الفصل السابع عشر

الفلزات والميكروبات والوقود الشمسي

هاري بي جراي
معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا
جون إس ماجيار
كلية بارنارد

هاري بي جراي هو أستاذ كرسي أرنولد بيكمان في الكيمياء والمدير المؤسِّس لمعهد بيكمان في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا، بكاليفورنيا. بعد إنهاء دراساتِه العُليا في جامعة نورث ويسترن وأبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة كوبنهاجن، انضمَّ إلى هيئة تدريس الكيمياء في جامعة كولومبيا، حيث قام في أوائل الستينيات بتطوير نظرية المجال الليجندي لتفسير البِنى الإلكترونية وتفاعُلات الاستبدال في مُعقَّدات الفلزات. بعد انتقاله إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام ١٩٦٦، بدأ العمل في مجال الكيمياء الحيوية غير العُضوية والكيمياء الضوئية غير العضوية، وباحثًا في البروتينات المعدَّلة بالروثينيوم في أوائل الثمانينات؛ حيث اكتشَف مع زملاء العمل أنَّ الإلكترونات يُمكن أن تدلُف بسرعة لمسافاتٍ جُزيئية طويلة من خلال هياكل عديد الببتيد المطوية. في السنوات التالية، قام بالتعاون مع جيه آر وينكلر بتطوير طُرُق لتثبيط وَميض الليزر، والتي مهَّدَت الطريق لاستيضاح العوامل التي تتحكَّم في سَرَيان الإلكترون خلال البروتينات التي تُعدُّ مُكوِّناتٍ أساسيةً للجهاز التنفُّسي، وأنظمة التمثيل الضوئي، والأنظمة البيولوجية الأخرى للاختزال والأكسدة.

جون إس ماجيار هو أستاذ مساعد في الكيمياء في كلية بارنارد، وكلية الفنون الحرة للنساء في نيويورك والتابعة لجامعة كولومبيا. حصل على درجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في الكيمياء من كلية دارتموث، في هانوفر، نيو هامشاير؛ حيث أجرى أبحاثًا جامعية مع العميد إي ويلكوكس عن التحليل الطيفي لأكسيد النيتريك المرتبِط مع الكوبالمينات. حصل على درجة الدكتوراه مع هيلاري أرنولد جودوين من جامعة نورث ويسترن، بإيفانستون، بولاية إلينوي، في فحص الآليات الجُزيئية للتسمُّمِ بالرصاص. وبعد الدكتوراه عمل باحثًا في الكيمياء مع هاري جراي في معهد بيكمان في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، في باسادينا، كاليفورنيا، حيث درس ديناميكيات البروتين وحركية انتقال الإلكترون في السيتوكروم c. عمل ماجيار وطُلَّابُه في مرحلة البكالوريوس في بارنارد، ماجيار على توضيح آليات استخلاص الفلزات وتنظيمها في الكائنات الحية الدقيقة المهمة بيئيًّا، بما في ذلك البكتيريا الزَّرقاء البحرية «بروكلوروكوكس» Prochlorococcus.

عزيزتي أنجيلا

كان من دواعي سُرورنا أن نراكِ في عطلة نهاية الأسبوع الماضي! نحن سعداء جدًّا أنكِ استطعتِ زيارتنا في باسادينا بينما كنتِ في لوس أنجلوس لمشاهَدة مباراة فريق بادريس في ستاد دودجر. (سمِعنا أنها كانت مُباراة مُثيرة للغاية!) نأمُل أنَّ رحلتك للعودة إلى جامعة كاليفورنيا في سان دييجو كانت هادئة، وأنَّ حركة المرور على الطريق السريع ٥ لم تكن سيئة للدرجة. (كل هذه السيارات، وحرْق البنزين، وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الجو … يجب أن يكون هناك طريق أفضل!)

لقد فكَّرنا كثيرًا هذا الأسبوع في الأسئلة التي طرحتِها علينا مساء السبت. لقد أعربتِ عن استيائكِ من الوضع الحالي للبيئة والمناخ العالَمي المتغيِّر، والقلق بشأن الاعتماد البشري على الطاقة الأحفورية. سألت؛ ماذا يُمكن لشابٍّ أن يفعل حيال ذلك؟

وجوابنا هو: الكيمياء! اسمحي لنا أن نُفسِّر.

لكي تضعي نفسك في الإطار العقلاني السليم، خُذي نُزهةً على الأقدام نُزولًا من التلِّ من عند الحرَم الجامعي الرئيسي لجامعة كاليفورنيا في سان دييجو في لا جولا، وصولًا إلى الشاطئ. سِيري على رصيف شاطئ سكريبس، أو عبْرَ الشاطئ وتطلَّعي نحوَ الأفُق وراء القوارب الشِّراعية وراكِبي الأمواج، وسوف تَرَين مساحةً شاسعةً من الماء، الذي يُغطِّي ٧١٪ من سطح الأرض. إنَّ السِّمة الوحيدة الأكثر بُروزًا للأرض من الفضاء هي المحيط العالَمي، والذي يحوي ٩٧٪ من مياه الأرض، و٩٥٪ منها غير مُستكشَفة.

