أملٌ جديد

حضر «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» إلى منزل «تختخ» وهم يحملون جميعًا أخبارًا هامة، ولكن «تختخ» استقبلهم مبتسمًا، ثم اتسعت ابتسامته حتى أصبحت ضحكةً عالية، وانتظر الأصدقاء حتى انتهى «تختخ» من ضحكته، ثم سألته «لوزة» متلهِّفة: هل تستطيع أن تُفسِّر لنا سر هذه الضحكة يا «تختخ»، هل حللتَ اللغز؟

ردَّ «تختخ» وهو يبتسم: على العكس … لقد فقدنا الأمل الوحيد … إن «حمدي» وحياته الغريبة لا علاقة لها بحوادث سرقة المجوهرات.

ثم شرح لهم «تختخ» ما حدث، فانطلقوا جميعًا يضحكون، وهم يتخيَّلون الشاويش «فرقع» وهو يجري على الكورنيش، يحمل عكَّاز المتسوِّل، ويُحاول متابعة البطل الرياضي في جريه.

قطعت «لوزة» حبل الضحكات قائلة: ولكن يا «تختخ» إن كون «حمدي» يقوم بتمارينه الرياضية لا يعني أنه لا يقوم بارتكاب جرائمه، فلعله يرتكبها وهو يتمرَّن أيضًا.

تختخ: معك حق يا «لوزة»، لقد فكَّرت في هذا أيضًا، فليس هناك أحدٌ فوق الشبهات … ولكن الشاويش سيقوم عنا بحسم هذه النقطة؛ فسوف يقوم بمراقبة «حمدي» يوميًّا حتى يتعب، فإذا كان هو اللص فسوف يقبض عليه حتمًا.

لوزة: هل معنى هذا أنه لم يعد هناك أمل في حل لغز ذي القدم الكبيرة … أو اللص الشبح؟

تختخ: بقي أملٌ واحد … هو اللواء «سيف الدين»، ولحسن الحظ أنه سيعود غدًا من المصيف، وسوف أذهب إليه مع والدي الذي سمعت أنه سيذهب لزيارته.

قضى الأصدقاء بقية اليوم في مناقشاتٍ حول شخصية اللص الشبح، الذي يسرق ثم يتلاشى في الهواء، وكانت لهم آراءٌ كثيرة، ولكنها على كل حال عند حد الاعتراف بأنه أبرع لص قابلوه، وأصعب لغز اشتركوا فيه.

وفي اليوم التالي اصطحب «تختخ» والده في زيارة اللواء «سيف الدين» الذي رحَّب بهما كثيرًا، وخصَّ «تختخ» بكثيرٍ من الثناء لأنه يعلم بما حقَّقه من نجاحٍ في حل كثيرٍ من الألغاز التي حيَّرت رجال الشرطة.

وكان اللواء رجلًا ضخم الجسم بطريقةٍ غير عادية، وكانت يداه وقدماه أكثر حجمًا من يدَي الرجل العادي ورجلَيه، حتى إن «تختخ» لم يستطع منع نفسه من الشك في هذا الرجل المحترم الوقور.

وكان «تختخ» خلال الحديث كله يبحث عن طريقةٍ يتحدَّث بها عن أحذيته، وقد جاءت فرصة مناسبة عندما كان اللواء يتحدَّث عن ذكرياته في الجيش، وكيف كانت الإدارة تجد صعوبةً في وجود مقاساته من الملابس والأحذية، في هذه اللحظة قال «تختخ»: والآن ماذا تفعل يا حضرة اللواء؟

ضحك اللواء «سيف الدين» وهو يقول: إنني محرومٌ من الذهاب إلى محلَّات الملابس الجاهزة لاختيار ثياب كما يفعل كل الناس؛ فأنا مضطرٌّ دائمًا أن أُفصِّل ملابس وأحذية، حتى أضمن المقاسات اللازمة.

