القصر المهجور

بينما كان الأصدقاء يضحكون على ما حدث للشاويش «فرقع» وهو يحرك يديه ورأسه ليتفاهم مع «تختخ»، كان الشاويش «فرقع» قد أحضر مكواة ساخنة ومررها على الرسالة السرية فقرأ ما كتبه «تختخ»: صديقنا العزيز الشاويش «فرقع»:

أنت تظن أنك ستحل اللغز القادم قبلنا، ولكنك للأسف الشديد لن تستطيع، ونحن نتحداك أن تحله قبلنا، ولك قبلات المغامرين الخمسة، والكلب «زنجر».

جُنَّ الشاويش «فرقع» وهو يقرأ الرسالة الساخرة، وأخذ يقفز في الغرفة، ويصيح، ويُقسم أنه لا بد أن يقبض على الولد الأخرس، والمغامرين الخمسة، والكلب، وكل شيء، وسينتقم منهم جميعًا.

وأسرع يلبس ملابسه، وخرج يسأل كل من يقابله عن الولد الغريب الهيئة الأخرس، الذي كان يقف أمام منزله منذ ساعة.

واستطاع الشاويش أن يعرف الولد الغريب الهيئة قد قابل الأصدقاء، واتجه معهم إلى منزل «تختخ» فأسرع إلى هناك.

استقبل الأصدقاء الشاويش بالترحيب، ولكن الشاويش لم يلتفت إلى ترحيبهم بل صاح فيهم: أين الولد الأخرس؟

رد «تختخ» بهدوء: أي ولد؟ إننا لم نرَ ولدًا أخرس مطلقًا!

الشاويش: لا تحاولوا خداعي، لقد قابلتموه في الشارع، ومشى معكم إلى هنا، ودخل هذا المنزل منذ ساعة!

تختخ: إننا نؤكد لك يا حضرة الشاويش عدم وجود أي ولد هنا بهذه الصفة، وتفضل بالبحث في المنزل كله!

الشاويش: إنني أعرف ألاعيبكم، وقد شاهدت الولد الأخرس بنفسي وأحضر لي هذه الرسالة منكم، وسوف أقدمها لآبائكم جميعًا، ليعرفوا ماذا كتبتم لي، وبالتأكيد فإنهم سيعاقبونكم على ما فعلتم!

وانصرف الشاويش وهو غاضب، ممسكًا بالخطاب في يده.

وأحسَّ الأصدقاء بالخطر؛ فلو نفذ الشاويش تهديده، فسوف يكون موقفهم محرجًا أمام آبائهم وأمهاتهم.

قال «محب»: إنها مشكلةٌ مخيفةٌ. ولا بد أن نجد لها حلًّا.

ونظر الجميع إلى «تختخ» الذي كان يفكر بعمق، ولكن «عاطف» صاح: لقد وجدت الحل … وجدت الحل.

وسأله الأصدقاء في نفسٍ واحد: ما هو؟

عاطف: سنرسل خطابًا آخر إلى الشاويش، ونستعيد الخطاب الأول!

نوسة: كيف؟

عاطف: سأتنكر أنا في ثياب الولد الأخرس، وسترونني وأنا أحصل على الخطاب الآخر. إن الشاويش كما هو واضح مريض بالأنفلونزا لشدة البرد هذه الأيام، وسوف يعود إلى منزله الآن، وعلينا أن نكتب الرسالة بسرعة.

وأحضر الأصدقاء ليمونةً وعصروها، وكتبوا رسالة أخرى إلى الشاويش بخط «تختخ» هذا نصها: صديقنا العزيز الشاويش «علي».

إنك أعظم شاويش في الدنيا، وسوف تنجح في حل اللغز القادم قبلنا، ونحن جميعًا نحبك ونحترمك، ولك قبلات المغامرين الخمسة والكلب «زنجر».

