الفصل الرابع

مِمَّ يتألف الكون؟ وكيف تترابط أجزاؤه؟

(١) أول نظرية (جديرة بالثقة) لكل شيء

تخيل لو أتيحت لك فرصة تعديل الكون بالشكل الذي يحلو لك، لكن مع الحفاظ على خاصية ملاءمة الكون للحياة. إن الكون على شكله الحالي جيد بما يكفي، لكن ما هو مقدار التغييرات الممكن عملها دون إفساده؟ يمكنك التخلص من بعض المجرات أو بعض الثقوب السوداء العملاقة، أيضًا من الممكن الاستغناء عن بعض النجوم الصغيرة والكواكب الضخمة. لكن على المستوى الذري لن تستطيع إلا التخلص من قلة من العناصر؛ إذ إن أغلبها له دور يلعبه في قصة الحياة.1 أما على المستوى الأصغر فيفضل أن تترك الأمور دون المساس بها. إن التخلص من الإلكترونات مثلًا سيكون أمرًا كارثيًّا؛ إذ سيستحيل وقتها إجراء التفاعلات الكيميائية. أيضًا سينجم عن التخلص من النيوترونات إفساد كل العناصر الكيميائية خلا الهيدروحين. إن مخزون الجسيمات الأساسية ليس بالمكان الذي يفضل العبث به، بل إن حتى تعديل خصائص هذه الجسيمات سيكون أمرًا خطيرًا.

في ظل ضرورة الحفاظ على الأمور على حالها، يتداعى للعقل السؤال عن سبب تألف الكون من العناصر التي يتألف منها. لماذا توجد الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وغيرها من المكونات الذرية؟ لماذا تتمتع هذه الجسيمات بالخصائص التي تملكها؟ لِمَ تمتلك جميع الجسيمات كتلًا وشحنات كهربية محددة، وليس غيرها؟ منذ خمسين عامًا لم يهتم أحد بالتفكير في مثل هذه الأسئلة، لكن اليوم يوجد إحساس عام بين علماء الفيزياء بأنه من المفترض بنا أن نكون قادرين على الإجابة عليها؛ بمعنى أن جميع الجسيمات الأساسية وخصائصها ليست اعتباطية، بل من المفترض أن تكون قابلة للتفسير في ضوء نظرية أعمق؛ نظرية توحد جميع مكونات المادة على اختلافها. أحيانًا ما تُسمى المحاولات الهادفة لذلك، بقدر من المبالغة، بنظريات كل شيء.

في القرن الخامس قبل الميلاد قدم الفيلسوفان الإغريقيان ليوسيبوس وديموقريطس تفسيرًا كاملًا للعالم المادي. عاش هذان الفيلسوفان القديمان في زمن يسبق وجود أي شيء يشبه العلم ولو من بعيد، إلا أنهما كانا يتمتعان بقوة الملاحظة ومهارة التفكير المنطقي. كما هو الحال معنا، تفكر هذان الفيلسوفان في أسئلة كبيرة تتعلق بالكيفية التي يُبنى بها الكون، ومن أين أتى، ومِمَّ يتألف. وصل هذان الفيلسوفان إلى مراتب عالية في التفكير المنطقي والرياضي والغيبي وآمنا بأن الكون يمكن فهمه عن طريق التطبيق الحريص المنهجي للنقاش المنطقي.

كانت المشكلة المزعجة التي استدعت تفكيرًا عميقًا من فلاسفة الإغريق تتمثل في طبيعة التغيير. كيف تستطيع جوزة البلوط التحول إلى شجرة؟ كيف يتحول الماء إلى بخار؟ وبصفة عامة، كيف يمكن لشيء أن يصير شيئًا آخر؟ تكمن الصعوبة، كما رآها الإغريق، في أن الأجسام المادية لها هويات (وبهذه الكيفية نستطيع تسميتها). لذا، إذا كان شيء ما هو (أ)، فكيف يتحول إلى (ب) دون أن يكون (ب) من الأساس؟ كيف يمكن أن يتحول الشيء إلى ما ليس عليه؟ خلص بعض الفلاسفة من هذه المعضلة المحيرة إلى أن التغيير ليس إلا وهمًا، وذهب آخرون إلى العكس تمامًا زاعمين أن لا شيء له هوية ثابتة، وأن كل شيء في حالة من التقلب المستمر.

وجد ليوسيبوس وديموقريطس طريقًا بارعًا للخروج من هذا المستنقع الفلسفي، بأن افترضا أن الكون يتألف من لا شيء سوى جسيمات ضئيلة غير قابلة للتقسيم تتحرك في فراغ. الجسيمات نفسها لا تتغير؛ إذ إنها كيانات بدائية غير قابلة للتحلل تحتفظ بهوية ثابتة على الدوام. نفس الشيء ينطبق على الفراغ؛ إذ إنه غير قابل للتغيير. إلا أن «حركة» هذه الجسيمات داخل الفراغ هي التي تسبب تغير مظهرها. وفق هذا النظام تتكون المادة على اختلافها من ترتيبات متباينة من الجسيمات، وما عملية التغيير إلا عملية إعادة ترتيب للجسيمات. أطلق الفلاسفة على هذه الجسيمات اسم الذرات، أو atomos (وهي الكلمة المؤلفة من مقطعين هما a بمعنى «لا» وtomos بمعنى «مُنجزئ»)، ومن هذه الكلمة جاءت الكلمة الإنجليزية للذرة atom.

هدفت النظرية الذرية للمادة إلى إعطاء تفسير كامل موحد للعالم المادي. كانت طبيعة الذرات غير القابلة للتقسيم جانبًا حيويًّا في هذه النظرية؛ إذ إنها اعتمدت على أن للذرات هوية ثابتة. وإذا كان بالإمكان تقسيم الذرات فهذا يعني أن بمقدورها أن تتغير، وهو ما سيعود بالفلاسفة لنقطة البداية؛ حيث يكون عليهم محاولة تفسير كيفية تحول الشيء إلى آخر. كانت فكرة أنصار النظرية الذرية تقضي بأن الذرات تأتي في أشكال وأحجام متنوعة، لكنها في حدود بعينها كانت متطابقة. وبهذا يمكن أن تكتمل النظرية فقط بجرد جميع أنواع الذرات المختلفة، وتحديد أشكالها وأحجامها، ثم تحديد كيفية التصاقها معًا. عندئذٍ، نظريًّا، يمكن تفسير كل شيء، وكل عملية فيزيائية في العالم، في ضوء مكوناتها الذرية.

(٢) الذرات اليوم

على مر القرون حظيت النظرية الذرية بقبول متفاوت، كانت ميزتها الأساسية هي بساطتها المتناهية وقوتها التفسيرية الكاسحة، لكن كانت نقطة ضعفها الرئيسية هي أن وجود الذرات يجب أن يُقبل استنادًا على الإيمان وحده؛ فنظرًا لافتراض أنها صغيرة للغاية لدرجة لا يمكن معها رؤيتها، لم تكن هناك إمكانية لملاحظتها بصورة مباشرة. واستمر الحال كذلك حتى العصر الحديث. في الحقيقة ظل أبرز العلماء والفلاسفة يتناقشون في صحة النظرية الذرية حتى العقود الأولى من القرن العشرين.