من اللافت للنظَر أن إحدى الطُّرق لمعرفة المزيد عن الحياة في المحيطات هي من الفضاء. فمن فوق الأرض عاليًا، يُمكن لأقمار التصوير الصناعية في وكالة ناسا أن تكشف عن امتصاص اللون الأخضر المميَّز، والانبعاث الضوئي البرتقالي الأحمر للكلوروفيل. والكلوروفيل هو الجُزيء الذي يُعطي النباتات الخضراء لونها، ويستخدمه النباتُ لتصيُّد الطاقة من أشعة الشمس، ونقل الإلكترونات عبر الخلية (شكل ١٧-١). فمن خلال النظر إلى لون المحيط، يُمكن للعُلَماء الذين يستخدمون هذه الأقمار الصناعية تتبُّع تكاثُر العوالِق النباتية المضيئة في جميع أنحاء العالَم، ويُمكنهم ربْط حدوث هذا التكاثُر بالعوامل البيئية والظروف.
fig121
شكل ١٧-١: الكلوروفيل، الصبغة الخضراء في النبات، الذي يحتوي على الماغنسيوم.

والآن، من الرصيف أو الشاطئ، انظُري إلى الماء عند قدَميك عن كثَب. قد تبدو المياه صافيةً، ولكنها موطن لملايين من الكائنات الحيَّةِ الدقيقة. في المياه السطحية، تتكوَّن العديد من هذه الكائنات الدقيقة بالتمثيل الضوئي، باستخدام ضوء الشمس كمصدرٍ رئيسي للطاقة. بل إن العوالق النباتية البحرية تُمثِّل حوالي ٥٠٪ من جميع عمليات التمثيل الضوئي على الأرض. والمثير للدهشة أنه على الرغم من أنها تلعب مثل هذا الدور الحاسم في دَورة الكربون العالمية، فما زِلنا لا نعرِف جميع اللاعبين في هذا المجتمع الميكروبي؛ وبالتأكيد لا نعرِف كلَّ التفاصيل حول أسلوب مَعيشتها.

من أكثر العوالِق النباتية البحرية وفرةً هو ميكروب مُتناهي الصِّغر يُدعى «بروكلوروكوكس». قبل عشرين سنة، لم يكن أحدٌ يَعرِف حتى بوجود اﻟ «بروكلوروكوكس»، حتى اكتشفتْه بيني تشيشولم وفريقها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. والآن، نحن نعلم أن اﻟ «بروكلوروكوكس» مسئول عن حوالي خُمس عملية التمثيل الضوئي العالَمي. إنها ببساطة كائنات مُذهلة! وباستخدام الأدوات الحديثة في عِلم المحيطات، وعلم الجينوم، والكيمياء التحليلية، نتعرَّف على الكثير بشأن ما يحتاجه اﻟ «بروكلوروكوكس» وغيره من العوالق النباتية البحرية للنموِّ والازدهار. ومن تلك المتطلَّبات الرئيسية الحصول على الفلزات الانتقالية، مثل الحديد والكوبالت.

(١) الفلزات، والميكروبات البحرية، والمناخ

إنَّ تركيزات مُعظم الفلزات الانتقالية في المحيطات السطحية مُنخفضة على نحوٍ ملحوظ؛ لذا فإنَّ معرفة كيفية اكتساب الكائنات الدقيقة للفلزات التي تحتاج إليها يُشكِّل تحدِّيًا مُهمًّا لعلماء الكيمياء الحيوية غير العضوية. وقد ركَّزَت الكثير من الأبحاث حتى الآن على الحديد، وهو ليس أمرًا مُستغرَبًا. فالحديد مُكوِّن أساسي للكثير من البروتينات الفلزية، ويُستخدَم في نقل الإلكترونات والتنفُّس. كما أنه عنصر أساسي لإنزيمات الهيدروجينيز، وهي البروتينات التي تُحفِّز عملية فصل الهيدروجين إلى بروتونات وإلكترونات (وسنَذكر المزيد عن ذلك لاحقًا). إن الحديد مُهمٌّ لمجموعة كبيرة من العمليات البيولوجية، ولكن لا يُوجَد الكثير مِن الحديد في غالبية أجزاء المحيطات السطحية. فتركيزات الحديد تقَعُ في نطاق النانو مولار؛ بالمقارنة بالميكرو مولار والملِّي مولار لتركيزات النيتروجين والكربون. في الواقِع، إنَّ الحديد مادَّة غذائية مُفيدة في العديد من أجزاء المحيط؛ فإضافته تؤدِّي إلى نموِّ المزيد من العوالق النباتية. وشأنها شأن النباتات الخضراء على الأرض، تمتصُّ العوالق النباتية الطاقة من أشعَّة الشمس لتحويل غاز ثاني أكسيد الكربون والماء إلى أكسجين وكربوهيدرات، والتي يُمكن للنبات استخدامها بعد ذلك كوقود (في التنفُّس).

