الخطوة الأخيرة بين النجاح والفشل!

كانت المسافة طويلة فعلًا بين نقطة التفتيش الثالثة ونقطة التفتيش الأخيرة … فكَّر «أحمد»: هل يُرسل رسالة إلى الشياطين ليكونوا أكثرَ قربًا من النقطة الأخيرة، حتى إذا حدث شيء يكون اشتراكُهم سهلًا!

أخذ يُقلب الفكرة في رأسه … وأخيرًا استقرَّ رأيُه على أن يُرسلَ لهم رسالةً شفرية، أخرج جهاز الإرسال، وبدأ يُرسل الرسالة التي كانت تقول: ««٨-٤٠٠-٦-٧-٢٠-٣٠٠» نقطة، «٥٠٠-٦٠٠» نقطة، «٨-٤٠٠-٦٠٠-٢٠٠-٧٥-٧٠٠» نقطة، «٧٠٠» نقطة، «٨-٤٠٠-٧٠٠» نقطة، «٨-٤٠٠-٦٠٠-٢٠٠-٧٥-٧٠٠» نقطة، «٢٠» نقطة، «١٣-١٥٠-٢٠-٨» انتهى …» وبعد دقيقة جاءه الردُّ الشفري يقول: ««١٥٠-٥٠-٤٠٠-٦» نقطة، «١٥٠-٦٠٠-١٣-١٥-٦» انتهى …»

كان العالِم ينظر إلى «أحمد» في دهشة، وهو يفعل كلَّ شيء في وقت واحد … لكنه لم ينطق بكلمة، كان يراقب تصرفاتِ «أحمد» فقط وكأنه يراقب مخلوقًا غريبًا … ولم يكن يبدأ الحديث مع «أحمد»، كان ينتظر حتى يبدأ «أحمد» الحديث، وحتى لا يقعَ خطأٌ ما بسببه … في نفس الوقت، كان «أحمد» مشغولًا، وقد ركَّز كلَّ انتباهِه في المسافة الباقية … فإذا انتهَت، انتهى كلُّ شيء، ونجحَت المغامرة … وإذا فَشِلت فقد تحطَّم كلُّ شيء … كانت عينَا «أحمد» لا تتوقَّفان عند نقطة معينة … فقد كان «أحمد» يراقب كلَّ الاتجاهات وهو الآن ليس مسئولًا عن نفسه فقط، ولكنه مسئول عن العالِم «محمد بن علي» أيضًا … وهو مسئول كذلك عن نجاح الشياطين في أيِّ مغامرة … فلم يحدث أن فَشِل الشياطين مرة واحدة …

فكَّر: هل اكتشف «بوفر» وجودَ قائده «ليتل مان»، إن ذلك لم يحدث حتى الآن؟ … عندما طرح هذا السؤال على نفسه، أخذ يبحث له عن إجابة … وكانت الإجابات متعددة … لكنه توقَّف عند إجابتَين: إذا كان «بوفر» لم يكتشف وجودَ «ليتل مان» في الدولاب … فإن كلَّ شيء يكون صحيحًا، وستنتهي المغامرة حسب الخطة المرسومة …

وإذا كان «بوفر» قد اكتشف وجودَ «ليتل مان»، فإن الدنيا سوف تنقلب رأسًا على عقب، وستخرج قوةٌ كبيرة من رجال العصابة يبحثون عنه الآن وعن «ليتل مان» المزيف، وسوف يتحول ليلُ الغابة إلى نهار، من أجل الوصول إلى العالِم العربي، الذي خرج من حراستهم، دون أن يعرفوا!

أخذ يُقلب الاحتمالَين في ذهنه ثم توقَّف فجأة عن التفكير … ركَّز عينَيه في أنحاء الغابة، كان الليلُ مظلمًا يُحيط بكل شيء. ولم يكن ضوءُ السيارة يُنير سوى الطريق أمامه … مرة أخرى تردَّد في خاطرِه احتمالٌ جديد: إذا كان «بوفر» قد اكتشف وجودَ «ليتل مان» في الدولاب فإنه سوف يُبلغ زعيمَ العصابة … وسوف يدور اتصالٌ سريع بنُقَط التفتيش، وسوف تكون الإجابة: أنه مرَّ من هنا … حتى تأتيَ النقطة الأخيرة، التي لم نَصِل إليها بعدُ … وسوف تبلغ إننا لم نَصِل … وهنا تكون النقطة الأخيرة هي النقطة الخطرة … ففيها يمكن أن يكون الكمين الذي ينتظره …

نظر إلى العالِم الصامت الجالس بجواره ثم همس: أَلسنا في حالة صعبة؟

ابتسم العالِم وهو يردُّ: أعتقد ذلك … وقد كنتُ أفكِّر فعلًا في موقفنا …

سكتَ لحظة ثم سأل: هل هناك نُقَط تفتيش أخرى؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: بقيَت واحدة، بعدها نكون في أمان!