لكن اليوم لم يعد هناك شك في وجود الذرات. وبإمكانك حتى أن ترى صورًا لها في الكتب والمراجع. ومن جوانب عديدة تشبه الذرات التي نعرفها اليوم الجسيمات التي كان ليوسيبوس وديموقريطس يتحدثان عنها؛ إذ إنها تأتي في صور متنوعة (المائة أو نحو ذلك) بيد أنها متطابقة أيضًا (بشكل أو بآخر). إن لها أشكالًا وأحجامًا متباينة، لكنها جميعًا كروية الشكل إجمالًا. قد ترتبط الذرات بعضها ببعض لتكون جزيئات أو بلورات، ومن الممكن إرجاع التغيرات التي تحدث في التفاعلات الكيميائية مثلًا إلى التغير في كيفية ترتيب الذرات. إلا أن ذرات اليوم تختلف عما كان يظنه الإغريق من ناحية البنية الداخلية. افترض الفلاسفة أن الذرات غير قابلة للتقسيم، لكننا نعرف اليوم أنها بنى مركبة ذات أجزاء داخلية متحركة. وبعض العمليات الفيزيائية، مثل التحول البطيء لتركيبة الشمس من الهيدروجين إلى الهليوم، تقع نتيجة إعادة ترتيب الأجزاء الداخلية للذرات، وليس تغير الذرات نفسها بالكامل. تسبب هذا الإدراك في صرف النظر عن النظرية الذرية بوصفها النظرية الكاملة للطبيعة، رغم إثبات وجود الذرات بما لا يدع مجالًا للشك.

لوهلة، كان هناك بعض الأمل في إنقاذ فكرة ليوسيبوس وديموقريطس الخاصة بالوحدات البنائية الأساسية للمادة بالاعتماد على مكونات الذرة، لا على الذرة نفسها. في البداية لم يبد الأمر صعبًا؛ فالذرة تحتوي على نواة مدمجة، مكونة من مجموعة من البروتونات والنيوترونات، تمثل القدر الأعظم من كتلة الذرة. هذه النواة محاطة بمجموعة من الإلكترونات الأخف كتلة. تحتفظ الذرة ببنيتها عن طريق القوى الكهربية؛ إذ إن البروتونات ذات شحنة كهربية موجبة والإلكترونات ذات شحنة كهربية سالبة، وهو ما يخلق قوى تجاذب تربط الإلكترونات بالنواة. هل يمكن إذن اعتبار هذه الجسيمات دون الذرية — الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات — هي المكونات غير القابلة للتقسيم التي تتألف منها المادة على اختلافها؟

(٣) حشد من الجسيمات دون الذرية

لسوء الحظ، سرعان ما تبدد هذا الأمل؛ إذ إنه بحلول نهايات ثلاثينيات القرن العشرين اكتُشف العديد من الجسيمات الأخرى، التي لا يقتصر وجودها على الذرات. هناك جسيم مطابق في كل جوانبه للإلكترون، فيما عدا أنه يحمل شحنة موجبة مقابل الشحنة السالبة للإلكترون. أُطلق على هذا الجسيم البوزيترون.2 أيضًا يوجد جسيم آخر يشبه الإلكترون إلى حدٍّ بعيد، بيد أنه أثقل منه ٢٠٧ مرات، أطلق علماء الفيزياء عليه اسم الميوون. علاوة على ذلك، قد يكون الميوون ذا شحنة موجبة أو سالبة، بحيث يمثل انعكاسًا للإلكترون أو البوزيترون. هناك أيضًا جسيم شبحي يعرف باسم النيوترينو، وهو لا يحمل أي شحنة كهربية لكن له قدرة اختراق استثنائية، وهو يسافر بسرعة تقترب بشدة من سرعة الضوء. وهو يفصح عن وجوده بالأساس بفقد الطاقة الذي يحدث أثناء تحلل المواد المشعة. لم يتم التأكد من وجود النيوترينو إلا في أواخر الخمسينيات. وبحلول ذلك الوقت كان الموقف قد صار أكثر تعقيدًا بسبب جميع أنواع الجسيمات دون الذرية الأخرى التي اكتُشفت، والكثير منها يوجد في الأشعة الكونية (جسيمات سريعة تضرب الأرض من الفضاء، إن كلمة «أشعة» تستخدم هنا في غير محلها الصحيح، بيد أنها لا تزال مستخدمة). على سبيل المثال هناك البيون، الذي قد يحمل هو الآخر شحنة كهربية موجبة أو سالبة، وهو أثقل من الإلكترون ﺑ ٢٧٣ مرة، إلى جانب نوع آخر من البيونات، هذه المرة ذو شحنة كهربية محايدة، أخف بقليل. وهناك عائلة بأكملها من الجسيمات الأثقل من البروتونات والنيوترونات.
لم تتسم هذه الجسيمات بهذا القدر من المراوغة؟ يعد البوزيترون مثالًا جيدًا على هذا الأمر، فبوصفه صورة معكوسة من الإلكترون، من شأنه أن يختفي إذا قابل إلكترونًا؛ إذ يُفني الإلكترون والبوزيترون أحدهما الآخر ويتلاشيان، مطلقين كتلتهما/طاقتهما على صورة فوتونات لأشعة جاما. بشكل معزول يكون البوزيترون مستقرًّا بدرجة كبيرة، إلا أن الأرض مكونة من ذرات مليئة بالإلكترونات، ولهذا لا تبقى البوزيترونات الواردة من خارج الأرض لفترة طويلة. ظلت الميوونات غير مكتشفة لسبب آخر، وهو أن أغلبها يَفْنَى بعد أجزاء قليلة من الألف من الثانية، بحيث يتحول كل ميوون سالب الشحنة إلى إلكترون، فيما يتحول كل ميوون موجب الشحنة إلى بوزيترون،3 وبهذا لا تبقى لفترة تكفي لترك أثر ملحوظ في العالم العادي. لم يتم الكشف عن النيوترينو قبل ذلك لأنه لا يتفاعل مع المادة إلا تفاعلًا ضعيفًا للغاية، ونادرًا ما يترك أثرًا يدل على وجوده. على سبيل المثال، تعد الشمس مصدرًا غنيًّا بهذا النوع من الجسيمات، بيد أن أغلبها يمر مباشرة من المادة العادية. وكل ثانية يخترق جسدك مليارات من النيوترينوات دون أي أثر. وفي الواقع أغلب النيوترينوات الشمسية التي تصلنا تمر من كوكب الأرض بأكمله إلى الجانب الآخر من الفضاء دون أن تترك إلا أثرًا يسيرًا. هذه الجسيمات العجيبة المراوغة ليست نادرة الوجود بأي حال، بل هي في حقيقة الأمر أكثر الجسيمات عددًا في الكون بأسره؛ إذ تفوق الإلكترونات والبروتونات بنسبة المليار إلى واحد. لكنها غير ملحوظة حتى إنها لم تُكتشف دون معدات خاصة.
بنهاية الستينيات كان عدد الجسيمات دون الذرية المعروفة كبيرًا حتى إن علماء الفيزياء نفد مخزونهم من المسميات وبدءوا في تعريفها بالأحرف والأرقام. بدأ العالم دون الذري يشبه معرضًا للوحوش الغريبة البديعة التي لا يُعرف لوجودها سبب محدد. يتحلل أغلب هذه الجسيمات في جزء يسير من الثانية، لذا من المحال أن تكون هذه الجسيمات هي الوحدات البنائية للمادة بشكلها المعروف.4 ومع ذلك لا شك في أنها شكل من أشكال المادة، وقد صار علماء الفيزياء متلهفين لإضفاء نوع من النظام على هذه القائمة المتنامية من الكيانات.

