الفصل الثالث

النواة

على الرغم من أن النواة أكبر العضيات وأكثرها وضوحًا داخل الخلية، فقد اتضح أن دراسة العمليات التي تُجرى بداخلها أكثر صعوبةً من دراسة العمليات التي تتم في السيتوبلازم المحيط بها. ربما يرجع ذلك إلى صعوبة الفصل الكيميائي الحيوي لمكوناتها الأساسية. لكن غالبًا بفضل التطور التكنولوجي الذي حدث في العقد الأخير، عرفنا الآن أن النواة أكثر أجزاء الخلية تنظيمًا، وربما أكثرها نشاطًا من الناحية الديناميكية؛ فإنتاج الحمضين النوويين «دي إن إيه» و«آر إن إيه» وتجميع الريبوسومات يتضمن مستوًى هائلًا من التفاعل مع السيتوبلازم، وكذلك تغيير مواضع محتويات النواة بشكل منتظم. سنتناول تركيب النواة من الخارج للداخل، بدءًا من الحد الفاصل بين النواة والسيتوبلازم؛ ألا وهو الغلاف النووي.

يفصل الغلاف النووي بين محتويات النواة والسيتوبلازم، فضلًا عن أنه يتحكم في التبادل الجزيئي الهائل والمنتظم بين الجانبين. لماذا يتعين على حقيقيات النواة المرور بهذا العناء في حين تتكاثر بدائيات النواة بمعدلات مذهلة، وهي التي لا تحتوي على هذا التقسيم؟ مع نجاح البكتيريا — على الأقل فيما يتعلق بأعدادها الكبيرة — فإنه يمكن اعتبارها كائنات وحيدة القدرات. فهذه أقصى قدراتها ككائنات بسيطة وحيدة الخلية، مع قدرتها الكبيرة على التكاثر واحتفاظها بتباين جيني كافٍ حتى تنتج بشكل متسق (لسوء حظنا) سلالات مقاومة للمضادات الحيوية. إذا قِيسَتْ قدرة كل الكائنات على الأرض بقدرة البكتيريا على النجاح، فستكون الغلَبة للبكتيريا. على الجانب الآخر، وفيما يتعلق بالتعقيد الحيوي، فهي أيضًا الكائنات الأكثر بساطة، ومن ثم الأكثر «بدائية» على وجه الأرض. وهي أيضًا الأقدم وجودًا؛ حيث إنها ظهرت منذ نحو ٤ مليارات عام، ومن ثم، فإنها توفر المادة الخام لكل أشكال الحياة التالية. إن أكبر خطوة في تطور الكائنات الحية على الأرض كانت التحول من بدائيات النواة إلى حقيقيات النواة؛ أي وجود نواة تحتوي على المادة الوراثية داخل غشاء فاصل. أدى ذلك إلى التنوع والتباين الهائل للحياة كما نعرفها اليوم. أما عن كيفية اكتساب النواة، فهذا أمر غير مؤكد، لكن ربما كان ذلك نتاجًا لعملية ابتلاع لبكتيريا صغيرة من جانب أخرى كبيرة. ثم بدأت البكتيريا الصغيرة «تتحكم» في البكتيريا الكبيرة، أو ربما حدثت عملية تعايش داخلي أدت إلى فصل الحمض النووي «دي إن إيه» داخل أحد الأغشية. وعلى الرغم من أن هناك إجماعًا بين المتخصصين في علم الأحياء الخلوي بشكل عام على نشأة الميتوكوندريا والبلاستيدات الخضراء عبر الابتلاع، فإنه لا يوجد مثل هذا الإجماع فيما يتعلق بنشأة النواة.

إن وجود النموذج الأوَّلي الوراثي للخلية داخل حدودها قد عزز التنوع الذي نراه في الكائنات وحيدة ومتعددة الخلايا. فكل إنسان ينتج نحو ١٥٠٠٠٠ بروتين مختلف، ليس في كل خلية، ولكن عبر الأنسجة المتخصصة العديدة في الجسم. وهذا ممكن على الرغم من حقيقة أنَّ لدينا ٢٣٦٠٠ جين فقط؛ لأنه يمكن تعديل الرسالة الوراثية داخل النواة بعد عملية النسخ (نقل المعلومات من «دي إن إيه» إلى «آر إن إيه») وخارج النواة (من خلال إضافة تراكيب كيميائية بسيطة مثل الدهون والسكريات)؛ مما يزيد من العدد الإجمالي للمنتجات البروتينية الممكنة. للمقارنة نقول: إن أبسط أنواع البكتيريا هي على الأرجح ميكوبلازما جينيتاليوم (الموجودة في الأعضاء التناسلية للرئيسيات)، ولديها نحو ٥٠٠ جين. تحتوي الإيشريشيا كولاي — أشهر أنواع البكتيريا التي تعيش في الأمعاء — على ٤٣٠٠ جين، في حين أن أصغر الفيروسات، وهو فيروس الأنفلونزا (الذي يحتاج للسيطرة على آليات الخلايا التي يصيبها حتى يتكاثر)، لديه ١١ جينًا فقط.

