لعبة الأرقام

كانت الساعة الواحدة صباحًا وقد عُقد اجتماع للمغامرين الخمسة حضره «عماد» وشرحت «نوسة» للأصدقاء ما جرى خلال الساعات الماضية … فقال «تختخ»: يجب أن نتصل فورًا بالشرطة … لقد دخلت القضية في إطلاق الرصاص، وهذا يعني أنها خرجت من أيدينا.

قال «عماد»: للأسف … إن كابينة التليفونات في «بلطيم» تغلق أبوابها حوالي العاشرة مساءً، ولن نستطيع الاتصال بمخلوق قبل الصباح … والخروج من القصر الآن … محفوف بالمخاطر!

محب: وهل تعتقد أن «زنهار» سيعود؟

عماد: أؤكد لك أنه إذا كان ما يزال حيًّا، وقادرًا على الحركة، فسوف يحضر!

ولم يكد «عماد» يَنتهي من جملته حتى سمعوا صوت أقدام في الدهليز، وظهر «زنهار» كان يُمسك كتفه بيده، لقد كان مُصابًا … وباليد الأخرى أخرج الورقة من جيبه وأعطاها ﻟ «عماد» … وأحسَّ الأصدقاء جميعًا بمدى إخلاص «زنهار» ﻟ «عماد» وأسرته، وتبادل «عماد» و«زنهار» الإشارات، والتفَتَ «عماد» إلى المغامرين قائلًا: لقد طلبتُ منه أن يغلق جميع الأبواب والنوافذ جيدًا ويَمنع دخول أي شخص!

قالت «لوزة» مُرتاعة: ولكنه مصاب!

عماد: يبدو أن إصابته ليسَت خَطِرة … فهو يتحرك ويتصرف بشكل عادي جدًّا!

كانت «نوسة» تحت الأغطية عندما ظهر «زنهار»، ولكنها لم تكَد ترى الورقة حتى قفزت من فراشها واختطفت الورقة اختطافًا، ثم قالت: أريد أن أنقل مجموعة الأرقام فورًا، فإذا فُرض أن ضاعت منَّا الورقة مرةً أخرى، ففي إمكاننا حل اللغز … وعلى الفور أخرجت ورقة وقلمًا ونقلت مجموعة الأرقام كما هي مكتوبة في الورقة القديمة، ثم سلمت الورقة ﻟ «عماد» قائلة: إنها من حقك!

محب: والآن ماذا نفعل؟

تختخ: سنَحمي أنفسنا أولًا … وفي إمكاننا أن نُقيم نوبات حراسة منَّا حتى لا يفاجئنا أحد!

نوسة: إنني أريد أن أنزل إلى المكتبة فورًا … إن حلَّ اللغز موجود في كتاب مزرعة الرياح!

تختخ: وماذا ننتظر؟ … هيا بنا!

ونزلوا جميعًا إلى المكتبة على ضوء لمبات الجاز … ودخلوا المكتبة وأسرعت «لوزة» إلى الرف الثالث، وأخذت تعدُّ الكتب حتى وصلَت إلى رقم «١٥» وأخرجته، وعلى ضوء اللمبة شاهد الأصدقاء الرسم واسم مزرعة الرياح.

وأخذت «نوسة» تُقلِّب الكتاب بين يديها ورقة ورقة … كانت تتوقع أن تجد ورقة أخرى تحلُّ لغز التحف المختفية، ولكن الكتاب كان فارغًا، لم يكن إلا مجموعة من القصائد الشعرية.

وبدت خيبة الأمل على وجه «نوسة»، وقال «تختخ»: لنُفكر قليلًا … إن الرقم الأول في الورقة هو رقم «٣» فعلى أيِّ شيء يدل؟

ردت «نوسة»: كما رأيت، إنه يدلُّ على الرفِّ رقم «٣» في المكتبة!

تختخ: عظيم … نَنتقل خطوة أخرى، الرقم الثاني هو رقم «١٥» فعلى أيِّ شيء يدلُّ؟ …

ردَّدت «نوسة»: يدلُّ على رقم الكتاب في الرف!

تختخ: عظيم … المسألة مُرتَّبة رقمًا بعد رقم … فما هو الرقم الثالث؟

نوسة: إنه رقم … «٢١»!

