من شعر الصبا

ما نُظِم بين العاشرة والعشرين

من قصيدة في مدح معلمه المرحوم نعمة يافث وهي من أوائل نظمه.

خَيْرُ الكَلَامِ الَّذِي تَرْجُوهُ مَا صَدَقَا
وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ بِالصِّدْقِ قَدْ نَطَقَا
وَمَنْ يَقُلْ غَيْرَ مَا تَطْوِي ضَمَائِرُهُ
فَذَاكَ غِرٌّ تَخَطَّى الجَهْلَ وَالحُمْقَا
يَخُوضُ فِي المَدْحِ لَا إِظْهَارَ مَأْثَرَةٍ
بَلْ قَصْدَ كَسْبٍ فَيُفْنِي الحِبْرَ وَالوَرَقَا
يَقُولُ وَجْهُكَ بَدْرٌ إِنْ أُتِيحَ لَهُ
مَالٌ وَإِلَّا فَوَجْهٌ يُشْبِهُ الغَسَقَا

•••

قِفْ فِي رُبَى الشِّعْرِ وَانْشُدْ حِكْمَةً سَطَعَتْ
أَنْوَارُهَا فِي سَمَاءِ العِلْمِ مُؤْتَلِقًا
يَحْلُو المَدِيحُ لِذِي عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ
يُرِيكَ مِنْ فَضْلِهِ مَا يُبْهِرُ الحَدَقَا
كَالعَالِمِ العَامِلِ الشَّهْمِ الَّذِي اشْتَهَرَتْ
أَخْلَاقُهُ وَشَذَاهَا فِي الوَرَى عَبَقَا
١٨٨٥

ومن قوله في حادثة:

يَا سَاعِيًا بِالغَدْرِ بَيـْ
ـنَ الأَهْلِ وَالإِخْوَانِ مَهْلَا
سَتَرَى مَغَبَّةَ مَا سَعَيـْ
ـتَ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا …

البُسَّة والمرآة

مترجمة عن فلوريان
أَيُّهَا العَالِمُ يَا مَنْ يُنْفِقُ الـْ
ـعُمْرَ فِي تَفْسِيرِ مَا لَيْسَ يُفَسَّرْ
قِفْ قَلِيلًا وَاسْتَمِعْ عَنْ بُسَّةٍ
قِصَّةً تُدْهِشُ مَنْ فِيهَا تَبَصَّرْ
رَأَتِ المِرْآةَ يَوْمًا فَأَتَتْ
نَحْوَهَا تَنْظُرُ مَنْ فِيهَا تَصَوَّرْ
حَسِبَتْ أَنَّ الَّذِي لَاحَ لَهَا
غَيْرُهَا فَاسْتَنْكَرَتْ مَا لَيْسَ يُنْكَرْ
وَعَلَيْهِ وَثَبَتْ، فَاصْطَدَمَتْ
صَدْمَةً كَادَ بِهَا اللَّوْحُ يُكَسَّرْ
فَانْثَنَتْ تَطْلُبُهُ مِنْ خَلْفِهَا١
لَمْ تَجِدْ شَيْئًا، فَآبَتْ تَتَفَكَّرْ
كَيْفَ تَأْتِيهِ فَلَا يُفْلِتُ مِنْ
يَدِهَا، أَوْ يَخْتَفِي حِينًا وَيَظْهَرْ
فَامْتَطَتْ مِرْآتَهَا ثُمَّ اسْتَوَتْ
فَوْقَهَا كَمَنْ عَلَا صَهْوَةَ أَشْقَرْ
وَانْحَنَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا لِتَرَى
فَرَأَتْ فِي البَدْءِ أُذْنًا، ثُمَّ أَكْثَرْ
ثُمَّ … لَكِنْ غَدَرَ الثِّقْلُ بِهَا
فَرَمَاهَا، وَلَهَا الحَظُّ تَنَكَّرْ
فَهَوَتْ لِلْأَرْضِ ثُمَّ انْسَحَبَتْ
وَبِفِيهَا حِكْمَةٌ لِلدَّهْرِ تُذْكَرْ
كُلُّ مَا نَسْعَى إِلَى تَفْسِيرِهِ
وَهْوَ عَنَّا غَامِضٌ غَيْرُ مُفَسَّرْ
لَيْسَ فِي العَيْشِ ضَرُورِيًّا لَنَا
فَلْنَدَعْهُ فَالضَّرُورِيَّاتُ أَجْدَرْ
١٨٨٦

