مشكلة اللغات النوبية
-
المجموعة الكنزية الدنقلاوية، وتشمل سكان النوبة في أقصى الشمال والجنوب.
-
مجموعة المحس التي يتكلم بها المحس والسكوت والفديجة «النوبية» في لهجات متقاربة، ويحتلون الجزء الأوسط من إقليم النوبة الجغرافي.
وذلك على عكس رأي جرينبرح ١٩٧١، الذي يرى أن اللغة النوبية القديمة هي شكل سابق للهجة المحس-الفديجة؛ بمعنى أن الكنزية والدنقلاوية أحدث من المحسية.
أما هرتزوج فيرى أن سكان النوبة منذ عصر مجموعة (ج) الحضارية؛ أي تقريبًا منذ عهد الدولة الوسطى في مصر، قد أصبحوا شعبًا خليطًا نتيجة ضغط المجموعات الزنجية المستمر — الذي توجد له إشارات في السجلات المصرية منذ الدولة الوسطى — وأنهم كانوا يتكلمون أصول اللغة النوبية؛ بدليل وجود كلمات مصرية قديمة في اللغة النوبية، وأن النوبية قد تأصلت بدخول المسيحية التي استمدت الكثير من مركبها الحضاري من مصر، وخاصة نتيجة لكتابة لغة الكنيسة، وفي القرن العاشر بدأ تداخل القبائل العربية، وخاصة ربيعة والعليقات الذين استقروا في منطقة وادي العرب خالصة لهم، وكذلك كان التداخل نتيجة لزواج العرب من النوبيين الذين كانوا يمارسون شكلًا من نظام حق الأم — نظام الوراثة في خط الرحم — مما ساعد على تسرب الدماء العربية واعتداد النسل الجديد الناجم عن هذا الزواج بأصله العربي بحكم نظام النسب الأبوي العربي، ولكن ذلك لم يقض على اللغة الأم بحكم نشأة الأطفال مع أمهاتهم.
وفي القرن ١٦ نشأت مملكة الفنج العربية في السودان الأوسط، وبسطت نفوذها على إقليم دنقلة فزاد استعرابه، وظل باقي النوبة من أسوان إلى بلاد المحس تابعة لمصر العثمانية، ونجم عن إنشاء الحاميات العثمانية وتزاوج جنودها بالنوبيات تأثير لغوي، أدى إلى تكوين مجموعة المحس اللغوية من بلاد المحس جنوبًا حتى كورسكو شمالًا؛ وبذلك انفصلت الكنزية عن الدنقلاوية، وكلتاهما وقعتا أيضًا تحت تأثير لغوي عربي، بداية من القرن العاشر «الكنوز» والقرن ١٤ «الدناقلة».
ولكل من الرأيين وجاهته، ويشتركان معًا في أن المجموعة اللغوية الكنزية الدنقلاوية هي الأقدم، بينما تشكلت المجموعة المحسية فيما بعد فاصلة — هي وعرب العليقات — بين الكنوز والدناقلة.
•••
وقد ثار جدل كثير حول اسم «الفديجة»: هل هم مجموعة لغوية أم جزء من اللغة المحسية. وأول من ذكر مصطلح «فديجة» هو ليو راينش، ولم يذكره أحد غيره، وقد انتقد لبسيوس بعنف رأي راينش في هذا الموضوع، وقد حاول البعض إيجاد تفسير للمصطلح وكيفية نشأته، بالاستناد إلى تفسيرات عديدة من السكوت على أنه لغويًّا بمعنى «سنهلك». ويرى الأستاذ محمد عوض أنه مصطلح أطلق على جماعة من المحس والسكوت هاجروا إلى جنوب النوبة المصرية هربًا من حكم المهدية، والرأي الذي يلقى قبولًا من الباحثين أنه «كنية» أو اسم للتشهير بمن يُطلق عليهم، والاسم ليس شائعًا بين السكان المشار إليهم به، بل هم يستخدمون اسم «النوبيين» لشعبهم، مقابل اسم الكنوز لسكان شمال النوبة.
•••
وهناك مصطلح آخر «صعيدوكي» يطلقها الكنوز أحيانًا على النوبيين، على نحو ما هو دارج في بقية مصر من تسمية جنوب الوادي باسم الصعيد.
والملاحظة الأخيرة في موضوع اللغة أن العزلة النسبية بين القرى والمحلات السكنية في النوبة بإطلاق، بالإضافة إلى تنوع الاتصال بجماعات عديدة مختلفة اللغة — العرب والبجة والعثمانلية والغز والزنوج المسترقين — قد أدت إلى تنوع استخدام كلمات ومصطلحات حتى بين القرية والأخرى في بلاد الكنوز وبلاد النوبيين؛ نتيجة كثافة الصلة مع العرب أو العثمانلية أو أنواع الرقيق الزنوج، وذلك على نحو الاختلاف بين سكان الشرقية وسكان البحيرة أو الفيوم ومحافظات صعيدية أخرى، وربما كان هذا هو السبب في اختلاف العلماء حول لغات النوبة، التي هي لا شك في انتمائها إلى مجموعتين هما: الكنزي-الدنقلاوي من ناحية، والمحسي بتفريعات لهجاته من ناحية ثانية.
•••
وبعد انتقال النوبيين إلى منطقة كوم أمبو سوف تتأثر اللغات واللهجات النوبية بوجودها في محيط عربي اللسان.
فلقد كانت العزلة السابقة في بلاد النوبة قبل السد العالي أحد العوامل لبقاء اللغة حية؛ نتيجة لبقاء معظم النساء في ديارهم.
أما الآن فإن الرجال والنساء على حد سواء قد يفقدون اللغة الأصلية تدريجيًّا نتيجة المعاملات مع جيرانهم في المواطن الجديدة، ونتيجة سهولة الحركة إلى المدن المصرية، وأخيرًا نتيجة لوسائل الإعلام المختلفة وبوجه خاص الوسائل المرئية منها.
بينما يرى روبرت فرنيا أن الكنوز هجرة حديثة نسبيًّا من دنقلة إلى شمال النوبة المصرية، ففصلت بذلك شعبًا واحدًا هو الفديجة وجعافرة شمال محافظة أسوان، ويؤسس رأيه على أن النوبيين يرون الجعافرة نوبيين تمصروا واستعربوا بحكم مواقع استيطانهم شمال أسوان.
Fernea, R, “Egyptian Nubians” (S.R.C. American Universty, Cairo) and University Of Texas, Austin, London, 1973.