الفصل الثاني عشر

الملكية والأمان وجبهات قانونية جديدة

يمكن أن يصبحَ القانون حماية لشخص بينما يُمثِّل عائقًا أمام شخص آخر؛ وخاصة بالنسبة للقوانين التي تحاول تناول موضوعات فلسفية مثل الأمان أو الملكية. واجهتُ هذا أثناءَ تقديم دورة صيفية لطلاب المرحلة الثانوية المهتمين بالتصميم والهندسة. كانت الدورة التي وصلتْ مدتُها لأسبوع تقدِّم مبادئ تصميم المنتجات باستخدام برامج تصميم بسيطة والطابعة الثلاثية الأبعاد الخاصة بمعملنا. كانت الخطة هي أن يصمم كل طالب منتجًا، ويسميه ويصف قيمته التِّجارية، وأخيرًا يعرضه للبيع على موقع شركة شيبوايز.

في نهاية الأسبوع، صنع الطلاب تنوعًا غنيًّا من تصميمات المنتجات. وفي آخر أيام الدورة، عرضتُ الخطوة الأخيرة وهي أن يُحمِّل كل طالب ملف التصميم الخاص بمنتجه على موقع شيبوايز حيث سيُباع عبر الإنترنت.

أحد الطلاب، الذي كان في بداية الدورة يُري صديقه بابتهاج كيف يكسر حماية هاتفه الآي فون لتنزيل موسيقى مجانية، رفع يده في سخط قائلًا: «لكني إذا حمَّلت ملف التصميم خاصتي على الإنترنت، فما الذي يمنع أن يُنزله شخصٌ ما ويصنع عدة نسخ مجانية من دون دفع ثمنها؟»

طالبةٌ أخرى قالت إنه ربما لا يجب عليها تحميل تصميم منتجها على الإنترنت في نهاية الأمر؛ فهي لم تكن متأكدة إن كان حامل هاتف الآي فون المزخرف المصمم لمِقبض الدراجة آمنًا بما يكفي لمنع هاتف شخص ما من الانزلاق والتحطم في الشارع، بينما قال طالب آخر إنه لا يهتم كثيرًا ما إذا استخدم شخص الملفات التي صممها لأُحجية مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد. ما يُثير ضيقه فعلًا هو أن يأخذ شخصٌ ما تصميمه ثم ينسب الفضل في تصميمه لنفسه.

استغرقت هذه المجموعة من طلاب المرحلة الثانوية بضع دقائق فقط للتعبير عن التحديات القانونية التي تكمن في المستقبل فيما يتعلق بالطباعة الثلاثية الأبعاد. ومِثل صناعة الكمبيوتر منذ عقودٍ خلتْ، فإن السوق المحيطة بالطابعات الثلاثية الأبعاد والخدمات المتعلقة بها ما زالت في مَهدها. إنها جبهة مفتوحة ومساحة جديدة غير مأهولة نسبيًّا ما زال نشاطها التِّجاري متواضعًا للغاية ليجذب أنظار صناع القوانين ومقيمي الدعاوَى القضائية للشركات والمجرمين.

يصعب التنبؤ بالأثر السلبي لهذه التقنيات الناشئة التي ستُحدث تغييرًا شاملًا. انظر للكمبيوتر الشخصي خاصتك الذي يقبع ساكنًا بكل براءة فوق مكتبك. خلال ما يقرب من العَقد، هزت الحوسبة نظامنا القانوني حتى قواعده.

أصبحت ضريبة المبيعات المحلية أو ضريبة القيمة المضافة — التي كانت أمرًا مباشرًا وبسيطًا فيما مضى — مسألة محاسبية معقدة للتعاملات التِّجارية التي تَجري عبر الإنترنت. واتَّخذت جريمة الملاحقة أو التعقب معنًى آخر تمامًا على الإنترنت. تلتف الشركات حول قوانين خصوصية المستهلك لتتتبع من دون رادعٍ تاريخَ بحثِ وتصفحِ المستهلك وعاداته الشرائية عبر الإنترنت. ولم تعُد الجريمة المنظَّمة ظاهرةً محلية مركزية؛ حيث إن مجرمي الإنترنت يرتكبون جرائم التحايل والتجسس من أماكن بعيدة وخفية.

عندما كانت أجهزة الكمبيوتر أدوات صناعية مكلفة تقوم بعملها في غرف خلفية في مراكز البيانات، لم تُثر الكثير من التحديات القانونية الجديدة، لكن عندما وصلت لقدْر كبير من عامة الناس، اكتشف الناس والشركات بسرعة أن القوانين واللوائح الموجودة بالفعل غير ملائمة بنحو مثير للأسى، وأن التعريفات القانونية الأساسية للملكية والمكان والهيئة يتحتم إعادة تعريفها.

إن الطباعة الثلاثية الأبعاد، مثل أي صناعة تحدث فيها قفزات تقنية سريعة للأمام، ستواجه أيضًا تحديات قانونية جديدة وأشكالًا غير مألوفة من أمان المستخدم والأنشطة الإجرامية. والقوانين تتغير ببطء، لكن التكنولوجيا لا تنتظر أحدًا.

(١) طباعة الأسلحة والعقاقير والمنتجات المزورة

كان تزوير العملة فيما مضى يُعتبر مهنةً تتطلب المهارة. في نشرة خدمة عامة صدرت مؤخرًا، أشارت وكالة الخدمة السرية الأمريكية إلى أن مزوِّري اليوم يُعتبرون فصيلة جديدة تمامًا. يحتاج المزوِّرون اليوم فقط «لمعرفة أساسيات استخدام الكمبيوتر واكتساب مهارات عن طريق التجرِبة والخطأ وتعليم حكومي».

قبل عام ١٩٩٥، كان أقل من واحد بالمائة من النقود المزورة مصنوعًا باستخدام أجهزة الكمبيوتر وطابعات الليزر. بعد خمس سنوات فقط، وبحلول عام ٢٠٠٠، كان حوالي نصف النقود المزورة مصممة عبر الإنترنت ومطبوعة بطابعة ألوان متطورة.1 حررت برامج التصميم باستخدام الكمبيوتر وطابعات الليزر الملونة وتقنية الخراطيش عملية تزوير المال وأتاحتها للجميع؛ إذ كانت تقنية طباعة الأوفست التقليدية القديمة تتطلب مزورًا ماهرًا لديه سنوات من الخبرة في هذه العملية.
المال المزوَّر يسبب ضررًا اقتصاديًّا، لكن البضائع المزيفة والأسلحة غير المرخصة المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد يمكنها إحداث أذًى جسدي. تمت إحدى أوليات المناقشات الأخلاقية التي حدثت في مجتمع الطباعة الثلاثية الأبعاد في عام ٢٠١٢ على موقع مشاركة ملفات يسمَّى Thingiverse.com.

حمَّل أحد مستخدمي الموقع ملف تصميم لجزء من بندقية مطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد يمكن صنعه من البلاستيك بطابعة منزلية ثلاثية الأبعاد. أتاح الملف للناس تخطي جزء مهم من عملية المراقبة متعلق بالحصول على رخصة لحمل سلاح. كان هذا الجزء بالتحديد هو القطعة الوحيدة من نموذج البندقية هذه التي تتطلب أن يخضع مستخدموها لتحرٍّ عنهم. بمعنًى آخر، وبطباعة جزء البندقية هذا بنحو ثلاثي الأبعاد، يمكن لأي شخص تجنُّب قوانين مراقبة الأسلحة.

لم يتدخل القانون فيما طُرح على الموقع؛ وكان رد فعل مجتمع الطباعة الثلاثية الأبعاد هو التفكير في الموضوع. وفي النهاية، وبعد الكثير من النقاشات، اتُّخذ قرار بأن يُطلَب من مصمم جزء البندقية إزالة الملف من الموقع.

figure
بندقية عيار ٢٢ مُصنَّعة بنحو جزئي من بلاستيك مطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد (الصورة مهداة من مايكل جاسليك).

بعد مرور بضعة أشهر على الواقعة الأولى، صنع صانع أسلحة عبر الإنترنت باسم «هافبلو» سلاحًا ناريًّا عاملًا مصنوعًا بنحو جزئي من أجزاء بلاستيكية مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد. كان السلاح من عيار ٢٢ ومصنوعًا من مزيج من أجزاء مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد وأخرى مشتراة. كان الجسد الأساسي للسلاح الناري من البلاستيك لكن حجرة إطلاق الرصاص كانت من المعدِن.

أعلن هافبلو عبر الإنترنت أن الأجزاء المطبوعة المكوِّنة للسلاح الناري كانت قوية بما يكفي لدرجة أنه أطلق منه ٢٠٠ رصاصة. ولم تكن هناك حاجة لأي مُعَدات خاصة. كانت أجزاء السلاح مطبوعة بآلة قديمة نسبيًّا من إنتاج شركة استراتاسيس باستخدام راتينج عادي للأغراض التِّجارية. قدَّر صانع السلاح أن تكلفة شراء الراتينج لطباعة أجزاء السلاح بلغت حوالي ٣٠ دولارًا.2

كان من الممكن دائمًا صنع سلاحك الخاص لكن الطابعات الثلاثية الأبعاد تُعتبر الأداة المثالية للمجرمين من متقني التكنولوجيا. تصنع طابعة ثلاثية الأبعاد أجسامًا بأشكال كانت غير ممكنة الصنع من قبلُ باليد أو الآلات، على سبيل المثال، سلاح على هيئة حذاء أو فرشاة شعر. وتتميز الطابعات الثلاثية الأبعاد بصغر الحجم وإمكانية حملها، كما يمكنها صنع جسم مخصص تلو الآخر بطريقة سرية من دون الاحتياج إلى مصانع أو تنسيق أو أي كشف غير ضروري عن المنتج.

