الفصل الثاني عشر

الجزيئات الضخمة تنقذ الموقف

سيث إم كوهين
جامعة كاليفورنيا، سان دييجو

سيث إم كوهين أستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا، سان دييجو. حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء والليسانس في العلوم السياسية من جامعة ستانفورد. نال كوهين درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، تحت إشراف الأستاذ كينث إن رايموند؛ حيث درس أنظمة الربيطات المُتعلِّقة بانتقال الحديد البكتيري وعوامل تبايُن تصوير الرنين المغناطيسي. كان كوهين زميل أبحاث ما بعْدَ الدكتوراه بالمعاهد القومية للصحة في معمل البروفيسور ستيفن جيه ليبرد (بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا)؛ حيث أجرى دراساتٍ حول تفاعُل عوامل النَّسْخ مع الحمض النووي المُدمَّر بفعل السيسبلاتين. يسعى معمل كوهين بجامعة كاليفورنيا، سان دييجو، لدراسة تصميم مُثبِّطات البروتين المُتمعدِن وتخليق الهياكل المَعدِنية العضوية المُوظَّفة.

عزيزتي أنجيلا

مرحبًا بعودتكِ إلى جامعة كاليفورنيا، سان دييجو. أتمنى ألا تكون عطلة الصيف قد انقضت أسرع مما تمنيتِ. لقد سعدت بحضورك مقرر عام الامتياز في مادة الكيمياء 6CH في تخصص الكيمياء العامة والجنائية في دورته الربيعية. لقد حظيتِ، حسبما أتذكر، بتناول الغداء مع أحد ضيوفنا المتحدثين من إدارة مكافحة المخدرات، وهي فرصة نادرة لا يحظى بها إلا القليل من الطلاب. أتذكر جيدًا أن عرض ملصقكِ النهائي لهذا المقرر كان رائعًا؛ أعتقد أنه كان يتناول مقالًا معنيًّا بتطبيق مطيافية الامتصاص الذري للكشف عن الفلزات الثقيلة في عينات الشَّعر.‎

كيف يمضي عامكِ الثاني بالجامعة؟ إذا كنتِ تُبدِين من الإصرار والحماس حيال مُقرَّرات هذا العام مثلما أبديتِه حيال مُقرَّر الكيمياء في عامك الأول، فإنني على يقينٍ من أنك تُبْلين بلاءً حسنًا! يُمثِّل عامُكِ الجامعي الثاني فرصةً جيدة لتكوينِ رؤيةٍ أوضحَ عمَّا إذا كنتِ تُريدين التَّخصُّص بالكيمياء أم لا. سوف تَحظيْنَ في الواقع بنظرةٍ مُتعمِّقة في أحدِ المُقرَّرات «الكلاسيكية»، ألا وهو الكيمياء العضوية، الذي سوف يشحَذُ شَغفَك بالعلوم الكيميائية. يستطيع الكثير من الطُّلَّاب بعدَ الرُّبع الأول من دراستهم للكيمياء العضوية أن يُقرِّروا ما إذا كانوا يَعشقون الكيمياء أم يكرهونها. أرجو أن تتمتَّعي أنتِ أيضًا بمِثل هذه التجربة الحاسمة، وأن تكون النتيجة لصالح الكيمياء بالطبع!

مِمَّا يستحقُّ التفكير أيضًا بينما تُمضين عامك الدراسي الثاني هو فرْع الطُّلَّاب المُنتسبين للجمعية الكيميائية الأمريكية. لدَينا مجموعة نشِطة حقًّا من الطلَّاب المنتسبين لهذه الجمعية التي تستضيف طائفة مُتنوعة من الأنشطة الطلابية المُرتبطة بالكيمياء، وتتراوح هذه الفعاليات من أُمسِيات العشاء التي تتضمن لقاءاتٍ مع أعضاء هيئة التدريس وصولًا إلى جَولاتٍ بمُختبرات شركات الصناعات الدوائية المحلية. فضلًا عن ذلك، تُشارك هذه المجموعة في الأسبوع الوطني للكيمياء الذي تُنظِّمُه الجمعية الكيميائية الأمريكية في بالبوا بارك، وذلك بإقامة كشك دِعائي وإجراء عروضٍ عملية للجمهور. دائمًا ما يُقدِّم فرع الطُّلَّاب المُنتسبين للجمعية الكيميائية الأمريكية بجامعة كاليفورنيا، سان دييجو، عرضًا رائعًا خلال هذه الفعاليات العامة. من الأمور اللطيفة أيضًا بشأن مجموعة الطُّلَّاب المُنتسِبين للجمعية الكيميائية الأمريكية هو أنها تُقدِّم برنامج زمالة للأبحاث الصيفية، قد تكونين مُؤهَّلة لنَيلها؛ حيث قد تمنحُكِ بعض الدعم المالي للعمل في أحد المُختبرات البحثية هذا الصيف (رُبَّما يكون مُختبَر كوهين مثلًا، ها أنا أُلمِّح). على أيِّ حال، هذه مسألة تستحق النظر.

لكن دَعيني أُخبِركِ بالقليل عن أحدِ مجالات البحث الكيميائي الذي أتناوَلُه بالدراسة، ألا وهو كيمياء الجُزيئات الضخمة. سيكون حديثي إليكِ عن هذا الموضوع مُقسَّمًا إلى أجزاء؛ حيث أتناوَلُ أوَّلًا لمحةً من تاريخ كيمياء الجُزيئات الضخمة، ثم أصِف قليلًا من المجالات البحثية المُثيرة التي نَشهدُها حاليًّا، ثُم أكتُب أخيرًا المزيد عن اهتماماتي المُحدَّدة في هذا الميدان، آمِلًا أن يمنحكِ هذا الحديث رؤيةً جيدة عن الموضوع وأن يقودكِ إلى مزيد من الاطَّلاع على هذا الجانب من الكيمياء (وقد قدمتُ القليل من المَراجِع في النهاية كمادةٍ لقراءاتٍ إضافية).

(١) كيمياء ما وراء الجُزيئات

لقد وُصِفَت كيمياء الجُزيئات الضخمة بأنها «كيمياء ما وراء الجزيئات». وبالرغم من كونها عبارة فضفاضة للغاية، فإنها تُوجِز بالفعل بصورةٍ عامَّةٍ المفهومَ الأساسي، ألا وهو دراسة كيفية تفاعُل الجُزيئات وارتباطها ببعضها الآخر لإنتاجِ تراكيبَ أشدَّ تعقيدًا ذات وظائف أكثر تطوُّرًا. يُعدُّ أول «كيميائي في مجال الجُزيئات الضخمة» هو الطبيعة الأم التي أوجدتْ أعظمَ الإنجازات في كيمياء الجُزيئات الضخمة. من الأمثلة الجيدة في الطبيعة لكيمياء الجُزيئات الضخمة هي الفيروسات. لعلَّكِ تعرِفين الفيروسات لقُدرتها على التسبُّب في الأمراض، كنزلاتِ البرد، لكنكِ لو أمعنتِ النظر في فيروسٍ ما فسترين واحدًا من أشدِّ أمثلة كيمياء الجُزيئات الضخمة إبهارًا.

