السلالات المعاصرة
(١) مشكلة تصنيف السلالات
يتفق السواد الأعظم من الأنثروبولوجيين — قديمًا وحديثًا — على أن كل سلالات الإنسان المعاصر ليست إلا تفريعات مختلفة من نوع سلالي واحد، هو نوع الإنسان العاقل. لكن — وبرغم وحدة الأصل، فإن هناك اختلافات ملحوظة بين الناس، جعلت الأفكار الإنسانية تشعر بتباين ملحوظ في صفات الناس في الأقاليم المختلفة، وقد وُصِفَتْ هذه المجموعات الإنسانية المتباينة بأنها سلالات مختلفة. وتختلف درجة الاختلاف السلالي بين العلماء القدامى بدرجات متفاوتة، بناء على أفكار مسبقة أو على مشاهدات وملاحظات يحدوها هدف مسبق، هو الفصل بين أصول السلالات المختلفة. ولكن العلماء المحدثين في مجموعهم يدرسون التباين بين مجموعات الناس، بناءً على مقاييس خاصة متفق عليها، ومن ثم فإن اختلاف العلماء المحدثين على تحديد السلالات المعاصرة مرتبط بمدى تطبيق هذه المقاييس — زيادةً أو نقصًا. وسنرى أن هذه الاختلافات في مجموعها ليست سوى تغايرات محلية لعدد محدود من السلالات التي تعمر سطح الأرض حاليًّا.
والرغبة في تصنيف الإنسان الحالي ليست مجرد رغبة طارئة عند الأنثروبولوجيين، بل إن الإنسان منذ القدم ينزع إلى تصنيف كل ما حوله إلى رتب ودرجات بمقاييس مختلفة. فهذا أبيض أو أسود، وهذا جيد وحسن وسيئ، وهذا صغير أو كبير، وغير ذلك كثير، والزمن أيضًا يُصنَّف إلى نهار وليل وساعات وأشهر، ومراحل عمر الإنسان تُصنَّف على المقياس الزمني إلى طفل وشاب وكهل، وكذلك صُنِّف الإنسان منذ القدم إلى سلالات مختلفة على ضوء مقاييس مختلفة كان اللون أكثرها شيوعًا. وما زال لون البشرة أحد المقاييس الهامة في الدراسة العلمية، وله شعبية واضحة في المصطلحات اليومية.
ونظرًا لإساءة استخدام الكثير من المصطلحات التي تصف تصنيف الإنسان (سلالة – أنواع – أشكال – عناصر – مجموعات سلالية – مجموعات سكانية … إلخ) فإن بعض الآراء ترى أنه قد آن الأوان لكي نلغي فكرة السلالة. ومع ذلك فإن غالبية الآراء ترى ضرورة بقاء هذه الفكرة؛ لسبب بسيط هو أن هناك فعلًا صفات وراثية وصفات قياسية تُعبِّر عن متوسط عام للمجموعات البشرية كلٍّ في أقاليمها.
ولعلَّ الاتفاق العام في الوقت الحاضر هو النظر إلى السلالة على أنها ليست فكرة مطلقة، ولكن فكرة عملية تُقاس بها صفات الناس على أساس عدة مستويات مكانية، ومن ثم فهناك السلالة الجغرافية والسلالة الإقليمية، والسلالة المحلية أو المكانية.
والسلالة الجغرافية هي أوسع هذه السلالات من حيث الانتشار المكاني في عدة أقاليم جغرافية، ومن ثم فإنها قليلة العدد، وتتميز بأنها سلالات عامة الصفات. وقد ساعد على تكوينها في البداية عوامل حجز جغرافية منعت تسرب جينات وراثية إلى الحد الأدنى من نطاق جغرافي إلى آخر. وهذه العوامل الحاجزة قد تكون صحاري شاسعة أو جبالًا وعرة أو محيطات فاصلة.
أما السلالات الإقليمية فهي أقل انتشارًا من السلالات الجغرافية، وتتسم بصفات متشابهة كثيرًا عما نجده في السلالات الجغرافية، وهي في الواقع سلالات ثانوية للسلالات الجغرافية، نشأت صفاتها المتشابهة نتيجة لعوامل حجز جغرافية محدودة النفوذ، ونتيجة للتزاوج الداخلي (داخل الإقليم) بصفة عامة. ومثل هذه السلالات الإقليمية نجدها الآن في المناطق المنعزلة كالبوشمن والأندمان والإسكيمو والأقزام، إلى جانب أقسام السلالات الجغرافية.
وأخيرًا، فإن السلالة المحلية أو المكانية تحتل أماكن محدودة جدًّا من سطح الأرض؛ نتيجة لاستمرار التزاوج داخل المكان الجغرافي المحدود. ومن ثم تنشأ بعض صفات وراثية خاصة بذلك المكان تجعل للسكان صفات متشابهة تفصلهم — في حدود ضيقة — عن صفات السكان في المكان المجاور. ومثل هذا قد لُوحِظ في الأماكن الكثيفة السكان كالمدن والأقاليم الصغيرة المتميزة بظروف خاصة والمناطق الريفية المزدحمة، وعند العشائر التي تمارس التزاوج داخل العشيرة مثل العشائر الملكية بين القبائل البدائية. وبذلك فإن عامل التزاوج داخل المكان هو العامل الأساسي في تكوين مثل هذه السلالات المحلية، وليس للعوامل الجغرافية دور ملحوظ في هذا المجال؛ ومن ثم فإن عدد هذه السلالات — إن صح المصطلح — كبير جدًّا بالمقارنة بالسلالات الجغرافية الإقليمية، وقيمته لا تظهر إلا في الدراسات الأنثروبولوجية التفصيلية.
ولهذه الأسباب فإن السلالة الجغرافية هي أكثر السلالات دراسةً وتداولًا في التصنيفات العامة للإنسان المعاصر على ظهر الأرض، وقد تظهر من حين إلى آخر أهمية دراسة السلالة الإقليمية أو الإشارة إليها من حيث انتمائها إلى إحدى السلالات الجغرافية أو درجة انفصالها عنها.
(٢) تصنيف السلالات الجغرافية
هناك على الرغم من قلة عدد السلالات الجغرافية اختلافات كثيرة بين الباحثين على عددها، ولكنها تتراوح في المجموع بين ثلاث سلالات وعشر سلالات.
