بداية مغامرة

في اليوم التالي أمطرت السماء كثيرًا، ولكن الأصدقاء خرجوا من منازلهم، والتقوا في منزل «عاطف»، أما الشاويش «فرقع» فقد قرر أن يمر بمنازل الأصدقاء، ليقدم إلى آبائهم وأمهاتهم الخطاب الساخر الذي أرسلوه له، وقال الشاويش في نفسه: إنهم لن يخرجوا في المطر، فهي فرصةٌ لوجودهم بالمنازل لأستمتع برؤيتهم وهم يتلقون العقاب.

وفعلًا، خرج الشاويش في المطر، وقرر أن يتوجه أولًا إلى منزل «عاطف»؛ لأنه قريبٌ من منزله، وأحسَّ الشاويش بالسعادة لأن الأصدقاء كانوا جميعًا هناك، فقد ضمن بهذا أن يتفرج عليهم جميعًا مرة واحدة.

جلس الشاويش في غرفة الصالون، وطلب مقابلة والد «عاطف» ووالدته فحضرا، ولما شرح لهما الشاويش ما حدث من الولد الأخرس، والرسالة التي أحضرها له من الأصدقاء الخمسة، طلب والد «عاطف» من الأصدقاء أن يحضروا جميعًا.

دخل الأصدقاء، فوجدوا الشاويش «فرقع» يمسك بالرسالة السرية في يده، فابتسموا جميعًا، وأحسَّ الشاويش بالقلق لهذه الابتسامة الجماعية، ولكنه قال: لم يكن يصح من أولاد مهذبين مثلهم أن يرسلوا هذه الرسالة الساخرة مني، وأن يقولوا فيها إنهم سيحلون الألغاز أفضل مني.

قال «عاطف» بهدوء: إننا نرجو أن تقرأ هذه الرسالة.

وأمسك الشاويش بالرسالة وفتحها، ونظر فيها فلم يجد شيئًا، قلبها فلم يجد شيئًا، وقال والد «عاطف»: إني أرى يا حضرة الشاويش أنها ورقةٌ بيضاء، فأين الرسالة التي تتحدث عنها؟

أحس الشاويش كأنه وقع في حوض ماء بارد، وأخذ يقلب الورقة مرةً ومرة ثم صاح: آه، لقد أدركت الآن، أن الرسالة مكتوبة بالحبر السري!

قالت والدة «عاطف» مندهشة: حبر سري؟

رد الشاويش: نعم، حبرٌ سري، ولتسمح سيدتي بأن تحضر لي مكواة حامية، إذا لم يكن هذا يزعجها!

وخرجت أم «عاطف» وهي تهز رأسها في دهشة، ثم عادت بعد دقائق وبيدها المكواة، فأخذها الشاويش، ومر بها على الورقة، فظهرت الكتابة، فمد الشاويش يده بالرسالة إلى والد «عاطف»، وطلب منه أن يقرأها، وضع والد «عاطف» نظارته على عينيه، ثم أخذ يقرأ بصوتٍ مرتفع: صديقنا العزيز الشاويش «علي»: إنك أعظم شاويش في الدنيا، وسوف تنجح في حل اللغز القادم قبلنا، ونحن جميعًا نحبك ونحترمك، ولك قبلات المغامرين الخمسة والكلب «زنجر».

لم يصدق الشاويش أذنيه فصاح: لا يمكن، هذا لا يمكن، لا بد أن نظارتك ليست مضبوطة يا سيدي، اسمح لي أنا بقراءتها.