(٤) ظهور بعض الأنماط

رغم العدد والتنوع المحير للجسيمات دون الذرية فقد بدأت بعض الأنماط في الظهور. على سبيل المثال، لجميع الجسيمات نفس الشحنة الكهربية (إما موجبة أو سالبة) أو تكون معدومة الشحنة؛ إذ إن النيوترون والنيوترينو ذوا شحنة متعادلة. كل فصيلة من الجسيمات لها جسيمات مضادة مرتبطة بها لها نفس الكتلة لكن جميع الخصائص الأخرى، كالشحنة الكهربية، تكون معكوسة. كان البوزيترون أول جسيم يُكتشف، ومع أنه مضاد للإلكترون فإنه لا يزال يحتفظ باسم البوزيترون لأسباب تاريخية. بعد ذلك ظهر مضاد النيوترينو ومضاد البروتون ومضاد النيوترون وهكذا دواليك. يوجد تناظر عميق هنا؛ تناظر بين المادة والمادة المضادة. من الخصائص التناظرية الأخرى للجسيمات دون الذرية خاصية اللف المغزلي، فالإلكترون، مثلًا، يدور حول محوره كالكوكب الصغير، لكن دومًا بنفس معدل الدوران. لأسباب تاريخية أعطي ذلك المعدل الوحدة ١ / ٢. للبروتونات والنيوترونات والميوونات والنيوترينوات لف مغزلي قدره ١ / ٢ هي الأخرى. الجسيمات الأخرى المعروفة لها لف مغزلي قدره ١ أو ٣ / ٢ أو ٢. عادة ما تكون قيمة اللف المغزلي من مضاعفات الرقم ١ / ٢، وهكذا تتجلى أمامنا قاعدة أخرى. هناك قاعدة أخرى مهمة تقضي بأن جميع جسيمات المادة تنتمي إلى فئة واحدة من فئتين لا أكثر: الجسيمات النووية ومنتجات تفاعلاتها (كالبروتونات والنيوترونات والبيونات)، التي تميل لأن تكون أكبر حجمًا وتُعرف إجمالًا باسم الهدرونات، وبقية الجسيمات (الإلكترونات والنيوترينوات والميوونات …)، والتي تكون أخف وزنًا ويطلق عليها اللبتونات. الكلمتان مشتقتان من الكلمتين اللاتينيتين لكل من «ثقيل» و«خفيف» على الترتيب.

مع أن بعض الجسيمات الجديدة عُثر عليها في الأشعة الكونية، فإنها سرعان ما باتت تُولَّد في المعامل، باستخدام المعجلات الجزيئية التي تضرب البروتونات أو الإلكترونات عالية الطاقة بأهداف ثابتة أو بمضاداتها الآتية من الجانب الآخر. عادة ما تكون المعجلات على شكل أنابيب مفرغة حلقية الشكل، مثل ذلك الموجود في بروكهافن الذي تحدثت عنه في الفصل السابق (رغم أن المعجل الشهير الموجود في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا مستقيم الشكل). أكبر معجل موجود اليوم يقع في معمل كيرن بالقرب من جنيف ويصل محيطه إلى ٢٧ كيلومترًا. كان مصممًا في الأصل لتعجيل دوران الإلكترونات والبوزيترونات في حزم متضادة الاتجاه بسرعة تصل إلى ٩٩٫٩٩٩ بالمائة من سرعة الضوء ثم توجيهها نحو الاصطدام المباشر. ويجري إعادة تصميمه الآن كي يُستخدم مع البروتونات ومضادات البروتونات ومُنح اسمًا جديدًا هو «مصادم الهدرونات الكبير» Large Hadron Collider (LHC). وحين يبدأ العمل في ٢٠٠٧، سيخلق تصادمات في طاقات تعادل حالة الكون بعد مرور واحد على مائة تريليون من الثانية بعد الانفجار العظيم، حين كانت درجة الحرارة تقارب مليار المليار درجة. ليس غرض التصادمات عالية الطاقة هذه دراسة علم الكونيات في الأساس، وإنما الكشف عن البنية الأعمق للمادة. هذا الأسلوب يعود إلى عام ١٩٣٢، حين استخدم جون كوكروفت وإرنست والتون لأول مرة جهازًا كهربيًّا عالي الجهد في جامعة كامبريدج لشطر نواة الذرة.

(٥) الكواركات هي وحدات المادة البنائية

تتكون القائمة متزايدة الطول من الجسيمات المكتشفة حديثًا في الأساس من الهدرونات (الجسيمات الثقيلة نووية النوع). بدأ علماء الفيزياء في التفكير بأنه من الممكن ألا تكون هذه الجسيمات هي الجسيمات الجوهرية، وأنها قد تتكون من جسيمات أصغر حجمًا. اقترح موراي جيلمان وجورج سويج أن البروتونات والنيوترونات يتكون الواحد منها من ثلاثة جسيمات أصغر حجمًا، أطلق عليها جيلمان اسم الكواركات Quarks، على اسم مصطلح ورد في رواية لجيمس جويس. كي تتفق الكواركات مع النظام القائم، لا بد أن تكون شحناتها الكهربية بمقدار ١ / ٣ و٢ / ٣ من الوحدة الأساسية. مُنح هذان النوعان من الكواركات، أو «النكهات» كما يشير إليها الفيزيائيون، أسماء اعتباطية هي الكوارك العلوي (ذو الشحنة البالغة ٢ / ٣) والسفلي (ذو الشحنة البالغة ١ / ٣). يجتمع اثنان من الكواركات العليا مع واحد من الكواركات السفلى كي يُكَوِّنوا بروتونًا، وحين يجتمع اثنان من الكواركات السفلى مع واحد من الكواركات العليا يتكون النيوترون. بالطبع توجد مضادات لكل نكهة من نكهات الكواركات، وهذه يمكن أن تتحد بالكواركات في أزواج غير مستقرة: فالبيون، على سبيل المثال، هو كوارك علوي ملتصق بمضاد كوارك سفلي (أو العكس بالعكس، اعتمادًا على ما إذا كان البيون موجبًا أم سالب الشحنة). باختصار، هناك حاليًّا ثلاثة مستويات من التركيب الذري: فالذرات مؤلفة من أنوية وإلكترونات، والأنوية مكونة من بروتونات ونيوترونات، والبروتونات والنيوترونات مكونة من كواركات. أما اللبتونات (الإلكترونات والنيوترينوات، …) فهي خارج هذا التقسيم؛ إذ إنها تعامل معاملة البنى الأساسية شأن الكواركات.5

نظمت فكرة الكواركات الأمور تنظيمًا كبيرًا، فهذا النظام يعني ضمنًا أن المادة عمومًا مكونة من أربعة كيانات أساسية: الكواركات العليا والسفلى، والإلكترونات، والنيوترينوات. (قد يعتقد القارئ أنه من الغريب إدراج النيوترينوات كمكون طبيعي مع أنه من غير المألوف رؤيتها في الحياة العادية، لكن هذا يرجع فقط إلى أننا لا نستشعرها بشكل مباشر، لكن كما أوضحت فهي أكثر وجودًا من جميع الجسيمات الأخرى مجتمعة، وأعتقد أن هذا يكفيها كي تكون من المكونات الأساسية للمادة.) تلك المكونات الأربعة تنقسم في حقيقتها إلى زوجين؛ لأن خصائص الكوارك تختلف اختلافًا كليًّا عن خصائص الإلكترون والنيوترينو.

