مصادفة سعيدة جدًّا

تقاربت رءوس المغامرين الخمسة حول الخريطة، وقال «تختخ»: لقد لاحظَت «نوسة» ملاحظة مهمَّة … إن على جانب الصحراء الشرقة من الخريطة — وهي الواقعة بين النِّيل غربًا، والبحر الأحمر شرقًا — هنا بصمات لأصابع كانت تمرُّ على الخريطة … ويبدو أن أحدهم كان يشرح شيئًا على الخريطة وهو يأكُل أو وهو عرقان … فقد تركت أصابعه آثار بصمات على الخريطة.

قال «محب» مدافعًا عن نفسه: إنني لم أنظر إليها بإمعان … فقد نظرت إليها مُسرعًا لعلَّني أجد خطوطًا أو نقطًا عليها ولكني لم أجد … وهكذا …

قاطعه «عاطف» ضاحكًا: لا داعي للدفاع عن قِصَر نظرك … فهذه ليست المرة الأولى على كل حال!

صاح «محب» غاضبًا: إنني لستُ قصير النظر … ولو أنك …

قال «تختخ» مقاطعًا: لا داعي لتضييع الوقت في هذا النقاش العقيم … إن كل دقيقة تمرُّ تعطي «مايزر» فرصة البُعد … والمفتش «سامي» غير موجود، ولا بد أن نعتمد على أنفسنا، وإلَّا هرب «مايزر» إلى الأبد.

صمت الجميع، وقال «محب»: هل سنُطارده وحدنا؟!

تختخ: سنعرف أين هو … ونستعين برجال الأمن في مطاردته والقبض عليه.

لوزة: ولكنَّنا لم نذهب من قبل إلى الصحراء الشرقية … إنها مكان مجهول بالنسبة لنا!

تختخ: إن أحد أقاربي كان يعمل في الأبحاث الجيولوجية في هذه المناطق … وهو باحث وصياد ممتاز … سأتصل به الآن فهو في إجازة … وسنطلب منه أن يشرح لنا الطريق.

وأسرع «تختخ» يحضر نوتة التليفونات، وأخذ يبحث عن اسم قريبهم الجيولوجي الشاب، وسرعان ما عثر عليه … وأمسك التليفون وطلب النمرة، وعلى الجانب الآخر كانت سيدة تتحدث فقال لها «تختخ»: أنا توفيق يا خالتي … وبعد أن تبادلا التحيات قال: أريد أن أتحدَّث إلى المهندس «فوزي».

ووضع يده على السماعة وقال للمغامرين: لحسنِ الحظ أنه موجود …

وبعد لحظات كان يقول: أهلًا يا «فوزي» … إنك لم تَزُرنا في هذه الإجازة … وظل يستمع لحظات ثم قال: يسرُّني جدًّا أن تزورنا هذا المساء … نعم … أصدقائي المُغامِرُون يسعدهم كثيرًا أن يروك وأن تحكيَ لهم عن مغامراتك في الصحراء.

ومضى يستمع لحظات ثم قال: معك حق … إنهم يُريدون منك شيئًا.

ثم استمع وهو يضحك وقال: طبعًا … طبعًا … أنا معهم، ووضع السماعة وقال: أظنكم استمعتم إلى حديثي معه … إنه سيزورُنا هذا المساء … وحتى يأتي أقترح أن تأخذوا إذنًا بالسفر … فسوف نُحاول أن نسافر غدًا أو بعد غد.

وانفضَّ الاجتماع على أن يعودوا مرةً أخرى في السادسة لمقابلة «فوزي».

•••

في السادسة مساءً اجتمع المغامرون مرةً أخرى … وكانوا جميعًا يبتسمُون … فقد حصلوا على موافقة والديهم أن يُسافرُوا … وكان الشرط بالنسبة ﻟ «عاطف» و«لوزة» أن يَعُودا بعد أسبوع …

قال «تختخ»: أسبوع يَكفي … فإذا لم نَستطِع العثور عليه في أسبوع … فلا بدَّ أن تتولَّى جهات الأمن هذه المهمَّة.

ولم تَمضِ لحظات حتى سمعوا صوت سيارة صغيرة تقف بالباب … ثم وقف «تختخ» وهو يقول: هذا هو المهندس «فوزي».

