الفصل الخامس

مصانع الذرَّة: تخليق عناصر جديدة

كم عدد العناصر الموجودة؟ لا أعلم، ولا يعلم أحدٌ غيري. حسنًا، يمكنهم إخبارك بعدد العناصر «الطبيعية» الموجودة؛ أي العدد الذي يمكننا أن نتوقَّع العثور عليه بوجه عام في الكون. هذه السلسلة تتوقَّف عند اليورانيوم؛ العنصر رقم ٩٢.١ ولكن بالنسبة إلى عدد العناصر المحتمَل، ليست لدينا أي فكرة عما قد يصل إليه الحد الأقصى.

تَعاوَن الكيميائيون والفيزيائيون منذ منتصف القرن العشرين لصنع عناصر جديدة؛ أي مواد لم يسبق رؤيتها على كوكب الأرض. فهم يوسعون بمشقةٍ الجدولَ الدوري، خطوة خطوة، ليشمل عوالم مجهولة يصبح فيها من الصعب على نحو متزايد التنبؤ بالعناصرِ التي قد تتشكَّل وسلوكِها الكيميائي. هذا هو مجال الكيمياء النووية. فبدلًا من خلط العناصر لتكوين تركيبات جديدة — جزيئات ومركَّبات — كما يفعل معظم الكيميائيين، فإن الكيميائي النووي يُجبِر الجسيمات دون الذرية (البروتونات والنيوترونات) على الارتباط ضمن علاقات جديدة داخل الأنوية الذرية.

هذا هو هدف الخيمياء الذي تَحقَّق أخيرًا: تحويل عنصر إلى آخر. كان مصير الخيميائيين القدماء هو الفشل؛ لأنه ببساطةٍ من غير الممكن تحويل العناصر باستخدام الطاقة الكيميائية (أي الطاقة المستخدَمة في صنع وكسر الروابط بين الذرَّات). مع ذلك، تَغيَّر كل شيء باكتشاف النشاط الإشعاعي في نهاية القرن التاسع عشر؛ وهو الاكتشاف الذي أدَّى إلى واحد من أبرز العصور المثمرة والمصيرية في تاريخ الكيمياء. بدأ ذلك في سقيفة خشبية مسرِّبة للمياه في كلية الكيمياء والفيزياء في باريس، سقيفة كانت ماري كوري وزوجها بيير يستخدمانها كمختبر. بمنظورٍ ما، انتهت تلك القصة في مدينة هيروشيما في جنوب اليابان عام ١٩٤٥م، ولكن بمنظور آخر، لم تنتهِ فعليًّا مطلقًا؛ فنحن الآن في العصر النووي على نحوٍ لا رجعة فيه.

كيفية شطر الذرَّة

التحقتْ ماريا سكلودوفسكا — وهي امرأة بولندية شابة — بجامعة السوربون المرموقة في باريس في الوقت الذي كان يَعتبر فيه العديدُ من العلماء أنه من الغريب أن ترغب امرأةٌ في دخول هذا المجال على الإطلاق. تزوَّجت من الأستاذ الفرنسي بيير كوري عام ١٨٩٥م، وبدأ آل كوري بعد ذلك دراسة الأشعة الغامضة التي وجد هنري بيكريل أنها تنبعث من أملاح اليورانيوم عام ١٨٩٦م. بيكريل كان بدوره محفَّزًا باكتشاف فيلهلم رونتجن في العام السابق؛ فقد وجد رونتجن أن أنبوب أشعة الكاثود أطلق أشعة جعلت شاشة فوسفورية تتوهَّج.

كان أنبوبُ أشعة الكاثود الأداةَ المفضَّلة لدى فيزيائيي أواخر القرن التاسع عشر. فداخل هذا الأنبوب الزجاجي المفرَّغ من الهواء، تُطلِق لوحةٌ معدنية سالبة الشحنة وساخنة «شعاعًا كاثوديًّا» يمكن تركيزه وزيادة سرعته من خلال انجذابه تجاه لوحة موجبة الشحنة. وأوضح جيه جيه طومسون أن هذا الشعاع يتألَّف من جسيمات دون ذرية سالبة الشحنة، سُمِّيت إلكترونات. يشكِّل أنبوب أشعة الكاثود الأساس الذي صُمِّمت به شاشات التليفزيون، التي يصدم فيها شعاع من الإلكترونات مادة تسمَّى الفوسفور ويجعلها تتوهَّج (انظر الفصل السابع).

لكن أشعة رونتجن الغامضة لم تكن أشعة كاثودية؛ فكانت تنبعث من زجاج الأنبوب إذا سقطت عليه أشعة كاثودية. وهذا أيضًا جعل الزجاج يتوهَّج منتِجًا ضوءَ الفلورسنت. مرَّت أشعة رونتجن من خلال ورقة سوداء، وكان إذا وَضَعَ يده بين الأشعة والشاشة المتوهجة، يستطيع رؤية ظلال عظامه في الصورة على الشاشة. وقد أطلق على هذه الأشعة اسم أشعة X (الأشعة السينية) في إشارة منه إلى هذا النوع المجهول من الأشعة.
تساءل بيكريل في باريس عما إذا كانت المواد الفلورية أو الفوسفورية الطبيعية٢ يمكن أيضًا أن تُطلِق الأشعة السينية. كان من المعروف أن بعضَ الأملاح المعدنية التي تحتوي على عنصر اليورانيوم — وهو معدن ثقيل جدًّا اكتشفه الكيميائي الألماني مارتن كلابروت عام ١٧٨٩م — فوسفوريةٌ. وكان بيكريل يَعرف أن توهُّج ملح اليورانيوم تُحفِّزه أشعة الشمس. ومع ذلك، تَفاجأ عند اكتشافه أن الألواح الفوتوغرافية الملفوفة في ورقة سوداء انطبعت على صور ملح اليورانيوم المنثور عليها عندما حُفظت لعدة أيام في درج مظلم. وبدا أن مركَّبات اليورانيوم تُطلِق نوعًا آخر من الإشعاع بخلاف الأشعة السينية ولا يرتبط بالتفلور (إطلاق نور ناشئ عن امتصاص الإشعاع من مصدر آخر).

أطلق بيير وماري كوري على إشعاع بيكريل اسم «النشاط الإشعاعي»، ووجدا أن هناك عنصرًا آخر ثقيلًا — الثوريوم — مشعًّا أيضًا، واستنتجا أن خام اليورانيوم الطبيعي (اليورانينيت أو خلطة القار كما يُطلَق عليه) يتضمَّن عناصر مشعَّة أخرى، تسمَّى البولونيوم (اشتقاقًا من اسم بلد ماري الأصلي) والراديوم (لأنه توهج). وبعد عامين من غربلة أطنان من خام اليورانيوم، عَزَلَا أملاح هذه العناصر الجديدة. ترك هذا العمل آل كوري مشوَّهِي الأيدي كثيرًا بسبب حروق الإشعاع، ولا شك أنه عجَّل بوفاة ماري جراء سرطان الدم عام ١٩٣٤م. وربما كان بيير سيَلقى المصير نفسه لولا أنه توفي على نحوٍ مأساوي في حادث سير عام ١٩٠٦م.

fig10
شكل ٥-١: استنتج إرنست رذرفورد (١٨٧١–١٩٣٧م) البنية الأساسية للذرَّات وأنشأ مجال الفيزياء النووية.
مُنحت ماري كوري — التي أصبحت عالِمة بارعة في مجال الكيمياء التحليلية — جائزة نوبل للفيزياء عام ١٩٠٣م، بالاشتراك مع كلٍّ من زوجها بيير وهنري بيكريل؛ لجهودهم في مجال النشاط الإشعاعي. دائمًا ما اعتبر الفيزيائي إرنست رذرفورد (شكل ٥-١) أنه من المفارقة أن يحصل على جائزة نوبل في الكيمياء. ولكنَّ نوع الكيمياء الذي ركَّز رذرفورد عليه كان غريبًا وجديدًا.

في عام ١٨٩٩م، حدَّد رذرفورد شكلَين من أشكال النشاط الإشعاعي، أسماهما جسيمات ألفا وبيتا. وكما رأينا سابقًا، استنتج أن جسيمات ألفا عبارة عن أنوية هليوم، وجسيمات بيتا عبارة عن إلكترونات؛ ولكنها تأتي على نحو غريب من نواة الذرَّة، التي من المفترض أن تكون مؤلَّفة فقط من البروتونات والنيوترونات. ودفع هذا — قبل اكتشاف النيوترون — رذرفورد وغيره إلى الاعتقاد بأن النواة تحتوي على بعض البروتونات المرتبطة ارتباطًا شديدًا بإلكترونات تجعل شحنتها الكهربية متعادلة. وأصبحت هذه الفكرة عديمة الجدوى عندما اكتشف تشادويك لأول مرة النيوترون عام ١٩٣٢م. ولكنها في الواقع كانت تتضمَّن حقيقةً أعمق؛ لأن السبب في انبعاث جسيم بيتا كان تحوُّل (أي «تحلُّل») نيوترون إلى بروتون وإلكترون.

أوضح رذرفورد والكيميائي الإنجليزي فردريك سودي — أثناء عملهما في جامعة ماكجيل بمونتريال — في عام ١٩٠٠م أن الثوريوم المشع يبعث ذرَّات من غاز الرادون النبيل. من أين يأتي هذا العنصر الخامل؟ خَلَص رذرفورد وسودي إلى أن الثوريوم «يتحوَّل إلى عنصر مختلف» عن طريق التحلل الإشعاعي.

