الفصل التاسع

مصنع داخل الفصل المدرسي

منذ بضع سنوات، دُعيت للتحدث عن الطباعة الثلاثية الأبعاد في فصل ابني الذي يدرس في الصف الثاني الابتدائي. وافقتُ على الفور، وأنا المعتاد على التحدث أمام طلاب الجامعات من دارسي الهندسة. قلت حينها لإيفان مالون، أحد طلابي في مرحلة الدراسات العليا آنذاك (الذي يمتلك الآن مركز تصنيع وطباعة ثلاثية الأبعاد في فيلادلفيا): «هذا يبدو رائعًا. إلى أي مدى يمكن أن يكون صعبًا؟»

في الأسابيع السابقة لليوم الذي كنت سأتحدث فيه، عرضت بعض الأفكار الخاصة بالطباعة الثلاثية الأبعاد من أجل العرض التقديمي على ولدي في المنزل، لكنه كان يرفض الفكرة تلو الأخرى. سألته: هل سيحب الأطفال العرض التقديمي عن الطباعة الثلاثية الأبعاد؟ لا. ماذا عن بعض الأفلام؛ عن الألعاب المطبوعة؟ أو شرح لاستخدام برامج التصميم؟ كان الرد سلبيًّا.

وبينما كان يقترب اليوم ولم تظهر أي أفكار جيدة، أحسست أنا وإيفان بمشاعر غير متوقعة من رهاب الجمهور. وأخيرًا، حضر الإلهام: ماذا لو استخدمنا صَلصال اللعب في الطباعة الثلاثية الأبعاد؟ فالأطفال يعرفون الصَّلصال، أليس كذلك؟

صممنا لُعبة على هيئة مكُّوك فضاء، حسب مخطط جيد كان لدينا، كان جسمها مطبوعًا من الصَّلصال الأحمر، والجناحان والذيل من الصَّلصال الأزرق. حل يوم العرض التقديمي أخيرًا، ووصلنا إلى الفصل حاملين طابعة فاب آت هوم، وكانت نموذجًا لطابعة ثلاثية الأبعاد صغيرة الحجم ومفتوحة المصدر طورناه في معمل البحوث خاصتنا. كانت الطابعة في حجم فرن المايكروويف، وجدرانها من البلاستيك الشفاف حتى يمكن للمشاهدين رؤية عملية الطباعة أثناء حدوثها. من أجل هذا العرض بالتحديد، أضاف إيفان للطابعة فوهة طباعة أضخم من المعتاد حتى يخرج مكوك الفضاء بنحو أسرع، خلال ثلاث دقائق تقريبًا؛ أي خلال فترة انتباه الأطفال الصغار.

وضعت الطابعة على مِنصة عالية في الفصل، وكانت خراطيشها مملوءة بالصَّلصال الأحمر والأزرق. كانت الطابعة تقبع في مكانها في فخر، وهي محاطة بمجموعة من الطلاب الذي ينظرون بلهفة داخل حافظتها المصنوعة من زجاج الإكريليك. وبعد بعض الكلمات التقديمية للفصل، ضغط إيفان زر الطباعة، وبدأ رأس الطباعة في التحرك ذهابًا وعودة، مصدِرًا أزيزًا ليخرج ببطء الصلصال الأزرق والأحمر على شكل مكوك فضاء صغير حسب توجيهات ملف التصميم الحاسوبي.

تسمَّر الأطفال في أماكنهم.

وأمال بعضهم رءوسهم مع إيقاع رأس الطباعة المتحرك؛ بينما هَمْهَم البعض الآخر بصوت يحاكي صوت محرك الطابعة. وأخيرًا، وبعد مرور بضع دقائق، خرج مكوك فضاء مصغر من الصَّلصال، ونُزع من سرير الطابعة خاصته، ورُفِع عاليًا حتى يتمكن الطلاب من فحصه عن قرب.

تبدد الصمت المليء بالإعجاب مع تدافع الطلاب لاحتلال موقع قريب، وسألني أحد الطلاب عما إذا كان يمكننا تغيير شكل الجناح وطباعة المكوك من جديد، بينما سأل آخر إن كنا قد جلبنا الكثير من الصَّلصال بألوان مختلفة لطباعة المزيد من مكوكات الفضاء. وطرح طالب ثالث — بينما كان يحمل علبة صَلصال أتى بها من على أحد رفوف الفصل — عددًا تقريبيًّا لعدد المكاكيك التي يمكنه صنعها بعلبة صَلصال واحدة. وحسَبت طالبة أخرى ذات ولع بريادة الأعمال الأرباحَ التي يمكن أن تجنيها من بيع كل مكوك فضاء مقابل خمسة دولارات وشراء صَلصال لعب بأسعار السوق الحالية.

وحسبما يقول ديف وايت، أستاذ التصميم والتقنية في مدرسة كليفدون الثانوية بالمملكة المتحدة: «إذا كان يمكنك الاستحواذ على خيال طلابك، فتستطيع الاستحواذ على انتباههم.»

(١) التعلم بالصنع: تدريس الهندسة للأطفال

تخيَّل أنك مدرس للصف الرابع الابتدائي، وتتساءل إن كانت برامج التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد يمكنها مساعدتك في تدريس أساسيات الفيزياء والرياضيات للطلاب؛ ستدرك أنك تحتاج إلى نقل بعض المفاهيم الرئيسية لهم مثل فكرة الطاقة الحركية وبعض النسب الرياضية البسيطة. يمكنك بالفعل تدريس كل هذا بواسطة عدد من الخُطط الدراسية الواقعية والمجربة الخاصة بأساسيات الرياضيات والعلوم، لكنك تود تجرِبة أمر مختلف لترى النتائج.

لا يدرك معظمنا أن ما يُدرس في المدارس الحكومية هو نتيجة عمل آلاف الأيدي الخفية؛ فالمسألة لا تقتصر على قيام مدرس المرحلة الابتدائية بتخيل ووضع خطط التدريس التي يظن أنها ستنال إعجاب الطلاب؛ بدلًا من ذلك، وعلى الأقل في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية، فإن العالَم داخلَ الفصل يُعتبر نموذجًا مصغرًا حيًّا ينبض بالحياة، للعالم الأكبر الموجود خارج أسوار المدرسة.

تضع الولايات داخل الولايات المتحدة معايير للتعليم، كما يصنع مزيج من الخبراء والناشرين التِّجاريين جزءًا من المناهج الدراسية، كما أن الآباء والمديرين ومجالس إدارات المدرسة يمتلكون الكلمة الأخيرة فيما يُمثِّل التعليم الجيد. السؤال الآن: إذا كنتَ أنت المدرس، فمن أين ستبدأ؟

أحد الاحتمالات هو أنه يمكنك تبنِّي الأسلوب الذي يتبعه برنامج دراسي تجريبي يسمى «فاب آت سكول». يساعد هذا البرنامج المدرسين في صنع منهج دراسي يجمع بين التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد لتدريس المبادئ الأساسية للعلوم والرياضيات. وهو يهدف لصنع مهندسين صغار وزرع الحماس فيهم تجاه العلوم والرياضيات، وخاصة التصميم والهندسة. ويُموِّل هذا البرنامج مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية وشركة موتورولا ومؤسسة ماك آرثر، ويقود المشروع جلين بول، الأستاذ في مجموعة تدريس الهندسة للأطفال بجامعة فرجينيا.

تُطوِّر وتختبر خُططَ الدروس الخاصة بالمشروع مجموعةٌ من الأساتذة والمعلمين وأمناء المكتبات وطلبة الدراسات العليا. وحتى الآن، هناك حوالي ٣٥٠ طالبًا من الصفين الرابع والخامس، بالإضافة إلى عشرة مدرسين اختبروا المنهج بنحو واقعي.

figure
طالب وطالبة من مدرسة ابتدائية يعملان بطابعة فاب آت هوم الثلاثية الأبعاد. عُدلت الطابعة لتطبع الصلصال وتقطع الفوم وتقوم بعمليات تصنيع رقمية أخرى (الصورة مهداة من جلين بول من جامعة فرجينيا).

