الفصل السابع

كون ملائم للحياة

(١) دور المراقبين

من العلامات البارزة في تاريخ العلم — أو بالأحرى نقطة مولد العلم ذاته — نشر كتاب نيكولاس كوبرنيكوس بعنوان «حول ثورات الأجرام السماوية»، بعد وفاته في عام ١٥٤٣. في هذا الكتاب أوضح العالم البولندي نموذجه للنظام الشمسي، مع وجود الشمس في المركز، بينما الأرض وغيرها من الكواكب تدور حولها: «أخيرًا يمكننا وضع الشمس نفسها في مركز الكون. إن هذا هو ما يستدعيه السير المنهجي للأحداث والتناغم الكلي للكون، فقط لو أننا نواجه الحقائق، كما يقولون، ﺑ «أعين مفتوحة».»1

زلزلت النظرة الجديدة للكون التي دعا إليها كوبرنيكوس، والتي تقضي بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس، العالم الغربي لدرجة أدت إلى بدء استخدام مصطلح «الثورة» في سياق سياسي واجتماعي أشمل أيضًا. في القرن السادس عشر كانت أوروبا أسيرة للكنيسة الرومانية، التي كانت تتبنى وجهة النظر الأفلاطونية القديمة القائلة إن الأرض هي مركز الكون، وما يستتبعه ذلك من نتيجة بديهية مفادها أن الإنسان يمثل ذروة الخلق. بالحط من مرتبة كوكبنا من المركز المحوري للكون أرسى كوبرنيكوس مبدأ عدم التميز، الذي استمر بعده لأربعة قرون. وحين وجه جاليليو تلسكوبه المخترع حديثًا صوب السماء عام ١٦٠٩ رأى أن مجرة درب التبانة تتكون من تجمع هائل من النجوم الخافتة. وتدريجيًّا بدأ علماء الفلك يدركون أن الشمس ليست إلا نجمًا عاديًّا مثل كثير غيره. واليوم نحن نعرف أن مجرة درب التبانة تحوي ما يزيد عن المائة مليار نجم، أغلبها مشابه لشمسنا. في القرن العشرين تمكنت التلسكوبات القوية من رؤية النجوم في مجرة أندروميدا وما خلفها، كاشفة عن أن حتى مجرة درب التبانة لا تشغل مكانًا مميزًا في الكون. لقد أرست عمليات المسح المنهجية للمجرات المبدأ الكوني، والقائم بالأساس على أن الكون، على نطاقه الواسع، متطابق وغير متمايز.

ولا يمكن لأي محاولة لتفسير الكون أن تكلل بالنجاح ما لم تأخذ في الاعتبار «مبدأ عدم التميز» هذا. وكما رأينا، فإن سيناريو الكون المتضخم يقدم تفسيرًا طبيعيًّا للتطابق الكوني واسع النطاق. أيضًا تفسر النظرية المعنية بتكون المجرات من مواطن الشذوذ البدائية وجود النظم النجمية، مثل درب التبانة، في كل مكان، وبشكل مشابه تفسر النظرية القائلة بتكون النجوم والكواكب من سحب الغازات كيف أن نظامنا الشمسي ليس إلا نظامًا عاديًّا شائع الوجود. بيد أن التطابق وعدم التميز ليسا بأي حال من الأحوال هما السمتين الكونيتين الوحيدتين اللتين تحتاجان لتفسير؛ إذ إن هناك جانبًا عادة ما يتم التغاضي عنه في قائمة السمات المرصودة، وهو حقيقة وجود مراقبين يرصدون هذه السمات الكونية.

يتسم دور «المراقب» في العلم بالغرابة، وقد يسبب حيرة شديدة لعدد غير قليل من العلماء. فعلى أي حال، إن مهمة العلم إحلال النظرة الموضوعية للطبيعة محل النظرة الذاتية. وأي زعم علمي لا يؤخذ على محمل الجد إلا إذا اختُبر على يد أطراف بصورة محايدة (وبقدر من الاهتمام!) وإذا زعمت أن الأرض تدور حول الشمس لأنها مربوطة بمركبة فضائية عملاقة لا يمكن لأحد سواي رؤيتها، فلن يصدقني أحد، وسيكونون محقين في ذلك. إن نظرية النسبية لأينشتاين تؤكد على الموضوعية بشكل تام. بل إن كلمة «نسبية» نفسها تعني أن النظرة إلى العالم هي دومًا نظرة مراقب بعينه، وتقدم النظرية القواعد التحويلية اللازمة للتوفيق بين مشاهدات أحد المراقبين وتلك الخاصة بآخر. وبهذه الصورة يمكن استخلاص «الجوهر الموضوعي» للطبيعة من خبرات أفراد المراقبين. وقد أكد أينشتاين في نظريته على أن قوانين الفيزياء لا بد أن تظل «واحدة» لجميع المراقبين، مهما تكن حركتهم أو موضعهم. فلا يوجد تفضيل لمراقب بعينه. ولهذا السبب لا تشير قوانين الفيزياء لسرعة أي جسم في الفضاء مثلًا؛ لأنها لو فعلت فسيعني هذا تفضيل طبقة معينة من المراقبين — الساكنين — الذين رأوا العالم بشكل مختلف.

في ظل هذه الخلفية التاريخية ليس من المستغرب ألا يكون تفسير وجود المراقبين من المتطلبات الأساسية بين علماء الكونيات من أجل صياغة نظرية ناجحة عن الكون. لكن المزيد والمزيد منهم مقتنعون الآن بأن في هذا الأمر تجاوزًا خطيرًا. لنأخذ على سبيل المثال موقعنا في الكون، إلى أي مدى يعد موقعنا عاديًّا غير متميز؟ حسن، من الواضح أنه موقع فريد ومتميز إلى حد بعيد. إن أغلب الكون ما هو إلا فضاء خاوٍ، لكن بني البشر يعيشون على سطح أحد الكواكب. وهناك سبب وجيه وراء ذلك؛ فالحياة من غير المرجح أن تنشأ في الفضاء الخارجي، وحتى لو حدث هذا فلن تحقق المخلوقات ذات الأمخاخ الكبيرة نجاحًا كبيرًا هناك. إن المراقبين البشريين يجدون أنفسهم يعيشون على أحد الكواكب لأنه لم يكن بمقدورهم التطور في أي مكان آخر.

ليس هذا المثال التافه إلا إشارة لأمر آخر أكثر أهمية؛ فالمراقبون — على الأقل من واقع خبرتنا إلى الآن — هم كائنات حية، والحياة ظاهرة معقدة دقيقة تحتاج العديد من المتطلبات الخاصة. وهي ستظهر في الكون فقط لو توافرت الظروف المناسبة. وإذا لم تكن هذه الظروف عامة شائعة فهذا يعني أن نظرتنا للكون لن تكون عامة، بل ستعكس موقفنا في ذلك الموقع الكوني الخاص المشجع على الحياة.

لا يمكن لمثل هذا الاسترسال البسيط أن يثير دهشة أحد. فهو يقول وحسب إن المراقبين سيجدون أنفسهم فقط في المكان الذي يمكن للحياة التواجد فيه. لا يمكن أن يسير الأمر خلاف ذلك. ومع ذلك، ورغم طبيعة هذه العبارة التي لا يمكن التنازع بشأن صحتها، فلا ينبغي نبذ الفكرة باعتبارها لعبًا بالكلمات فقط. فبداية، قد تكون الظروف المشجعة على الحياة محدودة للغاية. بكل تأكيد قد لا تكون الأرض إلا كوكبًا عاديًّا يدور حول نجم عادي في مجرة عادية من وجهتي النظر الجيولوجية والفلكية، لكنها قد تكون متميزة بدرجة كبيرة — تصل إلى حد التفرد — من وجهة النظر البيولوجية. فإذا كان هناك مكان واحد في الكون يصلح لاستضافة الحياة فسيكون كوكب الأرض هو ذلك المكان؛ لأن هذا هو المكان الذي نجد أنفسنا فيه. هذه النقطة، رغم بديهيتها، تتعارض تعارضًا واضحًا مع مبدأ عدم التميز، وصارت معروفة باسم المبدأ الإنساني Anthropic Principle.2 لم يكن هذا المصطلح بالاختيار الموفق لأن كلمة anthropic مشتقة من نفس جذر الكلمة اليونانية بمعنى الإنسان، في حين هذا المبدأ لا يمس من قريب أو من بعيد البشر بحد ذاتهم (رغم كون البشر دون شك من أمثلة الحياة). وقد علق عالم الفيزياء الفلكية براندون كارتر، أول من استخدم هذا المصطلح في هذا السياق،3 ذات مرة بقوله إنه لو كان يدرك المتاعب التي سيتسبب بها هذا المصطلح، لاقترح مصطلحًا غيره، «الألفة البيولوجية» مثلًا. لكن يبدو أنه ليس هناك مفر من الالتزام بمصطلح «المبدأ الإنساني»، لذا سأواصل استخدامه.

