عام ١٨٦٥م

حدث في ٢١ و٢٣ و٢٤ من يناير سنة ١٨٦٥م ثلاث معارك عظيمة اشتركت فيها الأورطة السودانية المصرية ببسالتها المعتادة. وإليك ما قاله القائد العام للأراضي الحارة في تقريره عنها:

من الصعب العثور على كلام يمكن التعبير به عن بأس هذه الأورطة البارعة وبسالتها وصبرها على الحرمان واحتمال المشاق، وحميتها في إطلاق النيران، وجلدها في المشي.

فلقد قام كلُّ جندي من جنودها في هذه الوقائع الثلاث بواجبه خير قيام. ويرى قائدها أن كافة جنودها تستحقُّ المدح والثناء، غير أنه لفت الأنظار إلى ثلاثة جنود منها أصيبوا بإصابات شديدة، لكني أرى من واجبي أن أذكر أيضًا الأشخاص الآتية أسماؤهم:

لقد أبلى الملازم فرج الزيني في هذه الوقائع بلاءً حسنًا كعادته، وكان يقود المؤخرة، فأعاد إلى الذاكرة ما لم تنسه من حماسته وبسالته في حروبه السابقة.

وأصيب الملازم الأول محمد سليمان بستة جروح من طلقات نارية؛ فبرهن بذلك على إقدامه، وهذا الضابط الذي أُنعِم عليه بوسام في ٢٠ ديسمبر قد أظهر الآن مقدار جدارته واستحقاقه لهذا الإنعام؛ فألتمس منحَه رتبة اليوزباشية.

أما الجنود الأربعة الآتية أسماؤهم فقد أُنعِم على كل منهم بالوسام العسكري، وهم:

جادين أحمد، ومحمد الحاج، وإدريس نعيم، وعبد الله سودان.

ورأى الخديوي إسماعيل باشا أن يرسل إلى المكسيك أورطة أخرى لتحل محل هذه الأورطة، فأرسل الديوان الخديوي بتاريخ أول شوال سنة ١٢٨١ھ/٢٧ فبراير سنة ١٨٦٥م بناءً على أمر سموه إلى جعفر باشا حكمدار السودان العام الخطاب الآتي:

انتخبوا من بين العساكر السودانية المنظمة التي بحكمداريتكم مقدارًا من العساكر، وشكِّلوا أورطة كاملة بالفرز والانتخاب، بشرط أن يكونوا شبانًا ذوي بنية قوية ومنظر وهيئة حسنة، وأرسلوهم إلينا صحبة صاحب العزة أميرالألاي آدم بك، حيث إن الضرورة تقضي بذلك. وبعد تمام الفرز والانتخاب على الوجه المشروح يصير إرسالهم بطريق سواكن إلينا. وبما أن جلب هؤلاء العساكر من سواكن إلى هنا يحتاج إلى إرسال وابور لاستحضارهم، فيلزم أن تفيدونا سريعًا عن تاريخ اليوم الذي يمكن أن يحضروا فيه؛ حتى يمكننا إرسال السفن اللازمة لأخذهم واستحضارهم، ثم انتخبوا بمعرفتكم واحدًا من القائمقامية الذين عندكم ليحل محلَّ أميرالألاي آدم بك المومى إليه، وبكباشيًّا بدلًا من القائمقام المنتخب، وصاغًا بدلًا من البكباشي، ويوزباشيًّا بدلًا من الصاغ، وملازمًا أول بدلًا من اليوزباشي، وملازمًا ثانيًا بدلًا من الملازم الأول، وصف ضابط بدلًا من الملازم الثاني، مع تحرير العرائض اللازمة لذلك وإرسالها للعرض على أعتاب ولي النعم لتشريفها بالموافقة كمنطوق الإرادة السنية الصادرة بالتحرير لكم عن ذلك لإجراء اللازم.

وفي ذلك الوقت كان أميرالألاي آدم بك المذكور قائد الألاي الأول السوداني في الخرطوم الذي يبلغ مجموعه ٨١ ضابطًا و٢١٩٠ من صف الضباط والجنود، وترقى بعد ذلك إلى رتبة لواء. وفي سنة ١٨٦٨م أُسندت إليه القيادة العامة للجيوش السودانية.