أدرك العالِمان أن الجسيمات التي تنبعث من العناصر المشعَّة أثناء تحلُّلها هي في الحقيقة أجزاء ضئيلة من الأنوية الذرية. فبطردها، تُغيِّر النواة عدد البروتونات التي تحتوي عليها؛ ومن ثم تصبح نواةً لعنصر مختلف. تَحلُّل ألفا يزيل اثنين من البروتونات واثنين من النيوترونات (نواة الهليوم)، وهكذا فإنه يحول العنصر إلى عنصر أخف وزنًا بقدر طفيف يقع على بُعد عمودين «سابقين» عليه في الجدول الدوري. ويحوِّل تحلُّل بيتا نيوترونًا واحدًا إلى إلكترون (يتم إطلاقه) وبروتون (يبقى في النواة)؛ ومن ثم يَزيد العدد الذري ويتحرَّك العنصر «متقدِّمًا» عمودًا واحدًا عبر الجدول الدوري. وضَع نيلز بور وسودي هذه القاعدة، التي أُطلِق عليها اسم: قانون النزوح الإشعاعي.

قدَّر رذرفورد وسودي عام ١٩٠٣م كمية الطاقة المنبعثة عندما تتحلَّل نواةٌ مشعَّة، ووجدا أنها كانت «لا تقل عن عشرين ألف — بل ربما مليون — ضعفِ طاقةِ أيِّ تغييرٍ جزيئيٍّ» (وهو الذي كانا يعنيان به أي تفاعل كيميائي). كان يوجد كمٌّ هائل من الطاقة محتجَزًا في النواة. وأشار رذرفورد الذي كان مرحًا بطبيعته مازحًا: إذا أمكن إطلاقها، «فإن شخصًا أحمقَ في مختبرٍ ما قد ينسف الكون بأكمله دون قصد.» وكان سودي أكثر واقعيةً إذ قال: «إن الرجل الذي يعثر على الرافعة التي تتحكَّم بها الطبيعة الشحيحة للغاية في ناتج مخزن الطاقة هذا قد يمتلك سلاحًا يمكن من خلاله أن يدمر الأرض إذا رغب في ذلك.»

كانت هذه مجرد البداية؛ ففي عام ١٩١٩م، اكتشف رذرفورد أن جسيمات ألفا المنبعثة من الراديوم تنتزع بروتونات من أنوية ذرَّات النيتروجين. كان هذا شيئًا جديدًا. تحلَّلت العناصر المشعَّة تلقائيًّا إلى عناصر أخرى؛ لأنها كانت غير مستقرة في الأساس. ولكن لا يوجد شيء غير مستقر يتعلَّق بالنيتروجين. مع ذلك، تَمكَّن رذرفورد من تحويله «اصطناعيًّا». أطلقت الصحف عبارة جذابة على هذا العمل الفذ: «شطر الذرَّة».

تصبح الذرَّات تدريجيًّا أكثر صعوبةً في شطرها بهذه الطريقة عندما يكبر حجمها؛ وذلك لأن كلًّا من جسيمات ألفا والأنوية الذرية موجبة الشحنة؛ لذلك فإن أحدهما ينفِّر الآخر. فمن أجل الوصول إلى النواة وشطرها، ينبغي على جسيمات ألفا اختراق هذا الحاجز التنفيري. وكلما كانت النواة أكبر، احتوت على بروتونات أكثر؛ ومن ثم كانت شحنتها الموجبة أكبر. ولا تملك جسيماتُ ألفا القادمة من مصادرَ مشعةٍ طبيعيةٍ ما يكفي من الطاقة لاختراق الحاجز الكهربي القوي الموجود حول النواة الكبيرة.

كان الجواب هو إطلاق جسيمات ألفا على نحوٍ أسرع. وبما أن الجسيمات مشحونة كهربائيًّا، فإنه يمكن استخدام المجالات الكهربائية لتسريعها، تمامًا كما يعجِّل مجالُ الجاذبية من سقوط تفاحة. في عام ١٩٢٩م، خطرت على ذهن الفيزيائي الأمريكي إرنست لورنس في جامعة كاليفورنيا ببيركلي فكرة استخدام لوحات عالية الجهد لتسريع الجسيمات المشحونة لتصل إلى سرعات عالية. وشُكِّلت الألواح لتحفِّز الحركة المغزلية للجسيمات؛ إذ إن تسريعها على طول مسار مستقيم يتطلَّب معجِّلًا أطول من المختبر.٣ وبوضع هذه المسارات في الحسبان، أطلق لورنس على تصميمه اسم «سيكلوترون» (المسرِّع الدوراني).

الحدود الخارجية

كاد العالِمُ الفرنسي فريديريك جوليو وزوجتُه إيرين كوري — ابنةُ ماري وبيير — أن يسبقا تشادويك إلى اكتشاف النيوترون؛ فقد تعقَّبا ملاحظات الفيزيائي الألماني فالتر بوته في أواخر عشرينيات القرن العشرين، التي تفيد بأن بعض العناصر الخفيفة مثل البريليوم تُطلِق إشعاعًا أكثر مما هو متوقَّع عند قصفها بجسيمات ألفا. اكتشف كلٌّ من جوليو وكوري أن هذا الإشعاع قادر على طرد بروتونات من الجزيئات الهيدروكربونية في الشمع. وقرَّرا أنه لا بد أن الانبعاث الغامض يتكوَّن من أشعة جاما؛ وهي النوع الثالث من الإشعاع الذي ينتج عن التحلُّل الإشعاعي. ليست أشعة جاما جسيمات، ولكنها شكل من أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي مثل الضوء وموجات الراديو والأشعة السينية. بدا من غير القابل للتصديق بالنسبة إلى العلماء الآخرين أن أشعة جاما وحدها تستطيع طرد البروتونات من الشمع؛ كان هذا يبدو أمرًا مستحيلًا.

تألَّف إشعاع بوته في الحقيقة من النيوترونات، كما أدرك تشادويك وأثبت بسلسلة من التجارب التي أجريت على عَجَلٍ قبل أن يدرك كلٌّ من جوليو وكوري (أو أي شخص آخر) الحقيقة.٤

النيوترون مطرقة أفضل من جسيم ألفا في تحطيم الأنوية؛ فلكونه متعادلًا كهربيًّا، فإنه لا يواجه أي عائق كهربي في اختراق النواة. في الواقع، النيوترونات البطيئة غالبًا ما تشق طريقها نحو النواة على نحوٍ أكثر كفاءةً من النيوترونات السريعة، تمامًا مثلما يكون من الأسهل الإمساك بِكُرة كريكيت بطيئة؛ لذا فإنه في نظر الفيزيائي النووي المخضرم هانز بيته، يعد اكتشاف النيوترون نقطة تحوُّلٍ في تطور الفيزياء النووية.

عزم عالم الفيزياء الإيطالي إنريكو فيرمي على دراسة ما يحدث عندما تُقصف العناصر بالنيوترونات. وعلى الرغم من أن النيوترونات عمومًا تطرد البروتونات أو جسيمات ألفا من أنوية العناصر الخفيفة، فإن شطر العناصر الثقيلة ليس بهذه السهولة؛ فهي تميل إلى امتصاص والتقاط النيوترون، وتحجزه باستخدام القوة النووية نفسها التي تربط المكوِّنات دون الذرية للنواة معًا في المقام الأول. وعندما تكون الظروف مواتية، تتحلَّل النواة عن طريق إطلاق جسيم بيتا.

أدرك فيرمي أن هذا يعني أنه إذا كان اليورانيوم — وهو أثقل عنصر معروف — مشعًّا بالنيوترونات، فإنه ربما يتحلَّل لتشكيل عنصر من «العناصر الفائقة الثقل» (التالية لليورانيوم) لم يكن معروفًا في السابق. العدد الذري لليورانيوم هو ٩٢، وإنْ تحلَّل من خلال إطلاق جسيم بيتا، فسيتحول إلى «العنصر ٩٣»؛ وهو ما سيمثِّل عضوًا جديدًا في الجدول الدوري.

كيف تعرف أنك صنعت عنصرًا جديدًا؟ قد يكون من المتوقَّع ألا يَنتج عن التشعيع النيوتروني لِعيِّنة صغيرة من اليورانيوم سوى كمية ضئيلة للغاية من العنصر ٩٣، ربما ألف ذرَّة أو نحو ذلك؛ ولأنها ذرَّات مشعَّة، فلا بد أن يكون من السهل رصد هذه الذرَّات على الفور باستخدام عداد جايجر. ولكن نحتاج أولًا إلى فصلها عن اليورانيوم، وهو عنصر مشع أيضًا. وهذا هو السبب في حاجة علماء الفيزياء النووية إلى مساعدة الكيميائيين. فمنذ أن بدأ مجال الكيمياء النووية أو «الكيمياء الإشعاعية» بأعمال آل كوري، تعيَّن عليه التعامل مع عيِّنات صغيرة للغاية من العناصر النادرة، وكان يتطلَّب مهارة في التحليل — فصل المواد إلى مكوِّناتها العنصرية — لم يكن أنطوان لافوازييه يحلم بها قطُّ.

استعان فيرمي بالكيميائي الإيطالي أوسكار داجوستينو. ومن خلال التشعيع النيوتروني لليورانيوم، توصَّلا إلى مصدر جديد يُطلِق جسيمات بيتا، وقد بيَّن داجوستينو أنه لم يكن أيًّا من العناصر المعروفة بين اليورانيوم (العدد الذري ٩٢) والرصاص (العدد الذري ٨٢). وفي عام ١٩٣٤م أشار فيرمي إلى «احتمالية أن يكون العدد الذري للعنصر أكبر من ٩٢». كان حذِرًا في التعبير عن استنتاجاته، ولكنه لم يتمكَّن من مقاومة تسمية «العنصرين» الجديدين اللذين اعتقد هو ومعاونوه أنهم توصَّلوا إليهما؛ فأطلقوا على العنصر ٩٣ «أوسينيوم»، وعلى العنصر ٩٤ «هيسبريوم».