خرج «عاطف» متنكِّرًا في ملابس الولد الغريب الأخرس بالشعر الخشن المنكوش، والحاجبين الثقيلين، والأسنان البارزة، والوجه الأصفر.

وتوجَّه «عاطف» إلى قرب منزل الشاويش وأخذ يتمشى حتى يستطيع الشاويش رؤيته.

وفي هذه الأثناء كان الشاويش قد استراح قليلًا، ثم لبس ملابسه وأخذ معه خطاب الأصدقاء السري، وخرج إلى الشارع، وكم كانت مفاجأة له عندما شاهد الولد الغريب يمشي قرب منزله.

أسرع الشاويش إلى «عاطف» والأصدقاء يراقبونه من بعيد، ثم جذبه من كتفه صائحًا: أين ذهبت؟

رد «عاطف» بإشارةٍ من يده تعني أنه لا يفهم شيئًا، فأخذ الشاويش يشير له بالخطاب ويسأله: من الذي أعطاك هذا الخطاب؟

وتظاهر «عاطف» بأنه لا يفهم شيئًا، ثم مدَّ يده وأخذ الخطاب من الشاويش، وفتحه ليقرأه، وتظاهر «عاطف» أن الريح قد أطارت الخطاب من يده، فتركه يسقط منه، ثم انحنى ليأخذه، وفعلًا أخذه، وبدلًا من أن يردَّه للشاويش، أعطاه الخطاب الثاني الذي كان يُعده في يده الثانية.

لم يحس الشاويش أن شيئًا قد حدث، أو أن الخطاب قد تغير، فأمسك بالخطاب الثاني وأخذ يصيح في وجه «عاطف»: لا بد أن تقول لي من الذي أرسل هذا الخطاب، هل هم هؤلاء الأولاد الذين يسمُّون أنفسهم المغامرين؟ سوف أذهب إلى آبائهم الآن، وسوف يعرفون كيف أن أولادهم يسخرون من رجلٍ مثلي يؤدي واجبه في حفظ الأمن! أما أنت فتعال معي إلى قسم الشرطة لأنني أريد التحقيق معك!

لم يكد «عاطف» يسمع هذا الكلام، حتى أخذ يبتعد عن الشاويش بخطواتٍ واسعة، وكان المساء قد أقبل، وبدأ الظلام يهبط على شوارع «المعادي»، فأسرع «عاطف» إلى أحد الشوارع الجانبية وأخذ يجري، ولكن الشاويش «فرقع» استطاع أن يسمع خطواته، وأن يتبعه جاريًا.

فوجئ الأصدقاء الذين كانوا ينتظرون «عاطف» من بعيدٍ بما حدث، فلم يستطيعوا متابعة المطاردة.

أخذ «عاطف» يجري والشاويش يجري خلفه حتى خرجا من «المعادي» إلى المزارع، وأحسَّ «عاطف» بالتعب لأن ملابس التنكر كانت ثقيلة، وأحسَّ بالخوف من أن يمسك به الشاويش ويعرف حقيقته، فقرر الالتجاء إلى قصرٍ قديم مهجور، والاختفاء في حديقته.

واستطاع «عاطف» فعلًا أن يصل إلى حديقة القصر، فقفز من السور مسرعًا واختفى وراء أحد الأشجار في الحديقة، ولكن الشاويش العنيد لم يفقد حماسته للمطاردة، فقفز هو الآخر السور وأخذ ينظر هنا وهناك محاولًا رؤية «عاطف».

كان الظلام قد هبط تمامًا، فلم يستطع الشاويش رؤية شيء، فأخرج مصباحه، وأخذ يديره هنا وهناك، وأدرك «عاطف» أنه لو بقي مكانه، فسوف يسقط عليه ضوء المصباح القوي ويراه الشاويش.