وفي ٢ مارس سنة ١٨٦٥م دارت رحى معركة طاحنة قُتِل في معمعانها الماجور مارشال قائد الفرقة. وفي هذه الواقعة أُنعِم على الأونباشي مرجان مطر، والعساكر رمضان كوكو وعلي إدريس وأنجلو سودان وكوكو سودان، بأوسمة عسكرية، ونُوِّهَ بأسمائهم.

وأنعم الخديوي إسماعيل باشا بالوسام المجيدي من الدرجة الرابعة على الماجور مارشال مكافأةً له على عنايته بشئون الأورطة قبل أن يعلم بوفاته. فكتب الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية في ١٠ ذي القعدة سنة ١٢٨١ھ/٦ أبريل سنة ١٨٦٥م الخطاب الآتي:

لمناسبة إهداء البكباشي مارشال من ضباط الدولة الفرنسية الذين بصحبة العساكر السودانية المصرية بمكسيكا النشان المجيدي الرابع، يلزم تحرير الخطاب اللازم للضابط المذكور باللغة الفرنسية، مع إرسال النشان والبراءة إليه بواسطة وزارة الخارجية كمنطوق الفرمان السامي الصادر بذلك. وقد تحرر هذا للإجراء على مقتضاه.

ولما وصل تقرير قومندان الأورطة السودانية، أرسل إليه الخديوي إسماعيل باشا في ١٦ ذي القعدة سنة ١٢٨١ھ/١٢ أبريل سنة ١٨٦٥م الخطاب الآتي:

أمرٌ عالٍ إلى صاغ أورطة السودان

قد ورد إنهاؤكم بتاريخ ٣ شعبان سنة ١٢٨١ھ، الموافق أول يناير سنة ١٨٦٥م، يحتوي أنكم ومن معكم قائمون على أقدام الاهتمام، ومنقادون لأمر مأمور الجيش على الدوام؛ فحصل لنا بذلك مزيد السرور والارتياح منكم ومن جميع من معكم من الضباط والعساكر. فعرِّفوهم أني أريد منهم أن يداوموا على هذا المسلك الحميد والمنهج السديد حتى يعودوا إلى أوطانهم فينالوا الفخر بين إخوانهم. ثم بلِّغوهم أننا سننظر في ترتيب عساكر ليرسلوا بدلًا منهم إلى تلك الجبهة. وإن شاء الله عن قريب يُرسَل البدل المذكور، وتحضرون أنتم ومن معكم حيث طالت إقامتكم هناك. وعلى حسب التماسكم أُهدي إلى البكباشي مارشال النيشان المجيدي الرابع، وأُرسل مع الفرمان المتعلق به.

وأتت الأورطة السودانية المصرية في أثناء انتظارها من سيخلفها من الجنود بضروب الشجاعة والإقدام؛ إذ كانت تحتلُّ في متسعٍ من الأرض مساحته ١٦٠ كيلومترًا سبعة مواقع بعضها ليس به منها أكثر من ٣٠ جنديًّا. ومع ذلك فقد استطاعت أن تبعث الخوف والذعر في قلوب عصابات تتراوح كل عصابة منها بين ٢٠٠ و٣٠٠ وتوقفها عند حدها. وإليك معرب العبارة التي مدح بها قومندان الأراضي الحارة هذه الأورطة:

يا لها من يقظة! ويا لهم من رجالٍ أبطالٍ تملَّك حب القيام بالواجب أفئدتهم؛ فهم لا ينفكُّون عن القيام به، حتى إنه لم يحدث مطلقًا أن بُوغِت يومًا جنديٌّ منهم في نوبة حراسته ووُجِدَ غائبًا عن محله. وهم من أنفسهم يضاعفون الحرس ليلًا إلى ثلاثة أمثاله بدون أمرٍ ما؛ ليأمنوا أية مباغتة.