أصبح التزوير والجرائم — مثل صناعات التصميم والتصنيع السائدة — أكثر فاعلية وابتكارًا بواسطة التقنيات الجديدة. وتجارة الأسلحة غير القانونية تجارة كبرى؛ وبالمثل الاتجار في المخدرات.

(١-١) العقاقير المصممة

ربما ستخبرون أحفادكم يومًا ما عن أيام الماضي، عندما كان يجب أن يصف الطبيب أدوية معينة للناس حتى يمكنَهم الحصول عليها، أو كان يجب الحصول على إذن أمني لشراء مواد كيميائية خطرة. سيرد من سيستمع إليك باستعجاب وعيون متسعة: «حقًّا؟»

ستهز رأسك موافقًا: «نعم، كانت هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور قبل ظهور مصانع الكيمياويات التي تتيح لك صنع الأشياء بنفسك.»

في أحد المقالات للكاتبة نيكي أولسون، يصف لي كرونين، الأستاذ بجامعة جلاسجو، أحدث مشروعاته، وهو معمل كيميائي مصغر قائم على طابعة ثلاثية الأبعاد قليلة التكلفة. استخدم لي كرونين وفريقُه طابعةً مفتوحة المصدر، وهي فاب آت هوم لطباعة مصنع كيماويات مصغر أو ما يصفونه باسم «أداة التفاعل».

أداة التفاعل هي جل من البوليمر يحتوي تكوينه الداخلي على أوعية تعطيه شكلًا خاصًّا يتيح حدوث التفاعلات الكيميائية. ومثل أنبوب الاختبار الزجاجي الذي لا يتأثر بالتفاعل الكيميائي الذي يحدث داخله، فإن أداة التفاعل تتيح بيئة محايدة لحدوث التفاعلات الكيميائية من دون أي تشويش. استغل كرونين وفريقه الدقة والتحكم الرقمي للطباعة الثلاثية الأبعاد لصنع جل مخصص يحتوي على أوعية دقيقة يمكنها تحفيز التفاعلات الكيميائية بتكلفة أقل بكثير.

لا تُعتبر فكرة إحداث تفاعلات كيميائية داخلَ وعاء خاص فكرة جديدة؛ فالأوعية أو الحاويات التي تُحدث وتحفز التفاعلات الكيميائية كانت لسنوات جزءًا ضروريًّا لأي معمل تِجاري كبير. الجديد هو القدرة على تحفيز تفاعلات كيميائية معقدة باستخدام أدوات رخيصة التكلفة ومتاحة بالفعل.

يتيح الدمج بين الكيماويات والمواد الذي كان من الصعب فيما مضى تحقيقه مساحةً جديدة للتصميم ستتيح للكيميائيين استكشاف المزيد من أنواع المركبات الكيميائية الجديدة. هذا يعني سرعة الاستكشاف والابتكار، لكنه يمكن أن يعنيَ أيضًا وجود موادَّ جديدةٍ غير خاضعة للرقابة أو عقاقير استجمام جديدة.

في ملخص بحث لي كرونين الرائد في هذا المشروع، يصف قدراته قائلًا: «الطباعة الثلاثية الأبعاد تمتلك القدرة على تغيير العلم والتكنولوجيا بصنع أجهزة مخصصة قليلة التكلفة كانت تتطلب فيما مضى منشآت مخصصة لصنعها.»3 بمعنًى آخر، التحكم المركزي الذي تمارسه صناعتا الأدوية والكيماويات سيواجه تحدي أدوات الإنتاج والتصميم القليلة التكلفة.

كلما زادت قوة التكنولوجيا أصبح استغلالها لأغراض سيئة أكبر وصعبًا في ضبطه. ما يُطلق عليه اسم إنتاج العقاقير بنحو شخصي يكسر الطرق المتسقة والثابتة نسبيًّا لصنع العقاقير والمركبات الكيميائية. ويمكن أن يُمثِّل تصميم الناس وإنتاجهم للعقاقير والكيماويات القوية خاصتهم كابوسًا تنظيميًّا.

الحرب الدائرة ضد المخدِّرات اليوم في الولايات المتحدة فشلت بالفعل بنحو بائس؛ فالسجون ممتلئة بمجرمين غير عنيفين، وتضيع دولارات الضرائب الثمينة في القبض على مدمني المخدِّرات بدلًا من تطبيق برامج أكثر فاعلية وأقل تكلفة لإعادة تأهيلهم، وزادت الوفَيَات في الدُّول المتقدمة من جرعات زائدة من العقاقير. تخيَّل الدمار الذي من الممكن أن يحدث إذا استطاع الناس تصنيع مجموعة من التركيبات الكيماوية المفضلة لهم، والتي تغير المِزاج في المنزل بطباعة أداة التفاعل اللازمة.

ستثير مصانع الكيماويات المصغَّرة خطرًا آخر، وهو إنتاج مواد كيميائية مجهولة. إن معظم العقاقير والمواد المنزلية مصنفة في فئات معروفة؛ لذا في حالة التسمم العرضي أو تناول جرعة دواء زائدة، يمتلك العاملون في الطب إطارًا قياسيًّا للعمل، يساعدهم في فهم أثر المادة الكيميائية على الجسم وكيفية علاجه، لكن إذا طبع الناس عقاقير أو حلولًا مصممة، فإن مهنة الطب ستواجه وقتًا عسيرًا أكثر في معرفة ما تناوله الشخص بالضبط وما هو الترياق اللازم لعلاجه.

على الرغم من ذلك، فإن إنتاج الكيمياويات قليل التكلفة له القدرة على مساعدة الناس كذلك. يقول كرونين: «يمكننا تخيُّل الطابعات الثلاثية الأبعاد في المنازل لتتحول إلى مصنِّعات للأشياء المنزلية، ومنها العلاجات والأدوية. ربما بتقديم «تطبيقات مصغرة» محكومة بدقة شبيهة بما تقدمه شركة أبل، يمكننا رؤية المستهلكين وهم يستعينون بمصمم عقاقير شخصي ليستخدموها في المنزل لصنع العلاج الذي يحتاجون إليه.»4

(١-٢) أمان المستهلك

خطر آخر ستثيره تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد، وهو أمن المستهلك، وهو أمرٌ ينظر إليه معظمنا في الدُّول الصناعية كأمر مسلَّم به. ما يسهل نسيانه هو عدد الإجراءات الوقائية القانونية والتنظيمية التي نُفذت على مدار السنوات للتأكد من أننا لن نتعرضَ لأي أذًى بواسطة المنتجات التي نشتريها.

لم يتعرض أحد للأذى بعدُ بسبب جزء آلة بديل مطبوع لا يعمل على ما يُرام أو لُعبة مطبوعة أو بسبب الطابعة الثلاثية الأبعاد ذاتها (ليس بنحو خطير على الأقل). أحد أصعب الجوانب القانونية فيما يتعلق بأمان المستهلك ليس القبض على المجرمين لكن معرفة من المسئول قانونيًّا عند حُدوث المشكلة.

إن قانون الضرر، رغم جاذبية اسمه، يُحِل الأطراف المتورطة من اللوم (أو البراءة) عندما يتعطل منتجٌ ما ويتعرض شخصٌ ما للموت أو الإصابة.

بموجب هذا القانون، فإن مسئولية أي طرَف تنتهي إذا استطاع البرهنة على أنه قام بمجهودات كافية لرد وتقليل مخاطر فشل المنتج في ظروف الاستخدام العادية. على سبيل المثال، فإن أي مُصنِّع للإطارات يمكن تحميله مسئولية انفجار الإطارات خاصته في كل مرة تزيد فيها سرعة السيارة عن ٨٠ ميلًا في الساعة؛ وحتى لو كانت هذه السرعة مجرَّمة قانونًا، لكن هذا سيناريو محتمل الحدوث. مع ذلك، فإن نفس مُصنِّع الإطارات لن يتحمل المسئولية إذا انفجر الإطار بعد قيام الشاري بالاصطدام بسيارته في رصيف.

إليكم سيناريو ربما يحدث يومًا ما في قاعات المحاكم. قل لي: من الطرَف الجاني في هذه الحالة النظرية؟ تطبَع مُحِبَّة للسيارات بنوايا حسنة مِقْود سيارة بمواصفات خاصة بنحو ثلاثي الأبعاد في ورشتها الواقعة في قبو منزلها. لا داعي للقول إن هذا المِقْود المطبوع لم يخضع لإجراءات فحص الجودة والأمان. لقد اشترت ملف التصميم من موقع شهير يبيع إكسسوارات سيارات جديدة وزاهية مثل معطرات الجو الحديثة ومقابض ناقل الحركة.

تبيع هذه السيدة المِقْود المطبوع عبر الإنترنت ويُركبه الشاري في سيارته. وبعد بضعة أسابيع، يكتشف متأخرًا جدًّا أن المِقْود المطبوع المخصص ينفك إذا أُدير بشدة لليسار أثناءَ القيادة بسرعة كبيرة، ويموت في حادث سيارة مأساوي.