تختخ: على أي شيء يدل؟

سكتت «نوسة» ولم ترد، ولكن «لوزة» اندفعت تقول: لو سارت الأرقام كما هي مرتبة، فلا بد أنه رقم صفحة في الكتاب!

تختخ: افتَحي يا «نوسة» هذه الصفحة!

وأخذت «نوسة» تقلب الصفحات حتى وصلت إلى رقم الصفحة، وقالت: قصيدة شعر … ولا شيء آخر!

تختخ: لا بأس … الرقم الرابع … على أيِّ شيء يدلُّ؟

عادت «لوزة» الذكية تقول: بهذا الترتيب يكون رقم سطر في الصفحة!

وأسرعت عينا «نوسة» على الصفحة حتى وصلت إلى السطر الثالث!

قال «تختخ»: إن الرقم الخامس بالتأكيد هو رقم كلمة، فما هي الكلمة رقم «٦» في السطر؟

مضت «نوسة» تقرأ ثم قالت: كلمة الزاوية!

تختخ: عظيم، إن مجموعة الأرقام دلالتها كالآتي: الرقم الأول هو رقم رفٍّ في المكتبة … الثاني رقم كتاب … الثالث رقم صفحة … الرابع رقم سطر … الخامس رقم كلمة، وكل ما علينا الآن هو المُضيُّ مع أرقام الصفحات والسطور … والكلمات … إنها رسالة بالشفرة في سطور الكتاب.

ومضت «نوسة» تُقلِّب الصفحات … تصل إلى رقم الصفحة … ثم رقم السطر ثم رقم الكلمة، وهكذا وصلوا إلى ثماني كلمات:

«الزاوية – الثالثة – اضغط – الحافة – أسفل – ادفع – الباب – السلم.»

وصاحت «نوسة»: لقد أصبحت المسألة واضحةً جدًّا … نحن في المكتبة فأين هي الزاوية الثالثة؟

أشار «عماد» إليها، وقال: هذه هي حسب ترتيب الزوايا في المكتبة!

وأسرع الجميع إلى الزاوية، قالت «نوسة»: إن هناك حافة خشبية … يجب أن نَضغط عليها كما تقول كلمات الرسالة … وأسرع «تختخ» يضغط على الحافة … وقضى مدة من الوقت قبل أن يَسمع الجميع صوتًا يُشبه دقَّة الساعة … ونزلت الحافة إلى أسفل وبدا شيءٌ أشبه بباب من المعدن الرقيق … قالت «نوسة»: والآن ادفع الباب!

ودفع «تختخ» الباب المعدني … ووقف الجميع مبهورين … خلف الباب بدا تجويف يتسع لمرور شخص … ونظر الجميع إلى «عماد» الذي وقف مُتسارع الأنفاس لا يَدري ماذا يقول … فقال «محب»: سأدخل أنا …

وأخرج الكشاف من جيبه، ثم أضاءَه ومد خيط الضوء داخل التجويف، ثم دخل … ووجد سلمًا نزل عليه … كان سلمًا حلزونيًّا فدار به حتى وجد نفسه داخل دهليز طويل مبطَّن بالخشب … وعلى الحوائط والرفوف الكثيرة المتناثرة داخل الدهليز … شاهدَ ما لم يُشاهدْه في حياته من التحف والمجوهرات … ووقف مبهور الأنفاس لا يدري ماذا يفعل.

في هذه اللحظة سمع المغامرون صوت أقدام كثيرة في الخارج … ثم صوت طلقات نارٍ، ثمَّ وجدوا باب المكتبة يهتز بشدة … وعرفوا أن «كراون» ورجاله قد تغلَّبوا على «زنهار»، وأنهم سيقتحمون المكتبة، وفي ثوانٍ قليلة اتَّخذ «تختخ» قراره أن ينزلوا فورًا خلف «محب» ثم يُغلقوا الباب خلفهم.

قالت «لوزة»: ولكن الباب يغلق من الخارج!

تختخ: لا بد أن هناك وسيلة لإغلاقه من الداخل!

وأسرعوا جميعًا ينزلون، وكان استنتاج «تختخ» صحيحًا … فقد كانت هناك ذراع خشبية ضغط عليها إلى أسفل، فارتفَعَت الحافة المفتوحة، وأغلقت باب التجويف …

نزلوا جميعًا على السلم الحلزوني … فوجدوا «محب» واقفًا، وقد بدا عليه الذهول، الذي سرعان ما سيطر عليهم جميعًا.