وفي ١٩ ذي الحجة سنة ١٢٨١ھ/١٥ مايو سنة ١٨٦٥م، أرسل حضرة صاحب السعادة باشمعاون الديوان الخديوي إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، خطابًا بخصوص الأورطة السودانية الجديدة وسفرها من سواكن، وهذا نصه:

بناءً على ما سبق تحريره إلى الحكمدارية بخصوص أورطة العساكر المطلوب جلبها، والمكونة من ألف نفس، قد حُرِّرَ يوم تاريخه الخطاب المرسل طي هذا إلى حضرة صاحب العزة وكيل حكمدارية السودان؛ لأجل أن يبذل الهمة في سرعة إرسال العساكر المذكورة، فعليكم توصيله إليه بغاية السرعة مع مخصوص. وبما أنَّ حضور العساكر المذكورة سيكون عن طريق سواكن، ويلزم الاستعداد لإرسال باخرة إلى سواكن، فعليه حُرِّرَ هذا الخطاب إليكم إخطارًا بما ذُكِرَ لإجراء مُقتَضاه، وأن تتأكدوا من الوقت المناسب لإرسال الباخرة، وإخطارنا بذلك لأجل إرسالها لاستحضارهم.

ولما لم يرد أي نبأ إلى مصر عن إعداد هذه الأورطة؛ أرسل الخديوي نفسه في ١٥ محرم سنة ١٢٨٢ھ/١٠ يونيو سنة ١٨٦٥م ثلاثة كتب بشأن الإسراع في إحضارها:
  • الأول: إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، وهذا نصه:

    سبق من مدة صدور أمري إلى حكمدارية السودان بترتيب وتجهيز أورطة واحدة مكونة من ألف جندي من العساكر السودانية، وإرسالها بطريق «تاكه» إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، ولاعتقادي القوي بأن الأورطة المذكورة لا بد أن تكون الآن قد وصلت بأجمعها، أو وصل بعض بلوكاتها إلى سواكن، فعلى هذا الأمل القوي قد أبحرت الباخرة «إبراهيمية» رأسًا إلى هناك لأخذهم واستحضارهم إلى هنا. فلدى وصولها — سواءً أكانت الأورطة بأكملها وصلت أم بعض بلوكاتها — يلزم أن تبادروا بإنزالهم فيها دون انتظار وترسلوهم. أما إذا لم يكونوا قد حضروا إلى الآن، فيلزم أن ترسلوا رسولًا من طرفكم بصورة أمري هذا إلى مديرية «تاكه» لاستعجال المدير في سرعة إرسالهم بدون تأخير. ومن أجل ذلك حُرِّرَ أمري هذا، وأرسل إليكم للإجراء على مقتضاه.

  • والثاني: إلى مدير مديرية التاكة، وهذا نصه:

    بما أن الباخرة «فرقاطة إبراهيمية» أبحرت في هذه المرة قاصدة إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق صدور الأمر بتشكيلها مكونة من ألف جندي مع ضباطها، وسوقها إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، فإذا لم تكن الأورطة المذكورة أُرسلت إلى الآن إلى سواكن فبادروا بسرعة إرسالها حالًا بدون تأخير ولا دقيقة واحدة. وقد حُرِّرَ أمرنا هذا وأُرسِل إليكم من أجل ذلك، مع العلم أننا قد سبق أن حررنا لكم وللحكمدارية بهذا الخصوص، وكنتم تشكون من كثرة العساكر وقلة المحصول. فبناءً عليه يجب أن تبادروا بسرعة إرسالهم، وأن تصرفوا لهم التعيينات اللازمة من «تاكه» إلى سواكن بما فيه الكفاية، وملاحظة عدم تركهم فريسة للجوع هناك كما هو مرغوبي.

  • والثالث: إلى قائد الفرقاطة «إبراهيمية»، وهذا نصه:

    بمجرد وصول أمري هذا إليكم، بادروا بالقيام رأسًا إلى سواكن لأخذ واستحضار أورطة العساكر السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها، حيث سبق من مدة طلب تجهيزها وسوقها بطريق «تاكه» إلى سواكن كالأمر الصادر بذلك لحكمدارية السودان، فلا بد أن تكون الأورطة المذكورة قد وصلت على ما أعتقد. فلدى وصولكم إلى هناك، إذا وجدتم أن الأورطة المذكورة وصلت فخذوها واحضروا بها رأسًا إلى هنا. أما إذا لم تجدوها وصلت كلها، بل وصل بعض عساكر بلوكاتها كثيرين أو قليلين فخذوهم واحضروا بهم رأسًا إلى هنا دون انتظار باقي من سيحضر منهم. وللمعلومية حُرِّرَ هذا.

