موسيقى وساندوتشات

انصرف «زنهار» عائدًا وحده وقد أحنى رأسه … بينما التفَّ المغامرون و«عماد» حول «نوسة» التي كانت جالسة على الرمال مستندة إلى جذع النخلة وقد احتضنت «زنجر» في إعزاز … وقالت «نوسة»: لقد وصل «زنجر» في الوقت المناسب جدًّا … ولكن كيف حدث هذا؟ كيف حضرتم؟ ألم تذهبوا لرحلة الصيد؟

قال «تختخ»: لا لم نَخرج للرحلة … فلقد ذهبنا ووجدنا أن الصياد الذي سيخرج معنا لم يحضر لأنه مريض … فقضينا بعض الوقت نُحاول الصيد على الشاطئ، ولكن الأمواج العالية، جعلت محاولتنا غير مجدية … وهكذا عُدنا إلى المزرعة نبحث عنكِ … وقالت لنا الشغالة «سعدية» إنها رأتك من النافذة تخرجين من حجرة المكتبة وتتَّجهين إلى غابة النخيل … فجئنا خلفك، وقد بحثنا عنك طويلًا دون جدوى … ثم فجأة نبح «زنجر» وجرى، فجرينا خلفه ووصلنا وشاهدنا هذا الموقف العجيب بينك وبين «زنهار» فماذا حدث؟

وتنهدت «نوسة» ثم قالت وهي تهزُّ رأسها: لقد كدتُ أموت رعبًا وتعبًا … لقد طاردني «زنهار» خلال الغابة كلها من أجل الورقة!

بدأ الاهتمام على وجوه المغامرين، وقالت «لوزة» بانفعال: ورقة؟ أي ورقة؟ هل وجدتِ خريطةً للمنزل؟

ابتسمت «نوسة» وداعبت «لوزة» قائلة: لعلَّكِ تتصوَّرين أنني عثرت على خريطة الكنز كما يحدث في روايات القراصنة … ولكن ما حدث بالضبط أنني عثرتُ على ورقة بها طريقة فتح المكتب الموجود في غرفة المكتبة … وبعض الأرقام غير المفهومة!

قال «عاطف» مُتسائلًا: وهل طاردك «زنهار» من أجل هذه الورقة؟

نوسة: نعم … ولكن بدلًا من هذه الأسئلة دعوني أحكي لكم كل ما حدث بعد خروجكم للصيد وبقائي في غرفة المكتبة.

وأخذت «نوسة» كعادة المغامرين تَسرد الأحداث والحقائق التي جرت منذ دخولها المكتبة حتى وصول الأصدقاء إليها … وعندما انتهت من حديثها ساد صمتٌ طويل … فقد بدا واضحًا للمغامرين أنهم أمسكوا طرف الخيط الذي ربما يُؤدي إلى كشف حقائق اختفاء تُحَف مزرعة الرياح … وأسباب وجود «كراون» و«مايلز».

وقال «تختخ» يسأل «عماد»: ما مدى إخلاص «زنهار» لك؟

رد «عماد»: إنه مُخلِص لي جدًّا، لقد كان حارس أبي الخاص … وقد طاف معه العالم، وعندما اختفى أبي اختار «زنهار» أن يعيش في مزرعة الرياح، وهو دائمًا يقول — طبعًا بالإشارة — إنه واثق أن أبي سيعود يومًا!

محب: إذن نستطيع أن نستعين به ضدَّ هذَين الرجلين؟

عماد: بالتأكيد … وأعتقد أنه لا يُحبهما!

قال «تختخ» موجهًا حديثه إلى «نوسة»: وهل تعرفين المكان الذي أخفيتِ فيه الورقة؟

نوسة: الحقيقة أنني الآن لا أدري … إنَّ غابة النخيل متشابهة جدًّا، ولا أدري إذا كنتُ سأستطيع معرفة المكان الذي أخفيت فيه الورقة أم لا!

تختخ: إن هذه الورقة على أكبر جانب من الأهمية … وأظن أننا سنتعرَّض لمتاعب من ناحية «كراون» و«مايلز» بسببها!

ولم يكن استنتاج «تختخ» إلا تقريرًا للواقع … فقد ظهر في هذه اللحظة «كراون» و«مايلز» من خلف النخيل … وبدا من الواضح أنهما كان يتبعان «زنهار» وهو يطارد «نوسة» في غابة النخيل.

كان الرجلان يتقدمان في سرعة، ووقف الأصدقاء، ووقفت «نوسة» أيضًا استعدادًا لما يمكن أن يفعله الرجلان … وعندما وصلا توجَّه الطويل منهما إلى «عماد» بالحديث قائلًا: إنني أطالب بتسليم الورقة فورًا.