من الظاهر كان الكون سيسير كما يسير الآن لو تألف فقط من هذه المكونات الأربعة. لكن لسببٍ ما لم تعمد الطبيعة لمضاعفة العدد السابق مرتين، بل ثلاث مرات. الأمر يبدو كما لو أنه في لحظات نشأة الكون الأولى قسمت الجسيمات المكونة للمادة إلى ثلاث عائلات بدلًا من عائلة واحدة. وعلى هذا تكونت العائلة الثانية من نكهتين من الكواركات — يطلق عليهما الكواركات «الغريبة» و«الساحرة» — واثنان إضافيان من اللبتونات، الميوون ونوع آخر من النيوترينو. هذه الجسيمات أثقل من تلك الموجودة في العائلة الأولى،6 وهي غير مستقرة وتتحلل إلى جسيمات تنتمي إلى العائلة الأولى.7 وفي النهاية، هناك العائلة الثالثة؛ الكواركات «القميّة» و«القاعية»، وهي جسيمات ثقيلة جدًّا أشبه بالإلكترونات تعرف باسم «تاو»، إضافة إلى نكهة أخرى للنيوترينو. وهذه الجسيمات غير مستقرة هي الأخرى. للتفريق بين النكهات الثلاث للنيوترينو، تسمى وفق اللبتونات التي تتزاوج معها: نيوترينو إلكتروني، ونيوترينو ميووني، ونيوترينو تاووني. يلخص الجدول رقم ٤-١ هذا النظام، وهذا على حد علمنا إلى الآن. هذه العائلات الثلاث رباعية الأفراد تؤدي المطلوب. يمكن مزاوجة الكواركات بين العائلات الثلاث، وهو ما يعطينا إمكانية عدد وافر من التجميعات المحتملة ويفسر كل واحد من الهدرونات قصيرة العمر. ومع أن هذه القائمة من الجسيمات قد تبدو مملة وعسيرة على التذكر، فإنها تحوي تجانسًا ونظامًا داخليًّا مرضيًا. وعلى أي حال، هذه هي الصورة التي تعمل بها الطبيعة، لذا علينا القَبول بها. لا شك كان هذا سيرضي ليوسيبوس وديموقريطس.
جدول ٤-١: الجسيمات: الجسيمات الاثنا عشر التي تتألف منها كل أنواع المادة المعروفة. جميعها لها لف مغزلي قدره ١ / ٢. وكل منها له جسيم مضاد مقابل. لا توجد الكواركات بصورة منعزلة بل إما في تجميعات من ثلاثة كواركات أو في أزواج غير مستقرة من الكوارك والكوارك المضاد. الشحنة الكهربية مذكورة في وحدات شحنة البروتون. جسيمات العائلة الثانية والثالثة تتحلل إلى جسيمات العائلة الأولى.
اللبتونات
الشحنة الكهربية الشحنة الكهربية
تاو −١ نيوترينو تاووني صفر
ميون −١ نيوترينو مييوني صفر
إلكترون −١ نيوترينو إلكتروني صفر
الكواركات
قاعية −١ / ٣ قمّية +٢ / ٣
غريبة −١ / ٣ ساحرة +٢ / ٣
سفلى −١ / ٣ عليا +٢ / ٣

سيكون من الخطأ أن أعطيك الانطباع بأن فيزياء الجسيمات ليست إلا تدريبًا على إعطاء المسميات، بحيث تقتصر وحسب على تصنيف الجسيمات دون الذرية إلى فصائل مختلفة. إن العلاقات العائلية التي تربط هذه الجسيمات عن طريق التجميعات المتباينة للكواركات ومضادات الكواركات يمكن التعبير عنها جميعًا بلغة الرياضيات (باستخدام ما يُعرف بنظرية المجموعات). تمكن التناظرات الخفية الإضافية الكامنة خلف هذه التجميعات من كتابة معادلات تربط بين خصائص الجسيمات المتباينة، على نحو يشبه الكيفية التي تربط بها التناظرات في الهندسة العادية بين أضلاع المربع أو رءوس المثلث متساوي الأضلاع. لكن في الفيزياء العملية لا تكون هذه التناظرت هندسية، بل ذات طبيعة مجردة أكثر. ومع هذا فإن وجودها يثبت لنا أن عالم الذرة المصغر ليس كومة من الأشياء العشوائية فقط، بل هو عالم متناغم تجمع بين مكوناته علاقات عميقة متبادلة، وإن كانت مجردة. يقدم هذا إجابة عن التساؤل المحتمل عن «السبب وراء» وجود العائلتين الإضافيتين من الكواركات واللبتونات. قد يبدو من الممكن الخلاص منهما دون أن يؤثر ذلك على الكون بقدر ملموس، لكن لأن هذه الجسيمات يمكن الربط بينها بتناظرات مجردة عديدة، فيمكنها أن تشكل جزءًا من تجميعة فئوية أكبر، لا يمكن تفتيتها إلى أجزاء متفرقة. إننا نأمل أن تجد جميع الجسيمات، بما فيها الكواركات واللبتونات الأثقل غير المستقرة، في النهاية مكانًا طبيعيًّا لها في نموذج أعمق (على سبيل المثال، نظرية الأوتار التي سأتحدث عنها بعد قليل).

حين اقترح جيلمان وسويج نظرية الكوارك لأول مرة بدت كأنها تخمين بعيد النجاح، إلا أن الأدلة التجريبية المؤكدة على صحة وجود الكواركات تراكمت عبر السبعينيات والثمانينيات، ولم يعد هناك شك في وجودها. العجيب في الأمر هو أنه لم يستطع أحد أن يكتشف كواركًا معزولًا، فمن الخصائص العجيبة للقوة التي تربط الكواركات بعضها ببعض هو أنها تزداد مع زيادة المسافة. لذا من المحال، مثلًا، نزع أحد الكواركات من أحد البروتونات. إن الكواركات موجودة، لكن يبدو أنها ستظل دومًا حبيسة جسيمات أخرى أكبر.