حاشية: «وفي تاريخه صدر الأمر إلى نظارة الجهادية أن ترسل إليكم التعيينات اللازمة لمدة خمسة عشر يومًا للصرف منها على العساكر المذكورة أثناء الطريق. فأرسلوا من يلزم لأخذ المئونة المذكورة قبل قيامكم. أما إذا أحوج الأمر إلى مئونة أخرى للعساكر أو البحارة من سواكن مثل لحوم أو خلافه، فلديكم الإذن منا بأخذه من ممتاز أفندي بسواكن.»
وبعد أن أُرسِلَت هذه الأوامر الثلاثة، سافر الخديوي إسماعيل إلى الآستانة، وبمجرد وصوله كتب خطابين بخصوص إعداد الأورطة الجديدة وتسفيرها إلى طولون:
  • الأول: إلى صاحب السعادة شريف باشا، وهذا نصه:

    سبق أن قامت الباخرة إبراهيمية رأسًا إلى سواكن لأخذ واستحضار الأورطة السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها السابق طلب إرسالهم من جهة السودان إلى مصر. وكان قد صدر الأمر إلى ربان الباخرة بأنه لدى وصوله إلى سواكن، إذا وجد أن الأورطة المذكورة وصلت بأكملها يأخذها ويحضر. أما إذا لم يجدها وصلت بأكملها ووصل منها بعض بلوكات فيأخذهم ويعود رأسًا بدون انتظار باقي من سيحضر منهم. ولما كانت الأورطة المذكورة سترسل بدلًا من العساكر السودانية التي بمكسيكا، فقد صدرت إرادتنا إلى ناظر الجهادية باتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص تجهيز ما يلزمهم من الأسلحة والمهمات والتعيينات وسائر اللوازم. فلدى وصول الأورطة المذكورة غدًا، أو لدى وصول بعض بلوكاتها، أسرعوا حالًا باتخاذ اللازم لإتمام ما يلزمهم، مع إجراء اللازم بخصوص ترحيلهم إلى طولون بالباخرة سمنود من بواخر القومبانية العزيزية إذا كانت موجودة، أو بإحدى البواخر الكبيرة المناسبة من بواخر الشركة المذكورة. وإذا كان ربان الباخرة التي ستحمل العساكر من الذين لم يسبق سفرهم في هذا الطريق، لزم أن يكون معه دليل لمرافقته. وقد كتبنا أيضًا لجناب قنصل جنرال فرنسا بخصوص إرسال العساكر المذكورة إلى تلك الجهة للعلم بأنهم من العساكر المتوجهين إلى مكسيكا. فإذا كان يرى من المناسب إعطاء خطاب من طرفه لربان الباخرة بهذا الخصوص فلا بأس. ولأجل ذلك حُرِّرَ هذا الأمر وأُرسِلَ إليكم.

    حاشية: وابور الشرقية الذي تم عمله بمعرفة قومبانية الشرق لذمة القومبانية العزيزية، لا بد أن يكون قد وصل إلى الإسكندرية من الجهة التي هو بها، أو يحضر بعد بضعة أيام كما هو متوقع. وبما أن ربان الباخرة إنجليزي ومعه بحارة مستعدون، فالأوفق إرسالهم بتلك الباخرة إلى طولون. وقد حُرِّرَ هذا للعلم والإجراء على مقتضاه.
    حاشية أخرى: «إذا كانت العساكر المنتَظَر حضورها تحضر من سواكن قبل وصول الباخرة المار ذكرها، فلا بأس من تنفيذ الأمر الأول بترحيلهم بإحدى بواخر الشركة العزيزية كما سبق القول.»
  • والثاني: إلى صاحب السعادة إسماعيل سليم باشا — ناظر الجهادية — وهذا نصه:

    حيث إن الباخرة إبراهيمية أبحرت رأسًا إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق طلبها من جهة السودان، وهي مكونة من ألف جندي سوداني مع ضباطها، واستحضارها إلى مصر كما عُلِمَ ذلك، وحيث إن الأورطة المذكورة ستُرسَلُ بدلًا من الأورطة التي بمكسيكا؛ لذلك طلبنا استحضارها لإرسالها إلى مكسيكا، فلدى وصول الأورطة المذكورة أو وصول بعض بلوكاتها، تُسَلَّم لهم الأسلحة اللازمة من النوع الجيد. وفي تاريخه كتبنا إلى سعادة شريف باشا بذلك. وتُصرَف لهم الملابس من صنف التيل المخصص لعساكر المشاة (سترة قصيرة)، بحيث يكون لكل جندي طقمان كسوة وقميص ولباس وزوج جوارب (شرابات) وسجادة وبطانية وكبود، ولكل ضابط كسوة من الكساوي المخصصة للضباط المشاة، وأسبالتات حسب درجة رتبة كل منهم. ويجهز لهم من التعيينات ما يلزمهم أثناء الطريق، وذلك في ظرف مدة قليلة؛ يعني في ظرف يومين أو ثلاثة على الأكثر تكون جاهزة لأجل صرفها لهم، والخيام التي تلزمهم تُنتَقَى من الخيام الجيدة النظيفة. وبعد الانتهاء من تدبير كل ما يلزم لهم، بادروا بمخابرة سعادة شريف باشا بخصوص اللازم نحو سفرهم.

    ومع أن الكشف المحرر من طرفنا بما يلزم صرفه للمذكورين مستوفي الشروط، إلا أني أخشى أن أكون قد نسيت سهوًا درج شيء ما يلزم لهم مما لم يخطر ببالي، فيجب أن تلاحظوا ذلك حيث إنكم أدرى مني في مثل هذه الأحوال بما يلزم للسفريات بمقتضى وظيفتكم. فإذا لاحظتم أي نقص يلزم مداركته في الحال، ويجب أيضًا الاعتناء التام بنظام العساكر؛ حتى يكونوا بهيئة نظيفة ومنظر جميل مستكملين الشروط اللائقة بالشرف العسكري.

    بناءً عليه صدر أمرنا هذا لكم للإجراء على مقتضاه.

    حاشية: «البنادق التي تصرف للعساكر تكون من نوع الششخانة المقلوب، مع صرف ماهية ثلاثة أشهر للضباط والعساكر.»
    حاشية أخرى: «لا تصرفوا ذخائر للعساكر.»

وفي ٨ صفر سنة ١٢٨٢ھ/٣ يوليو سنة ١٨٦٥م، أرسل صاحب السعادة شريف باشا رسالة برقية إلى صاحب السعادة رياض باشا بالآستانة؛ ليرفعها إلى صاحب السمو الخديوي إسماعيل، يقول فيها: إن الفرقاطة إبراهيمية رجعت فارغة بسبب ظهور الكوليرا في سواكن.

فكتب إليه الخديوي إسماعيل في ١٢ صفر سنة ١٢٨٢ھ/٧ يوليو سنة ١٨٦٥م الخطاب الآتي:

عُلِمَ من التلغراف الوارد منكم بتاريخ ٨ صفر سنة ١٢٨٢ھ، الموافق ٣ يوليو سنة ١٨٦٥م، أن الباخرة إبراهيمية التي ذهبت إلى سواكن عادت فارغة من هناك؛ بسبب أن الأورطة السودانية التي كُلِّفَت باستحضارها غير موجودة. فإذا كان الأمر كذلك، فقد كان الواجب يقضي عليها بانتظارهم هناك حسب الأمر، أو أن السبب ظهور المرض هناك؟ لم أفهم الحقيقة فعرفوني حالًا وسريعًا بخطاب مُفصَّل عن كيفية الحالة.

