مغامرة مخيفة

عبر الأصدقاء النهر حوالي الساعة الثالثة، وكانت السيارة في انتظارهم على الجانب الآخر، وسرعان ما كانت تطوي بهم الأرض مسرعةً إلى «توشكى»، التي تبعد عن أسوان بنحو ١٠٠ كيلومتر … وكان «تختخ» قد اقترح أن يذهب هو والمفتش فقط، ولكن بقية الأصدقاء تمسَّكوا بأن يذهبوا أيضًا.

قطعوا مسافةً بسرعة كبيرة على الطرق الممهَّدة، ثم دخلوا في الطريق الصحراوي غير الممهَّد، وبدأت السيارة تهتز بهم في المطبَّات والحفر … ولم يكن السائق يعرف الطريق بالضبط، فكان يتبع الإشارات التي تدل على أماكن القرى … واستمر سير العربة طويلًا، وبدأ المساء يهبط دون أن يصلوا إلى أي مكان مأهول بالسكان … وهبط الليل وكان القمر ما زال هلالًا صغيرًا لا يُضيء إلا قليلًا … فبدت الصحراء موحشةً ساكنة … وليس ثمة صوت إلا صوت محرِّك السيارة في الصمت الشامل.

قطع الصمت صوت المفتش موجِّهًا الكلام للسائق: لقد قطعنا مسافةً طويلةً دون أن نصل إلى شيء … فهل تعتقد أننا ما زلنا نسير في الطريق الصحيح؟

السائق: لا أعرف يا سيدي … فإنني لم أحضر إلى هذه المنطقة من قبل، وزميلي الذي يعرفها مريض، لهذا حضرت معكم.

تختخ: إنني أُفضِّل أن نتوقَّف؛ فقد توغَّلنا طويلًا في الصحراء دون أن نرى أي علامة تدل على الحياة، وحسب الخريطة التي معي، كان يجب أن نكون الآن قد وصلنا إلى مجموعة قرى «الكنوز» وتجاوزناها بمسافة، وأخشى أن أقول إننا ضللنا طريقنا.

المفتش: أوقف السيارة من فضلك.

ووقفت السيارة، وساد الصحراءَ الصمت، وأخرج «تختخ» بطاريةً وعلى ضوئها وقف المفتش والأصدقاء حول الخريطة، وكان واضحًا أنهم في مكان مجهول لا يدري أحد منهم أي شيء عنه.

قال «تختخ»: لقد سرنا حتى الآن نحو ثلاث ساعات … فإذا حسبنا سرعة السيارة في المتوسط بخمسين كيلومترًا في الساعة، فقد سرنا ١٥٠ كيلومترًا، أي أننا كان المفروض أن نكون في «توشكى» من مدة طويلة.

المفتش: هل تعتقد أننا تهنا؟

تختخ: لا، أعتقد أننا قد وقعنا في خطة لتضليلنا، من المؤكَّد أن أخبارنا قد وصلت إلى «ناندا»، وأنه علم بتحرُّكاتنا.

محب: ولكن كيف يخدعنا؟ ما هي خطته؟

تختخ: لا يمكن أن أعرف الخطة … ولكن كل ما أعرفه أنه خدعنا وضلَّلنا … ويجب أن نبحث عن حل.

المفتش: لا حل إلا الانتظار للصباح، فإمَّا أن يعثر علينا أحد، أو أسير مع السائق على آثار عجلات السيارة لعلنا نصل إلى بداية الطريق المرصوف.

وقف الأصدقاء والمفتش حول السيارة ينظرون حولهم فلا يرون سوى ظلال التلال المنتشرة في الصحراء … وضوء القمر الذي كانت تُخفيه السحب أحيانًا … وبدأ الجو الصحراوي يبرد، ومدَّت «لوزة» يدها تضعها في يد «نوسة»، وأحست الفتاتان أنهما في آخر مكان كانتا تتصوَّران أن تصلا إليه.