رغم نجاح نموذج الكواركات واللبتونات هذا، فإنه لا يعطينا سوى نصف القصة، فحين جاء المؤمنون بالذرة من الإغريق بفكرة الجسيمات الأساسية، تمثل جزء أساسي من نظريتهم في قدرة هذه الجسيمات على الترابط بطرق متعددة. لذا لا بد من وجود نوع ما من القوى بينها. ومن دون شيء يربط الجسيمات بعضها ببعض، سيذهب كل منها في طريقه، ولن توجد المادة على الصورة التي نعرفها. تمثل دراسة القوى التي تربط بين جسيمات المادة النصف الآخر من القصة.

(٦) أربع قوى أساسية تفسر كل شيء

رغم التنوع الغني للأنظمة الفيزيائية التي يذخر بها الكون، من الذرات إلى المجرات، فإننا لا نحتاج سوى أربع قوى أساسية وحسب لتفسير خصائصه. لكن من الظاهر قد يبدو أن هناك العديد من القوى في الطبيعة، تغير شكل المادة وتحولها على جميع المستويات. أوضح هذه القوى هي قوة الجاذبية؛ قوة الجذب التي تبقي قدميك مثبتتين إلى الأرض. من القوى الملحوظة الأخرى قوة الجذب الكهروستاتيكية؛ تلك القوة التي تجعل البالون بعد حكه بقطعة من الصوف يلتصق بالسقف أو تجعل الشعر ينتصب بعد تصفيفه. للمغناطيس أيضًا قوة جذب، أو طرد إذا أدرناه للناحية الأخرى. من الأمثلة الأخرى المألوفة ضغط الغاز الحبيس داخل بالون أو البخار المندفع من غلاية الماء. إلا أن التقصي الحريص يوضح أنه يمكن جمع كل تلك القوى في أربع قوى أساسية. إن الذرات، على سبيل المثال، تلتصق معًا لتكون جزيئات أو يبتعد بعضها عن بعض في تنافر استنادًا إلى الشحنة الكهربية التي تحتوي عليها (ونفس هذه الشحنات الكهربية هي المسئولة عن قوى الجذب الكهربية في مثال البالون السابق)، وكل قوة أخرى نقابلها في حياتنا اليومية، مثل الرياح التي تدفع أشرعة المراكب أو قوة الدفع التي تحرك عجلة التجديف، تأتي في النهاية من تلك الكهرباء الذرية، الموزعة على عدد كبير للغاية من الذرات. وفي الحقيقة تعد قوى الجاذبية والمغناطيسية والكهرباء مسئولة عن جميع ظواهر الحياة اليومية تقريبًا.

في أوائل القرن العشرين اكتُشفت قوتان جديدتان. نحن لا نلحظ هاتين القوتين في الحياة اليومية لأنهما تقتصران في عملهما على أنوية الذرات والتفاعلات القريبة بين الجسيمات دون الذرية. إحدى هاتين القوتين، والمسماة بالقوة النووية الشديدة، أو القوة الشديدة وحسب، هي المسئولة عن ربط الكواركات بعضها ببعض لتكوين الهدرونات. تعمل محصلة هذه القوة الشديدة العاملة بين الكواركات على الربط بين النيوترونات والبروتونات وتفسر تماسك نواة الذرة وقدرتها على التغلب على قوى التنافر الكهربي للبروتونات. قد تكون هذه القوة قوية للغاية، إلا أن مداها قصير جدًّا؛ إذ تهبط إلى الصفر بعد مسافة تبلغ حوالي واحد على التريليون من السنتيمتر. القوة النووية الأخرى تُعرف باسم القوة النووية الضعيفة، وهي المسئولة عن نوع من النشاط الإشعاعي، تلك الظاهرة التي تحدث حين تتحلل بعض الجسيمات النووية إلى جسيمات أخرى. على سبيل المثال، النيوترون المعزول يكون غير مستقر وسيتحلل في غضون دقيقة أو نحو ذلك إلى بروتون وإلكترون ومضاد نيوترينو. إن القوة النووية الضعيفة هي التي تسبب تحول العناصر. ونفس القوة تفسر أيضًا سبب تحلل الميوونات (وغيرها الكثير من الجسيمات الأخرى). وفيما يخص القوتين النوويتين نجد أن الهدرونات (أي الكواركات) تستجيب للقوتين الشديدة والضعيفة، في حين تشعر اللبتونات بالقوة الضعيفة وحسب.

القائمة السابقة يبدو أنها تحتوي على خمس قوى؛ الجاذبية والكهربية والمغناطيسية والقوتين النوويتين الشديدة والضعيفة، إلا أن اثنتين من هذه القوى؛ الكهربية والمغناطيسية، هما جانبان لقوة واحدة أشمل هي القوة الكهرومغناطيسية. اكتُشف الرابط بين الكهرباء والمغناطيسية في القرن التاسع عشر من خلال أعمال كل من مايكل فاراداي وهانز كريستيان أويرستيد وجيمس كلارك ماكسويل وغيرهم. من اليسير للغاية توضيح هذا الأمر؛ فالتيار الكهربي يولد مجالًا مغناطيسيًّا، وهي الظاهرة المستغلة في أجراس الأبواب وأجهزة التلفاز ومجففات الشعر وغيرها الكثير من الأجهزة المنزلية. وعلى العكس يولد المجال المغناطيسي المتغير قوى كهربية، ويمكنه جعل التيار الكهربي يتدفق لو كانت هناك دائرة كهربية. ومجددًا، هناك أمثلة شائعة على هذا الأمر مثلما نرى في المولدات الكهربية.

في خمسينيات القرن التاسع عشر تمكن ماكسويل من دمج المعادلات التي تصف الكهرباء بتلك التي تصف المغناطيسية، مع الوضع في الاعتبار التداخل بين القوتين. ربما كانت أهم نتيجة لهذا التوحيد هي اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية. فلأن المجالات المغناطيسية المتغيرة تخلق مجالات كهربية، ولأن المجالات الكهربية المتغيرة تخلق مجالات مغناطيسية، توجد إمكانية لوجود ذبذبات داعمة لذاتها من المجالات الكهربية والمغناطيسية، بحيث يغذي كل منها الآخر. استخدم ماكسويل معادلات المجال المغناطيسي للتنبؤ بأن مثل هذه المجالات المتذبذبة يمكنها الانتقال عبر فراغ الفضاء الخاوي على صورة موجات. إضافة إلى ذلك أوضحت هذه المعادلات سرعة تلك الموجات. المهم في الأمر هو أنه حين حدد ماكسويل سرعة الموجات وجد أنها تساوي سرعة الضوء. كانت النتيجة واضحة: الضوء نفسه مكون من نوع من الموجات الكهرومغناطيسية. عمل الفيزيائيون على سبر أغوار الموجات الكهرومغناطيسية الأخرى، التي تنتمي في الأساس لنفس ظاهرة الضوء، لكن بأطوال موجية وترددات مختلفة. تتراوح هذه الموجات من موجات الراديو والموجات الميكرونية، مرورًا بدرجات الأشعة تحت الحمراء، والضوء المرئي، ثم الأشعة فوق البنفسجية، وصولًا إلى الأشعة السينية وأشعة جاما (انظر شكل ٢-٥).