أخذ الشاويش الورقة من والد «عاطف» الذي ضايقته كلمات الشاويش عن نظارته، وأمسك الشاويش بالورقة وأخذ يقرأ ببطء: صد…ﻳﻗ…نا … الشا…و…يش … علي … إنك … أعظم شاويش … في الد…نيا …

وصاح الشاويش في عصبية: غير معقول … غير ممكن … هناك لغز، الرسالة لم تكن هكذا … ثم تحولت إلى ورقة بيضاء …

ثم تحولت إلى رسالةٍ أخرى … ثم …

قال والد «عاطف» في ضيق: ثم ماذا يا حضرة الشاويش؟

لم يتمالك الشاويش أعصابه، فوقف في هياج، ثم أسرع يغادر الغرفة وهو يزعق بأعلى صوته: غير ممكن … غير معقول … هناك لغز!

وضحك والد «عاطف»، وهو يقول: ماذا حدث للشاويش! إنه في حالةٍ غير عادية.

وضحك الأصدقاء طويلًا ثم عادوا إلى غرفة «عاطف»، ليواصلوا الحديث عن لغز الغرفة السرية، والشبح ذي العين الواحدة.

قال «تختخ»: هل أنت متأكد يا «عاطف» أنك رأيت شبحًا ذا عينٍ واحدة!

قال «عاطف»: طبعًا، وهل هناك سبب لأن أكذب عليكم!

تختخ: طبعًا أنت لا تكذب ولكني أقصد أنك قد تكون واهمًا!

عاطف: كيف أكون واهمًا وقد شاهدته بعيني!

تختخ: مثلًا، قد تكون البقعة البيضاء المتحركة من انعكاس نور المصباح الذي كان يمسكه الشاويش «فرقع»!

عاطف: لقد فكرت في هذا، ولكن الشاويش لم يرفع مصباحه إلى فوق أبدًا، والذي رأيته لم يكن يتحرك على الحائط مثلًا، لقد كان يتحرك داخل الغرفة.

تختخ: في هذه الحالة فإن أمامنا لغزًا من أصعب الألغاز وأخطرها!

لوزة: صحيح يا «تختخ»!

تختخ: طبعًا، إنه لغزٌ عجيب ومثير!

لوزة: وهل سأشترك فيه؟

عاطف: أنتِ ما زلت صغيرة، وهذا اللغز لا يحلُّه إلا الكبار!

تختخ: أبدًا، فقد نحتاج إليها، فهي فتاةٌ ذكية!

محب: والآن ماذا سنفعل؟

نوسة: أعتقد أن علينا أولًا أن نعرف من هو صاحب القصر المهجور!

تختخ: معقول جدًّا، ولكن كيف؟

محب: نسأل مكاتب بيع شراء العمارات في «المعادي»، وبالتأكيد سيكون عندهم اسم صاحب القصر!

وأحضر «عاطف» دليل التليفونات، وأخذوا يبحثون عن أسماء مكاتب السماسرة الذين يبعيون ويشترون مثل هذه البيوت.

وأمسك «تختخ» بسماعة التليفون، وأخذ يسأل عن اسم صاحب القصر حتى عرف أنه سيدة تدعى «لطيفة هانم الشرقاوي».

اتصل «تختخ» ﺑ «لطيفة هانم» فقالت له إنها باعت القصر منذ شهور لرجلٍ يُدعى «كمال كامل» وأعطته رقم تليفونه في «القاهرة».

قال «تختخ»: لقد توصلنا الآن إلى معرفة اسم صاحب القصر المهجور، وقد علمت من «لطيفة هانم» أنه اشتراه منها بعد إلحاحٍ شديد، وادعى أن أحد أجداده كان يسكن في هذا القصر؛ لهذا فهو يريد شراءه بأي ثمن!

سألت «نوسة»: وماذا نفعل؟ هل نتصل بالسيد «كمال كامل»؟

محب: أخشى إن اتصلنا به أن يظن شيئًا، فإذا كان القصر يُستخدم لأغراض ضد القانون، فسوف يأخذ هذا الرجل حذره!

تختخ: إنني أفضل الاتصال به على كل حال، وسوف نعرف من أسلوب حديثه، وردِّه على أسئلتنا نوع الرجل!

وقام «تختخ» مرة أخرى إلى التليفون وطلب رقم الأستاذ «كمال كامل».