والمفهوم الآن أن استحضار الأورطة المذكورة من هذا الطريق سيطول أمره، مع أن المطلوب استحضارها بغاية السرعة اليوم قبل غد. فبناءً عليه أسرعوا بترحيل صاحب السعادة جعفر باشا حكمدار السودان إلى محل مأموريته بطريق أسوان، وبالطبع لدى ذهابه سيمر على دنقلة وبربر، ولدى وصوله هناك يمكنه بغاية السرعة أن يفرز من أُرَطِ العساكر السودانية الموجودة هناك العدد المطلوب لتشكيل الأورطة المطلوبة وإرسالها سريعًا بطريق النيل بسبب فيضانه الآن، وبذلك يمكن حضورهم بغاية السهولة. فلأجل حضور الأورطة المذكورة بالصورة المار ذكرها بغاية السرعة يجب اتخاذ ما يلزم من جهتكم أيضًا بإجراء التسهيلات والتشهيلات اللازم إجراؤها حتى يتم المقصود كما سبق وعرفناكم تلغرافيًّا بذلك. فيجب إعطاء التعليمات الخاصة بذلك لحضرة صاحب السعادة جعفر باشا — حكمدار السودان — وإجراء التشهيلات اللازمة بكل همة لحضور الأورطة المطلوبة في أقرب وقت إلى مصر كما هو مرغوبي.

حاشية: «إننا وإن كنا أخطرناكم قبل الآن تلغرافيًّا بالاحتياطات اللازم عملها بالاتفاق مع الأطباء للمحافظة على صحة البحارة بالباخرة إبراهيمية، إلا أنه خوفًا من حدوث تحريف بالتلغراف أو تأخير، أرسلنا صورته طيه للاطلاع والعلم بما فيه لإجراء اللازم وتنفيذه.»
فرد صاحب السعادة شريف باشا على هذه المكاتبة بخطاب أرسله إلى رياض باشا في ١٧ صفر سنة ١٢٨٢ھ/١٢ يوليو سنة ١٨٦٥م لعرضه على سمو الخديوي إسماعيل هذا نصه:

قد اطلع هذا العاجز على الإرادة السنية الصادرة من ولي النعم بالاستفهام عن أسباب عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة، وعدم انتظار ربانها هناك حسبما تقضي به مأموريته، وعلى الأمر بسرعة إرسال الأورطة السودانية المراد إحضارها من السودان بمعرفة حكمدار السودان وفرزها من العساكر الذين بدنقلة وبربر، وسوقها إلى مصر لما في ذلك من السرعة. وبناءً على ما ورد من وكيل حكومة السودان من أنه طبقًا للأمر العالي السابق صدوره قد فُرِزَت الأورطة المذكورة من العساكر السودانية الموجودة في مواقع متعددة، وشُرِعَ في سوقها إلى جهة سواكن، ومن المنتظر أن تجتمع كلها بسواكن في ١٥ ربيع الأول سنة ١٢٨٢ھ، الموافق ٨ أغسطس سنة ١٨٦٥م، قد أرسلت إليه تعليمات بالتلغراف لوضع العساكر الجاري سوقها في المواقع المناسبة بمديرية تاكه وسوقها إلى سواكن، مع أنه ورد خبر بظهور وباء بسواكن. وعلى هذا الحساب يكون معظم العساكر المذكورة مجتمعًا الآن بمديرية «تاكه»، وبناءً عليه كان استصوب أن تقوم الباخرة «إبراهيمية» لغاية ٨ ربيع الأول سنة ١٢٨٢ھ، الموافق أول أغسطس سنة ١٨٦٥م، وتسافر إلى سواكن، وصمم على ذلك، ولكن الآن إذا اتبع السير طبقًا للإرادة السنية الصادرة من حضرة ولي النعم، فإن وصول العساكر المذكورة إلى هنا سيتأخر مدة أخرى؛ ولذلك اضطررنا إلى عرض الكيفية انتظارًا لما تقضي به الإرادة السنية. أما بخصوص عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة وعدم انتظارها هناك، فإن ظهور وباء بسواكن وإصابة بحارتها بالعدوى، وكذلك عدم الحصول على خبر عن وصول العساكر؛ كل ذلك جعل الربان يُفضل العودة على الانتظار هناك مدة طويلة. وقد تُوُفي ثلاثة من البحارة في أثناء سفرها إلى السويس. والسبب في أَصْوَبِيَّةِ وضع الحَجْرِ على البحارة داخل هذه السفينة عند وصولها إلى السويس هو أنه نظرًا لضرورة اجتناب الشمس في أثناء هذا المرض قد رُئِيَ أفضلية إبقاء البحارة بها مراعاةً لصحتهم وراحتهم، بدلًا من الحجر عليهم تحت الخيام في أمكنة حارة غير طلقة الهواء.

