بداية مغامرة

ألقت «لوزة» برأسها إلى الخلف، وأخذت ترقب السماء في إعجاب.

كانت هناك مجموعة من السحب المنخفضة تجري مسرعةً أمام الريح، وكأنها قطيعٌ من الخراف البيضاء تتسابق في السماء.

ولاحظ بقية الأصدقاء عينَي «لوزة» المعلَّقتَين في المشهد الطبيعي، فأرسلوا أبصارهم جميعًا إلى فوق. ولم يكن المغامرون الخمسة وحدهم في هذا اليوم؛ كانت معهم ضيفة جميلة صغيرة هي «نشوى»، ابنة المفتش «سامي» التي جاءت لزيارة أقاربها، فقدَّمها المفتش إلى المغامرين الخمسة التي كانت مُعجبةً بهم، فجاءت تقضي معهم هذا اليوم على أن يمر والدها لأخذها آخر النهار.

كانوا جميعًا جالسين في حديقة فيلا أسرة «تختخ»، يتبادلون الأحاديث عن الألغاز التي اشتركوا في حلِّها، واستمتعت «نشوى» كثيرًا بأحاديث «تختخ» عن طريقته في حل الألغاز، والوسائل التي يتبعها في التفكير، ثم ظهرت الطبَّاخة على باب الفيلا، ونادت «تختخ» قائلةً إن هناك من يطلبه على التليفون.

أسرع «تختخ» إلى الفيلا، ووجد المفتش «سامي» يتحدَّث إليه قائلًا إنه سيحضر بعد قليل، ليقضي معهم بقية اليوم.

ابتهج الأصدقاء جميعًا عندما علموا أن صديقهم مفتش المباحث الشهير «سامي» سوف يحضر، وارتفعت أصواتهم تتحدَّث عنه وعن الجرائم الشهيرة التي قام بالقبض على مرتكبيها.

وكان الشاي والجاتوه على المائدة، فقال «تختخ»: سوف أحكي لكم لغزًا صغيرًا، ومن يحله أولًا فسوف يأخذ قطعةً كبيرةً من الجاتوه.

وافق الجميع على هذا الاقتراح بحماسة، وطلب منهم «تختخ» السكوت حتى يستمعوا بدقةٍ إلى كل كلمة يقولها، ثم بدأ اللغز قائلًا: «كان أحد رجال الشرطة يسير ليلًا في هدوء، يُراقب المنازل والمحلَّات …» وفجأة … وقبل أن يُكمل «تختخ» الجملة، سمع الأصدقاءُ صوت سيارة المفتش «سامي» وهي تقف بالباب، فوقفوا جميعًا لاستقباله، وظهر المفتش الوسيم القوي بباب الحديقة، وهو يحمل بيده لفافةً مربوطة، ثم تقدَّم منهم مبتسمًا وهو يقول: هل سأجد لنفسي كوبًا من الشاي؟

ردَّت «لوزة» في ابتهاج: إننا لم نبدأ بعد، وفي إمكانك أن تحصل على جائزةٍ ثمينة إذا حللت اللغز.

المفتش: أي لغز؟

لوزة: لغز رجل الشرطة الذي يقصُّه علينا «تختخ»!

المفتش: لا مانع … ولكن ما هي الجائزة الهامة؟

نوسة: قطعةٌ كبيرة من الجاتوه.

المفتش: أوافق بمنتهى الحماس. هيا يا «تختخ» قل لنا اللغز.

تختخ: سوف أبدأ من الأول مرةً أخرى … كان أحد رجال الشرطة يسير ليلًا في هدوء يُراقب المنازل والمحلَّات، وفجأة …

وقبل أن يُكمل «تختخ» جملته، سمع الأصدقاء صوت أقدام مسرعة تقترب من باب الحديقة، ثم شاهدوا الشاويش «كرم» وهو يتقدَّم باحترامٍ من المفتش، ويدق كعبَيه ويرفع يده بالتحية العسكرية للمفتش قائلًا: آسف جدًّا يا سيدي المفتش، ولكن حادث سرقة وقع حالًا الآن؛ فقد سرق لص في وضَح النهار مجوهرات السيدة «بهيجة» بالشارع رقم «٣٦». وقد أبلغتني تليفونيًّا، فأسرعتُ إلى هناك، ثم حضرت إلى هنا حسب تعليمات سيادتك بإبلاغك بأي شيء عند الأستاذ «توفيق».

وقف المفتش فورًا وقال للأصدقاء: معذرةً سوف أذهب لبحث المسألة، وأرجو أن تستمروا في تناول الشاي والجاتوه، وأن تتركوا لي قطعةً وفنجان شاي حتى أعود.

قال تختخ: اسمح لي يا حضرة المفتش بالحضور معك.

المفتش: لا داعي؛ إنه ليس لغزًا يستحق عنايتك، إنها سرقةٌ عادية وسوف نستطيع القبض على اللص بسرعة، فلتبقَ أنت مع الأصدقاء حتى أعود إليكم.

وانصرف المفتش «سامي» مسرعًا، في حين سكت بقية الأصدقاء في انتظار أن يُكمل «تختخ» اللغز الذي بدأه مرتَين، ولكن «تختخ» ظل صامتًا فقد شغله حادث السرقة، وأخذ عقله يعمل بسرعة.

قطعت «نوسة» حبل الصمت قائلة: إن الشاويش «كرم» يبدو ذكيًّا وسريع التصرُّف، بعكس صديقنا الشاويش «فرقع»، فهل سيبقى هنا دائمًا؟

مُحب: إنه سوف يبقى بضعة أيام فقط حتى يعود الشاويش «فرقع»، الذي ذهب إلى القاهرة منذ فترةٍ للتدريب على أعمال تتبُّع اللصوص، والتنكُّر، وهي فترةٌ تدريبية تُعقد كل سنة لرجال الشرطة.

