كتابات

هذا؛ وقد سبق أن نشرنا ملخص ما قامت به الأورطة السودانية المصرية في المكسيك بجريدة الأهرام الغراء، وطلبنا ممن يطلعون عليه أن يوافونا بمعلوماتهم إن كان عندهم معلومات أخرى فوق ما ذكرناه. فوردت إلينا كتابات في هذا الشأن رأينا إثباتها بالتتابع حسب تواريخها في هذا الكتاب إتمامًا للفائدة، وها هي:

١

كتب إليَّ باشمعاون دائرتنا حضرة الباحث المطلع حامد أفندي القرضاوي الموظف المنتدب بحسابات وزارة المالية بمصر بتاريخ ٥ سبتمبر سنة ١٩٣٣ بعد الديباجة ما نصه:

الضباط

  • (١)

    الأميرألاي محمد بك الماس: أُنعم عليه برتبة اللواء، ولا أعرف التاريخ بالضبط، ولكني أذكر أن جريدة الأهرام نشرت في عام ١٩٣٠ أو ١٩٣١ لمحة عن تاريخ ألماظ باشا بقلم أحد موظفي دار الكتب، فلما اطلعت عليها كتبت إليه أسأله عن مصدرها، وأجابني عن ذلك في حينه.

  • (٢)

    الصاغ فرج أفندي عزازي (وترتيبه الرابع في بيان سمو الأمير): رُقِّي إلى رتبة بكباشي فقائمقام، وكان قائدًا لحامية كسلا أثناء الحصار، ووَاقَعَ الدراويش في وقائع الجمام وسدينة وسيدرات وقلوسيت من فبراير سنة ١٨٨٤ حتى مارس سنة ١٨٨٥. وعندما أبت الحامية التسليم للمحاصرين وأصرت على التسليم للمهدي، وجه إليهم هذا «أمناء» من لدنه يحملون كتابًا منه بتأمينها. وجه الخطاب في استهلاله إلى أحمد عفت «باشا» المدير والقائمقام فرج «بك» عزازي — رئيس العساكر — ثم إلى باقي الضباط. وحدث أن نُعِيَ المهدي قبيل ذلك إلى الحامية، فسُرِّيَ عنها واستأنفت الدفاع، ولكن الجوع اضطرها إلى التسليم للأمناء بعد لأي. ومن الغريب أنني لم أقع على اسم عزازي بك ضمن الأسرى، ولم يرد له ذكر بعد كتاب المهدي مطلقًا. وأرجح أنه مات حتف أنفه قبيل سقوط المدينة في ٢٩ يوليو سنة ١٨٨٥.

  • (٣)

    الأميرألاي فرج بك الزيني (وترتيبه الخامس في البيان: حصل على رتبة لواء أثناء حصار الخرطوم عندما عُين قائدًا للحامية. ولو أنه حصل على رتبة فريق لتحتم أن يحصل عليها فوزي باشا ونصحي باشا، وكلاهما رُقي إلى رتبة لواء قبله، والمفهوم أنه لم يكن من حق مصر منح تلك الرتبة وقتئذ، بل كان ذلك من حق جلالة السلطان وحده. صحيح أن غوردون خوَّل نفسه سلطةً غير محدودة، وصار يمنح الرتب بلا حساب حتى قفز ببعض الضباط من أصغر الرتب إلى أسناها، ولكنه لم يكن ليجرؤ على تحدي جلالة السلطان، وإن كان قد اختلس كل حقوق الخديوي توفيق. وشاهد ذلك وآيته أن المؤرخين المعاصرين وشاهدي العيان من أمثال فوزي ونصحي وسلاطين وأوهلدر لم يذكروا شيئًا عن هذا.

  • (٤)

    اليوزباشي الفود محمد أفندي (وترتيبه الثامن): يغلب على الظن أن هذا الاسم محرف؛ لأنه غير مألوف بالسودان. وقد كنت أراجع مرتبات ١٥٠٠ جندي هم قوة الهجانة بكردفان ما بين أعراب وزنوج وأشباه زنوج من جميع القبائل ومختلف العشائر وكافة النواحي، فوق أن الضباط والكتاب والمترجمين والأهلين كثيرًا ما كانوا يتنادرون أمامي بغريب الأسماء التي تصادفهم، فما سمعت من أحدهم هذا الاسم على الإطلاق. فإذا صحَّ لهذه الاعتبارات أن حقيقة الاسم النور محمد، فصاحب هذا الاسم وصل إلى رتبة أميرألاي، وكان قائدًا لحامية سنار التي كانت آخر ما سقط من حاميات السودان في عهد الثورة المهدية، وذلك في ١٩ أغسطس سنة ١٨٨٥، وقد جُرح وأُسر ولم يُسمع عنه شيء بعد ذلك. وهناك اسم آخر يشبهه وهو البكباشي محمد أفندي الفولي أحد القتلى في حصار الأبيض. على أن هذا كله مجرد ظن «والظن لا يغني من الحق شيئًا».

  • (٥)

    اليوزباشي محمد أفندي علي (وترتيبه العاشر): هذا الضابط رُقِّي إلى رتبة صاغ، فبكباشي، فقائمقام، فأميرألاي. وكان قومندانًا للألاي البيادة السوداني الأول أثناء حصار الخرطوم، وكان من أبسل وأشجع قواد الحامية. وقد انتصر على الدراويش وسحق قوات قائدهم الحاج محمد أبو قرجة في وقائع بري والجريف والحلفاية الثانية في يوليو وأغسطس سنة ١٨٨٤، فرقَّاه غوردون إلى رتبة لواء، وعاد فانتصر في موقعتيْ أبو حراز والعيلفون في أغسطس سنة ١٨٨٤، وكاد يقضي على المحاصرين لولا أنهم استدرجوه إلى الغابات وحصروه وأفنوا جيشه في موقعة أم ضبان في ٤ سبتمبر سنة ١٨٨٤، وعز عليه الفرار بعد تلك الهزيمة، فافترش فروته على عادة أبطال السودانيين وشجعانهم حتى كر عليه الثوار وقتلوه.

الباشجاويشية

  • (٦)

    عبد الله السوداني، وأظنه عبد الله الدنسوي؛ لأن هذا هو الذي اشترك مع السير صمويل بيكر وعُين وهو برتبة صاغ قائدًا لحامية فاتوكه لافاتبكوا (وأظنها خطًّا مطبعيًّا)، فإن كان ذلك كذلك فقد رُقِّي إلى رتبة بكباشي بعد ذلك. وكانت آخر خدمات عبد الله أغا الدنسوي تنصيبه بمعرفة غوردون مديرًا للرجاف.

الجاويشية

  • (٧)

    سرور بهجت: يوجد ضابطان بهذا الاسم؛ أحدهما القائمقام سرور بك بهجت الذي جاء في بيان سمو مولانا. والآخر الصاغ سرور أفندي بهجت قائد حامية بارا، وقد أسره المهديون عند سقوطها في ٥ يناير سنة ١٨٨٣. وكان هذا آخر العهد به.

هذه هي المعلومات المتواضعة التي لا تزال تعلق بذاكرة العاجز الضعيف، بادرت بإرسالها لعزتكم نزولًا على أمر سيدنا ومولانا، ولو كانت صحتي تسمح لي بموالاة البحث لترددت على دار الكتب وراجعت جميع المصادر مرة أخرى؛ لأني كنت نسخت ما يهمني من بعض الكتب ومجموعات الجرائد وفُقدت مني كلها.

٢

وكتب إلينا حضرة سليم أفندي الحاج — العضو بكلوب روتاري بحاجيا لبنان بتاريخ ٨ أيلول «سبتمبر» سنة ١٩٣٣ — ما نصه:
سيدي الأمير: قرأت في الأهرام بيان سموكم بطلب معلومات عن الفرقة السودانية في المكسيك. وبما أني شاهدت أثناء وجودي بتلك البلاد في بلدة تدعى غومس بلاسيو Gomez Palacio على عتبة باب كنيسة الكتابة الآتية باللغة العربية: «باسم الله الرحمن الرحيم.» ويعزون تلك الكتابة إلى الجنود المصرية التي أرسلها نابليون بحملة على تلك البلاد، ولعل ذلك ينفع سموكم بالكتابة عن تلك الفرقة.

٣

ونشر حضرة الأستاذ محمد إسماعيل أفندي — الحاصل على شهادة ليسانسيه في التربية والآداب — بعدد الأهرام الصادر في ١٠ سبتمبر سنة ١٩٣٣ المعلومات الآتية:
إجابة لطلب سمو الأمير عمر طوسون في أن يُدلي كلٌّ بما يعرف عن أبطال هذه الأورطة، أتشرف بأن أبيِّن ما يأتي:
  • الملازم ثاني فرج أحمد هاشم: أصله من السواحليين المقيمين عند مدخل المحيط الهندي والبحر الأحمر.

    سافر بعد عودته من المكسيك إلى خط الاستواء مع السير صمويل بيكر سنة ١٨٦٩ لمنع تجارة الرقيق. وكان ضمن فرقته المخصوصة «اللصوص الأربعون»، وقد دعاهم بهذا الاسم لضروب الشجاعة التي أبدوها في الانسلال ومباغتة الأعداء.

    وكان يعهد إليهم بالمهمات السرية، وله الفضل في الاتصال بإسماعيل باشا أيوب — حاكم السودان — للقبض على أبي السعود أحد أفراد شركة عقاد إخوان لتجارة الرقيق.

    وُرقي إلى رتبة ملازم أول (انظر كتاب الإسماعيلية للسير صمويل بيكر).

  • عبد الله سالم الفقي: كان مع السير صمويل بيكر أيضًا، ورُقي إلى رتبة يوزباشي.
  • مرجان شريف: أظهر مع السير صمويل بيكر ما أوجب الثناء عليه مطولًا؛ إذ كان أول من اقتحم استحكامات قبيلة الباري عند جبل بلينيان، وكان الأهالي يطلقون بنادقهم في الخفاء خلال أسوار من خشب الحديد.

    وكان مع سير صمويل بيكر أيضًا في فرقة اللصوص الأربعين كثير من العساكر وصف الضباط ممن خدموا في المكسيك، ولكنهم قُتلوا عن آخرهم مع المسيو لينان دي بلفون في معركة عند موجي ضد قبيلة الباري.

٤

وجاءنا من حضرة البكباشي محمد أفندي، حمدي عبد الجبار مندوب الداخلية بعنيبة في صرف تعويض النوبيين، ومن أولاد جنود الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك بتاريخ ١٤ سبتمبر سنة ١٩٣٣ الرسالة الآتية عن طريق باشمعاون دائرتنا:

أتشرف بأن أقدم لجنابكم بعض معلوماتي عن ضباط الأورطة السودانية المصرية المنشورة صورهم بعدد الأهرام بتاريخ ٤ الجاري، وهاك أسماءهم: الواقفون من الشمال لليمين: (١) اليوزباشي إدريس أفندي نعيم، (٢) الصاغ فرج أفندي وني، (٣) الصاغ عبد الله أفندي سالم الفقي، الجالس: (٤) القائمقام صالح بيك حجازي، وليس الأميرألاي محمد الماس بك حيث إنه توفي بالخرطوم.

أما الأربعة المذكورة أسماؤهم، فقد حضروا إلى مصر بعد سقوط السودان بيد الدراويش، واستولوا على معاشهم وتعويضاتهم وبقوا بها. وقد توفي الثاني والثالث والرابع بمعادى الخبير. أما اليوزباشي إدريس أفندي نعيم فعاد إلى الخرطوم في سنة ١٩٠٢ وتُوفي بها.

الميرالاي فرج الزيني بك، هذا البطل بعد أن قام بالخدمات الجليلة في تأدية الواجب وما سجله له التاريخ، وبعد أن نال رتبة اللواء والفريق، قُتل في واقعة الخرطوم بيد الدراويش في ٢٦ مايو سنة ١٨٨٥.