وأكثر السلالات الجغرافية شيوعًا هي تلك التي تقسم الإنسان المعاصر إلى قوقازي ومغولي وزنجي، على أساس اختلاف واضح في لون البشرة وشكل الشعر، وصفات أخرى جوهرية في التكوين الجسدي وشكل الوجه والرأس. ولكن هناك تفصيلات أخرى عند بعض المجموعات تجعل الكثيرين من أصحاب هذا التقسيم يبحثون عن أماكن متوسطة لبعض المجموعات السلالية داخل هذا التصنيف الثلاثي؛ مثل البولينيزيين والفيدا (جنوب الهند) والأستراليين الأصليين والبشمن (جنوب أفريقيا) والأينو (شمال اليابان).
وهذه المجموعات يمكن أن نطلق عليها سلالات إقليمية للسلالات الجغرافية. فالبولينيزيون سلالة إقليمية للمغول، والفيدا والأينو سلالات قوقازية إقليمية، والبشمن والأقزام سلالات إقليمية زنجية. أما الأستراليون فأحيانًا يلحقون بالزنوج وأحيانًا بالقوقازيين، بناءً على تغليب صفات على أخرى.
ولكن عددًا من الأنثروبولوجيين قديمًا وحديثًا قسَّموا سلالات الإنسان المعاصر إلى عدد أكبر، ولسنا نريد الإشارة إلى الأقسام القديمة؛ لقصر المقام، ولأن بعضها استُخْدِم جزئيًّا في التقسيمات الحديثة.
وهذا التقسيم قد اشتمل على تسمية القوقازيين بلون بشرتهم البيضاء، ووضع السلالات الإقليمية (من ٤–٦) في صورة سلالات جغرافية رئيسية.
وفي هذا التقسيم لا تزال تظهر السلالات الجغرافية الكبرى، وإن كان المؤلفان قد فصلا بين الزنوج الغربيين (أفريقيا) والشرقيين (ميلانيزيا). كما أنهما قد أضافا السلالات الإقليمية (٥–١١) إلى قائمة السلالات الرئيسة.
(٣) القدرة العددية للسلالات الرئيسية
برغم الكيان المنفصل لكل سلالة على حدة؛ إلا أن توزيعها العددي والجغرافي يختلف اختلافًا كبيرًا فيما بينها. فالسلالة القوقازية هي أكثر السلالات الثلاث عددًا، وتنتشر في كل قارات العالم دون استثناء؛ فهي قديمة في كل من أوروبا وآسيا وأفريقيا الشمالية، وانتشرت بعد الكشوف الجغرافية الكبرى لتستوطن وتكوِّن غالبية سكان الأمريكتين وأستراليا، كما أصبح لها جيوب كثيرة في جنوب أفريقيا وفي سيبيريا. وتكون السلالة القوقازية حوالي ٥٢٪ من مجموع سكان العالم في الوقت الراهن (أي حوالي ١٩٠٠ مليون شخص حسب أرقام ١٩٧٠).
وتلي السلالة المغولية القوقازيين عددًا؛ فأعضاء هذه السلالة يبلغون حوالي ١٣٠٠ مليون شخص بنسبة حوالي ٣٧٪ من سكان العالم لسنة ١٩٧٠، وهم يتوزعون أساسًا في آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية والأمريكتين. أما السلالة الزنجية فهي أقل السلالات عددًا (حوالي ٤٠٠ مليون شخص بنسبة حوالي ١٢٪ من مجموع سكان العالم) موزعين أساسًا في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، وبأعداد قليلة في العالم الجديد؛ نتيجة لتجارة الرقيق الأمريكية.
وفيما يلي توزيع تقريبي لأعضاء هذه السلالات جغرافيًّا بملايين الأشخاص (الأرقام لسنة ١٩٧٠):
الإقليم | القوقازيون | المغول | الزنوج |
---|---|---|---|
الإجمالي | ١٩٠٤ | ١٣٠١ | ٣٩٧ |
أوروبا بدون الاتحاد السوفيتي | ٤٥٠ | ||
الاتحاد السوفيتي | ٢١٠ | ٣٥ | |
آسيا بدون الاتحاد السوفيتي | ٧٥٨ | ١٢٠٠ | ٦٥ |
أمريكا الشمالية | ٢٠٠ | ٢ | ٣٠ |
أمريكا اللاتينية | ١٩٠ | ٥٣ | ٤٠ |
أفريقيا | ٨٠ | ١٠ | ٢٦٠ |
أوشينيا | ١٦ | ١ | ٢ |
(٤) القوقازيون أو السلالة البيضاء الكبرى
- (١) لون البشرة: يتراوح بشدة حسب الموقع الجغرافي بين الشقرة والبياض في منطقة البلطيق وشمال غرب أوروبا، إلى البني الداكن في الهند وإثيوبيا، ومن ثم فإن التسمية «بيضاء» غير سليمة.
- (٢) الشعر: يتراوح بين المرسل والمجعد، ولكن غالبية القوقازيين ذوو شعر مموج. يتراوح لون الشعر أيضًا بين الشقرة والحمرة في شمال أوروبا، والبني بدرجاته المختلفة في وسط أوروبا وحوض البحر المتوسط، والأسود في بقية مناطق القوقازيين في آسيا وأفريقيا، وشعر الجسد كثيف في الغالب، وإن كان يقل من الشمال في اتجاه الجنوب.
- (٣) الأنف: يتغير شكل الأنف بين البروز الواضح والدقة المتناهية، والأنف في مجموعه ذو نسبة ضيقة، مع وضوح بروزه في الوجه، ويتراوح شكل قصبة الأنف بين الاستقامة في معظم الأوروبيين والبحر المتوسط وآسيا، وبين التحدب عند المجموعة الأرمنية والأناضولية وشرق البحر المتوسط وبعض مناطق الخليج العربي، وفي أحيان تصبح قصبة الأنف مقعرة عند بعض الأوروبيين.
- (٤) الشفاه: معظمها رقيقة إلى متوسطة، وقد تصبح قريبة من الغليظة في القرن الأفريقي.
- (٥) النسبة الرأسية وشكل الرأس: تتراوح بين نسبة رأسية طويلة ومتوسطة، لكن الواضح أن هناك اتجاهًا إلى زيادة عرض الرأس عما كان عليه الحال في الماضي،٦ كما أن هناك قسمًا من القوقازيين يتميز بعرض الرأس في وسط وشرق أوروبا وجنوبها الشرقي.