نتج عن الفصل بين محتويات النواة والسيتوبلازم أن أصبحت حقيقيات النواة أكبر وأكثر تعقيدًا مقارنةً ببدائيات النواة. يُثبَّت الجزيء الدائري الخاص بالحمض النووي «دي إن إيه» في البكتيريا في الجزء الداخلي لغشاء الخلية عند نقاط متعددة، وقد يمتد عبر الخلية بأكملها. وهذا يناسب جينوم «دي إن إيه» به ٤٫٦ ملايين زوج من قواعد النيوكليوتيدات (تسلسلات النيوكليوتيدات تحمل الشفرة الوراثية)، كما هو الحال في بكتيريا الإيشريشيا كولاي. لكن مع زيادة في الطول تبلغ ألف ضعف للحمض النووي «دي إن إيه» في الخلايا البشرية، فإن الوصول لجين معين مكون من بضع مئات من أزواج القواعد من بين أكثر من ٣٫١ مليارات زوج من هذه الأزواج، يجب أن يكون أسهل عندما يكون الحمض النووي «دي إن إيه» متركزًا داخل النواة. إن تركُّز الحمض النووي «دي إن إيه» في النواة في حقيقيات النواة يمنع أيضًا أيَّ تداخل محتملٍ مع العمليات المعقدة للهيكل الخلوي والعضيات السيتوبلازمية. ولا توجد مثل هذه المشكلات في الخلايا بدائية النواة؛ حيث يكون الحمض النووي «دي إن إيه» قصيرًا (ودائريًّا)، وهناك هيكل خلوي بسيط أو قد لا يوجد على الإطلاق.

(١) الغلاف النووي ومجمعات المسام

يتكون الغلاف النووي من غشاءين منفصلين؛ الغشاء الخارجي المكون بفعل الشبكة الإندوبلازمية، والمنفصل عن الغشاء النووي الداخلي من خلال الفراغ النووي المحيطي (الشكل ٢-٢(أ)). الغشاء النووي الداخلي مبطَّن بشبكة من البروتينات الليفية التي تكون تركيبًا يُعرف بالصفيحة النووية. وكلٌّ من الغشاء النووي والصفيحة النووية تحته مخترَقان بفعل مجمعات المسام النووية التي تتحكم في تدفق كل شيء من النواة وإليها، باستثناء الجزيئات الصغيرة جدًّا التي يمكن أن تمر مباشرةً عبر الغلاف النووي. وهناك أكثر من ٥ آلاف مجمع مسام موزعة فوق سطح النواة في خلايا الثدييات. وتتكون مجمعات المسام النووية من ٥٠ بروتينًا (تسمى بروتينات المسام النووية)، وهي أكبر الآلات الجزيئية في الخلية. وتربط المسام النووية بين الغشاءين الداخلي والخارجي للنواة، وتنتج أيضًا ٨ بروتينات تشبه الأسلاك في السيتوبلازم، و٨ ألياف أخرى في النواة، مكونةً هيكلًا يشبه السلَّة (الشكل ٣-١(د)، (ﻫ)). ترتبط الجزيئات المتجهة نحو الداخل بالألياف الممتدة للخارج من المسام، ثم تمر عبر قناة الغشاء ثم إلى خارج السلة إلى النواة.
fig7
شكل ٣-١: النواة. (أ) قطاع عرضي لنواة كاملة. (ب) عرض سطحي يظهر فيه الكروماتين الداخلي، وذلك بإزالة جزء من الغلاف النووي المغطى بالمسام. (ﺟ) النُّوَيَّة وهيكل النواة بعد إزالة «دي إن إيه». (د) و(ﻫ) مسام نووية مرئية من خارج وداخل النواة. (و) خلايا سرطان دم تشتمل على أنوية مشوهة.

إذا أردت تمثيلًا لنشاط الانتقال عبر المسام، فيمكن أن تحضر أنبوب تصريف (يعمل عمل القناة المسامية) سيمر من خلاله مزيج من كرات التنس والجولف والبلي في الاتجاهين بمعدل ألف رحلة في الثانية. يتم التحكم في الحركة من خلال بروتينات المسام النووية البارزة في القناة التي تعمل على فرز ودفع الجزيئات المتعددة في الاتجاه الصحيح.

