المؤتمر الوطني

لُبْنَانُ مَا أَشْهَاكَ لِلْمُتَكَلِّمِ
وَأَلَذَّ طَعْمَكَ فِي الضَّمِيرِ وَفِي الفَمِ
أَلْهَمْتَنِي قَبْلَ الشَّبَابِ، وَلَمْ أَزَلْ
بَعْدَ المَشِيبِ، وَسِرُّ حُسْنِكَ مُلْهِمِي
فَإِذَا نَظَمْتُ الشِّعْرَ فِيكَ فَرَائِدًا
فَفَرِيدُ شِعْرِي فِيكَ مَا لَمْ أَنْظُمِ
قَالَتْ وَقَدْ مَالَتْ عَلَى قِيثَارِهَا
لَبَّيْكَ هَذِي قُبْلَتِي لَكَ فَاسْلَمِ
مَاذَا تُرِيدُ بِأَنْ أُغَنِّي، فَالهَوَى
بَاقٍ، وَفِي صَدْرِي العَوَاصِفُ تَرْتَمِي
أَتُرِيدُ عَتْبًا أَمْ تُرِيدُ صَبَابَةً
شَدْوَ الحَمَامَةِ أَمْ زَئِيرَ الضَّيْغَمِ؟
فَأَجَبْتُ: لَا هَذَا وَلَا هَذَا، بَلَى
غَنِّي لِيَ الأَمَلَ الفَسِيحَ وَرَنِّمِي

•••

لُبْنَانُ أَنْتَ رِسَالَةٌ قُدُسِيَّةٌ
مِثْلُ المَنَارَةِ فِي الظَّلَامِ المُبْهَمِ
فِي زَيْتِهَا اعْتَصَرَ الخُلُودُ لِبَانَهُ
فَكَسَا مَعَاطِفَهَا جَمَالَ الأَنْجُمِ
مَرَّتْ بِكَ الأَجْيَالُ تَقْبِسُ زَادَهَا
مِمَّا تُفَجِّرُ مِنْ سَنًا مُتَضَرِّمِ
قَدْ كُنْتَ مِحْرَابَ الدُّهُورِ، وَلَمْ تَزَلْ
فِي هَيْكَلِ التَّارِيخِ أَقْدَسَ مَجْثَمِ
شَادَ القُدَامَى فِي ظِلَالِكَ مَجْدُهُمْ
وَمَشَوْا بِنُورِكَ فِي العُبَابِ المُعْتِمِ
فِي كُلِّ أُفْقٍ يَطْبَعُونَكَ قُبْلَةً
وَعَلَى امْتِدَادَاتِ الدُّرُوبِ كَمَعْلَمِ
سَارُوا وَيُذْكِيهِمْ أُوَارُكَ وَقْدَةً
مُتَقَدِّمٌ يَمْشِي إِلَى مُتَقَدِّمِ
يَبْنُونَ بِكْرَ الدَّهْرِ حَيْثُ رَمَتْ بِهِمْ
هِمَمٌ كَحَدِّ السَّيْفِ لَمْ يَتَثَلَّمِ
إِنِّي لَأَسْمَعُ صَوْتَ إِرْثٍ خَالِدٍ
مِنْ غَوْرِ مَاضِيكَ السَّحِيقِ المُفْعَمِ
يَسْتَنْهِضُ الجِيلَ الجَدِيدَ لِيَنْتَضِي
مِنْ عَزْمِهِ الوَثَّابِ مَا لَمْ يَحْلُمِ
مَاذَا عَلَى الأَيَّامِ إِنْ وَقَفَتْ بِنَا
بِالأَمْسِ وَقْفَةَ حَائِرٍ أَوْ مُحْجِمِ
اليَوْمَ جُرِّدَتِ العَزَائِمُ وَانْتَهَى
فَيْضُ الحَيَاةِ إِلَى المُحِيطِ الأَعْظَمِ
أَفَمَا تَرَى فِي الأُفْقِ بَارِقَةَ المُنَى
تَسْتَلُّ مِنْ قَوْمِي غَطِيطَ النُّوَّمِ
شَبِعُوا مِنَ النَّزَوَاتِ تَعْصِفُ فِيهِمُ
رَعْنَاءَ فِي جَوٍّ بَغِيضٍ مُظْلِمِ
وَتَنَبَّهُوا لِلْطَائِفِيَّةِ فَانْثَنَوْا
يَتَنَادَمُونَ عَلَى فَحِيحِ الأَرْقَمِ
الطَّائِفِيَّةُ، يَا لَهَا مِنْ نَكْبَةٍ
صَبَّتْ عَلَى الفِرْدَوْسِ نَارَ جَهَنَّمِ
حَارَبْتُهَا دَهْرًا بِشَقِّ يَرَاعَتِي
وَصَبَغْتُ أَعْوَادَ المَنَابِرِ مِنْ دَمِي
وَصَفَعْتُ خَدَّيْهَا، فَلَمْ أَظْفَرْ بِمَا
يُشْفِي غَلِيلَ الشَّاعِرِ المُتَأَلِّمِ
عَجَبًا أَنْحَيَا فِي بِلَادٍ حُرَّةٍ
وَيَكُونُ هَذَا العَصْرُ عَصْرَ تَقَدُّمِ
وَيَظَلُّ مَشْغُوفًا بِحَمْلِ سِلَاحِهَا
مُتَعَلِّمٌ، يَهْوِي عَلَى مُتَعَلِّمِ؟
قَتَلُوا الكَفَاءَةَ بِاسْمِهَا، وَمَشَوْا عَلَى
جُثَثٍ مِنَ الأَخْلَاقِ … يَا رَبُّ ارْحَمِ
الدِّينُ، نِعْمَ الدِّينُ إِنْ يَكُ دَاعِيًا
لِلْحُبِّ، يُرْوِي مِنْ حُمَيَّاهُ الظَّمِي
الدِّينُ، نِعْمَ الدِّينُ إِنْ يَكُ حَامِلًا
لِجِرَاحَةِ الأَرْوَاحِ أَزْكَى بَلْسَمِ
الدِّينُ تَضْحِيَةٌ وَرُوحُ تَسَامُحٍ
وَضُحًى عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ الأَقْنَمِ
الدِّينُ لَيْسَ بِآلَةٍ لِلْكَسْبِ فِي
يَدِ خَادِمٍ لِلدِّينِ أَوْ مُتَزَعِّمِ
إِنِّي، وَمَا قَوْلِي تَعِلَّةُ بَاطِلٍ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ بِالَّذِي فِي أَعْظُمِي
أَفْدِي بِمَالِ الأَرْضِ دِينَ مُجَاهِدٍ
وَأَبِيعُ دِينَ المُسْتَغِلِّ بِدِرْهَمِ