(٢) هل نحن وحدنا في الكون؟

ما الذي يمكن قوله بشأن إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض؟ فرغم النمو الهائل في موضوع البيولوجيا الفلكية لا يوجد إلى الآن أي دليل مباشر على وجود حياة خارج كوكب الأرض. وحتى في حالة اكتشاف وجود حياة في مكان آخر من النظام الشمسي — المريخ مثلًا — فسيكون التفسير الأرجح هو أنها لم تنشأ هناك، بل انتقلت إلى هناك من الأرض بواسطة الصخور المتطايرة من كوكبنا بفعل اصطدام المذنبات والكويكبات به. نحن نعرف أن الأرض والمريخ يتبادلان الصخور، ويبدو من المرجح بدرجة كبيرة أن الميكروبات تنقلت في أرجاء النظام الشمسي على مدار تاريخه البالغ ٤٫٥ مليار عام.4 لذا لن يثبت العثور على حياة على المريخ في حد ذاته أن الحياة بدأت من لا شيء أكثر من مرة. وبشكل أدق من الضروري إثبات أن الحياة على المريخ والحياة على الأرض مختلفتان بدرجة كافية بحيث يكون لهما أصلان مختلفان.

إن التساؤل عما إذا كنا وحدنا في هذا الكون أم لا يعد من أكبر الألغاز غير المحلولة في العلم. تعتمد الإجابة على هذا التساؤل على اكتشاف هل الحياة ليست إلا مصادفة استثنائية حدثت مرة واحدة في الكون القابل للرصد، أم أنها نتاج لقوانين مشجعة على الحياة تسهل من ظهورها كلما توافرت ظروف مشابهة لتلك الموجودة على كوكب الأرض. هناك علماء متميزون يناصرون كلتا وجهتي النظر. لا شك أن المادة الأساسية للحياة منتشرة في أرجاء الكون؛ فالحياة (على الأقل على الصورة التي نعرفها) مبنية على الكربون، وهو من أكثر العناصر شيوعًا. وتقوم الحياة أيضًا على الهيدروجين، أكثر العناصر شيوعًا على الإطلاق، إلى جانب النيتروجين والأكسجين والكبريت والفسفور، وجميعها موجودة في الكون بوفرة. بعض الوحدات البنائية للحياة؛ جزيئات عضوية على غرار الفورمالدهايد واليوريا، موجودة في السحب المنتشرة بين النجوم. أيضًا يشيع وجود الماء، وهو مكون أساسي آخر تقوم عليه الحياة الأرضية، بشكل كبير في النظام الشمسي وغيره من النظم النجمية وسحب الغازات. بهذا تتراكم المزيد من الأدلة على أن المواد المشجعة على الحياة — المواد العضوية والماء — موجودة في شتى أرجاء الكون. ومع ذلك فالطريق بين الوحدات البنائية البسيطة للحياة وأكثر أشكال الحياة البدائية بساطة لا يزال طويلًا للغاية. فبرغم كون الماء والمواد العضوية من المقومات الأساسية للحياة، فإنها لا تكفي وحدها. وليس من الممكن أن نخلص — فقط استنادًا على شيوع الوحدات البنائية للحياة — إلى أن الحياة نفسها يشيع وجودها في الكون. لكن على حد علمنا كان من الممكن ظهور الحياة في أي مكان في الكون المرصود. وإذا اتضح أن الحياة مقصورة فقط على الأرض فسنعزو هذا إلى كونها مصادفة تاريخية فقط وليس علامة على وجود سمة مميزة يتفرد بها النظام الشمسي من حيث قابليته لاستضافة الحياة.

للسماح بوجود حياة في مكان واحد على الأقل من الكون لا بد من الوفاء بثلاثة متطلبات أساسية:5
  • (١)

    ينبغي أن تسمح قوانين الفيزياء بتكون بُنى معقدة مستقرة.

  • (٢)

    ينبغي أن يحتوي الكون على نوعية العناصر، مثل الكربون، التي تقوم عليها الحياة.

  • (٣)

    لا بد من وجود ظروف ملائمة تتآلف فيها المكونات الأساسية للحياة بصورة مناسبة.

حتى هذه المعايير الثلاثة تفرض قيودًا قاسية على الفيزياء وعلم الكونيات، وهي قاسية إلى حد أن بعض العلماء يرون أنها «مدبرة»، أو «مقصودة» لو كررنا وصف فريد هويل القوي. في هذا الفصل سأذكر بعض الأمثلة6 على هذه «المصادفات الكونية» البارزة، بداية بتلك التي أثارت ذهول هويل.

(٣) نشأة العناصر الكيميائية

حدد علماء الكيمياء ما يربو على المائة عنصر كيميائي، وهي مصطفة بأناقة في صفوف وأعمدة الجدول الدوري الشهير الذي وضعه ديميتري مندليف في القرن التاسع عشر. بعض العناصر، كالكربون والحديد، يشيع وجودها، لكن عناصر أخرى، كالذهب واللنثانوم، نادرة الوجود. وفي الكون ككل تتألف المادة العادية (في مقابل المادة المظلمة) من عنصري الهيدروجين والهليوم؛ ذلك الهليوم الذي تكون في الدقائق القليلة الأولى التي تلت الانفجار العظيم. من التحديات التي تواجهها نظريات الفيزياء الفلكية محاولة تفسير الوفرة النسبية لبقية العناصر. لفترة طويلة ظل أصل هذه العناصر غامضًا، لكن بحلول أربعينيات القرن العشرين صار من الواضح أن النجوم مسئولة بشكل كبير عن هذا الأمر؛ إذ إن النجوم مفاعلات نووية عملاقة، وهي حارة بما يكفي لتصنيع العناصر الثقيلة من الأخرى الخفيفة.

بدأت النجوم الأولى في التكون حين تجمع الهيدروجين والهليوم المتخلفان عن الانفجار العظيم في سحب كثيفة. استغرق هذا الأمر مئات الملايين من الأعوام لأن إشعاع الخلفية الكوني كان في بدايته قويًّا للغاية لدرجة تمنع استقرار الغازات. لكن في النهاية، بفعل قوى الجاذبية، انقسمت السحب المتكثفة إلى نجوم أولية؛ كرات من الغاز تزداد درجة حرارتها مع الانكماش. وفور وصول قلب كرة الغاز لحرارة تبلغ بضع ملايين الدرجات تنطلق التفاعلات النووية. يولد النجم الحقيقي حين تخلق هذه الحرارة قدرًا كافيًا من الضغط الداخلي يوقف عملية الانكماش. وبعد استقراره على هذا النحو يستمر النجم في الاحتراق دون كلل لملايين، أو ربما مليارات، الأعوام، استنادًا على كتلته. النجوم ذات الكتلة القليلة تكون أبرد نسبيًّا، لذا فهي تستهلك وقودها النووي بشكل أبطأ، وتعيش لفترة أطول، لكن النجوم الكبيرة تستهلك وقودها النووي بشراهة وسرعان ما تستنفده.

تستقي النجوم القدر الأعظم من طاقتها من تحويل الهيدروجين إلى هليوم في عملية الاندماج النووي. إبان الانفجار العظيم كان هذا التحول سريعًا ويسيرًا؛ لأن الكون كان مولودًا وبه مخزون وفير من النيوترونات الحرة. (للهليوم، كما تذكر، نواة تحتوي على بروتونَيْن ونيوترونَيْن. وتتكون نواة ذرة الهيدروجين من بروتون وحيد.) إلا أن النيوترونات تكون غير مستقرة عندما تكون منفردة؛ لذا لم يكن هناك كمية وفيرة حرة منها وقت بدء تكون النجوم. كان لا بد من إيجاد طريق آخر أبطأ بكثير للهليوم، باستخدام البروتونات وحدها. تتنافر البروتونات بعضها مع بعض لأنها تحمل شحنة كهربية موجبة، لكن في درجات الحرارة العالية يمكنها التحرك بسرعة كبيرة تمكنها من التواجد بالقرب بعضها من بعض. وإذا كانت السرعة كبيرة بما يكفي — كما هو الحال في القلب المتقد للنجم — يمكن لاثنين من البروتونات الاقتراب أحدهما من الآخر حتى نطاق عمل القوة النووية الشديدة، وهذا يفتح الباب أمام عملية التحول النووي. كما تذكر فإن القوة النووية الشديدة تنهار لنقطة الصفر بعد مسافة عشرة على التريليون من السنتيمتر، وهو ما يساوي بالتقريب حجم نواة الذرة، لذا لا يمكن للبروتونات الوقوع تحت تأثيرها إلا إذا اقترب بعضها من بعض، وحين يحدث ذلك فإن القوة النووية الشديدة قوية بما يكفي للتغلب على قوى التنافر الكهربي ذات المدى الأوسع. لسنا بحاجة للإغراق في التفاصيل هنا، لكن يكفينا القول إنه أثناء عملية تكوين نواة هليوم واحدة من أربعة بروتونات يجب على بروتونَيْن التحول إلى نيوترونات.7 رغم أن القوة النووية الشديدة هي المسئولة عن الطاقة المهولة التي تتحرر من تفاعلات الاندماج النووي، فإن عملية التحول الحيوية من البروتونات إلى نيوترونات تقع تحت سيطرة القوة النووية الضعيفة. لكن لأن هذه القوة ضعيفة فهي تبطئ عملية إنتاج الهليوم بالكامل، وذلك مقارنة بعملية تكون الهليوم التي حدثت أعقاب الانفجار العظيم مباشرة. هذا أمر طيب؛ لأنه يسمح للغالبية العظمى من النجوم بالاحتراق بثبات لفترة طويلة للغاية، وفي حالة شمسنا كانت هذه الفترة طويلة بما يكفي لظهور الحياة وتطورها على شكل كائنات معقدة.