أسرع «تختخ» يستقبل قريبه الشاب … كان قصير القامة، قويَّ البنيان، مُجعَّد الشعر، لوَّحت شمس الصحراء بشرته، وكانت لعينَيه السوداوين نظرة نافذة كأنها حدُّ شفرة.

صاح «تختخ»: مرحبًا أيها الرحَّالة!

قال «فوزي»: مرحبًا أيها المُغامر!

وأخذ «تختخ» يُقدِّم له الأصدقاء فقال «فوزي»: برغم أنَّني لم أرَهَم من قبل، فإنَّني أسمع عنهم وعن مُغامراتكم معًا.

تختخ: إنَّ أمامنا مغامرة نُريد رأيك فيها …

فوزي: ليس مجرَّد رأيي … إنني على استعدادٍ للمُشاركة.

جلس «فوزي» وأسرعت الشغَّالة إليه بكوب الليمون المثلَّج، وبدأ «تختخ» يتحدَّث فقال: هناك رجل خطير، وجاسوس من أهمِّ الجواسيس اسمه «مايزر» كان يتجسَّس على بعض الأسرار الحربية في مصر.

وصمتَ لحظات ثم أضاف: واستطاعت جهات الأمن أن تُوقع بعصابته، وتُوقفَ نشاطه، ولكنه هرَب … وعندنا ما يُشبه اليقين في أنه هرب إلى الصحراء الشرقية.

قال «فوزي» مُعلِّقًا: الصحراء الشرقية؟! … إنني أعمل هناك هذه الأيام … ولكن الصحراء الشرقية واسعة … في أيِّ مكان منها يعيش؟

تختخ: لقد هرب أمس فقط … ولعله ما زال في الطريق إليها.

فوزي: وكيف عرفتم أنه هرب إلى هناك؟

تختخ: هذه الخريطة …

ومد يده بالخريطة التي وجدها «محب» … وقال فوزي: نعم … هذه هي خريطة الصحراء … ولكن لس عليها إشارة واحدة! …

قاطعه «تختخ» قائلًا: انتظر … وانظر جيدًا هنا.

وأشار بإصبعه إلى عدة أماكن فقال فوزي: هناك آثار بصمات على هذه الأماكن حقًّا!

تختخ: فقلنا إن «مايزر» ومن كان معه كانوا يُحددون مكانهم على الخريطة.

فوزي: على كل حال … كل رحلة إلى الصحراء الشرقية في المنطقة التي عليها البصمات لا بد أن تبدأ من «قنا»؛ فهي مفتاح الصحراء!

تختخ: عظيم … معنى هذا أننا عرفنا البداية.

فوزي: وهي نفس البداية التي سأبدؤها غدًا.

تختخ: غدًا؟!

فوزي: نعم … سأسافر غدًا في المساء حيث أقضي الليل في القطار … وفي الصباح … آخذ سيارة البعثة الجيولوجية التي ستكون في انتظاري لألحق بالبعثة.

قال «محب»: يا لها من مصادفة حسنة! … سنُسافر معك.

فوزي: إن هذا يسعدني حقًّا! سأذهب الآن لحجز التذاكر … هل أنتم مُتأكِّدون من حضوركم؟

تختخ: بالتأكيد … احجز لنا جميعًا … وسندفع لك عندما …

فوزي: دعكم من مسألة النقود … إنكم ضيوفي!

أبدى المغامرون اعتراضهم في هذه الدعوة … ولكن المهندس الشاب قال لهم: إذا أوقعتُم ﺑ «مايزر» فإن الحكومة المصرية ستكافئكم … وإنني متأكِّد أن صديقكم المفتش «سامي» سيدفع جميع التكاليف … أما إقامتكم في الصحراء فلن تُكلِّفني شيئًا … مجرد خيمة بجوار خيمتي … وما أكثر الخيام عندنا … كل ما عليكم هو إحضار كمية كبيرة من الأطعمة المحفوظة وعلب العصير ولا أكثر من هذا!

وأنهى «فوزي» كوب العصير ثم وقف وقال: موعدُنا غدًا في الخامسة على محطة الجيزة … سأكون في انتظاركم هناك.

قام المغامرون جميعًا لوداعه حتى باب السيارة … كانوا يشعرون بالسعادة … وعندما اختفت السيارة عن أنظارهم قالت نوسة: يا لها من مصادفة غير معقولة!

