قناع من أجل «أحمد»!

ضحك «أحمد» كثيرًا، وهو يقرأ اسم «ليتل مان»، أي الرجل الصغير، في تقرير رقم «صفر» … وعندما فرغ من قراءة التقرير … أخرج مظروفًا به عددٌ من الصور، أخذ يتأمَّلها وقد ارتسمَت ابتسامةٌ عريضة على وجهه … لقد كانت الصور لنفس الشخص … «ليتل مان» … لم يكن «أحمد» يضحك لاسم الرجل فقط، ولكن لوصف رقم «صفر» له أيضًا … وكانت الصور تؤكد ما وصفَه رقم «صفر» …

كان «ليتل مان» رجلًا صغيرًا فعلًا … ليس في السن، ولكن في الحجم. أما عمرُه فقد تجاوز الخمسين … وإن كان لا يظهر عليه … في نفس الوقت كانت ملامح الدهاء تظهر على وجهه بشكل واضح …

ظل «أحمد» يتأمل الصور، ويتصوَّر كيف يتحدَّث هذا الرجل، إن رقم «صفر» يقول في تقريره: إنه حادُّ الصوت، حتى يبدوَ وكأنه صبيٌّ صغير … بجوار أنه ينطق الكلماتِ ببطءٍ شديدٍ … وهو يتحدث الإنجليزية بلكنة أمريكية … شرد «أحمد» قليلًا، وأخذ يحاول أنه ينطق الكلمات كما ينطقها «ليتل مان» …

كان «أحمد» يجلس في معمل التجارب الخاص بالمقرِّ السري، ولم يكن أحدٌ موجودًا في هذه اللحظة … تساءل بينه وبين نفسه: لماذا أعطاني رقم «صفر» هذا التقرير؟! … وهل أعطى كلَّ واحد من الشياطين نسخةً منه؟ وهل هي عملية خاصة سوف أقوم بها وحدي أم أن هذه فقط مقدمة للمغامرة كلها؟ …

لم يَصِل «أحمد» إلى إجابة واحدة … مفيدة … عاد إلى التقرير مرة أخرى … يقرؤه … ثم عاد لصور «ليتل مان» … ومن جديد ارتسمَت ابتسامةٌ واسعة على وجهه … قال لنفسه: ترى مَن يُشبه «ليتل مان»؟ …

فكَّر قليلًا ثم ابتسم قائلًا: إنه يُشبه العصفور … ثم توقَّفَت أفكارُه … فقد دقَّ جرسٌ خفيف عدةَ دقات … عرَف منها أن رقم «صفر» يستدعيه لحضور الاجتماع …

غادر معمل التجارب بسرعة، وأخذ طريقَه إلى حيث قاعة الاجتماعات الصغرى … فقد فَهِم من دقِّ الجرس أن الاجتماعَ سوف يكون فيها … عندما وصل إلى الباب انفتح وحده … ثم امتلأ وجهُه بالدهشة … لقد كانت القاعة خالية تمامًا … قال لنفسه: هل فهمتُ خطأ، … أو أنها خدعةٌ من رقم «صفر»؟! …

غير أن صوت الزعيم تردَّد في القاعة الصغيرة يقول: نعم … الاجتماع الآن …

سكت لحظة ثم أضاف: إنه اجتماعٌ خاصٌّ بك وحدك، وسوف ينضمُّ إلينا بقيةُ الشياطين عندما يأتي الموعد المناسب! …

كانت هذه أول مرة يُعقَد فيها اجتماعٌ لواحد من الشياطين بمفرده، وكان الموقف يبدو غامضًا تمامًا … جاء صوت رقم «صفر» يقول: سوف أتغيَّب لعدة دقائق … فلا تكن قلقًا! …

جلس «أحمد» وقد ازداد غموضُ الموقف أمامه … قال لنفسه: ماذا يعني هذا …؟ وهل هي مغامرة غامضة أصلًا … أو أنها على جانب كبير من السرية، حتى إن الشياطين لا يعلمون عنها شيئًا … حتى هذه اللحظة … ثم فجأة، أُضيئَت شاشةٌ في صدر القاعة … وأُطفئت بقية الأضواء …

استعدَّ «أحمد» … فهذا يعني أنه سوف يشاهد شيئًا … قال في نفسه: لا بد أنه شيءٌ متعلقٌ بالرجل العصفور «ليتل مان» … وكان صحيحًا ما فكَّر فيه … فلم تمضِ لحظات حتى ظهر «ليتل مان» على الشاشة. كان تمامًا كما وصفه رقم «صفر» … كان الفيلم يصوِّر «ليتل مان» وهو يتحرك … وهو يتحدث … وهو يأكل … ظل «أحمد» يتأمله … بل إنه في بعض الأحيان … كان يقوم من مكانه، ويقلِّد حركاتِه … حتى إن صوت رقم «صفر» … تردَّد وهو يضحك قائلًا: إنني أرى «ليتل مان» فعلًا …