قال المفتش: ستزداد برودة الجو، فكما تعرفون فإن الطقس الصحراوي شديد الحرارة نهارًا، شديد البرودة ليلًا، وأقترح أن تدخلوا السيارة، ليتوفر لكم بعض الدفء.

صعدت الفتاتان أولًا، وبقي المفتش و«تختخ» و«محب» و«عاطف» يتناقشون، في حين وقف السائق خلف العربة وحده.

مرَّت الدقائق بطيئة، وأخذت الأحاديث بين الأصدقاء تقل تدريجيًّا حتى سكتوا جميعًا … وفجأةً في قلب الصمت المخيِّم على الصحراء المظلمة، بدأ صوت عواء ذئب يرتفع من قريب … كان صوتًا عميقًا موحشًا … التفت إليه الأصدقاء وارتجفت قلوبهم.

قال «تختخ»: أعتقد أن علينا جميعًا أن ندخل السيارة ونحتمي بها … من البرد والذئاب معًا.

وسمع الأصدقاء صوت مسدس المفتش وهو يُخرجه من جيبه، ويجعله مُعدًّا للإطلاق … وفي نفس الوقت ارتفع عواء ذئب ثانٍ … ثم ثالث … ثم رابع … وتجاوبت الصحراء بعوائها الذي أخذ يقترب.

قال المفتش: اصعدوا سريعًا إلى السيارة …

أسرع الأصدقاء بالركوب، وتذكَّروا السائق الذي كان يقف خلف العربة، فذهب إلى «تختخ» ليستدعيه، وكم كانت دهشته عندما لم يجده! … وأخذ يحاول رؤيته في الظلام دون جدوى …

أسرع «تختخ» يُخبر المفتش بغياب السائق، فنزل المفتش للبحث عنه، وعلى ضوء البطارية استطاع أن يشاهد آثار أقدامه متجهةً إلى الصحراء!

عاد المفتش مسرعًا إلى السيارة، وقال للأصدقاء في الظلام: لقد اختفى السائق … لا أدري إلى أين ذهب!

قال «عاطف»: إنني أشك فيه، وأعتقد أنه ليس من رجال الشرطة، ولعلكم تذكرون أن موعد سيارة الشرطة كان الرابعة، وهذه السيارة وصلت في الثالثة؛ فهي إذن ليست سيارة الشرطة، وهذا السائق ليس من رجالها، وقد انتهز فرصة وجوده وحيدًا وأسرع ليلحق بالعصابة.

كان حديث «عاطف» منطقيًّا، وأحس الجميع أنهم كانوا — للمرة الثانية في هذه المغامرة — ضحية خطة محكمة. فقال «تختخ»: يجب أن نعترف أن «ناندا» على قدر كبير من الذكاء والدهاء، لقد دبَّر حتى الآن خطته ببراعة مذهلة، وها هو ذا يضعنا في قلب الصحراء نواجه خطر الموت جوعًا … أو عطشًا … أو بين أنياب الذئاب.

أحسَّ «تختخ» أنه أخطأ بهذا الحديث، عندما سمع الجميع صوت بكاء «لوزة» في الظلام وهي تحاول جاهدةً أن تخفي صوتها حتى لا يسمعها أحد.

عاد «تختخ» إلى الحديث محاولًا بث الشجاعة في نفوس الأصدقاء فقال: لقد مررنا معًا في ثماني عشرة مغامرة، وواجهنا أخطارًا أشد، ولكننا ننتصر في النهاية، ولا بد أننا سنخرج من هذا المأزق.

قال «عاطف» في محاولة أخرى لتخفيف أثر الموقف: على كل حال لن تجد الذئاب طعمي مناسبًا … فإنني جلد على عظم.

لم يضحك أحد، خاصةً وكان صوت الذئاب يقترب … وأخذ عويلها المخيف يُحيط بالسيارة عن قرب، فقال المفتش: لا تخافوا مطلقًا … إن العربة قوية، والذئب جبان، يخشى أن يهاجم مجموعة.