وبهدوءٍ جدًّا، أخذ «عاطف» يتسلق الشجرة التي يقف تحتها دون أن يحدث أي صوت، ولم يتوقف عن التسلق إلا عندما وصل إلى مستوى الدور الثالث في المنزل، فجلس على غصن الشجرة قريبًا من إحدى النوافذ.

دهش «عاطف» عندما وجد النافذة مفتوحة، فقد كان هذا القصر مهجورًا منذ سنواتٍ طويلة، ولا يدخله أحد، ووجود نافذة مفتوحة دليل على وجود سكان في المنزل، وأخذ «عاطف» ينظر إلى النافذة محاولًا رؤية ما بداخل الغرفة في الظلام، فلاحظ أن النافذة مشبكة بالقضبان الحديدية، والغرفة مفروشة فرشًا فاخرًا، وفجأة أحس «عاطف» بالخوف، عندما شاهد نقطةً بيضاء تتحرك في ظلام الغرفة، وكاد يطلق صرخة خوف، لولا أن تذكَّر أن الشاويش ما زال في حديقة المنزل يبحث عنه.

أمسك «عاطف» أنفاسه التي أخذت ترتفع، وارتعشت يداه وركبتاه وهو ينظر إلى النقطة البيضاء وهي تتحرك في الظلام، ثم تختفي، وتظهر مرةً أخرى، وهكذا.

ماذا يفعل الآن؟

إن الشبح أمامه، والشاويش «فرقع» تحته، وهو خائفٌ من الشبح والشاويش، ولكن بعد تفكيرٍ قرر «عاطف» أن ينزل فورًا، فالوقوع بين يدي الشاويش أفضل من ملاقاة الشبح ذي العين الواحدة.

ونزل «عاطف» من فوق الشجرة مسرعًا، ولحسن حظه لم يجد الشاويش الذي انصرف بعد أن يئس من العثور على «عاطف» في الظلام.

عاد الشاويش «فرقع» إلى منزله بعد أن أتعبه البرد والجري فأخذ يسعل ويشتم، ويقسم أن ينتقم من الأولاد الذين أتعبوه، وأن يعثر على الولد الأخرس بكل الطرق.

أما الأصدقاء فقد جلسوا في منزل «تختخ» في انتظار عودة «عاطف»، وقد أحسُّوا بالقلق والخوف لغيابه في هذا الظلام الكثيف، والبرد الشديد، وأخذوا يتحدثون عن مطاردة الشاويش ﻟ «عاطف»، ويتساءلون: هل أمسكه؟

كانت «لوزة» تبكي في صمت خوفًا على شقيقها «عاطف»، فقال لها «تختخ»: لا تبكي يا «لوزة»، إن المغامرين لا يبكون أبدًا، وأنت مغامرة ممتازة!

قالت «لوزة»: إنني أخشى أن يمسكه الشاويش، ويعرف تنكره، وقد يضعه في السجن، فيقضي الليل البارد وحيدًا على الأرض بلا غطاءٍ، ولا طعام!

ولكن لم تكد «لوزة» تنتهي من جملتها، حتى سمع الأصدقاء صوت أقدام على السلم، فأسرعوا بفتح الباب.

كان «عاطف» يقف على الباب وقد بدا عليه التعب الشديد، فأسرع الأصدقاء بإدخاله إلى الغرفة الدافئة، وقدم له «تختخ» كوبًا من الشاي الساخن.

ظلَّ «عاطف» ساكتًا لا يتحدث، وأخذ الأصدقاء ينظرون إليه في عطفٍ حتى انتهى من كوب الشاي، ثم سأله «تختخ»: ماذا حدث يا «عاطف»! وأين كنت؟ ولماذا تغيبت؟

لم يرد «عاطف»، ولكنه أخذ يخلع ملابس التنكر، والشعر الخشن، والحاجبين، ثم غسل وجهه، وأخيرًا أخذ يروي لهم مغامرته فوق الشجرة، ويصف لهم الشبح ذا العين الواحدة الذي رآه في ظلام الغرفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