وقد ترك بنتًا وحيدةً لها من العمر سنتان، توفيت والدتها وتولت تربيتها عمتها، وهاجرت بها إلى كسلا بعد أن استولى الدراويش على جميع ممتلكات والدها. وفي سنة ١٨٩٠ تقريبًا قامت عمتها ومعها ثلاثة من الأرقاء ودادة البنت تريد الوصول إلى مصر، فاعترضتهم الأعراب والدراويش في الطريق ما بين سنهيت وكسلا، وقتلوا العمة المذكورة والثلاثة أرقاء، وأخذوا البنت ودادتها، فأراد الله أن يستعرف بالدادة المذكورة والبنت بعض العساكر الذين تجندوا بأشبوزق بالطليان، فأخذوهما وقدموهما لحاكم سنهيت الذي أرسلهما إلى مصوع فسواكن فمصر. ولما أن حضرت بمصر كان القائمقام صالح بيك حجازي حيًّا يُرزق، فالتزم بهما وقام بالواجب، وأبقى البنت ودادتها بمنزله، وقدم طلبًا للحكومة طالبًا ربط معاش تعيش به البنت وتعويضًا أسوةً بالضباط والموظفين والصف والعساكر والباشبوزق. وكان الرد لا معاش لها ولا تعويض؛ لأن والدها سبب سقوط الخرطوم، إلى أن قال: وها هي الآن حية تُرزق، ومقيمة بمعادي الخبير، وهي تنتمي لي؛ أي ابنة عمي، ولها ولدان: أحدهما موظف ظهورات بالمساحة بمديرية الجيزة مرتبه أربعة جنيهات، والآخر عامل يومية.

٥

ثم جاءنا أيضًا من حضرته الرسالة الآتية بتاريخ ١٨ سبتمبر سنة ١٩٣٣ ردًّا على خطاب أرسلناه إليه مع صورة أربعةٍ من ضباط هذه الأورطة؛ ليوافينا بمعلوماته عنهم وعن والده المرحوم الملازم الأول عبد الجبار بخيت أفندي أحد ضباطها، وعما إذا كان من بين هؤلاء الضباط الأربعة أو لا، وهاك نصها بعد الديباجة:
  • (١)

    الصورة مرسلة وقد وضعت اسم كل منهم، وإن هذه الصورة سبق أن نُشرت بعدد اللطائف رقم ٣٤ سنة ١٩٢٦، وكانت أسماؤهم مذكورة بأسفلهم.

  • (٢)

    والدي الملازم أول عبد الجبار بخيت لم يكن معهم وقت أخذ هذه الصورة. أما خدماته بعد عودة الأورطة من المكسيك فكانت في حامية هرر، ثم مصوع وسنهيت ثم بمصر ٢ جي آلاي بطره سنة ١٨٨١، ثم كسلا لغاية سنة ١٨٨٥، حيث انتُدب لتوصيل خزنة لحامية القلابات، وبعد وصوله سقطت كسلا، وبقي بالقلابات إلى أن استتب الأمن فعاد إلى كسلا. وفي سنة ١٨٩٠ حضر إلى مصر طالبًا بمعاشه وذلك عن طريق سنهيت فمصوع بمساعدة الحامية الإيطالية. ولما أن وصل إلى مصر أُعطي تعويضًا فقط، وبقي بها إلى سنة ١٩٠١، ثم قام للخرطوم فكركوح بمديرية سنار، وتُوفي بها سنة ١٩٠٢.

  • (٣)

    إدريس أفندي نعيم: أعرفه جيدًا، وهو بصلة القرابة ابن عم والدي، وفعلًا سبق والدي إلى مصر؛ لأنه كان بحامية مصوع. ولما أن وصل والدي إلى مصر نزل في منزله بمعادي الخبير، وكان إذ ذاك المرحومون القائمقام صالح بك حجازي، والبكباشي عبد الله سالم أفندي، والصاغ فرج أفندي وني، وكثير من الضباط السودانيين والسناجق الباشبوزق الذين حضروا مع المرحوم خشم الموس باشا وسكنوا بالمعادي. أما خدماته فكانت بهرر وزيلع وتاجورة وسنهيت ومصر سنة ١٨٨١ فمصوع، وإنَّ بعضًا منهم رافق ساكن الجنان سمو الأمير حسن للحبشة.

  • (٤)

    الصاغ فرج أفندي وني: آخر خدماته كانت بحامية كسلا، وله مواقف مشهورة ما بين سنة ١٨٨٤ وسنة ١٨٨٥ وانتصارات عديدة في مواقع الجمام والعشرة وقلوسيت، وكان معه المرحوم اليوزباشي (بكباشي) فضل الله حبيب، وقُتل في واقعة قلوسيت، كما قُتل اليوزباشي حديد أفندي فرحات الذي ترقى من جاويش إلى ملازم ثانٍ بعد عودة الأورطة من المكسيك. أما خدماته (الصاغ فرج وني) السابقة لسنة ١٨٨١ فكانت بحامية زيلع وتاجورة ومصوع وسنهيت. ولطول المدة من سنة ١٨٦٧ وصل إلى رتبته الأخيرة.

  • (٥)

    البكباشي عبد الله أفندي سالم، آخر خدماته كانت بحامية الجيزة والقلابات. وبعد سقوط السودان عاد عن طريق مصوع فسواكن فمصر، وإنه خدم بحامية هرر ومصوع وسنهيت. ومعرفتي لهم كانت حقيقية، كما سبق وقلت إن والدي لما أن حضر من كسلا نزل بهم بالمعادي، وعلى كلٍّ كنت أود أن أكون بمصر كي أتمكن من جمع ما يمكن جمعه، وإن شاء الله سأرسل كل ما يصل إليَّ من المعلومات.

٦

وأرسل إلينا حضرة الفاضل محمد أفندي عبد الرحيم — من موظفي حكومة السودان ومحاسب بمديرية دارفور بالفاشر — بتاريخ ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٣٣، يُثني على ما نشرناه عن الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك ويُعرفنا بنفسه، وجاء في آخر كتابه ما نصه:

هذا؛ ومما أوضحته تعلمون سموكم بأنني أكثر السودانيين علمًا بتاريخ هذه البلاد، ولي في الرد على ما حاكته أقلام الأجانب مواقف مشهورة. راجع مقالاتي بالمقطم تحت عنوان «ضوء جديد على مصير الجنرال غوردون باشا» بالعدد ١٢٩٩١ في أول نوفمبر سنة ١٩٣١، والعدد ١٢٩٩٧ في ٨ نوفمبر سنة ١٩٣١، وقد تجدون شيئًا عن بعض الضباط الذين تريدون إتمام الكلام عنهم. وبمذكراتي ما بها من أخبار كثيرة عنهم، وهم كصالح بك حجازي، وفرج بك عزازي، ومحمد بك سليمان، وأبي بكر بك الحاج، وغيرهم. وسأوافيكم بها في فرصة أخرى، هذا وإن تشابهت لديكم السبل وتنكرت معالم الحقيقة، فعبدكم الخاضع يرى أسعد أوقاته ما يقضيه بين المحابر والطروس؛ لتدوين ما تريدون الوقوف عليه من أخبار السودان الماضية.

وقد رجعنا إلى ما نشره بعددي المقطم الأغر اللذين أشار إليهما في رسالته السابقة، فوجدنا بالعدد ١٢٩٩٧ عن اللواء فرج باشا الزيني، والقائمقام بخيت بك بطراكي ما نصه:

لما رفض المهدي قبول منصب السلطنة على السودان الغربي، وأخذ يُلح على الجنرال غوردون في التسليم والانخراط في سلك أنصاره؛ تميز الجنرال غيظًا وحسر عن ساعد الجد وعول على الدفاع، فأخذ يرسم خططه، وكانت المدينة محاطة بخندق عميق من النيل الأبيض إلى النيل الأزرق يمثل نصف دائرة، له ثلاثة أبواب، وهي: «أ» باب الكلاكلة مما يلي النيل الأبيض، و«ب» باب المسلمية، وهو في مكان محطة سكة الحديد بالخرطوم الآن، و«ج» باب بري مما يلي النيل الأزرق، وذلك من أعمال عبد القادر باشا حلمي، فزاد الجنرال غوردون في تقوية الأخيرة، وشيد سورًا من وراء الخندق — إلى أن قال — وكان في الخرطوم ١٢ باخرة سلحها بالمدافع، وفيها من الجنود ٥ أورط نظامية اثنتان من الجنود المصرية، وثلاث من السودانية، و٢٥ أرديًّا من الباشبوزق، فجند ٧ أرادي أخرى، وهذا علاوة على المتطوعين من الموظفين والأعيان — إلى أن قال — فقسم الجنرال تلك القوات إلى خمسة أقسام؛ قسم بقيادة الميرألاي حسن بك البهنساوي المصري، ناط به الدفاع عن الطابية الأولى؛ أي طابية الكلاكلة، وقسم بقيادة اللواء فرج باشا الزيني السوداني، ناط به الدفاع عن طابية المسلمية، وقسم بقيادة القائمقام بخيت بك بطراكي السوداني، ناط به الدفاع عن طابية بري — إلى أن قال — وفي مساء ٢٥ يناير سنة ١٨٨٥، جاز المهدي النيل الأبيض على فلائك صغيرة في جنح الظلام، ولم يكن معه إلا خلفاؤه وبضعة أشخاص من حاشيته، ودعا إليه أمراء جنده وأمرهم بالهجوم في غسق الليل، ثم حضهم على الثبات وودعهم ودعا لهم بخير، وأذن لهم في الانصراف إلى مراكزهم في خط النار، وقفل هو راجعًا لأم درمان. فما كاد يصل حتى سمع الناس دويًّا عظيمًا يكاد يصم الآذان، وهب المحصورون من سباتهم وأطلقوا صواريخ لإنارة الأفق لكي يتبينوا طريق الهاجمين، وهناك أطلقوا النار عليهم، إلا أن العدو تمكن من كسر الضلع اليمنى، واجتاحوا قوة الأميرألاي حسن بك البهنساوي، ولكنهم لم يدخلوا المدينة، بل عرجوا إلى باب المسلمية، فهزم الجنود إلى داخل المدينة وتبعهم الأنصار يُعملون السيف في رقابهم — إلى أن قال — أما القتلى من الضباط والأعيان فهم القائمقام بخيت بك بطراكي، وقد دافع دفاع الأبطال، واللواء فرج باشا الزيني، وقد فَرَّ من الميدان بعد أن خلع بذلته العسكرية، ولكن قُبِضَ عليه، ولما فُتِّشَ وُجِدَت معه ساعة ذهب وخاتم نُقِشَ عليه اسمه فقتلوه … إلخ، إلخ. ا.ھ.