ابتكر جلين وفريقُه خُطة درس تسمَّى «التعلم بالصنع»، ويحكي الدرس قصة طفل أفريقي يدعى ويليام، لا توجد بقريته كهرباء؛ لذا يفكر في طريقة لصنع توربين الرياح خاصته باستخدام بقايا جرار زراعي وخردة معدِنية وكتاب عن الطاقة. سيتتبع الطلاب قصة ويليام ويصممون ويختبرون ويطبعون بنحو ثلاثي الأبعاد توربينات الرياح البلاستيكية خاصتهم، والتي تعمل الدائرة الإلكترونية بداخلها عندما توضع أمام مِروحة الفصل.

وبمساعدة نحو عشرين صفحة ملونة تحتوي على صور وأشكال تخطيطية تعليمية واضحة، يُجري الطلاب عددًا من التجارِب العملية المباشرة التي تعرِّفهم على مفاهيم مجردة؛ مثل الطاقة الحركية والتيارات الكهربائية ونسب سرعات التروس. في خطة الدرس هذه، يستعين الطلاب بآلة قطع ورق تعتمد على الكمبيوتر لصنع رِيَش توربين الرياح، وسيصنع الطلاب التروس البلاستيكية والقاعدة الخاصتين بالتوربين باستخدام طابعة فاب آت هوم الثلاثية الأبعاد.

سيعمل الطلاب في أزواج، ويبدأ الدرس كما يلي:

لديك الكثير من الأشياء الموصلة بالكهرباء في بيتك: ثلاجة وتلفزيون ومصابيح، وربما حتى أجهزة جذابة مثل الكمبيوتر أو الآي بود. تأتي الكهرباء التي تُشغِّل هذه الأشياء من محطات الكهرباء التي يمكن تشغيلها بالرياح أو الماء أو الفحم أو حتى الانشطار النووي.

وتستمر القصة:

لكن هل تعلم أنه من بين سبعة مليارات نسمة يسكنون كوكب الأرض، فإن ربعهم تقريبًا لا يحصل على كهرباء؟ هذا ما يساوي نحو ١٫٥ مليار نسمة! إذا أراد أيٌّ من هؤلاء ضوءًا في الليل، على سبيل المثال، فلا يوجد الكثير مما يمكنه القيام به للحصول عليه؛ إلا إذا حاول صنع الكهرباء الخاصة بهم تمامًا مثلما فعل طفل يسمَّى ويليام.

ومثلما سيخبرك أي مخترع، فإن ويليام يحاول ويفشل، ويحاول مرة أخرى، وأخيرًا يتوصل إلى التصميم الأمثل، وفي نهاية القصة «يبدأ توربين الرياح خاصته في الدوران ببطء في البداية، ثم تزداد سرعته وتبدأ الكهرباء في التدفق، ثم سرعان ما يرى الجيران بيت ويليام مضاءً، بأربعة مصابيح كهربائية، حتى في أكثر الليالي إظلامًا.»

في الفصل الذي زرته، شاهدت طالبتين تختبران توربينهما المطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد أمام مِروحة الفصل. أخبرَتِ الطالبتان مدرسَهما أن توربين الرياح لم يكن يعمل؛ فقد اكتشفتا مشكلة بلوحة الدوائر الكهربائية به، وأوضحتا أنهما فككتاه، واكتشفتا أن هناك سلكًا موصلًا في المكان الخطأ. جربت الطالبتان هذه المرة شيئًا مختلفًا؛ ونجحتا، وأضاء المصباح الصغير بينما أخذت سرعة ريش التوربين في الازدياد.

figure
توربين رياح كامل بتروس مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد (الصورة مهداة من جلين بول جامعة فرجينيا).

لقد طبقت الفتاتان أسس الطاقة الحركية لتوليد الكهرباء، وقامتا بدور إيجابي في حل المشكلة التي صادفتْهما. وبعرض مشكلة التصميم الحالية على الطلاب، فإن خُطة الدرس تعرِّفهم بفكرة «معايير التصميم»؛ فهي تقدم معايير التصميم على أنها «مجموعة من القواعد التي تتَّبعها حتى تصنع الأشياء التي يمكن للناس أن يستخدموها ويسعدوا بها.»

شاهدتُ بعض الطلاب الآخرين يَبرعون في فهم مفهوم أساسي في الهندسة، وهو: عدد الدورات لكل دقيقة. أخبر طالب شريكه في التجرِبة بما يحتاجان إليه من أجل «معرفة عدد دورات توربينهما في الدقيقة». في وقت سابق، كان مدرسهم قد وضع ملصقًا لامعًا على كل ريشة للتوربين، وساعد الطلاب في إحصاء عدد دورات كل ريشة باستخدام عداد دوران صغير، وبامتلاكهم لعدد دورات التوربين، لجأ الطلاب إلى طاولة للقيام بحسابات بسيطة لإحصاء عدد دورات الرِّيَش في الدقيقة.

بعد زيارتي لبضعة فصول تطبق برنامج فاب آت سكول، سألت جلين بول: لماذا تُعتبر التجارِب والخبرات المباشرة أداة تعليمية قوية هكذا. فسَّر جلين هذا قائلًا إن مجرد مشاهدة شخص آخر يحل مشكلات التصميم لا يساعد الطلاب في إتقان مبادئ العلوم أو الهندسة أو الرياضيات. يقول جلين: «لا تحوِّل أي عُدة رسم بالأرقام من يستخدمها إلى فنان، وهو نفس ما يحدث مع أي طفل يجلس ليشاهد طابعة ثلاثية الأبعاد وهي تعمل؛ ما الذي يتعلمه؟ لا شيء.»

الجميل فيما يتعلق بأسلوب برنامج فاب آت سكول هو أن برامج التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد ليستا نقطة تركيز خطة الدرس؛ بل هما تقنيتان تساعدان المدرسين والطلاب في اكتساب الإتقان عن طريق تطبيق مفاهيم مجردة لحل مشكلات مثيرة للاهتمام. وبانخفاض سعر برامج التصميم والطابعات الثلاثية الأبعاد حاليًّا، يمكن للمدرسين والطلاب تجرِبة عملية الهندسة والتصميم بنحو مباشر. في المستقبل، يخطط جلين وزملاؤه لصنع العديد من خُطط الدروس المماثلة لخطة «التعلم بالصنع» ونشر برنامج فاب آت سكول في مدارس المراحل المتوسطة.

(١-١) المرحلة الثانوية

تساعد الطابعات الثلاثية الأبعاد طلاب التصميم والهندسة في المرحلة الثانوية في الفشل على نحو أسرع. مهلًا، فهذا لا يبدو جيدًا! لكن في الهندسة وتصميم المنتجات والمهن الأخرى التي تتضمن حل المشكلات، كلما فشلت بسرعة، وصلت إلى الحل بنحو أسرع.

على سبيل المثال، تخيَّل كم سيكون الأمر مأساويًّا إذا لم تفشل مبكرًا مجموعة من المهندسين المدنيين، واكتشفوا بعد حفل الافتتاح الكبير بأسبوع واحد فقط أن تصميمهم لجسر معلق كان يحوي خطأً كارثيًّا. كانت ستتعرض حياة الكثيرين للخطر حيث سيتشقق الجسر وينهار، وكان سيتوجب بدء المشروع من البداية، وهو أمر مكلف ومدمر للمعنويات.

تساعد الطابعات الثلاثية الأبعاد الطلاب في الفشل مبكرًا وبنحو آمن؛ بفضل قيمتها كأداة سريعة لصناعة النماذج الأوليَّة. تقوم أي عملية تصميم تَكراري على اختبار المصممين لأفكارهم أثناء تطورها، وهو ما يشبه صناعة الكاتب لعدة مسَوَّدات محسَّنة من الكتاب حتى يصل إلى النسخة النهائية. يقول جيسي رويتنبرج، مدير البرنامج التعليمي في شركة الطباعة الثلاثية الأبعاد استراتاسيس، الواقع مقرها في مينيسوتا، إن الطلاب يجدون أن الطابعات الثلاثية الأبعاد الخاصة بالشركة مفيدة؛ حيث إنها تمكِّنهم من التعرف على أخطاء التصميمات مبكرًا، بدلًا من بذل الوقت والمواد الخام في مقامرة المحاولة الواحدة فقط.