حين ينخفض مخزون النجم من الهيدروجين يواجه أزمة طاقة. تعجز النجوم الصغيرة والمتوسطة الكتلة عن توليد أي حرارة من المفاعلات النووية، لذا فهي تنكمش على شكل أقزام بيضاء، لا يصدر عنها سوى حرارة بسيطة. أما النجوم ذات الكتلة العالية فتستطيع الاستمرار في عمليات الاندماج النووي كي تواصل السطوع، وذلك بفضل الارتفاع الكبير في درجة حرارتها الداخلية (التي تصل إلى مئات الملايين من الدرجات). ما هي إذن الخطوة التالية على اندماج الهيدروجين؟ الخطوة التالية مباشرة هي إضافة بروتون آخر إلى الهليوم لتكوين الليثيوم. لكن لا ينجح التفاعل من هذا النوع؛ لأن نواة الليثيوم المحتوية على ثلاثة بروتونات ونيوترونين غير مستقرة، وذلك لاحتواء الليثيوم عادة على ثلاثة أو أربعة نيوترونات. ماذا عن دمج نواتين من أنوية الليثيوم لتكوين نظير البيريليوم-٨، الذي تحتوي نواته على أربعة بروتونات وأربعة نيوترونات؟ لا يفيد هذا أيضًا؛ لأن هذه النواة تكون غير مستقرة هي الأخرى بشكل كبير، وتتحلل فور تكونها. إن النظير المستقر للبيريليوم في الطبيعة تحمل نواته خمسة نيوترونات، وليس أربعة. لذا يمر هذا النجم بأزمة نووية خطيرة.

(٤) كيف تكون الكربون، العنصر الأساسي للحياة؟

بعد البيريليوم يأتي الكربون كأول العناصر الثقيلة؛ إذ يحتوي على ستة بروتونات وستة نيوترونات. هل من الممكن أن تكون النجوم قد وجدت سبيلًا لتجاوز الليثيوم والبيريليوم والاتجاه مباشرة من الهليوم إلى الكربون؟ سيتطلب هذا اتحاد ثلاث أنوية من الهليوم في اللحظة ذاتها. إن حساب البروتونات والنيوترونات (٣ × ٢ × ٢ = ٦ + ٦) يسير بشكل صحيح، ويكون الناتج النهائي نواة كربون مستقرة. لكن لأن البروتونات المشتركة في هذه المقابلة النووية الثلاثية أكثر من الموجودة في عملية الاندماج النووي الأصلية للهيدروجين، تصير قوة التنافر الكهربي أكبر بالتبعية، لذا هناك حاجة لحرارة أعظم للسماح للأنوية بالتقارب بما يكفي للسماح للقوة النووية الشديدة بممارسة عملها. ليست هذه هي المشكلة؛ فبمزيد من الانكماش يمكن أن ترتفع حرارة قلب النجم إلى درجة كافية. لكن هناك صعوبة أساسية تخص التفاعل نفسه، وهي أن احتمال تقابل ثلاث أنوية للهليوم في نفس المكان ونفس اللحظة ضعيف للغاية. بالطبع ليس لزامًا عليها أن تصل في نفس اللحظة «بالضبط»، فمن الممكن أن تتحد نواتان للهليوم أولًا لتكوين نواة البيريليوم غير المستقرة بشكل كبير، وقبل أن تتحلل يمكن أن تلحق بها نواة الهليوم الثالثة. لكن من النظرة الأولى يتضح أن هذا أمر غير مرجح؛ نظرًا لتحلل نواة البيريليوم بسرعة كبيرة بما لا يعطي الفرصة لنواة الهليوم الثالثة للاصطدام بها. وهكذا يبدو من الظاهر أن هذا الطريق لتكوين الكربون مسدود هو الآخر.

كان هذا هو الموقف الذي تواجهه الفيزياء الفلكية في أوائل الخمسينيات. اهتم فريد هويل، عالم الفلك الإنجليزي المغمور نسبيًّا وقتها بهذه الأحجية. وقد رأى أن الكائنات القائمة في حياتها على الكربون بشكل عام، وفريد هويل نفسه بشكل خاص، لم تكن لتوجد من الأساس لو ظل تكون العناصر مقتصرًا على الهليوم وحده. حسن، من الواضح أن شيئًا ما حدث كي يتم تكوين ذرة الكربون، وهو على الأرجح شيء بداخل النجوم. وطالما فشلت الفيزياء النووية في تفسير تكون الكربون، فربما يكون المسئول عنه شيئًا غير عادي.

هذا يصل بنا إلى لب القضية. في العلم يحاول المرء تجنب اللجوء للمصادفات في تفسيراته. كما أن مبدأ شفرة أوكام يحضنا على تبني أبسط وأوضح التفسيرات أولًا. لكن أحيانًا لا تفلح التفسيرات البسيطة الواضحة، ونكون مرغمين على اللجوء لتفسير غير معتاد. وكما قال شيرلوك هولمز فإننا حين نستبعد المستحيلات، فإن ما يتبقى لنا، مهما كان مستبعدًا، هو الحقيقة. بشكل عام يعد الالتزام بالتفسيرات البسيطة الواضحة هو أفضل استراتيجية، لكن هناك موضوعًا واحدًا يمكن فيه للمصادفات الاستثنائية أن تدخل في نسيج التفسير العلمي السليم، وهذا الموضوع هو الحياة.

لتوضيح ما أعني تدبر هذه الحقيقة: «لم يحدث أن مات أحد أسلافك دون ذرية.» فعبر تاريخ البشرية كانت وفيات المواليد مرتفعة للغاية، ومات أطفال كثيرون قبل أن يبلغوا مرحلة البلوغ. الآن تخيل أسلافك السابقين على البشر، بالعودة للخلف لمئات الملايين من السنين.8 منذ وقت طويل للغاية كان أسلاف البشر من السمك. فكر كيف تبيض الأسماك أعدادًا لا تُحصى من البيض، وتخيل النسبة الضئيلة للغاية التي نجت ونمت. ومع ذلك فلم يحدث أن أخفق أحد أسلافك من السمك — ولا حتى سمكة واحدة — في مهمته. ما احتمالات نجاح هذه السلسلة من الصدف السعيدة الممتدة دون انقطاع على مدار مليارات الأعوام، جيلًا بعد جيل؟ لا يمكن لأي يانصيب بشري أن يقدم مثل هذه الاحتمالات الصعبة، ومع ذلك ها أنت ذا، الفائز الأكبر بلعبة الحظ الداروينية الكبرى! هل يعني هذا أن وجودك ليس إلا معجزة؟ على الإطلاق. وإذا كان وجودك يعتمد على سلسلة متصلة من الأحداث الاستثنائية، فمن الممكن أن تكون هذه الأحداث جزءًا من تفسير علمي منطقي لا تشوبه شائبة. يطلق العلماء على هذا اسم «تأثير انتخاب المراقب». فبالنظر إلى العالم من عين المراقب لا بد للعالم الذي تراه من أن يشتمل على كل ما يمكنك — أنت المراقب — من رؤيته. لم يطبق فريد هويل هذا المنطق «الإنساني» على مشكلة تكون الكربون في النجوم عن طريق الالتجاء إلى سلسلة من الأحداث الاستثنائية، كما هو الحال مع أسلافنا، بل بالالتجاء إلى سمة استثنائية غير متوقعة من سمات نواة الذرة.

إليك تصوره عن الأمر: تعتمد سرعة التفاعل النووي على طاقة الجسيمات المشاركة فيه. في الغالب ينتج عن التفاوتات في معدلات الطاقة حدوث ارتفاع أو انخفاض طفيف في كفاءة التفاعل، لكن أحيانًا ما تحدث قفزة كبيرة في معدل التفاعل. يطلق العلماء على هذه الزيادة المباغتة اسم الرنين. يأتي هذا الاسم من الطريقة التي تدخل بها ميكانيكا الكم الصورة. تصف نظرية الكم جانبًا موجيًّا للجسيمات (انظر الإطار [غرابة ميكانيكا الكم])، بما في ذلك أنوية الذرات، وعادة ما ينتج عن الموجات رنين. على سبيل المثال، بعض مغني الأوبرا يمكنهم إصدار نغمات صوتية ذات تردد مرتفع تتوافق مع ذبذبات كأس زجاجي بما يكفي لتحطيمه. مثال معتاد آخر على الرنين يتمثل في ضبط مستقبل المذياع كي يتلقى إشارة محطة إذاعية بعينها. فحين يتوافق تردد الدوائر الموجودة في المذياع مع تردد الموجات اللاسلكية الآتية من المحطة، تتوافق الموجات مع الدائرة وتُضخَّم الإشارة بدرجة كبيرة. يمكن للموجات الكمية أن تتوافق بهذا الشكل هي الأخرى، ومن ثم تعزز معدل العمليات الذرية أو النووية.

شعر هويل أن الرنين يحمل تفسير عملية تكون الكربون؛ إن كتلة نواة الكربون أقل نسبيًّا من مجموع كتل أنوية الهليوم الثلاث التي من المفترض أنها تتصادم معًا كي تكونها، وذلك بسبب الكتلة/الطاقة المنطلقة عند تكون الكربون. بيد أن الأنوية توجد في حالات استثارة أيضًا، لذا استنتج هويل أن نواة الكربون لا بد أن لها حالة استثارة أعلى بقليل من الكتل/الطاقات المجتمعة لأنوية الهليوم الثلاث. وقتها يمكن لنظام الهليوم-البيريليوم أن يتناغم مع هذه الكتلة/الطاقة إذا تم تعويض هذا النقص البسيط من الطاقة الحركية للجسيمات المتدافعة داخل النجم المتقد. سيكون تأثير هذا الرنين إطالة عمر نواة البيريليوم غير المستقرة، وهذا يعطي نواة الهليوم الثالثة فرصة جيدة للاصطدام بها. وهكذا سيكون الطريق مفتوحًا أمام تكون وفرة من ذرات الكربون، رغم كافة الاحتمالات المعاكسة. وقد حسب هويل المقدار الذي ينبغي أن تكون عليه طاقة الرنين.

