عندنا لغز
كان «تختخ» يَجلس وحيدًا في حديقة الفيلا في انتظار انتهاء «زنجر» من تناول إفطاره … مُستعدًّا للقاء المُغامرين عند «عاطف» كالمُعتاد، لم يكن قد مضى سوى يوم واحد على انتهاء لغز «الكاميرا السرية» وكان ما زال مشغولًا باللغز … لقد استطاع أن يعرف الجاسوس … وأن يعرف كيف كان يُصوِّر المُستندات السرِّية … ووضعت جهات الأمن يدها على كل شيء، ولكنَّ شيئًا واحدًا حدث جعل نهاية المغامرة ناقصة … فقد هرب الجاسوس «مايزر» … واختفى كأنه ذرَّة في الهواء … وقال المفتش «سامي» تعليقًا على ما حدث … لقد قمت بعمل عظيم … فقد أوقفت عملية التجسُّس، وهذا ما كان يُهمُّنا … أما القبض على «مايزر» فهو مسألة وقت … إنه لن يُفلت من أيدينا مطلقًا … ولما كنت أنت يا «توفيق» أكثر واحد يَعرفه وقد عاشرته بضعة أيام وعرفت عاداته … فمن المهم جدًّا أن تساعدنا … وسوف أتصل بك بعد التحقيق في الموضوع … والاطِّلاع على جميع المستندات … وبالمناسبة … تستطيع الآن أن تَحكي لبقية المغامرين كل شيء عن هذه المُغامَرة.
واتَّفق «تختخ» مع المُغامرين على مقابلتهم هذا الصباح … ليتحدَّث إليهم عن شخصية «مايزر» وكيف اكتشفه … وكان يُمسك بيديه دفتر مُذكِّراته الصغير الذي يكتب فيه تفاصيل مغامراته ليعود إليها في أيِّ وقت … وكان قد كتب ثلاث صفحات عن شخصية «مايزر»، ويودُّ لو يستكملها بجملة: وتمَّ القبض عليه …
وظهر «زنجر» قادمًا من مأواه في أقصى الحديقة … كان يَلعَق فمه بعد أن تناول إفطارًا دسمًا … وكان على استعدادٍ للانطلاق … وقفز «تختخ» إلى دراجته … وقفز خلفه «زنجر» وانطلقا إلى منزل «عاطف».
كان المغامرون جميعًا في الحديقة … وقد استعدوا بكل الشوق إلى الاستماع إلى المغامر السَّمين الذي ركن دراجته عند باب الحديقة، ودخل يتبعه الكلب «زنجر» الذي ربَض تحت قدمي «لوزة» … كالمعتاد؛ تعبيرًا عن حبه الكبير لها.
قال «عاطف» مُداعبًا «تختخ»: أنت الآن نجم الموسم!
ابتسم «تختخ»، وأضافت «نوسة»: لقد قام بعمل وطني عظيم!
لوزة: ولكنَّه لم يُشركنا معه!
تختخ: آسف جدًّا … لقد طلب منِّي المفتش «سامي» إبقاء الأمر سرًّا … خوفًا عليكم من عصابة الجواسيس هذه … ولكن المرحلة القادمة ستحتاج إلينا جميعًا.
صاحت «لوزة» بابتهاج: سنَشترك معك؟!
تختخ: طبعًا … وقد اشتركتم في اللغز الماضي … ألم تدعوني أهرب من الشاويش «فرقع» في وقت حرج جدًّا من المغامرة؟!
لوزة: ولكن هذا لا يكفي!
تختخ: في المغامرة القادمة سنشترك كلنا … والآن أحدِّثكم عن شخصية «مايزر». إنه شخصية فريدة … وكعادة الجواسيس في منتهى الحذر …
ولم يكد «تختخ» يَنتهي من آخر كلمة حتى دقَّ جرس التليفون الذي يضعونه دائمًا بجوارهم … وكان المتحدِّث هو المفتش «سامي» الذي تبادل الحديث مع المغامرين جميعًا … وعندما كان يتحدث إلى «تختخ» قال له: أَضِفْ إلى معلوماتك شيئًا جديدًا عن «مايزر»؛ إنه يجيد الحديث باللغة العربية سواء الفصحى أو الدَّارجة.
تختخ: مُدهِش جدًّا … إنه لم يخطئ مرةً واحدة وتحدث بها!
المفتش: لقد حصلنا على بعض المعلومات من زميله الذي أُصيب في الحادث … ولكن حالته لا تسمح له بحديث طويل … وكلَّما سمعت شيئًا سوف أتحدث إليك.
تختخ: ألم تُكوِّنوا فكرة عن اتجاه «مايزر» بعد هربه؟!
المفتش: هناك احتمالات كثيرة … ولكن من المؤكد أنه لم يُغادر مصر حتى الآن؛ فالمطارات والموانئ … وكل مكان يُمكن أن يَنفذ منه مُحاصَر … فهو في مصر … ونحن نُرجِّح لأنه يجيد الحديث بالعربية أن يتمكَّن من الاختفاء طويلًا … فهو كما تَعرف جاسوس داهية!
تختخ: هل تسرَّبت معلومات كثيرة عن طريقه؟
المفتش: لحسنِ الحظ وجدنا أغلب الأفلام.
تختخ: إنني والمغامرون سوف نَضع بعض التصورات.
المفتش: شكرًا لكم … وأرجو أن أسمع منكم قريبًا … وكاد المفتش أن يضع السماعة، ولكنه أضاف: اسمع يا «توفيق» … قد يُهمك أن تعلم أننا وجدنا في الكوخ بعض الأشياء الغريبة … منها جلباب مما يَلبسه أولاد البلد، وشبشب قديم من البلاستيك الرخيص … وبعض النقود المعدنية والفضية في كوز من الصفيح.