•••

لُبْنَانُ يُطْرِبُنِي أَرَاكَ وَقَدْ سَرَى
أَرَجُ التَّحَرُّرِ فِيكَ لِلْمُتَنَسِّمِ
لُبْنَانُ يُطْرِبُنِي أَرَاكَ مُعَانِقًا
رَكْبَ المَجَرَّةِ فِي امْتِدَادٍ أَعْظَمِ
لَكِنْ عَلَى جَنَبَاتِ صَدْرِكَ لَمْ يَزَلْ
جُرْحٌ بَعِيدُ الغَوْرِ لَمَّا يَلْأَمِ
هَذِي فِلَسْطِينُ يُلَفِّعُهَا الأَسَى
وَيَلُفُّهَا ثَوْبٌ كَلَوْنِ العَنْدَمِ
إِنَّا لَنَجْرَعُهَا كُئُوسًا مُرَّةً
مِمَّا تُجَرَّعُ مِنْ عَدُوٍّ مُجْرِمِ

•••

أَشَبَابَ لُبْنَانَ الصِّبَاحَ عَلَيْكُمُ
مِنِّي سَلَامُ المُؤْمِنِ المُسْتَسْلِمِ
اليَوْمَ يَوْمُكُمُ فَصُونُوا إِرْثَكُمْ
مِنْ مُسْرِفٍ فِي الحُكْمِ أَوْ مُتَحَكِّمِ
وَمِنَ الدَّسَائِسِ، إِنْ تُحَاكَ شِبَاكُهَا
فَتَضِيعُ فِيهَا حِكْمَةُ المُسْتَلْهِمِ
جَلَتِ الجُيُوشُ، وُمَا كَفَى فَغَرِيمُكُمْ
مَا زَالَ فِي الأَضْلَاعِ مِنْكُمْ يَحْتَمِي
لَا تَتْرُكُوا لِلْأَعْجَمِيِّ بَقِيَّةً
الطَّائِفِيَّةُ مِنْ بَقَايَا الأَعْجَمِي
وَتَمَتَّعُوا بِجَمَالِ أَخْصَبِ تُرْبَةٍ
وَأَلَذِّ سَلْسَالٍ وَأَغْنَى مَنْجَمِ
هِيَ أَرْضُكُمْ، مَهْمَا تَكُ الأُمَمُ الَّتِي
مَرَّتْ عَلَيْهَا فِي الزَّمَانِ الأَقْدَمِ
عَرَبِيَّةُ النَّسَمَاتِ، لُبْنَانِيَّةٌ
مِنْ عِيسَوِيٍّ أَنْجَبَتْ أَوْ مُسْلِمِ
١٩١٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