حدث هذا في عام ١٩٥١. لم يكن الكثير معروفًا عن حالات استثارة النواة، رغم تطوير برنامج تجريبي على هذا الأمر إبان الحرب العالمية الثانية لخدمة مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة الذرية. كان هويل يزور معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) في هذا الوقت، وعرض على مجموعة من علماء الفيزياء النووية الأمريكان، من ضمنهم ويلي فاولر (الذي سيفوز بجائزة نوبل عن عمل له صلة بالموضوع)، تنبؤاته المتعلقة بالرنين النووي للكربون. تشكك العلماء في فكرة ظهور عالم فلك بريطاني مغمور بشكل مفاجئ والزعم بأنه يعرف عن نواة الكربون أكثر مما تعرفه مجموعة من أهم خبراء الفيزياء النووية الأمريكان. لكن هويل واصل الإلحاح على زملاء فاولر إلى أن وافقوا على إجراء تجربة للتحقق من صحة فكرته. وبعد عمل بعض التعديلات على معداتهم أعلن علماء الفيزياء النووية صحة تخمين هويل. هناك بالفعل رنين في الكربون، وبطاقة مناسبة تمامًا كي تصنع النجوم كميات وفيرة من هذا العنصر من خلال عملية الأنوية الثلاث للهليوم. أكدت التجارب أن الرنين سيطيل عمر نواة البيريليوم غير المستقرة لما يقارب المائة مليار مليار جزء من الثانية، وهي الفترة الكافية كي يحدث التفاعل بين أنوية الهليوم الثلاث. وفور تكون الكربون يصير الجزء المتبقي يسيرًا. فلا توجد مآزق أخرى. يتكون الأكسجين بعد ذلك، ثم النيون، ثم الماغنسيوم، وهكذا على امتداد الجدول الدوري وصولًا إلى الحديد. يغطي هذا تقريبًا كل العناصر التي تحتاجها الحياة للاستمرار. تنتج النجوم أيضًا العناصر الأثقل من الحديد، لكن هذا لا يتم إلا أثناء ثوراتها المتفجرة، حين يكون المزيد من الطاقة موجودًا.9
تركت قصة الكربون انطباعًا عميقًا لدى هويل؛ إذ أدرك أنه لولا مصادفة وجود رنين النواة بهذا القدر المناسب من الطاقة، لم يكن هناك وجود للكربون، ولا للحياة على الأرجح، في هذا الكون. تتحدد الطاقة التي يحدث وفقها رنين الكربون بالتفاعل بين القوة النووية الشديدة والقوة الكهرومغناطيسية. إذا كانت القوة النووية الشديدة أقوى أو أضعف بقدر يسير (بقدر يصل إلى واحد بالمائة)،10 كانت الطاقات التي تربط النواة ستتغير ولم يكن الرنين ليحدث بشكل متوافق، وربما كان الكون وقتها خاليًا من الحياة ويمضي دون أن يرصده أحد.

ما الذي نستخلصه من هذا؟ حين جذب هويل الانتباه لهذا الموضوع كانت النظرة التقليدية هي أن قوة القوى النووية «ثابتة»؛ مجرد «متغير حر»، لا تتحدد قيمته من خلال أي نظرية بل يجب قياسها من واقع التجارب. وكانت الاستجابة التقليدية هي عدم المبالاة بالقضية من الأساس وقول: «القيمة التي هي عليها هي القيمة التي هي عليها، ولو كانت مختلفة لم نكن لنوجد حتى نقلق بشأن هذا الأمر.» بيد أن هذا التوجه يبدو غير مرض بشكل ما، فبالتأكيد يمكنا أن نتخيل كونًا يكون فيه قانون القوة النووية مماثلًا للذي لدينا، لكن مستوى القوة نفسها مختلف، تمامًا مثلما يمكن تخيل عالم تكون فيه قوة الجاذبية أقوى أو أضعف مما لدينا، لكنها تطيع نفس القوانين. إن حقيقة كون قيمة القوة النووية الشديدة والقوة الكهرومغناطيسية في نواة الذرة «ملائمة تمامًا» للحياة (تمامًا كما هو الحال في عصيدة جولديلوكس) تحتاج للتفسير.

كتب جورج جاموف، الذي كان مسئولًا عن وضع نموذج الانفجار العظيم للكون على خريطة العلم في أوائل الخمسينيات، هذا الوصف الطريف لأهمية اكتشاف هويل، وقد أطلق عليه اسم «السِّفر الجديد»:
في البدء خلق الإله الإشعاع والإلم (Ylem هو اسم المادة الأولية التي افترض جاموف ومعاونوه أنها اتحدت لتكون العناصر الخفيفة بعد الانفجار العظيم).11 وظل الإلم دون شكل أو عدد، وكانت الأنوية تتدافع بجنون في أعماق الكون.

ثم قال الإله: «لتكن هناك كتلة ثانية.» وبالفعل ظهر الديوتيريوم، وكان مُرضيًا.

ثم قال الإله: «لتكن هناك كتلة ثالثة.» وبالفعل ظهر التريتيوم،12 وكان مُرضيًا.
وهكذا استمر الحال إلى العناصر الموجودة بعد اليورانيوم. لكن عندما أعاد الإله النظر إلى ما فعله، رأى أنه لم يكن مُرضيًا؛ ففي غمرة العد، نسي الكتلة الخامسة،13 وبالتالي، فمن الطبيعي أنه لم يكن في الإمكان تكون عناصر أثقل.

استاء الرب من تلك الزلة، وأراد أن يقلص الكون، ويعيد خلق كل شيء من جديد. ولكن تلك مهمة غاية في البساطة، ولهذا، قرر الإله، وهو القدير، أن يخلق العناصر الثقيلة بأكثر الطرق استحالة.

ومن ثم قال الإله: «ليكن هناك فريد هويل»، فكان فريد هويل، وشاهده الإله وأوكل له أن يصنع العناصر الثقيلة بأي طريقة تعجبه.

وهكذا قرر هويل صنع العناصر الثقيلة في النجوم، ونشرها في أرجاء الكون من خلال انفجارات السوبرنوفا. ولكن أثناء ذلك، تعين عليه أن يحصل على نفس منحنى الوفرة الذي كان سينتج من عملية التخليق النووي داخل الإلم، في حالة أن الإله لم يكن قد نسي خلق الكتلة الخامسة.

وبعدها، وبعون من الإله، خلق هويل العناصر الثقيلة بهذه الطريقة، غير أنها كانت معقدة حتى إنه لا هويل، ولا الإله، ولا أحد بإمكانه اليوم أن يعرف بالتحديد كيف تكونت هذه العناصر.

آمين.14

(٥) القوة الضعيفة، «عملية مدبرة» أخرى؟

بالطبع ليست هذه نهاية القصة، لكن قبل أن نتابعها أود استعراض بعض «المصادفات» الأخرى ذات الطبيعة المشابهة. اتضح أن مصادفة هويل المدبرة كانت الأولى ضمن العديد من المصادفات التي تلعب فيها تغييرات طفيفة في بعض الثوابت الأساسية للفيزياء دورًا محوريًّا. من سبل التفكير في هذا الأمر تخيل محاولة تصميم الكون. افترض أن قوانين الفيزياء الأساسية أرسيت بالفعل، ولكن لديك بعض المتغيرات الحرة تحت تصرفك، وأن قيم هذه المتغيرات يمكن تحديدها من خلال إدارة مفاتيح «آلة التصميم» (انظر الشكل ٧-١). فإذا أدرت أحد المفاتيح يصير الإلكترون أثقل قليلًا، وإذا أدرت آخر تصير القوة النووية الشديدة أضعف، وهكذا. يمكنك عمل هذا ورؤية ما سيحدث للكون. متى سيكون الاختلاف عظيمًا ومتى سيكون تافهًا؟ رغم عدم قدرة علماء الفيزياء على إجراء هذه التجربة بشكل فعلي (على الأقل إلى الآن!) إلا أن بمقدورهم إجراء حسابات بسيطة لرؤية تأثير هذه التغييرات، في ظل تساوي كافة العوامل الأخرى، على احتمالات وجود الحياة في الكون. الشرط «في ظل تساوي كافة العوامل الأخرى» مهم للغاية هنا؛ لأننا لا نعرف هل المتغيرات محل الدراسة حرة ومستقلة بعضها عن بعض، أم أنها مترابطة وفق نظرية أشمل، أو ربما حتى محددة تمامًا من قِبل هذه النظرية. ربما لا تستطيع زيادة كتلة الإلكترون «إلى جانب» تقليل قوة القوى النووية الشديدة في الوقت ذاته لأن هاتين السمتين للطبيعة مترابطتان على مستوى أعمق يمنع حدوث هذا. لكن من واقع معرفتنا الحالية ليست هذه هي المشكلة.
fig23
شكل ٧-١: آلة التصميم الكونية. من خلال إدارة مفاتيح هذه الآلة الخيالية، يمكن تغيير بعض الثوابت الفيزيائية للكون، على غرار كتلة الجسيمات ومقدار شدة القوى. تخبرنا الحسابات بأن أقل تغيير في بعض المتغيرات الأساسية يمكن أن يؤدي لانهيار البنية المألوفة للكون ومنع نشوء الحياة به.

