الأميرة كريمة

لم يكن أحدٌ من المغامرين الخمسة يتوقَّع أن تبدأ هذه المغامرة بهذه السرعة، ولكن سطرًا واحدًا في إحدى الصحف وضعهم أمام لغز خطير، ومغامرة صعبة، خاصةً بعد أن دخلوا إلى المغامرة بطريقة مضحكة وغير متوقعة.

وكان «تختخ» رئيس المغامرين الخمسة قد تناول إفطاره في ثالث يومٍ من أيام إجازة نصف السنة، وجلس في غرفته الصغيرة التي يحتفظ فيها بكل أدوات التنكُّر … جلس يشرب فنجانًا من الشاي … ويقرأ الصحف. ولفت نظر «تختخ» في صفحة الحوادث التي يحب قراءتها … خبر يقول: «اختفاء أمير شرقي في ظروف غامضة.»

وقد كان من الممكن ألَّا يهتم «تختخ» بالخبر كثيرًا … لولا أن قصة الاختفاء كان بها تفاصيل هامة؛ فقد اختفى الأمير من مكان قرب المعادي حيث يسكن المغامرون الخمسة؛ فالاختفاء تم إذن في منطقة عملهم، والأهم من ذلك أن الأمير كان ولدًا صغيرًا في عمرهم تقريبًا؛ فقد ذكرت الصحيفة أنه طالب بإحدى المدارس الإعدادية، وأن عمره ١٣ سنة.

وبسرعة أخرج «تختخ» دفتر مذكراته، وأخذ يسجِّل فيه أهم المعلومات التي رَوَتْها الصحيفة. وكانت هذه المعلومات توضح أن مدرسة الأمير قامَت برحلة إلى المعادي، حيث أقامت معسكرًا بين المعادي وطرة البلدة، وهي المحطة الثانية بعد المعادي. وكان المعسكر مكونًا من الخيام، وكان الأمير يُقيم في خيمة مع أحد زملائه، وفي صباح اليوم الثاني للمعسكر اختفى الأمير، ولا يعلم أحد كيف اختفى … ولا أين اختفى … ولا لماذا اختفى. وقالت الصحيفة إن اختفاء الأمير الصغير قد أثار زوبعة في بلاده، وإن رجال الشرطة يقومون بمحاولات جبارة للعثور على الأمير الصغير «كريم».

فكر «تختخ» قليلًا، ثم قال في نفسه: إنها مغامرة صعبة، وقد لا تناسب المغامرين الخمسة، ولكن على كل حال يمكن أن أتصل بهم ليحضروا حتى نتحدث عن اختفاء الأمير.

وقام «تختخ» إلى التليفون، فاتصل بالأصدقاء «عاطف» و«لوزة» و«محب» و«نوسة» وروى لهم ما قرأه في الصحيفة، وطلب منهم الحضور إلى منزله.

ولم تمضِ دقائق حتى وصل الأصدقاء الأربعة إلى منزل «تختخ» وكان في انتظارهم على السلم الكلب الأسود الذكي «زنجر»، الذي ما كاد يراهم حتى أخذ يقفز في الهواء لتحيتهم، خاصةً «لوزة» التي كانت تحبُّه بقدر ما يحبها.

قالت «لوزة» متحمسةً بعد أن سمعت ما رواه «تختخ» عن اختفاء الأمير: إن واجبنا أن نتدخل لإنقاذ الأمير من الذين خطفوه … إن هذا واجبٌ علينا ولا يمكن أن نقف ساكتين.

رد «تختخ» ضاحكًا: إنه لغز خطر يا «لوزة»، وقد لا نكون قادرين على حله … ونحن لا نعرف إذا كان الأمير قد اختُطف فعلًا … أم أنه اختفى من تلقاء نفسه … وقد يعود في أي لحظة، ولا يكون هناك لغزٌ على الإطلاق.

سكتَت «لوزة» ولكن «نوسة» تحدثت قائلة: هل نشروا صورة للأمير المختفي؟

قال «تختخ»: نعم … لقد نشروا له صورةً وهو بملابسه الوطنية، حيث لا يبدو وجهه واضحًا، وفي الحقيقة إنه يشبه «عاطف» إلى حد بعيد؛ فهو أسمر ونحيل مثله، «لوزة» يمكن أن تكون أميرةً صغيرةً ممتازة.

وضحك الجميع فقال «تختخ»: ما دمنا بلا عمل الآن، تعالوا نضحك قليلًا على الأميرة الصغيرة «كريمة» شقيقة الأمير المختفي «كريم». وبسرعةٍ فتح «تختخ» أحد أدراج دولابه الكبير حيث يحتفظ بملابس التنكر الكثيرة، ثم أخرج ثيابًا زاهيةً من الحرير الملون، وأخذ يساعد «لوزة» في لبسها بين ضحك الجميع، ونباح الكلب «زنجر».

وبعد أن أتم «تختخ» مهمته، بدَت «لوزة» كأنها أميرة شرقية فعلًا في ملابسها الحريرية الملونة.

قال «تختخ»: والآن أيتها الأميرة العظيمة، سأعلمك كيف تتحدثين وتتصرفين كأميرة حقيقية.