عندما تحدثت معه على الهاتف لاكتشاف المزيد عن خط إنتاج استراتاسيس للطابعات المدرسية، قال جيسي: «عندما كنتُ أدرس الهندسة في المدرسة الثانوية، كان أحد المشروعات النمطية التي يكلفوننا بها هو بناء جسر من أعواد الأسنان والصمغ.» بمعنًى آخر، فإن صنع النماذج الأولية لم يكن جزءًا من عملية التصميم. وأكمل جيسي قائلًا: «مشكلة هذا أنك كنت تدرك في نهاية المشروع إن كان الجسر خاصتك سيفشل أم لا، وإذا فشل، لم يكن متاحًا بناؤه من جديد لمعرفة ماهية المشكلة وكيفية حلها.»

يُدرِّس ديف وايت، رئيس منهج التصميم والهندسة في مدرسة كليفدون الثانوية في المملكة المتحدة، التصميمَ والتقنية لطلاب المدارس المتوسطة والثانوية منذ ٢٥ عامًا. يمزح ديف بشأن وجود طابعة ثلاثية الأبعاد في الفصل حيث يساعد هذا الطلاب في «التخلص من الأفكار غير العملية». ومنذ عامين، وضع ديف طابعة ثلاثية الأبعاد تِجارية في الفصل الذي يدرس فيه.

تعلمت من ديف أن الطلاب نادرًا ما يطبعون المشروع خاصتهم بالكامل بنحو ثلاثي الأبعاد. بدلًا من ذلك، فإن الطابعة الثلاثية الأبعاد عادةً ما تعمل كأداة دعم لمنتج أكبر وأكثر تعقيدًا، ربما يكون أجزاء روبوت أو جسم سيارة سِباق. يستخدم الطلاب الطابعة في الفصل لصناعة أجزاء مخصصة لا يمكنهم العثور عليها في أي مكان آخر.

figure
طالبتان من المرحلة الثانوية في المملكة المتحدة تستخدمان طابعة «راب مان» ثلاثية الأبعاد (الصورة مهداة من ديف وايت، المملكة المتحدة).

يتطلب فصل التصميم الشهير الخاص بديف أن يصمم الطلاب ويطبعون بنحو ثلاثي الأبعاد جسمًا عاملًا يمكن للناس استخدامه. يقول ديف: «وجدت أن دفع الطلاب على تحويل تصميماتهم الرقمية إلى شيء ملموس يعلمهم الكثير. أي جسم يبدو رائعًا على شاشة الكمبيوتر عادةً ما يخرج من الطابعة بنحو مختلف عما كان محددًا له أو أكبر حجمًا أو أكثر قبحًا.»

وصف ديف تجرِبته مع أحد الطلاب الذي صمم حاملًا للآي بود يمكن تثبيته على مِقْود الدراجة. يقول ديف: «كان حامل الآي بود يبدو رائعًا على شاشة الكمبيوتر، لكن عندما طبعه اكتشف أنه ليس مناسبًا لمِقْود الدراجة — كان كبيرًا جدًّا وليس ملائمًا بما يكفي من الناحية الديناميكية الهوائية.» رجع الطالب للوحة الرسم الخاصة ببرنامج التصميم، وعدل التصميم ليصبح الحامل أكثر انسيابية وسهولة في الاستخدام.

يقول ديف: «نشجع الطلاب على الإتيان بأفكار تصميمات مجنونة وجامحة يُمضون وقتًا طويلًا في صنعها يدويًّا فقط ليكتشفوا في وقت متأخر جدًّا أن تصميماتهم لا تصلح على أرض الواقع. بدلًا من ذلك، يجب أن يقوموا بتصميم تكراري يقوم على الاختبار والتحسين طَوال الوقت، ويجب على الطلاب تصميمه وطباعته وتجرِبته مرة تلو الأخرى.»

يتعاون ديف مع مدرسين يدرسون مناهج دراسية أخرى. يقول ديف إن هؤلاء المدرسين يجربون تطبيق برامج النمذجة الثلاثية الأبعاد واستخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد لتعليم الطلاب تصميم وطباعة تركيبات الحَمض النووي أو نماذج للخلايا أو نسخ طبق الأصل من أجسام لها أهمية تاريخية. ويُعتبر مشروع حديث لطلاب في إحدى حصص الجيولوجيا مثالًا جيدًا على هذا.

في حصة للجيولوجيا، ساعد ديف الطلاب في تصميم رسم طوبوغرافي لبركان جبل سانت هيلينز قبل ثورانه عام ١٩٨٠. طبع الطلاب في البداية نموذجًا للبركان قبل الثوران ثم نماذج طوبوغرافية كاملة للبركان بعد الثوران بفوهة كبيرة في وسطها. يقول ديف: «بالنسبة إلى مناهج الفنون والعلوم الإنسانية، يمكن للطلاب تصميم وطباعة منحوتات فنية أو أبنية تاريخية.»

figure
نموذج مطبوع بنحو ثلاثي الأبعاد لبركان جبل سانت هيلينز (الصورة مهداة من ديف وايت، المملكة المتحدة).

على الرغم من الخطاب المنمق عالي المستوى حولَ الدور المهم لتدريس التصميم والهندسة، فإن المناهج الدراسية الأساسية في كلٍّ من المملكة المتحدة والولايات المتحدة لا تتضمن تدريس مهارات التصميم أو الهندسة. وبينما هناك الكثير من المناهج المخصصة لتدريس العلوم والرياضيات، فإن الانتباه المخصص للهندسة قليل نسبيًّا ويتركز على التصميم والتركيب الاصطناعي؛ لهذا فإن المدارس الحكومية تواجه صعوبة في تبرير تمويل التقنيات اللازمة في ميزانياتها. ويجب على المدرسين الدفاع عن اختيار استخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد وبرامج النمذجة الثلاثية الأبعاد داخل الفصول ضمن خطط التدريس خاصتهم.

في الولايات المتحدة، تمول وزارة الدفاع ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية برامج لتوفير الطابعات الثلاثية الأبعاد لمواقع التدريب الهندسي في المدارس المتوسطة والثانوية المتخصصة، لكن وبالرغم من أهمية هذه البرامج التجريبية، فإنها تستبعد معظم المدارس الحكومية. ويجب على مدرسي المدارس الحكومية الذين لا تمولهم وكالة حكومية أو شركةٌ ما تجميع المصادر اللازمة للحصول على طابعة ثلاثية الأبعاد لفصولهم، والحصول على إذن لتكييف طريقتهم في التدريس.

الموقف مشابه في المملكة المتحدة؛ فلا تموِّل أي هيئة خارجية منهج ديف وايت للطباعة الثلاثية الأبعاد، ولا تمتلك مدرستُه الميزانيةَ اللازمة لتغطية هذه النفقات التقنية. في هذا الإطار، قال ديف ضاحكًا: «معظم الموارد التي جمعتها لفصلي الذي أُدرس له جمعتها بالاستجداء والاقتراض، لكن ليس بالسرقة بالطبع!» تبرعت شركة صغيرة تقع بالقرب من مدرسة كليفدون الثانوية تسمَّى بيتس فروم بايتس (والتي اشترتها مؤخرًا شركة ثري دي سيستمز) عن طِيب خاطر بطابعة ثلاثية الأبعاد شخصيةٍ من نوع راب مان للمدرسة.

على الرغم من ذلك، فإن ديف يخطط للمضي قُدمًا، وعن هذا يقول: «أقضي وقتي خارجَ الفصل في تطوير طرق للتدريس بهذه التقنيات الجديدة لأن هذا ما أومِن به. لم تَعُد المدارس قادرة على تعليم الأطفال كيف يصبحون نجارين أو سباكين؛ فيجب أن نعلمهم مهارات يمكنهم استخدامها في أماكن عملهم المستقبلية.»