تخيَّل أنك المحامي الذي يدافع عن عائلة الشاري الذي مات في حادث السيارة، فلِمَن ستحمِّل المسئولية؟ هل للشخص الذي صَنع ملف التصميم المَعِيب؟ أم للشخص الذي طبعه بنحو ثلاثي الأبعاد وباعه؟ أم للموقع الذي أعلن عن المِقْود؟ أم ربما مصنِّع السيارة التي رُكب المِقْود فيها؟ أم صانع الطابعة الثلاثية الأبعاد؟ أم موفِّر مادة الطباعة؟

يمكن للمعايير المساعدة في وضع حدود واضحة للمسئولية. في أوائل أيام ظهور المحركات البخارية كانت الغلايات تنفجر كثيرًا، مما تسبب بنحو متكرر في حدوث إصابات وأضرار. وكانت شركات التأمين تصر على تحديد المسئوليات بوضع معايير واضحة للإنتاج، ووُضعت في النهاية مجموعة من المعايير تحدد أدنى المتطلبات للتصديق على استخدام غلاية لضغط بخار محدد للعمل؛ مثل سُمْك المادة وهوامش الأمان وصمامات تحرير الضغط، وكانت الغلاية التي لا تتوافر فيها هذه المعايير في الغالب لا يُؤمَّن عليها.

ستُطوَّر معايير مماثلة للطباعة الثلاثية الأبعاد للمساعدة في وضع حدود للمسئوليات. سيجاهد صانعو الطابعات لترخيص طابعاتهم للعمل، وسيحاول منتجو مواد الطباعة الوفاء بأدنى المعايير المطلوبة لأداء المواد الخام أو الزيادة عليها. ومن المحتمل أن مصنعي المنتجات المعقدة المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد، في غياب معايير واضحة ومحددة للمسئولية، سيتنصلون من المسئولية بنحو تام، وهو موقف ستألفه إذا قرأت ترخيص المستخدم النهائي الذي توافق عليه بسرعة في كل مرة تثبت فيها برنامجًا جديدًا. ومعظم البرامج تُباع «كما هي، من دون أي ضمان يضمن ملاءمتها لأي غرض محدد».

سيتعلم المجرمون بسرعة استخدام تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد لتحسين أدواتهم وخدماتهم غير القانونية. ونواجه جميعًا مخاطر جديدة إذا حالَفنا الحظ السيئ واشترينا قطعة غيار مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد وتكون مقلدة أو مصنوعة برداءة لآلة معينة يمكن أن تتعطل في لحظة حرجة. ويمكن للأسلحة والكيمياويات الجديدة المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد أن تكون ذات أثر مدمر إذا وقعتْ في أيدي الأشرار. وفي المستقبل البعيد، ربما تتحول السوق السوداء للأعضاء البشرية إلى سوق سوداء للأعضاء المطبوعة بنحو حيوي والتي لا تخضع لأي تنظيم.

في الواقع، إن هذه المخاوف المهمة من المحتمل ألا تؤثِّر في معظم أنشطة حياتنا اليومية بقدر كبير، وأظن أن التحديَ القانونيَّ الذي سيواجه معظمنا سيكون التعامل مع قوانين عفا عليها الزمن للملكية الفكرية.

(٢) الطباعة الثلاثية الأبعاد وحقوق الملكية الفكرية

في العصور الوسطى، حارب الناس للسيطرة على الأراضي. ويُرجِع بعض الاقتصاديين أصول الرأسمالية الحديثة إلى العصور الوسطى حيث كانت الأراضي ذات الملكية العامة تقسم لوحدات مملوكة بنحو خاص. واليوم، تُجاهد الشركات للسيطرة على وحدات من الملكية الفكرية. وأصبحت الأفكار الثمينة تِجاريًّا هي الأراضي الجديدة التي تُمثِّل أساس اقتصادنا الحديث.

عندما انتشرت الوسائط الرقمية في أسواق المستهلكين، صنعت قضية نابستر الشهيرة نقطة تحول وحربًا معلنة بنحو رسمي بين محبي الموسيقى وصناعات الترفيه. لم يصل عالم الطباعة الثلاثية الأبعاد بعدُ إلى هذه النقطة، ويرى الناس أن الشركات الكبرى العدائية المعروف عنها أنها تحرس ملكياتها الفكرية بنحو شرس — مثل شركات الألعاب والبرمجيات والتكتلات الإعلامية — لا تشعر بعدُ بأنها بدأت تخسر المال بسبب نسخ مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد من منتجاتها.

ربما يتغير أسلوب «الانتظار والمراقبة» المتبع اليوم عندما تكسب تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد الزخم التِّجاري والحجم الكافيَيْن بحيث تحصل على جزء من المبيعات. وكما يقول الصحفي بيتر هانا: «إذا كنت تظن أن الطباعةَ الثلاثية الأبعاد التي تتيح كل شيء مجانًا للجميع حاليًّا أمرٌ أجمل من أن يدوم، فهي كذلك بالفعل؛ فمجتمع الطباعة الثلاثية الأبعاد اليوم صغير، وتَجنَّب — سواء بالصدفة أو عن قصد — الصدام مع أيٍّ من اللاعبين الكبار.»5

هناك عُتاة من منتهكي القانون، لكن المستهلكين المتحمسين وأصحاب المشروعات الصغيرة شيء آخر. يُفضِّل معظم الناس ومُلاك المشروعات الصغيرة وجود مجموعة واضحة من الإرشادات القانونية تخص الطباعة الثلاثية الأبعاد.

دعونا نستكشف سيناريو افتراضيًّا؛ يطبع مالك شركة صغيرة أو فرد هاوٍ بحسن نية بنحو ثلاثي الأبعاد، تمثالًا صغيرًا من البلاستيك، وهو نسخة طبق الأصل من شخصية رسوم متحركة شهيرة محميَّة بموجِب حقوق النسخ، ثم يعرض صانع اللعبة التمثال الصغير للبيع عبر موقعه على الإنترنت بمبلغ ٢٠ دولارًا.

بعد بضعة أسابيع، يرى المحامون العاملون في شركة عالمية للإعلام والألعاب النسخَ المطبوعة من التمثال متاحة للبيع عبر الإنترنت، ويرسلون رسالة «وقف وامتناع». والتهمة هي صنع نسخة غير مرخصة من لعبة محميَّة بموجِب حقوق النشر من دون الحصول على إذن الشركة العالمية ودفع مقابل للحصول على ترخيص بالطباعة، وتنص الرسالة على أن يزيلَ صانع اللُّعبة التمثال الصغير المطبوع من الموقع أو يتفاوض للحصول على ترخيص.

هنا، إذا كان صانع اللعبة حَسن النية ولا يدرك ما يسمَّى بقانون حقوق النشر، فسيزيل بسرعة وبأسًى اللُّعبة من موقعه، أو ربما أن صانع اللُّعبة لا يمتلك الجرأة الكافية أو المال الكافيَ ليستعين بمحامٍ ويدخلَ في معركة قضائية مع الشركة الكبيرة. هذا كل ما هنالك.

لكن ماذا لو سار الموقف بنحو آخر؟ ماذا لو قرر صانع اللُّعبة بعد وصول رسالة الوقف والامتناع من الشركة الكبيرة أنه في الواقع لا يخرق حقوق النشر الخاصة بها. ربما يوافق على التسوية ويتوقف عن بيع اللُّعبة الأصلية المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد المسببة للمشكلة. وبدلًا من ذلك، سيصمم ويبيع مجموعةً جديدة من التماثيل الصغيرة المطبوعة، وهي تماثيلُ بلاستيكية صغيرة تُمثِّل رءوسَ رؤساء دول مختلفة من جميع أنحاء العالم. هذه الرءوس ستوضع فوق أجسام لشخصيات شهيرة خاصة بالشركة الكبيرة. ومثل هذه التعديلات سيكون من السريع إنجازها ببرنامج تصميم وطابعة ثلاثية الأبعاد.

وتستمر الحكاية؛ فالشركة الكبيرة منزعجة وترسل إلى صانع الألعاب الجريء رسالة وقف وامتناع أخرى. ومعظم الناس أو أصحاب الشركات الصغيرة سيستسلمون عند هذه المرحلة؛ فهم لا يقدِرون على مقاضاة شركة عالمية عملاقة، ويتجاوزون المحنة بسلام، وخاصة إذا خسروا.

تستمر الملحمة الافتراضية؛ حيث يؤسس أحد الخيِّرين من أنصار حماية الحقوق المدنية صُندوقًا للمواجهة القضائية لمثل هذه المشكلات. وبمجرد سماعه بالأمر، يتدخل هذا الرجل ويعرض دفع فواتير المسائل القضائية، لكن من يبيع هذه التماثيل المطبوعة شخص مثالي؛ فهو يؤمن بشدة بأن قوانين حقوق النشر يجب تعديلها لتوفير إطار عمل عادل وعمليٍّ للطباعة الثلاثية الأبعاد، ويقرر أن يكونَ على قدر التحدي ويدفع المعركة القانونية إلى أقصى مدًى لها ضد الشركة الكبيرة.

ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ لا نعرف بعدُ، لكن الشركة الكبيرة ربما ستقيِّم التكاليف القانونية المحتملة مقابل الخسارة البسيطة في المبيعات التي تسبب فيها صانع التماثيل الصغيرة الثلاثية الأبعاد. في هذه الحالة، من المحتمل أن يقرر المديرون التنفيذيون للشركة الكبيرة أن الدعاية السيئة والتكاليف القانونية لا يساويان الفقد البسيط في العائد. مع ذلك، إذا بدأ الملايين من الشركات الصغيرة والمستهلكين في طباعة ألعاب محميَّة بحقوق نشر بنحو ثلاثي الأبعاد، فإن الشركة الكبيرة ستُضْطر للمواجهة والدخول في معاركَ قضائيةٍ. يمكننا إعادة السيناريو الافتراضي هذا بطرق عديدة مختلفة، وإذا كان الموقف يتضمن قطعة بديلة لإحدى الآلات مسجلة ببراءة اختراع ومطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد، فمن المحتمل أن يَنتج موقف قانوني مشابه.