من مرثية لأحمد الصلح

وطُلِب منه وهو في المدرسة رثاء أحمد باشا الصلح٢ فقال من قصيدة «وقد حاول فيها الخروج على التقاليد في الرثاء من ذم الدهر وغير ذلك»:
أَيَدْرِي لُبَابُ المَجْدِ مِنْ أَيِّ سَيِّدٍ
عَفَا رَبْعُهُ لَمَّا سَرَى نَعْيُ أَحْمَدِ
وَهَلْ يَعْلَمُ القُطْرُ المُصَابُ بِفَقْدِهِ
بِأَيِّ رِدَاءٍ أَهْلُهُ اليَوْمَ تَرْتَدِي
بَنِي العَصْرِ هَذِي وِحْشَةُ المَوْتِ فَانْظُرُوا
إِذَا كَانَ فِيهَا غَيْرُ طَرْفٍ مُسَهَّدِ
وَذِي شَجَرَاتُ المَجْدِ، هَلْ مِنْ مُرَفْرِفٍ
عَلَى شَجَرَاتِ المَجْدِ أَوْ مِنْ مُغَرِّدِ
فَقَدْنَا إِمَامًا كَانَ فِي النَّاسِ ذِكْرُهُ
يَسِيرُ مَعَ الرُّكْبَانِ مِنْ كُلِّ مُنْشِدِ
سَلُوا بَعْدَهُ مَنْ كَانَ يَعْشُو لِضَوْئِهِ
إِذَا عَادَ فِي لَيْلِ الشَّدَائِدِ يَهْتَدِي

(البقية مفقودة.)

١٨٨٨

وقال بعد مرض قصير أقعده عن الدرس أيامًا:

إِنَّ العُقُولَ وَإِنْ سَمَا إِدْرَاكُهَا
إِنْ أُهْمِلَ اسْتِعْمَالُهَا لَا تَنْفَعُ
كَالسَّيْفِ يَقْطَعُ مَا أَجَدْتَ صِقَالَهُ
فَإِذَا نَبَذْتَ صِقَالَهُ لَا يَقْطَعُ

التقوى

شعر منثور

قيلت في إحدى الحفلات الخطابية الأسبوعية لصف المنتهين.

السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الحَسْنَاءُ الزَّاهِيَةُ، المُتَهَادِيَةُ فِي مَطَارِفِ الجَلَالِ، المُتَوَّجَةُ بِإِكْلِيلِ الكَمَالِ
الظَّاهِرَةُ لَا مِنَ القُصُورِ، البَارِزَةُ لَا مِنَ الخُدُورِ
المُقْبِلَةُ نَحْوَنَا لَا كَالمَهَا، الطَّالِعَةُ عَلَيْنَا لَا كَالسُّهَى
مَا أَجْمَلَ مُحَيَّاكِ … وَأَطْيَبَ رَيَّاكِ … وَأَلْطَفَ حُمَيَّاكِ!
تَدُبُّ فِي الأَرْوَاحِ دَبِيبَ الأَرْوَاحِ، فَخُشُوعٌ فِي الإِبْصَارِ، وَخُضُوعٌ فِي الأَفْكَارِ، وَتَأَسٍّ عَلَى الأَسَى، وَعَزَاءٌ عَلَى العَذَابِ، وَشِفَاءٌ لِلعَلِيلِ السَّقِيمِ، وَسَمِيرُ مَنْ يَبِيتُ فِي لَيْلَةِ سَلِيمٍ.٣
حَيَّاكِ اللَّهُ مَا أَقْوَى سُلْطَانَكِ عَلَى القُلُوبِ، وَأَسْعَدَهُ لِضَحَايَا الآثَامِ وَالذُّنُوبِ، وَأَبْعَدَهُ عَنِ العُيُوبِ، وَأَقْرَبَهُ مِنْ تَبْوِئَةِ ذَوِيهِ النَّعَيمَ.
خَطِيبَ الفَضِيلَةِ
وَعَرُوسَ النِّعْمَةِ
رُوحَ المَعْرِفَةِ
وَرَأْسَ الحِكْمَةِ
كَمَالَ شَرَفِ الخُلُقِ
وَغَايَةَ أَمْرِ اللَّهِ فِي الخَلْقِ
حَيَّاكِ اللهُ مَا أَحْلَاكِ فِي النُّفُوسِ، وَحَيَّا اللهُ رُوحَكِ القُدُّوسِ، وَحَيَّا اللهُ وَجْهَكِ الكَرِيمَ
أَيْ سَادَتِي، لَا حَاجَةَ لِلْبَيَانِ وَقَدْ حَصْحَصَ الحَقُّ لِلْعَيَانِ، فَلْتُطَأْطِئِ الرُّءُوسُ ثَمَانِي ثَمَانٍ، تِلْكُمْ هِيَ التَّقْوَى وَهَذَا هُوَ الإِيمَانُ
فَابْنُوا عَلَى الحَقِّ آمَالَكُمْ … وَاقْضُوا بِالحَقِّ أَعْمَالَكُمْ … وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ.
١٨٩٠