(٢) هذه ليست أزمة قومية … لكن التعلم يجب أن يكون ممتعًا

في الولايات المتحدة، وفي كل بضعة عقود، واستجابةً لتهديد ملموس للأمن القومي، يعلن خبراء التعليم عن وجود أزمة في التعليم الحكومي؛ فهناك أزمة مرة أخرى في تعلُّم الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة. في خمسينيات القرن الماضي، كان هناك قلق عام في الولايات المتحدة بسبب أن عدد الطلاب الروس الذين تخرَّجوا من المدارس الثانوية الحكومية واتجهوا لدراسة الهندسة في الجامعة كان ضعف عدد الطلاب الأمريكيين من نفس المرحلة؛ كما أن عدد الطلاب الروس الذين أصبحوا تقنيين مهرة كان يزيد عن عدد نظرائهم الأمريكيين ثلاثين ضعفًا.1

اليوم، وبدلًا من «الخطر الأحمر» الروسي الذي ينتمي لحقبة الحرب الباردة، فإن الخطر الاقتصادي القادم هو الدول الصناعية ذات معدلات الأجور المنخفضة. إن المدارس الحكومية الأمريكية لا تخرِّج العدد الكافيَ من الطلاب الذين سيكبرون ليصبحوا علماء أو مهندسين. وتزعم تقارير عديدة جمعتها الوكالات الفيدرالية والتربويون والاقتصاديون أنه إن لم تطور المدارس الحكومية من طريقة تدريسها للعلوم والرياضيات، فإن أمريكا ستُسحَق في الساحة الاقتصادية.

إن سبب ذكري لهذا هو أنه عادةً ما تُقدَّم الطباعة الثلاثية الأبعاد لصناع السياسات والتربويين ودافعي الضرائب من العامة باعتبارها طريقة لتحسين تعلُّم الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة. يسير الحديث على النحو التالي: إذا كانت مناهج الرياضيات والهندسة والعلوم في المدارس الحكومية أكثر جاذبية، فسيختار المزيد من الطلاب دراسة الهندسة في الكلية، وربما في مرحلة الدراسات العليا كذلك. ستساعد الطابعات الثلاثية الأبعاد في اجتذاب الطلاب لدراسة مناهج الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة. وسيؤدي استخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد في المدارس الحكومية إلى التحاق عدد أكبر من المهندسين المدرَّبين والتقنيين المهرة بقوة العمل، وستكون نتيجة هذا زيادة في ريادة الأعمال والإبداع التقني، وسيُخلق المزيد من الإبداع وظائف وشركات تقنية جديدة.

ربما من الحقيقي أن الطابعات الثلاثية الأبعاد ستُلهم جيلًا جديدًا من الطلاب لتعلُّم الهندسة والرياضات والتكنولوجيا، وأتمنى هذا، لكن المشكلة في تبرير الاستثمار في التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد كأداة تدريس لتلك المواد هي أن هذه التقنيات التعليمية المثيرة عرضة لخطر أن تصبح محصورة في نطاق تعليمي محدود.

بدلًا من ذلك، يمكن لأدوات التصميم والتصنيع مثل الطابعات الثلاثية الأبعاد أن تُشعل الحماس لتعلُّم كل المواد والمجالات، ومنها العلوم الإنسانية والفنون، التي تعاني من قلة التمويل بنحو مزمن. منذ بضعة عقود، كانت أجهزة الكمبيوتر تُعتبر متعلقة فقط بموضوعات تدريس الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا والهندسة. أما اليوم، فقد غيرت شكل الفن والكتابة والتاريخ ومجالات أخرى خارج العلوم والرياضيات.

هناك فائدة أخرى للتفكير بشأن التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد بنحو أوسع، وهي قيمتها كأداة تدريس لإيصال المعرفة للطلاب الذين لا يُبلون بلاءً حسنًا في ظل نظام التعليم السائد. لا يناسب أسلوب «عرض النظرية أولًا» في التعليم جميع الطلاب، ويعاني بعضهم من فهم بعض المفاهيم المجردة إذا لم يكونوا قد رأَوْا أو لمسوا الشيء الذي يدرسونه.

figure
متحف لآلات القرن التاسع عشر ونُسخ طبق الأصل منها قابلة للطباعة بنحو ثلاثي الأبعاد والتنزيل (الصورة مهداة من kmoddl.library.cornell.edu).

ربما يستفيد الطلاب ضعاف البصر من قدرتهم على الإمساك بنماذج مادية للمفاهيم المجردة الأساسية في أيديهم. بالإضافة إلى ذلك، وبالنسبة إلى جميع الطلاب — بغضِّ النظر عن قدرتهم على استيعاب المعارف الجديدة — فإن إعادة صنع الدروس من جديد على هيئة مادية تزيد من تعزيز ما يتعلَّموه، وربما الأكثر أهمية هو أن العديد من الطلاب سيستمتعون بالتعليم المباشر.

يقلل الكثير من الناس من أهمية حقيقة أن اليوم الدراسي بالنسبة إلى الكثير من الطلاب يُعتبر تدريبًا طويلًا ومريعًا. وبحسب ما يقول جلين بول: «يجب أن يكون التعلم ممتعًا.» ربما يبدو هذا ضحلًا، لكنك إذا كنت في الصف السابع، ما نوع الخُطط الدراسية التي يمكنها أن تجعلك تتطلع للقدوم إلى المدرسة كل يوم؟

دعونا نلقِ نظرة على الطباعة الثلاثية الأبعاد من منظور تربوي بَحْت؛ هل من المحتمل أن تؤديَ إتاحة أدوات التصميم والإنتاج للطلاب إلى تحسين أسلوب تعلُّمهم؟ ربما — وكما لاحظ المدرسون — يتحسن أداء الطلاب الذين لا يُبلون بلاءً حسنًا في ظل التدريس بالطرق التقليدية عندما تُتاح لهم أدواتهم الخاصة للتصميم والإنتاج.

(٢-١) نتائج الاختبارات في مقابل المهارة المكتسبة من الخبرة المباشرة

عندما تحدثت مع ديف وايت، قال لي ملاحظة سمعتها من العديد من مدرسي التصميم والهندسة؛ فعلى مدار السنوات، اكتشف ديف أن الطلاب البارعين بشدة في إنجاز فروضهم وتعلُّم دروسهم ليسوا دائمًا أفضل طلابه. قال ديف: «لا أفاجأ أبدًا عندما أرى طلابًا أقل حماسًا للكتاب الدراسي والفروض التحريرية يزيد حماسهم عندما يصلون لمرحلة التصميم من أي مشروع.»

لاحظ جلين بول كذلك الفجوة بين فهم نظرية بنحو كامل وتطبيقها الفعلي بإتقان، وعن هذا يقول: «رأيت طلابًا قرءوا للتوِّ عن الدوائر الكهربائية، يصنعونها بإتقان في بيئة محاكاة. على الرغم من ذلك، فإن نفس الطلاب عندما تُقدم لهم دوائر كهربائية حقيقية يفشلون بنحو متكرر في صنعها. هناك أمرٌ ما يتعلق بالبعد المادي، وتجرِبة التعلُّم في هذا البعد، بالإضافة للبعد النظري، يغير أدمغتنا ويجعلنا لا ننسى ما نتعلمه.»

تدعم الأبحاث السابقة ما يقوله جلين عن أهمية التجارب المباشرة. في عام ١٩٩٥، قارن أحد الباحثين بين قدرة الطلاب على صنع دائرة كهربائية حقيقية وبين نتائج اختباراتهم التحريرية في نفس الموضوع. برهن الطلاب موضع الدراسة على معرفتهم العملية بالدوائر بتنفيذ مهام مباشرة؛ مثل صنع إحدى تلك الدوائر واختبارها، وخضع نفس الطلاب لاختبار سؤال وجواب حول كيفية عمل تلك الدوائر. أشارت نتائج الدراسة إلى أن الطلاب الذين حصلوا على نتائج جيدة في الاختبار لم يُظهروا مهارة عندما واجهوا الدوائر الملموسة. بمعنًى آخر، إن نتائج الاختبارات التحريرية ليست مؤشرًا يُعتمد عليه لتحديد قدرة الطالب على العمل مع دائرة حقيقية على أرض الواقع.2

يثير هذا البحث السؤال عن أيهما أكثر فاعلية: تعليم الطلاب معلومات جديدة بعرض النظرية عليهم أولًا ثم تطبيقها لاحقًا؟ أم أن التعلُّم يزدهر بنحو أكبر إذا جرب الطلاب أولًا المعرفة بنحو مباشر — بتنفيذها على أرض الواقع — ثم تعمقوا في الجانب النظري بعد ذلك؟ هذا السؤال له أهمية كبرى لمن يحاولون معرفة كيفية استخلاص قيمة تربوية بدمج برامج التصميم والطابعات الثلاثية الأبعاد في المناهج الدراسية.