ولكنك لن تجد هذين العنصرين في الجدول الدوري؛ لأن فريق فيرمي في الواقع لم يكتشف قطُّ العنصرين ٩٣ و٩٤. فلم يفكِّروا في أنَّ شيئًا أكثر دراماتيكيةً قد حدث لليورانيوم. ولم يُكتب لهذه القصة الظهور إلا بعد عدة سنوات.

اكتُشف أول عنصر حقيقي فائق الثقل في بيركلي، حينما استخدم إدوين ماكميلان سيكلوترون لورنس عام ١٩٣٩م لقصف اليورانيوم بالنيوترونات البطيئة. واكتشف تحلُّل بيتا من العنصر الذي تنبَّأ بأنه العنصر ٩٣، وعزم على محاولة عزله. رأى ماكميلان أن العنصر يقع تحت الفلز الانتقالي «الرينيوم» في الجدول الدوري؛ ومن ثم افترض أنه يتشارك مع الرينيوم في بعض الخواص الكيميائية. ولكن عندما أجرى هو وإميليو سيجري — الذي كان مشاركًا سابقًا في أبحاث فيرمي — تحليلًا كيميائيًّا، وجدا أن عنصرَ «تحت-الرينيوم» (بِلُغة مندليف) يسلك سلوك اللانثانيدات؛ وهي مجموعة تتألَّف من أربعة عشر عنصرًا إلى جانب اللانثانوم (انظر الفصل السابع) في أسفل الجدول. وبخيبة أملٍ تصوَّرَا أنَّ ما توصَّلا إليه كان واحدًا من هذه العناصر المعروفة.

ولكن عندما انضم الكيميائي فيليب أبيلسون لِماكميلان عام ١٩٤٠م، أثبت سريعًا أن العنصر تحت-الرينيوم كان في الواقع عنصرًا جديدًا، يمتلك خصائص مشابهة لليورانيوم. وأسماه ماكميلان «نبتونيوم»، اشتقاقًا من كوكب نبتون، الكوكب التالي لكوكب أورانوس في الترتيب حسب البعد عن الشمس. وكانت هذه بدايةَ رحلةِ تخطِّي الحدود الخارجية للجدول الدوري.٥

قُرْبَ نهاية ذلك العام، استخدم جلين سيبورج وجوزيف كينيدي وإدوين ماكميلان وآرثر فال في بيركلي جهازَ سيكلوترون لقصف اليورانيوم بأيونات الهيدروجين الثقيل (الديوتيريوم. انظر الفصل السادس). فأنتجوا النبتونيوم، الذي تَحلَّل من خلال إطلاق جسيم بيتا، ناقلًا العنصر خانةً للأمام في الجدول الدوري. وفي وقت لاحق خلَّق فريق بيركلي — بعد انضمام سيجري — هذا العنصرَ الجديدَ ذا العدد الذري ٩٤، من خلال قصف اليورانيوم بالنيوترونات. وتَوصَّل فال وسيبورج إلى طريقة كيميائية لفصل العنصر الجديد في أوائل عام ١٩٤١م. واتباعًا للتقليد الذي بدأه كلابروت ولاحظه ماكميلان، أسماه سيبورج «بلوتونيوم» اشتقاقًا من اسم كوكب بلوتو. وبلوتو هو أبعد كوكب في المجموعة الشمسية، كما أنه أيضًا إله الموتى عند الإغريق.

كتب الفريق بحثًا يصف اكتشافهم، ولكن بعد ذلك قرَّروا الامتناع عن نشره؛ إذ أدركوا أن البلوتونيوم كان من الخطورة بمكانٍ طرْحُه ضمن الأخبار العامة في زمن الحرب.

الانهيار

قدَّم الفيزيائي المجري ليو زيلارد في عام ١٩٣٤م براءة اختراع إلى مكتب براءات الاختراع البريطاني. وكانت براءة الاختراع تقوم على فكرة، لا شيء أكثر من ذلك؛ وهي فكرة كانت تتعلَّق بكيفية تسخير الطاقة النووية. كان كلٌّ من جوليو وكوري قد أوضح أنَّ قصف الأنوية بالجسيمات يمكن أن يُحدِث التحلُّل الإشعاعي اصطناعيًّا. وأوضح عمل بوته وتشادويك أن بعض الأنوية المشعة تطلق نيوترونات. إذن، ماذا يمكن أن يحدث إذا سبَّبت النيوترونات تحلُّلًا نوويًّا أدَّى إلى مزيد من النيوترونات؟ قد تكون النتيجة تفاعلًا متسلسلًا؛ أي إطلاقًا للطاقة النووية ذاتيَّ الدعم.

كان اقتراحًا أساسه التكهن؛ فقد افترض زيلارد أن النيوترونات قد تكون أفضل في التسبُّب في التحلُّل الإشعاعي من جسيمات ألفا؛ ولكن لم يُثبِت أحدٌ هذا بعدُ. وتَطلَّب ذلك تحديدَ المادة التي تكتسب نيوترونات وتطلقها. وعلاوةً على ذلك، للحصول على تفاعل متسلسل، فإن عدد النيوترونات المنبعثة ينبغي أن يتجاوز عدد النيوترونات المكتسبة. ومع ذلك، أشارت الاحتمالية إلى استنتاج مثير، بل ومرعب، جعل أوصال زيلارد ترتجف؛ فقال إنه إذا واصل التفاعلُ المتسلسل تضخيمَ نفسه، «يمكنني صنع قنبلة.» وقدَّم براءة الاختراع يوم ١٢ مارس؛ في اليوم الذي تُوفيت فيه ماري كوري.

بعد أربع سنوات، تحدَّدت المادة اللازمة لتفاعل زيلارد المتسلسل؛ في ألمانيا في عهد هتلر. كان أوتو هان متخصصًا في الكيمياء الإشعاعية يعمل في جامعة برلين. كان هو وزميله فريتز شتراسمان يَدرسان تأثير قصف اليورانيوم بالنيوترونات، وفي عام ١٩٣٨م اكتشفا شيئًا لم يستطيعا تفسيره؛ فبدلًا من عمليات التحلُّل المعتادة التي تنتزع شظايا من نواة، بدا أنهما عثرا على عنصر الباريوم في نواتج التفاعل. ولكن العدد الذري للباريوم ٥٦؛ أي بالكاد أكثر من نصف العدد الذري لليورانيوم. بالتأكيد لا يمكن أن تنقسم نواة اليورانيوم إلى نصفين؛ أليس كذلك؟

اعترف هان بِحَيرته في عيد الميلاد في تلك السنة في رسالة أرسلها إلى زميلته السابقة ليز مايتنر؛ وهي فيزيائية نمساوية أجبرها أصلها اليهودي على الفرار من النازيين إلى ملجأ في ستوكهولم. كانت مايتنر قد بدأت تجارب القصف بالنيوترونات مع هان عام ١٩٣٤م، قبل أن تلوذ بالفرار من برلين بعد ضمِّ النمسا إلى ألمانيا عام ١٩٣٨م. وشاطرته حالته من عدم التصديق قائلة:

نتائج بحثك مذهلة للغاية. تفاعُل من خلال النيوترونات البطيئة يُفترض أن يؤدِّي إلى الباريوم! … في الوقت الراهن يبدو افتراض حدوث مثل هذا الانشطار التام صعب التصوُّر جدًّا، ولكننا في الفيزياء النووية شهدنا الكثير من المفاجآت، لدرجة أن المرء لا يستطيع القول دون قيد أو شرط: هذا مستحيل.

تلقَّت مايتنر في عيد الميلاد هذا زيارة في السويد من ابن أختها الفيزيائي أوتو فريش، الذي كان بين الهاربين من النظام النازي. وتَباحَثا في المسألة خلال سيرهما في الغابة، وبدآ في قبول الاستنتاج الحتمي: انقسمت نواة اليورانيوم بالفعل إلى كتلتين كبيرتين، كقطرة ماء انقسمت إلى اثنتين. وعند عودة فريش إلى كوبنهاجن في السنة الجديدة، استفسر من عالم أحياء أمريكي زائر عن الاسم الذي يمكن إطلاقه على عملية انقسام الخلايا التي ذكَّره بها انقسامُ نواة اليورانيوم. قيل له «الانشطار». وهكذا أصبح الاسم الذي أطلقه مايتنر وفريش على الظاهرة التي رصدها شتراسمان وهان «الانشطار النووي».

كان فيليب موريسون طالبًا شابًّا لدى الفيزيائي الأمريكي روبرت أوبنهايمر في ذلك الوقت، ويقول متذكِّرًا: «عندما اكتُشف الانشطار، ظهر خلال أسبوع مخطَّطٌ — سيئ للغاية ومروِّع — على سبورة في مكتب روبرت أوبنهايمر لقنبلة.»

البلوتونيوم والقنبلة

لماذا قنبلة؟ لأن انشطار اليورانيوم لا يُنتِج الباريوم وعناصر أخرى فحسب، بل يُنتج نيوترونات أيضًا. وهذا ما كان يحتاج إليه تفاعل زيلارد المتسلسل.