قال «تختخ» ضاحكًا: معنى هذا أن لا أحد يستفيد مطلقًا من أحذيتك القديمة.

وردَّ اللواء بضحكةٍ مماثلة وهو يقول: لا أحد … حتى إنني علمت من البوَّاب أنهم وجدوا صعوبةً في بيع أحد أحذيتي القديمة إلى بائع الروبابيكيا الذي يمر بمنزلنا في بعض الأحيان، وأخيرًا استطاعوا إقناعه أن يشتري حذاءً تكلف أربعة جنيهات بخمسة قروش فقط!

ضحك الرجلان على هذه النكتة، وضحك «تختخ» أيضًا، ولكن كان ذهنه يعمل بسرعة … فقد حصل على المعلومات التي جاء في طلبها دون أن يُحس أحد، وبقي أن يعثر على بائع الروبابيكيا سريعًا، فقد يعرف عن طريقه أين الحذاء.

وانتهت الزيارة وأوصلهما اللواء إلى الباب الخارجي، وهو يعدهما بزيارةٍ قريبة.

لم يكد «تختخ» يصل إلى البيت، حتى قام بالاتصال بالأصدقاء، وأبلغهم بالمعلومات التي حصل عليها، وطلب القيام مبكِّرًا للبحث عن بائع الروبابيكيا، على أن يقوم هو أيضًا بالبحث.

ولم تكد شمس اليوم التالي تُشرق، حتى كان «تختخ» يركب دراجته منطلقًا إلى بيت اللواء، حيث قابل البوَّاب الذي حيَّاه باحترامٍ شديد، بعد أن رآه أمس في زيارة اللواء.

قال «تختخ»: من هو بائع الروبابيكيا الذي يشتري منكم الأشياء القديمة؟

قال البوَّاب مندهشًا: هل هناك شيء تُريد أن تبيعه يا أستاذ؟!

قال «تختخ» مبتسمًا: لا أبدًا، إنني أبحث عن شيء أُريد شراءه وليس موجودًا بالمحلَّات.

البواب: إنه «عبد السميع» أقدم بائع روبابيكيا، وهو يسكن في آخر «المعادي»، قرب العزب، وليس له عنوان، ولكنك لو سألت أي شخص عنه فسوف يدلُّك عليه.

واستدار «تختخ» ليركب دراجته، فوجد الأصدقاء يظهرون في أول الشارع، والتقى الجميع فقال «تختخ»: حظٌّ طيب، لقد عرفت الرجل دون مجهود، وعلينا أن نتوجَّه إليه حالًا؛ فقد نصل إلى مكان الحذاء القديم، وهذا الحذاء هو الأمل الأخير لنا لحل اللغز.

تحرَّكت الدراجات الخمس، و«زنجر» يركب في سلته خلف «تختخ» في اتجاه غرب «المعادي»، ولم يكد الأصدقاء يصلون إلى هناك، حتى سمعوا صوت بائع الروبابيكيا العجوز وهو يرفع صوته مناديًا.

اتجه إليه الأصدقاء فورًا، وتقدَّم «تختخ» منه بعد أن نزل من على دراجته وقال: صباح الخير يا عم «عبد السميع».

أشرق وجه الرجل بابتسامته وهو يسمع اسمه من شخصٍ لا يعرفه، وقال: صباح الخير يا ابني … خيرًا، هل معك شيء للبيع؟

تختخ: لا، إنني أبحث عن جنزيرٍ لدراجتي.

نظر الرجل إلى دراجة «تختخ» بعين خبير، ثم قال: ولكن هذا الجنزير جديد، فما حاجتك إلى جنزيرٍ قديم؟

لم يرتبك «تختخ» أمام إجابة الرجل ونظراته الغامضة، بل قال ببساطة: إنني أحب جمع الأشياء القديمة، قد أشتري الجنزير ذاته، وأجد شيئًا آخر ظريفًا أشتريه.