من رسالة إلى صديقه المرحوم يوسف زيدان شقيق صاحب الهلال:

يَا رَسُولِي إِلَى حِمَى مِصْرَ بَلِّغْ
عَنْ فُؤَادِي تَحِيَّةَ المُشْتَاقِ
بِكَتَابٍ ضَمَّنْتُهُ نَارَ شَوْقِي
فَتَعَجَّبْ لِلنَّارِ فِي الأَوْرَاقِ
سَالَ فِيهِ عَلَى سُطُورِ الهَوَى مَا
سَالَ فِيهِ مِنْ مَدْمَعِي المُهْرَاقِ
لَسْتُ أَنْسَى يَوْمًا تَطَأْمَنَتِ الأَعـْ
ـنَاقُ فِيهِ لِلْبَيْنِ بَعْدَ العِنَاقِ
يَا رَفِيقِي النَّائِي المُوَدِّعُ مَهْلًا
لَا تُطِيقُ النَّوَى قُلُوبُ الرِّفَاقِ
غِبْتَ عَنَّا وَأَنْتَ فِينَا مُقِيمٌ
غَائِبُ الشَّخْصِ حَاضِرُ الأَخْلَاقِ
سَبَقَتْنَا الأَقْدَارُ فَاخْتَرْتُ بُعْدًا
مَعَ أَنَّ القُلُوبَ جُرْدُ سِبَاقِ
وَغَدَا «البَرْقُ» بَيْنَنَا تُرْجُمَانًا
عَلَّ أَنْ نَجْتَلِي بُرُوقَ التَّلَاقِي
فَإِذَا مَا لَبِثْتُ وَالوُدُّ بَاقٍ
كُلُّنَا هَهُنَا عَلَى العَهْدِ بَاقِ
١٨٨٨

ومن قوله:

بِأَبِي ذَات جَفًا عَاتَبْتُهَا
فَأَجَابَتْ لَيْسَ مِثْلِي فِي المَلَالْ
قُلْتُ: تَعْذِيبِيَ مُرٌّ وَحَرَا
مٌ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا عِنْدِي حَلَالْ

كان الناظم قبل أن يفكِّر بدرس الطب يميل إلى الصحافة، فبعث وهو دون السادسة عشرة من العمر إلى المرحوم بشارة تقلا صاحب الأهرام روايةً شعريةً عنوانها «طابخ السم آكله»، مع بعض قصائد ومقالات حبَّرَها لذلك العهد، وصدَّر المجموعة بهذين البيتين:

مَوْلَايَ هَذِي نَبْذَةٌ أَوْدَعْتُهَا
مِنْ آنِسَاتِ الفِكْرِ بَعْضَ خَوَاطِرِ
وَلِذَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ تَفَاؤُلًا
حَتَّى إِذَا قُبِلَتْ بَعَثْتُ بِسَائِرِي

ثم بقصيدة في مدح جريدة الأهرام قال فيها:

لَا تَذْهَبَنَّ إِلَى القُنُوطِ تَزَهُّدًا
مَا دَامَ يُسْعِدُكَ الزَّمَانُ لِتَسْعَدَا
أَوَلَسْتَ تَذْكُرُ آيَةً لَكَ أُنْزِلَتْ
يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ لَمْ تُخْلَقْ سُدًى
هَذِي حَيَاتُكَ فَاْغَتَنِمْ لَذَّاتِهَا
قَبْلَ الفَوَاتِ بِمَا تَرَاهُ أَرْشَدَا
إِنْ تَكْتَنِفْكَ مِنَ الوُجُودِ خَلَائِقٌ
فَلَقَدْ جُعِلْتَ عَلَى الخَلَائِقِ سَيِّدَا
وَلَئِنْ تُنَازِعْكَ البَقَاءُ فَأَنْتَ أَقـْ
ـدَرُهَا مُنَازَعَةً وَأَطْوَلُهَا يَدًا

ومنها:

العِلْمُ عَادَ لِمَهْدِهِ فَتَيَمَّنُوا
إِذْ كَانَ عَوْدُ العِلْمِ عَوْدًا أَحْمَدَا
وَعَزِيمَةُ القُدَمَاءِ فِينَا جُدِّدَتْ
وَدَمُ الفِنِيقِيِّينَ فِينَا جُدِّدَا
أَفَمَا تَعِي آَذَانُكُمْ صَوْتَ العُصُو
رِ الآتِيَاتِ بِنَا يُرَدِّدُهَا الصَّدَى
هُبُّوا فُوَجْهُ الشَّرْقِ رُدَّ بَهَاؤُهُ
وَتَسَابَقُوا فَسَبِيلُكُمْ قَدْ عُبِّدَا
وَلَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ نَوَابِغِ قَوْمِنَا
فَضْلًا بِهِ جِيدُ المَعَارِفِ قُلِّدَا
بِجَرِيدَةٍ قَدْ صَحَّحَتْ بِثِمَارِهَا
مَا كَانَ مِنْ مُقَلِ البَصَائِرِ أَرْمَدَا
يَا مُوجِدَ الأَهْرَامِ مِنْ قِدَمٍ أَفِقْ
وَانْظُرْ لِهَذَا العَصْرِ مَاذَا أَوْجَدَا
هَاتِيكَ ضُمِّنَتِ الجُسُومَ وَهَذِهِ
لُبَّ العُقُولِ وَفِكْرَ أَرْبَابِ الهُدَى
ثم بقصيدة في تهنئة صاحب الأهرام بزفافه، طلبت منه وهو على مقاعد الدرس مع تاريخ شعري هذا هو:٤
بِشَارَةُ قَدْ جَنَحْتُ لِخَيْرِ ذَاتٍ
حَوَتْ مَعَ فَضْلِهَا كُلَّ الطَّهَارَةْ
«بِبَتْسِي» قَدْ ظَفِرْتَ وَلَيْسَ بِدْعٌ
فَأَنْتَ مَثِيلُهَا سِمَةً بِشَارَةْ
فَقُلْ مَا رَاقَ ذَا التَّارِيخ وَجْهًا
لَقَدْ نِلْتِ المُرَادَ لَكِ البَشَارَةْ
١٨٨٩

[وَجْهًا = ١٥، لَقَدْ = ١٣٤، نِلْتِ = ٤٨٠، المُرَادَ = ٢٧٦، لَكِ = ٥٠، البَشَارَةْ = ٩٣٤]

وقد تلطَّفَ يومئذٍ صاحب الأهرام فأجاب الشاعر الفتى على كتابه، وقد ظن أنه يريد طبعه، ولكن الشاعر شرح له قصده وأمله بالانخراط في سلك محرري الأهرام، فجاء الجواب اعتذارًا وأسفًا؛ لأنه كان قد ارتبط مع ثلاثة محررين جُدُد، هم: خليل مطران وخليل زيدان ونجيب الجاويش، ولم يبقَ محل لرابع، وهكذا كانت الخيبة الأولى في حياة الشاعر.

الدارعة فكتوريا

من نحو ستين سنة جاء الأسطول البريطاني البحر المتوسط، ومرَّ بميناء بيروت وطرابلس، وهناك أثناء تمرينات بحرية، أُصِيبت ﭬﻜﺘﻮريا بضربة قاضية من إحدى مدرعات الأسطول، فغرقت وغرق معها من الشبان نحو مائتين وخمسين، وكلهم من خيار الأسر وصفوة الإنكليز، كانوا يتعلمون فيها ويتدربون، فاهتزَّ العالم للفاجعة، ونظم الشاعر الشاب هذه القصيدة، وقد أثبتناها برمتها لفائدتها التاريخية.

أنَّةُ الغرب في الشرق

في رثاء الدارعة ﭬﻜﺘﻮريا ورجالها، مقدَّمَة إلى جلالة ملكة الإنكليز وإمبراطورة الهند.