- (٦) العين: عند معظم القوقازيين فتحة العين طويلة وأفقية، ويندر أن تكون منحرفة، وفي حالة انحراف العين فإن الانحراف يكون من الناحية الخارجية بعيدًا عن ناحية الأنف — أي عكس الانحراف عند المغول. وطية العين تسير موازية لنهاية الجفن في الغالب، ولا تتدلى فوق نهاية الجفن إلا في أحوال نادرة جدًّا.
- (٧) القامة: تختلف القامة كثيرًا بين القوقازيين، ولكن لا توجد بينهم في المجموع قامة قصيرة جدًّا أو طويلة جدًّا.
ويتفق معظم الأنثروبولوجيين على أن القوقازيين ينقسمون إلى ثلاث سلالات إقليمية هي: النوردية، والألبية، والوسطى (البحر المتوسط). ولكن هناك اختلافات كثيرة بين الكتاب الجدد، وهذه الخلافات لا تخرج في واقعها عن تخصيص مجموعة جغرافية من إحدى هذه السلالات الإقليمية ورفعها في الترتيب إلى مصاف السلالة القائمة بذاتها، أو وصف هذه المجموعة على أنها سلالة قوقازية قديمة.
- (١) تقسيم أشلي مونتاج٧ (١٩٤٥) القوقازيين إلى ثماني سلالات فرعية؛ هي: النوردي – الألبي – الوسيط (بحر متوسط) – الديناري – الأرمني – البلطي الشرقي – الهندي الشرقي – البولينيزي.
- (٢) تقسيم كروجمان٨ (١٩٤٥) القوقازيين إلى خمس سلالات فرعية؛ هي: النوردي – الألبي – الوسيط – الديناري – الأرمني.
- (٣) تقسيم كوون٩ (١٩٣٩) القوقازيين إلى: نوردي – ألبي – الوسيط الأطلنطي – الوسيط الأصلي – الوسيط الإيراني أفغاني.
- (٤) تقسيم كوون وجارن وبيردسل١٠ (١٩٥٠) القوقازيين إلى: النوردي – الألبي – الوسيط – أوروبيي الشمال الغربي – أوروبيي الشمال الشرقي – اللاب – الهنود – الأينو.
- (٥) تقسيم بيلز وهوجر١١ (١٩٥٩) القوقازيين إلى: الألبيين – الإيرانيين الوسيط – الشماليين الغربيين – الشماليين الشرقيين. ويضيف المؤلفان إلى ذلك مجموعة من السلالات المنعزلة على أنها تحتمل أن تكون سلالات قوقازية عتيقة؛ هي: الأينو – الأستراليون الأصليون – الفيدا – الدرافيديون.
والملاحظ من هذه التقسيمات المتعددة أن السلالة الوسيطة (البحر المتوسط) هي أكثر وأقدم هذه السلالات التي تظهر تنوعات فرعية عديدة بحكم انتشارها في مساحة كبيرة من جنوب أوروبا إلى شمال أفريقيا والقرن الأفريقي والجزيرة العربية، كما أنها تمتد أيضًا إلى الهند. ونتيجة لهذا التوزيع الكبير، فإن مميزات خاصة تظهر هنا وهناك قد تستدعي مثل هذا التقسيم الثانوي. وتدل غالبية الدراسات على أن السلالة الوسيطة هي أقدم السلالات القوقازية وجودًا في المنطقة الحالية، وفي أجزاء كثيرة من أوروبا، وذلك بحكم التشابه الكبير بين حفريات سوانسكومب وفونتشفاد والسلالة الحالية، وتدل الدراسات الأركيولوجية على أنه في بداية العصر الحجري الحديث (النيوليتي) كانت سلالة البحر المتوسط تنتشر بشدة في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، كما أنها كانت أيضًا قد بدأت تصعد النيل جنوبًا إلى الهضبة الحبشية والقرن الأفريقي وأعالي النيل، ولكن نمو السلالات الإقليمية في تلك المناطق قد أدى — فيما بعد — إلى تغاير الصفات في سكان الأقاليم في حوض البحر المتوسط وشرق أفريقيا والهند.
وتطلق التسميات الجديدة على الألبيين في هضاب غرب آسيا اسم الأرمن أو الإيراني أو الإيراني أفغاني. ويتميزون جميعًا بالأنف الضخم المحدب واتجاه شديد إلى النسبة الرأسية العريضة، ولكن كوون يضعهم كجزء من سلالة البحر المتوسط المتخصصة.
وأخيرًا فإن السلالة النوردية قد ظلَّتْ فترة طويلة دون أن تُقسَّم إلى سلالات إقليمية أو ثانوية؛ وذلك لكثرة ما كُتِبَ عن النورديين وكثرة ما كِيلَ لهم من المديح والثناء على أنهم بناة حضارة بالطبيعة، وأنهم أكثر السلالات ذكاءً وأكثرهم ثقافةً، وغير ذلك مما امتلأت به النظريات العنصرية التي ربطتهم بالآرية والآريين. ولتجنب ذكر كلمة نوردي يلجأ الكثيرون إلى اسم الشماليين الغربيين، للدلالة على السلالة الإقليمية في هذا النطاق.
ومنذ القرن السادس عشر هاجرت سلالات إقليمية عديدة إلى العالم الجديد. ففي نيوزيلندا وأستراليا كثير من أوروبيي الشمال الشرقي، وفي أمريكا الشمالية مهاجرون من كل السلالات الإقليمية القوقازية، بالإضافة إلى الزنوج والمغول، وفي أمريكا اللاتينية كان معظم المهاجرين من السلالة الوسيطة الذين اختلطوا بالأمريند والزنوج. وكل هذه الهجرات في أقاليم جديدة قد تساعد على خلق سلالات إقليمية جديدة تُضاف إلى القوقازيين أو إلى قائمة السلالات الخليطة الجديدة.