وقتَ كتابة هذا الكتاب، لم تحدث بعدُ معركةٌ قانونية كاملة حولَ خرق لحقوق الملكية الفكرية. ونظرًا للسوابق القانونية المنشأة من خلال القضايا الخاصة بالوسائط الرقمية، فحدوث هذا وشيك، وقد بدأت بالفعل بضع مناوشات قانونية سريعة حول حقوق الملكية الفكرية.

صَمم شاب من المملكة المتحدة وطبع، بنحو ثلاثي الأبعاد، نسخةً بلاستيكية طبق الأصل، مستوحاة من أحد مجسمات شخصيات الرسوم المتحركة المملوكة لأخيه. لم تكن شركة «باراماونت» المصنِّعة لتلك المجسمات سعيدة بهذا؛ فأرسل محاموها رسالةَ تهديد للشاب، طالبوه فيها بحذف لُعبته المطبوعة، وحذروه من أن ما يفعله يخرق حقوق النشر الخاصة بالشركة. للأسف رضخ الشاب لهم بعد صدمته بالتهديد القانوني غير المتوقع.

يُعتبر قانون الملكية الفكرية سلاحًا ذا حدين؛ فيمكن للشركات الكبرى سحق منافسيها ووأد التقنيات المبتكرة مستخدمين المِلْكية الفكرية كسلاح لها. ومع ذلك، فإن صغار المخترعين والفنانين يعتمدون على حقوق الملكية الفكرية حتى يحصلوا على مبالغَ عادلةٍ من الناس أو الشركات التي تستفيد ماديًّا من اختراعاتهم أو أعمالهم الفنية. ولم يكن طالبُ المرحلة الثانوية المشارك في دورة التصميم والهندسة الصيفية الخاصة بنا والذي كان مهتمًّا بمسألة الملكية الفكرية، قلقًا من أن تنفذ شركة كبرى أفكاره دون إذنه؛ بل كان قلقًا من أن تسرقَها وتنسبَها لنفسها.

يكمن التحدي في هذا الأمر في وضع إطار عمل قانوني عملي لفهم المناطق الرَّمادية الكبرى والمنظورات المختلفة. من البسيط نسبيًّا تطبيق قوانين الملكية الفكرية الموجودة بالفعل بالقوة عندما يكون الجناةُ محترفي قرصنة أو مزوِّرين ينتهكون ملكية الآخرين عن عمد وبنحو تخريبي. لكن عندما تصبح الطباعةُ الثلاثية الأبعاد تقنيةً شائعة، فإن الأشرار التقليديين سيصبحون هم الاستثناء.

(٢-١) العلامات التِّجارية

كنتُ ذاتَ مرة في جزر الكاريبي في سوق مفتوحة، واشتريت حقيبة رياضية كبيرة رخيصة من القماش عليها علامة «نايكي» الرياضية على جانبها لكن بتعديل بسيط؛ كانت علامة الصح الخاصة بنايكي تقطع أخرى رأسية أصغر منها في الحجم. السبب في امتلاك الحقيبة المشابهة لحقائب نايكي الرياضية هذه العلامة الزائدة هو حماية صانعها من خرق العلامة التِّجارية للشركة الكبرى.

ومثل حقوق النشر وبراءات الاختراع، فإن العلامات التِّجارية تُعتبر من حقوق الملكية الفكرية. يخلِط الناس بين العلامة التِّجارية و«الاسم التِّجاري» أو «الشعار التِّجاري». عادةً ما تكون العلامة التِّجارية أكثر تحديدًا من هذا؛ فهي عادة علامة مسجلة أو «مظهر تِجاري» يشير إلى المستهلكين أن هناك منتجًا صنعته شركة معينة.

الغرض الأساسي للعلامة التِّجارية كان حماية المستهلكين. ومنذ ذلك الحين أصبحت أداة تسويق بشكل أكبر، ويمكن أن تصل قيمة العلامة التِّجارية المميزة إلى مليارات الدولارات.

ومثل براءات الاختراع، فإن العلامات التِّجارية يجب الحصول عليها من هيئة حكومية مركزية؛ فلا يمكنك بكل بساطة تسجيل شعار جذاب كعلامة تِجارية، فيجب أن يكون المنتج الذي ستضع عليه الشعار متاحًا للبيع. وإذا مرت خمس سنوات (وهذا يختلف من دولة لأخرى) من دون أن تتيح منتجك الحامل للعلامة التِّجارية للبيع، فتعتبر العلامة التِّجارية علامة مُهمَلة، ويمكن لأي شخص استخدامها.

(٢-٢) حقوق النشر

تحمي براءاتُ الاختراع الاختراعاتِ التي تمتلك نوعًا من القيمة المفيدة، كما يجب أن تكون العلامات التِّجارية نشطة تِجاريًّا. على العكس، فإن حقوق النشر تنطبق على الأعمال الإبداعية.

الفكرة في حقوق النشر هي أن أي عمل فني هو عمل تعبيري، ولا يهدف لمنفعة أو فائدة. وكما يفسر المحامي وخبير الطباعة الثلاثية الأبعاد، ويليام واينبرج: «الأجسام التي تقوم بوظائف لا يمكن حمايتها بحقوق النشر. الاستفادة كلمة فضفاضة، والملابس شيء مفيد، ويمكنك حماية شكلٍ ما يزين قطعة من الملابس بموجِب حقوق النشر، لكن لا يمكن بموجِبها حماية طريقة التفصيل نفسها.»6

ومثل براءة الاختراع، فإن حقوق النشر تعطي صانع العمل الأصلي حقوقًا حصرية لاستغلاله لمدة معينة من الوقت (وتختلف هذه المدة من بلد لآخر، لكن المدة القياسية هي عمر صانعه، ويزيد عليه ٧٠ عامًا). ويجب على الناس أو الشركات طلب إذن مالك حقوق النشر؛ من أجل إعادة إنتاج أو تعديل العمل أو بيعه أو إقراضه أو عرضه بنحو عام أو تقديمه أمام جمهور. ولا يحتاج الناس إلى الحصول على إذن إذا كانوا يخططون لاستخدام عمل أصلي فيما يسمَّى «الاستخدام العادل» مثل استخدامه في فصل دراسي على سبيل المثال.

وعكس براءة الاختراع، فإن حقوق النشر لا تُمنح من خلال عملية تقديم رسمية لوكالة حكومية مركزية. تظهر حماية حقوق النشر عندما يُقدم عمل إبداعي من خلال وسط ما. وتتيح الحكومات تسجيلًا رسميًّا لحقوق النشر، لكن على الرغم أنه من الممكن أن يكون التسجيل الرسمي وسيلة مفيدة لتحديد الأسبقية والملكية في حالة حدوث خلاف قضائي، فإنه ليس ضروريًّا.

من يمتلكون حقوق النشر يمكنهم محاولة محاربة خرق هذه الحقوق بمقاضاة من يدَّعون خرقَه لها. على الرغم من ذلك، وقبل البدء في إقامة دعوى قضائية، فإن صاحب الحقوق يجب عليه أولًا أن يطلب من المتهم بخرقها أن يتوقف عما يفعله باستخدام ما يُسمَّى بإخطار وقف، وإذا لم يكن المتهم بالخرق يدرك أنه يخرق حقوق النشر ويُوقِف ما كان يفعله، فلن يكون هناك أي مشكلة. المشكلة هنا — والتي تحدث بنحو متكرر — هي أن المتهم بالخرق ربما لا يكون قد خرق الحقوق بالفعل، لكن معظم الناس لا يريدون الذهاب إلى المحاكم لمعرفة هذا.

نظن أن أحد أكثر الأمور الشائكة في المعارك المستقبلية المتعلقة بحقوق النشر سيكون التعامل مع مسألة «الأعمال المشتقة»؛ فطبقًا لقانون حقوق النشر، فإن العمل المشتق هو عمل إبداعي يتضمن بعض المواد المنشورة سابقًا، والمحميَّة بموجِب حقوق النشر؛ فالترجمات تُعد مثالًا للعمل المشتق، كما تُعتبر الأغنيات الساخرة من أغانٍ شهيرة أعمالًا مشتقة.

إذا عَدَّلت ملف التصميم لجسم موجود ومحميٍّ بحقوق النشر لصنع جسم جديد، ففي أي مرحلةٍ أنت تصنع عملًا مشتقًّا؟ وفي أي مرحلةٍ أنت تصنع عملًا جديدًا تمامًا (أي إنك الصانع)؟ أم أنك، عن عمد أم لا، تسرق ببساطة المجهود الإبداعي لشخص آخر؟

إذا تصفحت أي موقع إلكتروني يعرض منتجات مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد أو ملفات تصميم للبيع أو للتبادل، فربما ستقابل القليل من الأشياء التي ربما تكون محمية بموجب حقوق النشر. لكن السبب في أن الشركات الكبرى التي لها منتجات ذات علامات تِجارية لا تقاضي صغار المصممين ومحبي الطباعة الثلاثية الأبعاد ليس هو النية الحسنة بل المال؛ فالبضائع المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد التي يمكن أن تخرق حقوق النشر لشخص ما لا تُباع بأعداد كبيرة تكفي لتَدُق أجراسُ الإنذار بالنسبة إلى شركة ألعاب كبرى أو شركة عالمية للبضائع الاستهلاكية.