سأل العالِم: وهل هذه النقطة بعيدة؟

ردَّ «أحمد»: نعم … بعضَ الشيء!

سكت العالم قليلًا، ثم قال: لقد فكرتُ في شتى الاحتمالات … وتوصَّلتُ إلى اقتراح …

نظر له «أحمد» نظرةً سريعة، ثم سأل: وما هو؟ …

اعتدل العالِم في جلسته، ثم قال: أن نترك السيارة قبل النقطة الأخيرة … ونحاول أن نخرجَ من الغابة وحدنا … دون أن نمرَّ على نقطة التفتيش …

ابتسم «أحمد» وردَّ: إن العصابة لن تتركَنا … وسوف تجدنا لا محالة … وعندها عشرات الأساليب للعثور علينا …

صمتَ العالِم لحظةً، كان يفكِّر هو الآخر، فهمَا الآن هدفُ العصابة. قال بعد قليل: إذن علينا ألَّا نقفَ في نقطة التفتيش!

ابتسم «أحمد» وردَّ: أنت ترى أن هناك حواجزَ حديدية لا تستطيع السيارة أن تحطِّمَها؛ ولذلك فلا بد من الوقوف، بالإضافة إلى أنه من الممكن ألَّا يكونوا قد اكتشفوا وجود «ليتل مان» الحقيقي. وفي هذه الحالة فإننا سوف نعرِّض أنفسنا للخطر … بدون داعٍ!

سأل العالِم بسرعة: ألَا يوجد طريق آخر غير هذا الطريق؟

ردَّ «أحمد»: لا أظن، ولو كان هناك طريقٌ لَعرفتُه، بجوار أنه لو كانت هناك طُرُقٌ أخرى فإن العصابة سوف تُغلقها أمامنا …

أخذ الاثنان يُقلبان كلَّ الاحتمالات، ولم يصلَا إلى حلٍّ واحد … في النهاية قال «أحمد»: إننا سوف نترك أنفسنا للظروف … وساعتَها سوف نتحرك تبعًا لما سوف يحدث!

فجأةً، لمَع في خاطر «أحمد» تفكيرٌ ما، نظر إلى العالِم العربي، ثم بدأ في تنفيذ ما خطر على باله … كان الخاطر هو إرسال رسالة شفرية إلى الشياطين. وبسرعة أرسل الرسالة التي كانت تقول: «عليكم بمعرفة الموقف في نقطة التفتيش … إن كانوا يعرفون، أو لا يعرفون.»

ثم أبطأَ من سرعة السيارة … وهو يقول لنفسه: إن هذه المسألة تحتاج لبعض الوقت حتى يعرفَ الشياطين ماذا يدور في نقطة التفتيش.

ثم فجأة، أوقفَ السيارةَ وأطفأ الأنوار … فلم يَعُد يرى شيئًا … همس العالم: ماذا حدث؟ …

ردَّ «أحمد»: لا شيء … إنني أُعطي لنفسي فرصةً للتفكير!

قال العالِم: لكننا قلبنا الأمر على كلِّ وجوهه … ولم يظهر شيءٌ جديد … بجوار أن ذلك يؤجل المواجهة مع نقطة التفتيش … وبذلك تُعطيهم فرصة، ويكون «بوفر» قد اكتشف وجودَ «ليتل مان» …

سكت لحظة ثم أضاف: إن الوقتَ عاملٌ هامٌّ الآن، ويجب ألَّا نضيعَ الوقت.

فكَّر «أحمد» قليلًا، ثم قال: إن هناك بعضَ الزملاء سوف يكتشفون الموقف. وعندما تَصِلنا أخبارُهم سوف نتصرَّف على ضَوئها!