ولكنَّ صُنع قنبلة لم يكن على درجة كبيرة من السهولة؛ فاليورانيوم الطبيعي يأتي في شكلين، أو «نظيرين» (انظر الفصل السادس). ويمتلك كِلا النظيرين نفس عدد البروتونات (٩٢) في النواة، ولكنهما يمتلكان عددًا مختلفًا من النيوترونات؛ فأحد النظيرين يمتلك ١٤٣ نيوترونًا (اليورانيوم ٢٣٥)، ويمتلك الآخر ١٤٦ نيوترونًا (اليورانيوم ٢٣٨). واليورانيوم ٢٣٥ هو الوحيد الذي يخضع للانشطار الناجم عن النيوترونات البطيئة المنخفضة الطاقة التي تطلقها نواتج الانشطار؛ ومن ثم فإن هذا النظير وحده هو الذي يمكن استخدامه لخلق تفاعل متسلسل جامح. ولكن اليورانيوم الطبيعي في الغالب يكون يورانيوم ٢٣٨؛ فقط واحد بالمائة منه يورانيوم ٢٣٥. تحتاج القنبلة «كتلة حرجة» تبلغ فقط بضعة أرطال من اليورانيوم ٢٣٥؛ فأقل من ذلك سيسبِّب تسرُّب الكثير جدًّا من النيوترونات، ولا يصبح التفاعل مستدامًا. ولكن استخراج هذه الكمية من النظير الأخف من اليورانيوم الطبيعي بدت مهمة شبه مستحيلة عام ١٩٤٠م.

شبه مستحيلة لكن ليست مستحيلة تمامًا؛ وكان ذلك ما أقلق أشخاصًا مثل زيلارد؛ فقد كان زيلارد على يقين من أن علماء الفيزياء الألمان العاملين في عهد النازيين سيدركون أن الأمر ممكنٌ، وأنهم سيحاولون صنع قنبلة نووية. وهذا ما فعلوه في الواقع، على الرغم من أن مشروع القنبلة الذرية الألماني بقيادة الفيزيائي فيرنر هايزنبرج لم يتقدَّم كثيرًا.٦ ولكن زيلارد كان مستميتًا في إقناع الأمريكيين — كانت الولايات المتحدة البلد الآخر الوحيد الذي يمتلك الموارد اللازمة لهذه المهمة — بمحاولة صنع قنبلة ذرية قَبْل أعدائهم. كان مجرد عالم فيزياء، ولكن كان لديه صديق ذو تأثير كبير كان قد أصبح أكثر من ذلك بكثير؛ وهو ألبرت أينشتاين.

من خلال الموافقة على كتابة رسالة إلى الرئيس روزفلت دعمًا لفكرة زيلارد، رَبَط أينشتاين عن غير قصد اسمه بالقنبلة إلى الأبد. وغلاف مجلة تايم عام ١٩٤٩م — الذي وضع صورة أينشتاين الأشعث الشهيرة على خلفية سحابة على شكل فطر عيش الغراب — طَبَعَ في الوعي العام فكرةَ أن أينشتاين بطريقة أو بأخرى «اخترع» القنبلة. في الواقع، لم يكن هذا السلاحُ الأقوى نتاجَ المعادلة المختصرة الشهيرة «الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء» لأينشتاين، وإنما نتاج العمل الفذ المذهل للهندسة الكيميائية والميكانيكية التي موَّلها الجيش الأمريكي.

ولكن بتأييد من أينشتاين، بدأ مشروع مانهاتن تحت قيادة أوبنهايمر. سُمِّي المشروع على اسم مكتب سلاح المهندسين بالجيش في نيويورك، ومُنح ميزانية مفتوحة عندما دخلت أمريكا الحرب بعد الهجوم على بيرل هاربر. وبدأ تصنيع القنبلة في جبهتَيْن، تضمَّنت إحداهما تطوير التقنيات الفيزيائية والكيميائية لفصل نظائر اليورانيوم، ملِّيجرام بملِّيجرام. واقترحت الأخرى استخدام مفجِّر نووي مختلف؛ وهو البلوتونيوم.

هذا هو السبب في أن اكتشاف العنصر ٩٤ على يد سيبورج وزملائه كان أمرًا بالغ الحساسية؛ ففي عام ١٩٤١م قال فريق بيركلي للحكومة الأمريكية إن أحد نظائر العنصر الجديد — البلوتونيوم ٢٣٩ — يمكن شطره بالنيوترونات البطيئة على نحو أكثر كفاءةً من اليورانيوم ٢٣٥. ومرة أخرى أصبح صنع القنبلة ممكنًا باستخدام كتلة من العنصر بحجم ثمرة الجريب فروت.

مع ذلك، لم يكن صُنع البلوتونيوم ذرَّة بِذَرة في سيكلوترون بيركلي من شأنه أن يجمع كتلة حرجة بأي حال من الأحوال. قدَّم إنريكو فيرمي وسيلة أفضل لتصنيع البلوتونيوم في عام ١٩٤٢م، عندما أنتج هو وزملاؤه أول تفاعل نووي متسلسل خاضع للسيطرة في مفاعل في جامعة شيكاجو. استخدم هذا التفاعل وقود اليورانيوم الطبيعي، الذي تحوَّل إلى بلوتونيوم عن طريق إطلاق النيوترونات والتقاطها تلقائيًّا. ووُضع التفاعل المتسلسل تحت السيطرة عن طريق قضبان الكادميوم، التي تمتصُّ النيوترونات، وكانت «قضبان معدِّلة للسرعة» من الكربون (الجرافيت) تقلِّل من سرعة النيوترونات المنبعثة إلى المعدلات التي تحفِّز الانشطار.

كان «المفاعل الذري» الخاص بفيرمي مجرد نموذج أولي. فمن أجل تصنيع بلوتونيوم القنبلة، بُني مصنعٌ في قرية هانفورد الصغيرة في ولاية واشنطن. وهكذا، استنزفت آلة الحرب الأمريكية اليورانيوم ٢٣٥ والبلوتونيوم تدريجيًّا، في حين عُولجت مشكلة كيفية بناء القنبلة النووية بواسطة الفيزيائيين والكيميائيين والمهندسين في مجمع لوس ألاموس في نيو مكسيكو.

البقية تاريخ معروف؛ تاريخ غيَّر القرن العشرين، تاريخ يفصل نوعًا من العالم عن نوع آخر. كان أوبنهايمر وزيلارد وبور وفيرمي وغيرهم يدركون خطورة مسعاهم، وكانت سعادتهم بالتحدي لا تقل عن شعورهم بالفزع من الهدف. وفي تجربة «ترينيتي» في يوليو عام ١٩٤٥م، عندما فُجِّرت أول قنبلة نووية في صحراء نيفادا، قال أوبنهايمر كلمات من النصوص الهندوسية «البهاجافاد جيتا»: «أصبحتُ الآن أنا الموت؛ مدمِّر العوالم.» ومن ناحية أخرى، كانت هذه بالنسبة إلى الجيش الأمريكي مجرد قنبلة، إلا أنها قنبلة قوية بما يكفي لترويع الإمبراطور الياباني لجعله يستسلم ويُنهي الحرب المُهلكة في المحيط الهادئ.

تدمَّرت هيروشيما في ٦ أغسطس ١٩٤٥م بقنبلة «ليتل بوي»؛ وهي قنبلة اليورانيوم التي وصلت للكتلة الحرجة من خلال إطلاق قطعة من اليورانيوم نحو أخرى باستخدام آلية إطلاق تشبه آلية عمل البندقية. وأوصلت هذه الآلية القطعتين إلى الكتلة الحرجة بسرعة كافية لتجنُّب عصف التفاعل المتسلسل باليورانيوم قبل أن يخضع معظمه للانشطار. أما قنبلة «فات مان» التي أُلقيت على ناجازاكي بعد ثلاثة أيام، فكانت عبارة عن جهاز بلوتونيوم ضُغط فيه العنصر المصنوع بشريًّا ليصل إلى الكتلة الحرجة عن طريق انفجار داخلي. تتباين تقديرات الخسائر كثيرًا، ولكن ربما تُوفي ٣٠٠ ألف شخص في الانفجارين وتأثيراتهما اللاحقة. وبعد سماع هذه الأخبار، كَتب زيلارد: «إنه لَمن الصعب جدًّا تحديد المسار الحكيم الذي يمكن أن نسلكه من الآن فصاعدًا.»

قوة نجم

لم تكن لدى إدوارد تيلر — أحد علماء الفيزياء البارعين الذي فرَّ من المجر قبل الحرب وكان عضوًا رئيسيًّا في فريق لوس ألاموس — أيُّ شكوك بشأن المسار الصحيح؛ فقد حثَّ الحكومة الأمريكية على متابعة الفكرة التي ناقشها مع فيرمي عام ١٩٤٢م: «القنبلة الفائقة» التي تحرِّر الطاقة النووية عن طريق الاندماج وليس عن طريق الانشطار. فالقنبلة الاندماجية تخلق شمسًا اصطناعية لفترة وجيزة.

في عام ١٩١٩م، اكتشف فرانسيس أستون أثناء عمله في مختبر كافنديش في كامبريدج، الطاقة المتاحة من دمج العناصر الخفيفة لصنع عناصر أثقل، عندما ابتكر أداةً جديدة لقياس الأوزان الذرية على نحو دقيق جدًّا. وهذا الجهاز — الذي سمَّاه أستون مقياس الطيف الكتلي — أدَّى إلى اكتشاف النظائر (انظر الفصل السادس).