«تُوسَم» كل حمولة بروتين بواسطة سلسلة أحماض أمينية تعمل كبطاقة عنوان لضمان وصول البروتينات على الجانب الصحيح من الغشاء النووي. يتطلب المرور الفعلي عبر المسم تعلُّق الحمولة ببروتينات «مرافقة» تسمى البروتينات الداخلة (إمبورتينات) أو الخارجة (إكسبورتينات)، وهي تصاحب الحمولة عبر المسم، ولكنها تنسلخ عنها مع خروج الحمولة من المسم ثم تتعلق بحمولة أخرى. تُجمَّع الريبوسومات من الحمض النووي «آر إن إيه» (المتكونة في النواة) والبروتينات (المتكونة في السيتوبلازم)، ومن ثم تُنتج مستوًى عاليًا من الحركة المسامية بِغَضِّ النظر عن عمليات التبادل الأخرى الخاصة بالنواة/السيتوبلازم. في أيٍّ من خلايا «هيلا»، يُنتَج ١٠ ملايين ريبوسوم كل يوم. ويُنتَج سبعة آلاف ريبوسوم كل دقيقة، وكلٌّ منها له حوالي ٨٠ بروتينًا؛ الأمر الذي يتطلب إنتاج نصف مليون بروتين كل دقيقة في السيتوبلازم. تُستجلَب هذه البروتينات إلى النواة بمعدل ١٠٠ بروتين لكل مسم في الدقيقة؛ مما يؤدي إلى تمرير (إلى جانب الحمولات الأخرى) ثلاث وحدات فرعية ريبوسومية في طريقها خارج النواة. ترتبط أمراض معينة ارتباطًا مباشرًا ببروتينات المسام النووية. ففي مرض التليف الكبدي الصفراوي الأولي، تُنتَج بروتينات معينة (الأجسام المضادة ذاتية المناعة) تهاجم بروتينات المسام النووية؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تليف تام للكبد.

على الرغم من أن الغلاف النووي يفصل فصلًا واضحًا بين النواة والسيتوبلازم، فهو يربطهما معًا فعليًّا. هناك بروتينات تسمى بروتينات الغلاف النووي تستقر في الغشاء النووي الداخلي، ثم تتحرك عبر الفراغ النووي المحيطي، ثم تعبر الغشاء النووي الخارجي، ثم تمتد لمسافةٍ ما داخل السيتوبلازم؛ حيث تتعلق بالهيكل الخلوي. تُعَدُّ تلك البروتينات من أكبر أنواع البروتينات الموجودة في الخلية. وارتباط الجزيئات هذا من داخل الجزء الداخلي للنواة بعناصر الهيكل الخلوي (التي هي في حد ذاتها مرتبطة بالغشاء البلازمي) يعني أن هناك ارتباطًا جزيئيًّا مباشرًا محتملًا من سطح الخلية إلى النواة، وهو ارتباط مهم، لكنه لم يُدرَس بعد.

(٢) الصفيحة النووية

شوهدت الصفيحة النووية لأول مرة بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني كمصفوفة ليفية في الجزء الداخلي للغشاء النووي الداخلي. وتقاوم تلك الخيوط البروتينية التمدد، وتكوِّن «الأسلاك عالية الانشدادية»، والقريبة بشكل كبير من الخيوط الوسطية للهيكل الخلوي. ومن ثم، فإن الصفيحة النووية تحمي محتويات النواة من الانضغاط الميكانيكي، وتثبت النواة في موضعها في الخلية؛ مما يوفر مواقع للارتباط بالهيكل الخلوي في السيتوبلازم. وهناك مكون يسمى الجسيم المركزي الذي يعد مركز تنظيم الأنيبيبات الدقيقة الأساسي للخلية، والذي يكون قريبًا من سطح النواة من خلال ارتباطه بالصفيحة النووية. إلى جانب الوظائف الميكانيكية للصفيحة النووية، فإنها تؤدي أيضًا دورًا رئيسيًّا في التنظيم الكلي لمحتويات النواة، مؤثرة على تنظيم الجينات ومرور المعلومات الوراثية إلى السيتوبلازم. وتنتج عن العيوب الوراثية التي تؤدي إلى تشوه الغلاف النووي والصفيحة النووية عواقبُ وخيمة تسمى «أمراض الغلاف النووي» أو «أمراض الصفيحة النووية». وغالبًا تكون الحالات وراثية وبشكل عام لا يمكن علاجها، وتتضمن بعض الحالات النادرة جدًّا التي تؤدي لضمور العضلات. إن ندرة الحالات الوراثية الناتجة عن المكونات البنائية ذات الخلل لأي مكون خلوي ربما تجعلها تبدو بسيطة، لكن من الأرجح أن تؤدي متطلبات بناء كائن دون وجود اكتمال تام للأجزاء التي تعمل بشكل صحيح إلى وقف عملية التطور بعد بضعة انقسامات للاقحة.