عبد السميع: اذهب إذن إلى عشتنا في آخر هذا الشارع، وستجد زوجتي هناك، وقل لها إنني أرسلتك حتى تكرمك في الثمن.

ودَّع الأصدقاء «عبد السميع» وانطلقوا مسرعين إلى حيث أشار الرجل، وعلى عكس اللقاء الودي الذي استقبلهم به «عبد السميع»، استقبلتهم زوجته استقبالًا باردًا، يدعو إلى اليأس، ولكن «تختخ» لم يكن ليترك الفرصة تُفلت من أيديهم؛ فقد نظر حوله فوجد تمثالًا صغيرًا لبائع العرقسوس، فسأل السيدة: بكم هذا التمثال؟

قالت وكأنها تريد ألَّا تبيعه: بخمسة وعشرين قرشًا.

كان التمثال في الواقع لا يُساوي أكثر من عشرة قروش، ولكن «تختخ» مدَّ يده في جيبه، ثم أعطاها ما طلبته ببساطة أثارت طمعها، فأسرعت بالابتسامة إلى شفتَيها وهي تقول: هل هناك شيء آخر تُريد شراءه؟

قال «تختخ» وقد أدرك أن الطريق أمامه أصبح ممهَّدًا: إنني وأصدقائي نبحث عن حذاءٍ قديم.

نظرت السيدة إليهم في دهشة وقالت: حذاء قديم؟! لمن فيكم؟! إنكم جميعًا تلبسون أحذيةً جديدة، ولستم في حاجةٍ إلى أحذيةٍ قديمة.

تختخ: إننا نبحث عن حذاءٍ كبير، أكبر حذاء ممكن؛ لأننا سنقوم بعمل فصل مضحك في أحد أصدقائنا، فسوف نُرسله له هديةً في عيد ميلاده، مجرَّد الضحك فقط، فهو صديقٌ لطيف ويحب الضحك كثيرًا.

السيدة: هذه هي الأحذية القديمة التي عندي كلها، اختاروا ما يحلو لكم منها.

أخذ الأصدقاء يُقلِّبون الأحذية القديمة الكثيرة المكوَّمة في أحد الأركان، ولكن كان من الواضح لهم أن الحذاء الضخم ليس بينها؛ فقد كانت كلها أحذية من المقاسات المتوسطة أو الصغيرة، وليس بينها بالتأكيد حذاء مقاس «٤٧» الذي يبحثون عنه.

تختخ: لقد قابلت عم «عبد السميع» منذ لحظات، وقال لنا إن عندكم حذاءً قديمًا كبيرًا كان قد اشتراه من بوَّاب منزل اللواء «سيف الدين» منذ أسابيع.

فكَّرت السيدة قليلًا، ثم قالت: آه … إنني أتذكَّر هذا الحذاء … إن «عبد السميع» هذا رجلٌ خائب يشتري أحذيةً لا يمكن لأحدٍ أن يشتريها مطلقًا … وقد أحسست بالراحة عندما اختفى الحذاء من منزلي.

تختخ: ماذا تقصدين بكلمة اختفى؟ هل اشتراه أحد؟ أم أنه اختفى من تلقاء نفسه؟

السيدة في ضيق: كيف يختفي من تلقاء نفسه …؟! هل سيسير وحده؟! لقد اختفى … سرقه أحد الزبائن الأدنياء.

تختخ: سرقه! وهل عرفت من هو السارق؟

السيدة: لا، فأنا لم أهتمَّ بضياعه، على العكس، لقد سعدت كثيرًا لأنه اختفى؛ فقد كان بضاعةً كاسدة، وأنا لا أُحب البضاعة التي تبقى طويلًا عندي.

نظر «تختخ» إلى الأصدقاء، وقد بدا في عينَيه الضيق والأسف، وكان هذا هو نفس شعور الأصدقاء الذين أحسُّوا مرةً أخرى أنهم قد وصلوا إلى طريقٍ مسدود.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