وقد أُشير إلى أن إحدى الطرق لاحتجاز الكميات الكبيرة من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري هي تسميد المحيطات بالحديد، مِمَّا يتسبَّب في انتِشار وتكاثُر العوالق النباتية. في السيناريو المِثالي لعزْل الكربون على المدى الطويل، ستغرَق هذه العوالق في قاع المحيط، فتُزيل ثاني أكسيد الكربون المستخلَص من دورة الكربون النشيطة. وقد أُجرِيَت تجارب واسِعة النطاق، شملت رحلات مُتعدِّدة لسفن أبحاث المحيطات وعشرات من عُلَماء المحيطات، لاختبار هذا المخطَّط في البحر، وتبيَّن أن إغراق أطنان الحديد في المحيط يؤدِّي بالفعل إلى تكاثُر العوالق النباتية على نحوٍ كبير بما يكفي لمشاهدته من الفضاء بواسطة أقمار مُراقبة الكلوروفيل. لكن فيما يتعلَّق باحتجاز الكربون، فقد أخفقَت هذه الخطة؛ إذ إنَّ زهرة العوالق النباتية قصيرة العمر، وتعيش فقط حتى يتمَّ استهلاك الحديد. علاوة على ذلك، لا تُزال العوالق النباتية من دورة الكربون؛ إذ تَتغذَّى عليها العوالق الحيوانية والحيوانات الكبيرة على الفور، ويُعاد الكربون المخزَّن مُؤقَّتًا إلى الغلاف الجوي.

ولكن ما تؤكِّد عليه هذه الدراسة هو: (١) مدى أهمية الفلزات النادرة مثل الحديد في بيولوجيا البيئة البحرية. (٢) مدى محدودية معرفتنا بالكيمياء البيولوجية غير العُضوية لهذه المحيطات وكذلك ظروفها البيئية. فثَمَّة الكثير من الأمور على الكيميائي الشاب التعامُل معها!

أنجيلا، لقد كانت دراسة قام بها أحد الكيميائيِّين في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، هي التي قدَّمت البيانات التي أظهرت أن مُستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي آخِذة في الارتفاع. في عام ١٩٥٨، بدأ تشارلز ديفيد كيلينج، وهو عالم في معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، في قياس تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء فوق القطب الجنوبي وفوق مونا لوا، في هاواي. وقد أجبرَتْه التخفيضات في الميزانية على وقْفِ قياسات القطب الجنوبي بعد بِضع سنوات، بينما استمرَّت القياسات في مونا لوا حتى يومِنا هذا. تُظهِر هذه البيانات بوضوح أن تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي آخِذ في الارتفاع، عامًا تلوَ الآخر. ويتَّضِح من خلال مُقارنة مع بيانات من فقاعات الهواء المحتبِسة في قلب الجليد أن مُستويات ثاني أكسيد الكربون لا تَرتفِع بسرعة فحسْب، بل إنها أيضًا أعلى بكثير مما كانت عليه في أي وقتٍ خلال اﻟ ٨٠٠ ألف سنة الماضية، وأن ثَمَّة ارتباطًا وثيقًا بين تركيز ثاني أكسيد الكربون والحرارة في الغلاف الجوي. لقد كان حرْق الوقود الأحفوري ذا تأثير هائل على البيئة العالمية.

حصل كيلينج على درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية من جامعة نورث ويسترن، ثم عمِل باحثًا بعد الدكتوراه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في العلوم الجيولوجية. وقد تمكَّن في معهد كاليفورنيا، ثم في سكريبس فيما بعد، من دمج خلفيته في الكيمياء مع حُبِّه للانطلاق والبحث الخارجي، مُبتكرًا أدواتٍ لإجراء هذه القياسات الكيميائية البيئية الشديدة الأهمية. وعلى غِرار كيلينج، عملتْ أجيال من المتخصِّصين في الكيمياء التحليلية وعلم المحيطات بِجدٍّ لتطوير أساليب بارعة لتحديد تركيزات الفلزات البحرية. ولا يزال المزيد والمزيد من البيانات الجيدة يُجمَع. والوقت الآن مُثير، يا أنجيلا، لتتخصَّصي في الكيمياء الحيوية غير العُضوية البحرية؛ إذ صار بالإمكان الآن الإجابة عن أسئلة لم يكُن لها إجابة في السابق. فمن الممكِن قياس تركيزات المعادن في البحر وربط تلك المستويات بالمجتمعات الميكروبية التي رُصِدت هناك. ومن خلال استخدام الملاحظات التي رصدَها علماء المحيطات على المستوى الميداني والمعمَلي، يُمكِن الآن للكيميائي الحيوي غير العُضوي أن يبدأ في استقصاء الآليات الجُزيئية لامتصاص الأيون الفلزي.