(٣) المكونات الوراثية للنواة

مع اكتشاف النواة على يد أنتوني فان ليفينهوك في أواخر القرن السابع عشر، فإن الإعلان عنها كمكوِّن محدد عندما اكتُشفت في خلايا بشرة نبات الأوركيد على يد عالم النبات الاسكتلندي روبرت براون (المشهور باكتشافه «للحركة البراونية» لحبوب اللقاح في الماء)؛ لم يحدث حتى عام ١٨٣١. وفي ١٨٧٩، لاحظ والتر فليمينج أن النواة تنقسم إلى أجزاء صغيرة عند انقسام الخلية، ثم يتبع ذلك إعادة تكوُّن لتلك الأجزاء التي تسمى الكروموسومات لتكوين أنوية جديدة في الخلايا الوليدة. ولم يربط والتر ساتون وتيودور بوفري الكروموسومات ربطًا مباشرًا بالجانب الوراثي لدى الثدييات حتى عام ١٩٠٢. وقد كشفت الأبحاث التي أجراها توماس مورجان، والتي تتعلق بذبابة الفاكهة (الدروسوفيلا) في أوائل القرن العشرين، عن وجود صفات معينة على طول الكروموسومات، وتبع ذلك اكتشاف أوسوالد أفري عام ١٩٤٤ أن المادة الوراثية هي «دي إن إيه». وبعد ذلك بتسع سنوات، اكتشف جيمس واطسون وفرانسيس كريك التركيب الأساسي لتلك المادة الوراثية التي هي عبارة عن شكل لولبي مزدوج، وبفضل ذلك نالا جائزة نوبل عام ١٩٦٢ بالمشاركة مع موريس ويلكينز، الذي أثبتت تجاربه المعملية الأدلة التي أدت لهذا الاكتشاف. وقد تُوفيت العالمة روزالند فرانكلين — التي كانت صُورها المعتمدة على حيود الأشعة السينية لمادة «دي إن إيه» المأخوذة في معمل ويلكينز هي المفتاح للتعرف على تركيب «دي إن إيه» — عام ١٩٥٨، بعد معاناة مع مرض السرطان وهي في السابعة والثلاثين من عمرها، وجائزة نوبل لا تُمنح بعد الوفاة. نشر واطسون وكريك نتائج أبحاثهما عن النموذج اللولبي الكلاسيكي ﻟﻠ «دي إن إيه» عام ١٩٥٣. وكان آخر جزء في اللغز الخاص بتركيب اﻟ «دي إن إيه» قد فُكَّت طلاسمه على يد واطسون، باكتشافه أن أزواج قواعد النيوكليوتيدات، الأدينين مع الثيمين والجوانين مع السيتوسين، لا توفر فقط الدرجات التي تربط أجزاء السلم الملتف ﻟﻠ «دي إن إيه» معًا، بل توفر أيضًا شفرة للنسْخ الدقيق، وقالبًا لتجميع البروتينات. واستمر كريك في دراسة أزواج القواعد المطلوبة لبروتينات التشفير؛ وأدى ذلك إلى ظهور الاعتقاد الراسخ بأن ««دي إن إيه» يكوِّن «آر إن إيه»، و«آر إن إيه» يكوِّن البروتين.» ويعد اكتشاف تركيب اﻟ «دي إن إيه» تقدمًا كبيرًا في علم الأحياء، وربما يكون الاكتشاف الأبرز منذ نشْر داروين لكتابه «أصل الأنواع».

(٤) لدينا الكثير من الحمض النووي

إذا وُضع اﻟ «دي إن إيه» ثنائي الخيط في كل نواة بشرية في صورة جزيء مفرد، فسيصل طوله إلى نحو متر ونصف. أما المعلومات الوراثية التي يحملها، فهي مخزَّنة بالترتيب حسب أربع قواعد من النيوكليوتيدات — وهي السيتوسين (C) والجوانين (G) والأدينين (A) والثيمين (T) — على طول الحمض. وتشفر مجموعات مكونة من ثلاث قواعد أي حمض أميني (على سبيل المثال، TTA هو شفرة الحمض الأميني الليوسين وTTT هو شفرة الفينيلالانين). وربما يحتاج جين واحد لمئات أو آلاف القواعد لإنتاج بروتين واحد. وفيما يتعلق بالمعلومات المخزنة على طول اﻟ «دي إن إيه»، فقد نحتاج إلى ٢٠٠ دليل هاتف لطباعة تسلسلات القواعد البالغ عددها ٣ مليارات. لكن كل الجينات البشرية البالغ عددها ٢٣٦٠٠ توجد في نحو سنتيمترين من اﻟ «دي إن إيه»، وهكذا يكون ٩٨٫٥٪ منه خارج الحسبان. كان يُعتقد أن هذه النسبة هي «فضلة» اﻟ «دي إن إيه»، لكن لفظة «فضلة» ربما تدل على ضحالة فكر الباحثين الأوائل، ومن ثم يكون أفضل وصف له هو أنه «غير مُشَفِّر» (أي لا يشفِّر الجينات). ولأنه يبدو من غير المحتمل أن تمر الخلية بعناء نسخ أكثر من تسعة أعشار اﻟ «دي إن إيه» الخاص بها في كل مرة تنقسم فيها دون سبب، يجدر بنا أن نعتقد أن لهذا الجزء الكبير من اﻟ «دي إن إيه» وظيفةً غير معلومة بدلًا من القول إنه بلا وظيفة. على الأقل يمكن القول إن جزءًا من اﻟ «دي إن إيه» غير المُشَفر مهم بالتأكيد للخلية؛ حيث وُجد أن الضرر المقصور على الأجزاء غير المشفرة يؤثر في موت الخلية تمامًا مثل حدوث هذا الضرر في الأجزاء المشفرة. تحتوي الأجزاء غير المشفرة من اﻟ «دي إن إيه» على جينات كاذبة، وهي تسلسلات لم تعُدْ تُستخدم في تكوين البروتينات. وربما تكون هذه بقايا معلومات تراكمت عبر سنوات التطور، وربما كانت غير نشطة لملايين السنين، لكن يمكن إعادة تنشيطها ونسخها بصورة فعالة. وبالتأكيد تمثل بعض أجزاء اﻟ «دي إن إيه» غير المشفرة عملية تضمين «دي إن إيه» فيروسي من حالات عدوى سابقة. فبمجرد إصابة الإنسان بعدوى، نادرًا ما يفقد اﻟ «دي إن إيه» الخاص بالفيروس بشكل كامل عندما يشفى من هذه العدوى، وعبر المقاييس الزمنية الخاصة بالتطور، يمكن أن تصل تلك التجميعات إلى كميات كبيرة تقدَّر بنسبة ٨٪ من الجينوم البشري.