الإجابة بوضوح، هي أن كل طالب يختلف عن الآخر؛ والطلاب المختلفون يُفضِّلون أشياءَ مختلفة، وحتى تفضيلات التعلم الفردي تختلف بِناء على المادة ذات الصلة وتعقيد المعرفة الجديدة.

(٢-٢) ضرورة تجاهل أنماط التعلم

نأمل ألا يقع من يحاولون وضع مناهج دراسية تتضمن برامج التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد في فخ حصر هذه التقنيات في أنماط تعلُّم محددة بعينها. تحمل فكرة أنماط التعلم جاذبية ضخمة للمدرسين والآباء والطلاب والشركات التي تبيع المناهج التعليمية، لكن المشكلة تكمن في أن وجود أنماط التعلم لا يدعمه البحث العلمي.3 في الواقع، فإن بعض الأبحاث تشير إلى أن الطلاب ينتبهون بنحو أكبر ويبذلون جهدًا أكبر، ويؤدون بنحو أفضل، في فصول يكون نمط التعلم فيها مختلفًا عن نمط تعلُّمهم المفضل.
تسللت فكرةُ أن لكل منا أسلوبًا أمثل في التعلم بنحوٍ ما إلى الفكر السائد عن الفصل الدراسي، وأصبحت الآن مكونًا راسخًا في استراتيجية التعليم. وبنحو يشبه الاعتقاد في أبراج الطالع، فإن المدرسين والآباء وحتى الطلاب، ولبضعة عقود، تبنَّوْا فكرة أن لكل طالب أسلوبَه الفريد في التعلُّم؛ واستجابة لهذا، وعلى مدار العقود القليلة الماضية، فإن دارسي النظريات الدراسية والتعليمية حددوا وحصروا أكثر من سبعين نمطًا موثقًا للتعلُّم.4

إن خطر تصميم مناهج دراسية طبقًا لأنماط التعلُّم لا يتعلق كثيرًا بغياب الأدلة التجريبية. الخطر هو أن صنع المناهج بهذه الطريقة يتسم بالتشتيت والمحدودية؛ فمحاولة وضع منهج جديد ومثير للاهتمام عن التصميم طبقًا لأنماط تعلُّم خيالية يُضيع وقت المدير ويبدد موارد الفصول.

ربما يجب علينا توضيح كيف يعرف الباحثون أنماط التعلُّم؛ يشير هذا المصطلح إلى فكرة أن الأفراد يختلفون بعضهم عن بعض فيما يتعلق بأي أسلوب تعلُّم أو تدريس يُعد أكثر فاعلية بالنسبة إليهم. يدعي من يُفضِّلون التقييم القائم على أنماط التعلم أن أفضل طريقة لتعلُّم أي شخص هي تحديد أسلوبه الفردي في التعلم أولًا: ثم وضع الخطط الدراسية طبقًا لهذا، وهي عملية تعرف باسم «التشبيك».5

تطلب أساليب التقييم التقليدية لأنماط التعلُّم من الناس تحديد أي طريقة من طرق تقديم المعلومات التي يُفضِّلونها (على سبيل المثال، الكلمات مقابل الصور مقابل الإلقاء). سؤال آخر شائع؛ هو أي نوع من النشاط العقلي يجده الشخص مثيرًا أو ملائمًا (على سبيل المثال، التحليل مقابل الاستماع). من المثير افتراض أن التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد سينالان إعجاب الطلاب الذين يُعتبر مناسبًا لهم نمط تعلُّم «مرئي» أو «لمسي». المشكلة هي أن هذا سيستبعد الطلاب الأكْفَاء الذين إذا خضعوا للاختبار، سيقعون في تصنيف آخر.

إذا كانت أنماط التعلم علمًا مشكوكًا فيه، فهل هناك أي أساس نظري للتأكيد على قيمة الطباعة الثلاثية الأبعاد وأدوات التصميم في فصول التعليم الأساسي؟ ربما. من يمتلكون فهمًا راسخًا لمعلومةٍ ما أو مفهوم مجرد معين يمكنهم إعادة إنتاج المعلومة أو المفهوم عبر وسط جديد؛ فالطريقة الأكثر علمية لوصف نفس المعرفة عبر وسائط مختلفة، وهي أن تُقدَّم ﺑ «تصورات متعددة».6

فيما يلي مثال على هذا؛ ما الذي يرد لخاطرك عندما تفكر في كلمة «قَطع مكافئ»؟ إذا كنت تفهم فعلًا مفهوم القَطع المكافئ، فإنك ستفكر فورًا في معادلة متعددة الحدود أو ربما منحنًى هندسي أو مرآة تركيزية، وربما حتى سطح سائل دوار. هذه التصورات كلها — سواء تحليلية أو هندسية أو بصرية أو فيزيائية — ترتبط بكلمة قَطع مكافئ، وأي شخص يمتلك فهمًا حقيقيًّا لهذه المفاهيم سيرى الرابطة بينها جميعًا. لكن إذا فكرت في واحدة فقط من هذه التصورات، فربما تكون لم تتقن بعد المفهوم بنحو كامل.

أحد أقوى الجوانب لتحويل التصميم الرقمي لجسم مادي ملموس هو تعزيز المعرفة المجردة عبر وسائط متعددة. المعرفة التي يحتويها ملف التصميم هي معرفة افتراضية محفوظة بوسط رقمي، وتصبح مادية بعد طباعتها. تبرز أدوات التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد كأدوات تُمثِّل تحديًا للطلاب لتصوير مفهوم أو عملية من خلال وسط جديد.

(٣) الآن، دعنا نَرَكَ ترسم هذه المعادلة المجردة على هيئة شكل بياني

يدرك الناس قيمة استخدام الوسائط المرئية لتوضيح أي موضوع مجرد ومعقد. العديد منا يتقبلون بنفس القدر فكرة أن أفضل طريقة لتعزيز المعرفة الجديدة المكتسبة من كتاب هي تطبيقها لحل مشكلة عملية واقعية، وأحد الأسباب التي تجعل الطباعة الثلاثية الأبعاد أداة تعليم قيمة هي أنها تمنح تعلُّمَ وتدريس المفاهيم المجردة بُعدًا ماديًّا إضافيًّا.

على سبيل المثال، في خُطة درس «التعلم بالصنع» الخاصة ببرنامج فاب آت سكول، عُرِّفَت الطاقة الحركية بأنها «الطاقة التي يكتسبها نظام أو جسم نتيجة تحركه، والتي تزيد بزيادة سرعته أو حجمه.» هذا الوصف المكتوب يُعتبر إحدى الطرق لتقديم هذا المفهوم. أتيح وسط إضافي لتعزيز هذا المفهوم عندما صمم الطلاب وصنعوا توربين رياح، ووضعوه أمام مِروحة لتشغيل دائرة إلكترونية.

عندما قاد ديف وايت الطلاب في فصل الجيولوجيا خلال عملية الطباعة الثلاثية الأبعاد، استخدموا وسائط متعددة ومختلفة. أولًا: درس الطلاب البيانات التي تصور رقميًّا شكل سطح الجبل (البيانات هي أحد الوسائط التي تصف شكل البركان). إحدى مجموعات البيانات صورت شكل البركان قبل ثورته، وصورته مرة أخرى بعد ثورته. تلا ذلك تحويل الطلاب للبيانات الطوبوغرافية الأولية إلى ملف تصميم عامل (الهيئة الرقمية هي وسط آخر). وأخيرًا، طبع الطلاب نسخًا مصغرة طبق الأصل من بركان جبل سانت هيلينز بعد ثورته (الوسط المادي).