يُمثِّل الفيروس، في أبسط صوره، «كبسولة». يتكوَّن الجُزء الخارجي من الكبسولة، والمُسمَّى القفيصة، من بروتينات، أما داخل الكبسولة فتُخزَّن المادة الوراثية للفيروس (إما الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي). هذه القفيصة البروتينية هي الجُزء الذي نجِد فيه مثالًا حيًّا لكيمياء الجُزيئات الضخمة. تتألَّف القفيصة من عِدَّة بروتينات مُنفرِدة (مئات أو آلاف) التي تتجمَّع ذاتيًّا مُكوِّنةً غلافًا ذا حجمٍ وشكلٍ وتناظُرٍ مُحدَّد. يتحقَّق هذا بفضل التأثير المُشترَك لكثيرٍ من «التفاعلات الضعيفة» المختلفة التي تتضافر معًا لإنتاج التركيب النهائي. تتميز مختلف الفيروسات بتراكيبَ مختلفة للقفيصات، ممَّا يثبت أن الطبيعة قد أتقنَتِ القُدرة على صُنع «حاويات جزيئية» على أيِّ شكلٍ أو تركيبٍ مُستخدِمةً كيمياء الجُزيئات الضخمة. ربما يكون أعجب ما في القفيصة الفيروسية هو ما تتَّسِم به عملية التجميع الذاتي من تخصُّص؛ وهو ما يَعني أن في كلِّ الطُّرق المُمكِنة، التي لا يكاد يُحصيها عدٌّ، تتجمَّع من خلالها «قِطَع» البروتين معًا (شكل ١٢-١)، قد صمَّمتِ الطبيعة كلَّ قِطعةٍ تصميمًا مُتأنِّيًا بحيث لا يتكوَّن إلا تركيبٌ واحد فقط. هذا التخصُّص يتحقَّق أيضًا من خلال التصميم البالغ الدقة لكثيرٍ من نقاط الضَّعف التي تتجمَّع معًا بالطريقة الصحيحة تمامًا.
fig71
شكل ١٢-١: مُخطَّط مُبسَّط لعملية التجميع الذاتي لأربعة «بروتينات» قفيصية. يمكن للبروتينات الأربعة (التي تبدو كمُستطيلات مُظلَّلة) أن تُنظِّم نفسها بكثيرٍ من الطرق المُختلفة، لكنها لا تُشكِّل إلا تركيبًا واحدًا اعتمادًا على كثيرٍ من التفاعُلات الضعيفة المُختلفة، في سبيل تكوين كبسولةٍ تحمل المادة الوراثية (الخطوط المائلة) للفيروس.

مُقارَنةً بما سبق، تبدو جهود البشر في استغلال كيمياء الجُزيئات الضخمة في غاية التواضُع، غير أنَّنا نُحرِز تحسُّنًا مُستمرًّا على هذا الصعيد. فضلًا عن ذلك، فإن حقيقة أنَّ هذا المجال لم يصِل بعدُ إلى مرحلة النُّضج الكامل إنما تعني أنَّ شباب العلماء مِثلكِ على استعدادٍ لإحراز أعظم الاكتشافات في السنوات القادمة! انطلقتْ بعضٌ من أولَى الجهود في مجال كيمياء الجُزيئات الضَّخمة بمفهومٍ ليس شديدَ الاختلاف عن مفهوم الفيروس: كانت الفِكرة هي مُجرَّد تصميمِ جُزيءٍ يُمكن أن يُغلِّف جُزيئًا آخَرَ أصغرَ (تمامًا مثلما للفيروس قفيصة لتغليف المادَّة الوراثية). غالبًا ما يُشار إلى هذا المفهوم بكونه كيمياء «الضيف-المُضيف»؛ حيث يرتبِط الجُزيء المُضيف بالجُزيء الضيف ويغلِّفه. ثَمَّة الكثير من التشبيهات البسيطة والمُناسِبة لوَصْف هذا النوع من الترتيب فوق الجُزيئي، لكن قد يكون حانَ الوقت لعرْض مُقارنةٍ ربما كُنتِ تتوقَّعينها: «الجُزيء الضَّخم» كجُزيء «دمث الخلق»، يُمكن للجُزيء الضَّخم أن يُمسِك بالضيف و«يحميه» من مُحيطه. سوف نعود إلى هذا التَّشبيه البسيط لاحقًا، نظرًا لكونه وَثيقَ الصِّلة حقًّا بواحِدٍ من الأنواع الأُولى للأنظِمة فَوق الجُزيئية.

fig72
شكل ١٢-٢: نماذج من إيثر تاجي وكريبتاند وكرسيراند «تستضيف» جُزيئًا (من اليسار إلى اليمين). يظهر الأيون المعدِني أو غيره من الجُزيئات «الضيفة» كأجسام كروية مُظلَّلة.

تضمَّنَ بعضٌ من أوَّلِ أنظمة الضيف-المُضيف فوق الجُزيئية عمليةَ تغليفِ الأيونات المَعدِنية (الذرَّات المَعدِنية المشحونة) داخل الجُزيئات العضوية الدائرية (الدوائر الضخمة). في هذه الجُزيئات الضخمة، يَستقرُّ الأيون المعدِني في وسط الدائرة الضخمة، وتثبت في مكانها بفضل التفاعُلات الضعيفة بين الأيونات المعدنية والذرَّات المُتغايرة (تُشير الذرَّات المُتغايرة إلى الذرَّات غير الكربونية وغير الهيدروجينية في الدائرة الضخمة). في هذه الحالة، يُمكن وصفُ هذه التفاعلات الضعيفة، بعبارةٍ بالغةِ البساطة، بأنها قوة جاذبة للشحنات المُعاكسة. عادةً ما تكون الفلزات الأيونية ذات شحنةٍ مُوجبة بينما تحمِل الذرَّات المُتغايرة شُحنة سالبة (أو شُحنة سالبة جُزئيًّا)، وهو ما يُسفِر عن قوة جاذبة (أي أن الشحنات المُعاكسة تنجذِب لبعضها الآخر، القوى الكولومية). وهكذا، يُمكن تكوين جُزيئاتٍ ضخمة بالغة الاستقرار.