والآن لله الحمد صحة البحارة جيدة، ومع ذلك فقد حُرِّرَ هذا لسرعة عرضه على الأعتاب العلية، وما تصدر به الإرادة السنية في هذا الخصوص سيبادر باتباعه وتنفيذه.

وفي ١٢ أغسطس سنة ١٨٦٥م، أُرسِلَ الملازم صالح حجازي على رأس عشرين جنديًّا من فيراكروز لتعزيز أحد المواقع، وبينما هو وجنوده سائرون، انقضَّ عليهم في طريقهم مائتا مكسيكي، فلم تجزع هذه الكتيبة الصغيرة، وأَصْلَت العدو نارًا حامية أوقعته في حيرة وارتباك. ثم انتهزت فرصة حيرته هذه والتجأت إلى مغار، ولكن سرعان ما طوَّقَها الأعداء من كل صوب وأخذوا في مهاجمتها، إلا أنها صدَّتْهم وحالت دون دُنُوِّهم منها إلى أن أتى جنود أنقذوها.

وفي ٥ جمادى الأولى سنة ١٢٨٢ھ/٢٦ سبتمبر سنة ١٨٦٥م، أرسل الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية قائمة الضباط الذين صدر الأمر بترقيتهم في هذه الأورطة.

فأجابته بتاريخ ٨ جمادى الأولى سنة ١٢٨٢ھ/٢٩ سبتمبر سنة ١٨٦٥م بهذه الإفادة:
عدد
١ اليوزباشي محمد الماس أفندي ترقَّى إلى رتبة بكباشي بدلًا من جبر الله أفندي البكباشي المتوفى
١ الملازم الأول محمد سليمان أفندي ترقَّى إلى رتبة يوزباشي بدلًا من محمد الماس أفندي اليوزباشي
١ الملازم الثاني خليل أفندي ترقَّى إلى رتبة ملازم أول بدلًا من محمد أفندي سليمان الملازم الأول
١ الباشجاويش فضل الله أفندي ترقَّى إلى رتبة ملازم ثانٍ بدلًا من خليل أفندي فني الملازم الثاني
٤

قد صار تحرير العرائض الرسمية الخاصة بترقية الضباط الأربعة المذكورين المستحقين للترقية من ضباط العساكر السودانية المصرية الذين بمكسيكا، كنص الفرمان العالي الصادر بذلك والمبلَّغ لنا بإفادة سعادتكم بتاريخ ٥ جمادى الأولى سنة ١٢٨٢ھ، الموافق ٢٦ سبتمبر سنة ١٨٦٥م نمرة ٣٩. وها هي العرائض بعد تحريرها قد أُرسِلَت إلى سعادتكم حسب الأمر.

وفي ١٩ جمادى الأولى سنة ١٢٨٢ھ/١٠ أكتوبر سنة ١٨٦٥م، أرسل الخديوي إسماعيل إلى صاحب السعادة علي غالب باشا — قائد لواء المشاة المؤلف من الألايين الخامس والسادس — أمرًا بسرعة إحضار عساكر الأورطة السودانية الجديدة التي ستحلُّ محل الأورطة التي بالمكسيك، وها هو:

الألف عسكري الجاري فرزهم بمعرفة حضرة صاحب السعادة جعفر باشا — حكمدار السودان — من بين العساكر السودانية الذين بجهات «دنقلة» و«بربر» والذين سيرسلون إلينا، مطلوب حضورهم في أقرب وقت ممكن لشدة لزومهم. ولمناسبة صدور أمري هذا إليكم أيضًا لإجراء المساعدة اللازمة من طرفكم والتشهيلات الممكنة، وعدم تأخير أو توقيف العساكر التي سيرسلها أثناء الطريق، وأن ترسلوهم أولًا فأولًا دون انتظار بعضهم بعضًا، مع سرعة إرسالهم إلى جهة «كورسكو» وإركابهم المراكب من هناك، وإرسالهم حالًا إلينا. وللإحاطة حُرِّرَ أمري هذا وأرسل إليكم.