الإِنْكِلِيزُ اليَوْمَ فِي حَسَرَاتِهَا
سَكْرَى تُصَعِّدُ بِالأَسَى زَفَرَاتِهَا
أَعَلِمْتَ أيَّةَ نَكْبَةٍ رُزِئَتْ بِهَا
مِنْ عَادِيَاتِ الدَّهْرِ فِي غَارَاتِهَا؟
قِفْ بِي فَدَيْتُكَ لَحْظَةً مُتَأَمِّلًا
فِي حَادِثٍ أَوْدَى بِخَيْرِ كُمَاتِهَا
بَعَثَتْ بِأُسْطُولٍ لَهَا لِسِيَاحَةٍ
فِي البَحْرِ، سَاعِيَةً إِلَى حَاجَاتِهَا
فَأَتَى، وَبَيْنَ صُفُوفِهِ ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
لَا تَلْحَقُ الأَبْصَارُ مُرْتَفَعَاتِهَا
بِمُدَرَّعَاتٍ كَالجِبَالِ مَنَاعَةً
تَجْرِي نَظِيرَ الأُسْدِ فِي فَلَوَاتِهَا
وَصَلَتْ إِلَى بَيْرُوتَ فِي تَطْوَافِهَا
فَرَسَتْ بِهَا حِينًا عَلَى ضَفَّاتِهَا
وَأَتَتْ طَرَابُلْسَ الشَّآمِ وَمَا دَرَتْ
أَنَّ القَضَاءَ يَحُومُ فِي فَسَحَاتِهَا
وَقَفَتْ بِعُرْضِ البَحْرِ كَيْ تُجْرِي مُنَا
وَرَةً بِهِ جَرْيًا عَلَى عَادَاتِهَا
وَهُنَاكَ قَدْ سَاقَ القَضَا ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
لِتَضُمَّهَا الأَمْوَاهُ فِي لُجَّاتِهَا
صُدِمَتْ بِكَمْبردُونَ فَانْشَقَّتْ وَقَدْ
جَرَتِ المِيَاهُ تَغُورُ فِي غُرُفَاتِهَا
فَتَخَوَّفَ الأَقْوَامُ عُقْبَى أَمْرِهَا
وَبَغَوْا خَلَاصَ النَّفْسِ مِنْ آفَاتِهَا
أَمَّا رَئِيسُهُمُ الأَمِيرُ فَلَمْ يُبِحْ
لَهُمُ الفِرَارَ مُؤَمِّلًا بِنَجَاتِهَا
لَكِنْ مِيَاهُ البَحْرِ خَانَتْهُ فَمُذْ
دَخَلَتْ إِلَيْهَا عَطَّلَتْ آلَاتِهَا
إِذْ ذَاكَ بَادَرَ بَعْضُ مَنْ فِيهَا إِلَى
خَوْضِ المِيَاهِ لِيُدْرِكُوا جَارَاتِهَا
وَسِوَاهُمُ مِمَّنْ بَقُوا فِي جَوْفِهَا
طَلَبَتْهُمُ الأَمْوَاهُ مِنْ شُرُفَاتِهَا
أَمَّا الأَمْيرَالُ النَّبِيلُ فَإِنَّهُ
لَمْ يَرْضَ عِيشَتَهُ عَلَى عِلَّاتِهَا
فَاخْتَارَ أَنْ يَتَجَرَّعَ الكَأْسَ الَّتِي
بِخُطَاهُ جَرَّعَهَا أَعَزَّ ذَوَاتِهَا
وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ المَنِيَّةَ مُطْرِقًا
فِي الأَرْضِ لَيْسَ يَخَافُ تَهْدِيدَاتِهَا
حَتَّى هَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ وَاخَتَفَتْ
مِنْ لُجَّةِ الإِبْحَارِ فِي ظُلَمَاتِهَا
وَالقَوْمُ فَوْقَ البَرِّ يَنْتَظِرُونَهَا
ظَنًّا بِهَا غَاصَتْ بِتَمْرِينَاتِهَا
وَالنَّاسُ فِي بَاقِي البَوَارِجِ خِلْتُهَا
مِنْ هَوْلِ ذَاكَ الخَطْبِ فِي سَكَرَاتِهَا

•••

ثَبَتَتْ عَلَى الأَمْوَاجِ بِضْعَ دَقَائِقَ
عَجَبًا فَأَيْنَ مُحَدِّثِيَ بَثَبَاتِهَا
مِنْ صَدْمَةٍ قَدْ عُطِّلَتْ وَهِيَ الَّتِي
كَانَتْ تَخَافُ الأَرْضُ مِنْ صَدَمَاتِهَا
لَهَفِي عَلَى تِلْكَ المَعَالِمِ كَيْفَ قَدْ
سَمَحْتَ صُرُوفُ زَمَانِهَا بِشَتَاتِهَا
هِيَ فِي أُرُوبَّا قُوَّةُ البَحْرِ الَّتِي
لِمُصَابِهَا شَمَلَ الأَسَى قُوَّاتِهَا
فَلْتَخْفِضِ الرَّايَاتِ كُلُّ سَفِينَةٍ
فِي البَحْرِ تَرْفَعُ بَعْدَهَا رَايَاتِهَا
وَلْتَحْفَظِ الذِّكْرَى لَهَا أَخَوَاتُهَا
مَا وَجَّهَتْ لِبِلَادِنَا خُطُوَاتِهَا