ظهرَت الدهشةُ على وجه العالِم، ثم قال مترددًا: هل أفهم من ذلك أنكم عصابة أخرى …

ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا يا سيدي، نحن منظمة عربية تحمي الخبرات والمواهب العربية والمال العربي، ولَسْنا عصابةً كما تظن!

تردَّد العالِم قليلًا، ثم قال: إنني أعتذر، فقط كنت أحسبك وحدك!

ردَّ «أحمد»: لا بأس، إننا ننفِّذ خطة، ولا أستطيع وحدي أن أقوم بتنفيذِ الخطةِ كلِّها!

قال العالِم: هذا حقيقي …

سكت لحظةً، ثم سأل: هل أستطيع أن أعرفَ شيئًا عن هذه المنظمة التي لم أسمع عنها من قبل؟

ابتسم «أحمد» وقال: ربما تعرف بعدُ، غير أنَّ أحدًا لا يعرف منظمتَنا، وإلا فإن أعمالَنا كلَّها تتوقَّف … إننا نقدِّم أنفسَنا للجهات المسئولة إذا احتاج الأمر!

لم يتكلَّم العالِم … فقد صمتَ … بينما كان «أحمد» يفكِّر: هل توصَّل الشياطين لشيء؟ وهل يمكن أن يؤديَ بهم البحث إلى الصدام مع نقطة التفتيش؟ …

ظلَّ مستغرقًا في التفكير لحظة، ثم فجأة شعر أن جهاز الاستقبال يسجِّل رسالة … فعرَف أنه ردُّ الشياطين. كان الردُّ يقول: «لا يبدو شيءٌ مختلف في نقطة التفتيش؛ فكلُّ شيء هادئ منذ أن اقتربنا منها.»

ظل «أحمد» يفكِّر في ردِّ الشياطين. قال في نفسه: من الممكن أن تكون الأوامر في نقطة التفتيش أن يظلَّ كلُّ شيء كما هو … وعندما أَصِل إلى هناك يتم القبض عليَّ، أو حتى إطلاق الرصاص.

وهذا احتمالٌ كبير … فهم لا يحتاجون إلى مظاهرة تُعلن أن خدعةً كبرى قد حدثَت … وأن هناك «ليتل مان» مزيَّفًا!

ابتسم بينه وبين نفسه، ثم همس قائلًا: ينبغي أن نتقدَّم؛ لأن هذا هو الحل الأوحد والأمثل!

كان العالِم «محمد بن علي» قد سَمِع كلماتِ «أحمد»، فسأل: ماذا تعني؟ وهل وصلَتْك رسالةٌ من الزملاء؟ …

نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: نعم، وصلَت رسالة، وهي تقول: «إنَّ كلَّ شيء هادئ هناك!»

ردَّ العالِم بسرعة: رائع إذن، علينا أن ننطلق بسرعة!

قال «أحمد» وهو يبتسم: أظن أن العصابة تُريد أن تردَّ على خدعة «ليتل مان» المزيف بخدعة مثلها!

سكت لحظة ثم أضاف: إنني أتصوَّر أنهم في انتظارنا الآن … وعندما نَصِل سوف ينتهي كلُّ شيء!

قال العالِم بانزعاج: ماذا تعني؟

ردَّ «أحمد»: أعني أننا قد نقع في أيدي العصابة، وإن كان ذلك شيئًا صعبًا جدًّا عليهم! …

قال العالِم بسرعة: ما العمل الآن؟ …

ابتسم «أحمد» وهو يردُّ: إنه عملٌ واحد، أن نَصِل إليهم في نقطة التفتيش، ثم نرى!

أضاف العالِم العربي: إذن علينا أن نكون حذرين!

مدَّ «أحمد» يدَه إلى مفتاح السيارة، وأدار الموتور، ثم أضاء النور فغَرِق الطريقُ في الضوء ثم قال: نعم، ينبغي أن نكون حذرين جدًّا!

ثم ضغط قدمَ البنزين، فانطلقَت السيارة في هدوء أولًا، ثم أخذَت سرعتُها تزداد شيئًا فشيئًا … حتى كادَت أن تطيرَ من فوق الأرض، وكان هذا يعني أنها الخطوة الأخيرة … من المغامرة. ولا أحدَ يدري إن كانت سوف تنجح، أو يفشل الشياطين لأول مرة في تاريخهم …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