٧

ثم طلبنا منه أن يوافينا بمعلوماته عن أشخاص من يعرفهم ممن ورد ذكرهم في رسالتنا، فجاء منه في ٥ يناير سنة ١٩٣٤ الخطاب الآتي، وهو ما بعد الديباجة:

إن قولكم «الأورطة السودانية» ولئن كانت نسبة شاملة لسكان هذا القطر، سواء في ذلك العربي والزنجي والخلاسي، لا يأباها أحد يؤمن بآيات التنزيل التي نسبت إلى المكان، كهذه مكية وتلك مدنية. ونسبة أولئك الأبطال إلى السودان أدعى إلى الوحدة وأقوى دعامة إلى القومية. ولكني رأيت أن أوضح لسموكم قبائلهم ما دام ذلك لا يخل بجوهر النسبة الأولى؛ لعلمي أن لكل منها عشيرة تتعصَّب له وتباهي بمواهبه. وهذه عادة متأصلة في عرب السودان الآن، وإليكم شاهدًا من مفاخرهم: قال رجلٌ من البِطاحيِّين سكان أبي دليق شرق النيل تجاه شندي:

مِنْ مِنا وَلِيمِنا
كذبوا القَّالوا مِثْلِنا
يُكَفي مراره فَسِلْنا
وَيُصدَّ القُّوم عَاطِلْنا

أي من هنا إلى هناك كذبوا الذين يقولون إنهم مثلنا كرمًا وشجاعةً. ويكفي مراره فسلنا، فالمرارة لحم نيئ كالكبد وغيرها يغسل جيدًا ويضاف عليه ملح وشطة وبهورات أخرى، ثم يُقدم للضيوف قبل الأطعمة. والفسل هو البخيل. ويصد القوم عاطلنا، فالقوم هم العصابة من الأعداء الذين يغيرون على غيرهم بقصد القتل والنهب. والعاطل معروف وهو فاتر الهمة بطيء الحركة. فالخلاصة يقول: بخيلنا كريم وعاطلنا كبير الهمة مقدام … فإن تفضلتم وذكرتم جنسية كل بطل فقد أصبتم الوتر الحساس، وهززتم مشاعر القوم الذين ملئت مناطقهم بحبكم، وإنهم سيقدسون شهادةً زكيتموها بطهارة ذيلكم وكرم شمائلكم …

  • (١)
    القائمقام محمد بك سليمان «شايقي الأصل سُرورَابِي»، كان قائدًا لأورطة نظامية بالخرطوم. ولما نادى الفور بهارون الرشيد ابن الأمير سيف الدين ابن السلطان محمد الفضل سلطانًا على دارفور، وثاروا على حسن حلمي باشا الشركسي الذي كان مديرًا عامًّا لدارفور، وحصروه في مدينة الفاشر ومنعوا وصول النجدات إليه حتى تجهَّم الخطب وسقطت هيبة الحكومة، انتدب الجنرال غوردون بعض الأورط النظامية وأرادي الباشبزق الموجودة إذ ذاك بالخرطوم وكردفان، وعقد لواء القيادة العامة إلى التهامي١ بك وكيل الحكمدارية بالخرطوم، ورافقه من الضباط العظام القائمقام محمد بك سليمان، وعلي بك شريف نائب مدير كردفان، ومن السناجق السر سواري مصطفى أغا التوتنجي، وخشم الموس بك (باشا)، وبشير أغا كمبال، وغيرهم.

    فسارت تلك الحملة إلى الفاشرن، ولما بلغتها تلقت الأوامر بمواصلة الزحف على المقدوم سعد عرجون في مليط في الشمال الشرقي من الفاشر، تبعد عنها ٦٣ ميلًا، وحدثت هناك حروب هائلة كان الظفر فيها حليف الجنود المصرية. وكانت الواقعة الفاصلة في سَانْيَه حَيي في شمال مليط مما يلي الصحراء الكبرى، حيث قتل هناك سعد عرجون وانفرط نظام جموعه، ففر جزء منهم إلى وداين، وجنح الآخرون إلى السلام … فانتُدِبَ القائمقام محمد بك سليمان بأورطته لإرجاع الفارين كبادية الزيادية التي كان زعيمها رجلٌ يُدعى علي كوع النمر صعب المراس جموحًا، فنشر محمد بك سليمان أورطته في نقط عديدة فيما يلي حدود دارفور مع وداي، وصار يُطلِق النار على الفارين ما لم يُذعنوا لطاعة الحكومة. وأذاع التهامي بك منشورًا دعا فيه قبيلة الزيادية إلى الاستكانة، وحذرها شر الانقياد لعلي كوع النمر قائلًا: إنه رجل بلغ من العمر مبلغًا صيره لا يبالي بالحياة، فسيان في نظره الموت أو النجاة، أما أنتم فاحذروا عاقبة هذا العناد؛ ففي طاقة حكومة سمو الخديوي المعظم طلبكم من سلطان وداي، وإنه سوف يرغمكم إلى العودة إلينا، وإننا نعاقبكم شر العقاب لما عرفتم به من جفاء وإباء، وإن رضيتم بالطاعة فأنتم في حل من رضاء الحكومة.

    ولما عادت قبيلة الزيادية حُكِمَ عليها بغرامة تؤديها من الإبل. وعندما استتبَّ الأمن في شمال دارفور عاد محمد بك سليمان مع تلك القوات إلى الخرطوم، إلا أنه ما لبث بها طويلًا حتى تأجج ضرام ثورة المهدية في آبا، وفتك دعاتها بحملة راشد بك أيمن مدير فشوده. وقد طُلِبَ محمد رءوف باشا لمصر وقبل أن يصل عبد القادر حلمي باشا، عَيَّن جيكلر باشا — نائب الحكمدارية — قوةً عظيمةً تتألَّف من الأورط النظامية، وأرادي الباشبزق، وكثير من المتطوعين، فسار محمد بك سليمان ضمن تلك الحملة التي سارت إلى جبل قدير.

    وفي يوم الأحد ١٠ رجب سنة ١٢٩٩ھ/٢٨ مايو سنة ١٨٨٢م، وصل يوسف حسن الشلالي باشا بحملته إلى جبل الجرادة، واستحكم في داخل زريبة من الشوك متينة. وقد شاهدته كوكبة من الفرسان بقيادة الأمير أبي هداية عم المهدي الذي خرج لمراقبة حركات الحملة، فأرسل فارسًا إلى المهدي في جبل قدير ليُعلمه بوصول العدو، فأبلغ ذلك إلى المهدي بعد فراغه من صلاة العصر، فقال المهدي لأنصاره: اذهبوا إلى منازلكم وتأهبوا للزحف بعد صلاة المغرب؛ فتفرق الناس في الحال، وما كاد يأتي الوقت المضروب لذلك حتى ضاقت بهم رحاب المكان، فأمر المهدي كل أمير أن يقف أمام بيرقه، ولا يتقدم أحد حتى يؤذن بذلك. وبينما كان المهدي مشغولًا بنظام الجيوش، إذا به شاهد ثلة من الأنصار تقدمت في طريق العدو رافعةً بيرقها، فانتهرها قائلًا: لمن هذه البيرق؟ فقيل له: للمناصير. قال: إذن فلتتقدم تفاؤلًا باسم المناصير، الذين هم من قبائل السودان المشهورة. ثم أخذت القوات يتلو بعضها بعضًا.

    ولما بلغت جبل الجرادة باتت قريبًا من الحملة المصرية التي كانت على تمام اليقظة، وما كاد يبدو حاجب الشمس من يوم الاثنين ١١ رجب و٢٩ مايو حتى بدأ الأنصار بهجوم عنيف، وقابلهم رجال الحملة بنار حامية. وقد تولى القائمقام محمد بك سليمان إطلاق مدفع من طراز متراليوز حصد به الهاجمين كما يُحصَد الزرع، حتى تطرَّق الوهن إلى عزائمهم، فتقدم أحمدود سليمان — أمين بيت مال المهدية — ومسك سرع لجام جواد المهدي وقال له: «يا مولاي، إن العدو فتك بجيشنا فتكًا ذريعًا، وقد قُتِل أخوك السيد حامد وعمك أبو هداية، وبلغ الظمأ منا مبلغًا عظيمًا، فارجع بنا لنشرب الماء ونلم شعثنا ثم نكر غدًا فنقضي على العدو إن شاء الله.» وكان الخليفة محمد شريف واقفًا قريبًا من المهدي، فقبض على يد أحمدود سليمان وأطلقها من سرع لجام جواد المهدي وصفعه على خده، ثم قال للمهدي: «لا تلتفت يا مولاي إلى حديث هذا المرجف، بل اهجم بنا على الأعداء لنحاربهم حتى ننتصر أو نُقتل فنُرزق فضل الشهادة.» فشكره المهدي ودعا له بخير، ومن ثم أصلت سيفه، وقال الله أكبر ثلاث مرات، وكبَّر أنصاره لتكبيره وصاحوا صيحة مزعجة، وهجموا على الزريبة فسحقوها بسنابك خيلهم، واشتبكوا مع العدو طعنًا بالرماح وضربًا بالسيوف، حتى اضطرت الجنود المصرية إلى ثقب الزريبة من الخلف، وتراجعت إلى مزرعة كانت قريبة من حصنها لتدافع بداخلها، وهيهات، فتخطفها فرسان المهدية بأطراف الرماح، وقد وُجِدَت جثث اللواء يوسف باشا حسن الشلالي وعبد الهادي ود صبر أحد قواد المتطوعين وغيرهما بالمزرعة. أما القائمقام محمد بك سليمان فوُجِدَتْ جثته مطروحة على المدفع، وقد بز الأخير جميع أقرانه بدفاعه المجيد الذي ختم به حياته، تغمده الله برحمته.

  • (٢)
    القائمقام أبو بكر بك الحاج الدنقلاوي البديري؛ أي «عباسي»: وهو من بلدة أبكر غرب النيل وشمال الدبة بمديرية دنقلا. كان أبو بكر بك قائدًا لإحدى الأورط النظامية بالخرطوم. وقد سافر بأورطته إلى بحر الغزال بعد عودة حملة جسي باشا الإيطالي منها. ولما ثار الفور وشددوا النكير على الحاميات المصرية كما أسلفنا، صدر له الأمر بإنجادها؛ فسار بأورطته من ديم زبير الذي يبعد عن واو ١٣٩ ميلًا غربًا إلى بلدة تِلْقَوْنا، ومنها إلى بحر العرب شمالًا بين غابات متعانقة وآجام كثيفة، ومستنقعات وخيمة، ووحوش كاسرة. ولما بلغ أبي جابرة التي كانت عاصمة لمديرية شكا، غادرها توًّا إلى مديرية دارا، وبها تلقَّى أمرًا يقضي عليه بمواصلة الزحف غربًا إلى بلدة كاس لمحاربة٢ المقدوم دقسا الفوراي، الذي كانت له جموع يسطو بها على حاميات الحكومة المتفرقة لجباية الضرائب وحفظ الأمن، حتى اجتاحها ولم يبقَ له منازع في تلك المناطق، فأغارت عليه الأورطة المصرية بقيادة أبي بكر، وحاربته حربًا قضت على نفوذه هناك. وقد لجأ أتباعه إلى الاعتصام بقنن الجبال وكهوفها. وبعد القيام بهذه المهمة سار أبو بكر بك بأورطته لتعزيز حامية كبكابية، ولم يزل بها حتى جهر المهدي بدعوته في آبا، وتغلب على حاميات الحكومة. ولما احتل مديرية كردفان، هاجر إليه جماعة من الزغاوي٣ سكان شمال دارفور. وبعد مبايعته عاد منهم رجل يُدعى حسابو محمد ينيو إلى مديرية شكا، وزعم أن المهدي بعثه خليفة عنه في دارفور. فما كادت القبائل تسمع منه ذلك حتى التفَّتْ حوله قبائل المعاليا والأسرة والزيادية والحوطية والماهرية والشطية وتُنْجُرْ وزغاوي. وسار في جحفل تخفق فوقه الأعلام والبنود لحرب مديرية كبكابية٤ التي كانت بها طابية عظيمة مسلحة ببضعة مدافع، وبها أورطتان من الجنود النظامية كان يقود أحدهما أبو بكر بك الحاج كما ذكرنا، ويقود الثانية القائمقام آدم بك عامر التنجراوي.٥

    ولما بلغ العدو كبكابية عسكر في شمال الاستحكام على مرأى من الجنود، وفي اليوم التالي هاجم الجنود المصرية التي قابلته بنار حامية، ودامت الحرب سجالًا بينهما من شروق الشمس إلى ما بعد الزوال. ولما عجز الثوار عن اقتحام الاستحكام تراجعوا بعيدًا عن مرمى قذائف المدافع وبدءوا بحصره. وكانت خيلهم تمنع كل من خرج ليحتطب أو ليأتي بالقش لعلف دواب الحملة، حتى شعر الناس ببعض الضيق. وهناك رأى آدم بك عامر — نائب المدير — ضرورة الخروج لضرب ذلك الطاغية وخضد شوكته، أو على الأقل طرده بعيدًا عن المدينة قبل اتِّساع الخرق على الراقع، فانتُدِبَ لذلك الغرض نحو ٥٠٠ جندي بقيادة أبي بكر بك الحاج، ورافقه بضعة ضباط كاليوزباشية حسن أغا العريفي، وعلي أغا تِقِلْ من أورطة آدم بك، ومرسال أغا بِرِنْقِلْ، وغيره من أورطة أبي بكر بك. فخرجت تلك القوة في جنح الظلام من طابية وسارت شرقًا كأنها تريد الوصول إلى الفاشر. وبعد ساعتين عرجت في سيرها نحو الشمال، وبعد قليل عطفت غربًا حتى بلغت معسكر العدو في الثلث الأخير من الليل وهو في سبات عميق من النوم لا حارس ولا رقيب له، فصف أبو بكر بك الجنود نصف دائرة وصاروا يتختلون وراء الأشجار حتى أحدقوا بالعدو وباغتوه بإطلاق النار؛ فهب الأعداء من سباتهم مذعورين هاربين بعد خسائر فادحة. وكان ضمن قتلاهم الشيخ حسب الله زعيم بادية الحوطية وغيره من الأعيان. وعاد أبو بكر بك إلى الطابية بكثير من الغنائم والخيل والمؤن، وهناك أُطلقت المدافع إيذانًا بالنصر، ودهش الناس لفوز تلك القوة الصغيرة على جند يقدر بنحو ٨٠٠٠ مقاتل. أما حسابو بعد هذه الصدمة فقد تحقق عجزه عن مقاومة طابية كبكابية؛ ومن ثم سار منها إلى حصر مدينة كُلْكُلْ التي لم يكن بها سوى بلوك واحد ومدفع جبلي.