وعلى ضوء الكشافات … واللمبة أخذوا يفحصون التحف والمجوهرات والكتب الغريبة التي وجدوها … ثم مضى «محب» يفحص الدهليز، وعندما وصل إلى نهايته صاح: هناك مدخَل آخر، في نهاية الدهليز، وأعتقدُ أنه يَفتح قرب البحر.

قال «تختخ» وهو ينظر إلى ساعته: سنبقى هنا طول الليل … إن أيَّ محاولة للخُروج الآن معناها أن نُلقي بأنفسنا بين يدَي «كراون» وعصابته.

واختار كلٌّ منهم ركنًا وجلس … وأخذوا يتحدَّثون، فقال «عاطف» ضاحكًا: لقد أصبحت مليونيرًا يا «عماد» … فهذه التحف والمجوهرات تساوي الكثير!

عماد: إن «كراون» شريك لأبي … وسيأخذ نصفها!

تختخ: سنرى ماذا سيحدث غدًا!

انقضى ليل الشتاء الطويل بطيئًا شديد البرودة … وقرب الفجر نام الأصدقاء جميعًا ولم يتنبهوا إلا على صوت «لوزة» التي أيقظها البرد وهي تهزُّهم وتقول: لقد نسيتم شيئًا هامًّا، إننا لم نرَ «زنجر» منذ هاجم «زنهار» في الغابة!

ساد الصمت بعد هذه الكلمات، وأحسُّوا جميعًا بالجزع على «زنجر»، ثم قال «تختخ»: والآن لا بد من الصعود!

محب: سأَصعد أنا أولًا وحدي … وابقوا هنا جميعًا!

وصعد «محب» السلَّم حتى وصل إلى باب النفق السري، وبحذر شديد أدار الرافعة الخشبية، وخرج … ولم يكد يضع قدمه خارج الباب حتى سمع صوت جلبة شديدة، وصياح، وأغلق باب النفق خلفه، ومضى إلى نافذة المكتبة ونظر من خلف الزجاج، وكم كانت دهشته عندما شاهد رجال الشرطة يُحيطون ﺑ «كراون» و«مايلز» و«زنهار» وبعض الأشخاص الذين لم يرَهم من قبل … وفي هذه اللحظة فُتح باب المكتبة الذي يؤدِّي إلى القصر، وظهرت عمة «عماد»، ولم تكَد ترى «محب» حتى صاحت: أين أنتم؟ لقد قمتُ في الفجر أبحث عنكم فلم أجدكم، وبمجرد أن اشتغل التليفون اتصلت برجال الشرطة!

ابتسم «محب» قائلًا: نحن جميعًا بخير، وحسنًا فعلتِ يا سيدتي … فلن يحل هذه المشكلة إلا رجال الشرطة!

العمة: وأين بقية الأولاد؟ أين «عماد»؟

محب: إنهم جميعًا في النفق السري تحت الأرض حيث أخفى شقيقُك الأستاذ «حلمي» تحفه ومجوهراته!

وأسرع «محب» يَفتح باب النفق مرة أخرى ويُنادي الأصدقاء الذين خرجوا جميعًا، فصاح بهم: لقد حُلت المشاكل كلها دفعة واحدة، لقد حضر رجال الشرطة!

•••

بعد ثلاث ساعات من هذه الأحداث كان المغامرون و«عماد» وعمته يجلسون في شرفة القصر، وقد ارتفعت في المساء شمس دافئة، وقال «عماد»: أعتذرُ لكم عما حدث ﻟ «زنجر»، لقد تضايق «زنهار» من هجومه عليه، فحبسَه في إحدى الغرف المهجورة!

قال «تختخ» وهو يربت على «زنجر»: إنَّ ما أحزنني أنه لم يشترك معنا في هذا اللغز!

قالت «العمة»: إنكم أبطال … لقد اكتشفتم مكان التحف، وكشف رجال الشرطة عن حقيقة «كراون»، فإذا هو نصَّاب عالَمي يَحمِل أوراقًا مزوَّرة كشريكٍ لأخي!

قالت «نوسة»: إن ما أتمناه حقًّا أن يظهر الأستاذ «حلمي»!

قالت «العمة»: من يدري … لعله يظهر اليوم أو غدًا … إن قلبي يحدثني أنه لن يختفي إلى الأبد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