من الممكن وصف الجاذبية والكهرومغناطيسية على شكل مجالات. على سبيل المثال، يدور القمر حول الأرض لأن مجال الجاذبية للأرض يتفاعل مع القمر وينتج قوة جاذبة. وبالمثل، يمكن القول إن المغناطيس ينتج مجالًا مغناطيسيًّا يمتد ويتفاعل مع مغناطيس آخر. هذا النوع من الوصف مناسب على النطاقات الكبيرة، لكن في نطاق الذرات لن يفيدنا؛ لأن علينا أن نضع التأثيرات الكمية في الاعتبار.

(٧) كيفية عمل القوى على المستوى الكمي

تتطلب ميكانيكا الكم طريقة مغايرة تمامًا في التفكير بشأن كيفية عمل القوى، إليك بهذا الوصف المختصر: افترض أن إلكترونين يقتربان أحدهما من الآخر على نفس المسار. نظرًا لأن الشحنات الكهربية المتشابهة تتنافر، من المفترض أن يبتعد الإلكترونان أحدهما عن الآخر، ويطلق الفيزيائيون على هذه العملية اسم «التشتت». إلا أن ميكانيكا الكم تقدم وصفًا خاصًّا لكيفية تشتت الإلكترونين، وذلك باستخدام لغة الفوتونات. الفوتون هو أحد كموم المجال الكهرومغناطيسي، وهو الوجه الشبيه بالجسيم للموجات الكهرومغناطيسية (انظر الإطار [أكبر أخطاء أينشتاين]). وما يحدث حين يتشتت إلكترونان هو أن أحدهما يطلق فوتونًا والآخر يمتصه. نتيجة لذلك يرتد8 كل إلكترون منهما قليلًا، وهذا الارتداد هو ما يرسلهما إلى مسارين مختلفين. هذه العملية موضحة في الشكل ٤-١. يطلق على الفوتونات التي يقتصر عملها على التبادلات الخاصة بين الإلكترونات (أو غيرها من الجسيمات) اسم «الفوتونات الافتراضية»، وذلك لتمييزها عن الفوتونات الأخرى «الحقيقية» التي تخرج من المصابيح الكهربية وتخلق في أمخاخنا الإحساس بالضوء.
fig17
شكل ٤-١: كيفية تفاعل الجسيمات الكمية. يوضح هذا المخطط، المسمى بمخطط فاينمان، الكيفية التي يقترب بها إلكترونان أحدهما من الآخر ثم يتشتتان نتيجة القوى الكهرومغناطيسية العاملة بينهما. لوصف هذه العملية باستخدام ميكانيكا الكم من الضروري التفكير في الإلكترونات بوصفها تتبادل فوتونًا «افتراضيًّا». حين تؤخذ جميع عمليات التبادل (أي جميع الفوتونات الممكنة) في الاعتبار وتُدمج في الحساب النهائي للتأثير الصافي، يتم الحصول على اتفاق مدهش مع التجربة.
تسمى الأشكال على غرار الشكل رقم ٤-١ باسم مخططات فاينمان، على اسم مبتكرها ريتشارد فاينمان. وهي مفيدة من أجل توصيل الفكرة العامة، إلا أنه لا ينبغي الاعتماد عليها اعتمادًا حرفيًّا. على سبيل المثال، يجعل المخطط عملية التشتت تبدو كأنها تغير مفاجئ في حركة كل إلكترون، إلا أن هذا أمر مضلل. في المعتاد ليس من الممكن تحديد أي الإلكترونين سيطلق الفوتون الافتراضي وأيهما سيستقبله، أو متى يحدث هذا. وفق قواعد ميكانيكا الكم ينبغي أن يضع المرء في حسبانه كل الاحتمالات عند حساب التأثير الصافي لعملية تشتيت إلكترون لآخر. إن كل عملية إطلاق للفوتونات وامتصاص لها تسهم في النتيجة، ولا يمكن لأي مخطط أن يجسد ما يحدث «في الحقيقة». إن محاولات تحديد أين ومتى يمكن للفوتون أن ينطلق تُحبَط بسبب قيود مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج، لكن حين تُضمَّن جميع العمليات في الحساب يمكن استخلاص الحساب الدقيق منها جميعًا.9 لكن حتى هذا ليس إلا جزءًا من القصة؛ فالمعادلات التي تصف عملية تشتت الإلكترونات (والمأخوذة من فرع الفيزياء المعروف باسم «الديناميكا الكهربية الكمية» Quantum Electrodynamics) لا يمكن أن تُحل بدقة تامة، لذا يُستخدم نظام تقريبي، يتكون من تتابعات لا نهاية لها من معادلات أكثر تعقيدًا، كل واحدة منها تقربنا أكثر وأكثر من الإجابة.10 إن مخطط فاينمان الموجود في الشكل ٤-١ هو أول حلقة في هذه السلسلة، وأبسط صور التقريب. للحصول على تقريب أكثر دقة سيكون عليك تدبر مخطط فاينمان يتم فيه تبادل اثنين من الفوتونات الافتراضية. وإذا أردنا دقة أعلى للحسابات فسيكون علينا أن نضمن عددًا من عمليات تبادل الفوتونات يصل إلى ثلاث أو أربع أو خمس، وهذا يتطلب منا المزيد والمزيد من الحسابات الأصعب. ومجددًا، تقضي قواعد ميكانيكا الكم بأن جميع الإمكانيات — كل أعداد الفوتونات المحتملة — تسهم في تأثير التشتت الصافي، رغم أن هذه الإسهامات تقل بشكل حاد (حمدًا لله!) مع إضافة كل فوتون جديد، ولهذا نادرًا ما يتواصل العمل في الفيزياء العملية لما بعد المستوى الثاني من التقريبات للحصول على تفسيرات أو تنبؤات دقيقة بشأن أغلب المشكلات موضع الدراسة.

إلى الآن كنت أصف عملية تنافر الإلكترونات، إلا أن نفس النظرية (باستخدام مفهوم تبادل الفوتونات الافتراضية) يمكن أن تُستخدم لوصف مجموعة من الظواهر الأخرى، على غرار انبعاث الضوء وامتصاصه وتشتته بسبب الجسيمات أو الذرات المشحونة، والتفاصيل الدقيقة للطاقة الذرية، وفناء الإلكترونات والبوزيترونات، والخصائص المغناطيسية للبتونات. على أي حال، حين تُجرى هذه الحسابات بالشكل السليم يكون الاتفاق بين النظرية والتجربة مذهلًا. اختُبرت بعض التنبؤات في تجارب وحققت نسب دقة استثنائية وصلت في بعض الأحوال إلى أفضل من واحد في التريليون. يمد هذا الاتفاق القوي الفيزيائيين بالثقة في أن تفسير «تبادل الفوتونات» للديناميكا الكهربية الكمية صحيح.