اكتشف أستون أن كتل النظائر الفردية كانت تساوي تقريبًا مضاعفات بأعداد صحيحة لكتلة ذرَّة الهيدروجين. وكان ذلك موافِقًا لما كان متوقَّعًا؛ فقد حدَّد رذرفورد نواة الهيدروجين — البروتون — على أنها أساس بناء جميع الأنوية (لم يكن النيوترون معروفًا بعد، ولكن كان وجوده مستدَلًّا عليه). لكن لماذا قلنا «تساوي تقريبًا»؟ أشار أستون إلى فروق بسيطة ولكنها مهمَّة بين الكتل. فعلى سبيل المثال، وزن ذرَّة الهليوم أقل بقدر طفيف من وزن أربع ذرَّات هيدروجين. فأين ذهبت الكتلة المفقودة؟

أدرك أستون أنها تحوَّلت إلى طاقة؛ الطاقة التي تربط الجسيمات النووية معًا. فرغم كل شيء، أوضح أينشتاين أن الكتلة والطاقة قابلتان للتحويل فيما بينهما. وعندما استخدم أستون معادلة أينشتاين الشهيرة لحساب طاقة الربط هذه، وجد أن الانخفاض البسيط في الكتلة يعني ضِمنًا أنه لا بد أن كمية هائلة من الطاقة تنطلق عندما تندمج ذرَّات الهيدروجين لصنع الهليوم. وقال: «تحويل الهيدروجين في كوب من الماء إلى هليوم سيُطلِق ما يكفي من الطاقة لدفع السفينة «كوين ماري» لعبور المحيط الأطلنطي والعودة بأقصى سرعة.»

رأى أستون إمكانية تسخير عملية الاندماج النووي تلك فرصةً هائلةً، وخطرًا كبيرًا أيضًا، فقال: «نأمل ألا يستخدمها الإنسان وحسب في تدمير جيرانه.»

وأشار الفيزيائي الفرنسي جان بيرين إلى أن هذا ربما يكون مصدر الطاقة الذي غذَّى الشمس يومًا بعد يوم لمدة أربعة مليارات ونصف مليار سنة. وشاركه الفلكي آرثر إدينجتون في هذا الرأي قائلًا في عام ١٩٢٠م: «ما هو ممكن في مختبر كافنديش ربما لا يكون بالغ الصعوبة في الشمس.» وانتشرت هذه الفكرة عام ١٩٢٩م عندما أثبت الفلكي الأمريكي هنري نوريس راسل أن الهيدروجين هو المكوِّن الرئيسي للشمس.

الهيدروجين هو الوقود الشمسي، والشمس «تحرقه»؛ ليس من خلال دمجه كيميائيًّا مع الأكسجين كما فعل كافنديش ولافوازييه في سبعينيات القرن الثامن عشر، ولكن عن طريق دمج أَنْوِيَتِه معًا لصنع الهليوم. ولكن أنوية الهيدروجين عبارة عن بروتونات فقط، في حين أن أنوية الهليوم تحتوي على نيوترونات أيضًا؛ فمن أين تأتي الجسيمات المتعادلة الشحنة؟

تتشكَّل هذه النيوترونات عن طريق نوع من تحلُّل بيتا العكسي؛ أي يصير البروتون نيوترونًا. ومن أجل القيام بذلك، لا بد أن يتخلَّص من شحنته الموجبة، وهذا يحدث عن طريق إطلاق نسخة «موجبة» الشحنة من الإلكترون، وهي البوزيترون؛ وهو شقيق الإلكترون الموجود في المادة المضادة.٧

في الخطوة الأولى من اندماج الهيدروجين، يتَّحد اثنان من البروتونات لتشكيل «ديوترون» وبوزيترون. والديوترون هو نواة نظير من نظائر الهيدروجين؛ الهيدروجين الثقيل أو الديوتيريوم. وهو يتألَّف من بروتون ونيوترون.

في الخطوة الثانية، يتحد الديوترون مع البروتون لتشكيل نواة الهليوم ٣، الذي يحتوي على اثنين من البروتونات ونيوترونًا واحدًا. ثم تتَّحد نواتا هليوم ٣ وتطرد اثنين من البروتونات مشكِّلةً الهليوم ٤ (شكل  ٥-٢). هذه المجموعة من التفاعلات النووية مسئولة عن ٨٥ في المائة من تحويل الهيدروجين إلى هليوم في الشمس. وثمة عمليات اندماج أخرى مسئولة عن النسبة المتبقية. يُحرَق نحو ٦٠٠ مليار كيلوجرام من الهيدروجين إلى هليوم في الشمس في كل ثانية. وكما يقول الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان: هذه هي «الخطوة الأولى على طريق تحقيق التعدُّد والتنوع في المادة الموجودة في الكون، بما في ذلك أنفسنا وجميع أفكارنا.»

كل ما يلزم لتحفيز اندماج الهيدروجين هو توافر ظروف متطرِّفة بما فيه الكفاية؛ كثافة عالية بما فيه الكفاية من الهيدروجين، ودرجة حرارة تصل لنحو عشرة ملايين درجة. وهكذا فإن الاندماج عملية «نووية حرارية»؛ عملية تستديم ذاتيًّا عن طريق الحرارة التي تولِّدها.

fig11
شكل ٥-٢: اندماج ذرَّات الهيدروجين في الشمس يشكِّل الهليوم ٤ ويطلق كمية هائلة من الطاقة.
أوضح هانز بيته عام ١٩٣٩م أن تحويل الهيدروجين إلى هليوم يمكن تحفيزه من خلال مقادير صغيرة من الكربون؛ فالكربون يشارك النيتروجين والأكسجين في عملية دورية من التحولات مكوَّنة من ستِّ خطوات تنتهي حيث بدأت — بالكربون — ولكنها في الوقت نفسه تحوِّل الهيدروجين إلى هليوم. وهذه العملية تسمَّى دورة الكربون، أو دورة الكربون-النيتروجين-الأكسجين، أو CNO (في إشارة إلى العناصر الثلاثة التي تتضمَّنها). وبالنسبة إلى النجوم الأكبر إلى حدٍّ ما من الشمس، توفِّر هذه الدورة الحفَّازة نسبة كبيرة من طاقة الاندماج.

ولكن كيمياء النجوم لا تتوقَّف عند هذا الحد؛ ففي عام ١٩٥٧م، أشار علماء الفلك مارجريت وجيفري بوربيدج ووليام فاولر وفريد هويل، إلى سلسلة من التفاعلات الاندماجية التي تُحفَّز في مراحل مختلفة في حياة النجم، والتي تصنع عناصر ثقيلة على نحو متزايد. بمجرد أن يحرق النجم معظم الهيدروجين إلى الهليوم، تبدأ درجة حرارته في الانخفاض. ثم يبدأ قلب النجم في الانهيار على ذاته بفعل جاذبيته، وهذا يرفع درجة حرارته. فتُضخِّم الحرارة الغلاف الجوي الخارجي، الذي يتوهَّج باللون الأحمر، ويصبح النجم نجمًا أحمر عملاقًا.

وبينما يتقلَّص لُبُّ النجم، فإنه يزداد سخونة، وبمجرد أن يصل إلى نحو مائة مليون درجة، يصبح اندماج ذرَّات الهليوم ممكنًا. وهذا يُنتج الكربون والأكسجين والنيون (العناصر الانتقالية، البريليوم والبورون والنيتروجين والفلور، أقل استقرارًا وتتحلَّل إلى عناصر أخرى).

وبمجرد نفاد الهليوم، تتكرَّر العملية نفسها. يبرد النجم، وينهار اللبُّ أكثر وترتفع درجة حرارته، وتنطلق عمليات اندماج جديدة؛ فيندمج الكربون والأكسجين لصنع الصوديوم والمغنيسيوم والسيليكون والكبريت. وتدريجيًّا، يظهر الجدول الدوري في هذا الأتون العنيف غير المستقر.

إذن، كان نورمان لوكير ووليام كروكس (انظر الفصل الرابع) محقَّيْن بدرجةٍ ما، وإن لم يكن في التفاصيل؛ يوجد «بالفعل» تطوُّر للعناصر في النجوم. ويُطلَق على تخليق العناصر في النجوم «التخليق النووي»، وهو المسئول عن وجود الأرض وكل شيء تقريبًا نراه عليها. فالهيدروجين وحده — إضافةً إلى بعض الهليوم ومجرد عدد قليل من العناصر الخفيفة الأخرى — هو المادة «الأولية»؛ نواتج الانفجار الكبير. أما كل شيء آخر فقد صيغ داخل النجوم.٨

بمجرد أن تصل درجة حرارة لُبِّ النجم إلى نحو ثلاثة مليارات درجة، تُنتِج عملياتُ الاندماج الحديدَ. وهنا تتوقَّف هذه العمليات؛ لأن الحديد هو صاحب النواة الأكثر استقرارًا بين جميع العناصر. فلا توجد طاقة يمكن الحصول عليها عن طريق دمج أنوية الحديد. مع ذلك، توجد عناصر أثقل على نحو واضح. تُصنَع هذه العناصر في المناطق الخارجية من النجم؛ حيث تلتقط الأنوية النيوترونات المنبعثة من تفاعلات الاندماج لصنع جميع العناصر وصولًا إلى البزموت (عدده الذرِّي ٧٣).

تنتشر هذه العناصر في جميع أنحاء الكون عندما تنتهي حياة النجوم الضخمة. فعندما لا يتبقَّى أي وقود للاحتراق، ينهار اللُّب مرة أخرى، ولا يوجد شيء يوقفه. وتؤدِّي موجة صدمية ناتجة عن هذا الانهيار إلى ارتداد يغذِّي انفجارًا هائلًا؛ مستعرًا أعظم (سوبر نوفا). وتنفجر الطبقات الخارجية للنجم في الفضاء، وتحفِّز الطاقة التي تتحرَّر تفاعل تخليق نووي جديد، يصنع العناصر الثقيلة الأثقل من البزموت؛ وصولًا إلى اليورانيوم، وعلى الأقل بعده بقليل.