    وفي ديسمبر سنة ١٨٨٣ عين المهدي السيد محمد خالد زُقَلْ أميرًا لدارفور، فسار إليها في جيش جرار، وما كاد يصل دارا حتى قابله مديرها العام سلاتين باشا بالتسليم بعد أن اختتن وأعلن إسلامه. وواصل أمير المهدية زحفه على الفاشر التي كان بها مدير مصري يدعى السيد بك جمعة، وهذا هو الذي تجلت فيه صفات البطولة ولم يأبه لإسلام سلاتين باشا وانضمامه إلى العدو، بل حسر عن ساعد الجد، وقابل جند المهدية كما يقابل العدو عدوه، إلا أن الأمير السيد محمد خالد زقل قسم جنده على ثلاث نقط حول الفاشر، وهي في وداي ودبِيرَى جنوب المدينة على بعد ساعتين منها، وفي سِوِيِلِنْقَ الذي هو غدير شرق الفاشر على بعد ساعتين أيضًا. وفي جبل حلوف في الشمال الشرقي من المدينة على بعد ساعة واحدة؛ ومن ثم أخذ في مهاجمة الجنود المصرية التي كانت في حصن به مزاغل. وكان السيد بك جمعة يراقب إطلاق المدافع بنفسه بحرص وإباء عظيمين. هذا وقد كتب أمير المهدية خطابًا رقيقًا إلى آدم بك عامر وأبي بكر بك، دعاهما فيه إلى التسليم بعد أن أفهمهما بانتصارات المهدي على حملة يوسف حسن الشلالي باشا في قدير، وتسليم محمد سعيد باشا مدير كردفان وحامياته، وهلاك حملة الجنرال هكس، وحملة علي بك لطفي، وحصر سنار والخرطوم، وإسلام سلاتين باشا وإيمانه بالمهدية. فما كاد يصل ذلك الخطاب إلى ضباط كبكابية حتى عقدوا مجلسًا قرروا فيه التسليم حفظًا لكرامتهم، وكتبوا الرد بذلك للأمير، وأخلوا الطابية وساروا مع العائلات والأولاد إلى الفاشر، وقابلوا السيد محمد خالد زقل في وداي ودبيري فبايعهم بالنيابة عن المهدي، وانخرطوا في سلك أتباعه، ولم يكلفهم شيئًا سوى لبس جبب المهدية ذات الألوان. وهناك زاد الطين بلة على المحصورين، حيث دفن الآبار التي كان يشرب الجنود منها، وتقدم رجل يُدعَى جِدُو سلطان قبيلة ميما٦ بجيشه في جنح الظلام، حتى دخل مدينة الفاشر وأشعل بها حريقًا هائلًا الْتَهَم كثيرًا من دُورِ المدينة؛ فاضطر السيد بك جمعة وحاميته إلى التسليم.

    هذا؛ وقد نُقِلَ أبو بكر بك الحاج إلى القلابات بناءً على طلب خاله النور بك عنقره الدنقلاوي الذي كان مديرًا لكبكابية كما ذكرنا، وصار أخيرًا من قواد المهدية المبرزين، وهو الذي رد الكتائب الإنكليزية التي تألَّبت لإنقاذ الجنرال غوردون بعد أن فتك بقائدها الجنرال استيوارت في المتمة. ولما بلغ الأمير الزاكي طمل زَحْفَ الإمبراطور يوحنا بجيوشه للغارة على جيوش المهدية بالقلابات، انتدب أبا بكر بك الحاج في قوة تتألف من نحو ٣٠٠٠ مقاتل لمقابلة الأحباش والسير أمامهم ورفع أخبارهم إليه، وأرفق معه رجلًا يدله على الطريق التي جاء بها الأحباش، وكان الدليل ماكرًا خبيث الطوية؛ ففر منه ليلًا وسار إلى الإمبراطور يوحنا وأبلغه بقرب العدو، فانتدب النجاشي أحد رءوس الأحباش بقوة تُقدر بنحو ١٠٠٠٠ مقاتل، سارت بدلالة ذلك الرجل العاق لوطنه العامل على تخريب بيته بيده وأيدي بغاة الأجانب، حتى باغتت أبا بكر بك بهجوم عنيف، وأنه قابلهما بدفاع مجيد، ولما شعر بتفوق العدو وتهوره في الهجوم، أخذ ينسحب من أمامه بطريقة عسكرية مُثلى، وهي أن يُدافع قسم وينسحب آخرون، إلى أن تجاوز منطقة الخطر، وبعد وصوله القلابات أخبر الزاكي القائد العام بذلك. وقد تحصنت جيوش المهدية بداخل زريبة من الشوك. وفي يوم ٩ مارس سنة ١٨٨٩ بعد أن بزغت الشمس وأضاءت الأفق بنورها، عاد الجو وتلبد بالعجاج، واكفهرَّ بظلامٍ حالكٍ، وجاءت الوحوش فارة من الغابات أمام جيوش الأحباش التي كانت تُقدر بمئات الألوف، يقود كل فيلق رأس كالرأس ألولا، والرأس هَيْلُو مريم، والرأس منقاشي، والرأس تسما، والرأس ودهنشوم، والرأس مكيال، والرأس برنبرص، وغيرهم. وهناك أحاطوا بأنصار المهدية كإحاطة السوار بالمعصم، وبدءوهم بهجوم عنيف تحت وابل من مقذوفات البنادق وكرات المدافع التي برَّحت بهم تبريحًا فظيعًا، حتى صيرت منهم أكداسًا حول الحصن، وكان بعض المقتولين قابضين بأيديهم على أغصان الزريبة وهم جثث هامدة.

    ورغمًا عن ذلك فقد توفق الهاجمون إلى كسر ضلع من الزريبة، ودخل قسم منهم بقيادة الرأس الولا والرأس ودهنشوم، والرأس منقاشي والرأس برنبرص، وكان الأمير الزاكي يقف في وسط الزريبة ومعه قوة احتياطية تتألف كالآتي:

    ١٣٠٠ مقاتل بقيادة الزاكي نفسه
    ٥٠٠ مقاتل بقيادة أبي بكر بك الحاج
    ٥٠٠ مقاتل بقيادة عبد الله ود إبراهيم
    ٢٣٠٠

    فَكَرَّتْ الثلاث فرق الاحتياطية هذه على الأحباش الذين ولجوا الزريبة وفتكت بكثير منهم، وقتل الرأسُ ودهنشومُ بالجامعَ، وأُكرِه الباقون على الخروج من الزريبة. ولما أخفق الأحباش في هجومهم، عطفوا على الديم حيث تقيم العائلات، وأشعلوا النار في المنازل، وسبوا العائلات والأولاد، وفروا بها يريدون العودة إلى بلادهم؛ لأن الإمبراطور قُتِل ولكن أُخْفِيَ موتُه ووُضِعَ داخل صندوق.

    هذا؛ وقد تأثرهم الأنصار فأدركوهم في نهر العطبرة، وباغتوهم بهجوم عنيف في غسق الليل، فترك الأحباش العائلات، وكانت النساء المسبيات يزغردن بين الأعداء سرورًا بهمم أبطالهن، وكان الرصاص يفتك بهن وبأطفالهن وبالأعداء الذين قذفوا بأنفسهم في نهر العطبرة فقُتِلوا به، حتى تغيَّر لون الماء بدمائهم وعاف الناس الشرب منه زمنًا طويلًا. وقد مثل أبو بكر بك الحاج في غضون هذه الملحمة من ضروب الشجاعة ما يدعو إلى الإعجاب، ولنرجئ البقية إلى فرصة أخرى.

٨

ثم كتب إلينا بتاريخ ٢٤ فبراير سنة ١٩٣٤ الرسالة الآتية. وهاك نصها بعد الديباجة:

فاتني أن أذكر لسموكم الزمان والمكان اللذين تُوفي بهما القائمقام أبو بكر بك الحاج لاختلاف الرواة الذين قال بعضهم: إنه قُتل في حرب الشلك في أعالي النيل، وذهب آخرون إلى أنه تُوفي قضاءً وقدرًا في كردفان في غضون حكم المهدية، وكتبت لبعض الأصدقاء بالخرطوم فورد لي الرد من أحدهم يقول: إنه سأل غير واحدٍ ولم يصل إلى نتيجة حاسمة، ولم أزل في انتظار الرد من آخرين.

  • (١)

    اللواء الماس باشا، كان هذا حبشيًّا، عُيِّن مديرًا لدنقلا بدلًا من حسين باشا أبي خليفة العبادي، إلا أن الجنرال غوردون عزله من هذا المنصب حوالي سنة ١٢٩١ھ لأسباب لم نقف عليها؛ ومن ثم بقي كضابط في الخرطوم إلى حضور محمد رءوف باشا حكمدارًا للسودان، فعينه مديرًا للخرطوم بعد عزل محمود بك أحمداني الذي كان من صنائع التهامي بك الذي أسلفت لسموكم عنه في جوابي الثاني، ولكنه لم يبقَ في هذا المنصب أكثر من شهرين فقط حتى تُوفي إلى رحمة مولاه، وقُبِرَ بالخرطوم في المكان الذي قُبِرَ به موسى باشا حمدي، وأحمد باشا أبو ودان أمام جامع الخرطوم الحالي.