وجلس «تختخ» بعظمة فوق الكرسي، ورفع رأسه إلى أعلى قائلًا: تجلسين هكذا منفوخة، ولا تتحدثين كثيرًا … يكفي أن تشيري بأصبعكِ … وتهزي رأسكِ حتى يسرع الجميع إلى تنفيذ أوامرك.

وفعلًا جلست «لوزة» على كرسيها، وقد رفعت رأسها إلى فوق في عظمة، وأخذ بقية الأصدقاء يمثلون دور الخدم لها.

وفي هذه اللحظة حدث شيء لم يكن متوقعًا؛ فقد جاءت الشغالة تقول ﻟ «تختخ» إن هناك ثلاثة أولاد يسألون عنه. وقفت «لوزة» مسرعة لتخلع ثياب الأميرة، ولكن «تختخ» قال: لا تخلعي ملابس الأميرة، سوف أتخلص من هؤلاء الأولاد وأعود إليكم.

وخرج «تختخ» مسرعًا، ولم يغِب سوى دقيقة واحدة حتى عاد إلى الأصدقاء ضاحكًا وهو يقول: مفاجأة … هل تعرفون من هم ضيوفي؟ إنهم «جلال» ابن أخ الشاويش «فرقع» وشقيقاه التوءمان «سعد» و«سعيد» … وأنتم تذكرون طبعًا أن «جلال» اشترك معنا في لغز البيت الخفي.

قالت: «لوزة»: هل أخلع ثياب التنكُّر يا «تختخ»؟

قال «تختخ»: لا … على العكس، سوف تمثلين دور الأميرة أمام الثلاثة، ونضحك عليهم.

ثم خرج «تختخ» وعاد ومعه الثلاثة، فوقف الأصدقاء لتحيتهم عدا «لوزة» التي ظلَّت جالسةً في ملابس الأميرة تنظر إليهم بعظمة.

قال «تختخ» مقدمًا الأصدقاء: أعرفكم بالصديق «جلال» وأنتم تعرفونه جميعًا، ومعه شقيقاه التوءمان «سعد» و«سعيد». ثم أشار «تختخ» إلى «لوزة» وقال: وأقدِّم إليكم أيها الأصدقاء الأميرة «كريمة» شقيقة الأمير المختفي «كريم» الذي روَت الصحف اليوم قصة اختفائه المثير.

وقف الأولاد الثلاثة في وسط الغرفة وقد أذهلَتْهم المفاجأة، وأخذوا ينظرون إلى الأميرة، وقد فتحوا أفواههم في دهشة، وكان «سعيد» يضع في فمه لبانة كبيرة حمراء، فسال ريقه الملون على جانب فمه.

قال «تختخ» في جد: مفاجأة! أليس كذلك؟

ورد «جلال» بصوت مختنق: مفاجأة كبيرة … وأنت صاحب المفاجآت يا «تختخ»، ولكن هذه مفاجأة مثيرة للغاية.

وبعد أن سلم الأشقاء الثلاثة على الأميرة في احترام شديد، قال «جلال»: لقد جئت أقابلك بخصوص اختفاء الأمير … إن عندنا معلومات … ولكن يبدو أن عندكم معلومات أهم، ما دامت الأميرة عندكم.

دقَّ قلب «تختخ» مسرعًا عندما سمع هذا الكلام فسأل «جلال»: ما هي المعلومات التي عندكم؟

جلال: ليست معلومات مهمة جدًّا … ولكن قد تستطيع الاستفادة منها يا «تختخ» فأنت ذكي.

عاد «تختخ» يقول في إلحاح: أرجوك … ما هي المعلومات؟

أشار «جلال» إلى «سعيد» الصغير وقال: إن «سعد» و«سعيد» موجودان بالمعسكر ويبدو أن «سعيد» شاهد شيئًا هامًّا عن اختفاء الأمير … ويمكنك أن تسأله.

نظر «تختخ» إلى «سعيد» فتوقف الولد الصغير عن مضغ اللبانة الكبيرة التي يحتفظ بها في فمه دائمًا، وقال «تختخ» بلطف: هل شاهدت الأمير؟ هزَّ «سعيد» رأسه موافقًا دون أن يتكلم فعاد «تختخ» يسأله: وهل شاهدت شيئًا خاصًّا باختفاء الأمير؟

هز الولد رأسه مرة أخرى موافقًا دون أن يتحدث، فقال «تختخ»: لا تكتفِ بهز رأسك … أريدك أن تكلمني.

هز الولد رأسه مرةً أخرى دون أن يُجيب فصاح «تختخ» به: لا تهز رأسك كالأخرس … كلمني … أخرج هذه اللبانة، واستعمل لسانك في الكلام.

وبدلًا من أن يُخرج الولد اللبانة، عاد إلى المضغ، وأخذ يشد شقيقه «سعد» ليخرجا معًا.

قال «تختخ»: لا تزعل … وأخبرني بما شاهدت عند اختفاء الأمير. ولكن الولد بدلًا من أن يجيب، أخذ يبكي بصوت مرتفع، فقال «جلال»: لا فائدة الآن من الحديث إليه … سنذهب لزيارة عمنا الشاويش الآن، ويمكن أن تأتوا لزيارة المعسكر غدًا، ومقابلتنا هناك.

لم يكن هناك شيءٌ يمكن عمله أمام بكاء «سعيد»، فتركهم «تختخ» يخرجون وهو شديد الضيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