عاطف: إذن سوف يعود الشاويش وقد تزوَّد بمعلوماتٍ وحِيَل جديدة، وقد يسبقنا بعد ذلك في حل الألغاز.

نشوى: هل ستُكمل لنا اللغز يا «تختخ»؟ إنني أُريد أن أشترك معكم في حل لغزٍ صغير، ما دمت لا أستطيع الاشتراك في حل الألغاز الكبيرة والمثيرة.

تختخ: نعم، سوف أروي لكم بقية اللغز … وسأبدأ من الأول مرةً أخرى حتى تتمكَّنوا من متابعته … «كان أحد رجال الشرطة يسير ليلًا في هدوءٍ يُراقب المنازل والمحلَّات … وفجأة»، وقبل أن يُتم «تختخ» جملته، ظهر الشاويش «كرم» مرةً أخرى، وطلب من «تختخ» الحضور معه إلى مكان حادث السرقة كطلب المفتش، واعتذر «تختخ» إلى بقية الأصدقاء، وطلب منهم أن يتناولوا الشاي والجاتوه، ثم أسرع إلى سيارة الشرطة التي كانت في انتظاره، فانطلق إلى الشارع رقم «٣٦» حيث جرت السرقة.

عندما وصل «تختخ» إلى مكان الحادث، كان المفتش قد غادر المكان بعد أن طلبت الوزارة حضوره إلى القاهرة، فأخذ «تختخ» والشاويش «كرم» يُعاينان المكان … والشاويش يشرح له ما سمعه من السيدة «بهيجة» عن حادث السرقة.

كان المنزل الذي وقع به الحادث عبارةً عن فيلا من دورَين بها مدخل رئيسي من الأمام، ومدخلٌ آخر من الخلف يُؤدِّي إلى المطبخ، وسُلَّمٌ داخلي بجانب المطبخ يصل الدور الأول بالدور الثاني. وكانت السيدة بمفردها عندما وقع الحادث، نائمةً على كرسي في الصالة بالدور الأرضي، عندما سمعت صوتًا مكتومًا كأنما شيء سقط في حديقة الفيلا، وسمعت صوت أقدام ثقيلة في الدور الثاني، وصوت سُعال قوي كأنه نباح كلب. وبما أن باب الفيلا الرئيسي كان مُغلقًا من الداخل؛ فقد أسرعت إلى باب المطبخ، ولكنها لم تجد أحدًا؛ فتأكَّدت أن اللص ما زال في الدور الثاني؛ فأخذت تستغيث، وفي هذه اللحظة ظهر «عطوة» بائع الخبز في الحديقة، فاستغاثت به السيدة، فأسرع بالصعود إلى الدور الثاني لمطاردة اللص ولكنه لم يجد أحدًا، وكان «كامل» ساعي البريد، وبائع خضار متجوِّل قد حضرا على صوت الاستغاثة، فاتصل «كامل» بقسم الشرطة وأبلغ الشاويش «كرم»، الذي انتقل إلى مكان الحادث فعاينه، ثم حضر لاستدعاء المفتش.

كانت هذه المعلومات هي كل ما حصل عليه «تختخ»، عندما وصل إلى فيلا «بهيجة»، ولكن كانت هناك معلوماتٌ أخرى في مكان الحادث؛ فقد لاحظ «تختخ» كما لاحظ المفتش من قبلُ هو والشاويش «كرم»، وجود آثار حذاء ضخم جدًّا على أرض الحديقة، وعندما صعد إلى فوق حيث تمَّت عملية سرقة المجوهرات، وجد آثار أصابع قفاز ضخم على الحوائط.

قال «تختخ» للشاويش «كرم»: من الواضح أن هذا اللص ضخمٌ للغاية؛ فآثار الأقدام تدل على أنه يلبس حذاءً لا يقل عن مقاس «٤٧»، وهو مقاسٌ نادر. كما تدل آثار يدَيه على أن يدَيه كبيرتان جدًّا.

الشاويش: هذا ما لاحظه المفتش أيضًا.

عاد «تختخ» إلى الحديقة مرةً أخرى، وأخذ يدور حول الفيلا مرةً ومرات، فلاحظ وجود آثار ما يُشبه دائرةً في الأرض، بها خطوط متقاطعة ظهرت بوضوحٍ على أرض حديقة الفيلا المبتلة.

هرش «تختخ» رأسه متحيِّرًا وقال: من المدهش جدًّا أن تسمع السيدة صوت أقدام اللص وسعاله، ثم لا ينزل أمامها، ولا تراه يخرج من باب الفيلا أو من باب الحديقة، فأين ذهب؟ هل من الممكن أنه ما زال في الدور الثاني؟

الشاويش: غير ممكن طبعًا؛ فقد فتشت المكان عند حضوري كما فتشه المفتش «سامي»، ولا تنسَ أن بائع الخبز «عطوة» قد صعد أيضًا فوق ولم يجد شيئًا!

تختخ: شيءٌ مثير للغاية، تعالَ نصعد مرةً أخرى إلى فوق.

وصعدا مرةً أخرى، وأخذ «تختخ» يُفتِّش عن مكانٍ ممكن أن يهبط منه اللص إلى الدور الأرضي. وكانت النوافذ كلها مرتفعة، ولو ألقى اللص نفسه منها لأصيب إصابات بالغة، ولم تكن هناك سوى نافذة الحمام، حيث تمتد منها المواسير إلى أسفل، ولكن النافذة كانت مغلقةً من الداخل، فلا يمكن أن يكون اللص قد استعملها للهرب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