فرد عليه صوت خشن يسأل: «من المتحدث؟»

قلد «تختخ» صوت رجل وقال: إنني «توفيق خليل»، وكنت أريد سؤالك عن القصر الذي تملكه في «المعادي»!

سمع «تختخ» صوت شهقة قوية، ثم ساد الصمت فترةً طويلة حتى ظن «تختخ» أن الخط قد قطع، فقال: آلو … آلو … أستاذ «كمال» هل تسمعني؟

ورد الصوت في ترددٍ: نعم … إني أسمعك!

تختخ: هل تسكن في القصر أو تزوره بين فترةٍ وأخرى؟

وعاد الصمت من جديد، فقال تختخ: آلو … أستاذ «كمال»، هل تسمعني؟

ودون أي رد وضع الرجل سماعة التليفون، فأخذ «تختخ» يدقُّ على حامل السماعة مرة … ومرات دون فائدة، فوضع السماعة ونظر إلى الأصدقاء قائلًا: إننا أمام لغز حقيقي، وإنني متأكدٌ أن وراء الأستاذ «كمال» هذا سرًّا كبيرًا!

نوسة: إنني أحس بخطورة هذا اللغز، وأقترح أن نبلغ المفتش «سامي» بالمعلومات التي حصلنا عليها حتى الآن، ونتركه يتصرف كما يشاء!

محب: إنه اقتراحٌ سخيف؛ فالمعلومات التي عندنا حتى الآن لا تدل على شيءٍ محدد؛ فما معنى أن «عاطف» قد شاهد عينًا بيضاء تتحرك في الظلام، أو أن الأستاذ «كمال» لم يرد على أسئلةٍ من حقه ألا يرد عليها، إننا يجب أن نبذل مجهودًا أكبر!

عاطف: فعلًا، وإلا فلماذا نسمي أنفسنا المغامرين الخمسة؟!

تختخ: سوف ألبس ملابس التنكر، وأدخل إلى القصر!

سكت الأصدقاء جميعًا عندما سمعوا هذا القرار، فكيف يدخل «تختخ» إلى قصر تسكنه الأشباح، أو ربما كانت فيه عصابة خطيرة.

وبعد ترددٍ لم يَطُل قالت «لوزة» في صوتٍ ضعيف: لا يا «تختخ»، إننا لن نوافق على دخولك القصر!

تختخ: ليس هناك حل آخر إلا هذا الحل!

محب: في هذه الحالة لا بد أن يدخل معك واحد منا!

تختخ: لا تخافوا، وكل ما أطلبه منكم أن تراقبوا القصر عندما أكون فيه؛ فقد أحتاج لكم، أو أرسل لكم رسالة سرية!

لوزة: إذن فقد كنت تعلمنا طرق الخروج من الغرف المغلقة، وكتابة الرسائل السرية لهذا السبب!

تختخ: نعم، فسوف نحتاج إلى رسائل سرية في هذه المغامرة الخطرة!

محب: ومتى تدخل القصر يا «تختخ»؟

تختخ: هذه الليلة، فإنني لا أريد أن يراني أحد، وأنا أدخل إلى القصر، خاصة الشاويش «فرقع» الذي سيراقبنا جيدًا، ليعرف لغز الولد الأخرس، والرسائل السرية.

وقد كان «تختخ» على حق؛ فالشاويش «فرقع» لم يبلع الهزيمة الفظيعة التي أوقعها به الأصدقاء، وقرر مراقبتهم مراقبةً كاملة حتى يتمكن من معرفة لغز الولد الأخرس، وقد ظن أن الأصدقاء قد عرفوا لغزًا كبيرًا سيحلونه، ويخبرون المفتش «سامي»، ويصبح موقفه مخجلًا أمام رئيسه كما حدث في «لغز الكوخ المحترق»، و«لغز البيت الخفي»، و«لغز العقد المختفي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