صمتَ رقم «صفر» لحظة، ثم أضاف: الآن … أعتقد أن المغامرةَ مضمونةُ النجاح مائة في المائة …

ابتسم «أحمد» وهو يستمع لكلمات الزعيم … فقال: سوف أعود حالًا! …

عاد «أحمد» إلى كرسيِّه وجلس … فجأة، انتهى فيلم «ليتل مان» … ثم ظهرَت خريطةٌ لوسط أوروبا … وتحدَّدَت «تشيكوسلوفاكيا»، و«ألمانيا» … وظهرَت مقاطعةُ «بافاريا» الألمانية، ثم غابة «بوهيميا» التي تقع على الحدود بين «تشيكوسلوفاكيا» و«ألمانيا» … وهي غابة كثيفة الأشجار … وفيها يرتفع جبل «أربر» إلى ١٤٥٨ مترًا كما أشارت الخريطة … ظل «أحمد» يَرقُب الخريطة وتفاصيلها، ثم قال في نفسه: لا بد أن المغامرة تدور في غابة «بوهيميا»؛ فهي مكان يَصلُح كثيرًا للمغامرات … كما أنها يمكن أن تكون مكانًا جيدًا للعصابات …

ظلَّت الخريطة ثابتة … و«أحمد» يحدِّد تبعًا لتفكيره، ماذا يمكن أن يحدث في النهاية؟ تردَّد صوتُ خطوات رقم «صفر» وهي تقترب … حتى توقَّفَت … ثم قال: إن مغامرتَنا تنقسم إلى جزأين … الجزء الأول سوف تقوم به وحدك … أما الجزء الثاني فسوف تشترك فيه مجموعةٌ من الشياطين …

سكت رقم «صفر»، ففكَّر «أحمد» بسرعة: إن هذا يعني أن الجزء الأول سوف يكون في غابة «بوهيميا»، أما الجزء الثاني فسوف يكون إما في «ألمانيا» وإما في «تشيكوسلوفاكيا» …

قطع تفكيرَه صوتُ رقم «صفر» يقول: إن اجتماعنا الآن هو نوعٌ من الحوار بيننا، وسوف لا يكون مجردَ معلومات، تنطلق بعدها لتنفيذ المغامرة … سواء أنت أو الشياطين …

صمت قليلًا، ثم قال: الآن … نبدأ الحوار …

سأل «أحمد»: لقد فكرتُ كثيرًا في عدم اشتراك الشياطين في المغامرة؟ …

ردَّ رقم «صفر»: كما ذكرت، سوف يشترك الشياطين في الجزء الثاني من المغامرة. أما الجزء الأول فسوف يتوقَّف عليك وحدك … إن المغامرة سوف تبدأ بعد عدة أيام … هذه الأيام سوف تقضيها في التدريب على شخصية «ليتل مان» …

ابتسم «أحمد» وهو يسأل: الآن، هل أستطيع أن أسأل: مَن هو «ليتل مان» هذا؟ …

مرَّت لحظة قبل أن يقول رقم «صفر»: هذه هي المغامرة …

صمتَ رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: لقد خطفَت عصابة «سادة العالم» العالِمَ العربيَّ «محمد بن علي»، وهو عالِمُ ذرَّة، توصَّل فيها لاكتشاف هام، قد يكون له تأثيرٌ خطيرٌ على الإنسانية كلها … وتبعًا لتقارير عملائنا فإن العالِمَ العربيَّ موجودٌ في مبنًى منعزلٍ خاصٍّ بالعصابة يقع في غابة «بوهيميا»، وهذا المبنى غيرُ معروف لأحدٍ، بجوار أن الحراسة عليه مشدَّدة …

توقَّف رقم «صفر» عن الكلام … وكأنه يُعطي فرصةً ﻟ «أحمد» حتى يفكر. مرَّت دقيقة، ثم قال: إن المبنى قد أصبح معروفًا لنا تمامًا … وقد صَوَّر عميلُنا في «ألمانيا» فيلمًا له … سوف أعرضه عليك الآن!