الجينات نفسها عبارة عن تراكيب معقدة لها شفرة بدء (محفزة) موجودة في بداية كل جين، وشفرة خروج (خاتمة) في نهايته. ووسط تسلسلات التشفير (الإكسونات) توجد تسلسلات غير مشفرة دخيلة (الإنترونات) يجب التخلص منها قبل الاستخدام. وبشكل عام، إذا كان لدى أي كائن بدائي جين معين، فستشتمل الكائنات الأكثر تعقيدًا على عدد من الجينات ذات الصلة بشكل يتناسب مع مكانها على المقياس التطوري. وهذا يعني أنه بمرور الوقت عادةً ما تتناسخ الجينات ثم تُطَوِّر تسلسلاتها بشكل منفصل.

(٥) كيفية حزم «دي إن إيه»

fig8
شكل ٣-٢: «دي إن إيه» والكروموسومات. (أ) «دي إن إيه» عارٍ وجسيمات نووية تتخذ شكل «خرز على خيط». (ب) ألياف الكروماتين داخل النواة. (ﺟ) مجموعة من الكروموسومات البشرية (المعروفة باسم النمط النووي). (د) الكروموسومات أثناء التكثف النهائي. (ﻫ) كروموسومات الطور البيني البشرية.
حتى يمكن وضع «دي إن إيه» مزدوج الخيط طوله متر ونصف داخل نواة كروية الشكل طولها نحو واحد على ثلاثين ألف من هذا الطول؛ من الواضح أنه يتعين حزم اﻟ «دي إن إيه» على نحو معقَّد إلى حد كبير. ويجب أن تتيح عملية حزم جزيء بهذا الطول إمكانية الوصول إلى الجينات، وأيضًا تناسخ جزيء «دي إن إيه» بالكامل بحيث يمكن تمرير نسخ دقيقة إلى كل خلية وليدة. عند انقسام الخلية تمر كُتَل منفصلة من جزيء «دي إن إيه» — الموجودة داخل النواة، لكن لا يمكن تمييزها كأجزاء منفصلة — بمستويات أخرى من الالتفاف والالتفاف الفائق، وهي عملية تعرف بالتكثف. ويؤدي هذا إلى إنتاج الكروموسومات المنفصلة التي تعدُّ الصورة المألوفة لمادتنا الوراثية (الشكل ٣-٢(ﺟ)، (د)، (ﻫ)). وفي أثناء التكثف الكروموسومي الأخير يتحلل الغلاف النووي وتُوزَّع الكروموسومات على الخلايا الوليدة (انظر الفصل الرابع لمزيد من التفاصيل). يعاد بناء الأنوية في كل خلية وليدة؛ حيث يبدو أن الكروموسومات الجامدة أسطوانية الشكل تفقد هويتها الفردية، وهي تتكثف وتندمج ثانيةً داخل البنية الكلية لأنوية الخلايا الوليدة. وقد أجيبَ على السؤال الخاص بالمكان الذي تذهب إليه الكروموسومات في الأنوية غير المنقسمة (أنوية الطور البيني) بعد قرن من اكتشافها، وذلك بفضل تقنية تسمى التهجين الموضعي الفلوري ابتكرها جو جال وماري-لو باردو عام ١٩٦٩. وتتضمن تقنيةٌ مماثلةٌ، تسمى تلوينَ الكروموسوماتِ، مسباراتٍ فلوريةً عديدةً؛ مما يسمح بتمييز الكروموسومات الفردية داخل أنوية الطور البيني. وتوضح تقنية تلوين الكروموسومات أن كل كرموسوم يشغل مساحة مميزة داخل النواة، عادةً مع وجود زيادات له في الصفيحة النووية. أما عن كروموسومات الطور البيني، فهي تشغل نحو نصف مساحة النواة الداخلية، أما باقي النواة فتشغلها مجموعة من مكونات النواة الأخرى، مثل النُّوَيَّة وأجسام كاخال (لمزيد من المعلومات، انظر الجزء التالي). ومحتويات النواة غير ثابتة على الإطلاق، وهناك تدفق وحركة دائمَينِ لكل مكونات النواة عبر المسافات الطويلة والقصيرة، وهو ما يتطلب وجود طاقة.
على الرغم من أن اﻟ «دي إن إيه» يكون «عاريًا» في بدائيات النواة، فإنه في حقيقيات النواة يكون مرتبطًا دائمًا بجزيئات أخرى، ويتم حزمه عبر سلسلة من المراحل. أولًا يتَّحِد اﻟ «دي إن إيه» البشري مع مجموعات من البروتينات الهيكلية تسمى الهيستونات. وفي المرحلة الأولى من الحزم، يلتف اﻟ «دي إن إيه» مرتين حول مجموعات مكونة من ثمانية جزيئات من الهيستونات لتكوين تركيب يعرف بالجسيم النووي؛ مما يؤدي إلى ظهور نمط «الخرز على الخيط» (الشكل ٣-٢(أ)). بعدها ترتبط الجسيمات النووية المجاورة بعضها ببعض بواسطة هيستون آخر يسمى إتش١، في صورة