في هذا الوصف الكمي يُعزى وجود التفاعل الكهرومغناطيسي بين اثنين من الجسيمات المشحونة إلى تبادل جسيم ثالث وهو الفوتون. يمكن تصور المجال الكهرومغناطيسي للجسيم المشحون على صورة سحابة من الفوتونات الافتراضية المحيطة بالجسيم. نفس المنطق ينطبق على القوى الأخرى؛ فقوة الجاذبية مثلًا تعمل عن طريق تبادل الجرافيتونات. لم يتمكن أحد من تبين وجود الجرافيتونات بطريقة مباشرة لأن قوة الجاذبية ضعيفة للغاية، لكن خصائصها يمكن استنتاجها مما نعرفه عن مجالات الجاذبية. تحتاج القوة النووية الضعيفة إلى جسيمي تبادل، يُطلق عليهما البوزون W والبوزون Z (في الواقع البوزون W له شحنة كهربية قد تكون موجبة أو سالبة، ويشار إليهما بالرمزين W+ وW-). القوة النووية الشديدة أكثر تعقيدًا وتتطلب ثمانية جسيمات تبادل — أو أكثر — لربط النيوترونات والبروتونات معًا، هذه الكموم تُعرف إجمالًا باسم الجلوونات. لذا لإكمال قائمة الكيفية التي يرتبط بها الكون بعضه ببعض قد يكون علينا أن نضيف إلى قائمة الستة كواركات والستة لبتونات (إلى جانب جسيماتهم المضادة) ما مجموعه اثنا عشر جسيم تبادل مسئولة عن القوى التي تعمل عليها. يلخص الجدول رقم ٤-٢ هذا.
جدول ٤-٢: تعمل قوى الطبيعة الأربع عن طريق تبادل الجسيمات ذات اللف المغزلي ١ و٢. الجلوونات الثمانية المختلفة مبينة هنا في بند واحد فقط لأنها تؤدي وظيفة متشابهة. لم يُكتشف الجرافيتون في التجارب المعملية، لكن يُستدل على وجوده وخصائصه من النظريات الرياضية. الوحدات المستخدمة لكتلة البوزونات W وZ هي الوحدات الفنية التقليدية (المعروفة باسم GeV/c2)، وللمقارنة، فإن كتلة البروتون في نفس الوحدات تبلغ ٠٫٩٣٨٣. الشحنة الكهربية مذكورة في وحدات شحنة البروتون.
البوزونات
القوى الكهروضعيفة الموحدة (لف مغزلي = ١)
الاسم الكتلة GeV/c2 الشحنة الكهربية
γ فوتون صفر صفر
W- ٨٠٫٤ −١
W+ ٨٠٫٤
Z0 ٩١٫١٨٧ صفر
القوى النووية الشديدة (اللون) (لف مغزلي = ١)
الاسم الكتلة GeV/c2 الشحنة الكهربية
g جلوون صفر صفر
الجاذبية (لف مغزلي = ٢)
الاسم الكتلة GeV/c2 الشحنة الكهربية
جرافيتون صفر صفر

(٨) القوة الضعيفة والقوة الكهرومغناطيسية متحدتان

إذا استخدمت الطبيعة عددًا كبيرًا من القوى لاكتفى الفيزيائيون بسردها في قائمة وحسب، لكن العدد أربعة عدد مثير للاهتمام؛ إذ إن المرء كان سيتوقع إما قوة واحدة أو عددًا كبيرًا جدًّا من القوى. يدفعنا هذا إلى التساؤل هل القوى الأربع، رغم تباينها في خصائصها، هي في الحقيقة قوة واحدة مجسدة في أربع صور مختلفة؟ كما أوضحت من قبل فإن القوتين الكهربية والمغناطيسية مرتبطان إحداهما بالأخرى منذ وقت طويل. هل يمكن أن تكون القوى الأخرى مرتبطة أيضًا في أعماقها؟ هذه فكرة مثيرة للاهتمام ولها تاريخ طويل. وفي خمسينيات القرن التاسع عشر حاول مايكل فاراداي دون نجاح أن يجد الرابط بين القوى الكهربية والجاذبية بإلقاء الأثقال وحساب تأثيراتها الكهربية.

مع الوقت جاء المزيد من توحيد القوى من مصدر غير متوقع، ففي ستينيات القرن العشرين تنبه الفيزيائيون إلى أوجه الشبه التي تجمع بين القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة. من الظاهر لم يبد أن هاتين القوتين يمكن الجمع بينهما؛ فالقوة النووية الضعيفة قصيرة المدى للغاية، ومقتصرة في عملها على الأبعاد دون النووية، في حين يمكن للمجالات الكهرومغناطيسية أن تمتد عبر المجرة بأكملها. أيضًا القوة الكهرومغناطيسية أقوى بكثير من القوة النووية الضعيفة، لكن النظر إلى عمل القوتين من منظور ميكانيكا الكم، والمتمثل في مبادلة الجسيمات الافتراضية، يقرب القوتين إحداهما من الأخرى. منذ وقت بعيد والفيزيائيون يعرفون أن مدى القوة مرتبط ارتباطًا مباشرًا بكتلة الجسيم الافتراضي الذي تتبادله؛ فكلما عظمت الكتلة قصر مداها. ليس للفوتون كتلة،11 لهذا تتمتع القوة الكهرومغناطيسية بمدى غير محدود. إن امتلاك القوة النووية الضعيفة لمثل هذا المدى القصير يعني أنها تتبادل جسيمات افتراضية ذات كتل مرتفعة. وإذا أمكن، بصورة ما، التخلص من كتلة جسيم التبادل للقوة النووية الضعيفة، تصير القوتان في واقع الأمر متشابهتين للغاية في الخصائص؛ متشابهتين بما يكفي على الأقل لوضع نظام رياضي مشترك لهما.
تم التوصل لهذا النظام على يد كل من شيلدون جلاشو وستيفن واينبرج والعالم الباكستاني محمد عبد السلام. وقد اقترحوا أن القوة النووية الضعيفة تنتقل من خلال الثلاثة جسيمات المشحونة W+ وW- وZ التي ناقشناها للتو. الفكرة الأساسية هي أن القوتين الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة «في أعماقهما» مزيج من القوى المتساوية، لكن هذا المصدر المشترك تخفيه الكتل المرتفعة للبوزونات W+ وW- وZ. لكن المهم في الأمر أن هذا النظام يعمل فقط إذا افترضنا أن البوزونات W+ وW- وZ هي فعلًا «عديمة الكتلة» — أي إنها لا تحوي كتلة جوهرية خاصة بها — بل هي تكتسب كتلها «الفعالة» (المرتفعة) بواسطة نوع جديد من التفاعل الفيزيائي يطلق عليه «آلية هيجز»، وسوف أتحدث عن هذه الآلية لتوليد الكتلة بشكل أكبر في الفصل الثامن. لكن الآن سأطلب منك أن تقبل بأن آلية هيجز تزيل العوائق أمام الوصول لوصف موحد للقوتين، وهذا يمكّن من وصفهما معًا وصفًا مرضيًا في مجموعة واحدة من المعادلات.
لكن ليست تلك نهاية المطاف؛ إذ تفسر النظرية التفاوت الهائل بين مستويات شدة القوتين. بشكل أساسي تتمتع القوتان بنفس مقدار الشدة «في أعماقهما»، لكن للحصول على القوة الفعالة المنخفضة للقوة الضعيفة، تطلب النظرية تقسيم طاقة الجسيمات المشاركة على كتل البوزونات W وZ. وبما أن تلك الكتل ضخمة للغاية تكون القوة الفعالة للقوة النووية الضعيفة في طاقات منخفضة ضئيلة للغاية. ومع ذلك، وهنا تقدم النظرية تنبؤًا قابلًا للاختبار بشكل قاطع، فإنه مع ارتفاع الطاقة ينبغي على القوة النووية الضعيفة أن تزداد قوة. وإذا رُفعت الطاقة بما يكفي سنكتشف أن القوتين، الضعيفة والكهرومغناطيسية، هما وجهان ﻟ «قوة كهروضعيفة» Electroweak Force موحدة. من سبل رفع الطاقة مصادمة الجسيمات معًا بسرعات عالية. في عام ١٩٨٣ اختبر معمل كيرن نظرية القوة الكهروضعيفة عن طريق مصادمة بروتونات ومضادات البروتونات في طاقات تساوي عشرات أضعاف كتلة البروتونات، وبالفعل اكتُشف كل من جسيمي W وجسيم Z التي تنبأت نظرية جلاشو-عبد السلام-واينبرج بها.

