم … تحرَّك الشاب ناحيتهم وأدركت «إلهام» والفرح يملأ قلبها أن هذا الشاب ليس إلا «أحمد» … لقد أجاد التنكر حقًّا … وتذكرت أنها رأته من قبل في القطار ولكنها لم تعرفه … فقد عرفته الآن من خطواته. وفي نفس الوقت ظهرت مجموعة التغطية، وذُهلت «إلهام». إذن أين كانوا طول الوقت؟

لم يكن هناك وقت للإجابة على هذا السؤال … فقد انقض «أحمد» على الرجل الذي يمسك المسدس في يده ولوى ذراعه، وسمعت «إلهام» «طرقعة» عظام الرجل وهو ينحني صارخًا، بينما التفَّت مجموعة التغطية حول الرجل الذي كان يحدثها، وسرعان ما كان يطير في فضاء المحطة، وفي نفس اللحظة وصل قطار «توكايدو»، وأسرع «أحمد» يحمل الطفل، ثم يقفز به إلى القطار وخلفه «إلهام»، بينما كانت مجموعة التغطية تقف عند باب الدخول.

حدث هذا في لحظاتٍ … وتوقَّف الناس في المحطة في انتظار ما يحدث بعد ذلك، ولكن الرجلَيْن لم يحاولا الهجوم؛ فقد كان أحدهما محطم الذراع … وكان الآخر قد سقط على الأرض من على ارتفاع بضعة أمتارٍ فلم يستطع النهوض … ومن الواضح أنهما لم يكونا على استعدادٍ لتدخل رجال الشرطة؛ فهما من رجال العصابات، وهؤلاء يفضِّلون تسوية حساباتهم بعيدًا عن رجال الشرطة وتحقيقاتهم.

ولكن الموقف لم يكن مطمئنًا مائة في المائة … فعندما دق جرس القطار مستعدًّا للسير ظهر ثلاثة رجال غرباء على رصيف المحطة، ثلاثة من عتاة المجرمين تنطق ملامحهم بالشر والعنف … ألقى الثلاثة نظرةً عاجلةً على الموقف، وشاهدوا الرجلين وهما يتأوهان، ثم انطلقوا إلى القطار، ولكن لحسن الحظ أغلقت الأبواب الأوتوماتيكية، وانطلق القطار قبل أن يتمكن الثلاثة من الدخول.

كان «أحمد» قد سلَّم الطفل إلى «إلهام»، وجلس أمامها … وكان في تنكره وتصرفاته كلها لا يفترق عن أي من اليابانيين الذين يملئون القطار.

قال «أحمد» موجِّهًا حديثه إلى «إلهام»: إن مجموعة التغطية موجودة في أول العربة وستكون مهمتكم جميعًا الخروج من «طوكيو» بالطفل سالمًا، وعليكِ بتغيير الفندق فورًا …

إلهام: وأنت؟

أحمد: سنغير من خططنا الآن … سيقومون هم بحمايتك … وسأقوم أنا بالتغطية … وعند وصولكم إلى «طوكيو» يجب أن تستقلي أول طائرة تغادر المطار، ليس من المهم أين تكون وجهتها، المهم أن تغادروا اليابان كلها … سأكرر هذه التعليمات على المجموعة …

وقام «أحمد» وسار إلى نهاية العربة … كان «عثمان» و«قيس» و«هدى» يجلسون معًا يتحدثون، وهم ينظرون من النافذة على ريف اليابان!

جلس «أحمد» وقال: لم يعد هناك مجال للاختفاء، لقد عرفوا أننا نعمل معًا، وسوف يشنُّون حملة مطاردة ضخمة علينا … إن ما يهمنا الآن هو إنقاذ الطفل «أدهم» وسترافقه «إلهام»، وستقومون أنتم بالحماية …

عثمان: ولكن لماذا هذه المطاردة بعد أن سلَّمت الفيلم؟!

أحمد: هذا ما لا أعرفه حتى الآن!

ثم التفت إلى «هدى» قائلًا: اذهبي إلى «إلهام» واسأليها عن السبب في هذه المطاردة … غادرت «هدى» مكانها … وفجأة قال «قيس» وهو ينظر من النافذة: هل ترون هذه السيارة؟! والتفت «أحمد» و«عثمان» إلى حيث أشار «قيس» … كانت السيارة التي استقلتها «إلهام» من محطة «توكايدو» تجري بجوار القطار.