(٢-٣) براءات الاختراع

أحد الاعتقادات الخاطئة الشائعة عن براءات الاختراع هو أن الحصول عليها يعني أن فكرتك ستظل سرية، لكن الأمر هو العكس تمامًا؛ فعندما يحصل مخترع على براءة اختراع لابتكار ما، تُفصح هيئة براءات الاختراع في الدولة عن المعلومات الضرورية التي تُمكِّن شخصًا آخر «ماهرًا في الفن» من تكرار الابتكار.

أحد الأسباب التي دفعت الحكومات إلى إنشاء هيئة مركزية لبراءات الاختراع كان إعطاء المخترعين الحافز للكشف عن ابتكاراتهم علنًا، وطبقا لموسوعة ويكيبيديا، فإن براءة الاختراع في الواقع هي «حق ملكية محدود، تمنحه الحكومة للمخترعين مقابل موافقتهم على مشاركة تفاصيل اختراعاتهم مع الآخرين. ومثل أي حق ملكية آخر، يمكن أن يُباع أو يُرخَّص أو يُرهَن أو يُنقَل أو يُخصَّص أو يُوهَب أو يُتنازَل عنه بكل بساطة.»7

هناك فرق قانوني كبير بين براءة الاختراع وسر المهنة. سر المهنة هو عندما يَمنع مخترعٌ ما منافسيه من استخدام نفس فكرة المنتَج ببساطة بعدم إخبار أي شخصٍ عن كيفية عمل ذلك المنتَج. ولا يتم أبدًا الكشف عن سر المهنة، كما أنه لا يحصل على فترة حماية رسمية محددة ولا يُحدد له تاريخٌ يُكشف عنه بعده.

لكي يكونَ الابتكار قابلًا للتسجيل كبراءة اختراع، يجب أن يكون جديدًا ومفيدًا؛ كما يجب أن تكون عملية أو آلة أو أداة تصنيع أو تركيب لمادةٍ مبتكرةً بما يكفي. في الولايات المتحدة، تدوم براءة الاختراع لعشرين عامًا من تاريخ تقديمها لهيئة براءات الاختراع. بمجرد إصدار براءة الاختراع، فإنها تَمنح صاحبها الحق في منع الآخرين من استعمال الاختراع. يتقدم المخترعون للحصول على براءات الاختراع في وكالة حكومية مدارة بنحو بمركزي، تُسمَّى داخلَ الولايات المتحدة «مكتب براءات الاختراع الأمريكية». ويمكن أن يكون المخترع الذي يريد الحصول على براءة اختراع فردًا أو مجموعة من الناس أو شركة أو عدة شركات.

الطريقة الوحيدة لتفعيل حقوق براءة الاختراع هي المقاضاة. إذا كنتَ مخترعًا تمتلك براءة اختراع، وتظن أن شركة أخرى تستخدم اختراعك من دون موافقتك، فيمكنك مقاضاتهم بخرق براءة الاختراع. ومن المعروف أن فك اشتباك الأفكار في المحاكم أمرٌ معقد. على سبيل المثال، فإن أي تقنية — الهاتف المحمول على سبيل المثال — يمكنها أن تتضمن آلاف التقنيات التي تحميها براءات الاختراع التي يمتلكها مِئات المخترعين المختلفين.

يكمن التحدي في أن عملية نسخ أجسام معينة وطباعتها بنحو ثلاثي الأبعاد لا تتوافق مع التصنيفات التي ذُكرت آنفًا بنحو دقيق، فإذا لم تكن تقنية المنتج محميَّة ببراءة اختراع، فلا يوجد هناك أي خرق لتلك البراءة. وإذا لم تكن هناك علامة تِجارية مسجلة لتلك الأجسام الثلاثية الأبعاد، فلا يوجد هناك أي خرق للعلامة التِّجارية. وأخيرًا، إذا كان الجسم المادي ذا فائدة أو منفعة ما، فهو ليس محميًّا بحقوق النشر كذلك.

(٢-٤) إدارة الحقوق الرقمية

من الصعب تطبيق قانون الملكية الفكرية؛ وخاصة عندما يصنع مليارات الأشخاص حول العالم نسخًا من أشياءَ ويتشاركونها مع أصدقائهم بكل سعادة؛ فأصحاب حقوق الملكية الفكرية لن يمكنهم مقاضاة كل هؤلاء، فالشركات الإعلامية التي تحاول حماية حقوق الملكية الفكرية خاصتها من خلال القضاء تخوض معركة خاسرة، وكما يقول نيل جيرشينفيلد، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «لا يمكنك مقاضاة الجنس البشري بأكمله.»

وبما أن القضايا مكلفة للغاية وبطيئة وغير فعَّالة — وخاصة ضد المستهلكين — فإن الشركات الكبرى تتَّبع أسلوبًا شائعًا للدفاع عن حصصها في السوق، وهو الإجراءات الوقائية التقنية، أو ما يُسمَّى بإدارة الحقوق الرقمية. على سبيل المثال، تطبق شركة أبل إدارة الحقوق الرقمية على الملفات التي تنشرها على تطبيق آي تيونز خاصتها لمنع الناس من صنع أكثر من عدد معين من النسخ. وعندما يكسر الناس حماية هواتف الآي فون، فإن السبب الذي يتيح لهم تنزيل أي شيء يريدونه دون دفع أي مقابل هو أنهم تخلصوا من إدارة الحقوق الرقمية. هذه الإدارة هي السبب الذي يمنع نسخ أي كتاب إلكتروني على قارئ إلكتروني آخر.

لا تمتلك برامج التصميم التِّجارية والطابعات الثلاثية الأبعاد نظامًا رسميًّا لإدارة الحقوق الرقمية حتى الآن. في عام ٢٠١٢، حصل فرع لشركة وساطة براءات الاختراع إنتلكتيوال فنتشارز على براءة اختراع رقم ٨٢٨٦٢٣٦. كان الاختراع الحاصل على البراءة يخص إدارة الحقوق الرقمية لآلات التصنيع ومنها الطابعات الثلاثية الأبعاد. باختصار، فإن ملفات التصميم ستحتوي على تقنية لإدارة الحقوق الرقمية، فإذا قرأتْ طابعة ثلاثية الأبعاد أي ملف تصميم محتوٍ على هذه التقنية فإنها سترفض طباعته وهو ما يشبه رفض أي تطبيق برمجي للعمل بعد انتهاء مدة صلاحية رمز الترخيص خاصته.

ربما تكون تقنيات إدارة الحقوق الرقمية محاولة لا طائل منها لكبح التيار الجارف الخاص بالطباعة الثلاثية الأبعاد. هذه التقنيات تخلق سباقًا جاريًا في التسلح بين المستهلكين والشركات. وفيما يتعلق بالطباعة الثلاثية الأبعاد، هناك تعقيد آخر: الأجسام المحميَّة بحقوق النشر أو براءة الاختراع التي تخضع للمسح الضوئي ثم الطباعة الثلاثية الأبعاد لا تلتقطها إدارة الحقوق الرقمية المغروسة في ملفات التصميم. وكما يوضح سايمون برادشو وأدريان بوير وباتريك هاوفه: «المشكلة هي مشاركة التصميمات التي تخضع للهندسة العكسية — والتي يُنظر إليها كأمر مشروع — وليس مستندات التصميم الأصلية.»8

صنعت مؤسسة البرمجيات الحرة — ربما تحسبًا لصراع جديد يخص إدارة الحقوق الرقمية — برنامج اعتماد يُسمَّى «احترم حريتك». تعتمد المؤسسة بائعي الأجهزة الإلكترونية الذين تَستوفي منتجاتُهم معاييرَ المؤسسة الخاصة بحُرية المستخدم والتحكم في المنتج والخصوصية، وتصف المؤسسة على موقعها معاييرها لبرنامج الاعتماد هذا، فتقول: «نحتاج، كمواطنين وعملاء لتلك الشركات، إلى التعبير عن رغبتنا في نوع جديد من الأجهزة يمكن للجميع دعمها لأنها تحترم حريتك.» كان أول من حصل على الاعتماد طابعةً ثلاثية الأبعاد من طراز «لولز بوت» والتي تبيعها شركة «ألف أوبجيكتس».

قرأت مؤخرًا أن بعض الاستبيانات تشير إلى أن معدلات القرصنة على ملفات الموسيقى بدأت أخيرًا في التراجع. لم يتوقف الناس عن نسخ ملفات الموسيقى بسبب خوفهم من العقاب القانوني. بدلًا من ذلك، أصبح محبو الموسيقى يدفعون المال عن طيب خاطر لشراء ملفات الموسيقى بسبب أن شركات الموسيقى في النهاية اتبعت أسلوبًا أفضل في بيع الموسيقى الرقمية؛ إذ أصبحت الألبومات الموسيقية تَصدُر بسرعة بنحو رقمي (ولا تتأخر عن عمد)؛ كما أصبحت المتاجر الإلكترونية أكثر سهولة في الاستخدام وتطورت تقنيات التنزيل والدفع عبر الإنترنت.

(٣) الحصرية مقابل حرية الابتكار

لماذا تنفق الشركات مبالغَ كبيرة مقابل الخدمات القانونية لمنع منافسيها والعملاء من صنع نسخ من منتجاتها؟ الافتراض الشائع هو أن امتلاك الحق الحصري لصنع أو بيع منتج معين أو علامة تِجارية معينة هو مِفتاح تحقيق الربح. وهذه الفكرة عميقة الجذور؛ فيصر المدافعون بشدة عن حقوق الملكية الفكرية على أن تفعيل تلك الحقوق والتحكم فيها على نحو صارم يصنعان أساسًا لاقتصاد قوي وقائم على الإبداع.