(٩) النموذج المعياري

في الوقت ذاته لم يغفل المنظرون القوة النووية الشديدة، التي تربط الكواركات بعضها ببعض. تم التوصل إلى سيناريو يشبه ذلك الخاص بالديناميكا الكهربية الكمية، نظرية تفاعل الجسيمات المشحونة من خلال الفوتونات. تسير الفكرة على النحو الآتي: تحمل الكواركات نوعًا من «شحنة» القوى الشديدة التي تسمح لها بالتفاعل مع المجالات «القوية». يُطلق على الشحنة القوية اسم «اللون» (ولا علاقة لهذا المسمى بالمعنى الطبيعي للكلمة). كي تعمل النظرية بشكل صحيح ستحتاج ثلاثة ألوان (في مقابل نوع واحد من الشحنات الكهربية). وبدلًا من الفوتون ستحتاج ثمانية جسيمات تبادل، تعرف باسم الجلوونات، كي تبقي الكواركات ملتصقة معًا. اقترح ديفيد جروس وديفيد بوليتزر وفرانك ويلتشيك نظرية بهذا المعنى، تعرف بنظرية الديناميكا اللونية الكمية Quantum Chromodynamics (QCD)، عام ١٩٧٣، وهي تفسر بصورة أنيقة البيانات التجريبية المأخوذة عن الهدرونات.
من وجهة النظر التجريبية هذا أقصى ما استطعنا الوصول إليه. وقد أدمجت الاكتشافات العلمية التي وصفتها للتو — نظرية الكواركات، واللبتونات، وتوحيد القوى الكهروضعيفة — فيما يطلق عليه الآن «النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات». وهو يصف اثني عشر كواركًا واثني عشر لبتونًا (المبينين في جدول ٤-١) ويضم أيضًا نظرية جلاشو-عبد السلام-واينبرج للقوة الكهروضعيفة إضافة إلى نظرية الديناميكا اللونية الكمومية للقوة النووية الشديدة.

اختُبر النموذج المعياري بطرق عديدة على مدار الثلاثين عامًا الماضية ودائمًا ما أثبت صحته بشكل دامغ. ومع ذلك فالفيزيائيون يصرون على أنه ليس القول الفصل في هذا الموضوع. فبداية، تشير بعض التجارب الآن بالفعل إلى فيزياء جديدة تتجاوز نطاق النموذج المعياري، فيزياء من المفترض استيضاحها حين يبدأ مصادم الهدرونات الكبير في العمل. أيضًا هناك بعض الحقائق التي لا يقول النموذج المعياري عنها شيئًا؛ على غرار الحاجة لثلاث عائلات من الكواركات واللبتونات، ووجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة (وهو الموضوع الذي سأعود إليه في الفصل السادس). علاوة على ذلك، يحمل النموذج المعياري صبغة العمل غير المكتمل؛ إذ إن من ملامحه البغيضة تلك الصورة المترددة التي يجمع بها بين القوة الكهروضعيفة والقوة النووية الشديدة، التي تشبه وضع التفاح والكمثرى في نفس السلة، دون محاولة لربطهما معًا. يبدو النموذج المعياري كاستراحة تقع على نصف الطريق إلى النظرية التامة الموحدة التي فيها ستندمج القوتان الشديدة والكهروضعيفة في قوة واحدة فائقة.

من أوجه القصور الأخرى للنموذج المعياري تجاهله التام للقوة الأساسية الرابعة؛ الجاذبية. فرغم أن جميع الجسيمات تستشعر قوة الجاذبية، فإنها طفيفة بشكل لا يصدق حتى إن العمليات المتعلقة بالجاذبية على المستوى دون الذري تنزوي تمامًا تحت تأثير القوى الأخرى. أيضًا، يمكن اعتبار الجاذبية خارجة عن المجموعة لأنها يمكن أن توصف لا بكونها قوة، بل انحناء لهندسة الزمكان. هذه الخاصية الهندسية تجعل من العسير للغاية تقييد الجاذبية في حدود نوع التوصيفات الكمية الملائم ملاءمة جيدة لكل من القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة والضعيفة. ومع ذلك فسيكون من المستغرب وجود قوتين في الطبيعة، القوة النووية الشديدة/الكهروضعيفة وقوة الجاذبية. إن التوحيد المتتالي للجسيمات والقوى يوحي بوجود نظام واحد أكثر شمولًا؛ نظام رياضي واحد يضم «كل شيء». إن إغراء الوصول لنظرية نهائية — نظرية لكل شيء — ثبت أنه أمر لا يقاوم على امتداد أجيال من الفيزيائيين النظريين. والآن، كما يزعم بعض المتحمسين، قد نكون على شفا تحقيق هذا الهدف.

النقاط الأساسية

  • المادة مكونة من ذرات، والذرات مكونة من إلكترونات وأنوية، والأنوية مكونة من بروتونات ونيوترونات، والبروتونات والنيوترونات مكونة من كواركات. هناك جسيمات أخرى إضافية، لكن أغلبها يتحلل بسرعة، ومعظمها مزيج من الكواركات والكواركات المضادة.

  • أربع قوى أساسية — الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوتان النوويتان الشديدة والضعيفة — تكفي لتفسير كيفية سلوك المادة بكل أشكالها. على المستوى الكمي توصف القوى على أنها عملية تبادل للجسيمات الافتراضية.

  • تنقسم جسيمات المادة إلى كواركات ولبتونات. تستشعر الكواركات القوة النووية الشديدة، لكن اللبتونات لا تستشعرها.

  • القوى الأربع مترابطة على الأرجح. اثنتان منها، القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة، جُمِعَ بينهما بنجاح على صورة قوة «كهروضعيفة».

  • يضع النموذج المعياري للجسيمات النظرية الكهروضعيفة الموحدة إلى جانب نظرية القوة الشديدة المسماة بنظرية الديناميكا اللونية الكمية. النموذج ناجح لدرجة كبيرة في تفسير ما نعرفه عن فيزياء الجسيمات. إلا أن هناك بعض الحقائق المهمة التي لا يقدم لها النموذج المعياري تفسيرًا، لذا يعتبره الفيزيائيون الخطوة الأولى على طريق الوصول لنظرية أكثر شمولًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