وعلَّق «عاطف» قائلًا: إنها بركات الشيخ «تختخ»!

وانفجروا جميعًا ضاحكين … وقال «تختخ»: علينا أن نُقسِّم أنفسنا الآن، لشراء الأشياء التي سنأخذها معنا.

عاطف: نعم … لا بد من إنشاء وزارة تموين مسئولة عن هذه الرحلة … ضحك الأصدقاء، وقالت «لوزة»: إني أرشح «نوسة» لوزارة التموين هذه … إنها أحسن من يُنظِّم مسائل الأكل!

محب: ومن هم وكلاء الوزارة؟

تختخ: «عاطف» و«لوزة» … وسأتولَّى أنا و«محب» بقيَّة المسائل المتَّصلة بالرحلة.

وكادوا يَفترقون لولا أنهم شاهَدُوا الشاويش «فرقع» يظهر عند باب الحديقة على دراجته … كأنما انشقَّت الأرض عنه!

وقف الأصدقاء وقال «محب»: كنتُ أظن أن هذه المغامرة ستمر دون أن نتعرض لمضايقات الشاويش «فرقع»!

قال عاطف: وهل يُمكن أن تمرَّ مغامرة دون أن يكون عليها بصمات الشاويش العزيز؟!

قال الشاويش وهو يبرم شاربه كعادته: إنني … أظن … أعتقد … أن اجتماعكم هذا مقصود به …

قاطعه «عاطف»: أتظنُّ أم تَعتقِد يا شاويش؟! إنَّ هناك فارقًا كبيرًا بين الظن والاعتقاد … وعندما تستقرُّ على رأي سنقول لك ما هو المقصود بهذا الاجتماع؟

احمرَّ وجه الشاويش … ولكن قبل أن ينطق بكلمة أخرى ظهر «زنجر» عند قدميه، وأخذ يمارس هوايته المحبَّبة في إعمال أنيابه الحادة في جورب الشاويش الذي صاح بارتياع: أبعدوا هذا الوحش عني …

وأمسك «تختخ» ﺑ «زنجر» وهو يقول: لا داعي لهذا الآن يا «زنجر» … إن الشاويش لم يأتِ في مهمة تُضايقنا!

وانطلق الشاويش مُبتعِدًا وهو يسبُّ ويلعن … وتفرَّق الأصدقاء على أن يعاودوا الاجتماع في صباح اليوم التالي … وقال «تختخ» موجِّهًا حديثه ﻟ «نوسة»: إن معكِ مدَّخرات المغامرين الخمسة … فأعدِّي لنا ما يكفي لمدة أسبوع من المعلبات … وزيدي الكمية قليلًا …

عاطف: طبعًا لأنَّ كرشك العزيز يحتاج إلى كمية إضافية …

صاح «تختخ»: لا دخل لك بكرشي …

وانفجر الأصدقاء ضاحِكين … وتفرَّقوا … ومضت وزارة التموين المكوَّنة من «نوسة» و«عاطف» و«لوزة» معًا … وقد أمسك «عاطف» بقلمٍ وورقة، وأخذ يُحدِّد الأصناف والكميات التي سيَحتاجُون إليها.

أسرع «تختخ» إلى مكتبه … وأخذ يبحث عن كتاب عن الصحراء الشرقية … لقد كان يُفضِّل كعادته أن يقرأ شيئًا عن أي مكان سيزوره … وتذكَّر أن والده أوصاه أن يقرأ كتابًا صَدَر عن دار المعارف في سلسلة اقرأ عنوانه «في بلاد العبابدة»، وقال: إنه مذكِّرات جيولوجي اسمه الدكتور «سمير محمد خواسك» … وأخذ «تختخ» يبحث عن الكتاب حتى وجده … ولم يَكد يبدأ في قراءة الصفحات الأولى منه حتى انهمَك في قراءته تمامًا … كان كتابًا مُمتعًا … وفي الوقت نفسه يُقدِّم مجموعة من المعلومات الضرورية عن الحياة في الصحراء الشرقية حيث ستكون المطاردة المُثيرة خلف «مايزر»، وعندما تذكَّر «مايزر» وضع الكتاب جانبًا وهو يسأل نفسه: هل سنعثر على الجاسوس الداهية حقًّا في هذه الصحراء المترامية الأطراف؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