لكن الواقع هو أن الأمر ليس بهذه البساطة؛ فكل منتج أو مجال صناعي يستفيد بدرجة مختلفة. بمعنى آخر، إن حقوق الملكية الفكرية ليست ضرورية دائمًا لتحقيق الربح. في الواقع، فإن بعض الناس يدَّعون أن براءات الاختراع وحقوق النشر في الواقع تخنق التدفق الحر للأفكار الضروري لمساعدة الشركات الإبداعية في النمو والازدهار.

(٣-١) طابعة ريب راب

لمعرفة المزيد عن الطباعة الثلاثية الأبعاد والحصول على منظور بديل حول الملكية الفكرية، سافرنا إلى التلال المرتفعة الممتدة في جنوب غرب إنجلترا للتحدث إلى أحد أكثر الأشخاص تأثيرًا في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد، وهو أدريان بوير، صانع طابعة «ريب راب» الشهيرة. يقول أدريان: «براءات الاختراع تَكبح جِماح التطور، هذا أمرٌ لا جدال فيه؛ فهي بطبيعتها تمنح حق احتكار لأي شخص يمتلكها لمدة ٢٠ عامًا.»

ويضيف أدريان قائلًا: «لقد سجل جيمس واط براءة الاختراع للعديد من الجوانب الحيوية للمحرك البخاري، لكن انظر إلى ما حدث لتطور المحرك الذي لم يتغير طيلة عشرين عامًا من عمر براءة اختراع وات، لكن عندما انتهت صلاحية براءة الاختراع، حدث تطور وابتكار كبيران ثم حدثت الثورة الصناعية.»

عندما صنع أدريان وطلابُه طابعة ريب راب في عام ٢٠٠٤، لم يكن لديهم أي علم أنها ستصبح تقنية ثورية وتجرِبة في حقل حقوق الملكية الفكرية. ظهر مشروع ريب راب في جامعة باث. تقع مدينة باث القديمة بالقرب من المنزل السابق للروائية جين أوستن. تحيط بالمدينة أقواسٌ حجرية قديمة بُنيت خلال العصر الروماني، كما تتخلل البيوت الكبيرة التي أُعيد ترميمها التلال الخصبة الممتدة.

figure
طابعة ريب راب ثلاثية الأبعاد مفتوحة المصدر يمكنها صنع معظم المكونات غير التقليدية التي صُنِعت منها مما يؤدي إلى تحفيز إعادة إنتاجها وتحدي الأطر النظرية للملكية الفكرية (الصورة مهداة من أدريان بوير ومشروع ريب راب).

وسط هذه العجائب الأثرية القديمة، ظهرت طابعة ريب راب كشكل حديث ثوري من تطور المنتج. منذ البداية، كانت الطابعة تمتلك خاصيتين جعلتاها متفردة. الأولى، هي أن أدريان قرر مشاركة مخططاتها الأساسية مجانًا عبر الإنترنت باستخدام ترخيص مفتوح المصدر. لم يسْعَ عن عمد للحصول على براءات اختراع تخص تقنية الطباعة والتصميم للطابعة. ثانيًا: صُممت الطابعة باستراتيجية عمل غير تقليدية، وهي ألَّا يحتاجَ مستخدمها إلى شراء طابعة أخرى من نفس النوع مطلقًا.

كانت الرؤية طويلة الأمد للمشروع هي أن كل طابعة ريب راب ستكون قادرة على صنع قطع الغيار خاصتها. بهذه الطريقة، فإن قطع الغيار هذه يمكن طباعتها ولن يكون هناك حاجة لشرائها. وإذا أراد مستخدم ما صنع طابعة ريب راب جديدة (أو الآلاف منها)، فإنه ببساطة سيَطبع بنحو ثلاثي الأبعاد أجزاءها على طابعته التي يَستخدمها ويجمعها بنفسه. ومثل توالد الأرانب، فإن صنع طابعة ريب راب يمكن أن يتزايد بمعدل مطَّرِد.

تجلب فكرة الآلة التي تتكاثر ذاتيًّا للأذهان صورةً شهيرة للرسام الهولندي إيشر التي تصوِّر رجلًا يرسم رجلًا يرسم رجلًا، وهلمَّ جَرًّا لما لا نهاية؛ حتى تصبح الرسومات المتناهية الصغر ولا يمكن رؤيتها. إن معظم الآلات وحتى التي تكون مخططاتها الأولية مفتوحة المصدر لا يمكنها تصنيع قطعها البديلة، أما طابعة ريب راب، فهي النسخة المادية من لوغاريتم حاسوبي متكرر بنحو لا نهائي.

يمكن أن يؤديَ هذا إلى عدة أشكال من الإخلال بالنظام السائد. إذا استطاعت آلةٌ صنعَ قطع الغيار خاصتها، فسيكون من الصعب لأي شركة ادعاء امتلاكها لحقوق براءة اختراع بشأنها والدفاع عنها. استراتيجية أخرى للعمل شائعة الاستخدام، وهي التقادم المخطط ستنتهي تمامًا كذلك. تستفيد بعض الصناعات إذا تعطلت منتجاتها بسرعة، لكن فقط في اللحظة المناسبة. في هذه الحالات، فإن المهندسين يحسبون كيف يصممون ويصنعون منتجًا بأفضل طريقة ممكنة؛ حتى يبقى لأطول فترة ممكنة حتى ينتهيَ الضمان، لكن ليس كثيرًا بعد ذلك. لا تتصور أن هذا الأمر مَحْض خيال وليس له أساس في الواقع.

سألنا أدريان عن رؤيته لبراءات الاختراع، فقال: «أحد الأمور التي لا يبدو أن كثيرًا ممن يعملون فيما يُسمَّى بالأعمال التقليدية يفهمونها هو أنه من الممكن أن تمتلك شركة تبيع أشياءَ مجانًا بالكامل، وما زال يمكنك الحصول على ربح. سيقول الناس إنك لا تمتلك أي حقوق ملكية فكرية؛ فكيف سيمكنك تحقيق الربح؟ والإجابة هي: يجب أن تجد طريقة لإضافة قيمة.»

إن مشروع ريب راب ليس ضد التجارة. عندما يناقش أدريان الأثر الخاص بمشاركة تصميمات الآلات بنحو مجاني، يوضح أن براءات الاختراع وحقوق النشر يجب أن تكون ببساطة خيارًا من ضمن خيارات عدة. في الواقع، وفي وقت كتابة هذا الكتاب، فإن أدريان كان يُنهي فصله الدراسي الأخير في جامعة باث ولديه خطط لإطلاق شركة ناشئة لبيع خدمات طابعة ريب راب.

فسر أدريان هذا الأمر: «فكرة أنه لا يمكنك إدارة شركة رابحة بسبب تخليك عن الملكية الفكرية هي مَحْض هُراء واضح. كل ما يمكنك القيام به هو إضافة قيمة.» إن منظور أدريان عن الملكية الفكرية منظور مباشر: إذا كانت قوانين الملكية الفكرية لا تفيد الناس، فهناك حاجة إلى تغييرها.

مستخدمو طابعات ريب راب وفاب آت هوم لهم الحرية في الحصول على براءة اختراع للتحسينات التي يدخلونها عليها؛ على سبيل المثال، رأس طباعة خاصٍّ يتحمل وضعه وغسله في غسالة الأواني. يوضح أدريان أن مقاضاة أي صاحب شركة لعملائه أمرٌ فَظ وعقيم لحماية نموذج العمل خاصته. يقول في هذا الإطار: «أي تطور أو تحسُّن في برنامج أو تصميم أو إلكترونيات طابعة ريب راب يأتي من مبادرات المستخدمين أنفسهم، فليس هناك أي جهة رئيسية تعطي الإرشادات؛ فالمستخدمون أنفسهم يستثمرون الوقت والتفكير في العملية التطورية لتصميم الطابعة. وإذا أَلهموا مستخدمين آخرين فيمكنهم التجمع معًا ودمج مجهوداتهم.»

تُعتبر طابعة ريب راب تجسيدًا للتصميم والإنتاج اللذين يتحكم فيهما المستخدم تمامًا. ومثل طابعة فاب آت هوم الثلاثية الأبعاد، فإن المخططات الأولية لتصميم طابعة ريب راب مفتوحة المصدر. ومثل كود برنامج مفتوح المصدر، فإن التعليمات لبناء طابعة ريب راب أو فاب آت هوم متاحة بالمجان عبر الإنترنت؛ فلا يدفع المستخدمون أي رسوم أو مبالغ للحصول على حقوق النشر.

وَجد بعض العناصر من تصميمات ريب راب وفاب آت هوم طريقَه داخلَ النماذج التِّجارية. تتمثل إحدى النتائج البارزة في الطابعة «ريبليكيتور ١» من شركة ميكربوت، وهي إحدى أشهر الطابعات الثلاثية الأبعاد تجاريًّا على مستوى المستهلكين في السوق. اليوم يمكن العثور على طابعتَيْ ريب راب وفاب آت هوم في كل مكان حول العالم، إحداهما صُممت بِناء على المخططات الأولية الأصلية والأخرى على تصميمات معدلة.

figure
مشروع طابعة فاب آت هوم ثلاثية الأبعاد ومفتوحة المصدر (٢٠٠٦) (الصورة مهداة من فريق فاب آت هوم وتصوير فلوريس فان برويجل).