تُعدُّ «الإيثرات التاجية»، وهي مجموعة من الجُزيئات، أولى الدوائر الضخمة التي تُوضِّح كيمياء الضيف-المُضيف مع الأيونات المعدِنية (شكل ١٢-٢). استُوحِيَ اسم الإيثر التاجي من الشكل الدائري المُتعرِّج الذي يُميِّز الجُزيئات، والذي يُشبِهُ التِّيجان المَلكيَّة، أما اسم الإيثر فيُشير إلى المجموعة الوظيفية التي تُشكِّل الجُزيء. يتكوَّن الإيثر في الأساس من ذرَّةِ أكسجين مُرتبِطة بذرَّتَي كربون؛ إن لم تَكوني تَعرفين هذه المعلومة، فسوف تعرفينها بنهاية الرُّبع الأول من مُقرَّر الكيمياء العضوية. تمامًا مثل التاج، يتميَّز الإيثر التاجي بتجويفٍ مركزي تُمسِك داخله ذرَّات الأكسجين بالأيون المعدني. كان تشارلز بيدرسن، الكيميائي بشركة دو بونت، أوَّل مَن نجح في تخليق إيثرات تاجِيَّة فعَّالة عام ١٩٦٧.
تزامُنًا مع تكوين الإيثرات التاجية، ظهرت أيضًا فئة أخرى من الجُزيئات الدائرية الضخمة تُسمَّى مُركَّبات الكريبتاند. يستمدُّ الجزيء اسمه مُباشرة في هذه الحالة من استخدامه داخل كيمياء الضيف-المضيف؛ فمُركبات الكريبتاند بمنزلة «سرداب» لجُزيئها الضيف، وهو وصفٌ كئيب، لكنه دقيق للتفاعُل بين الضيف والمُضيف. كان الكيميائي الفرنسي جان-ماري لين، بجامعة لويس باستور، هو أول مَن نجح في تحضير مركبات الكريبتاند. تمامًا مثل الإيثرات التاجية، تتَّسِم مُركبات الكريبتاند بكونها جُزيئاتٍ دائرية قادرة على تطويق الأيونات المعدِنية وتغليفها، لكنها تتمايَزُ بوجهٍ عام عن الإيثرات التاجية بسِمَتَين مُميزتين. أولًا، تحتوي مُركبات الكريبتاند في العموم على ذَرَّتَي الأكسجين والنيتروجين المُتغايرة. ثانيًا، مُركبات الكريبتاند ليست دوائر ضخمة، بل دوائر ضخمة ثنائية الحلقة، ما يعني أن لها شكلًا أسطوانيًّا ثلاثيَّ الأبعاد وهو ما يُمكِّنها من تغليف الأيونات المَعدِنية على نحوٍ أكمل من الإيثرات التاجية (شكل ١٢-٢).
من أنظمة الضيف-المُضيف الأخرى المُبكِّرة هي فئة الجُزيئات المعروفة باسم مركَّبات «الكرسيراند». ها نحن نجِد مرة أخرى أنَّ اسم هذه الجُزيئات مُستمدٌّ من خواصِّهم الفَوق الجُزيئية أثناء التفاعلات بين الضيف والمُضيف؛ إذ إنها «تحبِس» الجُزيئات الضيفة. يُعدُّ الكيميائي دونالد كرام بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس هو مُخترع مركَّبات الكرسيراند وأوَّل مَن أطلق عليها هذا الاسم حين صرَّح عام ١٩٨٥ بوجودها. تتميَّز مُركَّبات الكرسيراند بأنها جُزيئات ثلاثية الأبعاد أيضًا لها شكل أسطواني تقريبًا وبها تجويف داخلي ضخم (شكل ١٢-٢). خلافًا للإيثرات التاجية ومركَّبات الكريبتاند. بإمكان مُركَّبات الكرسيراند تغليف الجُزيئات العضوية الصغيرة باعتبارها ضُيوفًا بدلًا من الأيونات المعدِنية. وهنا يجدُر بنا العودة إلى التَّشبيه البُطولي للجُزيئات الضخمة. في دراسةٍ أجراها كرام عام ١٩٩١، أظهر أن مُركَّب الكرسيراند يمكن أن يُغلِّف جُزيئًا (سايكلوبيوتادايين) ويُخزِّنه في درجة حرارة الغرفة، والذي لولا ذلك لتحلَّل فَورًا. وهكذا، يتبيَّنُ أن جُزيء الكرسيراند الضخم يحمي الجُزيء الضيف من مُحيطه ويُنقِذه من مَوتٍ كان سيلقاه سريعًا لولا تدخُّله!

إن مثل هذه النماذج الأولى من كيمياء الجُزيئات الضخمة — الإيثرات التاجية ومُركَّبات الكريبتاند ومركَّبات الكرسيراند — لا تمثِّل إلا غَيضًا من فَيضٍ حين يتعلَّق الحديث بماضي كيمياء الجُزيئات الضخمة وحاضرها، غير أنَّ هذه النماذج الثلاثة تقدِّم أساسًا كافيًا لاستيعاب المفهوم العام لكيمياء الجُزيئات الضخمة والتفاعُلات فوق الجُزيئية وكيفية استخدام كيمياء الجُزيئات الضخمة في الكشف عن حقائقَ علمية جديدة. علاوة على ذلك، تشترِك هذه النماذج الثلاثة في مَلمحٍ آخَرَ بالغِ الأهمية، ألا وهو أن بيدرسن ولين وكرام قد تقاسَموا جائزة نوبل في الكيمياء عام ١٩٨٧ لعملهم على هذه الجُزيئات. بعبارة أخص؛ لقد منحت لجنة نوبل الجائزة لهؤلاء العلماء الثلاثة «لتكوينهم واستخدامهم لجُزيئات ذات تفاعُلات مُرتبطة بالتراكيب تتميز بالانتقائية العالية».

(٢) الجُزيئات الضخمة: الجيل القادم

والآنَ فلعلَّكِ تتساءلين قائلة: ما الذي يَجري في كيمياء الجُزيئات الضخمة حديثًا؟ إن الجواب عن هذا التساؤل مُذهل ومُعقَّد في آنٍ واحدٍ ويعتمِد على ما تُصنِّفه بالضبط باعتباره كيمياء الجُزيئات الضخمة؛ ففي عالَم البحث الكيميائي الحديث، تتلاشى الخطوط الفاصِلة بين مُختلِف المباحث، ممَّا يعني أن الدراسات المَعنية بكيمياء الجُزيئات الضخمة قد تتقاطَع مع مباحثَ غاية في التنوُّع مثل عِلم النانو وكيمياء المواد وعلم الأحياء الكيميائي وغيرها، حتى إن مُحاولة رسم خطوط قاطعة بين هذه المباحث أضحتْ تتناقَص جَدواها كل يوم. بالرغم من ذلك كله، ففي وُسعِنا إلقاءُ نظرةٍ على بِضعة أمثلةٍ حديثة لكيمياء الجُزيئات الضخمة توضِّح لنا كيفية تقدُّم هذا الميدان والاتجاهات الجديدة المُثيرة التي قد يتَّخِذها.

مِن الاتجاهات التي سلكتْها كيمياء الجُزيئات الضخمة خلال العقود العديدة الماضية هو تصميم جُزيئات «حاوية» أكثر تعقيدًا من ذي قبل ودراستها. بالنسبة إلى الأشكال الأولى من هذه الجُزيئات، كتلك التي وصفتْها سابقًا؛ فلم تكن مُناسبة إلا لتطويق الضُّيوف بالغي الضآلة، مثل الأيونات المعدِنية أو الجُزيئات العضوية الصغيرة، أو، في بعض الحالات، الأنيونات الصغيرة (وهي أيونات سالِبة الشُّحنة مثل الكلوريد)، وهو ما سمح بنقلِ هؤلاء الضيوف الصغار أو تخزينهم لكنه حال دُون استخدام المُضيفين كحاويةٍ لإجراء التفاعُلات الكيميائية. في بعضٍ من الأمثلة التي سوف أوضِّحها لاحقًا، نشأتْ جُزيئات مُضيفة مُتطوِّرة قادرة على تغليف ضُيوف مُتعدِّدين يَتميَّزون بالتعقيد وهو ما يسمح بدوره لهؤلاء الضيوف بالتفاعُل مع بعضهم الآخر داخل البيئة الفريدة التي يوفِّرها المُضيف. أُطلِق على بعضٍ من الجزيئات المُضيفة مصطلح «قوارير نانوية» أو «مفاعلات نانوية»، وهي جُزيئات ضخمة يُمكن أن تستقرَّ بداخلها جُزيئاتٌ أخرى بحيث تخضع للتفاعُلات الكيميائية داخل المُضيف. غالبًا ما يختلِف ناتج تفاعُلات الجُزيئات الضيفة داخل واحدٍ من هؤلاء المُضيفين عن الناتج الحاصل إذا تفاعلت الجُزيئات الضيفة مع بعضها الآخر خارج (أو في غياب) الجُزيء المضيف. كما سوف تُطالِعين أثناء دراستك، فإن الكيميائيين يدفعون بكيمياء الجُزيئات الضخمة لتقترِب من القفيصة الفيروسية في نطاقها وتعقيدها. بإمكاننا الآن صُنع ودراسة جُزيئاتٍ قادرة على خلق بيئاتٍ كيميائية جديدة تمامًا ربما نكتشف بداخلها تفاعلاتٍ كيميائية جديدة يومًا ما!