تختخ: شيء غريب!
المفتش: نعم … غريب فعلًا! … ونحن نقوم ببعض التحريات.
تختخ: أرجو أن أعرف أولًا بأول كل ما تصلون إليه.
المفتش: بالتأكيد يا «توفيق» … إلى اللقاء!
ووضع «تختخ» سماعة التليفون والتفتَ إلى الأصدقاء، وبدأ من جديد يروي لهم مغامرته مع الجاسوس «مايزر» وكيف تمَّ اكتشافه … وتمكُّنه من الهرب … ثمَّ ما وجده المفتش «سامي» ورجاله في الكوخ الذي بحديقة الفيلا.
قالت «لوزة»: هل لاحظتم أن «مايزر» كان يَخرج كل مساء؟
نوسة: نعم … إنها ملاحظة هامة!
محب: لعلَّه كان يعمل بعد الظهر.
عاطف: كلنا نعلم أن من عادة الأوربيين أنهم لا يعملون في المساء … ففي أوروبا وأمريكا تُغلق جميع المكاتب والمحلات أبوابها في الخامسة أو السادسة ثم لا تفتح بعد ذلك مطلقًا.
نوسة: ولكن لسنا في أمريكا ولا أوربا … إننا في مصر!
تختخ: على كل حال يُمكن أن نسأل المفتش عمَّا إذا كانت مكاتب التصميمات السرية تفتح بعد الظهر أو لا؟
عاطف: المُهم يا «لوزة» لماذا السؤال؟
لوزة: بسبب بسيط … إننا يجب أن نعلم إلى أين كان «مايزر» يذهب بعد الظهر ويبقى في الخارج حتى ساعة متأخِّرة من الليل … فحسب رواية «تختخ» كان «مايزر» يعود بعد أن يَنام «تختخ» أي بعد العاشرة، وربما بعد مُنتصَف الليل!
تختخ: هذه نقطة مهمة … فلو علمْنا أين كان يُمضي «مايزر» وقته بعد الظهر؛ لأمكن الإمساك ببعض الخيوط.
نوسة: فعلًا … ربما كان يَلتقي بالرجل الذي يُسلِّمه الأفلام لإرسالها إلى الخارج.
تختخ: يجب إذن أن نتَّصل بالمفتِّش «سامي» فورًا … لعله يحصل من الجاسوس الآخر الذي جُرح في الحادث على معلومات عن هذا الموضوع.
لقد كنتُ أَحضُر إلى «مايزر» كل مساء لأرى ما عنده من أفلام … وكنَّا نقوم بتحميضها، ثم التأكُّد من صلاحيتها، وأقوم بالذهاب إلى شقَّتي حيث أقوم بتقسيم الأفلام إلى قطع صغيرة «سلايدز»، ثم أضع كل مجموعة في مظروف عادي جدًّا وأرسلها بالبريد … وكانت هذه طريقة بسيطة ولكن مؤكدة المفعول؛ لأن المظروف لم يكن يُثير أي اهتمام.
وصمت المفتش لحظات ثم مضى يقرأ:
وعندما أُصبت … قال «مايزر» إنه سيتولَّى الإرسال بنفسه … وقد كان يخرج كل مساء إلى أحد الأحياء الشعبية كأنه سائح يتفرَّج على القاهرة القديمة، وهناك كان يقوم بإرسال الخطابات … ولا أدري أكان يقوم بها وحده؟ أم كان هناك مَن يُساعدُه؟
تختخ: ما رأيك في الربط بين الأحياء الشعبية والملابس البلدية التي وجدتها في الكوخ؟
المفتش: هذا منطقي جدًّا!
تختخ: معنى هذا أن «مايزر» كان يلبس الملابس البلدية أحيانًا في الحي الشعبي، وأحيانًا كان يذهب كسائح.
المفتش: معقول!
تختخ: وقد فهمنا الآن لماذا كان يذهب كسائح في الأحياء الشعبية … لقد كان يرسل خطاباته من هناك … ولكن لماذا كان يلبس الملابس الشعبية؟!
المفتش: هذا هو السؤال الذي يجب أن نبحث عن إجابته.
تختخ: إنني أعتقد أن «مايزر» سيذهب إلى الأماكن التي يعرفها … حيث يستطيع الاختفاء والحركة بحريَّة … خاصة أنه يجيد اللهجة العربية الدارجة.
المفتش: هذه كلها استنتاجات مضبوطة!
تختخ: هل تسمح للمغامرين الخمسة بمساعدة رجال الأمن في البحث عن «مايزر»؟
المفتش: بالتأكيد … إن هذا يسعدنا؛ لأنك الشخص الوحيد الذي عايش «مايزر» ويمكن أن يتعرف عليه سريعًا.
تختخ: أشكرك يا سيادة المفتش … وأرجو أن ترسل لنا مجموعة صور لهذا الجاسوس الداهية.
المفتش: ستصلُ إليكم هذه الصور آخر اليوم في منزل «عاطف».
تختخ: شكرًا لك يا سيدي … وإلى اللقاء!
وضع «تختخ» السماعة ونظر إلى المغامرين … كانوا يتتبعون المكالمة كلمة كلمة … ودون أن يَروي لهم «تختخ» ما قاله المفتش «سامي» … كانوا قد فهموا جميعًا أنَّ أمامهم مغامرة شيقة … وأنهم سيبدءون العمل من الصباح بعد أن يَتسلَّموا صور الجاسوس … وقالت «لوزة»: عندنا لغز!
وضحك المغامرون جميعًا … فقد كانت هذه هي صيحتها المشهورة …