أدرك فيرمي وتيلر عام ١٩٤٢م أن اندماج الهيدروجين يمكن أن يُطلِق طاقة نووية أكثر بكثير من انشطار اليورانيوم. كانت المشكلة في كيفية جَعْل الهيدروجين ساخنًا وكثيفًا بما فيه الكفاية. في الواقع، الوصول لدرجات حرارة مثل تلك التي تدفع الاندماج في الشمس غير عملي تمامًا، ولكن اندماج نظائر الهيدروجين الأثقل — الديوتيريوم والتريتيوم (الفصل السادس) — يتطلَّب ظروفًا أقل تطرُّفًا. وهذه هي العملية المستخدَمة في «القنبلة الفائقة»؛ القنبلة الهيدروجينية.

يبدأ الاندماج في القنابل الهيدروجينية من خلال تفاعلٍ انشطاريٍّ متسلسل لليورانيوم أو البلوتونيوم؛ أي تُستخدم «قنبلة ذرية» في تفجير القنبلة الهيدروجينية. وأجريت أول تجربة لقنبلة هيدروجينية عام ١٩٥٢م على جزيرة إنيويتوك المرجانية في المحيط الهادئ في جزر مارشال. وافتقارًا إلى التأثير الملهِم لأفكار أوبنهايمر اللاهوتية، مُنحت التجربة — على نحو مبتذل — الاسم الكودي «مايك». ولمَّا كانت التجربة أكثر تدميرًا من «ليتل بوي» بألف مرة، فإنها أدَّت إلى تبخُّر الجزيرة التي كانت قاعدةً للقنبلة، وشكَّلت حفرة واسعة بقطر ميلين وعمق نصف ميل. قرَّرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي على مدى العقدين التاليين أنهما يحتاجان إلى عدة آلاف من هذه القنابل؛ وهي الكمية الأكبر بعدَّة أضعاف مما يتطلَّبه تفجير العالم.

تصنيع العناصر

بسبب التجارب النووية في خمسينيات القرن العشرين وستينياته، فإن البلوتونيوم الآن قابل للاكتشاف بمقادير ضئيلة — فقط عدد قليل من الذرَّات — في جسد كل شخص على وجه الأرض. في الواقع، وجودُه بهذه المقادير الضئيلة لا يمثِّل خطورة، ولكن مع ذلك يعد البلوتونيوم خطيرًا إذا تم تناوله وامتصاصه في نخاع العظام؛ حيث يمكن أن يدمِّر إشعاع ألفا الناتج عنه الخلايا أو يسبِّب السرطان.

ولكن بالنسبة إلى الكيميائيين، كانت لتجارب القنبلة الهيدروجينية نتائج إيجابية أيضًا. جمع علماء اختبار مايك شعابًا مرجانية من جزيرة مرجانية مجاورة ملوَّثة بالحطام المشع، وأرسلوها إلى بيركلي للتحليل. وهناك اكتشف الكيميائيون النوويون عنصرين جديدين يمتلكان العدد الذري ٩٩ و١٠٠. وأُطلق عليهما اسما اثنين من الفيزيائيين الأكثر إبداعًا في القرن العشرين: أينشتاينيوم وفرميوم.

يوجد عديد من الأماكن الفارغة في الجدول الدوري بين البلوتونيوم (العنصر ٩٤) والأينشتاينيوم (العنصر ٩٩). ولكن بحلول عام ١٩٥٢م، ملأ العلماء في بيركلي هذه الأماكن، وذلك باستخدام السيكلوترون لقصف الأنوية الثقيلة بالجسيمات التي عندما تحتجزها النواة تزيد الكتلة النووية. في عام ١٩٤٤م، صَنَع جلين سيبورج وألبرت جيورسو ورالف جيمس العنصرين ٩٥ و٩٦ بهذه الطريقة، وأُبقيت صناعتهما سرًّا حتى بعد الحرب، وأُطلق عليهما الأميريسيوم والكوريوم على الترتيب.

وواصل سيبورج وجيورسو وغيرهما العمل من أجل صنع البركيليوم (العنصر ٩٧) عام ١٩٤٩م، والكاليفورنيوم (العنصر ٩٨) عام ١٩٥٠م. وتساءلت جريدة ذا نيويوركر عن السبب في عدم مخاطرتهما بتسمية هذين العنصرين «يونيفيرسيتيوم» و«أوفيوم»؛ وذلك لحجز اسمَي البركيليوم والكاليفورنيوم للعنصرين التاليين. وكان ردُّ فريق بيركلي أنه أوضحَ أنه لم يرغب في أن يُهزَم في السباق من قِبَل أحدٍ من نيويورك يستطيع بعد ذلك تسمية العنصرين ٩٩ و١٠٠ «نيويوم» و«يوركيوم».

لم يكن هذا التعليق مفتقِرًا تمامًا للجدية؛ فبحلول خمسينيات القرن العشرين، كانت المختبرات في كل الأماكن الأخرى من العالم قد تعلَّمت تقنية بيركلي لصنع العناصر باستخدام القصف النووي في معجِّلات الجسيمات. وكان متخصِّصو الكيمياء الإشعاعية في بيركلي لا يزالون متصدرين للسباق عندما صنعوا العنصر ١٠١ عام ١٩٥٥م. وربما كان سيشعر ديمتري مندليف بالاستمتاع أو الحيرة في حالِ وَجَدَ نفسه مخلَّدًا في الجدول الدوري — تحت اسم المندليفيوم — الذي أصبح يتوسَّع بمعدل مزعج. ولكن العنصر ١٠٢ أدَّى إلى نهاية متنازَع عليها؛ فترى مجموعة في ستوكهولم أنها صنعته عام ١٩٥٧م، واقترحت الاسم الوطني «نوبليوم»؛ تيمنًا بالعالم السويدي ألفريد نوبل. ولم يتسنَّ تأكيد ادعائهم على يد غيرهم من صنَّاع العناصر. ومع ذلك، لم يُصنع العنصر ١٠٢ فعليًّا إلا عام ١٩٥٨م على يد جيورسو وزملائه. وفي العام نفسه، أعلن عنه فريق روسي في المعهد المشترك للبحوث النووية في دوبنا. لم يرَ أحد أنه من المناسب الطعن في الاسم السويدي في هذا الموقف، ولكن هذا الإجماع لم يكن لِيَدُوم.

أصبح سباقُ صُنع عناصر جديدة «فائقة الثقل» في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين أكثرَ إثارةً للخلاف؛ فكانت ادعاءات رصد العناصر من قِبل مجموعةٍ ما تلقى معارضة من قِبل مجموعة أخرى، وأصبحت تسمية العناصر أمرًا قوميًّا ومثيرًا للجدل. ولإثبات الاسم الجديد للعنصر، كان ينبغي على المكتشفين الذين يزعمون اكتشافه نيل موافقة الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية، الذي يمتلك حق الحكم النهائي بشأن التسميات. في الحقيقة لم يستطِع أحد أن يجادل في اختيار اسم اللورنسيوم للعنصر ١٠٣ تيمنًا بالرجل الذي اخترع آلة تخليق العناصر. والاسم الذي اقترحه مختبر بيركلي للعنصر ١٠٤، رذرفورديوم، كان بالتأكيد تشريفًا واجبَ الأداء لواحد من أعظم علماء الفيزياء النووية في القرن. ولكن العنصر ١٠٤ كان قد أُعلن عنه قبل ذلك بخمس سنوات — عام ١٩٦٤م — من قِبل الفريق الروسي في دوبنا، الذي أراد أن يطلق عليه «كورتشاتوفيوم» تكريمًا لرئيس الأبحاث النووية لديهم، وعارض الأمريكيون نتائج الروس. وقد نشبت لاحقًا خلافات مماثلة في اكتشاف وتسمية العناصر ١٠٥ و١٠٦ و١٠٧. وشعر الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية بأنه مجبر على إنشاء مجموعة عمل عام ١٩٨٧م لتقييم ادعاءات الأسبقية والحكم بشأن التسميات. ومع ذلك، بحلول عام ١٩٩٤م، كانت مسألة تسمية العناصر الجديدة التي يصنعها البشر لا تزال في حالة من الفوضى.

كان العنصر ١٠٦ مثارَ خلاف كبير؛ فقد ادُّعيَ اكتشافه من قِبل فريق دوبنا عام ١٩٧٤م، مباشرةً بعد إعلان اكتشافه من قِبل فريق بيركلي الذي كانت لديه أدلة أكثر واقعيةً. وفي عام ١٩٩٣م، أثبت الأمريكيون على نحوٍ يرضي الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية أن ادعاءهم كان الادعاء الأقوى، واقترح الفريق — برئاسة المخضرم ألبرت جيورسو — اسمًا للعنصر الجديد: سيبورجيوم؛ تيمنًا بمكتشف أول عنصر اصطناعي.

كانت المشكلة تتمثَّل في أن جلين سيبورج كان لا يزال على قيد الحياة، على الرغم من أنه لم يعد نشِطًا حقًّا في مجال الكيمياء النووية. وأصرَّ الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية أنه لن يسمِّي عنصرًا على اسم شخص على قيد الحياة. خالفت الجمعية الكيميائية الأمريكية قرار الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية ووافقت على اختيار جيورسو. وفي عام ١٩٩٦م رضخ الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية، ونقَّح جميع الأسماء مرة أخرى من العناصر ١٠٤ إلى ١٠٧. وخُلِّدت ذكرى رذرفورد بالعنصر ١٠٤، وشهد الروس الإقرار بجهودهم بالعنصر ١٠٥ (دوبنيوم)، وقُبِل سيبورجيوم اسمًا للعنصر ١٠٦، وسُمِّي العنصر ١٠٧ بوريوم تيمنًا بالعالم نيلز بور. ويا لسوء حظ المساكين فريديريك وإيرين جوليو-كوري وأوتو هان، الذين تمتعوا بفترة مجدٍ وجيزة بعد وفاتهم باحتلال مكان في سماء الجدول الدوري (بأسماء «جوليوتيوم» و«هانيوم») ليتم تجريدهم من ذلك المجد بعدها!