يُعزَى كثير من الفروق بين مُختلف الجُزيئات المضيفة، أو القوارير النانوية، إلى القوى الضعيفة المُختلفة بين الجُزيئات والمُستخدمة في جمعهم معًا. يَستعين كثير من أوسع القوارير النانوية دراسةً بالترابُط الهيدروجيني أو ترابُط الأيون المعدِني لتجميع ذاتها. سوف أخبركِ ببضعة أمثلةٍ تشمل نَوعي التفاعُلات كليهما، وهو ما من شأنه أن يمنحكِ صورةً عامةً لهذه القوارير النانوية.

لقد توسَّع الباحثون في دراسة القوارير النانوية القائمة على الترابُط الهيدروجيني خلال العقود العديدة السابقة. لعلَّكِ تتذكَّرين أن الترابُط الهيدروجيني هو تفاعل كهروستاتيكي ضعيفٌ يَجري بين ذرة هيدروجين، والتي تكتسب شُحنة موجبة جُزئية عند ارتباطها بذرة مُتغايرة (كالأكسجين أو النيتروجين مثلًا)، وذرَّة مُتغايرة ثانية تحمل شحنة سالبة جُزئية (تذكَّري أن الشحنات المُضادة تتجاذَب لبعضها الآخر). على الرغم من ضَعفه عند حدوثه على مستوى فُرادى الجُزيئات، فإن الترابُط الهيدروجيني قد يؤدي إلى تفاعُلٍ تراكُمي ضخم بين الجُزيئات، وذلك حين يجتمع في أعدادٍ كبيرة أو يُنظَّم بعناية. من الأمثلة اليومية على هذا ما نجِده عند المُقارنة بين نقطة غليان الماء بنقطة غليان الهيدروكربونات، كالبروبان. على الرغم من أن الوزن الجُزيئي للبروبان يفوق الوزن الجُزيئي للماء بمقدار مرتين ونصف، فإن نقطة غليانه تقع عند −٤٢ درجة مئوية، وهو ما يقلُّ كثيرًا عن نقطة غليان الماء. يرجِع ذلك، بصفة رئيسية، إلى الترابط الهيدروجيني القوي الواقع بين جُزيئات الماء، وهو ما يجعل الماء مائعًا مُستقرًّا على نحوٍ استثنائي بالرغم من ضآلة حجمهِ البالغة.

لقد استخدم الباحثون الترتيب المُنسَّق للعديد من الروابط الهيدروجينية في سبيل إنتاج طائفة مُتنوعة من الحاويات التي تُظهِر مجموعةً واسِعةً من السِّمات الكيميائية المُذهلة. لقد عَمَد الكثير من المَجموعات حول العالم إلى دراسة هذه الجُزيئات الضخمة؛ لذا فسوف أكتفي بتسليط الضوء على جهدٍ واحدٍ من جيراننا في سان دييجو، ألا وهو البروفيسور جولياس ريبيك من معهد كريبس للأبحاث، الواقع على طريق جينيس قريبًا منَّا، والذي يُعدُّ واحدًا من العلماء البارزين على مستوى العالم في مجال القوارير النانوية ذاتية التجميع. تَركَّز الجُهد البحثي للبروفيسور ريبيك على الجُزيئات التي تتجمَّع معًا عن طريق الترابط الهيدروجيني، هذا فضلًا عمَّا قدَّمَه من إسهامات هامَّة مُتنوعة في ميدان كيمياء الجُزيئات الضخمة، غير أن من أشدِّ هذه الإسهامات ذُيوعًا هو «كرة التنس» الجُزيئية التي صمَّمها.

ابتكر ريبيك هذا الاسم وصفًا لمُضيف فوق جُزيئي مُكوَّن من جُزَيئين مُقوَّسين مُلتحِمين معًا على طول «درزة» من الروابط الهيدروجينية على نحوٍ يُشبه كرة التنس (شكل ١٢-٣). تتميَّز كُرة التنس باستقرارها في حالتها الصُّلبة وعند وجودها داخل سائل وقُدرتها على تطويق الجُزيئات العضوية الضيفة كالمِيثان والإيثان داخل تجويفها. أظهر ريبيك وزملاؤه سهولةَ تعميم الفكرة الأساسية الكامنة وراء كرة التنس لصُنع كراتٍ جُزيئية مُتعددة الأحجام. لا تُمثِّل «كرة الكيس» الجُزيئية، كما قد تتوقَّعين، إلا نُسخة أصغر من كُرة التنس التي يُمكنها حمْل الميثان كضيف، أما «الكرة اللينة» فهي، على النقيض، أكبرُ كثيرًا من كرة التنس ويُمكنها أن تُئوي ضُيوفًا أكبرَ حجمًا، كرُباعي ميثيل الأدامانتان، بل وربما الأهم من ذلك أن الكرة اللينة يُمكنها أن تُئوي أكثرَ من جُزيء ضَيف واحد أصغر حجمًا، وهو ما يُتيح إمكانية خلْق قارورة نانوية، أي استخدام الكرة اللَّيِّنة كوِعاءٍ دقيقِ الحجم بوُسْعِنا أن نستكشِف بداخله حقائقَ كيميائية فريدة.
لقد أوضح ريبيك بالفعل أن بمقدور الكرة الجُزيئية اللَّيِّنة أن تحتوي بداخلها ضَيفَين من الجُزيئات وأن توليفةً مُناسبة من الضيوف قد تخضع لتفاعُلٍ فيما بينها داخل هذه الكرة اللينة. لقد تبيَّن على سبيل المثال أن حلقي الهكساديين وشِبه البنزوكينون (شكل ١٢-٣)، وهما نوعان مُختلفان من الجُزيئات الضَّيفة، يمكن أن تدخل إلى الكرة اللينة وأن تخضع لتفاعُل ديلز-ألدر (أُنَبِّهكِ مرة أخرى أنكِ، في حال لم تكوني تعرفين تفاعل ديلز-ألدر، فسوف تتعرَّفين عليه في مُقرَّر الكيمياء العضوية هذا العام.) لا يتوقَّف الأمر على تعرُّض الجُزيئات لهذا التفاعُل، بل ويحدُث ذلك بسرعة تفوق ١٨٠ مرة سرعة تعرُّضها له خارج الكرة اللينة. بعبارة أخرى، يُمكن أن تلعب الكرة اللينة دَور المُحفِّز وذلك بحبس الجُزيئات داخل تَجويفها وتسريع مُعدَّل التفاعُل. ها نحن نرى في هذا الإطار كيف يمكن لكيمياء الجُزيئات الضخمة أن تقود إلى اكتشاف تفاعُلات كيميائية فريدة لا تُلاحَظ في ظلِّ الظروف «العادية».
fig73
شكل ١٢-٣: تتألَّف كرة التنس الجُزيئية من جُزيئين مُتماثلَين مُتَّصلين برابطة هيدروجينية لهما شكل مقعر (يسارًا). يُمكن لكرةٍ جُزيئية لَيِّنة ذات شكل مُشابه (مُؤلَّفة من قِطع مُقعَّرة مُشابهة لكنها أكبر حجمًا ومُتصِلة بروابط هيدروجينية) أن تُحفِّز تفاعُل ديلز-ألدر بين حلقي الهكساديين وشِبه البنزوكينون (يمينًا).