سكت رقم «صفر»، واختفَت الخريطة، ثم ظهرَت غابةُ «بوهيميا» … كانت الكاميرا تتحرَّك في بطء، حتى وصلَت إلى مبنًى يُشبه فيلَّا كبيرة … وقد أُحيطَت بحراسة مشدَّدة تظهر من عدد الحراس الذين يقفون حولها. جاء صوت رقم «صفر» يقول: طبعًا هناك أجهزة إنذار، وكاميرات سرية … وأشياء أخرى … وهذا يعني أن دخول المبنى صعبٌ للغاية …

صمتَ لحظة، ثم أضاف: غير أني أعرف الشياطين، لا يقف أمامهم شيء … فمهما كانت الاستحكامات قوية … فإن الشياطين قادرون على التغلُّب عليها …

سكت مرة أخرى ثم قال: إنَّ علينا أن نُنقذَ عالِمَنا العربيَّ «محمد بن علي» من يد عصابة «سادة العالم»؛ فلا أحدَ يعرف ماذا يمكن أن يفعلوه به …

من جديد، شمل الصمتُ القاعة، في نفس الوقت الذي كانت الكاميرا … لا تزال تتجول حول المبنى، جاء صوت الزعيم يقول: إن لدينا خريطةً بتفاصيل المبنى كاملًا … وكيف يمكن الدخول إليه … وهذه ليست المشكلة … إن المشكلة هي «ليتل مان» نفسه!

عندما صمت رقم «صفر» سأل «أحمد»: مَن هو «ليتل مان» إذن؟ …

قال رقم «صفر»: «ليتل مان» هو الرجل المسئول عن عالِمِنا العربيِّ «محمد بن علي» … فلا يستطيع أحدٌ أن يتعاملَ معه غير «ليتل مان»، وهو لا يخرج من المبنى إلا بأمر «ليتل مان»، باختصار شديد إن «ليتل مان» هو المسئول الوحيد عن «محمد بن علي»! …

شمل الصمتُ القاعةَ مرة أخرى … ففكَّر «أحمد»: إذن، فإن المطلوب هو خطف «محمد بن علي»، وسوف يخطفه «ليتل مان» نفسه …

قطع أفكارَ «أحمد» صوتُ رقم «صفر» يقول: هل فكَّرتَ في كلِّ شيء؟ …

ردَّ «أحمد» بسرعة: نعم أيها الزعيم … لقد عرفتُ كلَّ شيء … لكن تبقَى بعضُ التفاصيل …

سكت «أحمد» لحظة، وكان رقم «صفر» في انتظار ما سيقوله … سأل «أحمد»: لقد فكرتُ في الماكياج، وإن كانت هذه مسألة شائكة!

قال رقم «صفر» بسرعة: لا تشغلْ بالَكَ بأمر الماكياج … لأنك لن تستخدمَه!

ظهرَت الدهشةُ على وجه «أحمد» … وفكَّر بسرعة: إذا لم يستخدم الماكياج، فكيف يتصرف؟ …

قطع صوتُ رقم «صفر» ما يفكِّر فيه «أحمد» قائلًا: إن هناك قِناعًا يُعَدُّ الآن لتضعَه فوق وجهك حتى تكون صورةً طِبق الأصل من «ليتل مان» …!

لمعَت عينَا «أحمد»؛ فلم يكن قد فكَّر في هذه الفكرة … ولذلك قال بسرعة: إن هذه فكرة جيدة …

أضاف رقم «صفر»: منذ الصباح سوف تبدأ التدريبَ على شخصية «ليتل مان»، وعندما تكون مستعدًّا تمامًا … سوف تبدأ المغامرة! …

توقَّف رقم «صفر» قليلًا، ثم قال: حتى الآن، هل لديك أسئلة أخرى؟ …

مرَّت دقيقة قبل أن يقول «أحمد»: سوف أنتظر حتى ينتهيَ التدريب … وبعدها سوف أسأل ما يَجِدُّ لديَّ من أسئلة! …

قال الزعيم: إنني في الانتظار! …

سكت لحظة، ثم قال: الآن تستطيع الانصراف وكُن مستعدًّا لبداية التدريب غدًا! …

أخذ صوتُ أقدام رقم «صفر» يبتعد شيئًا فشيئًا، حتى تلاشى تمامًا … كانت الشاشة الإلكترونية قد أُطفئَت. وبدأَت القاعة الصغيرة تسبح في ضوء هادئ.

ظل «أحمد» في مكانه بعضَ الوقت يستعيدُ ما دار بينه وبين الزعيم … ويفكر في هذه المغامرة الجديدة المثيرة … ثم وقف في النهاية وانصرف إلى غرفته … كان يريد أن يقرأ عن غابة «بوهيميا»، وطبيعة الجو هناك، وما سوف يحتاجه في مغامرته الجديدة، التي أطلق عليها … «الرجل العصفور» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