هذا هو نوع العمل البحثي الجاري في مُختبَر ماجيار في كلية بارنارد. لقد استخدمنا تسلسُل الجينوم ﻟﻠ «بروكلوروكوكس» لتحديد البروتينات التي نتوقَّع أنها تُساهم في تنظيم عملية امتصاص الفلزات أو نقلها، مثل الكوبالت. ويَستخدِم فريق من الطلاب الجامعيِّين المَوهوبين تقنيات الأحياء الجُزيئية القياسية لصُنع كميات كبيرة من هذه البروتينات، والتوصُّل إلى طُرق لتنقيتِها، واستخدام مجموعةٍ مُتنوِّعة من التقنيات التحليلية والطَّيفية لدراسة ربط الفلزات. وبالتعاون مع ماك سايتو ومجموعته في معهد وودز هول لعلوم المحيطات، يُمكنُنا ربط دراستنا للتفاعُلات الفردية بين الفلز والبروتين والدراسات التي أُجرِيَت على اﻟ «بروكلوروكوكس» التي نمَتْ في المختبر في ظروفٍ بيئية مختلفة والدراسات الميدانية على الفلزات والميكروبات في البحر.

يُمكن أن تُساعدنا دراسة الكيمياء الحيوية غير العضوية للمحيطات في فهم تأثيرات تغيُّر المناخ على النُّظم البيئية، وربما تُساعدنا أيضًا في معرفة ما يجِب أن نفعله مع كل هذا الفائض لدَينا من ثاني أكسيد الكربون. وتُوجَد الكثير من الاكتشافات الأساسية التي لا يزال يَتعيَّن إجراؤها، والأدوات الجديدة في علم الجينوم والميكروبيولوجيا الجُزيئية من شأنها أن تُثير العديد من المشكلات الكيميائية المثيرة لدراستها!

(١-١) الطاقة

ثَمَّة جانب آخر لمشكلة المناخ التي يُفكِّر فيها الكيميائيون، يا أنجيلا، وهو كيف يُمكننا استبدال الوقود الأحفوري كمَصدرٍ رئيسي للطاقة في العالم.

أحد الاحتمالات هو الطاقة النووية. عندما قُدْتِ سيارتكِ إلى الطريق السريع ٥ في نهاية الأسبوع الماضي، عائدةً إلى سان دييجو من لوس أنجلوس، مررتِ بمحطة سان أونوفري للطاقة النووية. يُنتِج مُولِّدا سان أونوفري ١٫١ مليار واط من الطاقة؛ أيْ ١٫١ جيجاواط، وهو ما يَكفي لتوفير الكهرباء ﻟ ٢٫٨ مليون أسرة. في عام ٢٠٠١، استخدم العالَم ما يَقرُب من ١٤ تريليون واط. وقد أشار صديقنا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، نيت لويس، إلى أن تثبيت مُستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سيتطلَّب إنتاج أكثر من ١٠ تريليون واط «إضافية» من الطاقة المحايدة للكربون من الآن وحتى عام ٢٠٥٠. ولاستخدام الطاقة النووية لتوليد ١٠ تريليون واط إضافية، نحتاج إلى بناء مُفاعِل نووي جديد بحجم واحدٍ من مُولدَيْ سان أونوفري كلَّ يومٍ على مدى الخمسين عامًا القادمة! ربما كانت الطاقة النووية جُزءًا مُهمًّا من استراتيجية الطاقة الشاملة، يا أنجيلا، ولكنها لا تستطيع وحدَها حلَّ مشكلات الطاقة لدَينا. كذلك الحال بالنسبة إلى الرياح، والطاقة المائية، والوقود الحيوي، على الرغم من أنها جميعًا تستحقُّ الدراسة. فحجم المشكلة ببساطة كبير جدًّا.

إنَّ المورد الوحيد الذي لدَينا ويُمكنه، من حيث المبدأ، تلبية جميع احتياجاتنا هو الطاقة الشمسية؛ فما يَستهلِكه العالم كله على مدار العام يُعادل قدر الطاقة الشمسية التي تَسقُط على الأرض في ساعة! فإذا تمكَّنَّا من إيجاد طريقة لتسخير تلك الطاقة — بتكلفة زهيدة، وكفاءة، وعلى نطاق واسع للغاية — يُمكِننا حينئذٍ حلُّ أزمة الطاقة المتزايدة لدينا. ونأمُل أن يساعد ذلك في تحسين أزمة المناخ أيضًا.

نحن نَعرِف كيف نُولِّد الكهرباء من أشعة الشمس، ويُمكِنُنا القيام بذلك على نحوٍ فعَّال للغاية بواسطة ألواح السليكون الشمسية، وهي عبارة عن نُسَخ أكبر من الخلية الشمسية على آلتك الحاسِبة. يَعمل الكيميائيُّون (ومن بينهم عَمُّك في جامعة ولاية بورتلاند، كارل وامسر) وعلماء آخَرون بِجِدٍّ على تطوير أنواع جديدة من الخلايا الشمسية المستحثَّة بالصبغة لإنتاج الكهرباء، والتي قد تكون أرخصَ في إنتاجها واستخدامها.