•••

يَا زَائِرًا مِينَا طَرَابُلْسَ الْتَفِتْ
وَانْظُرْ هُنَاكَ إِلَى بَعِيدِ جِهَاتِهَا
وَاقْطَعْ مِنَ الأَمْيَالِ فِيهَا خَمْسَةً
نَحْوَ الشَّمَالِ وَقِفْ بُعَيْدَ فَوَاتِهَا
فَهُنَاكَ تَحْتَ مِيَاهِهَا ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا
غَرِقَتْ إِلَى السَّبْعِينَ مِنْ قَامَاتِهَا
تَرَكَتْ بِلَادَ الغَرْبِ مَشْرِقَ وَجْهِهَا
وَأَتَتْ فَكَانَ الشَّرْقُ مَغْرِبَ ذَاتِهَا
غَرِقَتْ بِبَحْرِ الرُّومِ مَنْ كَانَتْ تَخُو
ضُ الأُوقِيَانُوسَاتُ فِي غَزَوَاتِهَا
ذَهَبَتْ وَمَا أَبْقَتْ لَهَا أَثَرًا فَوَا
عَجَبَاهُ أَيْنَ جَمِيعُ مَحْمُولَاتِهَا
أَيْنَ المَدَافِعُ مُرْعِدَاتٍ فِي الفَضَا
إِنْ أَمْطَرَتْ فَوْقَ العِدَى بِكُرَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَا فِيهَا مِنَ الآلَاتِ إِنْ
هِيَ أَنْفَذَتْ فِي البَحْرِ حَرَّاقَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَنْ فِيهَا مِنَ الآسَادِ إِنْ
وَثَبَتْ تَهُزُّ الأَرْضَ فِي وَثَبَاتِهَا
بَلْ أَيْنَ مَنْ فِيهَا مِنَ الأَشْبَالِ قَدْ
قَصَفَتْ غُصُونًا فِي رَبِيعِ حَيَاتِهَا
تَرَكَتْ بِلَادَ شَبَابِهَا مَا وَدَّعَتْ
إِخْوَانَهَا فِيهَا وَلَا أَخَوَاتِهَا

•••

اليَوْمَ أَمْسَتْ إِنْكِلْتِرَا وَقَدْ
شَمَلَ الأَسَى أَطْرَافَ مَعْمُورَاتِهَا
اليَوْمَ فَوْقَ شُطُوطِهَا تَلْقَى مِنَ السـْ
ـسُكَّانِ مَنْ عَدَّتْهُمُ بِمِئَاتِهَا
وَلَدٌ يَشُوقُ إلِىَ أَبِيهِ وَوَالِدٌ
يَبْكِي ابْنَهُ المَدْفُونَ فِي طَبَقَاتِهَا
وَهُنَاكَ غَادَاتٌ تَنُوحُ صَبَابَةً
مَزَجَتْ مِيَاهَ البَحْرِ مِنْ عَبَرَاتِهَا
أُمٌّ تَذُوبُ عَلَى ابْنِهَا وَلِيَأْسِهَا
مَلَّتْ مِنَ الدُّنْيَا وَمِنْ لَذَّاتِهَا
وَحَبِيبَةٌ مَوْعُودَةٌ بِلِقَاءِ مَنْ
تَهْوَى وَلَكِنْ لَمْ تَنَلْ غَايَاتِهَا

•••

يَا قُطْرَ لُنْدُنَ أَنْتَ مُنْتَظِرٌ إِذَنْ
ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا لِتَعُودَ مِنْ سَفَرَاتِهَا
خَبِّرْ بَنِيكَ وَسَاكِنِيكَ بِأَنَّهُ
قَدْ غَيَّرَتْ ﭬِﻜْﺘُﻮرِيَا عَادَاتِهَا
نَسِيَتْ بَنِيهَا فِي الحِمَى وَمَعَاهِدَ الـْ
آرَامِ وَالغِزْلَانِ عِنْدَ بَنَاتِهَا
يَا قَوْمُ هَلْ رَأَتْ المَمَالِكُ أَوْ رَوَى التـْ
ـتَارِيخُ خَطْبًا مِثْلَ ذَا لِرُوَاتِهَا
جَزَعَتْ بِلَادُ الإِنْكِلِيزِ لِفَقْدِهَا
جَزَعًا يُخَلِّدُ فِي الوَرَى لَهَفَاتِهَا
خَسِرَتْ بِهَا رُكْنًا لَهَا فِي بَحْرِهَا
فِي جُنْدِهَا فِي شَعْبِهَا وَسَرَاتِهَا
فِي رَأْسِ مَنْ وَلِيَ البِحَارَةَ عِنْدَهَا
وَأَمِيرُهَا المُمْتَازُ فِي سَاحَاتِهَا
مَاذَا يُصِيبُ تُرَى قَرِينَتَهُ الَّتِي
قَدْ أَوْحَشَتْهَا الدَّارُ مِنْ مِشْكَاتِهَا
بَلْ كَيْفَ حَالُ مَلِيكَةٍ لَمْ يَنْدَرِجْ
ذَا الخَطْبُ يَوْمًا بَيْنَ مَحْذُورَاتِهَا
يَا صَبْرُ، فَافْخَرْ أَنْ تُرَافِقَ قَلْبَهَا
فَسِوَاكَ مَوْقِفُهُ عَلَى عَتَبَاتِهَا
عَرَفَتْ مُلُوكُ العَصْرِ عِظْمَ مُصَابِهَا
وَلِذَاكَ عَزَّتْهَا عَلَى نَكَبَاتِهَا
وَجَلَالَةُ السُّلْطَانِ فِي ذَا الخَطْبِ قَدْ
جَادَتْ بِمَا اعْتَادَتْهُ مِنْ حَسَنَاتِهَا
لَمَّا أَتَاهَا نَعْيُ مَنْ صُرِعُوا بِهِ
وَهَبَتْ لَهَا أَرْضًا لِضَمِّ رُفَاتِهَا
وَلِتِلْكَ مَأْثُرَةٌ تُؤَيِّدُ أَنَّهَا
وَقَفَتْ لِخَيْرِ قَرِيبِهَا نِيَّاتِهَا