إنني أتساءل — رغم أننا ربما لن نعرف أبدًا الإجابة على هذا الآن — إن كان الطلاب سيتذكرون بعد عشر سنوات من الآن هذا التدريب الجيولوجي. وما الذي سيتذكرونه عن الموضوع؟ إذا كان بعض الطلاب قرءوا فقط عن البركان الثائر بينما استمر البعض الآخر في تطبيق التدريب لآخره، فإنني أتساءل أي مجموعة ستتذكر الدرس بنحو أفضل.

إليكم تجرِبة مثيرة لاختبار قوة التصورات المتعددة. أولًا: اكتب معادلة بسيطة مثل: ص = ١/س. تُعتبر المعادلات الرياضية المكتوبة إحدى الطرق لتصوير العلاقة بين الأرقام. هناك وسط ثانٍ، وهو وسط مرئي، وهو رسم المعادلة على شكل بياني ثنائي البعد.

دعونا نتصور الآن أنك ستأخذ تلك المعادلة المكتوبة البسيطة لمركز التسوق أو المجلس التشريعي في ولايتك، وستطلب من عدة أفراد ناضجين أن يوجِدوا قيمة «س» في المعادلة. ربما يدرك الكثيرون كيفية عمل المعادلة، ويعرفون أنه لكي يوجدون قيمة «س»، يجب أن تُعطى قيمة «ص» (أو العكس). في هذه الحالة إذا كنتَ ستخبرهم بأن قيمة «ص» تساوي ٢ فيمكن بكل سهولة حساب قيمة «س» التي ستكون ١ / ٢.

ماذا لو كانت نفس المعادلة المكتوبة معبرًا عنها عبر وسط جديد؟ دعنا نفترض أنك طلبت من الشخص الذي حل المعادلة المكتوبة بنحو صحيح التعبير عن شكلها برسمها على هيئة رسم بياني. إذا رجعت للمركز التِّجاري أو المجلس التشريعي، وطلبت من عينة عشوائية من الناس القيام بهذا، فمن المحتمل أن عددًا قليلًا للغاية من الناس سيكونون مستعدين لتصوير المعادلة باستخدام رسم بياني. معظمنا لا يحتفظ بالمهارات الرياضية التي تعلَّمها في المدرسة الثانوية أو الكلية، وهذا أحد الأسباب أنه بين المتقدمين لبرامج الحصول على ماجستير إدارة الأعمال، فإن الحد المسموح به لنتائج اختبار الرياضيات لتقييم الخريجين لكبار المديرين التنفيذيين أقل بكثير من الحد المسموح به للمتقدمين الذين تخرَّجوا للتوِّ من الجامعة.

يرى بعض المنظِّرين التربويين أن سبب نسيان معظم الناس لدروس الرياضيات سريعًا بعد تركهم للمدرسة هو تعلُّم الرياضيات بوسط مجرد واحد فقط؛ فإذا تعلَّم الطلاب مفاهيم الرياضيات المجردة ثم حولوها لوسائط مختلفة، فربما يكتسبون إتقانًا أكبر لها، ويتذكرونها بنحو أفضل؛ فتحويل مفهوم مجرد لوسائط مختلفة يتطلب مهارة وإتقانًا. ومن واقع تجرِبتي، فإن حفظ المفاهيم المجردة ساعدني في اجتياز الامتحانات، لكنني سُرعانَ ما نسِيت معظم ما حفظته بعد انتهاء الامتحانات.

من السهل تدريس وتعلُّم المفاهيم في وسط واحد. سيساعدك بالطبع أسلوب الحفظ والاستظهار على إتقان هذه المفاهيم، لكن الإتقان الحقيقي الكامل لا يحدث بالضرورة باستخدام هذه الطريقة فقط. المشكلة هي أن معظم التدريس الذي يحدث في الفصول الدراسية يتركز على صفحات الكتب الدراسية، لكن هذا ليس بالضرورة ما يتذكره معظم الناس.

ربما يتذكر الطلاب الذين شاركوا في مشروع برنامج فاب آت سكول لاحقًا التعريف المكتوب للطاقة الحركية. في الواقع، فإن هذه القلة المحظوظة، والتي تتذكر جيدًا التعريف، ستتمكن بعد عدة سنوات من سرده بدقة. على الرغم من ذلك، فإنه من المرجح أكثر أن معظم الطلاب سيتذكرون تعريف الطاقة الحركية على أنها ما جعل رِيَش توربين الرياح الخاص بهم تُشغِّل الدائرة الإلكترونية.

(٣-١) التعلُّم باللمس والأجسام المادية القابلة للتحوير

يمكن التعبير عن المعادلات الرياضية بخط بسيط ثنائي الأبعاد، ويمكن التعبير عن المعادلات الأكثر تعقيدًا بأجسام ثلاثية الأبعاد. وإذا كان نقل نفس النموذج من المعادلة المكتوبة لرسم بياني مسطح يُعتبر تحديًا، فتخيل التحدي المتمثل في تعليم طالب التأثير المتبادل بين الضغط والحجم ودرجة الحرارة (معادلات الديناميكا الحرارية).

يسمي المدرسون الوسائل التعليمية الثلاثية الأبعاد «الأجسام القابلة للتحوير»، وتدعم هذه الأجسام المادية التعليمية ما يُعرف باسم «التعلُّم باللمس» وهو ليس نمط تعلم، بل هو قناة أساسية للتعلم.

في التعلم باللمس، بدلًا من رؤية صورة لشكل بياني على سبورة أو شاشة كمبيوتر، يُمسِك الطلاب بنموذج ثلاثي الأبعاد لمفهوم أساسي في يدهم؛ واعتمادًا على حاسة اللمس، يستطيعون استيعاب ومعالجة المعلومة. بالنسبة إلى الطلاب ضعاف البصر، فإن التعلم باللمس يُعتبر قناة مهمة للحصول على المعلومات، وإذا استطاع الطلاب التقاط تفاصيل مفهومٍ ما وتحويلها إلى ملف تصميم وطباعة جسم مادي قابل للتحوير، فإن الانتقال من وسيط لآخر ربما يساعد في تعزيز معرفة الطلاب الجديدة المجردة.

منذ بضع سنوات، تلقيت رسالة إلكترونية من كرايتن دبيو الأستاذ بقسم الفيزياء بجامعة واشنطن. كان كرايتن يُدرِّس الديناميكا الحرارية، وهي دراسة التفاعل بين آثار الضغط والحجم ودرجة الحرارة في الأنظمة المغلقة. على سبيل المثال، إذا استخدمت مِنْفاخ دراجة، فستلاحظ أنك كلما ضغطت على المِقْبض، فإنك تسخِّن المِنْفاخ، وعندما تضغط الهواء، فأنت تَزيد ضغطه وتقلل من حجمه؛ ومن ثَم تزيد حرارته، فهناك تفاعل ثلاثي ديناميكي مستمر قائم بين الضغط والحجم ودرجة الحرارة.

بينما كان يمكن لمعظم الطلاب مشاهدة الرسومات البيانية للعلاقة بين الضغط والحرارة والحجم التي كان يعرضها دبيو في محاضراته، طالب واحد فقط وهو ديف بلاسمان، كان يعاني من ضعف شديد في البصر، وكان يواجه مشكلة في تصور علاقات تلك الرسومات المكانية المعقدة. منذ ثلاثين عامًا، ولمساعدة بلاسمان في استيعاب المبادئ الأساسية للديناميكا الحرارية رغم ضعف بصره، صنع دبيو نموذجًا يدويًّا من الصَّلصال لتصوير العلاقات التي كان الطلاب الآخرون قادرين على رؤيتها على السبورة. كان ارتفاع النموذج أربع بوصات تقريبًا، وعرض قاعدته ست بوصات. كان ديف يستطيع تمرير أصبعه في اتجاه الضغط المتزايد، و«الشعور» كيف أن السطح، في كل نقطة، يميل لأسفل في اتجاه الحجم؛ مما يعني أنه عندما يزيد الضغط، يقل الحجم.

figure
أجسام مادية قابلة للتحوير: أجسام تعليمية قابلة للتحوير ثلاثية الأبعاد مصنوعة من الورق المقوَّى المطوي ثم طُبعت بنحو ثلاثي الأبعاد (الصورة مهداة من جلين بول من جامعة فرجينيا).