ومن الطبيعي أننا نجد اختلافات كبيرة داخل مجموعات البحر المتوسط بين جنوب أوروبا وشمال أفريقيا والجزيرة العربية، كما أن لون البشرة يصبح داكنًا عند سكان القرن الأفريقي والهند. والراجح أن السلالة الوسطى حين دخلت الهند من ممرات الشمال الغربي قد اختلطت مع الفيدا والدرافيديين — سكان الهند الأصليين، بالإضافة إلى مجموعات أخرى. ويُضاف إلى ذلك أن التقسيم الطباقي الهندي قد أدى إلى الحد من انتشار جينات الوراثة من طبقة إلى أخرى؛ مما ساعد على نشأة سلالات محلية أو مكانية جنبًا إلى جنب في نفس المنطقة. أما بالنسبة للنورديين فإن مظاهر السلالة الإقليمية تختلط كثيرًا بالألبية من الجنوب (هضاب وسط أوروبا) ومن الشرق (سلاف شرق أوروبا).
الصفات | السلالة الوسيطة | السلالة النوردية | السلالة الألبية | ||
---|---|---|---|---|---|
(البحر المتوسط) | (الشماليون الغربيون) | هضاب وسط أوروبا (الألبيون) | سهول شرق أوروبا (الشماليون الشرقيون) | هضاب غرب آسيا (الإيرانيون) | |
النسبة الرأسية | طويلة | متوسطة | عريضة | عريضة | عريضة |
ارتفاع قبو الرأس | منخفض/متوسط | عالٍ | عالٍ | عالٍ | عالٍ جدًّا |
الجبهة | رأسية | رأسية منحدرة قليلًا | رأسية | رأسية | منحدرة قليلًا |
عظام الحاجبين | صغيرة | صغيرة | صغيرة/غير موجودة | متوسطة | غير موجودة |
نسبة الأنف | ضيق جدًّا | ضيق | متوسط/ضيق | متوسط | ضيق |
شكل الأنف | مستقيم أو مقعر | مستقيم | مستقيم | مقعر | محدب |
الشفاه | متوسطة | رقيقة | رقيقة/متوسطة | رقيقة/متوسطة | ممتلئة |
لون العين | بني خفيف/ثقيل | أزرق/رمادي فاتح | بني خفيف إلى ثقيل | أزرق/رمادي | بني |
لون الشعر | بني غامق/أسود | أشقر/بني فاتح | بني/أسود | بني/أحمر | بني/أسود |
شكل الشعر | مموج إلى مجعد | مستقيم/مموج | مستقيم | مستقيم | مستقيم/مموج/ مجعد |
شعر الجسد | وسط/قليل | وسط | غزير | قليل | غزير |
لون البشرة | أسمر | أبيض | أسمر/أبيض | أبيض | أبيض/أسمر |
القامة (سم) | ١٦٢ | ١٧٢ | ١٦٥ | ١٥٧ | ١٦٧ |
(٥) السلالة المغولية الكبرى
تنقسم هذه السلالة إلى السلالات الإقليمية التالية: مغول العالم القديم، مغول العالم الجديد، مغول المحيط الهادي.
وينقسم مغول العالم القديم — الذين يمتدون من النطاق القطبي في سيبيريا إلى جنوب شرق آسيا — إلى سلالات إقليمية هي: (١) المغول القدماء. (٢) الصينيون أو مغول الشرق. (٣) مغول جنوب شرق آسيا أو الماليزيون. (٤) التبيتيون الإندونيسيون أو مغول الوسط.
والمغول القدماء يكوِّنون سكان المناطق القطبية والباردة في شمال آسيا، وتتضح فيهم الطية المغولية أكثر من غيرهم من المغول، والوجه منبسط دون كثير من البروز. أما مغول الشرق فهم أقل تطرفًا في ظهور الطية المغولية، وأقل تأقلمًا على البرودة الشديدة، ويتكون هؤلاء حاليًّا من عدة مئات الملايين من السكان في الصين وكوريا واليابان. ولا شك أن اليابانيين تكوَّنوا نتيجة هجرة المغول عبر المضايق التي تفصل الجزر اليابانية عن الأرض الآسيوية في الصين وكوريا، ثم اختلطوا بمجموعة الأينو سكان اليابان القدماء.
ويشتمل مغول جنوب شرق آسيا على عدد كبير من السكان في منطقة شبه جزيرة الهند الصينية وجزر إندونسيا، وهم يتدرجون في صفاتهم بين مغول الشرق ومغول الوسط الذين يظهرون أيضًا في الأجزاء الغربية من إندونيسيا وبرما والتبت، وهؤلاء أكثر دكنة في لون البشرة من غيرهم من المغول بحكم مكانهم الجغرافي، ولا تظهر فيهم الطية المغولية إلا في أعداد قليلة.
والمرجح أن تعاقب هجرات المغول إلى جنوب شرق آسيا كان على حساب الأقزام الذين يعيشون في مناطق العزلة الحالية (جزر أندمان، وغابات الملايو، والمناطق الشمالية من الفلبين)، وعلى حساب الأستراليين الذين هاجروا جنوبًا إلى أستراليا أو اندمجوا تمامًا مع المغول الوافدين. وتتضح هذه الأمور من دراسة التباين بين سكان داخلية الجزر الإندونيسية وسواحلها، فسكان الداخل أكثر دكنة في لون البشرة من سكان السواحل التي احتلها المغول المهاجرون، كما أن سكان الداخل يتميزون بشعر مموج — وهو صفة مميزة للأستراليين — بينما شعر سكان السواحل مرسل على النحو المغولي. ويمكن أن تؤدي بنا هذه الدراسة إلى تصور أن السكان القدامى قد دخلوا إلى أماكن العزلة وتركوا المناطق الساحلية الغنية للمهاجرين من المغول.
وفي بعض الأحيان يُضاف التُّرك إلى المجموعة المغولية، لكن كثيرًا من الباحثين يعدونهم سلالة خليطة من القوقازيين والمغول.
والأمريند هم مغول العالم الجديد، ويُقسَّمون إلى قسمين: الأمريند الهامشيين، وأمريند الوسط. والأمريند الهامشيون هم كل سكان الأمريكتين غير الزراعيين، ويتميزون برأس طويل وملامح مغولية. أما أمريند الوسط فهم أولئك الذين عرفوا الزراعة من المكسيك حتى هضاب الأنديز في بيرو وبوليفيا، وهم يتصفون برأس عريض وملامح أقل مغولية من الهامشيين.
والمرجح أن الأمريند لم يعبروا مضيق بيرنج قادمين من آسيا إلا بعد الألف الأربعين قبل الميلاد؛ أي خلال العصر الحجري القديم الأعلى بما فيه من تقدم تكنيكي كبير ساعد على استنباط وسائل للحياة في الأرض الجديدة، وإن لم يشتمل على معارف الزراعة التي اكتُشِفَتْ في العالم القديم بعد ذلك التاريخ بكثير.