إذا أثرت هذه الطابعات مفتوحة المصدر في مثيلاتها التِّجارية، فإنه من الجدير ذكر أن تقنية الطباعة التِّجارية أثرت في طابعتَي ريب راب وفاب آت هوم. مع ذلك، فإن شركات الطباعة الثلاثية الأبعاد التِّجارية التي امتلكت براءات الاختراع، والتي تعرضت للخرق من قبل تصميم طابعة ريب راب، لم تحاول قط إيقاف مشروع ريب راب (على الأقل حسب عِلمنا)، ربما بسبب أن مشروع ريب راب لم يتضمن بيع أو تصنيع طابعات ثلاثية الأبعاد بنحو مباشر، ولكن تضمَّن فقط المشاركة المفتوحة لتصميمات الطابعات. ربما يرجع هذا إلى أن الشركات الكبرى هذه أدركت أن الدعاية الإيجابية التي نتجت عن مشروع ريب راب ستزيد من شهرة مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد بالكامل، أو أنها أدركت أنه إذا استخدم الطلاب طابعات ريب راب في المدرسة، فإنهم سيتخرجون ويحصلون على وظائف، وفي النهاية سيستخدمون الطابعات التِّجارية الحديثة في العمل.

ما الذي سيفعله توجه ريب راب — المتمثل في تجنب حقوق الملكية الفكرية والتحكم في إنتاج وتصميم الطابعة — في الأفكار التقليدية عن التجارة؟ يعتقد أدريان أن السلع المادية تصبح أكثر سهولة في صنعها وتوافرها. يقول في هذا الشأن: «العملة الجديدة للمجال ستكون الحصرية.» فكلما زادت سهولة صنع نسخ من الأجسام المادية، جاهد الناس لامتلاك أشياء لا يمتلكها أحد غيرهم.

إذا أصبحت الحصرية الميزة التنافسية الجديدة، فإن النتيجة ستكون سباقًا محمومًا في الأصالة والابتكار بين المستهلكين والشركات؛ فمن جانب، تسهِّل أكثر أدوات التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد صنع سلع فريدة وحسب الطلب. لكن على الجانب الآخر — وللمفارقة — فإن نفس هذه الأدوات ستسهِّل النسخ والتعديل البسيط لمنتج فريد من نوعه.

أثناء حديثنا مع أدريان، أوضح قائلًا: «بمجرد أن تظهر الأفكار الجديدة أو أن تصبح فكرة قديمة كانت باهظة جدًّا رخيصة جدًّا بسبب التكنولوجيا، فإن الفكرة الجديدة ستغرق العالم بفضل تقنيات الاتصال التي نمتلكها حاليًّا.» بمعنًى آخر، عندما يمكن لأي شخص صنع أي شيء تقريبًا، سيصبح قانون الملكية الفكرية أداةً غير مجدية في التحكم في انتشار الأفكار.

بطريقة ما، عندما تصبح الهندسة العكسية للأجسام المادية ونسخها أكثر سهولة، فإن قوانين الملكية الفكرية ستصبح أكثر أهمية لأي شركة تحاول الحفاظ على مكان مناسب لها في السوق. على الرغم من ذلك، فإن تفعيل حقوق الملكية الفكرية بالقوة — سواء عن طريق القانون أو إدارة الحقوق الرقمية — ليس أمرًا فعالًا دائمًا. يلخص أدريان الأمر قائلًا: «يجب على قانون براءة الاختراع العمل بنحو قوي لإحداث أقل أثر على الاقتصاد. عندما يستخدم السياسيون قانون الملكية الفكرية لإدارة الاقتصاد، فإن الأمر يشبه توجيه آلة بروافعَ من الجيلي.»

(٣-٢) الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر

يُعتبر مشروعَا ريب راب وفاب آت هوم مثالَيْن جيدَيْن للأجهزة الإلكترونية التي تُتاح تصميماتها بنحو مجاني. هناك عدد صغير لكنه مُتنامٍ من المبتكرين الذين أصبحوا يتيحون تصميمات أجهزتهم بنحو مجاني؛ مما يحررها من شروط الاستخدام المحددة. وفيما يشبه فلسفة البرمجيات المفتوحة المصدر، فإن حركة الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر تُعتبر ردًّا على القيود التي تفرضها قوانين الملكية الفكرية الحالية.

وقتَ كتابة هذا الكتاب، فإن تراخيص الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر ما زالت في مهدها، وبتطور الحركة، فإن عدد وتنوع التراخيص المتاحة سيَزيدان على الأرجح. ومثل تراخيص البرمجيات المفتوحة المصدر، فإن تلك التراخيص تتيح للمبتكرين الآخرين استخدام وتعديل تصميمات أي مبتكر آخر. ويسمح بعض التراخيص بالاستخدام التِّجاري للتصميمات المعدلة.

أحد أهداف حركة الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر هو صنع نظام صديق للأعمال ونابض بالنشاط؛ حيث يمكن مشاركة تصميمات الأجهزة بالمجان وبأمان لكن بطريقة منظمة بعض الشيء. يمتلك العديد من أنصار نماذج الترخيص الخاصة بالحركة شركةً أو يعملون فيها، وبالنسبة إلى العديدين منهم، فإن الربح يكمن في بيع نسخ محسَّنة من تصميمات مفتوحة المصدر أو عروض خدمية.

نجح عالم البرمجيات في إحداث توازن ناجح بين البرمجيات التِّجارية والبرمجيات المفتوحة المصدر لسنوات. تتيح تراخيص البرمجيات المفتوحة المصدر للقراصنة والمطورين والشركات بديلًا معروفًا ومحددًا لبراءات الاختراع وحقوق النشر والتراخيص التِّجارية التقليدية. في الحقيقة، فإن العديد من الأدوات البرمجية مغطاة بمجموعة متنوعة من تراخيص البرمجيات المفتوحة المصدر.

على العكس، فإن مصممي الأجهزة لديهم خيارات محدودة، فبصورة عامة، فإن براءات الاختراع مقبولة؛ لكن ليس كل المخترعين والشركات الصغيرة الذين يصممون لوحات الدوائر الإلكترونية أو الأجهزة يريدون التكاليف والتعقيدات القانونية التي تصاحب عملية تسجيل براءة الاختراع، كما أنهم لا يرغبون تحديدًا في الحصول على الحق القانوني الذي يمنع الآخرين من استخدام ابتكارهم.

إذا اختار المخترعون أن يجعلوا تصميم الأجهزة الإلكترونية خاصتهم مفتوح المصدر، فإنهم يتيحون للجميع كل المخططات (أي الوصف التفصيلي للأجزاء والبرمجيات والرسومات وملفات «اللوحة» الضرورية)، وهي المعلومات الأساسية التي سيحتاج إليها أي شخص لإعادة صنع نسخة طبق الأصل من المنتج أو الجسم. وتُتاح هذه المعلومات المنشورة بموجِب ترخيص يحدِّد الاستخدام المقبول.

يمكن للأجهزة مفتوحة المصدر أن تمتلك روح مخاطرة إذا أراد المخترعون ذلك؛ فبمجرد أن يصبح المخطط الأصلي للتصميم مفتوح المصدر، يتحول إلى ما يُعرف باسم «الابتكار السابق». الابتكار السابق هو المعلومات التقنية التي نُشرت من قبلُ عن ابتكار ما، وهو ما يجعل من الصعب لغير المبتكرين ادِّعاء مِلكيتهم للفكرة والحصول على براءة اختراع لها.

إن مجموعة التراخيص التي وضعتْها حركة الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر ما زالت في مهدها وليست في مرحلة ناضجة كما هو الحال مع البرمجيات المفتوحة المصدر. على الرغم من ذلك، فإن استخدام الأجهزة المفتوحة المصدر آخذ في التزايد بفضل مجتمع المجال المتحمس، والرؤية والجرأة لشابتين، وهما أليشا جيب وآية بدير. في مجتمع مجال يزيد فيه عدد الرجال عن النساء، فإن أليشا وآية تبرزان كقائدتَيْن واختصاصيتَيْ تقنية ورائدتَيْ أعمال.

في مقابلة مع مجلة «ميك»، وصفت أليشا حركة الأجهزة الإلكترونية المفتوحة المصدر كحافز للابتكار التقني قائلةً:
أعتقد أن الأجهزة المفتوحة المصدر هي نظام براءات الاختراع الخاص بالقرن الحادي والعشرين … كما أنها لا تتعلق بجعل الابتكار أمرًا مفتوح المصدر فقط لكنها كذلك تحرره؛ لكنها لا تأتي مصحوبة بعشرين عامًا من الحقوق الحصرية. الفائدة هي أن هناك مجتمعًا كاملًا يضيف إلى تصميماتك ويبتكر ويشارك أعماله الداعمة لمنتجك. إنها تدفع المصمم الأصلي لصنع منتج أفضل والاستمرار في تطويره، بدلًا من حبسه في حالة ركود لمدة عشرين عامًا.9

ربما لا تكون الأجهزة المفتوحة المصدر هي الحل لكل أنواع الابتكارات، لكن فلسفتها تصلح بنحو كبير للمنتجات المعقدة نسبيًّا؛ مثل البرمجيات والإلكترونيات، حيث ما زالت خبرة الصانع الأصلي أمرًا مطلوبًا بعد إتاحة مخططاتها الأصلية. إن قليلًا من الناس يمكنهم تطوير الخوارزميات أو الدوائر الإلكترونية المعقدة، المصممة من قِبَل شخص آخر؛ لذا فإن المصمم الأصلي عادةً ما يظل متحكمًا في المشروع حتى بعد إطلاقه.