فضلًا عن الجُزيئات المُضيفة المُتصلة بروابط هيدروجينية، مثل كُرات الأكياس وكُرات التنس والكُرات اللَّيِّنة المذكورة سلفًا، جرى استعمال الأيونات المعدِنية على نطاقٍ واسعٍ لربط كبسولات القوارير النانوية معًا. إن الأيونات المعدنية في كثيرٍ من الأنظمة الأحدث عهدًا تُعدُّ جزءًا رئيسيًّا من الجُزيء المُضيف، خلافًا لأولى أنظمة الجُزيئات الضخمة؛ حيث تُمثِّل الأيونات المعدِنية الأنواع الضَّيفة (كالإيثرات التاجيَّة والكريبتاندات). من الجدير بالذكر أن الكثيرين قد أسهموا في ميدان الكبسولات فوق الجُزيئية التي تُوجِّهها الفلزات، وكان من بينهم مُشرف رسالة الدكتوراه الخاصة بي، البروفيسور كينيث إن رايموند. حين بدأت رسالة الدكتوراه الخاصَّة بي بجامعة كاليفورنيا في بركلي عام ١٩٩٤، كان البروفيسور رايموند قد استهلَّ لتوِّه نشاطه في هذا الميدان. لم أعكُف شخصيًّا على دراسة هذا الموضوع أثناء عملي للحصول على درجة الدكتوراه، لكنَّني كنتُ شاهدًا على تطوُّره وتَناميه داخل مُختبَر البروفيسور رايموند، وقد منحني ذلك منظورًا مُتميِّزًا عن الموضوع.

تزامنًا مع اهتمام البروفيسور رايموند وفريقه بالكبسولات فوق الجُزيئية التي تُوجِّهها الجُزيئات، أطلقوا على المشروع اسم مشروع «البورج». لن تُثير هذه التسمية مُلاحظتك البتة ما لم تكوني من مُحبِّي «ستار تريك»، وأفترض أنكِ لستِ كذلك؛ ولذا تجدُر الإشارة في هذه الحالة إلى أن البورج كانت كائناتٍ غريبة شريرة ظهرت في سلسلة أفلام «ستار تريك» وهي كائنات سايبورجية — أي جُزء منها كائنٌ حيٌّ وجُزء آخر آلي — أو كما اعتبرها فريق البروفيسور رايموند، جُزء منها عضوي وجُزء آخر غير عضوي (شكل ١٢-٤). بالإضافة إلى ذلك، كانت سفينة البورج الفضائية مُكعبًا عملاقًا طائرًا تُضاهي في شكلها واحدة من الكبسولات الجُزيئية التي رغب رايموند وزملاؤه تكوينها. وهكذا كانت التسمية، كما بوسعك أن ترَي، مُلائِمةً للغاية؛ فالأمر مُتعلِّق بتخليق كبسولات جُزيئية عالية التناظُر (كالمُكعَّبات والأشكال الرُّباعية الأسطح) مصنوعة من رُبيطات عضوية ومكونات أيونية مَعدِنية غير عُضوية. يَكفيكِ هذا القدْر من الخيال العلمي، دَعيني أحدِّثكِ عن الحقائق العلمية.
fig74
شكل ١٢-٤: تُحضَّر القارورة النانوية الرُّباعية الأسطح ربيطة بيس «كاتيكول» النفثالين الثنائي وملح الجاليوم الثلاثي (يسارًا: تظهر الربيطة كخطوط، وأيونات الجاليوم كأجسام كروية). تعمل هذه القارورة كإنزيم صناعي يُحفِّز إعادة ترتيب آزا-كوب للكاتيونات العضوية في الجزء الداخلي من القارورة النانوية.
لقد نجح البروفيسور رايموند وفريقه في إنتاج عددٍ من الكبسولات منذ عام ١٩٩٤، غير أن إحدى هذه المنظومات، والقائمة على ربيطة بيس «كاتيكول» النفثالين الثنائي وأيونات معدِنية ثلاثية التكافؤ كالحديد الثلاثي والجاليوم الثلاثي، كانت أكثرها إثارة للاهتمام. إن تناظُر الربيطة العضوية (الثنائي) مع التناظُر المُختار للأيونات المعدِنية (الثلاثي) يدفعان مَزيجهما (الربيطي والمعدِني) لتكوين كبسولة جُزيئية لها شكل رباعي الأسطح وتناظُره (شكل ١٢-٤). كغيره من جُزيئات الكبسولية التي سبق أن وصفتُها، أثبتَ رُباعي الأسطُح الجُزيئي هذا قُدرته على استيعاب طائفةٍ واسعة من الجُزيئات الضَّيفة داخل قلبه الأجوف. في هذه الحالة، يَجري التقاط الجُزيئات المُوجبة الشحنة (الكاتيونات) على نحوٍ تفضيلي ورفْعُها إلى رُباعي الأسطح نظرًا لأن المُضيف يحمِل صافي شحنة سالبة إجمالية (نتيجةً لانعِدام التوافُق بين شُحنات الأيونات المعدنية وربيطات الكاتيكول). بالإضافة إلى تغليف كاتيونات مُختلفة، كان رباعي الأسطح قادرًا، مثل بعض التجميعات فوق الجزيئية الأخرى المذكورة سلفًا، على تثبيت أنواعٍ مُعيَّنة وتحفيز تفاعُلات مُحدَّدة. فعلى سبيل المثال، أظهر تقريرٌ صدَرَ حديثًا جدًّا أن رُباعي الأسطح قد غلَّف كاتيون إنامونيوم البروبارجيل والذي يُمكن بعدها أن يخضع لإعادة ترتيب آزا-كوب (أُنوِّهُ مُجددًا أنكِ سوف تتعرَّفين على هذا في مُقرَّر الكيمياء العضوية). ويتسارَع تفاعُل إعادة الترتيب داخل رُباعي الأسطح بمِقدار ١٨٤ مرة (شكل ١٢-٤). علاوةً على ذلك، ينطلِق أيون الإمينيوم الناتج، عقب إعادة الترتيب، من رباعي الأسطح وهو ما يَسمَح بمُواصلة العملية. فرُباعي الأسطح لا يلعَبُ دَور المُحفِّز فقط بل ويعمل أيضًا كإنزيمٍ صناعي يحمِل مفهوم القوارير النانوية، وعالَم كيمياء الجُزيئات الضخمة خطوة أقرَب إلى مُضاهاة سِحر الطبيعة.