متعرجة، فيتكون أحد الألياف الذي يبلغ قطره ١٠ نانومترات. يلتف هذا الليف بعد ذلك في شكل ملف لولبي (أنبوب مجوف قطره ٣٠ نانومترًا) يسمى الكروماتين. والكروماتين هو المكون الأساسي المعنِيُّ بحزم اﻟ «دي إن إيه» في حقيقيات النواة (الشكل ٣-٢(ب))، ويوجد في شكلين هما الكروماتين المتباين والكروماتين الحقيقي. يتميز الكروماتين المتباين بأنه أكثر تكثفًا؛ مما يؤدي إلى تكون لون أكثر قتامة، ويكون موزعًا بشكل محيطي داخل النواة (الشكل ٣-١(أ)). وأغلب اﻟ «دي إن إيه» داخل الكروماتين المتباين له تسلسلات قاعدية نيوكليوتيدية قصيرة تتكرر آلاف المرات (اﻟ «دي إن إيه» التكراري) وربما تكون له وظيفة تركيبية وليست وراثية، وهي تثبيت اﻟ «دي إن إيه» داخل النواة. على النقيض يكون الكروماتين الحقيقي أقل تكثفًا، ومن ثم ينتج لونًا أقل قتامة، ويكاد يشتمل على كل الجزء النشط وراثيًّا من اﻟ «دي إن إيه». وعندما تخضع كروموسومات الطور البيني للتكثف النهائي قبل الانقسام مباشرةً، يكوِّن الكروماتين المتباين والحقيقي كتلًا متبادلة على طول الكروموسومات، وهذه يمكن صبغها لإنتاج نموذج شرائط متسق. وتوفر هذه السلسلة الطولية من التقسيمات الفرعية «خارطة طريق»، تسمح للجينات الفردية بأن توضع بشكل دقيق ليس فقط في كروموسومات معينة، ولكن في مواضع معينة على طول الكروموسوم. وفي أثناء التكثف النهائي للكروموسومات يخضع الكروماتين لخطوات أخرى من الطي والالتفاف والالتفاف الفائق؛ مما يقلل إلى حد كبير من الطول الإجمالي ﻟﻠ «دي إن إيه»، بحيث تصل نسبة الحزم له في أي كروموسوم عند الانقسام ١٠ آلاف إلى واحد (الشكل ٣-٢(ﺟ)، (د)، (ﻫ)). إذا أردت تمثيلًا دقيقًا لتقدير هذا التنظيم الرائع، فأحضر حبل قفز طوله نفس طول ملعب كرة قدم، وقم بطَيِّه حتى يصبح طوله الإجمالي نحو نصف بوصة. وقد أوضحت التقنيات الحديثة أن أكبر الكروموسومات البشرية (الكروموسوم ١) به «دي إن إيه» مكون من ٢٤٦ زوجًا قاعديًّا، وقد تم الربط بين الخلل في هذا التسلسل وبين أكثر من ٣٥٠ مرضًا بشريًّا، بما في ذلك أمراض السرطان والاختلالات العصبية والأمراض المتعلقة بالنمو.

والآن بعد تحديد تسلسل الجينوم بالكامل، ربما يُعتقد أن الكروموسومات نفسها قد تصبح أقل أهمية؛ لأنه يمكن تحليل اﻟ «دي إن إيه» الخاص بأي فرد ومقارنته مع «دي إن إيه» طبيعي وتشخيص المشكلات بواسطة الكمبيوتر. وجدير بالذكر أنه وقت تأليف هذا الكتاب لم يُحدَّد تسلسل اﻟ «دي إن إيه» إلا لسبعة أشخاص فقط على مستوى العالم. ومن بين هؤلاء كريج فينتر، الرائد في مجال فك شفرة اﻟ «دي إن إيه»، وجيمس واطسون (وهو أمر متوقع بالطبع)، وكورِيَّان وصيني ويوروبي (أحد أفراد مجموعة عِرْقية من نيجيريا) وإحدى ضحايا سرطان الدم. وقد كانت تكلفة أول تحديد لأول تسلسل جينوم بشري تم عام ٢٠٠٣ نحو ٥٠٠ مليون دولار، وتكلفت أحدث محاولة لذلك ما يقرب من ٢٥٠ ألف دولار. وحتى تتم هذه العملية كإجراء تشخيصي متاح، يجب أن تكون التكلفة المستهدفة ألف دولار، وهو أمر قد يكون متاحًا تقنيًّا في المستقبل القريب. لكن العائق الأساسي للاستخدام الطبي للجينوم هو أن الأمراض مثل السرطان أو السكر أو ألزهايمر تحدث دائمًا بسبب تنوعات عديدة في اﻟ «دي إن إيه»؛ مما يصعِّب تحديد أهداف واضحة للمؤشرات التشخيصية أو التدخل العلاجي، وهو ما يقوِّض بالتبعية فكرةَ وجود طب مخصص قائم على الجينوم الفردي — على الأقل في الوقت الحاضر. مؤخرًا، أعلنت مؤسسة ويلكام عن مشروع لتحديد تسلسل ألف جينوم، من مزيج من أفراد أصحاء وآخرين يعانون من مجموعة متنوعة من الحالات المرضية؛ مما يتيح إجراء مقارنات مهمة من الناحية الإحصائية.