وفي شهر أكتوبر من هذا العام، أُرسِل بلوك لعقاب فرقة من الأعداء يربو عددها على ثلاثة أضعافه، كانت قد أخرجت قطارًا عن الطريق وذبحت المسافرين به ومن معهم من النساء، فهزمها وولت الأدبار بعد أن منيت بخسائر فادحة. وقد نوَّه قومندان الأراضي الحارة بأسماء: الملازم الثاني عبد الرحمن موسى، والأونباشي محمد سليمان، والجندي علي سليمان؛ لما أبدوه من الحمية والجرأة. وقد نالوا على أثر ذلك أوسمةً عسكرية.

وكان قد تقرَّر من مدة إنشاء كوكبة راكبة مؤلفة من خمسين فارسًا من جنود الأورطة السودانية المصرية؛ لتقوم بالاستكشاف وحراسة السكة الحديدية على الأخص، على أن تعامَل معامَلة المساعدين المكسيكيين من حيث الراتب، فيستولي أفرادها على مكافأة إضافية من بلدية فيراكروز نظير معاونتهم لشرطة المدينة.

وظهرت بعد زمن يسير أصالة هذه الفكرة والفائدة التي يُستطاع جَنْيُها منها. ولما كان السوداني المصري بطبيعته مطواعًا وفارسًا مقدامًا، فقد أبدى الذين وقع الاختيار عليهم لأداء هذه الخدمة الجديدة حماسة وجِدًّا متواصلًا، وأظهروا كلَّ المؤهلات التي صيَّرتهم مثالًا حسنًا للجنود الفرسان، فتألفت منهم كتيبة من خيرة الكتائب.

وفي غضون شهر ديسمبر سنة ١٨٦٥م، بلَّغَ قائد فيراكروز أن إمبراطورة المكسيك ستمر بها في ذهابها إلى اليقطان (إحدى ولايات المكسيك)؛ فاتخذ الاحتياطات اللازمة لاستتباب النظام وتأدية مراسم التشريفات لدى وصولها إلى الأراضي الحارة.

وفي صبيحة ١٤ منه، سافر حرس مؤلف من ثلاثين جنديَّا من الأورطة السودانية المصرية بالقطار المخصوص الذي ركبه الحاكم والأعيان الذين وفدوا لمقابلة جلالتها.

ولما وصلت إلى فيراكروز، أطلق رجال مدفعية الأورطة بقيادة أحد ضباطها واحدًا ومائة مدفع إكرامًا لجلالتها. وتألف من الحامية المؤلفة من جنود الأورطة وجنود آخرين صفان من المحطة إلى القصر، وأُقيم قره قول شرف من خمسين جنديًّا من جنود الأورطة في القصر بقيادة يوزباشي وملازم.

ولما كانت الإمبراطورة قد أزمعت مبارحة فيراكروز في صباح الغد، فقد سافرت قبلها كوكبة الفرسان السودانية المصرية لتستكشف الطريق وتصطف على طول السكة الحديدية. ولم تلبث الإمبراطورة سوى بضعة أيام. ولدى إيابها عُمِلَ لها جميع ما عُمِلَ من التشريفات والاحتفالات عند مرورها بفيراكروز. ولما رجعت إلى مكسيكو، أعربت للإمبراطور مكسيميليان عن رضاها وارتياحها لهندام الجنود السودانية ومؤهلاتهم العسكرية التي حازت إعجاب جميع رجال البلاط؛ فتكرم الإمبراطور وأعلن عطفه السامي عليهم بمنح كل جندي من جنود الأورطة علاوة يومية على الراتب قدرها سنتيمًا (١٫١٥ج تقريبًا)، وأنعم على الضباط ببعض الأوسمة المكسيكية.

وقد خاضت الأورطة في غضون عام ١٨٦٥م غمار ثماني عشرة معركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