تظاهَر «عماد» بأنه لا يَعرف شيئًا وقال: أي ورقة؟

قال «كراون» بضيق: الورقة التي نسيتُها في غرفة المكتب هذا الصباح؟

عماد: ولكنَّنا لم نكن في القصر هذا الصباح، ولا نعرف شيئًا عن هذه الورقة!

كراون: لقد أنكر «زنهار» أنه أخذ الورقة، فمَن أخذها إذن؟

رد «عماد»: ولماذا تسألني؟

كراون: لأن الورقة لم تَخطفها العفاريت … إنني لم أغِب عن المكتبة أكثر من بضع دقائق، وعندما عدتُ لم أجدْها، وكان «زنهار» قريبًا من المكتبة وقد شاهدناه يتَّجه إلى غابة النخيل فسِرْنا خلفه … ولم ندرِ ماذا كان يفعل حتى سمعنا صوت نباح الكلب … وشاهدناكم … ولا بد أنه سلَّم الورقة لك!

أدرك «عماد» أن «كراون» لا يعرف مَن الذي أخذ الورقة، وأنه يشك في «زنهار» فقال بصدق: إن «زنهار» لم يُسلِّمنا أي ورقة!

صاح «كراون» بوحشية: سأَعرِف كيف أستعيد هذه الورقة!

فرد «عماد» بضيق: اسمع يا مستر «كراون» … إنك ضيفي، ونحن العرب مشهورون بكرم الضيافة … ولكن لا تتجاوز حدودك!

بدا التردُّد على «كراون» فجأة، وعاد يخفض صوته قائلًا: لا تنسَ أنني شريك أبيك!

قال «عماد»: إن هذا لا يُلزمني بشيء … وأمامك المحاكم تُطالب بحقِّك فيها … أما بالنسبة لي فلستُ أعرف شيئًا عن نشاط أبي … وماذا كنتما تشتركان فيه!

لم ينطق «كراون» بكلمة، ولكنه استدار ومضى وخلفه «مايلز»، وسارا حتى اختفيا عن أنظار الأصدقاء خلف النخيل.

قال «تختخ» ﻟ «عماد»: لقد كنتَ رائعًا في حديثك معه … ومن الواضح أنه سيستميت في استعادة الورقة، ويجب أن نكون على حذر!

عماد: لقد أبقيتُه في القصر على أمل أن يحلَّ لغز اختفاء التحف من القصر … فإذا استطعنا نحن أن نحلَّ اللغز … فلن أتردد في طرده!

تختخ: سنرى ماذا تحمل هذه الورقة!

عاطف: المهم العثور عليها … ﻓ «نوسة» كما قالت لا تذكر مكانها!

نوسة: أعتقد أنني سأتذكر … فقد احتاج لبعض الراحة فأنا متعبة!

تختخ: فلنعد إلى القصر … فليس من المستبعد أن يكون «كراون» و«مايلز» أو أحدهما قريبًا منَّا … إننا سنكون موضع مراقبتهم دائمًا.

ومشى الأصدقاء في اتجاه القصر … وكانت «نوسة» تلتف حولها لعلها تتذكر المكان … إنها تتذكر النخلة الصغيرة جيدًا … ولكن في أيِّ مكان من الغابة الواسعة؟ لا تعرف!

وصل الأصدقاء إلى القصر قرب موعد الغداء … وصعدت «نوسة» إلى غرفتها فاغتسلت واستبدلت ثيابها ثم نزلت … كانت الأرقام التي في الورقة تشغل بالها … ماذا تعني هذه الأرقام؟ لو كانت الورقة معها الآن لعرضتْها على المغامرين … وربما استطاع أحدهم أن يفكَّ رموزها … ودخل «زنهار» وتلاقت نظراتهما … ورأت في عينيه نظرة اعتذار فابتسمت، وأدركت أنه رجل مُخلِص لأصحاب القصر الذي يعمل عندهم وأنه لم يطاردها إلا من أجل مصلحتهم.

تناول الأصدقاء الغداء … وكانت الشمس قد غابت وراء ركام من السحب السوداء، وبدأت الريح تهب … فاقترحت «نوسة» أن يقضوا الأمسية في المكتبة … ووافَق المُغامِرون على الاقتراح.

عندما دخلوا المكتبة كان «كراون» يقف في وسطها وقد وضع يديه في جيبي بنطلونه، ووقف مُستغرقًا في تفكير عميق … وأدركت «نوسة» أن «كراون» مثلها تمامًا، يعتقد أن حلَّ اللغز يكمن في المكتبة … وقد سبقها إلى سرِّ المكتب وكيف يَفتح الباب السري فيه، وحصل على الورقة … ولكنه لم يستطع حل مشكلة الأرقام.