البحث عن جزيرة الثبات

أدَّى اكتشاف البوريوم إلى خروج فريق جديد من مُخلِّقي العناصر إلى النور، وقد هيمن هذا الفريق على هذا المجال منذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين. ففي معهد أبحاث الأيونات الثقيلة في دارمشتات بألمانيا، صقل علماء الفيزياء النووية نهجًا جديدًا كان قد اكتُشف في دوبنا وتُرك بعد ذلك. بدلًا من إطلاق أنوية صغيرة خفيفة مثل جسيمات ألفا (نواة الهليوم) على أنوية كبيرة لزيادة الكتلة شيئًا فشيئًا، تدمج مجموعة معهد أبحاث الأيونات الثقيلة اثنتين من الأنوية المتوسطة الحجم لتخليق عنصر جديد فائق الثقل (شكل ٥-٣). على سبيل المثال، يُقصَف هدف من الرصاص بشعاع مُعَجَّل من أيونات النيكل أو الزنك. ويُطلق على الأسلوب السابق «الاندماج الساخن»؛ لأنه يتطلَّب «تبريد» النواة الجديدة عن طريق إطلاق النيوترونات. ويسمَّى هذا الأخير «الاندماج البارد»؛٩ إذ إنه لا يخلِّف الكثير من الطاقة الزائدة في النواة الجديدة. وكانت مجموعة دوبنا قد صنعت الفرميوم والرذرفورديوم بهذه الطريقة في سبعينيات القرن العشرين.
fig12
شكل ٥-٣: معجِّل الجسيمات المستخدَم في معهد أبحاث الأيونات الثقيلة في دارمشتات بألمانيا لدمج الأنوية الذرية لتخليق عناصر جديدة فائقة الثقل. استخدم فريق معهد أبحاث الأيونات الثقيلة هذه الأداة لتخليق جميع العناصر من ١٠٧ إلى ١١٢.

بين عامَي ١٩٨١م — عندما تم تخليق البوريوم في معهد أبحاث الأيونات الثقيلة — و١٩٩٦م، قام الفريق الألماني بتخليق جميع العناصر من ١٠٧ إلى ١١٢ (كانت هناك مزاعم بتخليق العنصر ١١٠ في وقت سابق، لكن على نحو أقل إقناعًا، في دوبنا وبيركلي). ويسمَّى العنصر ١٠٨ هاسيوم، اشتقاقًا من الولاية الألمانية هيسه التي تقع فيها دارمشتات، ويسمَّى العنصر ١٠٩ مايتنريوم؛ تيمنًا باسم ليز مايتنر التي كانت أول من أدرك أن اليورانيوم يخضع للانشطار النووي. بخلاف ذلك، لم تتم تسمية العناصر الجديدة بعد.

بينما تصبح هذه العناصر الفائقة الثقل أثقل، فإنها تصبح أقل استقرارًا؛ تبقى الأَنْوية مستقرة لفترات تقصر تدريجيًّا قبل أن تخضع للتحلُّل الإشعاعي. فالبلوتونيوم ٢٣٩ لديه «عمر نصفي» يبلغ ٢٤ ألف سنة؛ مما يعني أنَّ تحلُّل نصف الذرَّات في عينة من البلوتونيوم ٢٣٩ يستغرق هذا الوقت الطويل. وللكاليفورنيوم ٢٤٩ (العنصر ٩٨) عمرٌ نصفيٌّ يبلغ ٣٥٠ سنة، وللمندليفيوم ٢٥٨ (١٠١) واحد وخمسون يومًا؛ وللسيبورجيوم ٢٦٦ (١٠٦) إحدى وعشرون ثانية. والنظير ٢٧٢ للعنصر ١١١ يوجد وجودًا عابرًا بعمر نصفي يبلغ ١٫٥ ملِّي ثانية، والعمر النصفي للنظير ٢٧٧ للعنصر ١١٢ — المخلَّق عام ١٩٩٦م — أقل من ثلث ملِّي ثانية. وهذا هو أحد الأسباب التي تزداد بفعلها صعوبة تخليق ورؤية هذه العناصر الفائقة الثقل.١٠

ولكن يدرك العلماء النوويون الآن أن استقرار النواة الكبيرة لا ينخفض على نحوٍ حتمي كلما كبرت؛ إذ يمكن أن يرتفع وينخفض اعتمادًا على عدد البروتونات والنيوترونات التي تحتوي عليها النواة.

هذه الجسيمات الأساسية تُرتِّب نفسها في «مدارات» متحدة المركز في النواة، تمامًا كما تترتب الإلكترونات في مدارات حول النواة (انظر الفصل الرابع). وتمامًا مثلما يجعل المدارُ الكاملُ العدد من الإلكترونات العنصرَ مستقرًّا وخاملًا (كما في الغازات النبيلة)، فإن مدارات البروتونات أو النيوترونات الممتلئة تضفي استقرارًا على النواة. تمتلك عناصر الهليوم والأكسجين والكالسيوم والقصدير والرصاص جميعها مدارات خارجية ممتلئة (ما يسمَّى بالعدد السحري) من البروتونات؛ ومن ثم تكون أنويتها مستقرة على نحوٍ استثنائي. ومن الممكن أيضًا للنواة أن يكون لها مدارٌ مشغولٌ بالنيوترونات، ونظير الرصاص ٢٠٨ يمتلك عددًا سحريًّا لكلٍّ من البروتونات والنيوترونات؛ وهو ما يُطلَق عليه «ازدواج العدد السحري».

ومن المتوقَّع أن يكون أحد نظائر العنصر ١١٤ — الذي يمتلك ١٨٤ نيوترونًا — ذا نواة تتميز بازدواج العدد السحري؛ ومن ثَمَّ، من المتوقَّع أن يقبع في منتصف «جزيرة الثبات» في فضاء الأنوية الفائقة الثقل (شكل ٥-٤). ويعتقد العلماء النوويون أنه قد يكون له عمر نصفي يقدَّر بعدة سنوات.١١ وهكذا أصبح العنصر ١١٤ هدفًا لصانعي العناصر. فإذا اتضح أنه مستقر، فإن هذا من شأنه أن يبيِّن أن هؤلاء الباحثين ليسوا مضطرين للبحث عن لمحات عابرة على نحوٍ متزايد للعناصر الجديدة الأثقل والأقل استقرارًا؛ فربما توجد عناصر غير مُكتَشَفَة يمكنك (على الأقل، من حيث المبدأ) أن تمسكها بيدك.

في عام ١٩٩٩م، أعلنت مجموعةٌ مشتركةٌ — تضم فريق دوبنا وعلماء من مختبر لورنس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا تحت قيادة الفيزيائي الروسي يوري أوكانيسيان — بتحفُّظٍ رصدًا محتملًا للعنصر ١١٤. وقد قامت المجموعة بتخليقه عن طريق قصف البلوتونيوم ٢٤٤ بأيونات الكالسيوم ٤٨ المعجَّلة في سيكلوترون. ويبدو أن ذرَّة واحدة من العنصر ١١٤ ظلَّت مستقرة لمدة ثلاثين ثانية قبل أن تتحلَّل إلى العنصر ١١٢. ليس هذا بالضبط هو العمر الافتراضي المأمول، لكنه أطول بكثير من ثُلث ملِّي ثانية. ورغم كل شيء، لم يكن النظير المفترض ذا عدد سحري مزدوج، ولكنه كان يحتوي على ١٧٥ نيوترونًا فقط؛ وهو العدد الأقل بتسعة نيوترونات عن الغلاف الممتلئ؛ لذلك لا بد من وجود مجال للتحسن. استقبل ألبرت جيورسو عالِم الكيمياء النووية المخضرم بفريق بيركلي الأخبار قائلًا: «هذا هو الحدث الأكثر إثارةً في حياتنا.»

fig13
شكل ٥-٤: من المتوقَّع أن يكون نظير العنصر ١١٤ المحتوي على ١٨٤ نيوترونًا، مستقرًّا بدرجة كبيرة؛ لأنه يمتلك «عددًا سحريًّا» لكلٍّ من البروتونات والنيوترونات في نواته. وربما يقبع هذا العنصر على قمة «جزيرة الثبات» في بحر التوليفات الممكنة للجسيمات دون الذرية النووية. والجزر الأخرى المحددة هنا بخطوط كنتورية يدل «ارتفاعها» على درجة الاستقرار، تظهر مع عناصر أخف مثل بعض نظائر الرصاص والقصدير.

حاول باحثو دوبنا لعدة شهور تكرار تخليقهم المزعوم للعنصر ١١٤ دون جدوى. ومع ذلك، في نهاية المطاف تُوِّجت مثابرتهم برؤية نظيرٍ مختلف من العنصر ١١٤، نظيرٍ يمتلك ١٧٤ نيوترونًا وعمرًا يبلغ بضع ثوانٍ. وهذه المرة رأى الباحثون حدثَي تحلُّلٍ منفصلين؛ مما جعل عملية رصد العنصر أكثر ثباتًا. وبتحفيز من هذا النجاح، غيروا المادة المستهدَفة إلى الكاليفورنيوم ٢٤٨ وخلَّقوا العنصر ١١٦ الذي يتحلَّل من خلال إطلاق جسيمات ألفا إلى العنصر ١١٤.