هذه جهود مُهمَّة، ولكنها وحدَها ليست كافية. إحدى المشكلات المتعلِّقة بإنتاج الطاقة الشمسية، يا أنجيلا، أنَّ الأماكن الملائمة جُغرافيًّا لجمع الطاقة من الشمس (أو الرياح، فيما يتعلَّق بهذه المسألة) بعيدة عن التجمُّعات السكانية. فجمْعُ أشعة الشمس وتوليد الكهرباء في وسط وايومنج قد يُولِّد الكثير من الكهرباء، ولكن لا يُوجَد أحد هناك لاستخدامها! وبناء خطوط نقْل من وايومنج أو أريزونا لنقْل تلك الكهرباء إلى المراكز الحضرية الرئيسية سيكون مُكلِّفًا للغاية. فمن أجل استبدال الطاقة الأحفورية على نطاقٍ واسع، سيكون من الضروري تحويل ضوء الشمس إلى وقودٍ كيماوي، وليس فقط إلى كهرباء، وبعد ذلك يُمكن نقل أنواع الوقود هذه حيثما تكون هناك حاجة إليها واستخدامها، سواء أكانت الشمس مُشرِقة أم لا!

وبالرغم من كلِّ شيء، فهذا ما تفعله الطبيعة بالفعل! عُودي بذاكرتك إلى العوالق النباتية في المياه قُبالة رصيف شاطئ سكريبس … أو في نباتاتك المنزلية، أو الأشجار في الفناء الخلفي بمنزلك. تقوم الصبغات الخضراء (الكلوروفيل) في أوراق هذه النباتات، أو في العوالق النباتية، بجمع الطاقة من أشعة الشمس ونقلها إلى مجموعة كبيرة من البروتينات المعروفة باسم النظام الضوئي الثاني (شكل ١٧-٢). في النظام الضوئي الثاني، يُحفِّز المعقَّد المولِّد للأكسجين التفاعُل التالي:
fig122
شكل ١٧-٢: (أ) بنية النظام الضوئي الثاني بدرجة وضوح ٣٫٥ أنجستروم، كما حدَّدَه التصوير البلوري بالأشعة السينية (المصدر: كيه إن فيريرا، تي إم انفرسون، كيه مالوي، جيه باربر، إس إيواتا: بنية المركز الضوئي المولد للأكسجين. دورية ساينس، العدد ٣٠٣، عام ٢٠٠٤، ١٨٣١–١٨٣٨ (بنك بيانات البروتين: 1S5L)). المُعقَّد المُولِّد للأكسجين مُحاط باللون الأسود. (ب) نظرة أقرب إلى المعقَّد المولِّد للأكسجين، والذي يتكوَّن من ذرَّات المنجنيز والكالسيوم والأكسجين، مُرتَّبة في شكلٍ شِبهِ مُكعَّب.

بعد ذلك تَستخدِم النباتات البروتونات والإلكترونات التي نتجَتْ في هذا التفاعُل لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كربوهيدرات. بعبارةٍ أخرى، تُحوِّل النباتات الطاقة المستمدَّة من ضوء الشمس إلى وقودٍ كيميائي.

وللكيميائي هدف مُشابه، أَلَا وهو: استخدام ضوء الشمس لفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين لإنتاج الوقود. ومع ذلك، وعلى عكس النباتات، فإننا نُفضِّل أن نجعل جُزيئات الأكسجين والهيدروجين نواتِج لتفاعُلاتنا بدلًا من البروتونات:

نحن لا نرغب فقط في الحصول على مُضاعَفات تصنيع الكربوهيدرات في عملية إنتاجنا للوقود، بل نُفضِّل أيضًا أن ننتهيَ بوقودٍ لن يُنتِج ثاني أكسيد الكربون عند حرقِه. إنَّ حرْق جُزيء الهيدروجين في الهواء لإطلاق الطاقة هو ببساطةٍ العمَلية العكسية لتفاعُل فصل الماء؛ ومن ثَمَّ يكون الناتج الوحيد هو الماء النقي. (من الناحية العملية، من المرجَّح أن يتأكسَدَ جُزيء الهيدروجين الذي نُنتِجه في تفاعُل فصل الماء في خلية وقود عمَّا لو تمَّ حرقُه فِعليًّا؛ لكن في كِلتا الحالَتَين، فالماء هو ناتج الفضلات الوحيد!)

إذن ما التحديات؟ حسنًا، على الرغم من أننا نعرِف الآن الكثير عن آلية عمل التمثيل الضوئي، فلا يزال هناك الكثير مِمَّا لا نفهمه حول الآليات الجُزيئية لفصل الماء بيولوجيًّا. المشكلة الأخرى مع فصل الماء بيولوجيًّا هي أنَّ كُلًّا من الأوراق والعوالق لها دَورات حياة قصيرة جدًّا؛ ومن ثَمَّ يُدمَّر جهاز التمثيل الضوئي ويُعاد بناؤه عدَّة مرَّات في اليوم … وهذا بالتأكيد شيء غير عملي لخليةٍ شمسية لسيارتك أو منزلك! ثَمَّة مُعضِلة أخرى هي تكلفة المواد الخام وتوافُرها. إذا أرَدْنا استبدال الوقود الشمسي بالوقود الأحفوري، فإن النطاق الذي يجِب علينا العمل عليه هائل! فالخلايا الشمسية المصنوعة من مواد نادِرة أو مُكلِّفة للغاية لن تحلَّ المشكلة العالمية، بغضِّ النظر عن مدى دِقَّةِ تصميمها أو مدى نجاحها. فالخلايا الشمسية الناجِحة المفتِّتة للمياه يجِب أن تكون مُصنَّعة من مواد رخيصة ومُتوافِرة بسهولة بحيث يُمكن إنتاجها واستخدامها على نطاقاتٍ واسِعة.