(٦) النُّوَيَّة

اكتُشِفَ وجود أجسام منفصلة داخل النواة لأول مرة على يد فيليس فونتانا عام ١٧٧٤، وأطلق عليها اسم «نويات». والنُّوَيَّات هي أكبر الأجسام المميزة الموجودة داخل النواة، وكل نواة تحتوي على خمسٍ منها بحد أقصى، وهي مرئية بشكل واضح باستخدام الميكروسكوب الضوئي دون حاجة لتلوين محدد. تتكون النُّوَيَّات من مزيج من البروتينات والأحماض النووية التي تظهر عبر الميكروسكوب الإلكتروني (الشكل ٣-١(ﺟ)) منظَّمةً في تركيب داخلي «ثلاثي المكونات»، ومتمثلةً في مركز ليفي ومكون ليفي كثيف ومكون حُبيبي. والوظيفة الأساسية للنويات هي إنتاج الريبوسومات، ويعكس التركيب الثلاثي لها الأحداث الثلاثة التي تحدث فيها؛ وهي: نسخ «آر إن إيه» الريبوسومي (انظر الفصل الرابع)، ومعالجة «آر إن إيه» الريبوسومي، وتجميع الريبوسومات. ويوجد اﻟ «دي إن إيه» المسئول عن تلك العمليات على خمسة كروموسومات بشرية مختلفة عند الانقسام في مواضع تسمى المناطق المنظمة للنويات. تتجمع تلك المناطق معًا بعد الانقسام لتُكون ثلاث أو أربع نويات؛ حيث يتم نسخ الجينات الريبوسومية والتجميع الجزيئي للوحدات الفرعية الريبوسومية، التي تكون جاهزة للنقل من النواة. إن هذا التركيز للجينات وآليات النسخ والمعالجة والتجميع في مكان واحد يسمح بمعدلات إنتاج هائلة؛ فانقسام الخلايا البشرية يُنتج عشرة ملايين ريبوسوم في أقل من يوم؛ لذلك، فإن النُّوَيَّةَ مصنعُ ريبوسومات يتميز بالكفاءة والجودة العاليتين.

نظرًا لمتطلبات إنتاج الريبوسومات، فإن النُّوَيَّة حساسة بدرجة ملحوظة لأي مصدر ضغط قد تتعرض له الخلية. إن الحرارة والبرودة والضغط الأسموزي ومجموعة متنوعة من العقاقير كلها تغير من تركيب النُّوَيَّة، وهكذا الحال فيما يتعلق بالعدوى الفيروسية وسوء التغذية. وحتى تعرف أكانت إحدى الخلايا صحيحة أم لا، افحص النُّوَيَّة أولًا.

(٧) أجسام كاخال والسنيربوسومات والسبليسوسومات

في عام ١٩٠٦، تقاسم رامون إي كاخال من مدريد وكاميلو جولجي من بافيا جائزةَ نوبل لعملهما حول تركيب الجهاز العصبي؛ فقد اكتشف جولجي الجهاز الذي حمل اسمه، في حين اكتشف كاخال أجسامًا ذات صبغة كثيفة قريبة من النُّوَيَّة، أسماها في البداية أجسامًا مُلحَقة، ثم أُطلق عليها لاحقًا الأجسام الملفوفة بسبب الطبيعة الملفوفة للبروتين الأساسي الخاص بها الذي يدعى كويلين. وفي عام ١٩٩٩، اقترح جو جال تسميتها أجسام كاخال. تحتوي أجسام كاخال أيضًا على أجسام تسمى أجسام الجوزاء (وهو اسم مشتق من برج الجوزاء في إشارة للشبه الكبير بينها وبين أجسام كاخال)، والأجسام التي أطلق عليها جال اسم سبليسوسومات وسنيربوسومات (وهي تشبه الأجسام الملفوفة لكنها مقصورة على أنوية خلايا بويضات البرمائيات)، وكلها تشترك في معالجة «آر إن إيه» في النواة بعد النسخ. وتحتوي السنيربوسومات على بروتينات نووية ريبوسومية صغيرة، في حين أن السبليسوسومات هي مواضع تضفير اﻟ «آر إن إيه». في الأعوام القليلة الماضية، اكتُشِفَ العديد من الأجسام الأخرى الموجودة داخل النواة، وإن كان فهْمنا لوظيفتها الحيوية ما زال محدودًا. ومن أمثلة تلك الأجسام «أجسام ابيضاض السلائف النقوية» (التي تسمى أيضًا أجسام كريمر)، وتجمعات الحبيبات بين الكروماتينية، وتجمعات الحبيبات بين الكروماتينية المتوازية والكلاستوسومات.