  • (٢)
    القائمقام فرج بك عزازي. كان هذا تقلاويًّا نسبة إلى جبال تقلى الواقعة في الجنوب الشرقي لمدينة الأبيض عاصمة كردفان، وقد خطفه النخاسون صغيرًا، وباعوه في مدينة أسوان لرجل هواري من سكان بني سويف. ولقد انتظم في سلك الجندية في عهد المغفور له عباس باشا الأول، ومُنِحَ رتبة الملازم الثاني في إبان ولاية المرحوم سعيد باشا خديوي مصر، وقام لحرب المكسيك، وبعد عودته منها منحه سمو إسماعيل باشا رتبة البكباشي، وهناك انتُدِبَ للخدمة في السودان، فكان قائدًا لإحدى الأورط المصرية النظامية. ولما تمرَّد دردنجي ألاي في كسلا سنة ١٨٦٣م، واشتدت وطأته على نفوذ الحكومة، انتَدَب ألاي من الجنود السودانية بقيادة الميرالاي آدم بك العريفي،٧ فكان فرج عزازي أفندي أحد ضباط هذا الألاي الذي توفق قائده إلى إخضاع المتمردين بلا حرب وعناء،٨ وعندما رُقِّيَ آدم العريفي إلى رتبة اللواء، ونُقِلَ لرياسة الجيش بالخرطوم، سَرَّحَت الحكومة جنود دردنجي ألاي، وحل مكانها جنود الألاي الذي جاء به آدم باشا. فبقي فرج عزازي أفندي بفرقته في التاكا (أي كسلا). ولما استتب الأمن وعادت المياه إلى مجاريها، نُقِلَ فرج عزازي لنقطة «كوفيت»، وبعد أن أقام بها ردحًا من الزمن، أُلغيت هذه النقطة ونُقل إلى نقطة «سنهيت» الداخلة الآن في مستعمرة إرتريا.
    ولعل ذلك كان لبطر الأحباش وتحرشهم على أملاك الحكومة المصرية بعد إبادتهم للأورط المصرية التي كان يقودها أراكيل بك الأرمني، وتغلبهم على حملة راتب باشا، وكانت إذ ذاك توجد حامية أخرى بقيادة البكباشي صالح حجازي أفندي في نقطة «مَتَتِيب» في شمال كسلا. ولما قام قائدها بمأمورية لمصر، خلفه الميرالاي محمد سعيد بك، الذي ما لبث بها طويلًا حتى رُقِّيَ إلى رتبة اللواء، ونُقِلَ بعد أن سلَّم قيادة الحامية إلى فرج أفندي عزازي، الذي صادف أيام وجوده في متتيب دخول عصابة من الأحباش في حدود الأملاك المصرية، فاعتبر ذلك عملًا عدائيًّا ضد الحكومة المصرية مبررًا حربه لتلك العصابة، فخرج لها في استعداد عظيم، وحاربها حربًا عظيمة، حتى بددها، ولم يفلت من رجالها إلا النادر، وكتب بذلك تقريرًا إلى الحكمدارية بالخرطوم التي أقرته على عمله، وكافأته بالترقية إلى رتبة القائمقام، ونقلته قومندانًا لحامية سنهيت كما كان أولًا، فكان ذلك في سنة ١٢٩٣ھ، وبعد حين من الزمن نُقِلَ قومندانًا لحامية كسلا، ثم عاد إلى سنهيت للمرة الثالثة، وبقي بها إلى سنة ١٢٩٧ھ، وهناك قدمت إلى كسلا أورطة مصرية بقيادة القائمقام خسرو بك عزمي، الذي بقي قومندانًا لحاميات كسلا، إلا أنه رَقَّى هذا إلى رتبة الميرالاي وتوجه لمصر، فخلفه فرج بك عزازي إلى سنة ١٣٠١ھ، وبعد أن سقطت مديرية كردفان في يد المهدي، عين عثمان دقنه أميرًا للسودان الشرقي، وزوده بمنشورات شديدة اللهجة في الحض على الثورة، فصادف نداؤه هوًى في نفوس القبائل التي اعصوصبت حوله، فبعث جندًا منها بقيادة مصطفى هَدَل٩ لاحتلال مديرية كسلا، فاستدعى فرج بك عزازي إلى كسلا للدفاع عنها. وبعد وصوله إليها خرج في قوة تتألف من الجنود النظامية وبعض أرادي الباشبزق، لطرد العدو من حول المدينة. وكان معه كثير من الضباط، ومدفع جبلي يتولى إطلاقه ضابط برتبة ملازم ثانٍ، وبضعة عساكر طوبجية، فما كادت تلك القوة تجاوز محيط المدينة، حتى تألبت عليها جيوش المهدية في مكان يُعرف «بالجمام» في شمال المدينة قريبًا منها، ولكن ما استطاعت تلك القوة الثبات أمام عدوها، بل فرت مدحورة إلى ورائها. ومن أغرب ما رواه لي أحد الذين شهدوا تلك الحرب، أن بلوكًّا من الجنود السودانية أُدغِم في الهاجمين لم ينج منه أحد قط.
    هذا؛ وقطعت البغال الشرايح وفرت من ميدان القتال لدوي السلاح وجلبة الهاجمين، فلذلك ترك الطوبجية المدفع في مكانه وفروا مع الفارين، إلا أن بشير بك كمبال الشايقي أحد سناجق الباشبزق، لما رأى ضابط المدفع ضمن الفارين سأله عن مدفعه، فأجابه بأنه ترك لفرار البغال وتعذر حمله، فما كاد يسمع بشير بك كلامه حتى نادى في أرديه، وكر على العدو وأطلق عليه النار حتى دحره عن مكان المدفع، ثم أمر بعض الجنود بجره وحال بينهم وبين العدو، ولم يزل يدافع عن المدفع حتى عاد به إلى كسلا، وقد أُعجِب عفت بك — مدير كسلا — إعجابًا عظيمًا لبسالة هذا الضابط واحتقاره للحياة حرصًا على واجبه العسكري. ثم تولى فرج بك قيادة الجنود في حرب أنصار المهدية في بلدة «قلوسيت» ودافع دفاع الأبطال، ولكنه أخفق في هذه أيضًا بعد خسائر فادحة وفرَّ بجنده. ولما تقلَّص ظل النفوذ التركي وهيمن المهدي على أغلب جهات السودان، وبلغ اليأس من الضباط مبلغًا عظيمًا حتى فرَّ بعضهم إلى بلاد الحبشة وجنح آخرون إلى السلام، كتب مدير كسلا إلى المهدي كتابًا طلب منه مندوبًا ليسلم على يده، فبعث إليه العلامة الشيخ الحسين إبراهيم زهراء، وهناك وضعت الحرب أوزارها، وسلمت حامية كسلا مع قائدها فرج بك عزازي، الذي أُرسِل لأم درمان وضُمَّ بها إلى عثمان جانو التعيشي الذي تعين أميرًا لدارفور. ونظرًا لحذق فرج عزازي ودهائه، اتصل بذلك الأمير حتى صار من أقرب الناس إليه وأمينه، وأخيرًا عُيِّنَ قائدًا للإمدادية التي كانت عبارة عن قوة احتياطية تكون دائمًا ملازمة للأمير لإنجاد الجيوش وقت الحاجة. وقد شهد فرج بك عزازي الذي نُسِب إلى الأمير إذ ذاك؛ أي كان يُدعَى «فرج عثمان»، الحروب الآتية وهو كأمير من أمراء المهدية:
    • (أ)

      واقعة دارا بين جند المهدية وجند الفور الذي كان بقيادة المقدوم رحمه قومو، والذي قُتِلَ وتبدد جيشه.

    • (ب)

      واقعة وادي بِيرَى في جنوب الفاشر بين جند المهدية وجند الفور بقيادة السلطان يوسف إبراهيم قرض، فبدد جند الفور وهزم السلطان إلى جبال مرة، ولكته أُدرِكَ وقُتِلَ في سنة ١٣٠٤ھ.

    • (جـ)

      واقعة أبو حميزة في جبل شالا في طرف مدينة الفاشر في سنة ١٣٠٦ھ.

    • (د)

      تمرد الجهادية على الأمير محمود أحمد بمدينة النهود سنة ١٣٠٩ھ، وقد كبح جماح المتمردين وقتل زعماء الثورة ومثَّل بهم.

    • (هـ)

      غزا مع الأمير محمود أحمد دار تاما غرب دارفور في سنة ١٣١٢ھ.

    • (و)

      واقعة المتمة في سنة ١٣١٥ھ.

    • (ز)

      واقعة عطبرة التي أُسِرَ فيها الأمير محمود أحمد، وبددَت جيوشه في الفتح الأخير.

    • (ﺣ)
      واقعة كررى في سنة ١٣١٦ھ التي هزم فيها خليفة المهدي، فعاد فرج عزازي إلى دارفور مع السلطان علي دينار الذي كان سيئ الظن بأتباعه، فاتهم خمسة من أعيان جيشه كان منهم فرج بك عزازي بالمؤامرة على قتله، وأمر بهم فقُتِلوا بمدينة الفاشر في أواخر سنة ١٣١٦ھ، وإليك أسماءهم:
      • فرج بك العزازي.

      • فضل السيد أبو جماع.

      • فضل الله يونس.

      • الماس الشيخ.

      • خير السيد فقس.

      هذا؛ ولقد جمع الله بفرج بك عزازي وقار الكهول ورشاقة الشبان، فرغمًا عن بلوغه سن الهرم، فإنك ترى منه اعتدال القامة وكبر الهمة، وله في حروب المهدية من جلائل الأعمال ما يدعو إلى الإعجاب. وليته سلم للجيش المصري بعد احتلال أم درمان وطالب بمعاشه، ولكن سبحان القائل: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.
  • (٣)
    القائمقام صالح بك حجازي، برناوي الأصل،١٠ كان هذا برتبة بكباشي قومندانًا لحامية مَتَتِيب في كسلا كما أسلفنا. ثم قام بمأمورية لمصر وعاد منها إلى الخرطوم حوالي سنة ١٢٩٠ھ، وقد صادف إذ ذاك أن الزبير رحمه احتل دار الرزيقات في جنوب دارفور وتنازل عنها لحكومة مصر، وتعهَّد لها بفتح دارفور كترضية لها نظير قتله البلالي بك أول مدير لبحر الغزال،١١ فقبل سمو الخديوي إسماعيل باشا هذا الشرط، وأنعم عليه برتبة البكوية، وأمده ببعض الجنود والجبخانة، إلا أن الخديوي كان يشك في إخلاص الزبير بك، فأوعز سرًّا إلى إسماعيل أيوب باشا حكمدار السودان بأن يُسرع في القيام ببعض القوات المصرية إلى دارفور ليدخلها على أثر احتلال الزبير لها قبل أن يُفكر في تشكيل حكومة مستقلة هناك؛ فلذا قام إسماعيل أيوب باشا بالأورطة الموجودة في الخرطوم وسنار وكردفان، فرافقه البكباشي صالح أفندي حجازي، وقد دخل إسماعيل أيوب باشا إلى دارفور وهي غضة بعد احتلالها، وقسم الإقليم إلى خمس مديريات، وهي: الفاشر، ودارا، وكبكابية وكُلْكُلْ، وأم شنقا، وشكا، كما أسلفنا، وهناك رقي صالح حجازي إلى رتبة القائمقام وعُيِّن مديرًا لمديرية دارا التي تقع في الطرف الجنوبي من الإقليم. وكان يقيم هناك زهاء ١٢٠٠٠ مقاتل من أتباع الزبير باشا بقيادة ابنه سليمان بك، الذي كان شابًّا طائشًّا متهورًّا، وكان واجدًا على الحكومة المصرية التي استدعت والده لمصر وأبت عليه العودة لإتمام فصول روايته في دارفور.

    وبينما هو كذلك؛ إذ بلغه قدوم الجنرال غوردون باشا إلى دارا ومنها إلى الفاشر، فتآمر مع ضباطه على اغتيال غوردون باشا والقضاء على حامية دارا، ومواصلة الزحف على المديريات الأخرى، والاستقلال بدارفور، والاستئثار بالحكم فيها، واعتقال كل الضباط والموظفين بها حتى يضطر الحكومة المصرية إلى إعادة والده إلى السودان، وكان معه ضابطان أكثر خبرًا وأثقب فكرًا منه، وهما النور عنقرة والسعيد حسين الجميعابي؛ فنصحا إليه في الكف عن عدائه، ولما لم يرعو، كَتَبَ الأخير كتابًا سريًّا إلى الجنرال غوردون باشا في طريقه إلى دارا يحذره شر هذه المؤامرة، وبعث به مع رجل من التجار، وهناك كتب الجنرال غوردون إلى صالح بك حجازي مدير دارا يأمره بالاستعداد لدفع أي طارئ. وكانت المديريات محاطة بسور عظيم مفتحة به المزاغل، وعلى زاوية منه برج به مدفع، ويحيط بذلك السور خندق عميق، وتوجد هناك حامية من أخلاط الجنود المصرية.