بعد التخرج بثلاثين عامًا، تذكَّر ديف نموذج الصَّلصال، وأرسل رسالة إلكترونية لدبيو يسأله فيها إذا كان النموذج موجودًا. ولحسن الحظ، استطاع النموذج مقاومة اختبار الزمن. وبما أن دبيو كان في طريقه للتقاعد من جامعة واشنطن، وبعد إخلائه لمكتبه، شحن نموذج ديف الذي كان يعرض لمفاهيم الديناميكا الحرارية لمعملي. أردت أنا وديف رؤية هل كان يمكننا مسح النموذج الأصلي المصنوع يدويًّا ضوئيًّا، وتحويل بيانات المسح إلى ملف تصميم يمكن لمدرسي الفيزياء الآخرين استخدامه.

وصل النموذج الصَّلصالي في البريد لكنه كان محطمًا لقطع صغيرة، وبعد إعادة تجميعه بحرص، مسحناه ضوئيًّا بنجاح، وحولنا بيانات المسح لملف تصميم، وأتحناه مجانًا عبر الإنترنت. اليوم، يمكن لأي شخص متاح له استخدام طابعة ثلاثية الأبعاد إعادة صنع نسخة طبق الأصل من نموذج الدكتور دبيو الصَّلصالي اليدوي الشارح لمفاهيم الديناميكا الحرارية الذي كان يومًا ما الوحيد من نوعه. لا أعرف إذا كان أي شخص استخدم هذا النموذج، وإذا كان أي طالب آخر ضعيف البصر استفاد منه أم لا، لكن الفرصة متاحة لأي شخص يرغب في الاستفادة منه.

figure
النموذج الأصلي الصلصالي لمبادئ الديناميكا الحرارية (على اليسار) ونسخة طبق الأصل منه مطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد.

في قسم الفيزياء الذي اعتاد أبي العمل به، أتذكَّر مشاهدة الرَّدْهات وهي مغطاة بنماذج تعليمية قديمة مغطاة بالغبار، من الكريستالات والبندولات والزنبركات والسقاطات. كانت هذه النماذج جميلة، ومن الواضح أنها كانت من صنع شخص يحب ويهتم بالتعليم، لكن هذا الاهتمام وتلك الموهبة لم يكونا كافيَيْن لجعل الآخرين يستخدمون النماذج؛ إذ بمجرد تقاعد صانع النموذج، فإن النموذج نفسه يخرج من نطاق الاستعمال. لكن ربما تبث الطباعة الثلاثية الأبعاد الحياة من جديد في هذه النماذج القديمة؛ إذ تسهل الطابعات الثلاثية الأبعاد مشاركة ونشر النماذج المادية، وتزيد حافز صنعها في المقام الأول.

تفتح الطباعة الثلاثية الأبعاد البابَ لعدد ضخم من الاحتمالات الممكنة لصنع أجسام تعليمية قابلة للتحوير، وتتيح الأجسامُ التعليمية القابلة للتحوير المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد وذات التصميم المخصص للمعلمين، القدرةَ على صنع أدوات تدريس متفردة لا تحتويها أي عُدة أدوات تقليدية للتدريس. ويمكن للمعلمين مشاركة وتطوير الأجسام القابلة للتحوير، المطبوعة بنحو ثلاثي الأبعاد الخاصة بعضها ببعض، وتعديلها لتناسب الخطط الدراسية خاصتهم.

في المدارس الابتدائية، يمكن لهذه الأجسام شرح مفاهيم بسيطة للطلاب، كما يمكن للطلاب صنع نموذج ثلاثي الأبعاد لحشرة نادرة أو نسخ من أجسام أثرية دقيقة. في الفصول الأعلى مستوًى، يمكن أن تساعد الأجسام القابلة للتحوير الطلاب في فهم مفاهيم أكثر تعقيدًا؛ مثل نماذج الجزيئات أو أجزاء العُدد الميكانيكية.

(٤) عوائق استخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد في الفصول

اليوم، انتشرت الطابعات الثلاثية الأبعاد على نحو كبير في المدارس الثانوية، وإذا كان هناك بالفعل برامج تصميم ثلاثية الأبعاد أو آلة حفر وتقطيع بالكمبيوتر في إحدى المدارس الثانوية، فليس من الصعب تركيب طابعة ثلاثية الأبعاد استهلاكية رخيصة الثمن. بنحوٍ ما، عندما تدخل الطابعة الثلاثية الأبعاد الفصل المدرسي في أعقاب برنامج تصميم ثلاثي الأبعاد، فهي موجودة حيث يجب أن تكون: أداة تصنيع في الفصل يمكنها تحويل أفكار التصميم إلى واقع ملموس.

إن العقبات الأساسية لدخول الطباعة الثلاثية الأبعاد في مدارس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة هي تدريب المعلمين والمنهج الدراسي المناسب، وتضمين الطباعة والتصميم ثلاثيي الأبعاد في عملية الاختبار القياسية. ويحتاج المدرسون لأن يكونوا متحمسين ومرتاحين لدمج برامج التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد في المناهج الأساسية للعلوم والرياضيات. ويحتاج الآباء ومجالس إدارة المدارس لفهم دورهما في العملية التعليمية، وبطريقةٍ ما نحتاج إلى صنع منهج يستفيد من إمكاناتهما.

يبث المدرسون الحياة في فصولهم، وهم من يحدد أي نوع من نشاطات التعلم سيشارك فيها طلابهم خلال العام الدراسي. لكن العديد من مدرسي المدارس الابتدائية لا يرتاحون إجمالًا لتدريس العلوم والرياضيات؛ فهم يعتبرون أنفسهم بالأساس مدرسي قراءة.7

بنحوٍ ما، ولإعداد المعلمين للاعتياد على المناهج القائمة على الطباعة الثلاثية الأبعاد، نحتاج إلى التأكد من أن تلك المناهج لا تُعرِّف المدرسين فقط بالجوانب الميكانيكية الأساسية للتصميم وعملية الطباعة الثلاثية الأبعاد؛ فالجميع لا يتحمسون للتقنيات الجديدة لمجرد أنها جديدة، فالعديد من الطلاب والمدرسين يتحمسون فقط عندما يرَوْن أنهم يستطيعون استخدام تقنيات التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد في مجالهم الإبداعي، أو لحل مشكلات في حياتهم اليومية.

إذا استثمرت المدارس الحكومية في الطابعات الثلاثية الأبعاد والمناهج القائمة عليها، فتحتاج لتبرير هذا الاستثمار إلى أن تتماشى خُطط الدروس مع معايير التعليم الوطنية والخاصة بالولايات ليلتزم المدرسون بتدريس هذه النشاطات. في الثمانينيات من القرن الماضي، مرَّر معظم الولايات في الولايات المتحدة سياسات تهدف لتحسين جودة التعليم الأساسي بتطبيق إرشادات وأُطر للمناهج في جميع أنحائها؛ فتُلزم حوالي نصف الولايات الطلاب أن يجتازوا شكلًا ما من امتحانات التخرج قبل ترك المدارس الثانوية.

تتمتع المدارس الخاصة بالمزيد من الحرية؛ حيث إنها لا تحتاج إلى الالتزام بالمعايير الخاصة بالولايات. في النظام الحكومي، فإن أداء المدرسين والمدارس على حد سواء يعتمد على أداء الطلاب بِناءً على الاختبارات السنوية الموحدة. وتُعتبر هذه الاختبارات سلاحًا ذا حدين؛ فمن جانب يمكن تحديد المدارس ذات الأداء المنخفض، وربما تحصل على المزيد من المساعدة والتمويل.