والمرجح أيضًا أن بعض الأينو وبعض القوقازيين قد اشتركوا مع المغول في تعمير أمريكا عن طريق شبه جزيرة تشوكشي في الجانب الآسيوي من مضيق بيرنج. ويبدو أن المهاجرين قد استقروا في ألاسكا فترة طويلة، ثم زحفوا صعودًا مع نهرَيْ يوكن وماكنزي حوالي سنة ٢٠٠٠٠ أو ١٨٠٠٠ق.م، بعد انقشاع الجليد عن شمال أمريكا الشمالية.
أما هجرة المغول عبر جزر المحيط الباسيفيكي إلى أمريكا، فغالبًا قد حدثت بالصدفة وبأعداد قليلة؛ مما يمكن معه التغاضي عن دورها في تكوين سكان أمريكا القدماء. لكن لعلها هي التي أتت بالزراعة ومعارفها إلى أمريكا الوسطى، وفي هذا المجال اختلاف شديد بين الأنثروبولوجيين التطوريين الذين يعتقدون أن بالإمكان نشأة الزراعة محليًّا، وبين أصحاب نظريات الانتقال الحضاري الذين يعتقدون أن الزراعة نشأت في مكان واحد، ومنه انتقلت إلى أركان العالم الأربعة. وعلى العموم فإن الرأي قد استقر على أن المغول قد انتقلوا من آسيا إلى أمريكا في صورة عدة موجات من الهجرات، وأن هذه الموجات المختلفة هي المسئولة عن اختلاف المجموعات اللغوية عند الأمريند، وآخر هذه الموجات هي التي تتمثل في هجرة الإسكيمو إلى العالم القطبي الأمريكي، ولم يتسع لهم الوقت بَعْدُ لكي تنقسم لغة الإسكيمو إلى عدة لغات، ولكن ذلك أيضًا يرجع إلى التنقل والاحتكاك المستمر بين الإسكيمو خلال الشتاء الطويل؛ مما يساعد على تثبيت اللغة الواحدة.
وأخيرًا، فإن مغول المحيط الهادي قد تكوَّنوا نتيجة هجرات عديدة صغيرة من مغول شرق آسيا ومغول جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى زنوج ميلانيزيا. وفيما يلي جدول يلخص أهم صفات السلالة المغولية موزَّعًا على سلالاتها الإقليمية:
الصفة | مغول آسيا | مغول جنوب شرق آسيا | الأمريند |
---|---|---|---|
شكل الرأس | عريض | عريض/متوسط/طويل | عريض إلى متغير |
ارتفاع قبو الرأس | منخفض | منخفض | منخفض/متوسط |
الجبهة | رأسية | رأسية | رأسية إلى منحدرة قليلًا |
عظام الحاجبين | غير موجودة | غير موجودة | غير موجودة أو ضعيفة |
بروز الفك الأعلى | متوسط | غير موجود | متوسط إلى قليل |
نسبة الأنف | متوسطة | متوسطة/عريضة | متوسط/متغير |
شكل الأنف | مقعر | مقعر | مستقيم إلى محدب |
الشفة | متوسطة | متوسطة | رقيقة إلى متوسطة |
طية الجفن | شائعة | قليلة الشيوع | نادرة |
لون العين | بني إلى داكن | بني داكن | بني متوسط إلى داكن |
لون الشعر | أسود | أسود | أسود |
شكل الشعر | مستقيم | مستقيم إلى مموج | مستقيم إلى مموج |
شعر الجسد | قليل | قليل | قليل |
لون البشرة | أصفر مشوب بالبني | بني إلى بني مصفر | أصفر إلى بني مشوب بحمرة |
القامة (سم) | ١٦١–١٦٧ | ١٦٠–١٦٣ | ١٥٢–١٧٢ |
وبرغم الاختلافات في السلالات الإقليمية المغولية إلا أنه واضح أنها لا تصل إلى مرتبة الاختلافات في السلالات الإقليمية للقوقازيين، وربما يرجع ذلك إلى تحدد الوطن المغولي في أقاليم متشابهة في آسيا وحول المحيط الهادي عامة، بينما يتبعثر القوقازيون من شمال أوروبا إلى الهند وإلى شرق أفريقيا داخل أقاليم تقوم فيها عدة حواجز جغرافية (البحار والجبال والصحاري)، وتحتك أوطانهم بالمغول في الشرق والزنوج في الجنوب؛ مما يؤدي إلى تبادل الجينات واختلاف السلالات الإقليمية والمحلية في هوامش الوطن القوقازي الجنوبية والشرقية.
(٦) السلالة الزنجية الكبرى
تُسمَّى أحيانًا السلالة الزنجية الأسترالية، وفي أحيان أخرى السلالة الأفروآسيوية، وفي أحيان نادرة السلالة الاستوائية.
والصفات العامة للسلالة الزنجية هي: لون داكن للبشرة، وكذلك لون العين والشعر. شعر الرأس صوفي أو مموج (أسترالي)، وفي حالات شاذة يصبح مفلفلًا (الأقزام والبشمن)، وشعر الوجه والجسد عامةً قليل إلى غير موجود بالمرة. ولكن بعض هذه السلالة يتميز بنمو لا بأس به لشعر الجسد والوجه (الأستراليون)، عظام الوجنات ضيقة وغير بارزة. الأنف لا يبرز في تضاريس الوجه، لكنه في غالبية الأحوال ذو جذر عريض منخفض، وفتحات الأنف واسعة وعريضة. ظاهرة بروز الفك الأعلى شائعة. الشفة غليظة ومقلوبة والفم واسع. وعند بعض السلالات الإقليمية يظهر عدم التناسق واضحًا في طول الأطراف بالقياس إلى الجذع.
ورغم أن السلالات الإقليمية لهذه السلالة الكبرى تحتل مناطق كبيرة من أفريقيا، وفي جنوب شرق آسيا (ميلانيزيا) وفي أستراليا. كما أن عددًا من أعضاء هذه السلالات قد نُقِل قسرًا إلى أمريكا في صورة الرقيق، إلا أنها أقل السلالات الجغرافية عددًا.