    فأخذ المدير في الاستعداد ومنع دخول الاستحكام، وزاد القره قولات، واستدعى الجنود المتفرقة لجباية الأموال. ولما رأى المتآمرون شدة حرص المدير، أحجموا عن تنفيذ ما كان منويًّا من قبل. وقد قابل الجنرال عمله بغاية الرضا، وله في شأن تلك المؤامرة قصة ضافية الذيول لا أرى ضرورة لبيانها. أما صالح بك حجازي، فلم يزل يشغل منصب مدير دارا إلى أن تُوفي إلى رحمة مولاه حوالي سنة ١٢٩٣ھ في دارا.

  • (٤)

    البكباشي مرجان أغا الدنسوري. لم أقف على محل ولادته وأصله، إلا أنه زنجي كما ذكر لي غير واحد من الرواة. ولما سار السير صمويل بيكر في سنة ١٨٧١م، ورفع العلم المصري في مدينة كندكرو، نشر أورط خط الاستواء في نقط عديدة كالتوفيقية ولادو وأمادي وغيرها لمنع تجارة الرقيق، فبقيت تلك النقط في عهد الكولونيل غوردون باشا وكذا في عهد إبراهيم فوزي باشا وأمين باشا. وفي عهد الأخير كان البكباشي مرجان أغا الدنسوري قومندانًا لحامية لادو التي هي مركز رياسة مديرية خط الاستواء.

    ولما تغلب المهدي على مديرية كردفان في سنة ١٣٠١ھ، انتدب جندًا عظيمًا بقيادة الأمير كرم الله كركساوي لاجتياح الحاميات المصرية المبثوثة إذ ذاك في مديريتي بحر الغزال وخط الاستواء، فسار ذلك الأمير بطريق شكا حتى دخل بحر الغزال في سنة ١٣٠١ھ، وأسر مديرها لبتن بك بعد مناوشة بسيطة، وأوغل شرقًا حتى بلغ رومبيك التي تبعد عن شامبي في شمالي بحر الجبل غربًا بمائة ميل وواحد، وهناك أنفذ جندًا لإخضاع نقطة أمادي التي تبعد عن الرجاف بمائة وأربعة وعشرين ميلًا. ولما سمع البكباشي مرجان أغا الدنسوري زحف دعاة المهدية على نقطة أمادي، قسَّم جنده شطرين ترك نصفه لحماية عاصمة المديرية في لادو، وسار بالنصف الثاني لإنجاد حامية أمادي. وقد تمكَّن من الدخول إليها رغمًا عن خطر المحاصرين لها، وتولى الدفاع عنها بهمة لا يعتورها الملل، ودامت الحرب سجالًا بين الفريقين من أوائل رجب سنة ١٣٠١ھ، إلى أواسط رمضان سنة ١٣٠١ھ. ورغمًا عن ذلك الحرص المقرون بالجراءة والإقدام، فإن المهديين تمكنوا من خضد شوكة الجنود المصرية، ودخول خندق أمادي عنوة تحت وابل من مقذوفات أعدائهم، حتى اضطروهم إلى إخلاء أمادي والفرار منها إلى طومبي بعد خسائر مهمة. وقد أُدرِكَ البكباشي مرجان أغا في طومبي، وقُتِلَ ومن معه من الجنود المصرية، وحُزَّ رأسُه وحُمِلَ على كعب رمح حتى جيء به إلى الأمير كرم الله كركساوي، الذي جاء إلى أمادي في آخر أيام حصرها.

    هذا؛ وتكرموا بإعادة النظر إلى كتابي الثاني، حتى إذا وجدتم به أني قلت عن جنسية القائمقام محمد بك سليمان «الشايقي السرورابي» فصلحوها إلى «الشايقي السورابي».

٩

ثم كتب إلينا بتاريخ ٥ مارس سنة ١٩٣٤ الرسالة الآتية، وهاك نصها:

مولاي، سبق إخباركم باختلاف الرواة في الزمان والمكان اللذين تُوفي بهما القائمقام أبو بكر بك الحاج، وقد علمت أخيرًا من غير واحد من بطانته العارفين به أنه قُتِلَ في محاربة الشلك سنة ١٣٠٩ھ كما ذكرت لكم في إحدى الروايتين.

١٠

وجاءنا بتاريخ ٣ أكتوبر سنة ١٩٣٣ من حضرة الفاضل إسكندر أفندي حداد بعبية لبنان، الرسالة الآتية عن طريق باشمعاون دائرتنا، وها هي بعد الديباجة:

قرأت ما ذكرته جريدة الأهرام بتاريخ ٥ سبتمبر سنة ١٩٣٣ عما يتعلق بالأورطة السودانية المصرية في المكسيك وأفعالها. وبما أني كنت مستخدمًا نحو سنة ١٨٩٢ في سواكن، تعرفت في ذلك الحين على أحد ضباط الأورطة برتبة بكباشي يُدعى علي جفون (معروف عند كثيرين من الضباط القدماء)، كان ملحقًا بإحدى الأورط السودانية (أظن ١١ جي أورطة)، وكان يقص علينا كثيرًا من الأعمال المجيدة والبطولة عما قاموا به في تلك البلاد النائية. وإذا شئتم حضرتكم أن تعرفوا عنه أكثر، يمكنكم الاستفهام من أحد الضباط القدماء إذ هو معروف عند الجميع.

١١

فكتبنا إلى حضرة صاحب العزة حمدي بك سيف النصر — من كبار ضباط الجيش المصري الذين حضروا فتح السودان، ومدير الجيزة سابقًا — ليوافينا بمعلوماته عن المرحوم البكباشي علي أفندي جفون، فأرسل إلينا بتاريخ أول نوفمبر سنة ١٩٣٣ ما يأتي:
وصل إليَّ خطابكم الخاص بالمرحوم البكباشي علي أفندي جفون الشلكاوي. أما معلوماتي الشخصية عنه فتُلَخَّصُ في أني قابلته لأول مرة في أول دخولي خدمة السواري بالجيش المصري سنة ١٨٩٦ بوادي حلفا عندما قمنا لحملة استرجاع السودان، وكان هو في ذلك الوقت برتبة الصاغ في ١٢ جي أورطة سودانية. وكانوا يطلقون عليه لقب «أبو السودانية»، مع أنه لم يكن وقتها أكبر الضباط السودانيين رتبة، بل كان على الأرجح أكبرهم سنًّا وأحبهم إلى قلوب الضباط والعساكر المصريين والسودانيين على السواء. وأذكر أنه كان يروي لنا بعض الأحيان نوادر عن خدمته بحملة المكسيك لما كان بالسواري، وكان دائمًا يترأس حفلات الدلوكة (الرقص السوداني) واحتفالات الألعاب التي تقام بالأورط السودانية، وظل معنا في تقدمنا مع الحملة ببلاد السودان حتى دخلنا بربر، وكان قد ترقى لرتبة البكباشي، وهناك أقام الجيش مدةً مَرِضَ في خلالها علي أفندي جفون، وتُوفي إلى رحمة الله في أواخر سنة ١٨٩٨، فاحتفل الجيش بمأتمه احتفالًا عسكريًّا عامًّا، وحَزِنَّا عليه جميعًا لما كان عليه من الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة. ولا زال إخوانه وأبناؤه القدماء يذكرونه بالخير ويترحمون عليه، ومع هذا بيان مختصر عن حياته حصلت عليه من أحد الضباط السودانيين القدماء، وهو:

تاريخ حياة المرحوم البكباشي علي أفندي جفون
من ضباط الجيش المصري

ولد المرحوم علي أفندي جفون بفشودة سنة ١٨١٢ ميلادية، أو سنة ١٢٢٧هجرية، والتحق بالجيش المصري نفرًا تحت السلاح سنة ١٨٤٢م، أو سنة ١٢٥٨ھ، واستمر بالخدمة تحت السلاح حتى أُرسِل مع طابور من الجيش المصري من الطوابير السودانية إلى حرب المكسيك في عهد ولي النعم المرحوم سعيد باشا. وبعد انتهاء حرب المكسيك أُعيدت القوة المذكورة إلى مصر، وأُنعِم عليه برتبة ملازم ثانٍ في الجيش المصري في عهد المرحوم إسماعيل باشا، واستمر في خدمة الجيش حتى تولى المرحوم توفيق باشا وإلى أن جاء عهد الاحتلال.

وبعد سقوط السودان صار تنظيم الجيش المصري حسب النظام الحالي، وعُيِّنَ علي أفندي جفون ملازمًا ثانيًا في ١٠ جي أورطة بيادة سودانية بجهة سواكن سنة ١٨٨٧، وفي هذه السنة خرجت هذه الأورطة لرد غارات عثمان دقنه. وقد امتاز علي أفندي في هذه الموقعة؛ ولهذا ترقى لرتبة ملازم أول.

ولما ترقى إلى رتبة يوزباشي في ١٢ جي أورطة بيادة سودانية بسواكن، كان يُطلَق عليه اسم أبو الأورطة، حيث كان صاحب سياسة حسنة مع الجند السوداني، وكان يُنهي كل الصعوبات مع العساكر بطريقة مُرضية.

وفي مارس سنة ١٨٩١ رافق الجيش المصري لفتح مدينة طوكر، وبعد انتهاء فتح المدينة نال من السير جرنفيل ذكرًا حسنًا. وفي سنة ١٨٩٢ نُقِل إلى حلفا ضمن قوة ١٢ جي أورطة بيادة سودانية. وفي سنة ١٨٩٥ ترقى إلى رتبة صاغقول أغاسي. وفي سنة ١٨٩٦ اتُّخِذَ قومندانية مركز ١٢ جي أورطة بيادة سودانية عند قيام الجيش لحملة دنقلا لاسترجاع السودان، وبقي بحلفا حتى فتوح مدينة دنقلا سنة ١٨٩٦. وفي سنة ١٨٩٨ نُقِل مركز الأورطة المذكورة إلى بربر وترقى إلى رتبة بكباشي. ثم تُوفي إلى رحمة مولاه في نهاية سنة ١٨٩٨ عن أربعة أولاد؛ اثنين ذكور وهما حسن وحسين، واثنتين إناث وهما حميدة ورقية، وقد توفيت منهما رقية. أما أولاده الأحياء فلا زالوا بأم درمان إلى الآن.

١٢

وجاءنا من حضرة البكباشي علي خير الدين أفندي من الضباط الذين كانوا بالسودان والآن في المعاش الخطاب الآتي، وها هو بعد الديباجة:

أتشرف وأُبدي معلوماتي إلى سمو الأمير عن محمد علي باشا الضابط السوداني: إن محمد علي باشا أصله من أهالي السودان مثل النور بك، ومحمد أفندي عثمان، وصالح بك المك، وخشم الموس باشا وغيرهم. ولكنهم ليسوا من قبيلة واحدة، بل فيهم من هو من الشايقية ومن الجعلية ومن الدناقلة. ومحمد علي باشا كان ضابطًا نظاميًّا ترقى في السودان، وإني رأيته مرةً واحدةً حالما كنت بالخرطوم سنة ١٢٩٤ هجرية. وبعدها توجهت من الخرطوم إلى حامية سنار للانضمام بهذه المديرية، وكان في ذلك الوقت حاكم السودان محمد رءوف باشا. ولما حضر غوردون باشا حكمدار السودان بدله رقَّى محمد علي باشا إلى رتبٍ كثيرةٍ لكونه كان كلما أُرسِل إلى مأمورية أو غزوة يُنتَدَب إليها كان يصادف نجاحًا عظيمًا. ولما قامت ثورة المتمهدي بالسودان، فحكمدار السودان رقَّاه حتى بلغ رتبة الميرالاي. وفي الوقت نفسه كان المتمهدي أسقط الأبيض وكردفان، ونزل بجيشه على الخرطوم وحاصرها، فأُرسِل الحكمدار محمد علي بك وقتها ومعه من عساكر الباشبوزق والنظاميين خمسة آلاف مقاتل، وخمس بواخر مصفحة بالفولاذ لمهاجمة أبي خرجة، وسافر بهم وضايق العدو برًّا وبحرًا، وبعد يومين تمكَّن من الاستيلاء على الطوابي، وفر أبو خرجة من أمامه بعدما قُتِلَ من العدو جمع كثير، وهذه واقعة الجريف.