(٢) مصادر الإلهام البيولوجية والكيمياء غير العضوية

تُعَد طريقةُ فصلِ الطبيعة للماء نقطةً جيدة للبدء. يُسمَّى الجُزء من الورقة الخضراء الذي يحدُث فيه التمثيل الضوئي البلاستيدات الخضراء. تبدو هذه البلاستيدات الخضراء أشبَهَ بالبكتيريا الزَّرقاء، مِثل اﻟ «بروكلوروكوكس»، وتقوم بالوظيفة نفسها؛ أَلَا وهي تحويل الطاقة من ضوء الشمس إلى وقود للخلية (ثمَّة بعض الأدِلَّة على أن البلاستيدات الخضراء قد تطوَّرَت مباشَرةً من البكتيريا الزرقاء).

في عام ١٩٨٥، قام إيلي جرينبوم في مُختبَر أوك ريدج الوطني في تينيسي بتغطية البلاستيدات الخضراء بالبلاتين. ومن المعروف منذُ أكثر من ٢٠٠ عام أنه يُمكِن استخدام البلاتين لفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين؛ ففي عام ١٨٠٠، أعلن الكيميائيان البريطانيان ويليام نيكلسون وأنطوني كارلايل عن فصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين عن طريق التحليل الكهربائي، وذلك باستخدام الاختراع الجديد لأليساندرو فولتا، العمود الفلطائي. باستخدام البلاستيدات الخضراء المغطَّاة بالبلاتين، استطاع جرينبوم لأول مرة فصْلَ الماء بالطاقة المستمدَّة من أشعَّة الشمس، دون تحويل الطاقة الشمسية إلى الكهرباء أولًا. المشكلة في نظام جرينبوم هي المكوِّن البيولوجي؛ إذ تتحلَّل البلاستيدات الخضراء بسرعة كبيرة في ظلِّ الظروف القاسية لهذه التفاعُلات. وأوراق الشجر، كما ذكَرْنا من قبل، لديها ميزة إصلاح ذاتي لبنائها. وعند فصلها عن نبات ينمو، لا تستطيع البلاستيدات الخضراء إصلاح أنفسها وتتحوَّل سريعًا إلى طين.

من الممكن إنشاء خليةِ فصلٍ فعَّالة حقًّا لمكونات الماء لا يُستعان فيها بأيٍّ من أجزاء ورَقة النبات، وهو ما قام به جون تيرنر والكيميائيون والمهندسون في المختبَر الوطني للطاقة المتجدِّدة؛ إذ تَستخدِم خليتهم أشباهَ مُوصِّلات زرنيخيد الجاليوم (الذي يمتصُّ الضوء الضارِب إلى الحُمْرة) وفوسفيد الجاليوم والإنديوم (الذي يمتصُّ الضوء الضارِب إلى الزُّرْقة)، وبواسطة هاتين المادتين، يُمكنهم استخدام مُعظم الطاقة الشمسية التي تسقُط على الخلية، ولا يَضيع الكثير منها كنفايات. ويَنقسِم الماء بواسطة حفَّاز بلاتيني؛ وهو يعمل على نحوٍ رائع، إلى جانب فاعليتِه المذهِلة!

ثمَّةَ ثلاث مشكلات تتعلَّق بهذه الخلية؛ أولًا: تكلفتُها الباهظة؛ إذ يُكلِّف تصنيعُها أكثرَ من ١٠٠٠٠ دولار لكلِّ سنتيمتر مُربع. ثانيًا: أنها تَستخدِم البلاتين، ولا يُوجَد ما يكفي من البلاتين على الأرض للعمل على النِّطاق الذي نحتاج إليه، وهي مشكلة أيضًا بالنسبة إلى نُظم جرينبوم ونيكلسون وكارلايل. وأخيرًا: فإن خلية المختبَر الوطني للطاقة المتجدِّدة غيرُ صديقةٍ للبيئة تمامًا؛ بالنظر إلى كون الزرنيخ مادة سامَّة للغاية. يجِب أن نفعل ما هو أفضل!

إنَّ ما تعلَّمه الكيميائيون من هذه الدراسات وغيرها الكثير هو تحويل انتباههم إلى العناصر التي تستخدمها الطبيعة، مثل: المنجنيز، والحديد، والنيكل، والكوبالت. فالمركب المولِّد للأكسجين في عملية التمثيل الضوئي هو عبارة عن مجموعةٍ من ذرَّات المَنجنيز (والأكسجين والكالسيوم). كما تحتوي جميع بروتينات الهيدروجينيز المعروفة، والمذكورة سابقًا، على الحديد، وبعضها يحتوي أيضًا على النيكل (شكل ١٧-٣). وهذه الفلزات مُتوافِرة في الأرض، وأكثر صداقةً للبيئة من الزرنيخ أو البلاتين.