والمركز الرئيسي للسلالة الزنجية هو أفريقيا المدارية التي يُطلَق عليها أحيانًا أفريقيا السوداء؛ نظرًا لأن الزنوج يكوِّنون الغالبية العظمى من السكان، ويكوِّن زنوج ميلانيزيا وأوشينيا الزنوج الشرقيين.
وينقسم زنوج أفريقيا إلى عدة سلالات إقليمية أكبرها زنوج السودان، وزنوج النيليين، زنوج الغابة، البانتو. ويُضاف إليهم الأقزام والبشمن الذين يتميزون بصفات خاصة في القامة وتكوين الجسد وشكل الشعر ولون البشرة؛ مما يؤدي بالكثير من الأنثروبولوجيين إلى إفراد قائمة خاصة بهم كسلالات جغرافية.
وأوطان الزنوج الشرقيين منعزلة عن بعضها بحكم كونها مجموعة من الجزر: غينيا الجديدة (بابوا) وجزر سليمان وغيرهما من الجزر التي تكون ميلانيزيا (آسيا السوداء) وهؤلاء أكثر شبهًا بزنوج أفريقيا.
أما الأستراليون الأصليون فيختلفون عن الزنوج الشرقيين والغربيين في عدد من الصفات أهمها الشعر المتموج ووجود شعر على الوجه والجسد، ولكنهم يشابهونهم في صفات أخرى كثيرة. ويفصل كثير من الأنثروبولوجيين الأستراليين عن الزنوج، ويصبح موقفهم حينئذ مثل موقف البشمن والهوتنتوت، وإن كانوا في أحيان أخرى يُصنَّفون كسلالة عتيقة من سلالات القوقازيين مثلها في ذلك مثل الأينو. وفيما يلي جدول يوضح أهم الصفات السلالية عند سلالات الزنوج الإقليمية:
الصفة | زنوج الغابة | الزنوج النيليون | الأقزام | البشمن | الأستراليون |
---|---|---|---|---|---|
شكل الرأس | طويل | طويل | متوسط – عريض | طويل – متوسط | طويل |
ارتفاع قبو الرأس | عالٍ | عالٍ | متوسط | متوسط – منخفض | منخفض |
الجبهة | رأسية – منحدرة قليلًا | منحدرة | بارزة | منحدرة | منحدرة |
عظام الحاجبين | ضعيف – غير موجود | ضعيف – غير موجود | غير موجود | ضعيف | كبير جدًّا |
بروز الفك الأعلى | شائع | خفيف – غير موجود | شائع | متوسط | شائع |
نسبة الأنف | عريض | عريض | عريض جدًّا | عريض جدًّا | عريض |
شكل الأنف | مقعر – مستقيم | مستقيم – مقعر | مستقيم – مقعر | مقعر | مقعر – مستقيم |
الشفة | غليظة مقلوبة | غليظة مقلوبة | متوسطة الغلظة | ممتلئة مقلوبة | ممتلئة |
طية الجفن | طية داخلية | ||||
لون العين | بني داكن – أسود | بني داكن | بني داكن | بني داكن | بني داكن |
لون الشعر | أسود | أسود | أسود | أسود | أسود بني داكن |
شكل الشعر | صوفي | صوفي | صوفي – مفلفل | مفلفل | مموج – جعد |
شعر الجسد | قليل | قليل | قليل | قليل | غزير |
لون البشرة | بني داكن – أسود | أسود – بني داكن | بني داكن – أسود | بني مصفر | بني داكن |
القامة (سم) | ١٧٢ | ١٧٨ | ١٤٢ | ١٤٥ | ١٦٧ |
ويتضح من هذه الصفات أن كلًّا من الأقزام والبشمن والأستراليين الأصليين لهم صفات خاصة كثيرة: قزمية القامة عند الأقزام مع ميل إلى عرض الرأس، وقصر القامة جدًّا عن البشمن مع الشعر المفلفل والبشرة المختلفة عن بقية الزنوج، وطية العين الداخلية (التي تُسمَّى أحيانًا الطية الهوتنتوتية؛ نسبة إلى أقربائهم الهوتنتوت)، والشعر المموج عند الأستراليين إلى جانب غزارة شعر الجسد والوجه نسبيًّا، وبروز عظام الحاجبين بشدة. كل هذه تجعل كل مجموعة من هذه المجموعات سلالات إقليمية قائمة بذاتها أكثر من بقية السلالات الإقليمية للزنوج. ولعل سبب ذلك هو التطور الطويل داخل أقاليم عزلة جغرافية في الوقت الراهن؛ فقد ظل الأستراليون قابعين في قارتهم بعيدًا عن الاتصال بالعالم الخارجي، باستثناء بعض الاتصالات التي حدثت مع أقرب جزيرة لهم: غينيا الجديدة؛ ما أدى إلى تسرب مؤثرات زنجية كثيرة. والبشمن منعزلون الآن في صحاري جنوب أفريقيا، لكنهم كانوا في الماضي يحتلون معظم المنطقة الأفريقية من هضبة البحيرات النيلية إلى الجنوب. فهل تأثروا بطريقة أو أخرى بمؤثرات مغولية قادمة من البحر؟ ونحن نعلم أن المغول في هجراتهم قد وصلوا إلى جزيرة مدغشقر، وهم يكوِّنون الآن خليطًا واضحًا مع زنوج هذه الجزيرة. وأخيرًا فإن الأقزام يعيشون داخل المناطق الكثيفة من الغابات الاستوائية في حوض الكنغو، ولم تكن علاقاتهم قوية بالزنوج المجاورين إلا بعد أن بدأ الزنوج يزحفون جنوبًا داخل الغابات مسلحين باقتصاد زراعي، وفي المناطق التي كانت تمثل معابر للزنوج المتجهين جنوبًا (وخاصةً هضاب الكمرون وجابون)، حدث اختلاط مع الأقزام أدى إلى أن أصبحت مجموعات أقزام هذه المنطقة أطول قامة من أقزام داخلية الكنغو.