ولكن كيف يمكن للمرء أن يصل إلى وسط جزيرة الثبات المفترَضَة، حيث يقبع النظير ذو العدد السحري المزدوج للعنصر ١١٤؟ هذا يعني إقحام المزيد من النيوترونات في النواة، ولا أحد يعرف حتى الآن كيفية فعل ذلك.

كيمياء الذرَّة الواحدة

هناك دون شكٍّ المزيدُ من العناصر في انتظار مَن يكتشفها، وشيئًا فشيئًا يتوسَّع الجدول الدوري بفضل اكتشاف عناصر مجهولة. وبينما يحدث هذا، سوف نتعرَّف على طبيعة هذه العناصر الجديدة. ففي عام ١٩٩٧م تَمكَّن فريق دولي ضم علماء من معهد أبحاث الأيونات الثقيلة ومختبر بيركلي ومختبر دوبنا، من استنتاج أن العنصر ١٠٦ (سيبورجيوم) له خواص كيميائية مشابهة لعنصرَي الموليبدينوم والتنجستين. من ناحية، ربما كان هذا متوقَّعًا؛ إذ إن السيبورجيوم يقبع تحت هذه العناصر في الجدول الدوري. ولكن في الواقع كانت النتيجة مفاجأة؛ لأن السلوك الكيميائي للعناصر الفائقة الثقل ١٠٤ و١٠٥ السابقة له يتشوَّه بسبب تأثيرات النسبية على الإلكترونات المحيطة بالأنوية الضخمة.

وفقًا لنظرية النسبية لأينشتاين، تكتسب الأجسام كتلة عندما تتحرَّك بسرعة تقترب من سرعة الضوء. وفي العناصر الثقيلة للغاية تُجتَذب الإلكترونات في مدارات مُحكَمة حول الأنوية العالية الشحنة، لدرجة أنها تصل لسرعات كبيرة بما يكفي لتكتسب مثل هذه التغييرات «النسبوية» للكتلة. وهذا يغيِّر ترتيب الإلكترونات؛ ومن ثَمَّ يغيِّر الخواص الكيميائية للعنصر، بحيث لا تتوافق مع تلك العناصر الموجودة فوقها في الجدول. وعدم وجود الآثار النسبوية القوية في عنصر السيبورجيوم يعني أنه سيكون من الصعب التنبؤ بهذه العناصر الجديدة وفهم طبيعة سلوكها.

ولجمع معلومات من هذا النوع، كان يجب على الكيميائيين تحسين تقنيات التحليل للتعامل مع عينات بنسب تكاد تكون معدومة. وقد توصَّل الباحثون العاكفون على دراسة السيبورجيوم إلى نتائجهم عن طريق إجراء تفاعلات كيميائية على «سبع ذرَّات» فقط في الوقت القصير المتاح قبل التحلُّل. ويبذل فريق بيركلي وآخرون في الوقت الحالي أقصى جهدهم في استكشاف الخواص الكيميائية للعناصر بدءًا من العنصر ١٠٧ وما بعده.

بينما كان مكتشفو العناصر الأوائل في كثير من الأحيان يُضطرون إلى التعامل مع مقادير ضئيلة جدًّا من المواد، فإن روَّاد الجدول الدوري الحاليين يواجهون التحدي الأقوى؛ تحديد خواص العناصر المخلَّقة ذرَّةً بِذَرَّة.

هوامش

(١) العناصر الأثقل قليلًا من اليورانيوم — التي تنتج عن التحلل الإشعاعي — توجد بكميات ضئيلة في خامات اليورانيوم الطبيعية. كما عُثر على البلوتونيوم (العنصر رقم ٩٤) في الطبيعة؛ وهو ناتج من عمليات تشكيل العناصر التي تحدث في النجوم المحتضرة. لذلك، تُعد مسألة تحديد عدد دقيق للعناصر الطبيعية أمرًا صعبًا.
(٢) المواد الفلورية تُطلِق ضوءًا عندما يوجَّه إليها ضوء ذو طول موجي مختلف (لون مختلف). أما المواد الفوسفورية فتفعل الشيء نفسه، ولكنْ تُواصِل إطلاقَ الضوء لبعض الوقت حتى بعد وقف توجيه الضوء إليها.
(٣) في الأيام الأولى، كان نطاق تفكير علماء الفيزياء العالية الطاقة ضيِّقًا، مثلهم مثل أي شخص آخر. أما اليوم، فإن مختبر فيزياء الجسيمات في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن» قرب جنيف، يدير معجِّلًا على شكل حلقة بطول ٢٧ كيلومترًا.
(٤) مع ذلك، حصل كلٌّ من جوليو وكوري على لحظة مجدهما عندما اكتشفا عام ١٩٣٣م أن العناصر الخفيفة المستقرَّة مثل البورون والألومنيوم يمكن تحويلها إلى عناصر مشعَّة من خلال قصفها بجسيمات ألفا. كان هذا الاكتشاف بمنزلة فرحة كبيرة لوالدة إيرين قبل وفاتها بفترة وجيزة، وبسببه نال كلٌّ من جوليو وكوري جائزة نوبل للكيمياء عام ١٩٣٥م. وقد ماتت إيرين بسبب سرطان الدم مثل والدتها.
(٥) مع ذلك، لم يكن هذا أول تخليق لعنصر لم يكن معروفًا في السابق. هذا ينطبق على التكنيشيوم — العنصر ٤٣ — الذي اكتشفه سيجري وزميله كارلو بيرييه عام ١٩٣٧م. هذا العنصر تم تخليقه في سيكلوترون بيركلي بقذف رقائق الموليبدنوم بأنوية الهيدروجين الثقيل (الديوتريوم). هناك احتمال على ما يبدو أن يكون التكنيشيوم قد خُلِّق فعليًّا عام ١٩٢٥م، عندما ادَّعى فريق ألماني أنه اكتشف عنصرًا جديدًا (أطلقوا عليه ماسوريوم) بعد تشعيع الكولمبيت المعدني بشعاع من الإلكترونات.
وقد تم تخليق عنصر آخر غير معروف سابقًا — الأستاتين (العنصر ٨٥، وهو أثقل الهالوجينات) — في بيركلي عام ١٩٤٠م بقصف البزموت بجسيمات ألفا. ومن جديد، كان سيجري بين فريق الكيميائيين الذين بيَّنوا أن الأستاتين عنصرًا جديدًا.
(٦) يَعتقد بعض المؤرخين أن هايزنبرج ربما عرقل العمل عمدًا حتى لا تصل القنبلة إلى يد هتلر. ويرى آخرون أن ما عرقله ببساطةٍ هو أخطاء في حساباته. ربما لن نعرف أبدًا على وجه اليقين نوايا هايزنبرج. وقد استُكشفت هذه المسألة ببراعة كبيرة في مسرحية مايكل فراين «كوبنهاجن» (لندن: ميثوين) عام ١٩٩٨م.
(٧) المادة المضادة — التي تنبَّأ بها الفيزيائي البريطاني بول ديراك عام ١٩٣٠م — تفنى هي والمادة العادية عندما تتقابل الاثنتان، وتتحوَّل كتلتيهما إلى دفقة من أشعة جاما الغنية بالطاقة.
(٨) حسنًا، ليس كل شيء تمامًا؛ فقد تشكَّلت العناصر الخفيفة: الليثيوم والبريليوم والبورون، غالبًا من خلال تفسُّخ الأنوية الأثقل عندما ضربتها الأشعة الكونية وغيرها من الجسيمات العالية الطاقة في الفضاء بين النجوم. وتُعرَف هذه العملية — التي تشطر الأنوية إلى عناصر أخف — باسم «التشظِّي». والتخليق النووي في النجوم يُنتِج قدرًا ضئيلًا للغاية من هذه العناصر الثلاثة.
(٩) ينبغي عدم الخلط بين هذه الطريقة و«الاندماج البارد» للديوتريوم الذي زُعم تحقيقه على يد الكيميائيين في ولاية يوتا عام ١٩٨٩م دون استخدام أي شيء سوى الماء الثقيل في خلية تحليل كهربائي. وقد تبيَّن لاحقًا أن ادعاء الاندماج النووي البارد ادعاءٌ واهٍ.
(١٠) ثمة نظير للبلوتونيوم أطول عمرًا من البلوتونيوم ٢٣٩، وربما يتضح أن بعض العناصر الفائقة الثقل الأكبر لها أيضًا نظائر أطول عمرًا من تلك النظائر المشار إليها هنا. ومع ذلك، فإن هذا الميل واضح بما فيه الكفاية.
(١١) كل هذا لا يزال غير مؤكَّد إلى حدٍّ ما. ويبدو الآن أن الاستقرار المعزَّز حول العنصر ١١٤ قد لا يتوافق مع مفهوم الجزيرة على الإطلاق، ولكن يمكن أن يكون مرتبطًا بشبه جزيرة العناصر الأخف المستقرة من خلال برزخ ضيق. وتتفاوت تقديرات عمر العنصر ١١٤ «ذي العدد السحري المزدوج» الذي يمتلك ١٨٤ نيوترونًا. وفي واقع الأمر يعتقد بعض المنظِّرين أن ١١٤ قد لا يكون «عددًا سحريًّا» للبروتونات على الإطلاق، ولكن العدد السحري التالي هو ١٢٦. وفي وقت تأليف هذا الكتاب، لا تزال الصورة آخذة في التغير بسرعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