•••

هَذِي حِكَايَةُ حَالِهَا حَرَّرْتُهَا
بَيَدِ الأَسَى دُفِعَتْ بِتَأْثِيرَاتِهَا
شَرْقِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ نَزَعَتْ إِلَى
غَرْبِ البِلَادِ تَبَثُّهُ خَطَرَاتِهَا
لَمْ تَقْتَنِعْ فِيمَا أَتَتْ لَوْ لَمْ يَكُنْ
قَدْ بَخَّرَ الزَّفَرَاتِ حِبْرُ دَوَاتِهَا
هِيَ أَنَّةُ الغَرْبِ الَّتِي فِي الشَّرْقِ قَدْ
رَنَّتْ فَحَدِّثْ عَنْ صَدَى رَنَّاتِهَا
عَزَّى الإِلَهُ الإِنْكِلِيزَ وَلَا سَلَتْ
صَبْرًا فَإِنَّ الصَّبْرَ بَعْضُ صِفَاتِهَا
وَلَهَا عَنِ المَفْقُودِ بِالمَوْجُودِ مِنْ
أَبْطَالِهَا عِوَضٌ وَمِنْ سَادَاتِهَا
١٨٩١

وقال بعد خروجه من المدرسة — من قصيدة يرثي بها إلياس صالح صاحب قصيدة الحرية الأدبية التي أنشدها في الكلية «الجامعة الأمريكية اليوم»، وكان لها وقع عظيم، ثم سافر إلى مصر للاشتراك في تحرير المقطم، فلم يمهله القضاء لإظهار مواهبه الأدبية والشعرية:

أَرَوَّعَكَ الطَّيْرُ المُغَرِّدُ فِي الفَجْرِ
فَقُمْتَ كَئِيبَ النَّفْسِ مُنْقَبِضَ الصَّدْرِ؟

•••

أَسِيرُ عَلَى العُشْبِ المُرَطَّبِ بِالنَّدَى
فَلَا أُقْلِقُ النُّوَّامَ فِي ذَلِكَ القَفْرِ
وَآوِي إِلَى ظِلِّ المَدَافِنِ عِنْدَمَا
تُطِلُّ عَلَيَّ الشَّمْسُ مُوقِظَةً فِكْرِي
أُخَاطِبُ بِالتِّذْكَارِ قَوْمًا تَقَدَّمُوا
وَمَا أَبْقَتِ الأَيَّامُ مِنْهُمْ سِوَى الذِّكْرِ
وَأَذْهَبُ بِالنَّجْوَى إِلَيْهِمْ مُحَدِّثًا
بِشَكْوَايَ أَهْلَ القَبْرِ يَا جِيرَةَ القَبْرِ
إِذَا مَا بَدَا لِلْعَيْنِ مَثْوَى ابْنِ صَالِحٍ
وَقَفَتُ لَدَيْهِ خَاشِعَ الطَّرْفِ وَالفِكْرِ
وَأَطْلَقْتُ دَمْعِي حَوْلَهُ سَاقِيًا بِهِ
رَبِيعًا نَضِيرًا مِنْ خَلَائِقِهِ الغِرِّ

•••

وَبَعْدَكَ يَا إِلْيَاسُ لَمْ نَلْقَ صَالِحًا
لِنَظْمِ عُقُودِ السِّحْرِ سَطْرًا إِلَى سَطْرِ
تَمَثَّلْتَ فِي ذِهْنِي فَأَنْطَقْتَنِي بِمَا
يَرَاهُ الوَفَا فَرْضًا عَلَى الصَّاحِبِ الحُرِّ
فَبَلِّغْ سَلَامِي مَعْشَرًا قَدْ بَكَيْتُهُمْ
وَمَا زَالَ دَمْعِي كُلَّمَا ذُكِرُوا يَجْرِي
وَنَمْ فِي ظِلَالِ الأَمْنِ وَالرَّاحَةِ الَّتِي
تَفُوزُ بِهَا المَوْتَى إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ
هُنَاكَ ضِيَاءُ الفَجْرِ أَصْفَى أَشِعَّةً
هُنَاكَ نَسِيمُ اللَّيْلِ أَلْطَفُ إِذْ يَسْرِي
١٨٩٣