أما زنوج السودان عامة، والنيليون خاصة، فإنهم يختلفون عن بقية الزنوج في القامة الفارعة التي تجعل منهم عمالقة العالم، ويمتازون بنحافة تكوينهم الجسدي عكس ما هو ظاهر عند زنوج الغابة. ولا شك أن موقع زنوج السودان المتطرف صوب الشمال قد أدى إلى وقوعهم تحت بعض المؤثرات السلالية من مجموعات القوقازيين المختلفة في حوض النيل والقرن الأفريقي ومنطقة السنغال وأعالي النيجر. وإلى جانب ما نراه من تغاير في بعض الصفات السلالية نجد أن أكبر أثر في مجال الاحتكاك هو أثر حضاري متمثل في اتخاذ رعي البقر دعامة لنظامهم الاقتصادي الاجتماعي، ويمتد هذا الأثر بوضوح صوب الجنوب عبر هضبة البحيرات إلى هضاب الزمبيزي والليمبوبو وشرق إقليم الكاب بجنوب أفريقيا.
(٧) تعليق على خريطة كليميك Klimik
كليمك هو أحد الأنثروبولوجيين البولنديين المعروفين، وقد عمل في هذا الحقل مع الأستاذ البولندي المشهور تشيكانوفسكي. والخريطة التي نحن بصددها قد لا تكون دقيقة، ولكنها تقدم صورة كاملة في أبسط إطار لفكرة التوزيع السلالي على سطح العالم القديم، وهي أيضًا تعطي للمدقق صورة واضحة عن أنه لا توجد حدود بالمعنى المفهوم للسلالات، وإنما توجد نطاقات عريضة يحدث فيها تأثير مزدوج من جانب مناطق قد تكون أكثر تمثيلًا لسلالة إقليمية ما، وهي ما يمكن أن نسميها المركز الرئيسي أو موطن السلالة الإقليمية حاليًّا — أو منطقة توطنها.
وبالنظر إلى الخريطة نجد المواطن الرئيسية الحالية للسلالات الإقليمية على هذا النحو:
أولًا: مواطن السلالات الإقليمية القوقازية
-
(١)
منطقة البلطيق وإسكندنافيا وشمال ألمانيا، وكل شواطئ بحر الشمال الأوروبية والإنجليزية، هي منطقة التوطن الرئيسية للنورديين أو الشماليين الغربيين.
-
(٢)
منطقة القوقاز والأناضول وشمال إيران هي منطقة توطن السلالة الإقليمية الأرمنية.
-
(٣)
مناطق إسبانيا والجزيرة العربية وسهل الهندوستان والصومال، هي مناطق التوطن الرئيسية لمجموعات متمايزة من السلالة الوسيطة، وهي بالترتيب: الوسطية الغربية، الوسطية الشرقية، والهندية، والكوشية أو الأفريقية الشرقية.
وفيما بين هذه المواطن الأساسية تتداخل المجموعات السلالية؛ فوسط أوروبا تظهر فيه تأثيرات مشتركة للنورديين والألبيين وأعضاء الوسيطة الغربية، والهضبة الإيرانية الأفغانية تظهر فيها تأثيرات الوسيطة الشرقية بالألبية، والهضبة الحبشية تتكون من الوسيطة الشرقية مع تأثيرات كوشية، ويعطي كليميك لمنطقة التعقيد السلالي واللغوي والحضاري في جنوب الهند (منطقة الفيدا والدرافيديين والتاملي) مؤثرات سلالية هندية وكوشية، وليس معنى ذلك افتراض هجرة كوشية إلى الهند، ولكن علينا أن نراعي وجود صلات مستمرة في منطقة البحر العربي بين الصومال وجنوب الجزيرة العربية وساحل الهند الغربي منذ أقدم العصور المعروفة؛ مما قد يترتب عليه انتقال مؤثرات سلالية بواسطة الوراثة، أو أن تكون هذه المنطقة ككل مهدًا قديمًا لسلالة إقليمية عتيقة تراكبت فوقها مجموعات المهاجرين من السلالة الوسيطة منذ العصر النيوليتي، ومن ثم لا يزال لمؤثرات المجموعة العتيقة تأثيرات متشابهة في الصفات لمركب الكوشي والهندي الجنوبي الحالي، ولا يمنع هذا أو ذاك من التفسيرات أن تشترك كل العوامل سابقة الذكر في إظهار التشابه الملحوظ.
ثانيًا: مواطن السلالات المغولية الإقليمية
يعطينا كليميك الصين الشرقية وكوريا وجنوب اليابان كمنطقة توطن للصفات الأساسية للمغول الشرقيين، ومنطقة منغوليا — التبت — كازاكستان كمنطقة توطن لمغول الوسط، ومنطقة الأوب والينسي الأدنى كمنطقة توطن لمغول الشمال أو القدماء. وفيما بين هذه المناطق تظهر مناطق التأثيرات المتبادلة؛ ففي نطاق هلالي يحيط بالصين الشرقية ويمتد من منشوريا إلى التبت الشرقية وبرما وفيتنام، تظهر الصفات الأساسية للمغول الشرقيين متأثرة بصفات مغول الوسط.
وفي سيبيريا يمتد نفوذ المغول الشماليين مع تأثيرات من مغول الوسط في كل من سيبيريا الغربية والشرقية، وتأثيرات من مغول الشرق في شمال شرق سيبيريا، وتظهر منطقة الأينو في اليابان كمنطقة عزلة تعلوها تأثيرات مغول الشمال، وفي ماليزيا وإندونيسيا يظهر مغول الوسط مع تأثيرات من مغول الشرق، مكونة مغول ماليزيا كسلالة إقليمية يُضاف إليها تأثيرات قديمة من الأستراليين.
ثالثًا: مواطن السلالات الإقليمية الزنجية
في أفريقيا يعطينا كليميك منطقتين رئيسيتين يظهر فيهما تخصص الصفات الزنجية. ففي منطقة جنوب السودان وشمال أوغندا تظهر منطقة تخصص النيليين أو زنوج السودان، وفي حوض الكنغو منطقة تخصص زنوج الكنغو أو الغابة. ويمتد زنوج السودان في كل غرب أفريقيا، لكن في منطقة جنوب شرق نيجيريا وجنوب الكمرون تظهر مؤثرات زنوج الغابة، بينما في هضاب الكمرون تظهر مؤثرات كوشية فوق صفات زنوج السودان. وكذلك يؤكد كليميك الأصل السوداني لمجموعة التبو الرعوية الممتدة إلى جبل تبستي، لكنه لا يعفيهم من أثر كوشي واضح. وفي شرق وجنوب شرق أفريقيا وحوض الزمبيزي وهضاب أنجولا، تسيطر الصفات السلالية لزنوج الغابة، وفوقها تأثير سلالي (وحضاري) واضح من جانب الكوشيين.