تنبَّه «كراون» إلى دخول الأصدقاء … فنظر إليهم كأنه لا يراهم … ثم غادر المكان دون أن ينطق بكلمة واحدة.

جلس الأصدقاء و«عماد» يتحدَّثون … وجاءت عمة «عماد» فانضمَّت إليهم، ولم يذكر المغامرون شيئًا عن الورقة، فقالت العمة: إن شقيقي «حلمي» كان يقضي أغلب وقته في هذا المكان … كان يحب المكتبة حبًّا عميقًا … وهو الذي قام بالإشراف على بنائها وتأثيثها … وكثيرًا ما كان يدخل هنا، ويُغلِق الأبواب ويمنع دخول أي شخص إليه!

قال «محب» متسائلًا: حتى «زنهار»؟!

ردت «العمة»: نعم … حتى «زنهار» … وقد لاحظت أنه عندما كان يدخل هنا ثم يخرج، أن ثمة تغييرات تحدث في المكتبة!

كانت «نوسة» تستمع إلى هذا الحديث باهتمام شديد … وقد تأكَّد عندها أن استنتاجها صحيح، وأن لغز اختفاء تحف مزرعة الرياح يكمن في هذا المكان …

قالت «نوسة»: واسم مزرعة الرياح، أليس عندك فكرة عنه؟

قالت السيدة وهي تزوي ما بين حاجبيها: لقد قطعت تعليمي في فترة مبكرة من عمري … لهذا فإنني لا أتذكر اللغات الأجنبية جيدًا … ولكن يبدو لي أنه كان أحيانًا «يُدندن» بأغنية فيها هذا الاسم … مزرعة الرياح بالإنجليزية …

أسرع «عماد» يقول: هل كان يقول: Wind Branch؟

صاحت السيدة وهي ترفع يدها: نعم تمامًا … ويند برانش!

نوسة: إن الاسم يبدو كأنه مقطع من قصيدة ما!

العمة: نعم … شعر … أغنية … شيء من هذا القبيل، كان يُغنِّيه مع صفارة طويلة يطلقها من بين شفتيه!

قالت «لوزة»: لعلها أسطوانة، أو شريط «كاسيت»، أليسَت عندكم مكتبة موسيقية؟

ردَّ «عماد»: نعم … وهناك عدد كبير من الأشرطة تركه أبي!

لوزة: متحمِّسة: لماذا لا نسمعها؟ … قد نعثر بين كلماتها على شيء يُفسِّر معنى مزرعة الرياح!

قال «عاطف»: وإذا عرفنا معنى مزرعة الرياح … هل سيحلُّ هذا لغز اختفاء التحف؟

تختخ: ليس مهمًّا إن كان يحلُّ أو لا يحلُّ، دعونا نسمع الشرائط … فنحن في حاجة إلى بعض المرح … وفي نفس الوقت كثيرًا ما تحلُّ كلمة واحدة أعقد الألغاز!

أشار «عماد» إلى ركن به مجموعة من أجهزة التسجيل موضوعة داخل أرفف المكتبة وقال: هذه هي المكتبة الموسيقية!

فجأة سألت «نوسة»: هل هناك أيُّ إحصاء لعدد الكتب في المكتبة؟

قال «عماد»: لا أظن يا «نوسة» … أنا شخصيًّا لا أعرف.

وأدار «عماد» أحد الأجهزة … وارتفعت موسيقى جميلة ملأت جو المكتبة الواسعة، وتسلل «زنجر» إلى جوار الميكروفون يَستمع … ثم تسلَّل «زنهار» من الباب أيضًا …

وانتهت القطعة الأولى … والثانية … والثالثة … واقتربت الساعة من الثامنة فقالت العمة: لقد جاء موعد العشاء، هيا بنا!

نظرت «لوزة» إليها وقالت مبتسمة: هل يمكن أن يكون العشاء الليلة بعض الساندوتشات فقط … إنني أحس أننا سنجد في هذه التسجيلات شيئًا؟!

قالت «العمة» وهي تقف وتشير ﻟ «زنهار»: كما تُحبُّون، ستأتيكم الساندوتشات بعد قليل!

انصرفت «العمة» … ومضت بضع دقائق … وفجأةً ارتفعت موسيقى ناعمة أخذت ترتفع شيئًا فشيئًا حتى أصبحت كالعاصفة … وفي وسط العاصفة الموسيقية ارتفع صوتُ مُطرِب يغني «مزرعة الرياح» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