واقعة الحلفاية

بعد عودة محمد علي بك من الجريف، أرسله الحكمدار بهذه القوة مرة ثانية إلى جهة الحلفاية، وكان بها أولاد الشيخ العبيد، وهجم على حصونهم، فدافعوا ثلاث ساعات وانهزموا بعد ذلك بخسائر كثيرة، واستولت العساكر على ما كان عندهم من الغلال وغيرها، ورجع ظافرًا؛ فأنعم عليه الحكمدار برتبة اللواء، وتلقاه بالإكرام حين عودته.

واقعة أبي حراز

أُرسِل إليها محمد علي باشا في خمس بواخر ومعه أربعة آلاف من العساكر. ولما وصل يدعو أهلها إلى الطاعة فروا من وجهه ولم يحاربوه، فنهبت الجنود ما فيها من الغلال والمواشي والبن الحبشي، وشحن من هذه المئونة بواخره الخمس، ورجع ولم يصادفه شيء في طريقه.

واقعة العيلفون

أرسل الحكمدار محمد علي باشا إلى العيلفون ومعه خمسة آلاف جندي، وكثير من المتطوعين توجهوا معه وكانوا أكثر من العساكر، وجميعهم من أهالي الخرطوم لأجل الكسب، وكان معه أيضًا خمس بواخر وخمسة صنادل، وهجم على العصاة فقابلوه في أول الأمر بثبات عظيم. ولما أصلتهم العساكر نارًا حاميةً وقُتِل منهم عدد كبير، فروا ومعهم الشيخ مضوي ولحقوا بأم ضبان، وعاد بالجيش الذي معه، ووصلت الانتصارات إلى غوردون فسر بها وأُعجِب بمهارته.

واقعة أم ضبان

لما انتصر في هذه الواقعة لم يكتفِ بذلك، والعساكر كانت في غاية التعب، فأرسل جواسيس إلى أم ضبان فعادوا وأخبروه كذبًا بأن الشيخ العبيد في عدد قليل من الرجال لا يبلغ الألف، والظاهر أن الجواسيس كانوا من طرف الشيخ المذكور، وقصده بذلك اغترار العساكر، وقد كان؛ لأن محمد علي باشا سمع كلام الجواسيس وقام بالحملة يتأثر العدو حتى دخل الغابة، وكان العدو عمل له كمينًا، فعندما توسَّط الكمين خرج عليه من أمامه ومن ورائه وبطش بالحملة أشد بطش، وأثخن العدو فيها قتلًا وذبحًا. ولما نظر القائد ذلك نزل من على دابته وكذلك أركان حربه، وجلسوا على الأرض حتى قُتِلوا، وهذه عادة يتبعها أهالي السودان، خصوصًا من كان رئيسًا أو مشهورًا بالشجاعة؛ لأنه لو فعل غير ذلك لعيَّره أهل قبيلته عارًا شديدًا. وقد وقعت هذه الواقعة وقعًا سيئًا عند غوردون وأسقطت منزلته؛ فقد قُتِل الجيش ولم ينج منه إلا القليل، وهذه الواقعة كانت ضربة قاضية على الخرطوم. وهذا كل ما أعلمه.

١٣

وكتب إلينا حضرة الأستاذ محمود بك سبع، رئيس نيابة الزقازيق بتاريخ ٢١ ديسمبر سنة ١٩٣٣ بعد الديباجة ما نصه:
قرأت بشغف زائد مقال سموكم الممتع بجريدة الأهرام عن الفرقة المصرية بالمكسيك. ولقد شغلني موضوع هذه الحملة زمنًا ما وتقصيت أخبارها، وقد كان أهم ما وقع عليه نظري ما كُتِب عنها بمجلة مصر للمرحوم جالياردو بك Revue d’Egypte في عدة أعداد، وأظن أن سموكم قد اطلعتم عليه. وقد كتب المرحوم سرهنك باشا نبذة عن الحملة أيضًا في كتابه دول البحار. وكنت قد اطلعت أيضًا على نبذة وتقرير كُتب عنها في مؤلف Amédée Sacré & Louis Outrebon، واسم الكتاب L’Egypt et Ismaïl Pacha. ولما لم يكن الكتاب في متناول يدي إذ ذاك؛ لم أبادر بالكتابة لسموكم بشأنه.

أما وقد عثرت عليه أخيرًا، فقد كتبت هذا لسموكم حتى إذا لم يكن قد سبق أن اطلعتم عليه، كان لي الشرف بإرسال الكتاب إلى سموكم.

فطلبنا من حضرته أن يرسل إلينا الكتاب الأخير الذي أشار إليه في آخر خطابه، وهو «مصر وإسماعيل باشا» لساكري وأوتربون، فتفضل بإرساله، وعَرَّبنا منه الفصل الذي ورد به عن هذه الأورطة من ص٢٩٢ إلى ص٢٩٧، وهو بصدد المعركة التي نشبت بينها وبين المكسيكيين في ٢ أكتوبر سنة ١٨٦٣، وقد ذكرناها بالصفحة ١١ من هذا الكتاب، وهاك مُعَرَّب هذا الفصل:
لا يخلو التقرير التفصيلي الذي بعث به رئيس قواد فيراكروز إلى الحكومة الفرنسية عن موقعة ٢ أكتوبر عام ١٨٦٣ من المدح والثناء على ما أظهرته فيها الأورطة السودانية من رباطة الجأش والبسالة؛ مما دعا القائد الفرنسي أن يُقَدِّر ما قامت به من الأعمال في هذه الموقعة حق قدره، ويدوِّنه بعبارات تُغْنِي عن التعليق وتشرفها كثيرًا وتُعلِي من شأنها. قال: في ٢ أكتوبر سنة ١٨٦٣ وفي الساعة السابعة صباحًا، بارح القطار العادي محطة فيراكروز ميممًا السوليداد Soledad.
وكان يقوم بحراسة هذا القطار ١٤ جنديًّا، منهم سبعة من البلوك الأول من بحارة جزر الأنتيل Antilles والسبعة١٢ الآخرون من الأورطة السودانية المصرية. وإليك أسماء هؤلاء:
بخيت بدرم الجندي الأول ورئيس الفصيلة
بلال حماد الجندي الثاني
أتوم سودان جندي
إبراهيم عبد الرحمن جندي
محمد عبد الله جندي
عمر محمد جندي
محمد علي جندي
وكان القطار مؤلفًا من عربات للمسافرين وأخرى للبضاعة. أما عدد المسافرين من الأهالي فكان أربعين، وكان من بين هذا العدد:
  • مسيو ليجييه M. Ligier: رئيس أورطة في ألاي الأجانب.
  • ومسيو شرر M. Schèrer: ملازم من بلوك المهندسين الوطني ومن أهالي جوادلوب Guadeloupe.
  • ومسيو بوتنايل M. Boutenaille: ملازم ثان في حرب القارات (جريلا).
  • ومسيو ليونز M. Lyons: مدير السكك الحديدية.
  • ومسيو فرنك M. Franc: رئيس مهندسي السكك الحديدية.
  • ومسيو سافيللي M. Savelli: قس السوليداد.

وعدد كبير من النساء والأولاد.

وكان القطار متجهًا إلى تيزاريا Tézéria بسرعة تتراوح بين ١٥ و١٦ كيلومترًا في الساعة، ووصل إلى موضع يقال له: لوما دولا ريفيستا Loma de la Revista حيث الطريق عرضه أربعة أمتار تقريبًا بين سفوح الجبال المجللة من الجانبين بالأحراش والآجام الكثيفة، وكان فيها منحنٍ وعر، وعندئذ لمح سواق القطار بعض القضبان منزوعة من أماكنها، وفي الحال حوَّل قوة البخار محاولًا الرجوع إلى الخلف، غير أن القطار برمته استمر هنيهة سائرًا في طريقه مدفوعًا بقوة سرعة سيره، فسقطت عندئذ العربات الأولى، ولم يستطع أحد أن يدفع حدوثَ الكارثة.

وفي هذه اللحظة دَوَّى إطلاق البنادق بشدة من جانبي الطريق، وكان اتجاه الطلقات من أعلى إلى أسفل، ولم يكن في حيز الاستطاعة رؤية المهاجمين، فجُرِح سائق القاطرة وشخصٌ من المسافرين. وعلى أثر ذلك أسرع بالرجوع إلى العربات كل من كان نزل منها، واتخذ القائد ليجييه خطة الدفاع، ونزل ليفحص الموقع وينظر فيما إذا كان في الإمكان الهجوم على العدو من الجنب.

وفي غضون هذا الاضطراب الشامل وبلبلة الأفكار الناشئة من خروج القطار عن طريقه، ومن ولولة النساء وصياح الأولاد وحيرة كافة المسافرين؛ ما كان يساور رءوس السبعة المصريين غير فكرة واحدة؛ ألا وهي القيام بواجب وظيفتهم، وأن يستعدوا لإطلاق النيران على الأعداء إذا لاحت أشباحهم وبانت. وكانوا ينتظرون وهم متخذون من جوانب العربات موقى لهم الوقت الذي يشتبكون فيه في القتال مع العدو برباطة جأش جديرة بالثناء العظيم والإعجاب المتناهي.

وعندما وقع نظر جميع رجال الحرس على القائد ليجييه وهو نازل من العربة، تبعوه ليقوموا بتنفيذ أوامره، ورغم شدة إطلاق النيران، أمكن استكشاف مواقع العدو بلا عائق؛ لأن هذه النيران مع شدتها لم تكن فتاكة، وما ذلك إلا لأن المكسيكيين كانوا مضطرين أن يلبثوا محجوبين عن الأعين لكيلا تصوب نحوهم طلقات البنادق.

ولما تحقَّق القائد أنه ليس في الاستطاعة الهجوم على العدو من الجنب، أراد أن يهاجمه وجهًا لوجه، فقذف بالأربعة عشر جنديًّا إلى المرتفعات، ولكن هذه كانت مغطاة بالآجام المتناهية في الكثافة، فما استطاعوا تسلقها، واضطروا أن يرتدوا على أعقابهم، واتخذوا من العربات مرةً أخرى وقايةً لهم. وفي غضون هذه الحركة أصيب القومندان ليجييه بجرحٍ مميتٍ، وجُرِحَ أيضًا جنديان من البحارة. فبث هذا الفوز الحماسة في نفوس المهاجمين، فضاعفوا الطلقات، وصار لا محيص من التقهقر. وفي اللحظة التي كان يصعد فيها القومندان ليجييه إلى العربة بمساعدة بلال حماد، أُصيب هذا بطلق ناري فخرَّ صريعًا وقضى نحبه. وعندئذٍ تطوَّع بخيت بدرم وأتوم سودان وحملا أولًا القومندان ليجييه ووضعاه في عربة السكة الحديد، ثم رجعا إلى بلال حماد وكانت تحميهما في هذه الفترة نيران من بقي من الحرس المبعثرين خلف جميع العربات.

ومن هذه الساعة تسلَّم الملازم شرر القيادة العامة، ورتَّب رجاله بطريقة تلاشي كل محاولة هجوم يقوم بها المكسيكيون لأخذهم عنوة، ثم أرسل أحد رجال السكة الحديد إلى تيجريا Téjéria وإلى فيراكروز Vera-cruz ليعلموا رياسة القومندانية بموقفه ويطلبوا منها إرسال نجدات.
وكانت تيجريا في ذلك الوقت تحتلها فصيلة من السودانيين المصريين، مؤلفة من ضابط واحد و٤٥ جنديًّا، وكانت هذه الفصيلة تحت إمرة الملازم الثاني رازود Razaud من ضباط الألاي الأجنبي. وهذا الضابط كان قد أخبره جواسيسه من الصباح الباكر بأن عددًا عديدًا من المكسيكيين يتألف من ٢٥٠ إلى ٣٠٠ رجل تقريبًا يضربون في جوانب القفار، وعلى ذلك أخذ عدته وتأهب لمقابلة الطوارئ، فما كاد يبلغه هذا النبأ حتى قام بكتيبته المصرية السودانية مسرعًا، وولى وجهه شطر اللوما دولاريفيستا سالكًا أقصر طريق.