دعونا إذن نعبث بآلة التصميم قليلًا ونرى ما سيحدث. تحدثت من قبل عن القوة النووية الشديدة، لكن ماذا عن القوة النووية الضعيفة؛ تلك المسئولة عن أشياء مثل التحلل الإشعاعي وتحول النيوترونات إلى بروتونات؟ الموقف هنا أقل خطورة، لكنه مثير للاهتمام في الوقت ذاته. للقوة النووية الضعيفة دور في عملية تكون الكربون، ليس في تصنيع الكربون فقط، بل في توزيعه أيضًا. إن ذرات الكربون الموجودة في جسدك تكونت داخل أحد النجوم في مكان ما، منذ مليارات الأعوام. كيف انتهى بها المطاف على كوكب الأرض؟ من الطرق التي يُخَلِّص بها النجم نفسه من الكربون هي الانفجار. من المعتاد أن تنتهي حياة النجوم الضخمة بصورة كارثية على شكل سوبرنوفا. ما يحدث هو أن قلب النجم ينفد منه الوقود النووي، ويعجز عن الاستمرار في دعم الضغط المهول المطلوب لتماسكه في مقابل ثقل مادته. يصل النجم لنقطة حرجة يستسلم فيها القلب وينهار على نفسه بشكل كارثي مكونًا إما ثقبًا أسود أو نجمًا نيوترونيًّا (اعتمادًا على كتلته الأولية). تندفع الطبقة الخارجية للنجم نحو القلب في أعقاب انهياره، لكن سرعان ما ترتد وتنفجر على نحو هائل، ناثرة الغاز عبر الفضاء بين النجميّ. تحدث مثل هذه الانفجارات النجمية الضخمة بمعدل مرتين لثلاث في كل قرن في المجرة الواحدة، وتطلق مقدارًا عظيمًا من الطاقة؛ حتى إن النجم المنفجر يضاهي المجرة بأكملها في درجة السطوع لعدة أيام.

تعد القوة النووية الضعيفة من العوامل الرئيسية في آلية الارتداد؛ فحين ينهار قلب النجم على نفسه تنضغط بروتوناته وإلكتروناته معًا بعنف، وبفعل القوة النووية الضعيفة تتحول البروتونات إلى نيوترونات، وكل بروتون يُضحى به يطلق نيوترينو خلال هذه العملية.15 وهكذا يتدفق فيض غامر من النيوترينوات من القلب المنهار. هذا ليس كلامًا نظريًّا؛ ففي عام ١٩٨٧ نجحت تجربة تمت تحت الأرض في اليابان بهدف البحث عن تحلل البروتونات في التقاط دفقة من النيوترينوات في نفس الوقت الذي انفجر فيه أحد نجوم السوبرنوفا في مجرة «سحابة ماجلان الكبرى». تتفاعل النيوترينوات مع المادة العادية من خلال القوة النووية الضعيفة وحسب. في الظروف العادية يكون التفاعل ضعيفًا بحيث لا يحدث أي تأثير، بيد أن الظروف داخل النجم المنفجر أبعد ما تكون عن العادية. إن المادة النووية للنجم تنهار على نفسها إلى كثافة تصل إلى المليار طن في السنتيمتر المكعب، وهذه كثافة هائلة لدرجة أنه حتى النيوترينوات تجد صعوبة بالغة في المرور من المادة. وفي حين تتدفق النيوترينوات من قلب النجم، تمارس ضغطًا قويًّا دفعًا إلى الخارج، وهذا يساعد في عملية ارتداد المادة المندفعة إلى قلب النجم، ويرسلها بقوة صوب الفضاء. لو كانت القوة النووية الضعيفة أضعف مما هي عليه فستفقد النيوترينوات القدرة على عمل هذا الانفجار، ولو كانت أقوى كانت النيوترينوات ستتفاعل بقوة أكبر مع قلب النجم ولم تكن لتندفع منه لتسدد ضربتها للطبقة الخارجية. في كلتا الحالتين كانت عملية توزيع الكربون وغيره من العناصر اللازمة للحياة ستتعرض للفشل.16

(٦) القوة الضعيفة في الكون المبكر

تلعب القوة الضعيفة دورًا مهمًّا في جانب آخر من قصة الحياة؛ ألا وهو التحكم في مقدار الهليوم المتكون في الكون المبكر الحار. في الفصل الثالث أوضحت كيف أن الوفرة النسبية للهيدروجين والهليوم تعتمد على نسبة النيوترونات إلى البروتونات في المادة الأولية التي تواجدت بعد ثانية واحدة من الانفجار العظيم، إليك الكيفية التي تؤثر بها القوة الضعيفة على سير الأمور: إن النيوترون المعزول غير مستقر، ويصل عمر النصف له إلى ٦١٥ ثانية، ثم يتحلل إلى بروتون.17 عملية التحلل هذه نتاج لعمل القوة النووية الضعيفة. لكن الكون احتاج حوالي ١٠٠ ثانية كي يبرد بما يكفي كي يبدأ الديوتيريوم في التكون، لذا كان الوقت المتاح محدودًا. لو كانت القوة الضعيفة أقوى بقدر طفيف فستتحلل النيوترونات الأولية بشكل أسرع، مقللة كمية الهليوم المنتجة، وهو ما سيقلل بدوره من عملية تكوين الكربون الداعم للحياة في النجوم. وفي المقابل، لو كانت القوة الضعيفة أضعف بقليل فسنواجه مشكلة مختلفة. كانت المادة الكونية الأولية خليطًا من البروتونات والنيوترونات والإلكترونات والنيوترينوات. قبل ثانية واحدة تقريبًا كانت فصائل الجسيمات المختلفة محفوظة في درجة حرارة متساوية (أي كانت في حالة توازن ديناميكي حراري) بفعل تفاعلات متعددة. لعبت النيوترينوات الدور الأساسي في الحفاظ على حالة التوازن بين البروتونات والنيوترونات؛ لأن هذين النوعين من الجسيمات يمكنهما التحول من أحدهما للآخر عن طريق إطلاق أو امتصاص النيوترينوات (أو مضادات النيوترينوات). ومع ذلك فإن قدرة النيوترينوات على توزيع الطاقة الحرارية بشكل عادل بين البروتونات والنيوترونات تعتمد بالأساس على ما إذا كان التحول يحدث بسرعة كافية تتوافق مع الانخفاض في درجة الحرارة. إن سباق التوافق يصير أصعب وأصعب؛ لأن تمدد الكون يخفف كلًّا من طاقات الجسيمات المشاركة وكثافاتها، ومن ثم يقلل معدل التفاعل. وفي النهاية يأتي الوقت الذي تخسر فيه الجسيمات الصراع؛ إذ لا تستطيع النيوترينوات المسكينة — المسلحة بالقوة النووية الضعيفة فقط — أن تواصل عملها ومن ثم تنسحب من اللعبة. يقع حادث «الانفصال» هذا قبل أقل من عمر ثانية واحدة. في هذه النقطة ينتهي التوازن الديناميكي الحراري بين البروتونات والنيوترونات نظرًا لعدم وجود آلية لتوزيع الطاقة المتاحة بين هذين النوعين من الجسيمات.

النيوترونات أثقل من البروتونات بحوالي ٠٫١ بالمائة، لذا يعني التوزيع العادل أنها لو حصلت على حصتها المستحقة وحسب من الطاقة المتاحة فسيكون عددها أقل في النهاية من البروتونات (لأن تكون النيوترون الأثقل قليلًا من البروتون سيحتاج قدرًا أكبر من الطاقة). يعتمد مقدار إسهام هذا التباين في الكتلة في الزيادة العددية للبروتونات عن النيوترونات إلى حدٍّ بعيد على درجة الحرارة، فبعد ميكروثانية من الانفجار العظيم، حين كانت درجة الحرارة تبلغ تريليون درجة، لم يكن لفارق الكتلة البالغ ٠٫١ بالمائة أثر يذكر (بالمقارنة بالطاقة الحرارية الهائلة المتاحة)، لذا كانت نسبة النيوترونات إلى البروتونات واحدًا إلى واحد تقريبًا. لكن مع انخفاض درجة الحرارة أكثر وأكثر صارت الطاقة الحرارية متاحة للتقاسم، وهنا مالت الكفة بدرجة كبيرة ناحية البروتونات الأخف وزنًا؛ إذ انخفضت نسبة النيوترونات إلى البروتونات بشكل قاس لتبلغ واحدًا إلى ستة (أي ستة بروتونات مقابل كل نيوترون). في هذه المرحلة خرجت النيوترينوات من المعادلة، وظلت نسبة البروتونات إلى النيوترونات ثابتة على ما يربو قليلًا عن الستة إلى واحد.