لقد أسهَمَ عددٌ من الباحثين، كما أشرتُ سلفًا، في مبحث الكبسولات التي تُوجِّهها الفلزات، وفي حال رغبتِ في الحصول على مزيدٍ من المعلومات حوله، فإنَّ بإمكانك الاطلاع على بعضٍ من الورقات البحثية التي نشرَها البروفيسور رايموند. ثمَّةَ جُهد بحثي آخَر لعلَّكِ تَرغبين في مُطالعته، وهو الذي بذَلَه البروفيسور ماكوتو فيوجيتا من جامعة طوكيو اليابانية. كان البروفيسور فيوجيتا من الرُّوَّاد الأوائل في هذا المجال وصنعَ بعضًا من أضخمِ الكبسولات الجُزيئية التي وُصِفَت على الإطلاق وأروعِها وأشدِّها تعقيدًا. وصفَتْ مجموعته البحثية مُؤخَّرًا كبسولاتٍ ضخمة كروية أشار إليها البروفيسور باسم «القطيرات النانوية». تُعدُّ هذه القطيرات النانوية كبسولاتٍ مُتجمِّعة على الفلزات يُمكن تصميمها على نحوٍ يُتيح خلْقَ بيئةٍ اصطناعية بدواخلها شبيهة بالسوائل. وهكذا، يبرُز جهد البروفيسور فيوجيتا كمثالٍ رائع آخر يُثبت كيف أنَّ الكيمياء آخِذةٌ في اللحاق بركْب الأحياء.

(٣) من الجُزيئات إلى الهياكل المعدِنية العضوية

حسنًا، وصولًا إلى هذه النقطة، فقد أعطيتُكِ نبذةً مُتواضعةً عن تاريخ كيمياء الجُزيئات الضخمة وبعضٍ من تجسُّداتها. قبل أن يتسلَّلَ إليكِ المَلَل، دعيني أخيرًا أناقِشُ بعضًا من نماذج كيمياء الجُزيئات الضخمة التي نتعامَلُ معها في مجموعتي البحثية، آمِلًا في أن يشحَذَ هذا النقاش خيالكِ قليلًا.

جميع ما ذكرتُه لكِ حتى الآن عن كيمياء الجُزيئات الضخمة يتضمَّن جُزيئاتٍ ضخمةً مُنعزلة ومُنفصلة تضمُّ فيما بينها علاقة الضيف-المُضيف. لتفهُّم العملية البحثية التي يشهدها مُختبري، علينا التفكير من منظورِ بنى جُزيئية أوسع نطاقًا؛ أي أنَّنا لن نكتفي بتحويل الجُزيء المُضيف إلى جُزيء كبسولي واحد، بل سنجعله سلسلة من الجُزيئات الكبسولية المُتجمِّعة معًا داخل شبيكة مُتَّصِلة. عند توصيل ما يكفي من هذه الكبسولات معًا، نحصل على مادةٍ صُلبة مكوَّنة من عدَّة تجاويف مُستقلة ومُتطابقة. هذا هو المَيدان الذي أعمل في نِطاقه؛ مَيدان الهياكل المعدنية العضوية.

الهياكل المعدِنية العضوية هي موادُّ مُؤلَّفة من جُزيئاتٍ عضوية وأيونات معدنية؛ تتشكَّل هذه الهياكل، مَبدئيًّا، باستخدام المفاهيم التصميمية ذاتها التي استُحدِثَت من أجل الكبسولات التي تُوجِّهها الفلزَّات والتي أنتجها كلٌّ من البروفيسور رايموند والبروفيسور فيوجيتا. غير أنَّهُ في حالة الهياكل المعدِنية العضوية، يَجري انتقاء الجُزيئات العضوية والأيونات المعدنية بحيث تتشكَّل شبيكة لا نهائية من التجاويف بدلًا من الكبسولات فوق الجُزيئية المُنفصلة والمُستقلة (شكل ١٢-٥). شبَّه العُلماء الهياكل المعدِنية العضوية بلُعبةِ قُضبانِ التسلُّق والتَّدلِّي أو السقَّالات المُستخدَمة في الإنشاءات؛ حيث يتكوَّن هيكلٌ ما من قُضبان (جُزيئات عضوية) مُتصِّلة بعُقَدٍ (أيونات معدنية). تمامًا كسقَّالات ناطِحات السحاب؛ يُعدُّ الهيكل المعدِني العضوي تركيبًا يشغل قدْرًا كبيرًا من المساحة، وأغلب هذه المساحة خالية (جوفاء). فَكِّري في الأمر: إذا أُقيمت سقَّالة من الصُّلب لناطِحة سحاب مُكوَّنة من عشرين طابقًا، فإن الهيكل الإجمالي هو حجم ناطِحة السحاب ذات العشرين طابقًا (بطبيعة الحال!) غير أنَّ غالِب المساحة داخل الهيكل فارغة لأنَّ العوارض ومسامير البرشام لا تشغل إلا جُزءًا ضئيلًا من الحجم الكُلِّي. ينطبِق الأمر ذاته على الهياكل المعدِنية العضوية؛ إذ تتميَّز الشبيكة المُؤلَّفة من الجُزيئات العضوية والأيونات المعدنية بالتماسُك والصَّلابة، بيد أن مُعظم المساحة داخل الهيكل خاوية. بالنسبة إلى المساحة الخالية داخل سقَّالة ناطحة السحاب، فسوف تملؤها في نهاية المطاف الأرضِيَّات والجُدران وما شابه، ثم تتبعُها قِطَع الأثاث والحواسيب والبشر. وبالمِثل فإن الفراغات الخاوية داخل الهيكل المعدني العضوي سوف تشغلها أنواعٌ مُختلِفة كثيرة من الجُزيئات الضَّيفة، وهو ما يُسفر في النهاية عن تفاعُلات كيميائية مُثيرة ومواد فوق جُزيئية جديدة وشائقة.
fig75
شكل ١٢-٥: اتحاد ٥،٣،١-بنزين حمض البنزويك الثلاثي مع ملح الزنك الثنائي يُنتج الهيكل المعدِني العضوي MOF-177 (الذي تُمثِّله البلورات المُتعدِّدة الأسطُح). إن ملء خزَّان واحد ﺑ MOF-177 يُتيح له أن يحمِل كميةً من غاز ثاني أكسيد الكربون تُعادِل ما تحمِله تِسعة خزَّانات فارغة (يمينًا)، وهو ما يُبرِز الأهمية المُحتمَلة للهياكل المعدنية العضوية كمخازِن للغازات.
سكَّ البروفيسور عمر ياغي، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، مُصطلح الهيكل المعدِني العضوي MOF، وقد أُطلِق على هذه الأنواع من مواد الجزيئات الضخمة أيضًا اسم «شبكات تناسُقية» أو «بوليمرات تناسُقية مَسامية PCPs». واستخدام مصطلح «تناسُق» يُشير إلى نوع الرابطة بين الجُزيئات العضوية والأيونات المعدنية، والتي يُشار إليها غالبًا بالروابط التناسُقية. وقد وُصِفَت المواد التي تنطبِق عليها أوصاف الهياكل المعدنية العضوية قبل أن يَسُكَّ البروفيسور ياغي ذلك المُصطلح، ولكن منذ استخدامه، أصبح استخدام مُصطلح MOF في الإنجليزية هو الاختصار السائد عند الإشارة لهذه المواد.
أُنتجت أنواعٌ مُختلفة كثيرة من الهياكل المعدنية العضوية MOFs في العَقد الأخير أو نحو ذلك. ومن بين الأنواع التي تخضع للدراسة على نحوٍ مُكثَّف تلك التي وصفَها البروفيسور ياغي، والتي تتكوَّن من جُزيئات حامض ثنائي أو ثلاثي الكربوكسيل وعناقيد أيونية معدِنية من الزنك (شكل ١٢-٥). ومرة أخرى، تعمل جُزيئات الحمض الكربوكسيلي العُضوي مثل القضبان، ويعمل العنقود الأيوني المعدِني مثل عُقدة أو رابط. وفي الحالات التي لا تكون العقدة فيها مكوَّنة من أيون معدِني واحد وإنما من عنقود من الأيونات المعدنية (كما في حالة مُعظم الهياكل المعدنية العضوية التي وصفها البروفيسور ياغي)، عادة ما يُستخدَم مُصطلح «وحدة بناء ثانوية» SBU لوصْف العقدة. وعندما تتَّحِد جُزيئات الحمض العضوي وأيونات الزنك وتُسَخَّن معًا في محلول، سوف تتكوَّن الهياكل المعدنية العضوية وتخرُج من المحلول في شكل بلُّورات (مثل الماسات في خاتم زفاف والدتِكِ). والعديد من بلُّورات الهياكل المعدنية العضوية تكون مُستقرة إلى حدٍّ لا يُصدَّق، وقادرة على تحمُّل درجات حرارة أعلى من ٤٠٠ درجة مئوية. وباستخدام مجموعة مُتنوعة من الجُزيئات العضوية المُختلفة والأيونات المعدنية، أمكنَ إنتاج مجموعة كبيرة من الهياكل المعدنية العضوية ودراستها.

