الفصل الخامس

المثوبات والعقوبات تبدو كالمصادفة

عندئذٍ قلت: «نعم، بوسعي أن أرى أن ثمة ضربًا من السعادة والشقاء غير منفصلٍ عن الأفعال ذاتها لكل من الأخيار والأشرار، ولكني أعتقد أن هناك خيرًا وشرًّا فيما يجري على عامة الناس من أقدارٍ ومصائر، فليس ثمة حكيمٌ يُفضِّل أن يكون منفيًّا فقيرًا مهانًا على أن يكون غنيًّا موقَّرًا قويًّا آمنًا في وطنه مزدهرًا في مدينته، فهذه هي الحال التي تعمل فيها الحكمة عملها على نحوٍ أكثر وضوحًا وشيوعًا، عندما تنتقل سعادة الحكام، بطريقةٍ أو بأخرى، إلى رعاياهم، وبخاصة إذا كان السجن والموت وبقية العقوبات القانونية مقصورةً على المواطنين الأشرار ومقَيَّضةً لهم، لماذا ينقلب هذا كلُّه رأسًا على عقب؟ لماذا تنزل بالخيِّرين العقوبات التي جعلت للمجرمين؟ لماذا ينتزع الأشرار المكافآت المرصودة للفضيلة؟ كل أولئك يثير كل العجب، وإنني لأَوَدُّ أن أعرف منك سبب هذا الخلط الشديد والفوضى الظالمة.»

قالت: «لا عَجَبَ إذا ظَنَّ من لا يعرف نظامَ الطبيعة وأسبابها أن الأمر كله خبط عشواء، ولكن حتى إذا كنت تجهل الحكمة من وراء التدبير العظيم للعالم فليس لك أن تَشُكَّ في أن كل شيء يجري على نحوٍ قويم؛ لأن مدبرًا خيِّرًا يحكم العالم.»

من لا يعرف شيئًا عن السِّماك الرامح؛
النجم الذي يتخذ مسارَه أقرب إلى القطب الأعلى من السماء،
كيف لا يعجب إذ يرى راعي الشاء
يقود الدب الأكبر ببطء شديد،
ويغمس وهجَه في المحيط متأخرًا جدًّا
غير أنه يعود للبزوغ مرةً أخرى بسرعةٍ كبيرة؟
كيف لا يُحيِّره قانون السماء؟

•••

انظر، كلما خسف القمر وهو بدر
إذ يبسُطُ الليلُ ظلَّه على قرصه،
فينكشف الغطاءُ عن مجموعات النجوم المنتشرة
التي كانت كاسفةً من بهاء نوره،
انظر كيف كانت الأممُ بأسرها تُهْرَع بالخطأ الشائع
إلى قرع الصنج النحاسية دون توقف،١

•••

لا أحد يناله دَهَشٌ حين تثور الرياح،
وتضرب الشاطئ بالموج الهادر
أو حين تذوبُ كتلُ الجليد الصلب
تحت لهيب شمس الصيف،
فهنا الأسباب في متناول اليد والفهم،
وهناك الأسباب خَفِيَّةٌ تُوقع الحيرةَ في القلوب،
فالزمن يُهَوِّل من شأن الأشياء النادرة الحدوث،
والجموع تروعها الأشياء المباغتة غير المعتادة،
ولكن دَعْ غيوم الجهل تنقشع عنها،
وسرعان ما يزول معها العَجَب والاندهاش.
١  كان الاعتقاد السائد لدى الجهلاء هو أن الخسوف ينتج عن رُقَى الساحرات، ولكي يحولوا دون سماع الرقى ويدفعوا أذى الشرور التي يُنذر بها الخسوف، فقد كان من عاداتهم أن يُحدثوا ضجيجًا بنفخ الأبواق وقرع الأجراس أو الصنج النحاسية … إلخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