الآن يمكنك أن ترى ما كان سيحدث لو أن القوة الضعيفة كانت أضعف مما هي عليه: كانت النيوترينوات ستترك الصراع بشكل أسرع، حين كان الكون أكثر حرارة وكانت المزية العددية الممنوحة للبروتونات الأخف وزنًا، بفعل مبدأ التوزيع العادل، أقل. كان هذا سيعني وجود نيوترونات أكثر وبروتونات أقل في الخليط النهائي. ولأن فائض البروتونات هو الذي شكل بعد ذلك الهيدروجين، ستكون بالتالي كمية الهيدروجين في الكون أقل وتكون نسبة الهليوم أعلى. ولو كانت النسبة التي توقف عندها التفاعل واحدًا إلى واحد بالضبط، كانت المادة «كلها» سينتهي بها الحال إلى الهليوم. كانت قلة الهيدروجين ستسبب تداعيات خطيرة على الحياة؛ فالنجوم المستقرة طويلة العمر، كشمسنا، هي مفاعلات نووية هيدروجينية، ودون مخزون وفير من هذه المادة الخام كانت النجوم ستحرم من الوقود اللازم لها وكانت خصائصها ستختلف اختلافًا كبيرًا. أيضًا يتحد الهيدروجين مع الأكسجين لتكوين الماء، الذي يلعب دورًا محوريًّا في قصة الحياة بجميع مراحلها. على سبيل المثال، بدأت الحياة على الأرجح في «حساء بدائي» مائي، وطوال القدر الأعظم من تاريخها، ظلت الحياة على الأرض مقصورة على المحيطات. وحتى حيوانات البر، مثلنا، تتكون أجسامها بنسبة ٧٥ بالمائة من الماء. ودون وفرة من الماء ستكون فرص ظهور الحياة وازدهارها شحيحة.

المحصلة النهائية لتلك الاعتبارات النووية العديدة، إذن، هي أنه لو كانت القوة النووية الضعيفة أقوى مما هي عليه أو أضعف ولو بقدر ضئيل، كان التركيب الكيميائي للكون سيختلف اختلافًا كبيرًا، مقللًا من فرص ظهور الحياة.

(٧) الضبط الدقيق للقوى الأخرى

سأتحول الآن إلى القوتين الأخريين من قوى الطبيعة؛ قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية. إلى أي مدى تسهم خصائصهما في قصة الحياة؟ من السهل تبين كيف يمكن لتغيير خصائص هاتين القوتين بشكل كبير أن يهدد الحياة، فلو كانت الجاذبية أقوى فستحترق النجوم أسرع، وتموت في سن مبكرة؛ فإذا تمكنا بصورة سحرية من جعل قوة الجاذبية أقوى، لنقل، بمرتين، عندئذٍ ستسطع الشمس أقوى بمائة ضعف، وسينخفض عمرها كنجم مستقر من ١٠ مليارات عام، إلى أقل من ١٠٠ مليون عام، وهي فترة غير كافية لظهور الحياة، وبالتأكيد لا تكفي لتطور مراقبين أذكياء. وإذا كانت القوة الكهرومغناطيسية أقوى بمرتين لكانت قوة التنافر الكهربي بين البروتونات أعظم، وهو ما يهدد استقرار النواة.

من الأمور اللافتة للنظر في قوة الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية ذلك الاختلاف الشاسع بين قوتيهما؛ ففي ذرة الهيدروجين العادية يرتبط إلكترون وحيد ببروتون وحيد بفعل قوة الجذب الكهربي. لكن ثمة مصدرًا آخر للجذب هنا أيضًا؛ إنه قوة الجاذبية. من السهل حساب القوة النسبية لكلا نوعي الجذب، ويتضح من الحسابات أن القوة الكهربية أقوى بحوالي ١٠٤٠ مرة من قوة الجاذبية. من الجلي، إذن، أن قوة الجاذبية أضعف بمراحل مقارنة بالقوة الكهرومغناطيسية.

لكن ليست هذه هي الكيفية التي نشعر بها بهذه القوى؛ فنحن نشعر بقوة الجاذبية الأرضية كثيرًا، وتبدو القوى الكهربية تافهة مقارنة بها. السبب في ذلك هو التأثير التراكمي لقوة الجاذبية؛ فكلما زادت المادة صارت الجاذبية أقوى. لكن الموقف مختلف في حالة الشحنات الكهربية لأنها تأتي على صورتين، موجبة وسالبة. فإذا راكمت شحنة كهربية موجبة عظيمة في مكان ما فستجتذب إليها شحنة سالبة من البيئة المحيطة، وهو ما يقلل من قوتها الصافية. بهذه الصورة تتسم الشحنة الكهربية بأنها كابحة لذاتها بطبيعتها. لكن هذا لا يحدث مع الجاذبية؛ فكلما زادت المادة الموجودة في مكان ما جذبت إليها المزيد من المادة، وتعاظمت قوة الجاذبية المجتمعة أكثر. لذا تعد قوة الجاذبية معززة لذاتها بطبيعتها، وبهذا رغم ضعفها الشديد فإنها تستطيع التراكم حتى تصير مهيمنة، كما يحدث في حالات انهيار النجوم.

منذ عدة سنوات وجد براندون كارتر علاقة مثيرة للدهشة بين النسبة غير المفسرة ١٠٤٠ وخصائص النجوم؛ على كل نجم أن ينقل الحرارة من الأتون المتقد في قلبه إلى السطح، حيث يشع الحرارة إلى الفضاء. يمكن للحرارة أن تتدفق بصورتين؛ بالإشعاع: وفي هذه الحالة تحمل الفوتونات الطاقة، وبالحمل: وفي هذه الحالة يرتفع الغاز الحار من الأعماق إلى السطح، حاملًا الحرارة معه. لشمسنا طبقة خارجية توصل الحرارة بالحمل، ومن خلال التلسكوب يبدو سطحها في حالة من الغليان الهائل المضطرب. يعتقد العلماء أن هذه الحركة الخاصة بحمل الحرارة تلعب دورًا في تكوين الكواكب، رغم أنهم لا يعرفون كيف يحدث هذا تحديدًا (لا تزال عملية تكون الكواكب غير مفهومة إلى حدٍّ بعيد). تعتمد النجوم الأكبر على نقل الحرارة بالإشعاع وليس بالحمل، ويُعتقد أن لهذا دورًا في تشكيل الظروف المؤدية إلى انفجارات السوبرنوفا. ولأن الكواكب والسوبرنوفا تلعب دورًا حيويًّا في قصة الحياة، من الأهمية بمكان أن يحتوي الكون على النجوم التي تنقل الحرارة بالحمل، وتلك التي تنقلها بالإشعاع. اكتشف كارتر من نظرية البنية النجمية أنه للحصول على كلا النوعين من النجوم يجب أن تكون نسبة القوة الكهرومغناطيسية إلى قوة الجاذبية قريبة للغاية من القيمة المحددة ١٠٤٠. إذا كانت قوة الجاذبية أقوى بقليل فستكون النجوم كافة من النجوم الناقلة للحرارة بالإشعاع، ولم تكن الكواكب لتتكون، ولو كانت الجاذبية أضعف فستكون النجوم كافة من النجوم الناقلة للحرارة بالحمل، وربما لم تكن السوبرنوفا لتوجد، وفي كلتا الحالتين، كانت احتمالات ظهور الحياة ستقل كثيرًا.

(٨) المزيد من أعاجيب الضبط الدقيق

كما لو أن ما وصفته إلى الآن ليس كافيًا، ثمة المزيد من «الصدف السعيدة» في الفيزياء الأساسية تجعل الكون ملائمًا لاستضافة الحياة. من الأمثلة الأخرى كتل الجسيمات دون الذرية المتنوعة. يضع الفيزيائيون جداول لها، ويضعون بها أرقامًا مبهرة، بيد أنها من الظاهر لا تحمل أي معنى على الإطلاق. دائمًا ما أتلقى العديد من المخطوطات من علماء هواة ذوي عقول حالمة يعتقدون أنهم حددوا أنماطًا معينة للقيم العددية لهذه الكتل. لكن مما يؤسف له أن كل هذه الأفكار غير سليمة. ربما في يوم ما يتمكن المنظرون من استقاء هذه الأرقام من بعض المبادئ الرياضية الأعمق المرتبطة بنظرية فيزيائية ملائمة، لكن ليس من المرجح حدوث هذا في وقت قريب. في الوقت ذاته يمكننا اعتبار هذه الأرقام كمسلمات، والتحديق بها، والتساؤل عما تعنيه للحياة.

لتدرك ما أعني تدبر ما يلي؛ النسبة بين كتلة البروتون وكتلة الإلكترون هي ١٨٣٦٫١٥٢٦٦٧٥، وهو رقم عادي لا شيء استثنائي فيه، وتبلغ النسبة بين كتلة النيوترون وكتلة البروتون ١٫٠٠١٣٧٨٤١٨٧٠، وهو رقم لا يوحي بشيء هو الآخر. من الناحية المادية يعني هذا الرقم أن البروتون يحمل تقريبًا نفس كتلة النيوترون؛ الأثقل، كما رأينا من قبل، بحوالي ٠٫١ بالمائة. هل هذه الحقيقة مهمة؟ في الواقع هي كذلك، ولا تقتصر أهميتها على تحديد نسبة الهيدروجين إلى الهليوم في الكون. إن حقيقة أن كتلة النيوترون يتصادف أنها أكبر بقدر طفيف من مجموع كتلة البروتون والإلكترون والنيوترينو مجتمعة هي التي تمكن النيوترونات الحرة من التحلل. فإذا كانت النيوترونات أخف ولو بقدر طفيف «جدًّا» فلن تتمكن من التحلل دون الاستعانة بطاقة خارجية من نوع ما. ولو كانت النيوترونات أخف ولو بنسبة واحد بالمائة فستكون كتلتها أقل من كتلة البروتونات، وسينقلب الحال؛ إذ ستكون البروتونات المنفردة، وليس النيوترونات، غير مستقرة. وقتها ستتحلل البروتونات إلى نيوترونات وبوزيترونات، وهو ما سيكون له تداعيات خطيرة على الحياة؛ لأنه من دون البروتونات لن توجد ذرات أو كيمياء.