إنَّ تطوير أنظمة حفَّازة جديدة وقوية تعمل بالطاقة الشمسية لفصل الماء باستخدام موادَّ موجودة بوفرةٍ في الأرض يُعدُّ — وسيظلُّ — واحدًا من أكبر التحدِّيات التي تُواجِه الكيمياء في القرن الحادي والعشرين. لا يزال هناك الكثير للقيام به!

fig123
شكل ١٧-٣: المواقع النَّشِطة في كلِّ بروتينات الهيدروجينيز المعروفة تَحتوي على الحديد، والكثير منها يحتوي على النيكل أيضًا.

(٢-١) إمداد الكوكب بالطاقة

نحنُ سُعداء أنه قد أُتيحت لكِ الفُرصة لمشاهدة بعض أعمال الخطوط الأمامية في هذا المجال في زيارتكِ الأخيرة إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. تتنامى قوة برنامج أبحاث الطاقة الشمسية «لإمداد الكوكب بالطاقة» التابِع لمركز الابتكار الكيميائي، والذي يضمُّ معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والعديد من المؤسَّسات الأخرى، ويبذُل الكثير من العاملين في هذا البرنامج جهدًا كبيرًا في مجال العلوم الأساسية التي تهدُف إلى تطويرِ جهازٍ لفصل الماء يعمل بالمِقياس النانوي. يحتاج أي جهاز لفصل الماء إلى طريقة لجمع أشعة الشمس، كما يحتاج إلى جُزأين حَفزِيَّين؛ أحدُهما لإنتاج الهيدروجين، والآخَر لإنتاج الأكسجين. يجب فصل هذه الأجزاء الحفَّازة بعضها عن بعض في المكان، ربما عن طريق غِشاء كما هي الحال في البلاستيدات، بحيث لا يَتَّحِد الهيدروجين والأكسجين معًا من جديد على نحوٍ انفجاري! تعمل مجموعة نيت لويس في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا جاهدةً على تطوير موادَّ جديدة للغِشاء الفاصل بين الجانِبَين التحفيزيَّين للخلية وجهاز تجميع الضوء، وستكون قُضبان السليكون النانوية مُدمجة في الغشاء لجمع أشعَّة الشمس، وتَبرُز القضبان النانوية من كلا جانِبي الغِشاء، وستكون مُغلَّفة بحفَّازَيْن مُختلفَين. سيحتوي أحد جانبي الغِشاء على قُضبان نانوية ماصَّة للضوء الأزرق للتفاعُل مع عامل حفَّاز مُولِّد للأكسجين، وعندما يَنقسِم الماء ليُطلق الأكسجين، تتولَّد البروتونات والإلكترونات. أما الجانب الآخَر من الغشاء، فسوف يمتصُّ الضوء الأحمر، وسيجمع عاملٌ حفَّاز ثانٍ بين هذه البروتونات والإلكترونات لإنتاج جُزيء الهيدروجين.

(٢-٢) صُنع الهيدروجين

تُحرِز جيليان ديمبسي، وهي طالبة دراسات عُليا في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، تقدُّمًا رائعًا في هذا المجال. كما ناقشْنا في وقتٍ سابق، نحن نُريد استخدام مواد مُتوافِرة في الأرض، ولا نرغب في تحلُّل مواد حيوية مِثل البروتينات أو البلاستيدات الخضراء؛ فمُجرَّد مُحاكاة المراكز الفلزية في المواقع النشطة للبروتين هو شيء غير مُجدٍ؛ فالأنظمة البيولوجية، فيما يتعلَّق بالنشاط، لا تَعتمِد على وجود الفلزات فحسْب، بل تعتمد أيضًا على بقية البروتين المحيط بها.

طُوِّر الجُزيء الذي تدرُسُه جيليان في الأصل بواسطة «جيم إسبينسون» في ولاية أيوا في ثمانينيات القرن العشرين، وتمَّ تحسينُه على يدِ «زايل هو» عندما كان يُجري أبحاث ما بعد الدكتوراه مع جوناس بيترز في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (وقد أصبح زايل الآن أستاذًا مُساعدًا في مدرسة التكنولوجيا المتعدِّدة بمدينة لوزان السويسرية). تعمل جيليان بجهدٍ جهيدٍ لتوضيح آلية إنتاج الهيدروجين عن طريق هذا الجُزيء، الذي يَحوي ذرَّة الكوبالت كمركزٍ له. وتتعلَّم من خلال تجارب تثبيط وَمِيض الليزر (الطريقة التي ابتكرَها جاي وينكلر في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا) ما إذا كان من الضروري أن يكون هناك مُعقَّدان من الكوبالت-الهيدريد يَصطدِمان لإطلاق جُزيء الهيدروجين، أو ما إذا كان بروتون واحدٌ يُمكنُه إزالة الهيدريد من مُعقَّد واحد من الكوبالت؛ هيدريد. والسؤال هو: هل تعمل ذرات الكوبالت بمُفردِها أم يَجِب أن تعمل في أزواج؟ إذا كانت تعمل في أزواج، فإن نظام الكوبالت الثُّنائي النواة المَربوط مثل النظام الذي قامت بتركيبه الطالبة كارولين فالديز من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، من شأنه أن يُساعِد على زيادة مُعدَّل التفاعُل. (ربما ستُتاح لك فُرصة للالتقاء بكارولين خلال زيارتك القادِمة، ويُمكنها إخبارك بالمزيد عمَّا تُحرِزه من تقدُّم!)