على الجانب الآخر، وللمفارقة، فإن نفس البرامج القياسية التي تهدف لتحسين جودة التعليم الأساسي الحكومي ربما تُمثِّل أيضًا عوائق لتبنِّي مناهج تعتمد على التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد. وبسبب التأكيد على أداء الطلاب في الامتحانات بسبب قانون «عدم استثناء أي طفل»، أصبح تقديم المدارس لمحتوًى جديد في منهج مزدحم بالفعل مخاطرة.

بالإضافة إلى ذلك، في معظم مدارس التعليم الأساسي، فإن الهندسة والتصميم ليسا متطلبًا تعليميًّا أساسيًّا؛ ولهذا ليسا جزءًا من الامتحانات القياسية. ولتبنِّي تقنيات التصميم والطباعة، يجب على المدرسين معرفة كيفية تطبيقها لدعم المعايير الخاصة بالولايات، ويكمن التحدي في تحويل المعايير المفاهيمية الغامضة إلى خطط دراسية مثيرة وواضحة ومناسبة.

بعض الولايات تضع مناهج وتعتمد كتبًا مدرسية لاستخدامها في كافة أنحائها، لكن عادةً ما يكون تطوير واستخدام المواد المنهجية مسئولية المدرسة أو المنطقة التعليمية المحلية. الجيد في الأمر فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بالولايات هو أن المعايير تميل إلى أن تكون مبهمة؛ مما يتيح للمدرسين الكثير من المساحة لتدريس ما يرَوْن أنه الأفضل.

هناك القليل من الأبحاث الرسمية المسبقة حول أفضل طريقة لدمج الطباعة الثلاثية الأبعاد ونظم التصنيع المكتبية الأخرى في التدريس في الفصول. لا يُعتبر تدريس واختبار منهج جديد إجراءً بسيطًا؛ إذ تطلب وزارة التعليم الأمريكية من مدرسي المدارس الحكومية المشاركة فيما يعرف باسم «تصميم المناهج القائم على الأدلة».

figure
تمول شركة ميكربوت مدرسي مدارس التعليم الأساسي الحكومية لصنع خُطط دراسية مبتكَرة للفصول. في أحد فصول الصف الثاني في بروكلين بنيويورك، تعرَّف الطلاب على مفهوم التآكل بتصميم بيوت ووضعها على «ضفة نهر» رملية حيث انجرفت (الصورة مهداة من ريان كين).

واستلهامًا مما تفعله إدارة الدواء والغذاء لتقييم فاعلية الأدوية الجديدة، فإن طرق التدريس أو المناهج الجديدة يجب أن تكون مدعومة ببيانات مكتسَبة من تجارِب دراسية عشوائية مضبوطة. لا يمكن للمدرسين والباحثين استخدام طريقة تدريس جديدة بِناء على حدس لهم فقط؛ إذ تحتاج التجارِب في البداية لمقارنة أداء الطلاب الخاضعين لطريقة التدريس الجديدة المقترحة بأداء الطلاب الخاضعين لطريقة التدريس القياسية الحالية (القيمة القاعدية). ولاعتماد الطريقة الجديدة، يجب عليها إحداث تطور ملحوظ من الناحية الإحصائية في الأداء على المدَيَيْن القصير والطويل.

يكمن التحدي في «تصميم المناهج القائم على الأدلة» في أنه من الصعب إجراء تجارِب مُعَمَّاة عشوائية غير متحيزة في الفصل؛ فالأمر يستغرق وقتًا، وغالبًا ما يعي جميع المشاركين فيه — سواء كانوا المدرسين أو الطلبة أو آباءهم — أي مجموعة من الطلاب تخضع للتجارِب. وإذا كان المشاركون يمتلكون أفكارًا سلبية مسبقة حول طريقة ما، فإنه من المحتمل أن يتأثر سلوكهم، ولن يتبنَّوْا طواعيةً الطريقةَ التي يرفضونها بالفعل. ربما تُجري بعض المدارس بالفعل تجارِب لاختبار تأثير التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد على تعلُّم الطلاب، لكنها ستكون عملية بطيئة.

(٥) المستقبل

هل ستغير الطباعة الثلاثية الأبعاد الفصل المدرسي؟ نعم. هل سيكون هناك تغير مفاجئ وهائل في المناهج الدراسية؟ لا؛ فمثل أي تقنية جديدة، ستُدخل الطباعة الثلاثية الأبعاد في الفصول ما بين موافق ورافض؛ حيث ستتبناها بعض المدارس والمواد الدراسية بينما سيرفضها آخرون.

يكمن المسار الأكثر صعوبة في مدارس المرحلتين الابتدائية والوسطى؛ فمعظم هذه المدارس لا تمتلك مناهجَ لتدريس التصميم والهندسة، ولدمج التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد في الفصول الحكومية التقليدية، يجب على المدرسين بنحوٍ ما استخدام هذه التقنيات لدعم اكتساب الطلاب للمعرفة الأساسية التقليدية. وكنتيجةٍ لهذا، فإن تقديم الطباعة الثلاثية الأبعاد يصبح عبئًا يختبر براعة المعلم.

يجب هنا أن نذكر أن بعض أكثر الاستخدامات جرأة وابتكارًا للطباعة الثلاثية الأبعاد تحدث في مناهج الجامعات والكليات، لكن من الأسهل لأساتذة الجامعات تجرِبة الطباعة الثلاثية الأبعاد في قاعات محاضراتهم، كما يتسم تخطيط الدروس في فصول التعليم الأساسي بمرونةٍ أقل، ولا يمتلك معلمو المدارس الحكومية التمويل الجاهز والمتاح للحصول على هذه التقنيات.

سيكون من سوء الحظ أن تسلك أدوات التصميم والطباعة الثلاثية الأبعاد نفس الطريق الذي بدأتْه أجهزة الكمبيوتر بالفعل. تمتلك مدارس التعليم الأساسي والجامعات الموسرة اتصالًا سريعًا بالإنترنت، ومدرسين يعرفون الكثير عن التكنولوجيا. على العكس، فإن مدارس المناطق التعليمية التي تعاني من شح الموارد تعمل بمعمل كمبيوتر وحيد، أجهزته قديمة (وعادةً ما يكون مغلقًا)، ويذهب إليه الطلاب في زيارات مرتبة سلفًا. ومن المعروف أن الطلاب يلتحقون بنظام التعليم الأساسي الحكومي أكثر من أي مسار تعليمي أخرى، ونحن نؤمن بأن الطباعة الثلاثية الأبعاد تمتلك ما يمكن أن تقدمه للطلاب ذوي القدرات الاستيعابية والخلفيات الاجتماعية الاقتصادية المختلفة.

بالنظر إلى الطرق التي أثرت بها أجهزة الكمبيوتر في التعليم، فإنه من السهل إيجاد طرق تأثير مشابهة فيما يتعلق بالطابعات الثلاثية الأبعاد. كان الكمبيوتر في البداية يُستخدم لتعزيز تعلُّم المواد الدراسية التي كانت تُعتبر «مرتبطة بالكمبيوتر» مثل البرمجة أو ربما الرياضيات، لكن هذا تغير، وأصبحت أجهزة الكمبيوتر اليوم تُستخدم في تدريس كل المواد؛ بدءًا من التاريخ حتى الرسم. الأهم من ذلك هو أنها فتحت الباب لطرق جديدة تمامًا من التدريس وتعلُّم هذه المواد، والاحتمالات المتاحة في هذا الشأن لا نهاية لها.

من المحتمل أن تسلك الطابعات الثلاثية الأبعاد نفس الطريق. في البداية، استُخدمت الطابعات الثلاثية الأبعاد في تدريس المواد التي اعتُبرت وثيقة الصلة بها مثل مادة مهارات التكنولوجيا، وقريبًا ستُستخدم في تدريس مواد أخرى، بدءًا من الرياضيات والأحياء وانتهاءً بالرسم والتاريخ والأدب. ومثل أجهزة الكمبيوتر، فإنها ستفتح الطريق لسبل جديدة تمامًا للتدريس والتعلُّم لا يمكننا تخيُّلها اليوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