أحمد: ولكن هذا مستحيل … إن سرعة القطار عالية جدًّا!

عثمان: في الأغلب أنها تسلك طرقًا مختصرة!

ولم يكد «عثمان» ينتهي من جملته حتى اختفت السيارة فقال «أحمد»: حقًّا … إنها تسلك طرقًا مختصرة … وسنغير خططنا …

عثمان: كيف؟

أحمد: تنزل «إلهام» و«هدى» والطفل «أدهم» في المحطة السابقة على «طوكيو» وسنواجههم نحن في محطة طوكيو.

وعادت «هدى» في هذه اللحظة وقالت: لقد عرفت سر المطاردة، إن معمل المقر السري استطاع أن يغطي الفيلم بمادةٍ خاصة، إذا تعرضت للضوء الشديد احترقت وأحرقت الفيلم معها … وبالطبع فإن «عصابة X» حاولت تكبير الفيلم على الورق فاحترق، وبدأت المطاردة …

رغم خطورة الموقف ابتسم «قيس» قائلًا: يا لها من خطة شيطانية!

التفت «أحمد» إلى «هدى» قائلًا: ستغادرون القطار في أقرب محطة قبل «طوكيو» … أنتِ و«إلهام» و«أدهم» … وسنبقى نحن الثلاثة حتى نهاية الخط …

وكادت «هدى» تتكلم فعاد «أحمد» يقول: استقلُّوا أول سيارة، واطلبوا منها الذهاب إلى مطار «طوكيو» … اركبوا أنتم الثلاثة أية طائرة تغادر «طوكيو» إلى أي مكانٍ في العالم … اتركوا رسالة في استقبال المطار باسمي بوجهتكم.

مضت فترة، ثم أخذ القطار يُهدئ من سرعته، وتوقف في المحطة السابقة على محطة «طوكيو» … أسرعَت «هدى» و«إلهام» و«أدهم» بمغادرة القطار، ووقف الشياطين الثلاثة يرقبون القافلة الصغيرة … وشاهدوهم وهم يستقلون سيارة تاكسي من المحطة، وسرعان ما تحرك القطار، واختفت السيارة عن الأنظار.

لم تمض سوى نصف ساعة حتى وصل القطار إلى محطة «طوكيو» الضخمة، وسار الشياطين الثلاثة وهم يحسون بعشرات العيون ترقبهم … كانوا على استعدادٍ الآن لمواجهة أي شيء بعد أن استطاعوا تهريب «أدهم» من يد «المجموعة X» … وكانوا متأكدين أن العصابة لن تجرؤ على مهاجمتهم في المحطة … خاصةً وأن الطفل ليس معهم.

ساروا بهدوءٍ حتى الباب … وركبوا السيارة إلى فندق «طوكيو برنس»، وعندما وصلوا إلى هناك أسرع «أحمد» يُرسل برقية بالشفرة إلى رقم «صفر» عن طريق القاهرة.

كان نصُّ البرقية بسيطًا ولكن يحمل كل المعلومات: البضاعة في الطريق إليكم … كل شيءٍ على ما يرام … الثلاثة رقم واحد، واثنين، وأحد عشر مضطرون للبقاء لتغطية الموقف. في انتظار تعليماتكم في فندق «طوكيو برنس».

أرسل «أحمد» البرقية، ثم قضى الثلاثة بقية النهار في الفندق، كانوا يعرفون أن المعركة ستبدأ بهبوط الظلام … وفي المساء اتصل «أحمد» بقسم الاستقبال في مطار «طوكيو» وسأل عن رسالة باسمه، وأحس الشياطين الثلاثة بسعادة بالغة عندما تلقوا رسالة «إلهام»:

ركبنا الطائرة إلى نيويورك … نحن بخير …

كانوا سعداء رغم أنهم بعد دقائق قليلةٍ كانوا يواجهون عصابتين كل منهما ستذهب إلى أبعد مدى للقضاء عليهم … فماذا حدث بعد ذلك … هذا ما نعرفه في المغامرة القادمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