وأخيرًا، يوضح كليميك التأثيرات الكثيرة على الأستراليين، فأكثر هذه المؤثرات السلالية تأتي من زنوج بابوا وتظهر في كل أستراليا ما عدا الجنوب والغرب. ويضيف كليميك إلى ذلك تأثيرات هندية في الشمال والشمال الشرقي من أستراليا. وليس معنى هذا أن هنا هجرة هندية، ولكن المقصود إيضاح بعض ارتباطات أسترالية زنجية (الأساس) ووسيطة قوقازية (لعلها أعطت الأستراليين الشعر المموج) تُعدِّل بعض الصفات الزنجية.
(٨) «السلالات» المهجنة الجديدة١٣
في أجزاء كثيرة من العالم، وبعد الكشوف الجغرافية وحركة الاستيطان الكبرى من العالم القديم، بدأت سلالات إقليمية جديدة في الظهور نتيجة التهجين الحر، ونتيجة البيئات الجديدة، وتفاعل البيئة والتهجين الوراثي كبير الحجم يؤدي إلى فرص عديدة ومختلفة في الأقاليم المختلفة لتكوين اتجاهات سلالية جديدة. ولكن من الصعب التحقق من اتجاه التطور السلالي ومداه حتى الآن؛ لأنه لم ينقضِ على هذا التهجين أكثر من أربعة قرون، تقل كثيرًا إذا ما عرفنا أن التهجين الحر بين المستوطنين من المناطق القديمة لم يتم منذ عصر الاستيطان الأول. ففي تلك الفترة كان التهجين يتم داخل مجموعة متشابهة؛ نظرًا لأن الوافدين من السويد مثلًا كانوا يستوطنون بجوار بعضهم في منطقة بحيرة متشجان الغربية في الولايات المتحدة.
ولكن لُوحِظَ في الولايات المتحدة خاصة — حيث تكاثف المهاجرون عددًا وسكنًا — اختلافات واضحة بين سلالة المستوطنين وبين أصولهم الأوروبية. فالنسل الجديد غالبًا أطول من الآباء، كما تظهر تغيرات محسوسة في شكل الرأس، ولا يمكن رد هذه التغيرات إلى البيئة الجديدة وحدها. وفي هذا المجال نلحظ أيضًا أن تحسن الغذاء في أوروبا قد أدى إلى زيادة في طول قامة النسل الجديد، ولا نجد الزيادة في طول القامة موحدة في كل أنحاء الولايات المتحدة، بل إن الملاحظ ارتفاع نسبة الزيادة في الغرب والجنوب الغربي أكثر من الشرق والشمال الشرقي. فهل يعود ذلك إلى تكاثف الأصل الإنجليزي أو النوردي في الشمال والشرق، بينما يتم التهجين بصورة تتسم بحرية أوسع في مناطق الغرب حديثة النهضة الاقتصادية؟
هناك أسئلة كثيرة لا نجد لها جوابًا، وقد لا نجد لها جوابًا إلا بعد انقضاء عدة أجيال أخرى. لكن الذي يهمنا في وقتنا هذا هو تسجيل ما يقع تحت أعيننا.
وفيما يلي نقدم دراسة سريعة لأهم السلالات المهجنة الجديدة:
أولًا: مجموعة سكان أمريكا الشمالية
غالبية المهاجرين إلى أمريكا الشمالية قدموا من سلالات قوقازية مختلفة؛ مما يؤدي إلى تفاعل الوراثة بين النورديين والألبيين وأعضاء سلالة البحر المتوسط (الوسيطة)، وكذلك تداخل مع هذا وجود الزنوج والآسيويين والأمريند، ولكن التمييز السلالي واللوني قد قلل كثيرًا من نشأة خليط بين السلالات الجغرافية الكبرى. ومع ذلك فإن الاختلاط مع الآسيويين والأمريند في الغرب قد حدث ويحدث من فترة طويلة، وأدى إلى تكوين خليط مشابه — ولكن بدرجة أقل — لذلك الخليط في أمريكا اللاتينية الذي يُسمَّى لادينوس أو مستيزوس. كما أن العلاقات غير الشرعية بين البيض الزنوج قد أدت إلى تسرب جينات وراثة زنجية إلى البيض وبيضاء إلى الزنوج. والكثير من الذين يمكن أن يُدرَجوا تحت راية البيض من الزنوج انسلُّوا داخل المجتمع الأبيض دون أن يلاحظهم أحد، وسنوضح ذلك فيما بعد.
ثانيًا: مجموعة المستيزوس واللادينوس في أمريكا اللاتينية
من المعروف أن غالبية الأوروبيين الذين عمروا أمريكا اللاتينية كانوا من السلالة الوسيطة الغربية (إسبان وبرتغاليون)، ولكن عددهم كان أحيانًا أقل من أعداد الأمريند والزنوج الذين جُلِبوا من أجل العمل في المزارع الواسعة، وترتب على ذلك حدوث اختلاطات كثيرة في الاتجاهات الثلاثة: بين البيض والزنوج والأمريند، وفي أماكن لم تَعُدْ هناك مجموعات زنجية أو أمريندية. ومن أهم الأمثلة الأرجنتين التي تم فيها الاختلاط بحيث لم يَعُدْ هناك زنوج على الإطلاق، برغم أنهم كانوا أكثر عددًا من الأوروبيين في الماضي.
وقد كان هناك دافع للزنوج أن يختلطوا بأعداد كبيرة بالأمريند؛ لأن القوانين كانت تحرم استرقاق الأمريند وسلالتهم. وعلى أي حال لا تزال في منطقة الكاريبي مجموعات زنجية كبيرة مثل مجموعات جزيرة هايتي.
ونظرًا لاستمرار الهجرة الأوروبية إلى بعض أجزاء من أمريكا الجنوبية كالأرجنتين وأوروجواي؛ فإن تكوين سلالات خلاسية بصفات مختلفة أقرب من أن يكون هناك اتجاه عام لتكوين سلالة خلاسية واحدة.
ثالثًا: مجموعة المولاتو في البرازيل
اختلط البرتغاليون بحريات أوسع من الإسبان مع الزنوج والأمريند، لدرجة أن هناك أعدادًا كبيرة من هذا الخليط في مناطق متعددة، وخاصةً في مناطق الزراعات الواسعة، وبرغم ذلك فإن التمييز العنصري والطبقي شديد ومتعدد في البرازيل.