يقدم علم الكونيات أمثلة أخرى لافتة للنظر على الضبط الدقيق. كما ناقشت من قبل، يُغطى إشعاع الخلفية الكوني بتموجات أو اضطرابات مهمة للغاية؛ إذ إنها تعكس بذور البنية الكلية للكون. هذه البذور، كما تذكر، يُعتقد بأنها نشأت في التفاوتات الكمية التي وقعت إبان التضخم. من الناحية العددية هذه التفاوتات لها حجم صغير؛ حوالي جزء واحد في كل مائة ألف جزء، وهي الكمية التي يشير لها علماء الكونيات بالحرف Q. لو حدث أن كان Q أصغر من واحد على مائة ألف، واحد على مليون مثلًا، فسيمنع هذا المجرات والنجوم من التكون. وعلى العكس، لو كان Q أكبر؛ جزء في العشرة آلاف أو أكثر، فستكون المجرات أكثر كثافة، وهذا سيؤدي إلى المزيد من التصادمات النجمية المخلة بنظام الكواكب. إذا كان Q كبيرًا للغاية فسينتج عن ذلك ثقوب سوداء عملاقة بدلًا من عناقيد النجوم. في شتى الحالات يحتاج Q أن يستقر في نطاق ضيق محدد كي يسمح بتكون نجوم مستقرة طويلة العمر وفيرة العدد مصحوبة بنظم كوكبية من النوع الذي نسكنه.
بالعودة إلى تشبيه آلة التصميم الكونية، فإن تجمع هذا العدد المناسب من «الصدف» السعيدة في الفيزياء وعلم الفلك يشي بضبط مفاتيح الآلة ضبطًا دقيقًا، وإلا لكان الكون غير صالح للسكنى إلى حدٍّ بعيد. ولكن كم عدد المفاتيح في هذه الآلة؟ يحتوي النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات حوالي عشرين متغير غير محدد، ويحوي علم الكونيات حوالي عشرة، وبهذا يكون لدينا أكثر من ثلاثين «مفتاحًا».18 لكن كما حذرت من قبل، ليست جميع المتغيرات مستقلة بعضها عن بعض، ولا تحتاج كلها لهذا الضبط الدقيق كي تسمح بوجود الحياة، مع أن بعضها يحتاج هذا بالفعل. إن بعض الأمثلة التي ذكرتها تتطلب «ضبط المفاتيح» ضبطًا دقيقًا للغاية بهامش لا يتجاوز الواحد بالمائة كي يكون الكون ملائمًا للحياة. لكن حتى هذه الحساسية تبدو غير مهمة مقارنة بأكبر لغز يحيط بالضبط الدقيق على الإطلاق؛ إنه الطاقة المظلمة.

(٩) المثال الأعظم على الضبط الدقيق في الكون

وصفت الطاقة المظلمة بأنها قوة طرد — أو جاذبية مضادة — كونية تبعد المجرات بعضها عن بعض بمعدل متزايد. بيد أن هذا الوصف مضلل بعض الشيء؛ لأن الجاذبية المضادة تظل تعمل حتى في حالة عدم وجود المادة العادية على الإطلاق. وكما تحدثت باختصار في الفصل الثالث فإننا لو وضعنا في الاعتبار قوى الطرد الكونية فسيتمدد الكون الخاوي تمامًا بصورة «أسّية»؛ أي يتضاعف في الحجم على فترات منتظمة من الوقت. خلاصة القول هو أننا نستطيع التفكير في الفضاء الخاوي على أنه مليء بطاقة مظلمة غير مرئية وما يرتبط بها من ضغط سالب، وهذا المزيج هو ما يخلق الجاذبية المضادة.

لماذا يجب أن يحتوي الفضاء الخاوي على طاقة مظلمة؟ لماذا لا يكون خاويًا وحسب، دون وجود أي طاقة من أي نوع؟ هناك سبب لذلك، ألمحت إليه في الفصل الثالث، يتمثل في أن الفضاء سيحتوي على طاقة مظلمة لو كان يتخلله مجال قياسي غير مرئي، مثل مجال التضخم. لن نقدر على رؤية هذا المجال أو لمسه، لكنه سيولد جاذبية مضادة، وهو نفس ما يفترض حدوثه بقوة إبان مرحلة التضخم للكون المبكر للغاية. لكن هناك سببًا آخر تقدمه لنا ميكانيكا الكم، التي تتنبأ بأنه حتى الفضاء الخاوي يمتلئ بجسيمات افتراضية (انظر الإطار [غرابة ميكانيكا الكم]). تحمل الجسيمات الافتراضية طاقة على غرار الجسيمات العادية، ويتضح لنا أنها تحمل أيضًا مقدار الضغط السالب المطلوب لتوليد قوى طرد كونية من النوع الذي اقترحه أينشتاين.

أوضحت من قبل أنه حين أدرج أينشتاين قوى الطرد الكونية «عنوة» في نظرية النسبية العامة، لم تستطع النظرية نفسها تحديد قيمتها. كانت له حرية اختيار أي رقم يريده كي يضرب فيه طرف الجاذبية المضادة في المعادلة ومن ثم يحدد مدى شدة قوة الطرد الكونية الكلية. حدث أن استخدم أينشتاين البيانات الفلكية لحساب قيمة مقبولة تسمح بوجود كون ثابت، وهو النموذج الأثير لديه. حين غير أينشتاين رأيه حيال الكون الثابت، كان كل ما عليه عمله هو تعديل الرقم الذي يُضرب فيه طرف الطرد الكوني في المعادلة إلى الرقم صفر، وبهذا يلغي ذلك الطرف من المعادلات بالكامل. مثل هذا المنهج السريع غير الدقيق لحساب قوة الطرد الكونية، أو الجاذبية المضادة، قد يكون مبررًا إذا كان تحليلنا يقتصر على قوة الجاذبية وحدها، لكن حين تدخل ميكانيكا الكم الصورة فلن يفلح الأمر.

منذ حوالي ثلاثين عامًا قرر عدد من علماء الفيزياء النظرية، بمن فيهم أنا، تحديد مقدار الطاقة المظلمة التي ستتولد من جميع الجسيمات الافتراضية التي تقطن الفراغ الكمي (انظر الإطار [الطاقة المظلمة والفراغ الكمي] لمزيد من التفاصيل). يمكن لنا التفكير، مثلًا، في المجال الكهرومغناطيسي وتحديد مقدار طاقة الكم الكامنة في حجم معين من الفضاء «الخاوي» (أي الذي لا يحوي أي فوتونات). ليس حساب ذلك بالأمر العسير؛ بل يمكن الوصول لإجابة تقريبية بعمل بعض الحسابات على ظهر مظروف. إلا أن الإجابة، لسوء الحظ، يستحيل تصديقها. فبتحويلها إلى كثافة للمادة يكون الناتج حوالي ١٠٩٣ جرام في السنتيمتر المكعب؛ ما يعني أن ملء كستبان من الفضاء الخاوي من المفترض احتواؤه على مليون مليار مليار مليار مليار مليار مليار مليار طن! علق ستيفن هوكينج على هذا الأمر ذات مرة مازحًا بقوله: إن هذا بالتأكيد أكبر فشل لنظريات الفيزياء في التاريخ. كيف وقعنا في مثل هذا الخطأ؟19

الطاقة المظلمة والفراغ الكمي

تتنبأ ميكانيكا الكم بأنه حتى الفضاء الخاوي مليء بالطاقة المظلمة، وإليك السبب: تخيل أن هناك بندولًا يتكون من كرة معلقة في خيط. حين يتأرجح البندول يكتسب نوعين من الطاقة: طاقة الحركة (المكتسبة من حركة البندول)، وطاقة الوضع (التي تكتسبها الكرة وهي ترتفع أعلى أكثر النقاط انخفاضًا في تأرجحها). تكون طاقة البندول صفرًا حين تتدلى الكرة دون حركة في أكثر النقاط انخفاضًا.

تغير ميكانيكا الكم هذه الصورة البسيطة. يمنع مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج الكرة من أن يكون لها حركة تامة التحديد وموضع تام التحديد في الوقت ذاته؛ فهناك تبادل في اليقين بينهما (انظر الإطار [غرابة ميكانيكا الكم]). إذا تحدد موضع الكرة بدقة في أكثر النقاط انخفاضًا، وهو ما يقلل بالتالي الطاقة إلى الصفر تقريبًا، فسيكون عدم اليقين كبيرًا فيما يخص حركتها، ومن ثم لا يمكن أن تبلغ طاقتها الحركية الصفر قط. وبالعكس، إذا اعتُبرت الكرة في حالة سكون — أي إن طاقة الحركة لها تقارب الصفر — فسيكون عدم اليقين كبيرًا فيما يخص موضعها الرأسي، ومن ثم ستكتسب طاقة وضع. توضح الحسابات الدقيقة أن هذين الإسهامين الكميين في الطاقة دائمًا ما يؤديان للنتيجة ذاتها، والمسماة بطاقة نقطة الصفر للبندول. تعتمد قيمة هذه الطاقة على التردد الطبيعي لتأرجح البندول، فكلما تأرجح البندول أسرع صارت طاقة نقطة الصفر أكبر.