لعلَّك تسألين نفسك: لماذا تُدرَّس الهياكل المعدِنية العضوية؟ ما هي فائدتها؟ حسنًا، دعيني أخبِركِ أنه كما هو الحال في العديد من مجالات العلم، ولا سيما المجالات الحديثة الناشئة، مثل كيمياء الجُزيئات الضخمة والهياكل المعدِنية العضوية، الإجابة هي أنَّنا لا نعرِف بعدُ. غير أن الهياكل المعدِنية العضوية لها خصائص كيميائية مُثيرة للاهتمام تُتيح إجراء بعض الأبحاث الرائعة، بل إنها أيضًا يكاد يكون لها تطبيقات مُهمَّة في عالَم الواقع. في السنوات الأخيرة، كان الاهتمام الرئيسي بالهياكل المعدِنية العضوية ينصبُّ على مجال تخزين الغازات. ولماذا تخزين الغاز؟ لأن كلَّ هذه المساحة الفارغة تُسهِم على نحوٍ ممتاز في تخزين كميات كبيرة من الغازات، مثل الهيدروجين، والميثان، وثاني أكسيد الكربون (حسب نوع الهيكل المُستخدَم). إن غازاتٍ مثل الهيدروجين والميثان مُهمَّة كوقود (فكِّري في خلايا وقود الهيدروجين، والسيارات التي تعمل بالميثان). أما ثاني أكسيد الكربون فهو أحد الغازات الدفيئة المُهمَّة للغاية ويجب إزالته من الجو، وتخزينه أو إيقاف حركته بطريقةٍ ما؛ لذا فيما يتعلَّق بهذه التقنيات، تُعدُّ مشكلة تخزين الغازات المذكورة آنِفًا مُشكلةً علمية مُهمَّة.

فيما يتعلَّق بتخزين الغازات، تُعدُّ الهياكل المعدنية العضوية مُضيفات ممتازة للأضياف الغازية؛ بل هي في الواقع أفضل المُضيفات على الإطلاق. ومن بين أعظم قصص النجاح المعروفة في هذا المجال حتى يومنا هذا، مادةٌ تُعرف باسم MOF-177. يمكن لمادة MOF-177 أن تُؤدِّي بعض الأعمال المُبهرة فيما يتعلَّق بتخزين الغازات. فبسبب المساحة الفارغة الضخمة في بِنية MOF-177، وحقيقة أنه يتفاعَل تفاعُلًا ضعيفًا مع الغازات، فإنه يستطيع بالفعل أن يُحسِّن من كفاءة تخزين الغازات. ويمكن توضيح هذا بأفضلِ طريقةٍ مُمكنة عن طريق التجربة التالية: أسطوانة غاز مضغوط (في درجة حرارة الغُرفة وضغط قدْره ٣٠ بارًا) يُمكنها أن تحتجِز كمية مُحدَّدة من ثاني أكسيد الكربون. خُذ نفس هذه الأسطوانة وامْلأها بمادة MOF-177. والآن ضع غاز ثاني أكسيد الكربون في الأسطوانة المملوءة ﺑ MOF-177. وإليك السؤال المهم: أيُّ الأسطوانتين تحتوي على كمية أكبر من الغاز؛ الأسطوانة الفارغة أم الأسطوانة المملوءة ببلُّورات MOF-177؟ قد تَظُنِّين على نحوٍ غريزي أن الأسطوانة الفارغة سوف تحتوي على غازٍ أكثرَ لأن المادة الصُّلبة لبلورات MOF-177 تشغل الفراغ المُتاح في الأسطوانة. إلا أن العكس تمامًا هو الصحيح (شكل ١٢-٥)؛ فالأسطوانة المملوءة ببلُّورات MOF-177 تحتوي على ما يقرُب من تسعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تحتوي عليها الأسطوانة الفارغة! تمهَّلي وفَكِّري في الأمر لبعض الوقت؛ إنه لمن المُذهِل حقًّا أن أسطوانة مليئة بمادة صُلبة مُتبلِّرة (يبدو MOF-177 مُشابهًا إلى حدٍّ ما لملح الطعام) تحتوي على غازٍ أكثرَ ممَّا تحتوي عليه أسطوانة فارغة. وأُكرِّر مرةً أخرى أن السبب في ذلك هو مساحة السطح الكبيرة للهيكل المعدِني العضوي، الذي يوفِّر للغاز أماكنَ أكثر ليُمتصَّ فيها. وعندما نتحدَّث عن مساحة سطح كبيرة، فإننا نتحدَّث عن مساحة كبيرة حقًّا؛ حوالي ٤٥٠٠ متر مربع/جم، وهو ما يَعني أن ملعقةً صغيرة واحدة من مادة IRMOF-1 يكون لها مساحة سطح تُعادِل مساحة سطح عدَّة ملاعب كرة قدم! لذا، لعلَّكِ بدأتِ تُدركين الآن الأهمية المُحتمَلة للهياكل المعدنية العضوية المُحتمَلة. خُذي أسطوانة من مادة MOF-177 ويُمكنك حينها بأمانٍ زيادة سَعة تخزين غازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون. قد يكون لهذا تأثيرات كبيرة على قطاعات الطاقة، والبيئة، والنقل في المستقبل. وفي الحقيقة، لقد اهتمَّت وزارة الطاقة الأمريكية (وغيرها من الهيئات الحكومية) كثيرًا بالهياكل المعدنية العضوية والكيفية التي يمكن أن تُسهم بها في تهدئة مخاوفنا الحالية بشأن الطاقة، واستثمرَتْ فيها مبالغَ كبيرة من أموال الأبحاث الحكومية.

(٤) «الزخرفة الداخلية» باستخدام الهياكل المعدنية العضوية

الهياكل المعدنية العضوية هي موادُّ شديدة المَسامية ذات مساحات سطح كبيرة قد تكون مُثيرة للاهتمام فيما يتعلَّق بتخزين الغازات. ما الذي نفعله في مَعملي إذن؟ حسنًا، لقد أجرَينا أبحاثًا على العديد من الموضوعات، ولكن مُؤخَّرًا جدًّا، ركَّزنا على شيءٍ نُسمِّيه تعديل ما بعد التخليق للهياكل المَعدِنية العضوية. لعلَّك تتساءلين: «وما هذا الشيء؟!» حسنًا، سوف أُخبركِ، إنه أمر بسيط حقًّا.