(٢-٣) صُنع الأكسجين

يُوجَد ما هو أصعب من الجانب المولِّد للهيدروجين في الخلية، وهو العامِل الحفَّاز المولِّد للأكسجين، الذي يعمل عليه الكيميائيان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ دان نوسيرا، وكيت كومينز. يتمثَّل أحد التحدِّيات في هذا الشأن في ضرورة إزالة أربعة إلكترونات وأربعة بروتونات من جُزيئَي ماء لإنتاج جُزيء الأكسجين. وهذا أمر شديد الصعوبة! تُجري الطبيعة هذا التفاعُل باستخدام فلزات مُتعدِّدة؛ فالمعقَّد المولِّد للأكسجين في النظام الضوئي الثاني يَحتوي على أربع ذرَّات من المنجنيز وذرَّة من الكالسيوم؛ لذا فإزالة أربعة إلكترونات من جُزيئي ماء باستخدام أربعة أيونات فلزية (بواقع إلكترون واحد لكلِّ فلز) أسهل بكثيرٍ من استخلاص الأربعة من فلزٍّ واحد!

والخبر السارُّ هو أن ثَمَّة تقدُّمًا قد أُحرِز في برنامج أبحاث الطاقة الشمسية. وقد أعلنت مجموعة دان نوسيرا مؤخرًا عن مادة حفَّازة غير عُضوية واعدة للغاية تَعتمِد على الكوبالت، ويَعمل فريقه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا حاليًّا جاهدًا لاكتشاف كيفية عملها. وفي معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، يتَّخِذ طالب الدراسات العُليا كايل لانكستر منهجًا من المحاكاة الحيوية، مُبتدِئًا بإنزيمٍ معروف بتحفيزه اختزال الإلكترونات الأربعة في جُزيء الأكسجين. وبما أن المواد الحفَّازة تعمل على تسريع مُعدَّلات التفاعُلات الأمامية والعكسية، يَعتقِد كايل أنه يُفترَض أن يكون بالإمكان توليد الأكسجين بدلًا من استهلاكه، من خلال بعض التعديل في نظام هذا الإنزيم. ويَكمُن التَّحدِّي في تعديل الإنزيم بحيث يعمل على جهد اختزال/أكسدة مُناسِب لأكسدة الماء. في الوقت نفسه، سيتعيَّن على كايل أن يَكتشِف المشتقَّات التي تُقلِّل من تحلُّل البروتين إلى أدنى حد. ما هو مؤكَّد هو أنه في هذه العملية، سيتعرَّف (ونتعرَّف نحن جميعًا) على الكثير عن أساسيات عمليات الاختزال والأكسدة المتعدِّدة الإلكترونات؛ الأمر الذي سيَسمح بتطويرِ موادَّ حفَّازةٍ أفضلَ لتوليد الأكسجين مع الوقت.

أنجيلا، نأمُل أن نكون قد استطعنا أن نُعطيَكِ لمحةً عن مشروعات البحوث الكيميائية المثيرة التي يُمكن تنفيذها في المجالات المتعلِّقة بالطاقة والمناخ. ثَمَّة الكثير لمعرفته، ويُمكنُكِ التأكُّد من أن الأبحاث الأساسية في هذه المجالات ستُقدِّم مُساهماتٍ هائلةً لصحة ورفاهية كوكبنا. آمُل أن تُفكِّري في الانضِمام إلينا في هذا الجهد!

مع أطيب التمنِّيات
جون وهاري

قراءات إضافية

  • Bertini, I.; Gray, H. B.; Stiefel, E. I.; Valentine, J. S. Biological Inorganic Chemistry: Structure and Reactivity, University Science Books, Sausalito, CA, 2007.
  • Butler, A. Acquisition and utilization of transition metal ions by marine organisms. Science 1998, 281, 207–210.
  • Chisholm, S. W. The cells that rule the seas. Scientific American 2003, 52–53.
  • Goodstein, D. L. Out of Gas: The End of the Age of Oil, W. W. Norton, New York, 2004.
  • Gray, H. B. Powering the planet with solar fuel. Nature Chemistry 2009, 1, 7.
  • Morel, F. M. M.; Price, N. G. The biogeochemical cycles of trace metals in the oceans. Science 2003, 300, 944–947.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