جميع النظم الكمية التي يمكنها التأرجح، على سبيل المثال الذرات الموجودة في البنية البلورية أو الجزيئات ثنائية الذرة، لها طاقة نقطة صفر غير قابلة للخفض. وحتى الموجات الكهرومغناطيسية لها طاقة نقطة صفر. وهذا ليس بمفاجأة؛ أخذًا في الاعتبار أن حركة الموجات متذبذبة. يمكن للموجات الكهرومغناطيسية أن يكون لها أي طول موجي، وكل طول موجي يملك طاقة نقطة صفر خاصة به غير قابلة للخفض، توجد حتى لو لم يكن هناك أية فوتونات حاضرة. كلما كان الطول الموجي أقصر زاد تردد الموجة وزادت طاقة نقطة الصفر المرتبطة بها.

من السهل إجراء عملية حسابية بسيطة نجمع فيها كل طاقات نقطة الصفر المرتبطة بجميع الأطوال الموجية المحتملة. لكن يجب اتخاذ قرار بشأن أين تتوقف عملية الجمع؛ لأن هناك عددًا لانهائيًّا من الأطوال الموجية (يمكن تمثيل المجال الكهرومغناطيسي على شكل مجموعة لانهائية من الذبذبات)، والأطوال الموجية متناهية الصغر لها طاقة غير محدودة. إذا جمعت كل هذا فستحصل على إجابة مفادها أن الفراغ يحتوي على طاقة نقطة صفر كمية «لانهائية». الطول المناسب للتوقف عن عملية الجمع هو طول بلانك (انظر الفصل الثالث)؛ لأن طاقة نقطة الصفر في هذا التردد كبيرة حتى إنها تبدأ في حني المكان إلى أشكال عجيبة. التوقف هناك يمدنا بقيمة طبيعية لكثافة الطاقة المظلمة، وهي طبيعية لأننا لم ندخل أي كميات إلى النظرية باستثناء ثوابت الطبيعة، ثابت الجاذبية وثابت بلانك وسرعة الضوء، التي تضمها النظرية على أية حال. بالتعبير عنها على شكل كثافة كتلية تبلغ القيمة المستقاة من عملية الجمع هذه حوالي ١٠٩٣ جرام لكل سنتيمتر مكعب، وهو تقدير مبالغ فيه بشكل هائل مقارنة بالقيمة المقاسة للطاقة المظلمة، والبالغة قيمة تافهة قدرها ١٠−٢٨ جرام لكل سنتيمتر مكعب.
في مواجهة مثل هذا الإحراج الكبير عمد علماء الفيزياء للبحث عن تفسير. ربما توجد آلية اختزال من نوع ما. إن المجال الكهرومغناطيسي ما هو إلا واحد من مجالات عديدة في الطبيعة، وبعض المجالات الأخرى تسهم بطاقة مظلمة سالبة. ربما يوجد تناظر عميق يجعل القوى الموجبة والسالبة يلغي بعضها بعضًا إلغاءً تامًّا. وفي الواقع يوجد بالفعل هذا النوع من التناظر، وهو التناظر الفائق. المشكلة هي أننا نعرف أن التناظر الفائق لا يعمل في العالم الحقيقي، وما لم يكن التناظر تامًّا فلن تلغي التأثيرات الموجبة والسالبة بعضها بعضًا. جُربت أفكار عديدة أخرى، لكنها جميعًا بدت ملفقة. ومع ذلك كان من الممكن أن نؤمن — بل آمن بالفعل بعض علماء الفيزياء والكونيات — بأن آلية فيزيائية «من نوع ما» هي التي قادت قيمة الطاقة المظلمة (أو قوى الطرد الكونية) إلى الصفر بالضبط.20
تحطمت هذه الآمال تمامًا حين اكتشف علماء الفلك أن الطاقة المظلمة لا تبلغ قيمتها صفرًا بأي حال. كان هذا الأمر صادمًا؛ إذ اتضح أن قيمة كثافة كتلة الطاقة المظلمة التي قاسها العلماء تبلغ عشرة أسّ ١٢٠ «أقل» من القيمة «الطبيعية» التي نحصل عليها من تطبيق نظرية الكم على الجسيمات الافتراضية في الفراغ (انظر الإطار [الطاقة المظلمة والفراغ الكمي]). حين كانت قيمة الطاقة المظلمة تبلغ الصفر، كان على الأقل من المقبول الاعتقاد بأن آلية ما، سيتم اكتشافها مستقبلًا، هي التي تعمل على فرض هذا الاختزال بشكل تام. لكن، كما عبر ليونارد ساسكيند،21 فإن الآلية التي تلغي حتى أس واحد من ١٢٠ أس ثم تتوقف بعد ذلك هي شيء مختلف بشكل كلي. لإعطاء القارئ فكرة عن كيف يبدو هذا الاختزال شبه التام وكأنه عملية ضبط مقصودة، سأكتب لك الرقم عشرة أس ١٢٠ كاملًا:
١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
وهكذا تعمل عملية الضبط المقصودة هذه22 بشكل رائع (إن لم يكن غامضًا) طيلة عشرة أس ١١٩ ضعف، لكنها تتوقف بعد أن تبلغ عشرة أس ١٢٠.
مهما تكن ماهية الطاقة المظلمة — وقد تكون هي الطاقة الطبيعية للفضاء الخاوي — فهي طاقة خطيرة. في الحقيقة، قد تكون هذه الطاقة أخطر شيء يعرفه العلم. منذ حوالي عشرين عامًا، أوضح ستيفن واينبرج أنه لو كانت شدة الطاقة المظلمة أكبر ولو بشكل بسيط من قيمتها المدركة، فستعمل على كبح عملية تكون المجرات.23 تتكون المجرات عن طريق التجمع البطيء للمادة بفعل قوة الجاذبية. إذا قوبل هذا بقوة طرد كونية قوية بما يكفي فلن تتمكن المجرات من النمو بالشكل الملائم. وكما قلت من قبل فإنه دون المجرات لن تكون هناك نجوم أو كواكب على الأرجح، ولا حتى حياة. هكذا يعتمد وجودنا على كون الطاقة المظلمة غير قوية للغاية. إن فارق عشرة أضعاف يكفي لمنع الحياة من الظهور؛ بمعنى أنه لو كان الكون يحتوي على عشرة أضعاف مقدار الطاقة المظلمة التي يحتوي عليها الآن، إذن لتمدد بسرعة بالغة تمنع المجرات من التكون. قد يبدو فارق عشرة أضعاف كالهامش الواسع، لكن أسًّا واحدًا من ١٢٠ أسًّا يعد فارقًا تافهًا للغاية. إن العبارة التقليدية: «الحياة معلقة على حافة سكين.» هي وصف لا يفي موقفنا الحالي حق قدره؛ فلا يوجد في الكون بأسره سكين له مثل هذا الحد الرفيع.24

من الناحية المنطقية يمكن أن تتفق قوانين الفيزياء لخلق مثل هذا الاختزال شبه التام لقوة الطاقة المظلمة، لكن ستكون مصادفة استثنائية أن يكون «هذا القدر تحديدًا» من الاختزال — البالغ عشرة أس ١١٩ — هو المطلوب تمامًا لجعل الكون ملائمًا للحياة. إلى أي مدى يمكن الركون للمصادفات كجزء من التفسير العلمي؟ من معايير الحكم على الأمر تشبيهه بإلقاء العملة المعدنية؛ الاحتمال عشرة أس ١٢٠ إلى واحد يعني الحصول على الصورة وليس الكتابة لما لا يقل عن أربعمائة مرة على التوالي. وإذا كان وجود الحياة في الكون لا يعتمد بالكامل على آليات الضبط الدقيق هذه، أي إنه ليس إلا مصادفة، فهذه هي احتمالات وجودنا. إن ذلك القدر من المصادفات يبدو عسيرًا على التصديق وحسب.

لكن ما البديل؟ هناك بالفعل طريقة أخرى لتفسير القيمة الضئيلة للطاقة المظلمة، بل وربما جميع «المصادفات» السعيدة الأخرى في الفيزياء والكون، لكنها تتطلب منا الابتعاد عن طريقة التفكير المعتادة في العلم، وعلماء كثيرون يرهبونها. لكن، كما سنرى في الفصل التالي، قد تكون هي الإجابة الوحيدة.

النقاط الأساسية

  • يعتمد وجود الحياة كما نعرفها على العديد من المصادفات التي تشوب قوانين الفيزياء وبنية الكون.

  • من الأمثلة الأولى الشهيرة على الضبط الدقيق لقوانين الفيزياء عملية إنتاج الكربون في النجوم، التي تتطلب عددًا من «المصادفات» لإنتاج الرنين النووي بالطاقة المناسبة.

  • تلعب قوى الطبيعة الأربع دورًا في قصة الحياة. وتغيير إحداها، حتى ولو بقدر يسير، يمكن أن يدمر الكون.

  • لا يمكن أن تكون كتلة بعض الجسيمات الأساسية مختلفة عما هي عليه دون المخاطرة بقدرة الكون على استضافة الحياة.

  • القيمة المقاسة للطاقة المظلمة أقل بمقدار عشرة أس ١٢٠ من قيمتها الطبيعية، وذلك لأسباب غامضة تمامًا. ولو كان هذا المقدار عشرة أس ١١٩ وليس عشرة أس ١٢٠ لكانت عواقب ذلك مهلكة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