ثم أخرج مسدسه، وفتح الباب في شجاعة، وسمع الأصدقاء طلقة نارية … وصوت طلقة ثانية … وبدأت الذئاب تتراجع مسرعة، وأحس الأصدقاء جميعًا بنوع من الطمأنينة عندما عاد المفتش، ولكن شيئًا آخر بدءوا يحسون به جميعًا … الجوع.

نظر المفتش في ساعته ذات الميناء الفسفوري المضيء وقال: لقد قاربت الساعة العاشرة، وعليكم أن تناموا … وسأظل ساهرًا بجواركم … فردَّ «تختخ»: سأسهر معك، فليست بي أي رغبة للنوم.

عاطف: وأنا أيضًا لا أشعر برغبة في النوم … وإن كنت أشعر برغبة شديدة في الطعام.

نوسة: لعلك تتمنَّى فرخةً محمَّرةً وبعض البطاطس.

ردَّ «عاطف» ضاحكًا: وشوربة ساخنة من فضلك.

محب: إنني أكتفي ببعض ساندويتشات الفول.

لوزة: أُفضِّل الطعمية الساخنة، وسلطة طحينة.

المفتش: ما رأيكم في عجة بالبيض، وسلطة حمراء.

تختخ: عندي لكم مفاجأة.

صاح الجميع في نفَس واحد: ما هي؟

تختخ: إن معي كميةً من البسكويت بالشوكولاتة … فأنتم تعرفون حبي له.

ارتفعت ضجة ضاحكة في السيارة، وأخذ الجميع يُطالبون بحقوقهم … فقال «تختخ» ضاحكًا: بنظام من فضلكم … كلٌّ في دوره.

وسمع الجميع في الظلام صوت قرقعة الورق وهو يفتح، ثم صوت «تختخ» يقول: «لوزة» مدي يدك.

ومدَّت «لوزة» يدها وتلقَّت بأكبر فرحة كميةً من البسكويت … ثم «نوسة» … ثم «عاطف» ثم «محب» ثم المفتش، وفي الظلام جلسوا جميعًا، وارتفعت من أفواههم أصوات الأكل، وبدا الجو مرحًا، وكأنهم لا يواجهون خطر الموت في هذا الظلام وفي قلب الصحراء.

ولكن هذا المرح لم يستمر طويلًا، فقد عادت الذئاب بعوائها المخيف … وبدأت تقترب مرةً أخرى من العربة … وعاد الصمت يشمل العربة من جديد … وقال «تختخ»: أرى أن نحاول إشعال النار في شيء، فإن الذئاب كأكثر الحيوانات البرية تخاف من النار.

المفتش: ولكن المشكلة ماذا نشعل؟ … من غير المعقول أن ننزل في الظلام وأمام الذئاب للبحث عن شيء نُشعله.

سكت «تختخ» فقال «محب»: أقترح أن نشعل الإطار الإضافي في السيارة، إن الكاوتش قابل للاشتعال، وهو يستمر مدةً طويلةً مشتعلًا.

المفتش: هذه فكرة معقولة.

فتح المفتش الباب ونزل، فأسرع «تختخ» ينزل خلفه، ومرةً أخرى أطلق المفتش مسدسه على قطيع الذئاب؛ فعوت وأخذت تبتعد، فقال المفتش: لولا أننا قد نحتاج للرصاصات الباقية في المسدس لأطلقتها كلها.

أسرع الاثنان إلى مكان الإطار المعلَّق بجوار السيارة، وأخذا يفكَّان المسامير التي تربطه بالسيارة، ثم أخرج المفتش ولَّاعته وأخذ يُقرِّبها من الكاوتش … وبعد محاولات طويلة استطاع أخيرًا إشعال النار، ثم تقدَّم إلى مسافة نحو عشرة أمتار وألقى بالإطار الذي أخذ الهواء يزيد في إشعاله … وأضاء بقعةً واسعةً حوله.

ابتعدت الذئاب مسافةً طويلةً عندما شاهدت النار، وهكذا عاد المفتش و«تختخ» إلى السيارة، ودخلا وأغلقا الأبواب بإحكام … وكانوا جميعًا متعبين، فاستسلموا للنوم وهم جالسون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