(٨) تنظيم الجزء الداخلي للنواة

لقد اتضح من خلال أبحاث حديثة نسبيًّا أن النواة ليست مجرد مخزن للحمض النووي «دي إن إيه»، وأنها متنوعة وديناميكية مثل السيتوبلازم فيما يتعلق بالمحتوى والنشاط. والفصل بين العضيات الفردية للسيتوبلازم من خلال الأغشية يسمح بعمليات التحليل والفصل الكيميائية الحيوية الروتينية. غير أن الفصل بين المكونات المختلفة للنواة عملية أصعب؛ إذ لا توجد مثل تلك المكونات الفرعية «ذات الحدود»، مع أن الكثافة العالية للنوية تسمح بفصلها عن الأجزاء النووية المجزَّأة باستخدام مسبار صوتي. ومن نقطة البداية هذه وباستخدام التحليل الطيفي للكتلة، اكتُشف نحو ٧٠٠ بروتين نووي بشري حتى الآن في مشروع بحثي أوروبي يرأسه آنجاس لاموند في جامعة دندي.

تشغل كروموسومات الطور البيني نحو نصف المساحة الكلية للنواة وتنفصل بعضُها عن بعضٍ من خلال الفراغ البيني فيما بينها، الممتلئ بالبلازما النووية، وهي عبارة عن سائل لزج، وهي المقابلة للسيتوبلازم خارج النواة. ونحن نعرف أن هذه الكروموسومات — علاوة على أن لها «نطاقات» خاصة بها — تتحرك في الجزء الداخلي للنواة. ويغلب وجود الكروموسومات الغنية بالجينات (التي تحتوي على كروماتين حقيقي أكثر وتحمل غالبية الجينات الفاعلة) في الأجزاء المركزية من النواة؛ حيث يحدث أغلب النشاط الخاص بعملية النسخ؛ لذا فإن الكروموسومات الفقيرةَ الجينات (التي تحتوي على كروماتين متباين أكثر) توجد بشكل محيطي أكثر، وتكون مجاورة للجزء الداخلي من الغلاف النووي؛ حيث توفر بروتينات الصفيحة النووية شبكة ليفية مثالية لإرساء المكونات النووية. إذا وُجد خلل في الصفيحة النووية، فربما يضل الكروماتين غير الفعال وراثيًّا الراسي بشكل طبيعي طريقَه في منطقة نشطة من حيث النسخ في النواة، ومن ثم يُعبَّر عنه بصورة غير مناسبة كما هو الحال في بعض الأمراض التي تسمى أمراض الصفيحة النووية؛ مثل ضمور العضلات الدوشيني.

على الرغم من أن الميكروسكوب الإلكتروني قد مكنَنَا من الحصول على الكثير من المعلومات عن نشاط السيتوبلازم، فإنه كان أقل نجاحًا نسبيًّا فيما يتعلق بالنواة في هذا الشأن. يرجع هذا إلى الطبيعة الليفية والحَزْم الكثيف لمحتويات النواة، التي تكاد تجعل من المستحيل متابعة امتداد كروماتين عبر أي مسافة في القطاعات الأرفع المطلوبة للميكروسكوب الإلكتروني النافذ. أضِفْ إلى ذلك الحجمَ الكبير للنواة (الذي يبلغ ألف مرة حجم أي ميتوكوندريا)، الذي سيحتاج قطْع ما يتراوح بين ٢٠٠ إلى ٣٠٠ مقطع متسلسل، وتجميعها وتصويرها نحو ١٠٠ صورة لكل مقطع قبل محاولة أي إعادة تجميع ثلاثي الأبعاد، وهي مهمة غير ممكنة الآن. هناك أساليب جديدة مثل الإزالة الانتقائية للمكونات التي من الممكن أن تبسط الأمور. فيمكن رؤية تركيب ليفي من خلال الميكروسكوب الإلكتروني الماسح بعد الإزالة الكيميائية الحيوية لكلٍّ من «دي إن إيه» والكروماتين. وتسمى تلك الشبكة من الألياف التي تمر عبر النواة في القطاعات الأكثر سُمكًا بالمصفوفة أو السقالة النووية (الشكل ٣-١(ﺟ)). وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأساليب كان مَثارًا للجدل في البداية؛ لأن البروتوكولات الكيميائية الحيوية المستفيضة أثناء الإعداد قد تؤدي إلى إنشاء تراكيب جديدة (اصطناعية) بدلًا من الكشف عن التنظيم الأصلي؛ فإن فكرة وجود شبكة مدعِّمة ليفية تمر عبر الجزء الداخلي للنواة (الهيكل النووي) مقبولة الآن على نطاق واسع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