عن طريق إجراء تعديلات ما بعد التخليق للهياكل المعدِنية العضوية، فإنَّنا نُصبِح «المُصمِّمين الداخليِّين» لتلك المواد. لذا، فلنعُدْ مرة أخرى إلى تشبيه المبنى الفارغ، لدَينا هيكل المبنى، ولنضع بداخِله بعضَ الطوابق والجُدران، وبينها أبواب ونوافِذ تصِل بين الحجرات، لكن المبنى لا يزال فارغًا في أغلبه. لذا فإننا نتدخَّل، بوصفِنا مُصمِّمين داخليِّين، ونُعلِّق بعض اللَّوحات، ونضع بعض قِطَع الأثاث، ونضع مكتبًا، أي أنَّنا نجعل دواخل المبنى فعَّالة وظيفيًّا. إننا نأخُذ مبنًى مُشيَّدًا بالكامل، أي أنه عبارة عن مجموعةٍ من الغُرَف الخالية، ونُضيف بعض المكونات لكلِّ غرفة لنجعل الغُرف مُفيدة لغايةٍ ما. وفي عملية تعديل ما بعد التخليق للهياكل المعدنية العضوية نفعل الشيءَ نفسه؛ إننا نصنع هيكلًا معدنيًّا عضويًّا، وبِمجرَّد أن يتشكَّل هذا الهيكل، يكون بمثابة مجموعة من الغُرف الخالية المُتَّصل بعضُها ببعض، ومن ثَمَّ نُضيف كاشفًا كيميائيًّا يَنساب عبْر الهيكل المعدِني العُضوي (تذكَّري أنَّ له بِنْية مفتوحة للغاية) ويُعدل كل غرفة، وأثناء ذلك يجعل جميع الغُرف أكثر «فعالية» ممَّا كانت عليه من قبل! إننا نستخدِم مُصطلح تعديل ما بعد التخليق للإشارة إلى حقيقة أنَّنا نجعل الهيكل المعدني العضوي فعَّالًا وظيفيًّا بعد أن يكتمِل تجميعه فعليًّا. يبدو هذا مَنطقِيًّا في التشبيه الذي استخدمناه؛ فهل كُنتِ لتُعلِّقي لوحةً على جِدارٍ أوَّلًا ثُمَّ تُثبِّتي الجِدار في المبنى؟ لو أنكِ حاولتِ ذلك فِعليًّا، فيُمكن للَّوحة أن تسقُط، وتنكسِر، وما إلى ذلك؛ لذا فإنك تُشيِّدين الجدار أولًا، ثم تقومين بأعمال التَّزيين. ونحنُ نفعل الشيء نفسه في تعديلِ ما بعد التخليق: نحن نُشيِّد «جُدران» الهيكل المعدني العضوي أولًا، ومن ثَمَّ نُعلق مجموعاتنا الوظيفية الأكثر حساسية بعد التخليق (أي «بعد» الانتهاء من تجميع الهيكل المَعدِني العضوي).

fig76
شكل ١٢-٦: رسمٌ يوضِّح تعديلَ ما بعد التخليق للهيكل المعدني العضوي IRMOF-3 (الذي يظهر على شكل شبكةٍ مُكعبة) باستخدام أنهيدريد الخليك لتوليد IRMOF-3-AM1. ولأغراض الوضوح، لا تظهر هنا بعض المجموعات الأمينية. ويظهر أحد اللجينات (القُضبان) بشكلٍ أوضَحَ لأغراض التوضيح.
وقد اكتشفنا مُؤخَّرًا أن تعديل ما بعد التخليق طريقةٌ مُفيدة بحقٍّ في صُنع هياكل معدِنية عضوية شديدة «الفعالية الوظيفية». ولكي نفعل هذا، عملْنا كثيرًا باستخدام IRMOF-3، الذي كان مُختبر البروفيسور ياغي هو أوَّل مَن قدَّم له وصفًا. يحتوي IRMOF-3 على مجموعات أمينية العُقد العضوية، التي تُشير إلى داخل تجاويف الهيكل المعدني العضوي. ومن منظور كيميائي، فإن هذه المجموعات الأمينية هي أشبَهُ بمَشاجِب مُثبَّتة على جُدران المبنى؛ لذا فإنَّ كلَّ ما نحتاج إلى فِعله هو أن نُعلِّق عليها شيئًا. وعن طريق استخدام كواشِف نشِطة تجاه المجموعات الأمينية، وجدْنا أننا نستطيع بالفعل تزيين كلِّ غُرفة في الهيكل المعدني العضوي. في مثال مُحدَّد، استخدَمْنا أنهيدريد الخليك لتحويل كل المجموعات الأمينية في IRMOF-3 إلى مجموعات أميدية (شكل ١٢-٦). ولدَينا أمثلة أخرى كثيرة تُظهِر أنه يُمكننا تعديل هياكل معدنية عضوية مختلفة باستخدام أنواع عديدة مختلفة من الكواشف. ونأمل أن هذه الطريقة الجديدة لتعديل دواخل الهياكل المعدنية العضوية يُمكن أن تُستخدَم لتعزيز خواصِّها، ومن بينها خاصية امتصاص غازات مثل الميثان والهيدروجين.

وعلى أي حالٍ يا أنجيلا، فالأرجح أن هذا هو كلُّ ما تُريدين قراءته عن كيمياء الجُزيئات الضخمة في الوقت الحالي. وأرجو أن تكوني قد وَجدتِ رسالتي مُثيرة لاهتمامك ولم تجديها مُمِلَّة إلى حدِّ النوم أثناء قراءتها. وإذا كانت لديك أي أسئلة أو اهتمام بمجموعتي البحثية، يُمكنك المرور على مكتبي في باسيفيك هول. وأتمنَّى أن تنتهي إلى قرار إجراء بعض الأبحاث الجامعية، إن لم يكن في مُختبري، ففي مُختبرٍ آخر؛ فثَمَّة الكثير من الفُرص البحثية الكُبرى هنا في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو. وفي غضون ذلك، أتمنَّى أن يكون عامك الجامعي الثاني رائعًا وأن تُواصلي الأداء الجيد في دروس الكيمياء!

المُخلص
سيث كوهين

قراءات إضافية

  • Cram, D. J. The design of molecular hosts, guests, and their complexes (Nobel lecture). Angewandte Chemie International Edition in English 1988, 27, 1009–1020.
  • Eddaoudi, M.; Moler, D. B.; Li, H.; Chen, B.; Reineke, T. M.; O’Keeffe, M.; Yaghi, O. M. Modular chemistry: Secondary building units as a basis for the design of highly porous and robust metal–organic carboxylate frameworks. Accounts of Chemical Research 2001, 34, 319–330.
  • Fiedler, D.; Leung, D. H.; Bergman, R. G.; Raymond, K. N. Selective molecular recognition, C–H bond activation, and catalysis in nanoscale reaction vessels. Accounts of Chemical Research 2005, 38, 351–360.
  • Rebek, J. Jr. Reversible encapsulation and its consequences in solution. Accounts of Chemical Research 1999, 32, 278–286.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