على الرغم من ذلك، فإن الابتكار البسيط يُنسخ ويُنسى صانعُه الأصلي بسهولة، ومن المحتمل أن صانعه لن يقدِر على الاستفادة من إضافة قيمة إليه إذا لم تكن هناك حاجة لخدماته كخبير؛ وهذا صحيح، خاصةً بالنسبة إلى الابتكارات البسيطة الرائعة التي يُدرَك كُنهها بعد فترة بسيطة. أتساءل هل كان هذا السبب في أن بعض المدافعين الصريحين عن تراخيص الأجهزة المفتوحة المصدر هم مطورو برمجيات وأشخاص يبتكرون أجهزة إلكترونية معقدة، لكن الناس الذين يبتكرون وصفة جديدة لمادةٍ ما أو جهازًا ميكانيكيًّا جديدًا، غالبًا ما يستمرون في الاعتماد على براءات الاختراع.

(٣-٣) براءات الاختراع المتناهية الصغر

بتطور الطباعة الثلاثية الأبعاد، فإن تراخيص الأجهزة المفتوحة ربما تكون بديلًا جيدًا لقوانين الملكية الفكرية وإدارة الحقوق الرقمية. تتمثل احتمالية أخرى في تهيئة نظام الملكية الفكرية الحالي ليصبح أكثر ودية للشركات الصغيرة والمبتكرين الأفراد. ضع في الاعتبار أنه في الدول ذات الدخول المنخفضة، تمنح القروض المتناهية الصغر الأفراد الفرصة لإنشاء شركات صغيرة. وفي عملية تطوير المنتجات الجديدة، يمكن لبراءات الاختراع المتناهية الصغر المساواة في مسألة براءات الاختراع بين الشركات الكبيرة والصغيرة.

وفيما يشبه براءة التصميم أو المنفعة العادية، فإن براءة الاختراع المتناهية الصغر ستصدر رسميًّا من هيئة تسجيل براءات اختراع حكومية. وعلى الرغم من ذلك، فإنها ستكون وحدة خاصة بالملكية الفكرية أصغر من براءة الاختراع الكاملة؛ ولذا ستكون أقل تكلفة وأسرع في الإصدار. وربما يمكن لهيئة تسجيل براءات الاختراع وضع حد إلزامي لمجال البراءة لتصبح مؤهلة لتوصف بأنها براءة اختراع متناهية الصغر.

إليكم كيف سيسير الأمر مع براءات الاختراع المتناهية الصغر. في مقابل بضع مئات من الدولارات، يمكن للمخترع تقديم مستند يصف اختراعه لهيئة حكومية مركزية لبراءات الاختراع المتناهية الصغر. هذا المستند المقدم سيكون محدد الوقت وسيصدر على الفور، وستكون دورة حياة براءة الاختراع المتناهية الصغر أقصر؛ ربما خمس سنوات وليس عشرين. ومثل العلامة التِّجارية، فإن براءة الاختراع هذه ستحمي فقط الأشياء المباعة تِجاريًّا لمنع الاحتيال. ومثل براءة الاختراع الكاملة، فإنها ستغطي التطبيق النافع. ومثل حق النشر، فإنها ستكون سهلة ومباشرة في الحصول عليها.

يرى البعض أن توافر براءات الاختراع المتناهية الصغر سيؤدي إلى اختناق عالم براءات الاختراع وتفتيت فضاء الملكية الفكرية. لكن دورة حياتها ذات الخمس سنوات ستجعل هذا غير محتمل الحدوث. في الحقيقة، فإن مجال استخدامها المحدود سيسهل للمخترعين الآخرين العمل على اختراعات موازية. وسيجعل شرط وجوب استخدامها تجاريًّا لتظل صالحة من الصعب بالنسبة إلى الشركات استخدام مجموعة كبيرة منها لسد الطريق على منافسيها.

في الحقيقة، إن براءات الاختراع المتناهية الصغر ستحسِّن من النسبة بين الإجراءات القانونية والاستخدام العملي؛ ففي النهاية، يُبذَل الكثير من المجهود في تقييم براءات الاختراع والحصول عليها، لكن معظم براءات المنفعة الصادرة نادرًا ما تُستخدم تِجاريًّا. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسبة ٠٫١ بالمائة تقريبًا من براءات الاختراع يُتنازع عليها قضائيًّا، ومن بين هذه النسبة يُلغى نصفها.10

على العكس، إذا كانت براءات الاختراع محدودة المجال وسريعة ورخيصة في الحصول عليها، فإن هذا التوجه سيقلل التأكيد على عملية نظر براءة الاختراع، وسيؤكد بدلًا من ذلك على القيمة التِّجارية العملية لحماية الملكية الفكرية؛ فبمجرد أن يُمنح المخترع براءة اختراع متناهية الصغر، فإنه يُمنح فورًا حقًّا حصريًّا ضمنيًّا قصير المدى للفكرة المعلَن عنها. وفقط في حالة وقوع خلاف بين كيانَيْن تِجاريَيْن عاملَيْن، فإن ادعاءات خرق براءة الاختراع ستُقيَّم بالاختبارات التقليدية للأصالة والمنفعة والابتكار.

(٣-٤) صنع التوازن الصحيح

إلى أين يتجه كل هذا؟ إذا كانت الحقيقة أغرب من الخيال، فربما يكون أفضل مكان لتوقع ما سيحدث في المستقبل هو في رواية خيال علمي.

في رواية «الصُنَّاع»، يصف كاتب الخيال العلمي، كوري دوكتورو، صورة جذابة لعالم مستقبلي أصبح فيه استخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد أمرًا شائعًا. العالم المصوَّر في الرواية يعاني من أزمات؛ فالبطالة مرتفعة، وهناك قطاعات كبيرة من السكان سقطت من الاهتمام العام، وتعيش في مدن من الصفيح بتنظيم ذاتي.

تبدأ الأحداث عندما تتسبب شخصيتان رئيسيتان في الرواية، بيري وليستر، في حدوث ثورة اقتصادية على نطاق صغير عندما يعلِّمون الناس المحليين كيفية تصميم السلع التي يحتاجون إليها وطباعتها بنحو ثلاثي الأبعاد وبيعها. في البداية يسود التفاؤل، وبينما يتعلم المهمشون اقتصاديًّا تصميم وطباعة المنتجات، تنبثق كيانات العمل في جميع أنحاء البلاد والعالم. وهكذا، يحصل الناس على وظائف، ويستعيدون احترامهم لذاتهم.

تستمر القصة، حيث يكسب رواد الأعمال عيشهم من بيع أجسام مخيفة مخصصة ومطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد؛ ففي سوق يومية مفتوحة للبضائع المستعملة والرخيصة في ساحة انتظار كبيرة لأحد متاجر وول مارت، الذي تعرَّض للإفلاس، يبيع هؤلاء أنابيب تدخين مطبوعة ومسدَّسات مرتجَلة الصنع تحمل رَصاصة واحدة وعدسات لاصقة مزخرفة. أما البائعون المراهقون فيبيعون أجسامًا بيولوجية غريبة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد معروفة باسم «بايو»؛ على سبيل المثال، سِوار مصنوع من خلايا جذعية للأجنة نمتْ لتصبح كُرات صغيرة من الفراء والعظام والجلد. في هذا العالم المستقبلي، هناك سلعة أخرى تقليدية مطبوعة بنحو حيوي، وهي الزهور الصناعية المطبوعة من جِلد رقيق مصنوع من جِلد الأجنة الذي تم إنماؤه.

في النصف الثاني من الرواية، تبدأ الديستوبيا الاقتصادية؛ فينهار الاقتصاد القائم على الطباعة الثلاثية الأبعاد مع انهيار الأعمال بسبب الانتشار السريع لعمليات التقليد. يصبح للمنتجات الجديدة هامشُ ربح لفترة ضئيلة آخذة في التناقص، قبل أن تقلِّل النسخُ الثلاثية الأبعاد القليلة التكلفة من أرباح السوق. وبحثًا عن مشروعات جديدة مربِحة، تبدأ شركة ديزني سلسلة من الدعاوَى القضائية العنيفة التي تخص الملكية الفكرية، والتي تؤدي في النهاية لشلِّ ما تبقَّى من الاقتصاد.

تثير رواية «الصُنَّاع» مسائل قضائية مثيرة للاهتمام حول عالم مستقبلي ربما لا يكون بعيدًا كثيرًا. إن الجانب الإيجابي الأساسي لتحرير قوة الإنتاج هو أن المحرومين من حقوقهم سيكتسبون تمكينًا شخصيًّا. أما الجانب السلبي لتوافر الكثير من أدوات الإنتاج فهو حدوث الانهيار الاقتصادي؛ فانتشار الأشياء المقلَّدة يسبب تآكل هوامش الربح. أضف إلى ذلك الأثر المدمر لقوانين الملكية الفكرية غير الواقعية التي تحاول فرض الملكية الخاصة للأفكار في عصر يمكن فيه لأي شخص صنع نسخ مطابقة مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد من أي شيء.

يكمن الحل في صنع أُطُر قانونية واقعية ومتوازنة. وكما يعبِّر مقال بنحو بليغ نشره مركز تقنية النانو المسئولة عن التصنيع الجزيئي: «بعض هذه المخاطر تأتي من قلة التنظيم، والبعض الآخر يأتي من التنظيم الزائد عن الحد. سيكون من الضروري وجود عدة أنواع مختلفة من التنظيم في العديد من المجالات، وسيخلق أي استجابة مبالغ فيها أو غير مدروسة لأي من هذه المخاطر ببساطة أرضًا خصبة لظهور مخاطر أخرى.»11

ما زال الإدراك العام للتحديات القانونية للطباعة الثلاثية الأبعاد ضعيفًا؛ فقد بدأنا للتوِّ في استكشاف هذا الجانب الجديد، ولن يمر وقتٌ طويل قبل أن ينتبه القانون لما يحدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