رثاء سليم جدي

كان سليم جدي شاعرًا مطبوعًا، أخذه الموت من بين ذويه وهو في إبَّان شبابه ومطلع شهرته، وقد رثى الدارعة ﭬﻜﺘﻮريا أيضًا بقصيدة عامرة، وله قصائد عديدة غيرها، فنظم صاحب الديوان في رثائه قصيدة نذكر منها ما علق بالذاكرة.

لَا تَجْفِلِي يَا حَمَامَ الأَيْكِ مِنْ دَنِفٍ
قَدْ بَاتَ مِنْ غَدَرَاتِ الدَّهْرِ جَفْلَانَا
وَلَا يُرَوِّعْكَ إِنْ نَاحَ العَشِيَّ فَتًى
نُوُاحُهُ عَلَّمَ الأَطْيَارَ أَلْحَانًا
يَبْكِي لِإِلْفٍ سَقَاهُ الوُدَّ ثُمَّ قَضَى
كَأَنَّهُ وَكَأَنَّ الوُدَّ مَا كَانَا

•••

وَمَا سَلِيمُ لِيُنْسَى حُزْنُهُ أَبَدًا
فَطَالَ مَا أَنْسَهُ الأَحْزَانَ، أَنْسَانَا
وَإِنْ بَكَيْنَاهُ بِالشِّعْرِ الرَّقِيقِ فَكَمْ
مِنْ مَرَّةٍ بِرَقِيقِ الشِّعْرِ أَبْكَانَا
سَأَزْرَعُ البَانَ أَغْصَانًا بِتُرْبَتِهِ
لِأَنَّهُ كَانَ غُصْنًا يُشْبِهُ البَانَا
وَذَا رِثَائِي إِذَا أَوْجَزْتُهُ فَكَفَى
إِنْ كَانَ مِنْ مَدْمَعِ الآمَاقِ رَيَّانَا
وَمَا أَنَا يَا بَنِي أُمِّي بِمُنْتَظِرٍ
غَيْرَ الشَّقَاءِ فَهَذِي حَالُ دُنْيَانَا
قَدْ أَعْجَزَتْنِي اللَّيَالِي فَارْحَمُوا عَجْزِي
وَاللَّهُ يَرْحَمُ مَوْتَاكُمْ وَمَوْتَانَا

وقُتِل قسطا باولي غدرًا في ليلة خُسِف قمرها، فكتب تحت رسمه:

قَتَلُوهُ فِي لَيْلٍ تَوَارَى بَدْرُهُ
حُزْنًا عَلَى قَمَرِ الثَّرَى المُتَوَارِي
فَكَأَنَّهُ عَلِمَ الفَظِيعَةَ قَبْلَ أَنْ
تَجْرِي فَحَجَّبَ وَجْهَهُ بِسَِارِ
١٨٩٥

وكان المرحوم نخلة بسترس قد ركب الباخرة «سهام» ليلحق بوالي بيروت في عرض البحر ويودِّعه، فحدث انفجار في الباخرة غرق فيها من غرق، وأعيد المرحوم جثةً مشوَّهَةً بالنار. والظاهر أنه كان بالقرب من مرجل الباخرة ساعة انفجاره، فلم تمكنه النار من السباحة وهو يجيدها، فمات حرقًا وغرقًا، فكتب تحت رسمه:

هَذَا الَّذِي كَانَ مِثْلَ النَّارِ هِمَّتُهُ
وَخُلْقُهُ المَاءَ فِي لُطْفٍ وَإِعْطَاءِ
أَصَابَهُ مِنْ «سِهَامِ» الدَّهْرِ غَائِلَةٌ
فَرَاحَ فِيهَا شَهِيدَ النَّارِ وَالمَاءِ

تفضَّل بعض الأدباء بتقاريظ شعرية لهذا الديوان، ولا نعلم كيف ضاعت بين الأوراق، فنعتذر إليهم آسفين شاكرين.

١  أي المرآة.
٢  هو جد رياض بك الصلح رئيس الوزارة اللبنانية اليوم، والذي كلَّفَه بالقصيدة هو المحامي الشاعر إلياس جرجس طراد أحد وكلاء المدرسة.
٣  السليم: اللديغ يمنع الألم عنه النوم.
٤  كلَّفه بها أيضًا المحامي إلياس طراد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