واستمرت رحى الحرب دائرة في غضون هذه الفترة، وكان رجال حرس القطار يصوِّبون بإحكام بنادقهم على المكسيكيين، ولا بد أن نيرانهم ألحقت بهؤلاء أضرارًا بالغة، ويُستَدل على ذلك من أنهم أرادوا مرارًا تخلُّصًا مما حاق بصفوفهم من الضيق والكرب أن يحاولوا النزول من الجبل لينازلوا الحرس جسمًا لجسم، ولكن كل محاولاتهم ذهبت هباءً وفشلت فشلًا تامًّا، وقَتَلَ المدعو أتوم سودان رجلين منهم كانا قد وصلا إلى مكان لا يبعد عنه سوى بضعة أمتار.

وظل العدو يشنُّ الغارة أكثر من ساعة حتى بدا في طلقاته النقص، ثم فترت فجأة وانقطعت بعد دقائق معدودات، ومع هذا لم يشأ مسيو شرر أن يخرج عن دائرة خطة الدفاع؛ خوفًا من أن يكون انقطاع النيران حيلة مدبرة، وظل وقتًا يسيرًا ملازمًا التربص، ثم عقب ذلك ذهب رجل من الهنود المحليين للاستكشاف، ولم يلبث أن عاد وأخبر أن المكسيكيين زايلوا أماكنهم ولم يبقَ منهم ديار، والسبب في ذلك أن كشافة المكسيكيين أخبروا رئيسهم بقدوم حامية تيجريا Téjéria، فشدوا رحالهم وتركوا الميدان؛ اتِّقاء الوقوع بين نارين.

وتسنَّى عندئذ لحراس القطار أن يستريحوا ويتنفَّسوا الصعداء ويعاونوا المجروحين، وبلغت الخسائر مبلغًا لا يُستهان به؛ فأدركت المنية القائد ليجييه وبلال حماد وسائحًا مكسيكيًّا، وجُرِحَ مسيو ليونز — مدير مصلحة السكة الحديدية — والقس سافيللي وجندي جروحًا خطيرة. وأما مسيو شرر وبوتنابل وتسعة أشخاص من الجنود والمسافرين فجروحهم لحسن الحظ كانت أقل خطرًا من جروح من سلف ذكرهم. وفي الحال صار الاهتمام بأمر الجرحى فضُمِّدت جراحهم وأُسعفوا بكل ما يلزمهم، وبعد ذلك بقليل؛ أي قبيل الساعة العاشرة والنصف، كان الجميع قد عادوا إلى فيراكروز، ونُقِل البعض من الجرحى إلى منزله، والبعض الآخر إلى المستشفى.

وأبلى السبعة المصريون في هذه الموقعة بلاءً حسنًا، وأظهروا من الحزم والعزم ورباطة الجأش ما يندر وقوعه. وكان الجميع موضع إعجاب الضباط والعساكر الذين كانوا يُقاتلون معهم جنبًا إلى جنب. ولم يكن هنالك أدنى شك في أن النجاح يرجع معظمه إلى ثباتهم وشدة مقاومتهم تلك المقاومة الجديرة بالمدح والثناء المستطاب، خصوصًا أنه اتضح من المعلومات التي وردت بعد ذلك أن عدد المكسيكيين كان زهاء ٣٠٠ رجل بين راجل وفارس.

وبعد هذه الموقعة ترقَّى بخيت بدرم العسكري الأول إلى رتبة أونباشي، وأتوم سودان وإبراهيم عبد الرحمن ومحمد عبد الله وعمر محمد ترقوا عساكر أول. وفوق ذلك تقدَّم طلب بمنح بخيت بدرم وأتوم سودان الوسام العسكري.

وقد مُنِحا فعلًا هذين الوسامين في أول مارس ١٨٦٤.

رئيس القواد
الإمضاء
ھ. مارشال
نظر: جنرال اللواء والقومندان السامي في أوريزابا
الإمضاء
دوموسيون
تحريرًا بفيراكروز في ٢٤ مارس سنة ١٨٦٤

هذا؛ وإننا نشكر هؤلاء الكاتبين الكرام الذين تفضلوا بموافاتنا بمعلوماتهم السابقة، ونختتم باب هذه المراسلات بنصين عن المرحوم فرج باشا الزيني عثرنا عليهما في جريدة الوقائع المصرية، وها هما:

جاء في عدد الوقائع المصرية رقم ٥٣٦ بتاريخ ٩ ديسمبر سنة ١٨٧٣م ما نصه:

وجهت رتبة أميرألاي إلى حضرة عزتلو فرج الزيني بك مدير التاكة. ا.ھ.

وجاء بالعدد رقم ٨١١ بتاريخ ١٨ مايو سنة ١٨٧٩م ما نصه:

تعين لمحافظة بربرة جناب عزتلو فرج بك الزيني الذي كان من مستودعي الجهادية. ا.ھ.

ومن هذين النصين الرسميين يُعرَف أنه نال رتبة أميرألاي في عهد الخديوي إسماعيل وقبل الثورة العرابية بمدة طويلة، لا كما ذكرناه عنه سابقًا بالصفحة ٧٩ من هذا الكتاب من أن نَيْلَه لها كان في عهد الخديوي توفيق، فليُستَدرَك ذلك.

١  التهامي بك من قبيلة الحلانقة التي ترجع في أصلها إلى هوازن، جازت إلى بلاد الحبشة من باب المندب في صدر التاريخ الهجري، ولما اضطهدها الأحباش لدينها، سارت شمالًا متتبعة سيف نهر القاش، حتى بلغت جبل كسلا وانتشرت حوله. أما التهامي فكان كاتبًا تجاريًّا، عُرف بفرط ذكائه وحذقه من عهد أحمد باشا أبو ودان بالخرطوم. وقد عينه الجنرال غوردون سكرتيرًا له، ثم رقاه وكيلًا للحكمدارية مع منحه رتبة البكوية. واتهم أخيرًا بأنه نهب غنائم الفور وسُجن، ولما أُفرج عنه، أخذ عائلته وسار إلى الحرمين الشريفين حتى توفي هناك وهو حاقد على الحكومة التي كافأته بالسجن على جهوده العظيمة، وما ذلك إلا لوشاية حسن حلمي باشا حسدًا له لإحرازه فخر الانتصار في دارفور بعد عجز الباشا وحصره.
٢  المقدوم لقب يطلقه سلطان دارفور على وزراء مملكته، ولكل مقدوم منطقة خاصة به، كمقدوم الجنوب ومركزه دارا، ومقدوم الشمال في كتم، ومقدوم الشرق بالفاشر، ومقدوم الغرب في جبل مرة، إلا أن الأخير يلقب بأبي فوري. ولمقدوم الشمال نائب يُطلق عليه لقب توكوناوي. وما دون ذلك من الولاة يلقبون بشراتي ودمالج ومشايخ، ما عدا البدو يلقب الزعيم بناظر.
٣  الزغاوي قبيلة قديمة العهد، جازت النيل من طريق مصر مع أول دافة زنجية كما ذكر المسعودي، ثم سارت غربًا وما فتئت تُوغل في المجهول جنوبًا حتى انتهى بها السير إلى وادي، ومنه انتشرت في شمال دارفور، ولم يزل يوجد منها فرع يقال له زغاوي كبى، لهم سلطان اسمه حقار، عاصمته «مردو» تابع لوداي؛ أي ضمن مستعمرة فرنسا. فالزغاوي جميعًا يتكلمون بلغة خاصة، ويعرفون العربية بعبارة لا تخلو من شائبة العُجمة، ويدينون بالإسلام، وتوجد فيهم بعض رواسب الوثنية، كالاعتقاد بالجبال والأشجار، وغير ذلك من الخرافات التي يؤدي ذكرها إلى التطويل.
٤  كبكابية مدينة ذات شهرة تجارية قديمة، وهي غرب الفاشر، تبعد عنها بقدر ١١١ ميلًا، وموقعها يعتبر وسط دارفور؛ لأنها منها تتفرع الطرق إلى الفاشر شرقًا، وإلى كتم شمالًا، وإلى نيالا جنوبًا، وإلى الجنينة غربًا، ومن الأخيرة إلى وادي. وكانت لكبكابية تجارة رابحة مع مصر قديمًا بطريق الأربعين الذي يبلغ طوله بين دارفور وأسيوط ١٠٨٠ ميلًا. ولما صارت مديرية في عهد إسماعيل أيوب باشا، عين لها الجنرال غوردون باشا مديرًا وطنيًّا، وهو الميرالاي النور عنقره بك، وهذا هو الذي شيد بها الطابية المذكورة.
٥  تنجر قبيلة خلاسية تناسلت من أب عربي وأم زنجية، تنتشر في شمال دارفور بين الفاشر وكتم وفي جنوب الفاشر، ويوجد جزء منها في وداي، وكانت هذه القبيلة تهيمن على إقليمي دارفور ووداي قبل سلطنة العباسيين، وكان آخر سلاطين تنجر السلطان شاو دور شيت.
٦  ميما قبيلة خلاسية تناسلت من أب أموي وأم زنجية، كانت أولًا في تونس، ثم سارت إلى وداي، فانتشر جزء منها هناك، وسار الباقون إلى دارفور، وهم يقيمون الآن في بلدة ودعة الواقعة في الجنوب الشرقي من الفاشر، لهم سلطنة قديمة العهد، ويحتمل أن يكونوا من بقية سيف الفاح الذين أفلتوا إلى الأندلس وغادروها لاضطهاد الإسبان، والله أعلم.
٧  آدم بك العريفي نسبة إلى العريفية الذين هم فرع من قبيلة دار حامد سكان بارا في شمال كردفان. كان آدم هذا نادر الإباء والذكاء، وقد رافق سمو الأمير إبراهيم باشا في حرب الدروز، ونال من إعجابه ما صيره يتطور تطورًا سريعًا حتى رقي إلى رتبة اللواء، وصار رئيس أركان حرب الجيش المصري بالخرطوم. وقد تُوفي إلى رحمة مولاه بها، ودُفن حيث توجد مدافن الباشوات المذكورة.
٨  الباب الذي دخل منه آدم بك العريفي إلى كسلا سُمي باب الفرج؛ لأن بدخوله هدأت الأحوال، وخفتت أصوات الأسلحة، واطمأنَّ الناس على حياتهم.
٩  هدل كلمة أعجمية في لغة البجه معناها الأسود.
١٠  برنو قبيلة مشهورة في نجريا. وتوجد فصائل منها في منواجي غرب أم بشه عاصمة وداي قديمًا، وفي كثير من بلاد دارفور وكردفان وجزيرة سنار وغيرها. يرجع البرناويون في أصلهم إلى حمير، إلا أنهم ساكَنوا الزنوج حتى تغلب فيهم العنصر الخلاسي، كما تدل جعودة شعر رءوسهم وعدم استقامة أنوفهم، وأنهم يتكلمون بلغة أعجمية، وكادت تتلاشى فيهم العربية. أما دينهم فالإسلام، وهم يابسون في الاعتقاد به، وفيهم كثير من الفقهاء والقراء المجيدين لعلم التجويد.
١١  البلالي نسبة إلى بلالا؛ قبيلة ترجع في أصلها إلى برنو، ولكنها تقيم في بحر الفترى غرب مدينة أم بشه بوداي. ذهب هذا لمصر، وشكا إلى سمو إسماعيل باشا من السلطان حسين سلطان دارفور، وتعهد له بفتح دارفور، فمنحه سمو الخديوي الرتبة الثانية وعينه مديرًا ليمهد له بذلك احتلال دارفور، وقد قتله الزبير هناك.
١٢  في مجلة مصر لمؤلفها جلياردو بك أنهم ثمانية لا سبعة بزيادة الجاويش عبد العال يوسف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